أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حماده ولعه - التسول بإسم الإنجيل بين أبونا وبولس الرسول















المزيد.....



التسول بإسم الإنجيل بين أبونا وبولس الرسول


حماده ولعه

الحوار المتمدن-العدد: 5451 - 2017 / 3 / 5 - 22:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قنوات فضائية مسيحية كثيرة ظهرت ؛ وتظهر كل يوم تدعي الكرازة والبشارة بالإنجيل وفي لغات متعددة ؛ وأشهرها الناطقة باللغة العربية ؛ ورابط هذه القنوات الفضائية الوحيد وشغلها الشاغل وديدنها اللازم هو الشحاذة والتسول وطلب المال والدعم المالي على وجه الخصوص لتستمر القناة بالبشارة بملكوت يسوع والكرازة بإسمه تحت عنوان وغطاء طلب التبرع !! تبرع يعني شحاذة وتسول ولا يعني شيئا أو أمرا آخر ؛
والعجيب أن تسول المال من المشاهدين ومتابعي هذه الفضائيات يتكرر كل ساعة وفي كل برنامج تبثه هذه القناة أو تلك ؛ وأيضا بين فاصل وآخر ؛
ودون حياء أو خجل ؛
فهل طلب يسوع نفسه المال مقابل رسالته وهو على الأرض ؟! أليس هو القائل: مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا !! فلماذا إذن يصر ملاك تلك الفضائيات على التسول بغطاء طلب التبرع المالي حتى لا تتوقف القناة عن البث ؟! ( مش قد الشيله لا تشيل ) ؛

لكن وأنا أقرأ رسائل بولس الرسول وتحديدا رسالته إلى أهل كورنثوس إصحاح 9 وجدت ما يلي :

1 أَلَسْتُ أَنَا رَسُولاً؟ أَلَسْتُ أَنَا حُرًّا؟ أَمَا رَأَيْتُ يَسُوعَ الْمَسِيحَ رَبَّنَا؟ أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ عَمَلِي فِي الرَّبِّ؟
2 إِنْ كُنْتُ لَسْتُ رَسُولاً إِلَى آخَرِينَ، فَإِنَّمَا أَنَا إِلَيْكُمْ رَسُولٌ! لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ خَتْمُ رِسَالَتِي فِي الرَّبِّ.
3 هذَا هُوَ احْتِجَاجِي عِنْدَ الَّذِينَ يَفْحَصُونَنِي:
4 أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَأْكُلَ وَنَشْرَبَ؟
5 أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟
6 أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ لاَ نَشْتَغِلَ؟
7 مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْمًا وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ؟ أَوْ مَنْ يَرْعَى رَعِيَّةً وَمِنْ لَبَنِ الرَّعِيَّةِ لاَ يَأْكُلُ؟
8 أَلَعَلِّي أَتَكَلَّمُ بِهذَا كَإِنْسَانٍ؟ أَمْ لَيْسَ النَّامُوسُ أَيْضًا يَقُولُ هذَا؟
9 فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ مُوسَى: «لاَ تَكُمَّ ثَوْرًا دَارِسًا». أَلَعَلَّ اللهَ تُهِمُّهُ الثِّيرَانُ؟
10 أَمْ يَقُولُ مُطْلَقًا مِنْ أَجْلِنَا؟ إِنَّهُ مِنْ أَجْلِنَا مَكْتُوبٌ. لأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَرَّاثِ أَنْ يَحْرُثَ عَلَى رَجَاءٍ، وَلِلدَّارِسِ عَلَى الرَّجَاءِ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا فِي رَجَائِهِ.
11 إِنْ كُنَّا نَحْنُ قَدْ زَرَعْنَا لَكُمُ الرُّوحِيَّاتِ، أَفَعَظِيمٌ إِنْ حَصَدْنَا مِنْكُمُ الْجَسَدِيَّاتِ؟
12 إِنْ كَانَ آخَرُونَ شُرَكَاءَ فِي السُّلْطَانِ عَلَيْكُمْ، أَفَلَسْنَا نَحْنُ بِالأَوْلَى؟ لكِنَّنَا لَمْ نَسْتَعْمِلْ هذَا السُّلْطَانَ، بَلْ نَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيْءٍ لِئَلاَّ نَجْعَلَ عَائِقًا لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.
13 أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الأَشْيَاءِ الْمُقَدَّسَةِ، مِنَ الْهَيْكَلِ يَأْكُلُونَ؟ الَّذِينَ يُلاَزِمُونَ الْمَذْبَحَ يُشَارِكُونَ الْمَذْبَحَ؟
14 هكَذَا أَيْضًا أَمَرَ الرَّبُّ: أَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَ بِالإِنْجِيلِ، مِنَ الإِنْجِيلِ يَعِيشُونَ.

وبالرجوع إلى شرح القمص تادرس يعقوب ملطي وجدت ما يلي

يطالب القديس بولس المؤمنين الأقوياء أن يحتملوا من أجل الضعفاء حتى يتأسسوا في نعمة الله. هذا هو عمل الحب الإلهي في قلوبهم، إذ يهبهم أن يقدموا تنازلات من أجل خلاص إخوتهم.

في هذا الأصحاح يؤكد الرسول بولس حقيقيتين تمسان خدمته:

الأولى: يؤكد صدق رسوليته ضد الذين ينكرونها، وذلك ليس طلبًا للمجد، بل من أجل بنيان الشعب، موضحًا أن ما يشغله هو خلاص الغير حتى في دفاعه عن نفسه. إذ هاجمت بعض الفرق الرسول بولس في رسوليته بحجة أنه لم يَرَ السيد المسيح حين كان على الأرض، ولم يختره بين الاثني عشر تلميذًا أو السبعين رسولًا، لذلك أكد رسوليته وحريته في قبول الخدمة الرسولية [1]. يجيب عليهم أنه قد رأى الرب وهو في طريقه إلى دمشق؛ وأنه قد خدم، وهم ختم رسالته في الرب [2]. وأنهم هم مخدوميه الأخصاء بالنسبة له.

والثانية:اعتاد الرسول ألا يقدم وصايا ما لم يختبرها في حياته. إنه كارز عملي، يقدم نفسه مثالًا حيًا لمخدوميه من جهة تنازلاته عن حقوقه الرسولية لأجل خلاص إخوته. فمع صدق رسوليته تنازل عن كثير من حقوقه.
* من حقه أن يأكل من الإنجيل [4]، لكنه رفض لكي لا يعثر أحدًا، فإنه وحده مع برنابا كانا يشتغلان ليعيشا ولا يسببا ثقلًا على الخدمة [6].
* من حقه أن يجول بأخت زوجة كباقي الرسل وأخوة الرب (أولاد خالته) [5]، أي يتزوج ويعيش معها كأخت تشاركه أسفاره. لكنه رفض لكي يتفرغ للخدمة تمامًا ويتحرك بأكثر سرعة لحساب ملكوت الله.
* من حقه أن يمارس حريته، لكنه بكامل حريته اختار التنازل عن حريته، فاختار أن يكون ليس ملكًا لنفسه بل للكل كي ينعموا بحرية مجد أولاد الله. يكون عبدًا لا لشخصٍ ما أو لعائلةٍ ما وإنما للجميع لكي يربح الكثيرين للمسيح [19].
* من حقه أن يسلك كمن هو قوي لكنه صار ضعيفًا ليربح الضعفاء، وصار للكل كل شيء ليُخلص على كل حالٍ قومًا (22:9).
حقه أن يأكل من الإنجيل
بعد أن أكد رسوليته أوضح حقوقه كرسول، وكيف تنازل عنها بإرادته من أجل محبته لخلاص البشرية.
"هذا هو احتجاجي عند الذين يفحصونني" [3].
يتحدث الرسول بولس كمتهمٍ في محكمة يسمع الاتهامات الموجهة ضده ويجيب عليها بكل صراحةٍ وفي حبٍ، وقد أقامهم قضاة ليحكموا بصدق رسوليته.
"ألعلنا ليس لنا سلطان أن نأكل ونشرب؟" [4]
كلمة "سلطان" هنا معناها "حق"، فانه حق رسولي له أن يأكل ويشرب من خلال خدمته علي حساب الكنائس التي يكرز فيها. لم يطلب الكماليات ولا الغنى، إنما يطلب حد الكفاف وهو الأكل والشرب لكي يعيش ويخدم.
* التزم الرسول أن يقدم برهانًا على ذلك، مشيرًا إلي أنه ترك حتى الأمور المسموح بها، حتى لا يوجد عثرة لأحد، مع أن لا يوجد قانون يلزمه بهذا... فإن كان قد فعل أكثر مما يطلبه الناموس حتى لا يتعثروا وامتنع عما هو مسموح به من أجل بنيان الغير، فماذا يستحق هؤلاء الذين لم يمتنعوا عن ذبائح الأوثان، حيث بذلك يهلك كثيرون؟ الأمر الذي يلزم للشخص أن يتركه بغض النظر عن عثرة الآخرين فيه، لأنها "مائدة شياطين"؟[550]
إذ يظهر لكم أني قد امتنعت عن الأشياء المسموح في بها، فليس من العدالة أن تتشككوا فيَّ كمخادعٍ أو من يعمل لأجل الربح[551].
القديس يوحنا الذهبي الفم
"ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل واخوة الرب وصفا؟" [5]
يري القديس إكليمنضس السكندري أن الرسل كانوا يجولون ومعهم نساؤهم اللواتي كن يشاركونهم الإيمان، ليس كزوجات بل كأخوات، حتى يخدمن ربات البيوت، حتى يدخل تعليم الرب إلي حياة النساء دون أية تشكك.
* ركز الرسل على الكرازة بدون تشتيت، فأخذوا زوجاتهم معهم كأخوات مسيحيات أكثر منهن زوجات، ليكن زملاء لهم في خدمة نساء البيوت حتى يُبلغ إليهن الإنجيل بدون عائق[552].
القديس إكليمنضس السكندري
"أم أنا وبرنابا وحدنا ليس لنا سلطان أن لا نشتغل؟" [6]
كان كلا من الرسولين بولس وبرنابا يعملان بإرادتهما لكي لا يعتازا إلي أحد. كان يمارسان حرفة مثل صنع الخيام (أع 18: 3؛ 20: 34؛ 2 تس 3: 8).
"من تجند قط بنفقة نفسه؟
ومن يغرس كرمًا ومن ثمره لا يأكل؟
أو من يرعى رعية ومن لبن الرعية لا يأكل؟" [7]
أكمل الرسول حديثه مقدمًا أمثلة من الواقع العملي ليدافع فيها عن نفسه، فالجندي الروماني يتوقع أن ينال أجرة ومئونة من الطعام مقابل خدمته للوطن لكي يعيش، والزارع والراعي للغنم يتوقعان عائدًا يعيشا به مقابل أتعابهما.
يشبه الرسول نفسه كجندي لا يتوقف عن الجهاد كما في معركة الخدمة، وكغارس كرم يُسر بالثمر، وكراعٍ يترفق بالقطيع العاقل. ومع هذا لم يأخذ أجرة كجندي، ولا انتظر ثمر الكرم، ولا طلب لبن القطيع! أنه لم يطلب حتى الضروريات "نفقة نفسه"! لقد تعدي ما هو طبيعي ومعقول من أجل محبته للخدمة.
تشبه الكنيسة كجيش بألوية (نش 6: 4) وككرمة (نش 5)، وأيضا كقطيعٍ عاقل (يو 21: 15- 17).
غالبًا ما تكون أجرة رعاة الغنم في الشرق ليست مبلغًا من المال بل نسبة من اللبن الذي من القطيع. يقوم الألبانيون برعاية القطيع ملك الأتراك، فيعيشون في أكواخ فقيرة للغاية وينالون عُشر الناتج من اللبن كأجرة لهم يعيشون به. والرعاة أيضًا في أثيوبيا لا يأخذون أجرة مادية بل نصيبًا من اللبن والزبدة الناتجة عن البقر.
الخادم الحقيقي هو جندي روحي (2 تي 2:3) وكرام (1كو 3: 6-8) وراع (1 بط 5:2،4).
* أسألكم أن تتأملوا كيف اختار أمثلة مناسبة لتحقيق هدفه. فقد بدأ أولا بالأمور التي يصحبها الخطر أي الجندية والجيوش والحروب. فإن الرسولية هي شيء من هذا القبيل، بل بالأحرى أكثر منها خطورة. فإن حربهم ليست مع أناسٍ بل ومع الشياطين، ضد رئيس هذه الكائنات...
"ومن يغرس كرما ومن ثمره لا يأكل؟" فكما أشار المثال السابق إلي مخاطره هكذا يبرز هنا أتعابه ومشاقه الكثيرة واهتمامه.
يضيف أيضًا مثالًا ثالثًا، قائلًا: "أو من يرعى رعية ومن لبن الرعية لا يأكل؟" فإنه يستعرض هنا الاهتمام العظيم الذي يظهره المعلم نحو من يرعاهم[553].
* لقد أظهر نوعية الكاهن وماذا يجب أن يكون عليه. إذ يلزمه أن يحمل شجاعة الجندي، واجتهاد الفلاح، واهتمام الراعي، وفوق هذا كله ألا يطلب شيئًا أكثر من الضروريات[554]
القديس يوحنا الذهبي الفم
"ألعلي أتكلم بهذا كإنسان؟
أم ليس الناموس أيضًا يقول هذا؟" [8]
"أتكلم بهذا كإنسانٍ" تحدث أولًا بالمنطق البشري، ثم أكمل بالمنطق الإلهي أو ناموس الله [15].
كأنه يقول: "العلي انطق بهذا من عندي دون اللجوء إلي القانون الإلهي؟ أليس ما يبدو عدلًا ومقبولًا يسنده السلطان الإلهي نفسه؟"
إذ كانت الاعتراضات صادرة بالأكثر من الذين هم من أصل يهودي في الكنيسة بكورنثوس لجأ إلي ناموس موسي نفسه، فقد اعتاد الرسول أن يلجأ إلي العهد القديم حينما يتحدث مع اليهود.
"فإنه مكتوب في ناموس موسى: لا تكم ثورًا دارسًا.
ألعل الله تهمه الثيران؟" [9]
بعد أن لجأ إلي أمثلة من الواقع العملي اليومي، والقوانين العامة المقبولة علي مستوي كل البشر، التجأ إلي الناموس، فالشريعة تطالب بأن يتمتع خادم الله بما يكفل له حياته.
"العل الله تهمه الثيران؟" لقد اهتمت الشريعة بتقديم ما فيه راحة الثيران (تث 25: 4)، أفلا تهتم بالأولى بالإنسان الذي من أجله خُلقت الثيران، والذي تُقدم كذبائح من أجل تطهيره؟!
لقد أعطاه الناموس حق التمتع بالبركات الزمنية بقوله: "لا تكم ثورًا دارسًا"، فشبه نفسه بالثور الذي يدرس، ومع ذلك لم يذق شيئًا مما يدرسه!
لا يعني هذا أن الرسول ينكر اهتمام الله بالثيران، لكنه إذ وضع هذا المبدأ اهتمامًا بالحيوانات أفليس بالأولى تطبيقه علي الإنسان، خاصة في خدمته لله؟
* "ألعل الله تهمه الثيران؟" (1 كو 9: 9) أخبرني، ألا يهتم الله بالثيران؟ حسنًا إنه يهتم بها، لكن بأن يسن قانونًا خاصًا بهذا. لهذا لو لم يكن بهذا يلمح إلي أمرٍ هام، مدربًا اليهود على عمل الرحمة في حالات البهائم، وبذلك يشجعهم أن يفعلوا هذا مع المعلمين أيضًا، لما كان أعطى اهتمامًا عظيمًا حتى يسن شريعة تمنعهم من أن يكموا فم الثور[555].
القديس يوحنا الذهبي الفم
"أم يقول مطلقا من أجلنا،
أنه من أجلنا مكتوب،
لأنه ينبغي للحراث أن يحرث على رجاء،
وللدارس على الرجاء،
أن يكون شريكًا في رجائه" [10].
ما جاء في الناموس لم يكن من أجل إنسانٍ معين، فلم يكن في ذهن موسى شخص الرسول بولس أو غيره إنما ما سجله هو من قبل الله لأجل كل بشر، لكي يعمل الكل بروح الرجاء حتى يحصدوا ثمر تعبهم ويفرحوا بنجاح تعبهم.
"إن كنا نحن قد زرعنا لكم الروحيات
أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات؟" [11]
لقد بذل الرسول حياته كل يوم لكي يزرع لهم الروحيات ويتمتعوا بالخلاص الإلهي، فهل كثير عليه أن ينال قوت جسده؟ زرع الرسول فيهم بذار الإنجيل ووهبهم فرح الرجاء في السماويات. زرع فيهم ما هو أعظم من كل ما في العالم، إذ قدم لهم الحياة المقامة عوض الموت، وعمل في حياتهم كطبيب وكرام وراع ومحام... لأجل مجدهم الأبدي، فكيف لا يتفرغ لهذا العمل العظيم تاركًا الاهتمام بالاحتياجات الضرورية لحياته اليومية للكنيسة؟ إنه يعمل لحساب كل فرد كما لبنيان الجماعة كلها لذا لاق به التفرغ الكامل لهذه الرسالة البناءة.
يقول: ليت التلميذ لا يحتفظ بشيء لنفسه، بل يكون كل ما لديه عام للجميع، لأن ما يعطيه أفضل مما يأخذه، كما أن السماويات أفضل من الأرضيات[556].
القديس يوحنا الذهبي الفم
يؤكد بولس الحقيقة بأن زملاءه الرسل لم يخطئوا بأي حال عندما لم ينشغلوا بالعمل اليدوي من أجل ضرورات المعيشة، وإنما كما وجه الرب أن يعيشوا من الإنجيل، قبلوا ذلك. فلم يدفعوا شيئًا مقابل القوت الجسدي لأولئك الذين تمتعوا بالقوت الروحي دون أن يُطلب منهم شيئًا[557].
القديس أغسطينوس
"إن كان آخرون شركاء في السلطان عليكم،
أفلسنا نحن بالأولى؟
لكننا لم نستعمل هذا السلطان،
بل نتحمل كل شيء لئلا نجعل عائقا لإنجيل المسيح" [12].
يقصد بالآخرين هنا الرسل الحقيقيين، وريما يقصد الرسل الكذبة (2 كو 11: 13). لقد نال شركاؤه في الرسولية هذا الحق، وكان هو أولى منهم، لأنه هو الذي أسس الكنيسة في كورنثوس، لكنه خشي أن يأخذ شيئًا فيعيق إنجيل المسيح.
يتحدث عن المعلمين في كورنثوس "الآخرين"، فإنهم إذ يعيشون في وسطهم تلتزم الكنيسة بكل احتياجاتهم. هؤلاء دخلوا علي تعب الرسول بولس الذي احتمل الميتات كل النهار لأجلهم، وقبل الفقر والجوع والعطش والعري بل والاتهامات الباطلة لأجل إقامة هذه الكنيسة. فهو أولى منهم في تمتعه بحقه هذا، ومع ذلك فمن أجل إنجيل المسيح يتنازل عن حقه، حتى يستطيع أن يجتذب قلوب وأفكار الكل إلي الإنجيل.
وضوح الهدف لدي معلمنا بولس الرسول جعله يقبل الآلام ليس فقط بدون شكوى أو تذمر، بل بفرحٍ وسرورٍ كعلامة حب حقيقي لتحقيق رسالة السيد المسيح به.
* إنه أمر شرعي (أن يعيش الكارزون من الإنجيل)، وقد أظهر ذلك بطرق كثيرة: من حياة الرسل، ومن الحياة اليومية، من الجندي والفلاح والراعي، ومن شريعة موسى، ومن الطبيعة عينها. فإننا نزرع فيكم الروحيات، ومما أنتم أنفسكم تفعلونه مع الآخرين.
وضع هذه الأمور وتنازل عنها فلئلا يبدو أنه يُخجّل الرسل الذين يأخذون... أو لئلا يظنّوا أنه يود أن يأخذ لنفسه لذلك يصحح الآن الوضع[558].
القديس يوحنا ذهبي الفم
"ألستم تعلمون أن الذين يعملون في الأشياء المقدسة من الهيكل يأكلون؟
الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح؟" [13].
"هكذا أيضًا أمر الرب:
أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون" [14].
لئلا يظنوا أنه يعتمد علي شريعة موسى في العهد القديم التي يظن البعض إنها قد أبطلت قدم أيضًا وصية إلهية علي فم الرب نفسه فقال: "هكذا أيضًا أمر الرب" [14]
ولئلا يظنوا أنه يهين شركاءه في الخدمة لأنهم ينالون الضروريات خلال خدمتهم أكد أن التقليدين القديم والجديد يعطياهم هذا الحق بقوله: "ألستم تعلمون أن الذين يعملون في الأشياء المقدسة من الهيكل يأكلون؟! الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح، هكذا أيضًا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون".
حتى المسيح أمر بأن الذين يكرزون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون (1 كو 9: 13، 14). لكنه يقول: "لم أرد ذلك بل عملت، وليس فقط عملت، وإنما بكل اجتهاد"[559].
يقول: "يأكل"، و"يعيش"، لا أن يجعل منها تجارة، ولا أن يجمع كنوزًا، يقول أن الأجير مستحق أجرته[560].
القديس يوحنا ذهبي الفم
"ولا أكلنا خبزًا مجانًا من أحد"... هكذا يتقدم رسول الأمم في كل مرة خطوة جديدة في التوبيخ. فكارز الإنجيل يقول إنه لم يأكل خبزًا مجانًا من أحد، مع أنه يعلم أن الرب أوصى: "أن الذين ينادون بالإنجيل، من الإنجيل يعيشون" (1 كو 14:9)، وأيضًا "الفاعل مستحق أجرته" (مت 10:11).
مادام كارز الإنجيل وهو يقوم بعملٍ على هذا القدر من السمو والروحانية لم يرد أن يستغل وصية الرب بأن يأكل خبزه مجانًا، كم بالأحرى يعوزنا بالحق ليس فقط أن نكرز بالكلمة بل وإلى جانب هذا لا نداوي أية نفوس سوى نفوسنا (بالاهتمام بالعمل بغير كسل لكي لا يعيش الراهب بتعب الآخرين).
كيف تجرؤ أن تأكل خبزك مجانًا في حين أن "الإناء المختار"، وهو مقيد باهتمامه بالإنجيل وعمله في الكرازة، لم يجسر أن يأكل خبزه دون أن يشتغل بيديه...، فيقول: "بل كنا نشتغل بتعبٍ وكدٍّ ليلًا ونهارًا لكي لا نثقل على أحد منكم" (2 تس 8:3)؟!
هكذا فإنه حتى هذه النقطة يمتنع عن التوبيخ ولا يُكثر منه، لأنه لم يقتصر على أن يقول: "ولا أكلنا خبزنا مجانًا من أحد منكم"، ذلك لأنه كان من المحتمل أن يظن البعض أنه كان يتزود من دخلٍ خاصٍ به ومن مالٍ ادخره، أو عن طريق أشخاصٍ آخرين، دون الاستعانة بعطاياهم أو بما يجمعون. فهو يقول: "لكن كنا نشتغل بتعب وكدّ ليلًا ونهارًا". يعني أنه كان يتزود من شغل يديه. ويستطرد الرسول قائلًا إنه لم يفعل ذلك بدافعٍ من الرغبة في الاستمتاع بضرب من ضروب الرياضة البدنية، بل تحت ضغط من الحاجة إلى التزود بالطعام. وأن هذا كان يكلفه الكثير من الكدّ والتعب، ذلك لأنه ليس طوال النهار بأكمله، بل وأيضًا أثناء الليل، وهو الوقت المكرس لراحة البدن، يواصل العمل بيديه ليوفر لنفسه الطعام[561].
القديس يوحنا كاسيان
أما أنا فلم استعمل شيئًا من هذا،
ولا كتبت هذا لكي يصير فيّ هكذا،
لأنه خير لي أن أموت من أن يعطل أحد فخري" [15].
لقد قدم أمثلة كثيرة لتأكيد حقه في إعالة الكنيسة له: الجندي والكرام والراعي والحارث والكاهن مقدم الذبيحة في العهد القديم.
فضل الرسول بولس خلاص اخوته عن حياته، فإنه يشتهي أن يموت ولا تتعطل خدمة الكرازة. بذله لذاته متشبهًا بالسيد المسيح يهبه سعادة داخلية أفضل من نوال حتى ضروريات الحياة. بالحب الحقيقي لا يطلب ما لنفسه بل ما هو لله وما هو للآخرين. هذه هي الضرورة الموضوعة علي أعماقه الداخلية والتي لا يقف أمامها أي معطل.
إذن الطبيعة نفسها والشريعة والإنجيل يعطونه حق الإعالة، لكن حبه للكرازة منعه، "لأنه خير لي أن أموت من أن يعطل أحد فخري".
لم يرد أن ينل شيئًا لئلا يفهم البعض أنه يخدم كأجير، يعمل في كرم الرب لكي يأكل ويعيش، الأمر الذي قد يشكك البعض فلا يهتموا بخلاص نفوسهم.
لم يستخدم هذا الحق في الماضي، ولا كتب ذلك لكي يطالب بحقه في المستقبل حين يعود إليهم ليفتقدهم.
* بمعنى أن أمورًا كثيرة تعطيني الحق (في أن أكل من الإنجيل): الجندي والفلاح والراعي والرسل والناموس والأشياء التي فعلناها لكم وما فعلتموه أنتم مع الآخرين، والكهنة، وأمر المسيح، هذا كله لا يدفعني أن أُبطل القانون الذي وضعته لنفسي حتى أقبل شيئًا. لست أتكلم فقط عن الماضي (مع أنه يمكنني ذلك، فقد احتملت الكثير في الماضي في هذا الأمر) ومع ذلك فإني أتحدث عن المستقبل بخصوصي فإنني أفضل أن أموت جوعًا ولا يحرمني أحد من إكليلي[562].
لئلا يقول أحد: "حقًا لقد فعل هذا لكن ليس ببهجة إنما في حزن وضيق" أراد أن يظهر فيض فرحه وعِظم غيرته، فدعا هذا الأمر "مجدًا" (فخرًا)[563].
القديس يوحنا ذهبي الفم
لقد نال الرسول بولس فخرًا ومجدًا في خدمته، لكنه يؤمن أنه مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ، لذا يود أن يعطى أكثر منه أن يأخذ، وفي نفس الوقت لا يريد أن يعطل أحد فخره في المسيح يسوع. ربما يسأل أحد: كيف وهو يقول "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع 20: 34، 35) ويقول "حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان" (أع 20:34)، وعندما كتب آلي أهل كورنثوس: " لأنه خير لي أن أموت من أن يعطل أحد فخري" [15]، سمح لمجده أن يبطل! كيف؟ بأنه تقبل (العطاء)... يقول: "سلبت كنائس أخرى، آخذا أجرة لأجل خدمتكم" (2 كو 11: 8). هنا يُظهر أنه أخذ. بحق أخذ بولس، إذ قدم عملًا عظيما كهذا، وذلك إن كان بالحق قد أخذ، أما الذين لا يعملون فكيف يأخذون؟[564]
القديس يوحنا الذهبي الفم
أظهر أن هذه الممارسة مسموح بها، لكنها ليست أمرًا لئلا يظن التلميذ الذي نال شيئًا من الجزاء من أجل احتياجاته الشخصية من الذين يكرز لهم أنه يخطئ. أما التوقف عن هذه الممارسة فهو أمر ممدوح كما يظهر بوضوح في حياة الرسول... الذي أعلن: "لم أستعمل شيئًا من هذا"... لديه الحق، لكنه لم يلزم زملائه بأمرٍ ما[565].
القديس أغسطينوس
إنه من الأفضل لي أن أموت ولا يُسلب بعض إخوتي أو ينخدع الأطفال الصغار والرضع في المسيح[566].
العلامة أوريجينوس
"لأنه إن كنت أبشر فليس لي فخر،
إذ الضرورة موضوعة عليّ،
فويل لي أن كنت لا أبشر" [16].
أنه يكرز بإرادته الحرة منأجل المجد الأبدي، هذا هو موضوع افتخاره. لهذا فهو لا يطلب حقه بل ومستعد لقبول كل تعبٍ وألمٍ وبذلٍ حتى لحياته من اجل الكرازة. من هنا يجد ضرورة تلزمه للعمل، لا ضرورة للحياة الزمنية، ولكن ضرورة الحب الداخلي لخلاص اخوته، وتمتعه بشركة المجد الأبدي.
لعله يقصد بالضرورة موضوعه عليه أنه لم يفرح بالكرازة كعملٍ أو وظيفةٍ، لكن الدعوة العجيبة التي قُدمت له من السماوي، دعوة شخصية ألزمته بالعمل (أع 9: 6). أنه يعمل في طاعة لمن دعاه شخصيًا لخدمته. لم يلزمه الرب بل بالعمل لكن الدعوة مع حرية إرادته حملت إلزامًا داخليًا في القلب. إلزام ضميره بالعمل الكرازي وإعلان الحق الإنجيلي، فقد دفعته العناية الإلهية لهذا الطريق ليصير سفيرًا للسيد المسيح.
أظهر أن هذه الممارسة مسموح بها، لكنها ليست أمرًا لئلا يظن التلميذ الذي نال شيئًا من الجزاء من أجل احتياجاته الشخصية من الذين يكرز لهم أنه يخطئ. أما التوقف عن هذه الممارسة فهو أمر ممدوح كما يظهر بوضوح في حياة الرسول... الذي أعلن: "لم أستعمل شيئًا من هذا"... لديه الحق، لكنه لم يلزم زملائه بأمرٍ ما[565].
القديس أغسطينوس
إنه من الأفضل لي أن أموت ولا يُسلب بعض إخوتي أو ينخدع الأطفال الصغار والرضع في المسيح[566].
العلامة أوريجينوس
"لأنه إن كنت أبشر فليس لي فخر،
إذ الضرورة موضوعة عليّ،
فويل لي أن كنت لا أبشر" [16].
أنه يكرز بإرادته الحرة منأجل المجد الأبدي، هذا هو موضوع افتخاره. لهذا فهو لا يطلب حقه بل ومستعد لقبول كل تعبٍ وألمٍ وبذلٍ حتى لحياته من اجل الكرازة. من هنا يجد ضرورة تلزمه للعمل، لا ضرورة للحياة الزمنية، ولكن ضرورة الحب الداخلي لخلاص اخوته، وتمتعه بشركة المجد الأبدي.
لعله يقصد بالضرورة موضوعه عليه أنه لم يفرح بالكرازة كعملٍ أو وظيفةٍ، لكن الدعوة العجيبة التي قُدمت له من السماوي، دعوة شخصية ألزمته بالعمل (أع 9: 6). أنه يعمل في طاعة لمن دعاه شخصيًا لخدمته. لم يلزمه الرب بل بالعمل لكن الدعوة مع حرية إرادته حملت إلزامًا داخليًا في القلب. إلزام ضميره بالعمل الكرازي وإعلان الحق الإنجيلي، فقد دفعته العناية الإلهية لهذا الطريق ليصير سفيرًا للسيد المسيح.
لم يبشر الرسول عن ضرورة، أي عن احتياج مادي، وإنما طوعًا مترقبًا المكافأة السماوية. إن لم يبشر يشعر بالويل أو الحياة البائسة، ليس لأنه لا يجد عونًا ماديًا لحياته اليومية، إنما لأن ضميره يوبخه، وأعماقه تدينه، وقلبه يئن متوجعًا في داخله. كيف لا يكون بائسًا إن رفض دعوى الله له للعمل الفائق المجيد؟!
كان الرسول مضطهدًا للسيد المسيح، والآن اكتشف الحق الإلهي، فتحول قلبه للشهادة له، مشتهيًا أن يشارك مسيحه فقره وعريه وآلامه وأيضًا رفضه من خاصته.
إذ يمارس كرازته طوعًا عن حبٍ، وليس من أجل الأجرة الزمنية، فإنه ينال مكافأة سماوية. إما إن مارسها كرهًا خشية ألا ينال ما يعوله في العالم، أو خشية عقوبة إلهية، فيفقد الأجر السماوي.
إذن الخدمة ضرورية ولازمة لكن هذا الالتزام ينبع من القلب خلال بذل ذاتي، وهذا هو بالحق الحب الحقيقي وسرّ فرحي!
عظيمة وعجيبة هي كرامة الرسول، الأمر الذي يوضحه الرسول على الدوام. فهو لا ينسب الكرامة لنفسه بل إذ وهبت له صار تحت الضرورة أن يمارسها. فعندما يتحدث عن نفسه يقول: "المدعو" وأنه "بمشيئة الله صار رسولًا"، ويقول في موضع آخر: "الضرورة موضوعة عليّ" (1كو 9: 16)[567].
هو نفسه يقول: "ويل لي إن كنت لا أبشر" [16]. كمثال لقد تقبل نعمة الرسولية؛ ولهذا السبب فإنه "ويل له" لأنه يتقبلها (إن لم يعمل بها)، أما أنتم فأحرار من هذا الخطر[568].
لن أكف عن القيام بواجبي مهما تكن الأسباب، فقد وُجدت هنا من أجل هذا العمل[569].
القديس يوحنا ذهبي الفم
يفعل الخادم المُرسل بواسطة الرب ما يجب عمله حتى ولو لم يرد، لأنه إن لم يفعل ذلك فإنه سيعانى بسبب ذلك. كرز موسى لفرعون، مع أنه لم يرد ذلك (خر 4: 10 ؛ 5: 1) والتزم يونان بالكرازة لأهل نينوى (يونان 1: 1- 3: 4) [570].
أمبروسياستر
"فإنه إن كنت أفعل هذا طوعًا فلي اجر،
ولكن إن كان كرهًا فقد استؤمنت على وكالة" [17].
قلبه في العمل الإنجيلي، فإنه يحبه. تكمن أجرته في حبه للإنجيل، فيكرز دون نفقة علي حساب المخدومين، بل يعمل بيديه حتى لا يحتاج.
أي شيء يعادل الكرازة،؟ فإنها تجعل البشر مشابهين للملائكة. ومع ذلك يمارسها شخص كأمرٍ صادرٍ عليه ودين ملتزم به، وآخر يمارسها طوعًا بهذا يصير أفضل من ذاك[571].
انظروا هنا أيضًا حكمته، إذ لم يقل: "إن كانت ليست بإرادتي" لا تكون لي مكافأة، وإنما يقول: "فقد استؤمنت على وكالة"، موضحًا أنه حتى في هذه الحالة ينال مكافأة، ولكن بكونه قد تمم ما أُمر به، وليس كمن يعمل عملًا خاصًا به في سخاء مقدمًا بفيض تحقيق الوصية[572].
القديس يوحنا ذهبي الفم
مع أنى خادم غير نافع، إلا أنى تسلمت من الرب أمرًا أن أوزع مكيال قمح لخدام سيدي (لو12: 42) (من الوكالة) [573]
الحقيقة هي أن بولس إذ صار حُرا بالكامل صار بالضرورة رسولًا. يمكن أن تكون حرًا من الزنا لكنك عبد للغضب، حرًا من الطمع لكنك عبد للكبرياء، حرًا من خطية ما ولكنك عبد لأخرى[574].
العلامة أوريجينوس
بالتأكيد من الأفضل أن نستحق المكافأة عن أن نخدم كوكلاء. ليتنا لا نرتبط بنير العبودية بل نخدم بحب الروح[575].
القديس أمبروسيوس
كان بولس حُرًا من كل اتهام بشرى، لأنه كرز بالإنجيل دون نوال مديح عن ذلك ولا طلب شيئًا من أحد إلا خلاصهم[576].
أمبروسياستر
هكذا أيضا الطوباوي بولس صار كل شيء لكل البشر، لا لكي يقتنى نفعا ما بل بفقدانه جزءً قد يربح الكل[577].
القديس كيرلس الكبير
كيف يلزم أن نكرز بالإنجيل؟ واضح أننا نكرز به بطريقة تكون فيها المكافأة هي الإنجيل نفسه، وملكوت الله. بهذا يكرز بالإنجيل طوعًا لا عن ضرورة: "فإنه إن كنت أفعل هذا طوعًا فلي أجر، ولكن إن كان كرهًا فقد استوفيت على وكالة" [17]. إن كان كرها بسبب العوز إلى هذه الأمور الضرورية للحياة الزمنية أكرز بالإنجيل فإن الآخرين سينالون مكافأة الإنجيل خلالي، هؤلاء الذين يحبون الإنجيل نفسه عندما أكرز به ولا أنال ذلك حيث أني لا أحب الإنجيل في ذاته بل أطلب الأجرة في أمور زمنية. هذه خطية أن يخدم إنسان الإنجيل ليس كابن بل كعبد أُستؤمن على أمانة[578].
ينبغي ألا نبشر بالإنجيل بقصد الحصول على الطعام، لكننا نأكل لكي نستطيع التبشير بالإنجيل. فإن كنا نبشر بالإنجيل لكي نحصل على الطعام، يكون التبشير بالإنجيل في نظرنا أقل أهمية من الطعام، وبذلك تنصب سعادتنا في الطعام، ويصير التبشير ضرورة لازمة لتحقيق سعادتنا (في الأكل). وهذا ما نهانا عنه الرسول عندما قال إنه بسماح من الرب يجوز للذين يبشرون بالإنجيل أن يعيشوا من الإنجيل. ومع ذلك فلم يستخدم لنفسه هذا السلطان. والسبب في ذلك أن كثيرين كانوا يرغبون في الحصول على فرصة لبيع الإنجيل، وقد أراد أن يضيع عليهم هذه الفرصة، لذلك كان يعمل بيديه، قائلًا: "لأقطع فرصة الذين يريدون فرصةً" (2 كو 12:11). لقد استقبح البشارة بالإنجيل كضرورة (أي كرهًا، لنوال الطعام) بقوله: "أَلستم تعلمون أن الذين يعملون في الأشياء المقدَّسة من الهيكل يأكلون. الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح. هكذا أيضًا أَمَرَ الربُّ أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون. أمَّا أنا فلم أستعمل شيئًا من هذا" (1 كو 13:9-15). من ثم فقد أظهر أنه يجوز الأكل من الإنجيل، ولكنه ليس كأمرٍ إجباري، وإلا يكون في عدم أكله من الإنجيل قد خالف وصية الله، لذلك أردف قائلًا: "ولا كتبت هذا لكي يصير فيَّ هكذا. لأنهُ خير لي أن أموت من أن يعطّل أحد فخري".
يقول: "إن كنت أبشر فليس لي فخر"، أي إن كنت أبشر بالإنجيل لنوال هذه الضروريات فإني أكون قد جعلت هدف الإنجيل هو الحصول على الأكل والشرب والملبس. ولكن لماذا "ليس لي فخر"؟ "إذ الضرورة موضوعة عليَّ". أي في هذه الحالة ينبغي لي التبشير كوسيلة للحصول على وسائل العيش، أو لأنني أطلب ثمارًا زمنية من التبشير بالأمور الأبدية، فيكون التبشير ضروريًا وليس طوعًا "فويل لي إن كنت لا أبشر".
ولكن ما هو الهدف في تبشيره...؟ إنه بقصد نوال جزاء الإنجيل نفسه والحصول على ملكوت الله، وبذلك يبشر به طوعًا لا كرهًا. فهو يقول "فإن كنت أفعل هذا طوعًا فلي أجر. ولكن إن كان كرهًا فقد استؤمنت على وكالة" أي إن كنت أبشر كرهًا للحصول على الأشياء الضرورية للحياة، فسينال بواسطتي الآخرون جزاء الإنجيل، هؤلاء الذين أحبوا الإنجيل في ذاته بواسطة تبشيري، وأكون أنا قد حُرمت من هذا الجزاء لأنني لا أحب الإنجيل لذاته بل للحصول على الأشياء الزائلة. فمن يخدم الإنجيل كعبدٍ وليس كابنٍ يكون قد أخطأ في الوكالة التي استؤمن عليها، لأنه يكون كما لو أعطى الآخرين ما قد حرم نفسه منه، فلا يكون شريكًا في ملكوت السموات بل يطرد خارجًا، لكنه يأخذ الطعام كأجرة للعبودية البائسة. ومع هذا فهو يدعو نفسه وكيلًا في عبارة أخرى.
لكن الخادم الذي يحسب نفسه في عداد الأبناء يكون في قدرته أن يهب بالإيمان الذين يشاركونه في ذلك الملكوت الذي له نصيب فيه. أما إذا حُسب عبدًا فيقول: "ولكن إن كان كرهًا فقد استؤمنت على وكالة" أي يعطي الآخرين دون أن يأخذ نصيبًا معهم[579].
القديس أغسطينوس
"فما هو أجري
إذ وأنا أبشر أجعل إنجيل المسيح بلا نفقة
حتى لم استعمل سلطاني في الإنجيل" [18].
إذ يتخلى الرسول عن حقوقه تتطلع عيناه إلي أجر أعظم، مكافأة علي مستوي أبدي سماوي. ليس هناك وجه مقارنة بين تنازلاته الزمنية ومجده العتيد أن يناله. هذا ما دفعه إلي عدم إفساد عمله الرسولي، لذا لم يطالب بحقوقه ولم يشتهيها، بل يجد سعادته في التخلي عنها
وإذ خشي أن يعامل الشعب كل الرسل والخدام هكذا فيرفضون تقديم احتياجاتهم الزمنية، لذا أكد: "لم استعمل سلطاني (حقي) في الإنجيل". إنه حق يتنازل عليه بصفة شخصية، لكنه ليس مبدأ عامًا يسير عليه الشعب. فمن الأفضل للشعب أن يساهم ومن الأفضل للخدام أن يتنازلوا..



#حماده_ولعه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يوجد نعيم وعذاب القبر في المسيحية؟!


المزيد.....




- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حماده ولعه - التسول بإسم الإنجيل بين أبونا وبولس الرسول