أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أحمد صبحى منصور - قدس الأقداس حماس















المزيد.....



قدس الأقداس حماس


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 1432 - 2006 / 1 / 16 - 07:55
المحور: القضية الفلسطينية
    


بسم الله الرحمن الرحيم
1 ـ أثار مقالى السابق :" ليس دفاعا عن اسرائيل " عاصفة من الاحتجاج فى عرب تايمز التى أشكر لها نشره بينما رفضت المواقع الأخرى نشره . الردود التى ازدحمت بها عرب تايمز جاءنى على بريدى أكثر منها تنوعا ،وأكثر منها حدة فى التأييد أو غلظة فى السب والتنديد.
فى الوقت الذى أشكر فيه الذين دافعوا عنى فاننى فى نفس الوقت لا أحمل فى قلبى الا الصفح عن كل الذين هاجمونى ، فقد نجحوا فى رسم ملامح ابتسامة على وجه انسان مكتئب مثلى يحتاج الى ابتسامة حتى لو كانت ابتسامة رثاء !!
هذه الحدة فى الرد والغلظة فى الهجوم أعادت الى ذاكرتى المتعبة صفحات من حياتى فيما بين 1979 الى 1999 حين كنت أكتب ضد التطبيع بكل ما أملك من حجة وبرهان وبيان. أقرأ هذا الهجوم فابتسم مشفقا متذكرا قول ربى جل وعلا " كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا " النساء 94". وفعلا فقد أتى علىّ حين من الدهر كنت فيه مثل أولئك المتحمسين ، وان لم أقع بالطبع فى السب والبذىء من القول.
2 ـ حين عقد السادات معاهدة كامب ديفيد وقبل عودته من واشنطن كانت الزينات تقام فى القاهرة لاستقباله والأهرام تنشر نصوص الوثيقة، كنت وقتها فى يوم دراسى منتدبا الى كلية اللغة العربية بالزقازيق حيث أدرس لطلبة السنة النهائية فيها مادة " تاريخ الفكر فى الحضارة الاسلامية" تركت موضوع المحاضرة وكان فيما أظن عن الصراع السنى الشيعى فى مجال الأحاديث المنسوبة للنبى محمد عليه السلام. فتحت جريدة الأهرام لأناقش مع طلبتى ـ وقتها ـ بنود اتفاقية كامب ديفيد، وكيف انها كانت هزيمة منكرة لمصر ، وقلت لهم ان العادة ان القائد المنتصر يستطيع أن يحول نصره أضعافا مضاعفة فى المفاوضات ليحقق مكاسب بالمفاوضات بالتلويح بالقوة ، وقلت ان التفاوض معهم فى حد ذاته مكسب لهم كان يجب استخدامه مسبقا للضغط عليهم ، وقلت لهم الذى حدث هو خيانة لدماء الشهداء فقد كانت سيناء معروضة من قبل على عبد الناصر منزوعة السلاح بدون حرب ، وهذا هو كل ما استطاع السادات تحقيقه بعد الانتصار وآلاف الشهداء ، وقلت اننا نناقش المنشور المعلن فقط من كامب ديفيد فما بالكم بالنصوص السرية .. أخذت الحمية الطلاب وتنادوا الى مظاهرات فقلت لهم : انتظروا فستجدون مظاهرات أخرى يجرى تجهيزها من الآن لاستقبال الخائن ..
3 ـ كنت فى هذا الوقت ضحية مسكينة للاعلام المصرى الذى أقنعنا أننا انتصرنا فى حرب اكتوبروأننا هزمنا اسرائيل بقسوة. وعليه كان يجب أن ينعكس هذا فى المفاوضات نصرا مؤزرا للعرب والقضية الفلسطينية. ولكن الذى حدث وعرفناه فيما بعد أن الطرف الأضعف عسكريا وسياسيا كانت مصر وأن السادات فاز فى كامب ديفيد طبقا للوضع الهش الذى كان فيه. استخلصت من هذا الدرس أننا ضحايا للاعلام الرسمى الذى لا ينقل الحقائق مجردة و لا ينقل الأخبار كما تحدث ، بل يتجاهل بعضها ويزيف البعض الآخر، ثم فى الناحية الأخرى يأتى بالآراء التى تخدم الحاكم فقط ، وبذلك تتم تربية العقول وفق ما يريده الرؤساء العربان.
4 ـ لذلك فعندما قلت فى نهاية مقالتى السابقة :" ولكنه لتوعية الأغلبية من العربان الذين لا يفهمون الا فى النسوان." لم أكن أقصد الا الحكام فقط ، وهم خصومى الذين أتقرب الى الله تعالى بالهجوم على أفعالهم ودعايتهم. لم أقصد مطلقا الضحايا من الشعوب العربية بدليل أننى قلت عن أشهر الضحايا وهم الفلسطينيون " ان الشعب الفلسطينى أفضل الشعوب العربية تعليما وحيوية ونشاطا ، والفلسطينيون خارج فلسطين هم الأكثر انتماءا لوطنهم والأقدر على مساعدته اذا قامت فيه دولة حقيقية، والديمقراطية الفلسطينية متقدمة بمراحل عن بقية الأنظمة العربية.". ان المقال فى حقيقيته هو للدفاع عن الدم الفلسطينى والدولة الفلسطينية المرتجاة ولاصلاح حماس وطريقة التفكير العربية المشوهة بتأثير الاعلام العربى الفاسد.
5 ـ أعود للتذكر والاعتبار. فكراهيتى للاعلام العربى والمصرى لم تؤثرـ وقتها ـ فى موقفى من مقاومة التطبيع والهجوم عليه. هاجمته فى مقالات منشورة كانت شديدة التأثير ، أبرزها فى جرائد الأحرار، والعربى الناصرى والأهالى والخليج الاماراتية. وعندما عقد عرفات اتفاقية أوسلو كتبت مقالا فى "الأهالى " بعنوان " عواد باع أرضه " شبهت فيه عرفات بالشيخ خزعل أمير المحمرة وعربستان جنوب ايران على الساحل العربى والذى أضاع ملكه ومملكته وشعبه ، وشبهت عرفات ب " عواد " فى القصة المصرية الذى باع أرضه بنزقه وانحلاله. أغضب المقال عرفات بشدة ، وحين قابلت الأستاذ خالد محيى الدين بعدها بعام عاتبنى على هذا المقال الذى أحرجهم مع ياسر عرفات. وفى الندوات المصرية والعربية التى كانت تقام ضد التطبيع كنت من بين المدعوين والمتحدثين ، وفى بعضها كنت الذى يقدم المتحدثين ويقود المنصة. وكل ذلك تاريخ مسجل موثق. وعندما توليت ادارة الندوة الاسبوعية لمركز ابن خلدون أو " رواق ابن خلدون " كان الصراع العربى الاسرائيلى والتطبيع مع اسرائيل من أهم الموضوعات التى يناقشها الرواق، وكان الدكتور سعدالدين ابراهيم من مشهورى الدعاة للتطبيع بينما كنت من مشاهير رفض التطبيع . وشهد الرواق سجالات بين الطرفين ، اشهرها ندوة على سالم التى شهدت مشاجرة بالأيدى والأحذية بينه وبين الصديق الفلسطينى عبد القادر ياسين . الرافضون للتطبيع كانوا يحضرون الرواق مع كراهيتهم الشديدة لمركز ابن خلدون وصاحبه سعد الدين ابراهيم لسبب بسيط هو اننى كنت الذى أدير الرواق وكنت مؤيدا لهم فى رفض التطبيع ، وكانت ليبرالية الدكتور سعد الدين ابراهيم تسمح بوجود تلك الحرية فى المركز الذى يملكه والذى يستضيف غلاة الرافضين لأمريكا واسرائيل وكانت تتناثر منهم احيانا عبارات تنال من الدكتور سعد يسمعها ويتجاوز عنها فى نبل وكرم لأنهم ضيوفه.
6 ـ فى الحقيقة بدأ يهتز موقفى من رفض التطبيع وأنا أزن حجج كل فريق كمدير للمنصة مطالب بالحياد كشأن القاضى الذى يفحص الآراء بموضوعية. ثم تغير موقفى تماما بدراسة المشكلة بموضوعية وبالاهتداء بالمنهج القرآنى وبعد التحرر من أسر الاعلام المصرى وكوابيس الديكتاتورية.
7 ـ ومع هذا فلم أكتب فى الصراع العربى الاسرائيلى مقالات خاصة اللهم الا بعض مقارنات فى اطار الدعوة للاصلاح الديمقراطى والدينى والفكرى، اذ أن أسرائيل تفرض نفسها مثلا هاما فى المقارنة لا يمكن لمصلح حقيقى ان يتجاهله والا كان هو نفسه محتاجا لاصلاح حقيقى. فاسرائيل فى الداخل العربى وأخبارها وأخبار الصراع معها تأتى عنوانا يوميا فى الأخبار اليومية ، وهى الدولة الغريبة التى تعيش تحت السلاح وفى حرب مستمرة منذ وجودها منذ حوالى نصف قرن ، ومع قلة مساحتها وانعدام البترول فيها وملايينها القلائل ـ أقل من سكان شبرا وأقل من عد الطلاب فى الجامعات المصرية ـ ومع اختلاف سكانها عنصريا وحضاريا من الحبشة الى امريكا وبولندة والمغرب والعراق ومصر ..الخ ـ مع كل عوامل الضعف هذه الا انها استطاعت ان تهزمنا عسكريا واقتصاديا وحضاريا. السبب هو الديمقراطية. نحن الذين تخلفنا وانهزمنا ووصلنا الحضيض برغم المجد القديم والبترول ووحدة اللغة والدين والثقافة والكثرة العددية. السبب هو الاستبداد. فماذا اذا تسلحنا بالديمقراطية مع كل هذه الميزات؟ الديمقراطية هى الحل ولا حل سواها . أذن ما هو السبب فى تعطيل التحول الديمقراطى ؟ السبب هو أن العربان الحكام يستخدمون الصراع العربى الاسرائيلى ثم الفلسطينى الاسرائيلى لصرف الانتباه عن الديمقراطية ولنظل فى تخلفنا وانهزامنا . حقائق كثيرة عن الصراع العربى الاسرائيلى لم اتعرض اليها مكتفيا بعقد مقارنات سريعة توجه النظر الى الجانب الآخر المسكوت عنه من الخلل الفكرى والعقلى والثقافى والأوهام التى نقدسها ونحميها من آفة النقاش.
8 ـ كنت أكتب سلسلة من المقالات عن الاخوان، كان آخرها " من الحضيض الى أسفل سافلين " ووعدت فى نهايتها بنشر الجزء الثانى الذى يحلل حكم الاخوان الآتى باعتباره أسفل سافلين. وفى المقال عقدت مقارنة بين قتل البوليس المصرى عشوائيا للناخبين المصريين وحرص اسرائيل على ألا تقع فى القتل العشوائى. أى قارىء عاقل لا يمكن أن يختلف معى فى هذا المقال، ولكن توالت ردود عاطفية تذكرنى بالمجازر الاسرائيلية السابقة وتعتب علىّ فى رفق أو تهاجمنى فى عنف. استدعى هذا أن أؤجل مقالى التالى عن الاخوان واسفل السافلين فكتبت مقال " ليس دفاعا عن اسرائيل " الذى تلامس ـ لسوء حظى يا أيها الناس !! ـ مع قدس الأقداس حماس !! وتعرض لذاتها المصونة بالنقد والنصح والتوجيه حرصا عليها وعلى الدم الفلسطينى، فانهالت الاحتجاجات والاتهامات. ان مهنتى هى تحطيم هالات التقديس وذبح الأبقار المقدسة واقتحام الممنوع الفكرى ، فأين حماس من البخارى وعمر بن الخطاب وسائر الأئمة الذين جعلهم معظم المسلمين أربابا من دون الله تعالى فأرجعتهم بالنقد العلمى الى بشر مثلنا يخطئون ويصيبون . هل حماس أفضل من عمر والشافعى وابن حنبل وابن عبد الوهاب وغيرهم ؟؟
9 ـ الردود على المقال كلها عاطفية ، بعضها لا يستحق الرد لبذاءته أو لجهله أو لخروجه عن الموضوع. ولكن البعض الآخر يستحق.
10 ـ السمة العامة لدى الجميع هى سرد المذابح التى ارتكبها الاسرائيليون ومجابهتى بها كأنى المسئول عنها. العاطفة المتأججة لديهم منعتهم من قراءة سطر ونصف السطر كانت كافية فى الرد على كل ما قالوه، قلت " صحيح ان اسرائيل كانت ترد عشوائيا وكل ما ذكره المحتجون كان الاعلام المرئى يعرضه على العالم ولا سبيل لانكاره أو الدفاع عنه " أى لا سبيل لانكار ما ارتكبته اسرائيل ولا سبيل للدفاع عنه. ولأن الموضوع هنا ليس اجترار الماضى ولكن البحث عن حلول للحاضر والمستقبل فقد تبرعت بتقديم الحلول حرصا على الدم الفلسطينى . لقد كتبنا فى الهجوم على اسرائيل معلقات ، ووضعنا فى لعنها صلوات ومجلدات ، ولدينا جيوش من الاعلاميين والراقصين والموسيقيين والمغنيين والمحللين والمؤذنين والخطباءالصارخين والزاعقين فى المساجد والمدارس وفضاء الانترنت والجرائد والراديو والتليفزيون والبوتاجاز، يفوق عددهم عدد سكان اسرائيل ذاتها، فازددنا بهذه الجيوش الصارخة الباكية الشاجبة المنددة تخلفا وهزيمة، وأزداد بهم العربان الحكام سطوة فى الداخل ومهانة فى الخارج. وفى كل الأحوال فان كل هذه الجيوش الزاعقة الصارخة الباكية المتشنجة لم تقدم اجابة حقيقة على السؤال المهم وهو " كيف " : كيف ننتصر؟ كيف نهزم اسرائيل ؟ أوكيف انتصرت اسرائيل ؟ كيف انهزمنا وننهزم ؟. اذن قولوا ما تشاءون من بكاء على الأطلال وانشاد للأشعارفقد حفظنا كل ما حدث وبكينا كثيرا حتى جفت الدموع ، ولن نزداد بهذا الا تخلفا وهزيمة طالما نتحدث عن الماضى وننسى البحث عن حل للحاضر. ان الحب الحقيقى لفلسطين هو بمقدار ما تقدمه للشعب الفلسطينى من فائدة لحاضره ومستقبله ، وبما تنقذ من أطفاله وشيوخه وشبابه، وبالتالى فان الاستمرار فى سياسة :تعال نبك " هو على أقل تقدير هو مضيعة للوقت وتبديد للجهد ومصادرة على حق الشعب الفلسطينى فى الحصول على دولته التى اعترفت له بها الشرعية الدولية.
11ـ فى محاولة مخلصة للاجابة على سؤال "كيف" قال لى الدكتور أسامة فوزى فى رده متمنيا ايجاد حلول لازالة اسرائيل "هل كنت تتوقع ان يزول الاتحاد السوفيتي .... وهل فكرت لحظة واحدة بإمكانية عزل وإعدام ديكتاتور رومانيا شاوشيسكو .... بل : هل خطر في بالك ولو للحظة ان نظام صدام حسين يمكن ان يسقط بهذه السهولة .... فلماذا اذن ترى استحالة في إزالة دولة إسرائيل أو تطويعها وانت تعلم أكثر من غيرك ان دولة من ستة ملايين نفر تقوم على نظرية عنصرية عدوانية لا يمكن لها ان تعيش في منطقة يتضاعف فيها عدد العرب بشكل كبير سوف يصل الى مليار في سنوات قليلة قادمة"
وأقول : حكاية أننا سنغلب اسرائيل بتكاثفنا السكانى كتبت فيها بحثا فى التسعينيات، وقدمته فى مؤتمر عربى كبير لمناهضة التطبيع عقدته ليبيا فى صنعاء باليمن. عندما أتذكر ما كتبته ابتسم من سذاجتى وقتها. هل ننتظر الى ان نتغلب على اسرائيل بأرحام نسائنا التى ستنجب لنا المليار القادم؟ هو فعلا حيلة للعجز الذى نعانيه بحيث لا نجد امكانية الا فى مجهول يأتى من الارحام فى مستقبل الزمان ، وما علينا فى الحاضر الا التسلح بالفياجرا !!
لقد تضاعف عدد العرب فى الخمسين عاما الماضية فى ظل اقامة الدولة الاسرائيلية فماذا فعلوا؟ ان الصراع العربى الاسرائيلى قد أثبت بما لا يقطع مجالا للشك ان الغلبة ليست للكم ولكن للكيف. لقد تزايد المسلمون فاصبحوا بليون ونصف البليون فماذا أضاف هذا العدد الهائل من البشر من تقدم واكتشاف علمى ورقى خلقى فى الحضارة الراهنة؟ انهم فى الأغلب غثاء كغثاء السيل ، مجرد ضحايا بمئات الملايين لعشرات من الحكام المستبدين. لا أقصد اطلاقا ـ والله تعالى شاهد على ما فى قلبى ـ أن أسىء لهم ، ولكن اقولها حسرة على ما فعله الحكام المستبدون بشعوبهم . ان العربى والمسلم اذا هاجر الى أوربا أو أمريكا تألق وأبدع فاذا ظل مستعبدا فى وطنه أصبح مجرد رقم على الشمال مهما بلغ هذا الرقم من ملايين أوبلايين. أن التعداد الحقيقى لأى شعب هو بالقوة الحية فيه ، وهذه القوة الحية لا تنمو الا بالديمقراطية التى تفجر طاقات الفرد وتحترمه وتعطيه كل امكانات الابداع. هذا ما تفعله كل دولة ديمقراطية لأبنائها من سنغافورة المسلمة ـ وهى استثناء هنا ـ الى سويسرا المسيحية الى اسرائيل اليهودية. لقد قصدت التمثيل بدول مختلفة فى الدين ولكنها كلها دول قليلة السكان وفقيرة جدا فى الامكانات الطبيعية من معادن وبترول ، الا أن سكان كل دولة يتمتعون بحقوقهم الديمقراطية فأبدعوا وأنتجوا وتفوقت كل دولة منها على كل الوطن العربى الغنى بامكاناته الهائلة وبمئات الملايين من السكان الغلابة الذين يعيشون فيه.
ان العدد الحقيقى للعالم العربى هو عدد الحكام العرب وأتباعهم والأغوات والخصيان المحيطين بهم، أى مجرد عشرات من البشر، أما الأغلبية الصامتة فهى خارج الحساب. والجيوش العربية هى أنجح جيوش العالم فى الفرار ـ الا من عصم ربك ـ والقوة العربية موجهة لحراسة الحكام فلا تستأسد الا على الشعوب المسكينة ، فاذا تحتم عليها الدخول فى حرب فهى تفكر دائما يأقدامها تطلب السلامة !!وعليه فان الكثرة السكانية الحقيقية هى لاسرائيل لا للعرب فهى عدة ملايين فى مواجهة أقلية عربية تتمثل فى عشرات الأفراد من الحكام العرب وأذنابهم وأغواتهم.هؤلاء العرب الحكام وأذنابهم هم فى الحقيقة خدم مطيعون لاسرائيل وأمريكا ، ومن ينكر هذا فيمكنه أن يشرب المحيط الأطلنطى على نفقتى الخاصة!!
فى كل الحروب التى خاضتها اسرائيل كانت جيوشها أكثر عددا من الجيوش العربية فى جبهة القتال، وأكثر استعدادا وحمية وتسليحا، واقرءوا التاريخ القريب ان لم تكونوا تعلمون. ولو قارنت الجندى الاسرائيلى بنظيره العربى لظللت تلعن الحكام العرب ما بقى فيك زفير وشهيق. ومرة أخرى ليس هذا طعنا فى ابناء وطنى الضحايا ، ولكن مناقشة للمسكوت عنه. ان ما يلقاه المجند المصرى من امتهان وسخرة فى الجيش يجعله يلعن بلده ويكره نفسه، هذه حقيقة يعرفها كل مصرى دخل الجيش . ثم وهو مواطن لا يتمتع بحقوقه، فكيف يشعر بالانتماء لبلد حرمه من كل شىء؟ يكتشف ان عليه أن يضحى لحماية حاكم خائن استأثر بالسلطة والثروة، فلا يفعل الا مضطرا. فى الناحية الأخرى فالاسرائيلى يتمتع بكل حقوقه ، والحرص عليه بعد مماته أكثر من حرص الدولة عليه فى حياته. واذا كان مجندا فهو الملك غير المتوج، لذلك يستميت فى الدفاع عن تلك الدولة لأنه ببساطة يملكها ولا بد أن يدافع عما يملكه. والسؤال لك ايها العربى الطيب :هل تملك بلدك أم يملكها ويملكك المستبد اياه " ولى النعم " ؟ وهل انت على استعداد فعلا لكى تفديه بالروح وبالدم ، كما تزعق منافقا كل حين ؟
ان أنس لا أنس وقت أن زرنا العريش بعد استعادة سيناء ، وفى الطريق دخلنا خنادق الجنود الاسرائيليين بعد تخريبها ، ومع التخريب وسلب ما كان فيها من تجهيزات فاخرة فقد كانت اطلالها تنطق بالبذخ الذى كانوا يتمتعون به. وفى الرجوع مررنا ببعض المواقع العسكرية للجنود المصريين، فى أطراف جبال سيناء، كانوا يعانون الجوع والعطش فأعطيناهم ما معنا من طعام وشراب، وظللنا طول الطريق نتحسر فالجواب كان واضحا لماذا ننهزم وينتصرون ..
ان النصر الحربى لم يكن فى يوم الأيام مرتهنا بالكثرة العددية، وتاريخ العالم يشهد بهزيمة جيوش ضخمة أمام جيوش أقل عددا ولكن أكثر كفاءة وأشد توحدا وتماسكا وأكثر تصميما على النصر، والله تعالى أشار الى أهمية النوعية وليس الكم فى الاستعداد العسكرية فى حديثه عن المؤمنين فى عصر النبى محمد عليه السلام ( الأنفال 65،66)وأشار الى أن الكثرة العددية التى لم تغن عن المسلمين شيئا فى يوم حنين ( التوبة 25 ) وفى حديثه عن الاسرائيليين القدامى القلة الضئيلة التى هزمت الكنعانيين وقائدهم جالوت وجموعه الكثيرة ( البقرة 249 ـ 252 ) اذن فالمليار العربى القادمون ـ من ابناء الفياجرا ـ لا خير فيهم الا بالديمقراطية الفريضة الغائبة. لتتحقق الديمقراطية وعندها لن يكون بيننا خلاف سواء كنا فئة قليلة أو مستطيلة..
ويحتج علينا الدكتور فوزى بسقوط الاتحاد السوفيتى وسقوط شاوشيسكو متمنيا ان تزول اسرائيل كما زال كلاهما. بغض عن توقعى بسقوطهما من عدمه فانه لا علاقة بين سقوطهما وزوال اسرائيل الا فى عالم التمنى والاحلام فقط. والسياسة تقوم على حقائق باردة صادمة تحتاج الى ارادة صلبة لتغييرها أو لاقامتها ، اما الاحلام والأمنيات فلا بأس بها اذا كانت محركا للتحرك الايجابى الخلاق. أما أن تظل مجرد أغانى حماسية ومعلقات شعرية فسيكون مكانها الأساس فى قاعات الأدب والنقد أو مستشفيات الطب النفسى.
ان من مشاكلنا الفكرية التى أشرت اليها فى مقالها أننا نتعامل مع السياسة بمنطق علم الأخلاق، وفى الاخلاق لا نعرف سوى البذىء من القول مع من يختلف معنا فى الرأى ، وهذه مصيبة تحتاج الى وقفة تفصيلية قادمة، ولكن أكرر انه قد آن الأوان حرصا على الدم الفلسطينى أن نفكر بحلول عملية حقيقية وليس بالشعارات والأمنيات و.. "تعال نبك ".
نرجع الى حكاية شاوشيسكو ونقول انه طاغية أسقطه شعبه وأحل محله حكما ديمقراطيا ، فما هو وجه الشبه مع زوال اسرائيل هنا ؟ نتمنى أن نستخدم هذا المثل فى حث الشعب المصرى على التخلص من مبارك بنفس الطريق. لكن هل كان شاوشيسكو دولة أخرى احتلت واستوطنت رومانيا كمثل الحال فى اسرائيل وفلسطين؟
الاتحاد السوفيتى سقط بعد أن جرته أمريكا الى سباق تسلح أجهده، وبعد أن سلطت عليه أمريكا "حربها الناعمة " من افلام هوليود التى صورت الحياة الأمريكية جنة تلهب بها خيال البوليتاريا المطحونة فى الشيوعية التى عجزت فى النهاية عن توفير الغذاء ، فكان الحل هو تغيير الشيوعية بدلا من تغيير الطبقة الحاكمة، وبذلك سقط الاتحاد السوفيتى من الداخل ولكن ظل الحكام فى مواقعهم بعد ان غيروا جلدهم. أيضا فما هى الصلة هنا بين هذه الظروف الشيوعية السوفيتية وبين الصراع الفلسطينىالاسرائيلى ؟ لقد وقفت أمريكا وأوربا الغربية ضد الانحاد السوفيتى وكانت أمريكا وحدها أقوى من الاتحاد السوفيتى فانهار ، فهل حماس فى قوة أمريكا . وهل العرب ـ بالصلاة على النبى ـ فى قوة أوربا الغربية ؟لقد سقط الاستاذ شاوشيسكو وسقط الاستاذ سوفيتى لأن استبدادهما لم يعد ملائما للعصر ولم تعد شعوبهم تتحمله. نتمنى سقوط أنظمة الاستبداد العربية ، ولكن هل كانت اسرائيل يوما مستبدة مع مواطنيها اليهود؟
12ـ بعضهم بلغ من خفة الظل أنه جاء يبيع الماء فى حارة السقايين كما يقول المثل الشعبى المصرى. جاء يحتج علينا بآيات قرآنية تأمر برد الاعتداء ، ربما يظن أن شيخ القرأنيين أحمد صبحى منصور لا يعلمها أو يحتاج الى من يعلمه اياها. القضية تتجاوز هذا لتصل الى حقيقة مؤسفة هى أن القرآن الكريم أصبح لعبة للجميع ، ولقد ازدحمت حياتنا بفئة من الكتبة الهواة الذين يكتبون أكثر مما يقرءون ويفتون فى كل شىء ، وأسهل شىء عليهم وأحلاه أن يستشهدوا بالقرآن الكريم . ساعد على هذه المحنة أن بعض الجهلة من الوعاظ من أهل الثقة تصدر مناصب الأفتاء ومشيخة الأزهر ليبرر للمستبد ما يريد باقتناص الآيات القرآنية التى توافق هواه ، فاذا كان عبد الناصر يرفع لواء الحرب على اسرائيل صرخ الشيوخ تأييدا له بالآية الكريمة :" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " فاذا أراد السادات السلام تغنى له نفس الشيوخ بقوله تعالى :" وان جنحوا للسلم فاجنح لها ." ثم ازدادت المحنة فى عصرنا الراهن بدخولنا نفق التدين الوهابى الذى جعل المسلم يحتاج الى فتوى دينية اذا شرب أو عطس أو لبس أو تجشأ أو دخل المرحاض. هذه " الحاجة " أفرزت الكثيرين من غلمان الفتوى الذين تصدروا للكلام فى الاسلام بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير. يكفى أحدهم أن يلتحى ويكتحل ثم ينطلق فى الافتاء ( بالتاء وليس بالسين ).
من المعروف ان هناك منهجا لفهم القرآن كتبت فيه ، ومعروف ان من سبق من العلماء قد وضع شروطا للاجتهاد ـ قد نتفق أو نختلف حولها ـ ولكن يبقى الاتفاق على أن الاجتهاد فى القرآن وتراث المسلمين لا بد له من استعداد عقلى وجهد بحثى ومنهج علمى وهواية للبحث وحب فيه مع كفاءة عاليه. والمرجع فى النهاية ليس لشخص القائل أو مكانته أو مركزه أو صولته ، وانما المعيار هو للرأى نفسه وللدليل المقنع ، وفى التهاية فكل انسان مطلق الحرية فيما يختار لنفسه من آراء ومعتقدات. فى مجال الاجتهاد لا عبرة بالشهادات العلمية أو المناصب العلمية فقد فسد كل شىء فى بلاد العربان ، البحث العلمى فى الأزهر ممنوع ، وشهادات الحصول على الدكتوراه ممكن الحصول عليها زورا أو بالنقل عن الآخرين. والأمثلة أكثر من الهمّ على القلب ، وساحات المحاكم شهدت طرفا من ذلك كان المتهم فى بعضها رئيس سابق لجامعة الأزهر ، قام بسرقة بحث الدكتوراه عن غيره ، وهى سنة سيئة لا يزال معمولا بها. فى سوق السمك هذا لحق التلوث بمجال البحث فى القرآن والاسلام وهو الأعز والأرفع فازدحم باعة السمك على مائدة القرآن يفتون بدون علم ، ولحقهم كثيرون وبحسن نية جاء بعضهم يحتج علينا بالقرآن , عفر الله تعالى لنا ولهم.
لمجرد التذكير فقط نوضح منهج الاستدلال الشرعى بآيات القرآن الكريم . الاستدلال عموما هو تطبيق النص القرآنى أو القانونى على حالة معينة. النصوص الشرعية ـ قرآنية أو قانونية ـ هى نصوص عامة تأتى من لدن الله تعالى كما فى القرآن ، أو من البشر كما فى التشريعات الوضعية.فى الأغلب أن يكون الخطأ فى توظيف النصوص أو تطبيقها أو الاستدلال بها. القاضى وظيفته أن يطبق النص الملائم على الحالة المعروضة عليه والمماثلة للنص التشريعى. قد يخطىء القاضى فى التطبيق والاستدلال ، الخطأ هنا لا يلحق بالقانون أو التشريع الالهى الذى هو الأمثل الحق والأسمى. حين نخطىء فى الاستدلال أو التطبيق فهى مشكلتنا وليس للاسلام شأن بها. بالطبع لا بد من منهج موضوعى فى الاستدلال وهذا ما كتبنا فيه ، ولكن معظم من يهاجمنا لا يقرأ لنا الا بنصف عين على الأكثر.
قبل الاستدلال بالتشريعات القرآنية لا بد من فهم مصطلحات القرآن أولا ثم الفرق بين أوامر التشريع وقواعد التشريع ومقاصد التشريع ، ومدار التشريع ، والمحكم والمتشابه، والموجز والمفصل، والتشريع الخاص بزمنه والتشريع المتدرج والتشريع المطلق السائر مع كل زمان ومكان ،..الخ. بعدها تحدد الحالة البشرية الواقعية التى تتطلب الحكم ، ثم تبحث على ما يلائمها. من الخبل مثلا أن تبحث فى تشريعات الطلاق لشخص لم يتزوج أصلا، أو أن تتكلم عن تشريعات الصوم فى رمضان لمن يفطر فى شوال . من الخبل أيضا أن تتساءل عن حكم الرق والرقيق ولم تعد هذه المأساة جزءا من الحياة الاجتماعية فى عصرنا. القرآن وكل تشريع وضعى يأتى عاما ليعالج كل الحالات ويقتصرالتطبيق على الحالة المعروضة فقط.
من التشريعات المتدرجة تشريعات العلاقة مع العدو. تحديد العدو هو المعتدى علينا. التدرج فى التشريع لا يعنى الغاء السابق لصالح الجديد ولكن وضع تشريع مناسب للعلاقة مع العدو، وهى بطبيعتها متغيرة ، حسب القوة والضعف ، وحسب الصلح أو الحرب. تشريعات القرآن الكريم المتدرجة غطت كل الحالات ، وما علينا الا أن نقوم بالتوصيف الواقعى لحالتنا ثم نجد التشريع الملائم له على النحو الآتى:
ِأـ مرحلة الاستضعاف، حين يتعرض المؤمنون للاعتداء والطرد والاضطهاد والتعذيب والقتل . التشريع القرآنى لها هو كف اليد عن القتال والاكتفاء باقامة الصلاة وايتاء الزكاة ، والتحمل والصبر، والهجرة فى حالة القوة عليها. ( النساء 75 ،77، 97 ـ 99 ) ( النحل 41 ـ 42 ، 110 ، 106 ) وواضح ان هذه هى الحالة التى تتفق مع الواقع الفلسطينى.
ب-مرحلة الاعداد. وفيها يتم الاعداد ليس بهدف الاعتداء وانما للردع وتخويف المعتدى . الدولة الاسلامية دولة مسالمة لا تعتدى على الغير وانما ترد الاعتداء بمثله . يقول تعالى :" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. " الأنفال 60 ". هدف الاعداد الحربى هو ارهاب العدو المدمن على الاعتداء حتى لا يعتدى على الدولة المسالمة. اذا ارتبط السلام بالضعف كان مشجعا للعدو المعتدى على مواصلة اعتدائه، اذن لا بد من ارتباط المسالمة بالقوة العسكرية لردع المعتدى ومنعه من الاعتداء، وبذلك فان مفهوم "الارهاب " فى هذه الآية الكريمة يعنى حقن الدماء للفريقين.
فاذا جنح العدو الى المسالمة وجبت مسالمته، وحتى اذا كان العدو مخادعا فى طلب السلام فان الله تعالى هو الكفيل برد كيدهم ." الأنفال 61 ـ 62 "
ج ـ مرحلة الاذن بالقتال لرد الاعتداء " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ، وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا أن يقولوا ربنا الله" الحج 39 ـ 40 " فى اطار هذه المرحلة تأتى تشريعات القتال بالأوامر والقواعد والمقاصد من ناحية ( البقرة 190 ـ194)( الأنفال38 ـ 40 ) ، ومن ناحية التطور الحربى فاذا قاتلهم العدو كافة فعليهم أن يقاتلوه كافة، واذا تحالف الأعداء سويا فيجب على المؤمنين فعل نفس الشىء، وفى حالة هزيمة المعتدى فلا بد من الزامه بدفع الجزية جزاء أو غرامة حربية بالمفهوم المعاصر ( التوبة 36، 29 ) ( الأنفال 73 )
هذه باختصار هى المراحل المتغيرة للعلاقة مع العدو، وهى تتغير بتغير القوة والضعف للفريقين المتحاربين ،وعليه فان الاستشهاد لا بد ان يبدأ بتوصيف حالنا بدقة وصراحة لنحصل على التشريع المناسب لنا. من الحمق أن نقول بفرض الجزية على العدو ونحن تحت هيمنته ، كما أن من القاء النفس فى التهلكة أن نقاتل ونحن فى مرحلة الاستضعاف.
13 ـ لست الذى اقام اسرائيل ولست ممن ساعد فى اقامتها مثل بعض الزعماء العرب . اعترف قادة منظمة التحرير الفلسطينية باسرائيل دولة شرعية ، وحتى حماس التى ترفض الاعتراف باسرائيل علنا فانها بدخولها الانتخابات وفق مرجعية اوسلو تكون قد اعترفت ضمنيا وعمليا باسرائيل ، ولعل هذا ما أشار اليه أبو مازن فى خطابه الأخير والذى حذر فيه من أن أى اخلال بالأمن فى الانتخابات القادمة سيواجه بالقوة. من سمع خطابه يجد فيه ملامح مما قلته فى مقالى " ليس دفاعا عن اسرائيل " فقد استنكر الفلتان الأمنى متسائلا عن جدوى التظاهر بالسلاح بعد تحرير غزة، وأكد على مرجعية أوسلو التى تؤكد الاعتراف باسرائيل وأمنها. الذى قلته وأغضب الغاضبين هو نفس ما قاله رئيس السلطة وما يتمناه من نزع سلاح الفصائل ليكون فى حوزة وتحت سيطرة السلطة الفلسطينية حتى تتطور من مجرد سلطة الى دولة مسئولة .
قلت :" أقولها من الآن : ستتطور عمليات الفلتان الأمنى فى الداخل الفلسطينى وتتكاثر العمليات الارهابية لحماس واخوتها داخل الضفة والقطاع ، وربما تحقق حماس واخواتها الغرض الأقصى وهو الوصول بالنضال الفلسطينى الى نقطة الصفر وازالة السلطة الفلسطينية ، وعندها لا بد لاسرائيل أن تستعيد الضفة والقطاع حرصا على أمنها."
أقول الآن: ان الجزء الأول مما حذرت منه قد حدث بالفعل وهو تطور الفلتان الأمنى لحماس واخواتها، فقد تطور الفلتان الأمنى الى قتل المصريين على الحدود وانتهاك الحدود المصرية فى رفح ، وهو ما شجبه أبو مازن وغيره بشدة ، وكتب لى قارىء كريم معلقا: "ألا ينبغى أن يرد المصريون الاعتداء بمثله هنا أيضا ؟ " يشير الى حجج المعترضين على مقالتى.
وأقول الآن ان الجزء الآخر مما نبأت به أرجو ألا يتحقق كما تحقق الجزء الأول ؛ فقد نبأت بأن حماس اذا تركنا لها الحبل على الغارب فستتدمر السلطة الفلسطينية وتعود الأمور الى مرحلة الصفر وحينها تستعيد اسرائيل الضفة والقطاع. لا أرجو أن يحدث هذا ، ولذا كتبت أدعو لاصلاح حماس وتحويلها الى حزب سياسى يثرى الديمقراطية الفلسطينية فى اطار ما اتفقت عليه القيادة الفلسطينية التاريخية.
14 ـ يعلم الله تعالى ـ وكفى به عليما ـ اننى أشعر بالحسرة حين أرى وجوه الزعماء الشباب لحماس واخواتها وهم فى سن أولادى. وأحيانا أتمنى أن يكون لدى شرائط تليفزيونية لانتفاضة الحجارة الأولى التى شبت سنة 1985 وكان القائمون بها أطفالا فى حدود العاشرة لأقارنها بنفس وجوه الزعماء الشبان اليوم. هم نفس أطفال الحجارة لسنة 1985 ومن جاء بعدهم الى يومنا هذا. هؤلاء الأطفال لا يزالون فى شارع المقاومة وتطوراتها التى بدأت بالطوب ثم انتهت الى الرصاص والحزام الناسف والعمليات الانتحارية. برز من هؤلاء الأطفال زعماء حماس وأخواتها اليوم. شباب هو اليوم فى العشرينيات بعد أن قضى أحلى سنوات العمر فى السجن أو فى الشارع وليس فى البيت أو المدرسة ، بين الرصاص والنواسف وليس فى أحضان أسرته وفصول وملاعب مدرسته. جيل فلسطينى بالكامل كافح فتلاعب الكبار والقادة بكفاحه وجنوا ثمرة نضاله وأتوا الى الحكم تاركين ملايينهم فى الخارج بينما من بقى حيا من صبية الانتفاضة قد تم غسل مخه بايدلوجيات لا طاقة له بها فاستمر فى النضال الانتحارى وهو يحسب أنه يحسن صنعا. جيل فلسطينى كامل تم القضاء عليه وانهاكه فتحمل وهو فى عمر الزهور ما تنوء به الرجال ، ثم اذا جاءت ساعة النصر والغنائم جناها الشيوخ وكبار السياسيين، وحتى يتم الهاء هذا الجيل عن استحقاقاته كان لا بد من شغله بالاستمرار فى المستحيل ، وهو تدمير اسرائيل . معلوم أن الآلاف من صواريخ قسام البدائية التى تتساقط حول المستوطنات الاسرائيلية لا يمكن بأى حال أن تهدد أمن اسرائيل ، ولكن اسرائيل تتخذها حجة للرد، وهكذا تدور دائرة الفعل ورد الفعل تأكل اجساد أولئك المخدوعين من الشباب ، ويزداد انخراط الصبية فى النضال كما وكيفا ، ويتم القضاء على جيل فلسطينى بالكامل، عاش حياته فى كر وفر ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
المستقبل بائس اذا استمر الحال على ما هو عليه، لذا كان لا بد من النصح المخلص بنزع سلاح حماس واخواتها وانخراطها فى العمل السياسى ، وعودة الصبية الى مدارسهم وأمهاتهم. ولكن العاطفيين يواجهون بالسخط والانكار ذلك النصح .
واقع الأمر أن الدور الذى تقوم به حماس يبرر لهم العجز عن العثور على حل حقيقى للحاضر والمستقبل، ومن هنا وضعوا حماس فى دائرة "قدس الأقداس " ليظلوا فى احلام اليقظة يخرصون ..
وللحديث بقية..



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الحضيض الى أسفل السافلين .. احزن يا قلبى
- يحيا العدل
- يحيا التعذيب ؟!!
- مستقبل العرب بين الصوملة والأفغنة
- يسألونك عن الاخوان المسلمين من هم ؟ وكيف نواجههم ؟
- مؤتمر الأقباط فى واشنطن
- التناقض بين الدولة الاسلامية العلمانية ودولة الاخوان المسلمي ...
- الماعز و الطبيب البيطرى
- تهديد لأحمد صبحى منصور ورده على هذا التهديد
- أبو هريرة والكلاب
- غزوة بدر والأخوان المسلمون
- نكاح المحلل
- التناقض فى تشريع الطلاق بين القرآن والفقه السني
- زواج المتعة
- ألا تزر وازرة وزر أخرى
- نداء للأمم المتحدة لمحاكمة الحكام المستبدين المتهمين بالتعذي ...
- فى الحفظ والصون
- لذا كتبت هذا المقال !!
- الدعوة الاسلامية ودعوة الجاهلية
- فقه الدعوة الجاهلية


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أحمد صبحى منصور - قدس الأقداس حماس