أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد إشو - نيتشويون لا برجوازيون















المزيد.....

نيتشويون لا برجوازيون


محمد إشو

الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 26 - 23:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نتشويون لا برجوازيون
- فذلكة أولية:
لقد كرس كارل ماركس حياته كاملة للدفاع عن الطبقة العاملة، لتحريرها من استلاب الطبقة البورجوازية، وكان همه الوحيد أن تحظى هذه الطبقة(الكادحة) بالمكانة التي تستحقها اقتصاديا وسياسيا داخل المجتمع، أي أن تعيش واقعها الحقيقي بعيدا عن الواقع الذي حددته لها الطبقة البورجوازية . كما هو معلوم أن الطبقة الكادحة يتشكل معظمها من فقراء محرومين من أبسط شروط الحياة، ومعدومين من أدنى المسائل التي تجعلهم بشرا متميزين عن البهائم التي تظل تحرث طائعة مرغمة.
إنه لو كان بالإمكان اليوم أن يحيى ماركس حياة جديدة لكان "نيتشويا"، سيدرك أن تلك الطبقة التي سعى بكل ما يملك لتحريرها، هي التي تهاجمه اليوم في كل مناسبة، مستخدمة أبشع الأوصاف وأقدح النعوت، ملخصة العلامة كارل ماركس في كلمات من قبيل "كافر"، "ملحد"، "يهودي" ...أو بشكل أخف قليلا، عند "النخبة المثقفة البروليتارية"، وصفه "بالرجل المتوحد المنعزل عن البشر، العدواني، المتعجرف السلطوي. إن أي شخص لديه حتى معرفة ضئيلة بحياة ماركس، سوف يجد صعوبة في تقبل ذلك" .
من الطبيعي أن يرى بعض الناس في ماركس هذه الصفات، بالخصوص الذين "يفضلون التفكير في الخيالات على التفكير في الوقائع، ويفضلون خداع أنفسهم والآخرين في مسألة الحقائق التي تقوم عليها الحياة الاجتماعية والفردية، إنهم كنتيجة لذلك، سيرون ماركس شخصا متعجرفا أو باردا. إلا أن هذا الحكم ينطبق واقعيا عليهم، بأكثر مما ينطبق على ماركس" .
لكن الإشكال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد في ظل هذا الواقع العربي المتردي تحديدا هو هل يمكن الدفاع عن الطبقة الفقيرة بغض النظر عما تتبناه من أفكار "مسمومة"؟ هل وصل بها الحد إلى درجة تحقير نفسها (بكرهها لمن يحررها) أكثر مما تحقرها البورجوازية؟ لماذا الطبقة الفقيرة تكره ماركس وغيره من عظماء الإنسانية؟ ألا يكرس المثقف الماركسي أخلاق الشفقة والتضحية، باعتباره الطبقة البروليتارية هي الضحية والبرجوازية هي المجرم؟ لماذا تحقد البروليتاريا على كل من يريد تحريرها، أبفعل سلوك البرجوازية تجاهها أم بسبب الأخلاق التي رسخها الكاهن داخل المجتمع؟
أسئلة نتعرض لها يوميا في واقعنا، وهي أسئلة تبدو بسيطة، لكن الجواب عنها يتطلب فهما عميقا لماركس، وبشكل أدق نيتشه.

-الواقع المتردي:
لقد أكلت الطبقة الكادحة من مائدة ماركس دون أن تدري؛ فبفضل ماركس أمكن لها تستفيد من حقوق أساسية لم تكن تحلم بها من قبل. إنها استفادت من تعليم مجاني، ومن تغطية صحية، ومن تعويضات عائلية، ومن ساعات عمل محدودة، ومن عطل مؤدى عنها، ومن الحق في الإضراب... صحيح أن هناك اليوم تراجعات تطال هذه الحقوق بفعل سيطرة القوى الرأسمالية على العالم، وبسبب سيطرة البيروقراطية على النقابات العمالية.
المؤسف هو أن الطبقة العاملة المثقفة تعتقد أن الطبقة الرأسمالية هي التي أغدقت عليها من فيضها هذه الحقوق؛ العامل عندما ينهي عمله في أربع أو ست أو ثماني ساعات، يقول "الحمد لله" أو "اللهم لك الحمد والشكر"، ونسي أن النظام الرأسمالي والإقطاعي قبل ماركس قد حددا للعمل زمنا خاصا منسجما مع الطبيعة -على اعتبار الإنسان جزء من الطبيعية- وهو وقت استيقاظ الطائر حتى يذهب إلى عشه في المساء، آنذاك أمكن له أن يحمل معوله أو محفظته أو حقيبته إيذانا بانتهاء عمله، دون تخصيص يوم للراحة، لقد أمسى كالبهيمة. أما المهتمين بالقضايا السياسية من مثقفي الطبقة العاملة، فكما يقول بول لافارج Paul Lafarge :" إنه من مصلحة البورجوازي أن ينفق العامل قدرته العقلية في مجالات حول العدالة، الحرية، الأخلاق، الوطن وما شاكلها من المفاهيم الأخرى، حتى لا تبقى لديه دقيقة واحدة للتفكير في وضعه المزري وفي تحسين هذا الوضع" .
إن جهل الطبقة البروليتارية اليوم بمن انتزع لها تلك الحقوق التي تقتات منها، قد خلق لديها فراغا استغلته الطبقة البورجوازية لتبرر وجودها واستغلالها، لكن الأدهى هو عندما يستغل هذا الوضع من لدن الكاهن، أي توهيم البروليتاريا أن جميع ما تستفيد منها من حقوق هي نعم من نعم الخالق.
قد يقول قائل إن الكاهن خاضع لمؤسسة تعد من المؤسسسات التي تنشر عبرها البورجوازية أفكارها، لكن ذلك لا يتم بشكل مطلق. فإذا أخذنا على سبيل المثال قرية نائية وسط جبال الأطلس- المغرب، أهلها جميعهم فقراء، ينظمون شؤونهم بأنفسهم (الري، الزراعة، الحصاد...)، مدرسة أنشأت حديثا، لم يدخلها الكهرباء بعد... فسنلامس في أول حوار مع فرد من هذه القرية أخلاق الكهنة لا أخلاق البرجوازية. وبالجملة الكاهن أقوى من البرجوازي، رغم أن جميعهم خطيرون ومدمرون.
- من الماركسية إلى النيتشوية:
لم تعد البورجوازية وحدها من يسعى لطمس التفكير عن الوضع المزري للكادحين، بل الطبقة المعنية نفسها هي من يغض الطرف عن ذلك، مكتفية بعبارات كسولة من قبيل "دعناهم الله" (باللسان الدارج المغربي). يكفي لتدرك ذلك بدقة أن تسأله عن ماركس لتسمع ما لا يطاق، وما لا يقبله العقل والعلم؛ في تلك اللحظة ستعلن بكل وضوح سخطك على الطبقة الكادحة، لأنها العدو اللدود لمن يسعى لتحريرها من قيود طالما شكت من صلابتها، وتصبح نتشويا قاهرا للعبيد وأخلاقهم.
إن الطبقة الفقيرة اليوم لا يهمها من يدافع عنها، أو من يحاول تحريرها، إنها تظن نفسها محررة، فهي من يسعى إلى تحرير البشر والعالم (فالعالم في مخيلتها يسير إلى الهاوية مادام لا يتوافق مع منطقها)، متخذة دروس الكهان منهجا لها. وهذه أبرز أوجه الخطورة في قلب قيم المجتمع، عندما يترسخ هذا النمط من الاعتقاد عند السواد الأعظم من الناس، أي اعتبار " البؤساء وحدهم الخيرون، وأن الفقراء والعاجزين والسفلة فقط هم الخيرون، وأن المعذبين والمعوزين والمرضى والقباح أيضا وحدهم الأتقياء، هم وحدهم من يباركهم الرب، ولهم فحسب ثمة غبطة وبركة، أما أنتم النبلاء وأصحاب المقدرة، فمنذ الأبد فأنتم الأشرار والهمجيون والشهوانيون، الذين لا تروى لهم غلبة، الكفرة، وستكونون أيضا المنبوذين والملعونين المغضوب عليهم أبدا" . هذه هي القيم التي ترسخت داخل المجتمع اليوم، فهي لا صلة لها بالبورجوازية، نظرا لكونها تمس صفة من صفات البورجوازية الأساسية، وهي النبالة. إنها قيم كرسها الكهان منذ المئات من السنين على حد تعبير نيتشه.
في الواقع يمكن وصف ماركس بالنبيل كغيره من العظماء الذين حملوا هموم الإنسانية، واكتسبوا مكانة بفضل ما قدموه من خدمات قويمة للبشرية، دون أن تكون لهم منفعة خاصة غير حب الإنسان، مثله في ذلك مثل المحارب والشاعر والفنان "الحقيقي" ... فهذه النبالة هي التي جعلت الضعفاء ممن يصدقون الكهان أكثر من عقولهم وحواسهم، ينهالون عليه بسيل من الشتائم. فمن يسير على منهج الكهان لن يجد الطريق الصحيح، "إن الكهان هم أشر الأعداء، لأنهم أكثر الناس عجزا. فمن العجز يتولد عندهم الكره، مرعبا وموحشا، وروحيا ومسموما كأشد ما يكون. لقد كان أشد الناس كرها في تاريخ العالم على الدوام كهانا، وكان هؤلاء الكارهون أيضا من أشد الأرواح مكرا" .
إن كره الطبقة العاملة الفقيرة اليوم "للمحارب" ماركس لم يكن نابعا من دراسة علمية لأعمال ماركس، ولم يكن آتيا من المؤسسات التي تنشر عبرها الطبقة الحاكمة أفكارها وقيمها فحسب، بل مصدره الأساس الفكر الكهنوتي الذي بسط سيطرته على "اللاوعي الجمعي"، هذا الفكر-القديم جدا- الذي يمقت كل ما له صلة بالتحرر وبتغيير الأوضاع، معبرا عن ذلك بلغته الخاصة بألفاظ، من قبيل الفتنة، أو محبي الشر، أو الانحراف ... وهذا ما ينبهنا إليه نيتشه أي "أن القيم لها مصدر متردم وسحيق القدم، هو ذلك الصراع بين النبلاء وقيم العبيد، بين من يقول "أنا كريم" وأنت "لئيم"، ومن يقول أنا "خيّر" وأنت "شرير"، بين الروح الحرة للمحارب والاضطغان الدفين للكاهن" . لقد حازت وأحاطت هذه القيم البئيسة على مجال وأفق تفكير الطبقة الفقيرة اليوم (وهي في الأصل تجل تاريخي لما كان سائدا في الماضي)، "إن الشعب قد انتصر أو العبيد أو الرعاع أو القطيع، أو ما شئت أن تسمي، فليكن! لم يحدث أن كان لشعب ما مهمة أكبر في تاريخ العالم. انتهى أمر الأسياد، وانتصرت أخلاق الإنسان العامي،قد يمكن للمرء أن يسمي هذا النصر تسمما في الدم"، لقد "فهمت (الآن) أخلاق الشفقة التي ما فتئت تكتسح ما حولها أكثر فأكثر، وتعتري حتى الفلاسفة وتجعلهم مرضى، بوصفها العارض الأشد إقلاقا" .
ختاما:
إننا نعتبر ماركس محاربا (لا بورجوازيا)، لأنه من العلماء والمفكرين القلائل الذين استطاعوا أن يعيدوا الواقع إلى الواقع الحقيقي، قام بإعادة قلب القيم كي تتوافق مع الوضع الحقيقي للبشر. فهو يمثل "مفهوم الإنسان ذاته، الذي كان في مركز تفكيره؛ الإنسان الذي هو أكثر والذي يملك أقل، الإنسان الذي هو غني لأنه في حاجة إلى أخيه الإنسان" .
"إن الإنسان أحب إليه أن يريد العدم ألا يريد "، ففي غياب إرادة الواقع، يطمح الإنسان إلى إرادة العدم، بمعنى أنه يفضل الوهم على الواقع. في ظني الخلاص المادي، بالرغم من كونهم يسعون إليه بشغف (المقصود هنا طبقة البؤساء المتأثرين بالكهان، والكارهين لمحرريهم، أصحاب الأفكار المسمومة)، لم يكن المثل الأعلى البديل بالنسبة إليهم، كما أن زرادشت لا زال ينقصهم الكثير ليكون مثلا أعلى لهم، ويبقى أمامهم المثل الأعلى الزهدي (النسكي الكهنوتي).
وفي غياب محاربين على شاكلة ماركس في المجالات الحيوية للإنسان (الفلسفة، التاريخ، الاقتصاد، الثقافة، علم الاجتماع، السياسة ...) فإن الوضع سيظل على ما هو عليه، أي ستسود قيم العبيد، أي تحقير كل ما هو إنساني، كل ما هو تقدمي، وتفضيل العبودية على التحرر.






الكاتب: محمد إشو
مراجعة: الأستاذ عبد الباسط العلوي



#محمد_إشو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التسامح والدين


المزيد.....




- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد إشو - نيتشويون لا برجوازيون