|
تطريز بخيط أسود
حسن مروح جبر
الحوار المتمدن-العدد: 5435 - 2017 / 2 / 17 - 20:36
المحور:
الادب والفن
( تطريز بخيط أسود ) : مرارة الرؤيا بين نكسة الواقع وحقيقته المتخيلة .
حسن مروح جبير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يؤسس عنوان رواية القاص والروائي العراقي محمود يعقوب ، الصادرة عن دار التكوين للطباعة والنشر مدخلاً أولياً مثقلاً بالتوقف والتساؤل ؛ فهو يحفل بكل رصانة ، عندما يفرغ المتلقي من قراءة الرواية ، بكل ما أراد الكاتب أن يرويه ، مختصراً ، وبرقّــة الكاتب المعهودة المسكوبة في العنوان نفسه ، فجاء مع عذوبته سحرياً ، ورائقاً ، وباعثاً على التساؤل ، ومحفزاً على الإقبال على الكتاب والشروع بتصفحه ، فقد أحسن الكاتب اختيار ثريا نصّه ، ووفق بلا تكلف أو تعسير .. جاء العنوان محمّلاً بدلالات رمزية مضغوطة ضغطاً مدروساً ، ومنسجماً ، ليبدو مدلولاً رائعاً ، ملفتاً ، وصادقاً ، وملهماً ، ومتعالٍ فوق أوهام العالم المتخيل ، وحقيقته الموجعة . فـ ( تطريز ) بمعناها المألوف إشارة ذكية إلى شيء رائع وسار في ذات الوقت ، نراه كما نرى زهرة شذية ، ومثلما نعثر في الأبنية الشهيرة على ضروب من الزخارف الرائعة ، نعثر كذلك على تشكيلات التطريز في الوسائد والمناديل وملابس الفتيات ، وفوق ملاءات الأسرّة .. والتطريز إضافة إلى ما يضيفه من جمالية تسر الخاطر ، فهو يسكب على الأعمال والمشغولات لمسات من الوقار ما يجعلها في رفعة ومكانة ينظر لها باحترام .. ولكن التطريز في رواية محمود يعقوب يتجرّد من بهائه وسرعان ما يندرج باللون الأسود ، وعند هذه الحالة تنتولّد الصدمة ، ويقفز السؤال ، ويحصل العوز إلى التعليل ، وهذا يعني الدعوة المطلوبة إلى إثارة الشوق إلى قراءة الرواية ، لفك رموز المعادلة التي لم تبدُ متوازنة في شطريها بين الجمال وبين القبح : تطريز ↔ قبح = إرباك وهكذا تتولد اللعبة ، لعبة الانسلاخ ، التي أقلقت الجميع وعلى رأسهم ( سلطان ) الذي يرمز للإنسان السلطوي ، المتمكن ، والقوة القمعية اللا متورعة . وما ( سلطان ) إلّا شارة أكبر حجماً وأوسع أفقاً لمفهوم أريد استخدامه إثراء النص ضمن حقيقته المتخيلة خدمة لبلوغ اللعبة كمالها ، وانسجامها المعقول ضمن استرسال السرد حتى النهاية . لقد كان العنوان ( تطريز بخيط أسود ) صورة جارحة لواقع مؤلم ، يتجسد في بعث الحقيقة ، وتشويهها ، والمتمثلة بجمال الحياة ، وسحرها على الأرض ، وقبل أن تشيخ وينالها القبح مثلما ينال داء الجدري وجهاً مليحاً وعلى يد الإنسان نفسه ؛ فهو مبتكر أدوات الخراب والتدمير ، وأكسبته مرارة مرفوضة صادرة من واقع مشوّه ، وعقيم ، وقاصر .. واقع حال لا يعي مقدار زمن قيامه القصير الأمد ، والذي لا يعدو أن يكون نقطة على الخيط الأسود الشديد الوضوح ،والذي يشير إلى الحياة حينما ينالها ذلك الدمار .. وكما يبدي الخيط الأسود عبر تعرجاته في التطريز ويشي ، برمزية سريّة ، ولكنها موحية ، إلى طريق الحياة الذي أمسى متعرجاً أمام السالكين الآخرين ، بل ملغوماً ، وخطراً أيضاً ، مثلما حصل لـ ( حامل القرون ) من مصير مؤسف . ومن تلك العقدة المهولة يلتفت الروائي بفطنة إلى تلك النهاية المؤسفة لـ ( بطله ) حامل القرون ، إلّا أنه يثأر له ، وبعد أن أوحى لنا أن مقتل ( حامل القرون ) شكّل نقطة عار في سجل تلك النقطة الموهومة فوق ذلك الخيط الأسود ، ليس ذلك وحسب ، وإنما في صفحة تأريخ حياة المجتمع .. نقطة عار لا تختلف بشيء عن كثير من النكسات والهزائم التي يمنى بها الإنسان جراء سلوكه الذي يفتقد إلى البصيرة . شكّل موضوع الرواية في مساحته المتواضعة ( 94 صفحة ) مفهوماً مفصّلاً عمّا أراد الروائي له ، فجاء محكماً ضمن قالبه ، ومقاييسه النابضة بالحركة والحياة المتمثلة بالصراع ، وصنع الجبروت ( استخدام المبيد ) ، وهذا قد لا يغيب عن ذهن الكثير من المتلقين . مات ( حامل القرون ) ذلك الكائن المسكين ، اللا واعي ولكن موته ترك لعنة ، وقد استمرت الحياة على وتيرتها وخمولها ، وبقي صدى النشيد يتردّد في أصوات مبحوحة : النيران الصديقة لا تخطيء أهدافها . السحلية الجميلة تقطع الجدار صاعدة نازلة ..
يتجلّى في كل ما كتبه القاص والروائي محمود يعقوب ذلك الروح الإنساني بحسّه المرهف ، الرقيق ، والداعي إلى الخير ، والسلام ، ونبذ الصراع الذي لا مبرر له ، وذلك في أغلب ما كتبه من قصص وروايات . ولا أعني من ذلك دعوة المتلقين لقراءة منجزه الحافل بنبذ كل مسببات الألم والتنغيص في حياة الإنسان ، بل هي الحقيقة المنبعثة من أعماقه الإنسانية السامية . ولن يغفل المتلقي عن العثور عليها في نصوصه أنها نابعة من وجدان نقي وواعٍ ، لا يختلف عن ما كتبه ( انطوان تشيخوف ) قيد أنملة ، سترى ذلك لو سعيت إلى قراءة قصص ( تشيخوف ) ، وتبصّرت قليلاً في الأمر المقصود والمرتجى ..
#حسن_مروح_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دندنة
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|