بشرى الجوراني
الحوار المتمدن-العدد: 5445 - 2017 / 2 / 27 - 12:51
المحور:
الادب والفن
فتحت نافذة غرفتها المطلة على الشارع وتساءلت عن ضوء روحها هل شقّ الدرب بظله ؟ هل كسر الشباك المغلق بشعاع شوقه ،فأنطفأ عند الستائر المسدلة على سجنها المنفرد . تتضارب الظنون على جدار قلب ٍ ما عرف معنى الهوى غير اغنية ترفرف على صباحات يوم متكررة ساعاته ممل.
لولا تلك النظرات واللهفة التي تراها في عينه ٍ كلما مرًّ من طريق بيتها وذلك الشوق اللاهب لهَمَّ الليل بوشاحه الخانق على يومها الكئيب فبمجرد الاستشعار بظله الحالم تكون قد ظمنت غذاءاً لخيالها تشتق منه الاحلام ذلك المخدر الذي تستطيب منه النفس ويجعل للعمر معنى .
هي تدرك استحالة الوصول الى نقطة الألتقاء فالحواجز قد بُنيت باسوار عالية فبمجرد ذكر الفارق العمري بينهما
تعرف مقدار السخرية التي ستجدها في وجوه مُحيطِها
فالصمت هنا واجب والبوح انتحار ..
ولما البوح ...؟ كي يشاركها احد تلك المشاعر أو لكي تقنع الآخرين انها رغم سنها المتقدم لازال هناك من يهتم بها وينجذب نحوها وأنها كالأغنية العتيقة التي لا تزال تنبض في قلوب الناس رغم شيخوختها العمرية
(أنتِ تضحكين على نفسك )
قالتها و اعتصر الألم روحها وخنقها في قارورة يأس مميتة
تذكرته عندما كانت تعود من المدرسة وهي في المرحلة الاعدادية وهو لا يزال يلعب امام بيتهم ويتخاصم بقوة مع رفاقه ما كانت تبالي به لولا انه في كل مرة تراه تتمنى لو تحادثه كما تحادث أي ّ طفلٍ تشاكسه وتستفز الحنق الذي يتفجر منه بين الحين والاخر فيجعل منه كتلة لهب حمراء مع خديه المكتنزتين ككرتي تفاح ..
أبتسمت ...هل كانت تظن انه سيأتي يوم والعمر يتسرب من بين يديها كي ترى هذا الولد الصغير قد اصبح رجلاً وهي كما هي ...مومياء محنطة او كقمر تراكمت السحب في وجه ولم يبق َ له إلا نور هافت ..
تساءلت ...لِمَ ينظر اليها ...؟؟؟ لما تراه يطيل النظر في شباك غرفتها او يطيل النظر اليها كلما رأها من بعيد
لعلني انا من نبهته شهقت بقوة ..او لعل لمح فيَّ ذلك الاهتمام ....وامصيبتاه ماذا سيقول عني ..؟!
تصابأت المرأة وبدأت تبحث عن مراهق يعيد للشجرة اليبوس اخضرارها ..وشعرت بتيار خجلٍ توترت لأجله أعصابها واعتراها حزن .. و ندم (كم انا بلهاء)
ثم ترددت وقالت في نفسها
(قد يكون معجب )...ضحكت بسخرية وقالت ( كفاك من الاحلام وأرجعي للواقع )
.
في احد الأيام وهي راجعة لبيتها بعد ان زارت جارتها تفاجأت بصوت هادئ خلفها ....(أميرة)
استدارات لتجده خلفها مبتسماً ....القى عليها التحية وهو خجل ٌ ( مرحبة )
لم تستطع الرد هربت كل الكلمات منها فنظر اليها متعجبا
- آسف اذا ازعجتك ولكن عندما رأيتك اقتنصت الفرصة كي احادثك
- تلفض ...صمتت انتبهت لنفسها فأبتسمت وقالت اقصد تفضل
فضحك وقال
لا اطيل عليك لقد ترددتُ كثيرا قبل محادثتك ولطالما كنت اريدها ولكن الخجل يمنعي
( أيُّ خجلٍ أيها الاحمق ...لقد كنت احلم وانت تحاول مصارحتي وانا ...كنت اتهم نفسي باني حمقاء احلم بالمستحيل ..
أنه يريد مفاتحتي ...ههه أنه ...)
واستفاقت على صوته وهو يقترب بوجهه منها
هل أنت ِ معي
- نعم ..أنا معك
تعرفين ان امي طريحة الفراش وا خوتي الصغار يحتاجون لمن يعتني بهم وليس لدينا احد فأنا كبير اخوتي وليس لدي خوات كي يتكلمن َ نيابة عني فلم يكن لي بد من الحديث معك كي استطيع ان اخطو هذه الخطوة وانا واثق من القبول
.
واخذت الفرحة ترسم خطاها على فمها بأبتسامة وهي تحاول ان تغلقه كي لا تفتضح لهفتها
- بصراحة اريد ان اتقدم لخطبة اختك هديل ....
نزلت اسم هديل كالصاعقة فتوهمت انها سمعت بالخطأ
- من ؟؟
- هديل
- هديل ..هل تقصد اختي هديل ...هديل
وراحت تكرر الاسم محاولة ان تستوعب الحدث
هديل انت تريد ان تخطب هديل ...
خرجت ضحكة هستيرية منها وهي تحاول ان تسيطر على نفسها .. ثم صمتت وبلعت ريقها بعد ان لاحظت ان هناك من انتبه عليها
استرجعت انفاسها وقالت له وهي تنظر اليه لوهلة بينما كان هو في اشد الاندهاش والتوتر
-ولماذا ؟؟ (وهزت رأسها استغراباً )
هديل بالذات
لم يكن بد هنا من قول الحقيقة
- كنتُ أراها من خلال هذا الشباك .واشار بيده وقد اعجبت بها فهي جميلة ومثقفة وخريجة وبصراحة اكثر ..أنا ..أنا احبها
.
.
لما لا تتوقف الدنيا هنا ...كشريط فلم ٍ أقتصَ منه بقايا احداثه لماذا لا أسافر كدخان ثم اتلاشى في السماء ...كأنَّي لم أكن ذات يوم شيئاً لماذا ...؟؟
لماذا لا تقوم الساعة َ الآن ويتبخر كل هذا الكون ....
واستعرت روحها كبركان ألم بانَ لونه الاحمر على وجهها قضمت شفتيها كيلا تصرخ وكم تمنت ان تطلق من فمها
آ آآه تزفر معها روحها وينتهي معها كل هذا الوجع
هزت رأسها بالموافقة وقالت : سأفاتحها بالموضوع واعتقد انها لا مانع لديها ...
تركته وبدت كشبحٍ يأوي الى قبره ....
روح طارت الى فضاء الكون ثم هوت بكل قوة لتستحيل الى شظايا يصعب لملمتها
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟