أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عصام بن الشيخ - بناءات ومقاصد الخطاب الغربيّ المعادي للإسلام قديما وحديثا: تفكيك مبررات الإهانة والتأثيم والتشويه في الخطاب الغربيّ تجاه الإسلام والمسلمين...















المزيد.....



بناءات ومقاصد الخطاب الغربيّ المعادي للإسلام قديما وحديثا: تفكيك مبررات الإهانة والتأثيم والتشويه في الخطاب الغربيّ تجاه الإسلام والمسلمين...


عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)


الحوار المتمدن-العدد: 5431 - 2017 / 2 / 13 - 19:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بناءات ومقاصد الخطاب الغربيّ المعادي للإسلام قديما وحديثا:
تفكيك مبررات الإهانة والتأثيم والتشويه في الخطاب الغربيّ تجاه الإسلام والمسلمين...
د/ عصام بن الشيخ ()
***************************************************
توطئة:
يقول المدافعون عن المسلمين في الغرب، أنّ قوانين "حماية المعتقد" لا تزال نظريّة ومنحازة، وغير مفعّلة بالكامل، لأنّ المسلمين يعاملون كغرباء في مجتمعاتهم، فغالبية الدول الغربيّة متعدّدة الديانات، منفتحة على جميع الأعراق، تحرّم التمييز العنصريّ وتجرّم اللاساميّة. في حين أنّها فيما يخصّ تنظيم العلاقة بالجاليات المسلمة، تفرض قيودا مشدّدة لمنع استخدام أو ارتداء ما يصطلح على تسميته الرموز الدينية والعلامات الصارخة، كالمساجد والمآذن، الحجاب والنقاب وغيرها. ويردّ المحرّضون على الإسلام في المقابل، بأنّ المسلمين يدمّرون الدفاعات الغربية ضدّ القيم المتخلّفة عن ركب الحداثة، ويحوّلون العمل الخيريّ إلى مطيّة لدعم الجهاد، يستخدمون الدعوة لتحويل الأحرار نحو العبودية الدينيّة، ويهدّدون المخالفين والمرتديّن بالرجم والقصاص والحدود الشرعية، ويجبرون المجتمعات الغربيّة المتحضّرة على تقديم تنازلات تجعلهم فئة متمّيزة، حين يطالبون بإنشاء المساجد ووتخصيص أوقات ممارسة الشعائر... وغيرها. تعكس هذه المواقف المتقابلة، الصور النمطيّة المتبادلة لكلّ طرف عن الآخر، وعن انتقالهما السريع، نحو طور المساجلات، دون أيّ حوار أو نقاش، في ظلّ غياب الثقة المطلقة بينهما.
حذّر البابا الأسبق بينيديكت السادس عشر/ Pope Benedict the XVI من "أسلمة أوروبا" و"الغزو الإسلاميّ"، في محاضرته الشهيرة بـ: "راتسبون Ratisbonne" الألمانية في (12 أيلول/سبتمبر 2006)، فتأكّد مسلمو الغرب من التضامن المسيحيّ الرافض لنموذج الإسلام الأوروبيّ، ولم يفد اعتذار البابا بزيارته المسجد الأزرق في تركيا نهاية عام 2006، لأنّ الخطاب أراد تأكيد تهمة "الإرهاب" وتعميمها على المسلمين بعد أحداث (11 أيلول/سبتمبر 2001)، وطالب البابا الدول الإسلاميّة صراحة، بالبحث عن الحلول وتقديم التنازلات حول الوجه القبيح للعنف، كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية مع بداية عصر التنوير Age of Enlightenment.
يمكن القول أنّ سقوط غرناطة Grenade سنة 1492م، يعبّر عن أقبح صور "الانتقام الحضاريّ" والتاريخ الاعتسافيّ المسيحيّ تجاه المسلمين، إذ سجّل المؤرّخون في مضمون رسالة التهنئة التي أرسلها الرحاّلة الإسبانيّ كريستوف كولومبوس Christophe Colomb (1451 - 1506)م، إلى الملك فرديناند Ferdinand II (1452 - 1516)م، والملكة إيزابيلا Isabelle (1451 - 1504)م، حول قرار: "طرد المسلمين، ثم اليهود، من الأندلس"، التحوّل التدريجيّ لذهنيّة "القاهر" الأوروبيّ المسيحيّ، وانتقاله من حالة التمثّلية والمساواة، إلى أيديولوجية الاستبعاد والتعالي والنبذ، برفض الآخريّة البشريّة وترسيخ خفضها، ثمّ تسهيل محاصرتها واتهامها باختلاق المظالم، حتى لا تقوم لها قائمة. كلّ ذلك، خدمة لمشروع كولومبوس الشهير "انتصار المسيحيّة العالميّ"، كما يؤكّد المؤرّخ والفيلسوف والناقد الفرنسيّ تزيفتيان تودروف Tzvetan Todorov (ولد عام 1939)م. ( )
تستمرّ الخطابات التلفيقية والذرائعيّة الغربيّة اليوم في انتقاد التخلّف الإسلاميّ، واتهام القيم العربية والإسلاميّة بعدم قدرتها على استيعاب الحداثة، وهو ما سهّل تقاطع رهانيّ المفكّر الأمريكيّ صاموئيل هنتجتون Samuel P. Huntington (1927 - 2008)، والمؤرّخ البريطانيّ برنارد لويس، Bernard Lewis (ولد عام 1916)، للإفصاح عن مقترحات التقسيم الجديدة في "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، بعد نجاحهما في تنبية الحكومات الغربيّة "الرهابيّة"، لـ: "خطورة "الإحياء الإسلاميّ" (الحركات الإسلاموية)، وفرص البعث الجديد للإسلام".
يلفت الباحث الإنجليزيّ كريس آلن Chris Allen (ولد عام 1966) - أستاذ السياسة الاجتماعية بجامعة برمينغهام ()- النظر، إلى ظاهرة "الإسلاموفوبيا في الغرب"، بدراسة مرجعيّة تحاول أن تعالج مسألة (الخوف أو كراهية كلّ أو غالبية المسلمين/ Fear´-or-dislike of all´-or-most Muslims)( )، انطلاقا من السلّم الذي ترتقي فيه الظاهرة من المحاورات Dialogues إلى المساجلات Diatribes، حول "موقف ثنائيّ القطب"، بين من يشجب خطاب الكراهية ضدّ المسلمين، ويدعو إلى مواجهته والتصدّي له من جهة، ومن يوافق على الدعاوى والاتهامات التي تطبّع ظاهرة الإسلاموفوبيا وتدعمها في الجهة المقابلة. بينما تتأسّس المساجلات الخفيّة للظاهرة - حسب آلن -، حول: الانعكاسات "المجرّدة" لتأثيرات تشخيص ظاهرتي الإيمان والتديّن في الفضاء العامّ، مسألة مساواة حقوق المواطنة في التشريعات والسياسات والممارسات، وصعوبات استيعاب أو استبعاد المسلمين من الفضاء العام وأثره على المجتمع. والمدهش أنّ قاموس أوكسفورد The Oxford English Dictionary قد أشار إلى ظهور المفهوم ثلاث مرّات في الأدبيّات الغربيّة، عام 1979 أثناء الثورة الإسلاميّة الإيرانية كما تحاجج بذلك الفرنسيتان كارولين فورست Caroline Fourest و فياميتا فينر Fiammetta Venner. وعام 1991 في دوريّة انسايت Insight الأمريكية. وعام 1925، على يد نصر الدين دينيه/ ايتيان دينيه Étienne Dinet (1861 - 1929) ، الرسّام الفرنسيّ الذي أسلم في الجزائر()، وكتب "Accès de Délire Islamophobe/ هذيان بكره الإسلام"، معيّة الحاج سليمان بن إبراهيم باعمرSliman ben Ibrahim Baâmer (1870 - 1953).()
يستعمل الغرب اليوم نفس المنهج الإقصائيّ تجاه مع من يصطلح على تسميتهم "الأتباع المحتملين للإسلام"، ويقصد بها الجاليات المسلمة في الغرب، والتي تعاني صعوبات التمتّع بحقوق المواطنة، بوصفها "شظايا مجتمعات" كما يصفها هنتجتون، الذي يتهمها بالولاء لـ "دار الإسلام"، ويحاول ترسيم وصفها كـ: "طابور خامس" في المجتمعات الغربيّة، والمدهش أنّ الغرب الذي يخشى الانتشار السريع للإسلام الأوروبيّ وتمدّد الراديكالية في الغرب، كان متسامحا مع الحركات الإسلامية التي نشطت بقوة أثناء فترة الحرب الباردة، كما يؤكّد المفكّر الفرنسي المتخصّص في الحركات الإسلامية فرونسوا بورغا François Burgat (ولد عام 1948) ( ).
يتحدّث المؤرّخون عن حادثة الهولوكوست "المحرقة اليهودية" آخذين في عين الاعتبار الرواية الصهيونية الرسميّة، وعند الحديث عن الممارسات الإسرائيلية في التطهير العرقيّ ضدّ الفلسطينيين منذ عام 1948، نجد أنّ استخدام "اللاسامية/ Antisemitism" لتشويه التاريخ ( )، منعكس تماما في حالة استخدام الغرب لـ: "الإسلاموفوبيا"، فالمسلمون ليسوا أقليّة في هذا العالم كاليهود، وهي أكبر دلالات حضور الطرح الإثنيّ حول القضيتين.
وبناء على ما تقدّم يمكن طرح الإشكالية التالية للاقتراب من تفسير الظاهرة المبحوثة على النحو التالي:
إلى أيّ مدى تتراكب ظاهرة الإسلاموفوبيا مع مقاصد السياسات الغربية "العدائيّة" تجاه دول العالم الإسلاميّ، وما هي البناءات اللاهوتية التي تتأسّس عليها؟.
ويمكن طرح الأسئلة الفرعية المساعدة، لتفسير مختلف العوامل المرتبطة بالظاهرة المبحوثة على النحو التالي:
هل هنالك علاقة بين الاستشراق وظاهرة الرهاب والخوف من الاسلام؟، أم أنّ ظاهرة "الإسلاموفوبيا" لا تصنّف ضمن خانة المنازلات اللاهوتية والعقليّة؟.
ما هي الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الإسلاموفوبيّون؟، وهل تتقاطع مع "أطروحة موت الله" للحركة الإلحاديّة في الغرب؟، وهل نجحوا في ذلك؟.
هل تقف الإسلاموفوبيا في طريق الحوار بين الحضارات؟، وهل تمكّنت من وقف ظاهرة التطرّف في العالم الإسلاميّ؟.
أمّا فيما يخصّ المرتكزات المنهاجية لهذه الدراسة، فقد تأسّست العمليّة البحثيّة، على عدّة مناهج ومقاربات بحثية، في سبيل السعي للإحاطة بجميع ارتباطات الظاهرة المبحوثة، ويمكن ذكرها على النحو الموالي:
يتأسّس المنهج التحليليّ للدراسة، حول "دراسات قياس الهوية الاجتماعية"، التي تقوم على أربعة أساليب مركزية لاستكشاف مضمون الهوية:( ) (منهج استطلاع الرأي: لاستكشاف هوية المضمون بشكل مباشر/ منهج تحليل المضمون: لدراسة الرسائل والكلمات المفتاحيّة/ منهج تحليل الخطاب: لدراسة مضامين النصوص والممارسات في سياقها، بطريقة تصف المعاني الاجتماعية/ المنهج الإثنوغرافي: لتفسير المعاني الاجتماعية المرتبطة بالانتماء العرقيّ تحديدا، مع الإشارة إلى بقية الانتماءات: الدينية، الطائفية، العقائدية، والأقلويّة..). ويتفق الباحث المصري محمود عكاشة مع هذه المناهج في دراسة الخطاب السياسي، ومستوياته التركيبية والدلالية والتداولية والإقناعية، لأنّ دمج هذه المناهج، يساعد على قراءة رسالة الخطاب الغربيّ المعادي للإسلام، وفهم مقاصدها. ( )
سيتمّ تصنيف نوعين من الأدبيات، الأدبيات الغربية لتسهيل الإطلاع على تحولات الظاهرة المبحوثة، إضافة إلى الأدبيات الإسلامية الناقدة، التي ترتبط بموضوع الدراسة، لتسهيل التعرّف على المواقف وردود الأفعال المسجّلة حيالها. لذلك، ستعتمد هذه الدراسة على التقصيّ كمنهج مركزيّ، بالإطلاع على مضامين المؤلفات الأكاديمية والمقالات البحثية، إضافة إلى محتوى الفيديوهات المسجّلة في موقع يوتيوب، والتي يمكن أن أصطلح على تسميته "المنهج الفيديولوجيّ"، لما تتضمنه تلك المكتبة من مادة إعلامية مرئيّة، على درجة بالغة من الأهمية، تساعد على تفسير أسرار ظاهرة الإسلاموفوبيا.

أبنية التراكب المفاهيميّ لـ: لازمتي "الفوبيا" و"الكراهية":
دراسة ايتيمولوجية للمصطلح وتطبيقاته على الحالة الإسلامية
يعتبر الباحث والمحلّل السيكولوجي الفرنسيّ بول دينيس Paul Denis (1873 - 1918)، "الفوبيا/Phobie" حالة رهاب غير منطقي، ناجمة عن ظروف نفسيّة آمنة من قبل حركة "الإسقاط/ Projection"، تسعى لإثارة المخاوف من المخاطر المحدقة باستخدام الذاكرة، وتنطوي على تشويه مؤكّد للواقع باستخدام عناصر خيالية، تنقل حالة الرهاب إلى عصاب يعطّل منطقيّة العقل، قد يتحوّل إلى ذهان أو هواجس ومخاوف مرضية، تحوّل وضع صاحبها إلى حالة القلق الرهابيّ المستمرّ.( )
لقد اخترع الغرب مصطلح "الاسلاموفوبيا" (الرهاب من الإسلام)، لإقناع مجتمعاته بأنّ قيم الإسلام تقع في تناقض صارخ مع القيم المسيحية، فتحولت حملات التنفير الرسميّ من الإسلام إلى نوع من الهوس المرضيّ، مع الحجب المقصود للحقائق الصحيحة عن الإسلام، وتقديم كلّ ما يشوّه الإسلام من مغالطات وتزييف وتضليل، تساعد على صناعة الكراهية ضدّ الإسلام والمسلمين، كما فعل برنارد لويس، القائل عام 2007:
"لقد شهد المسلمون انهيار الرايخ الثالث، ثم شهدوا انهيار الاتحاد السوفياتي، والآن يسعون إلى انهيار الولايات المتحدة الأمريكية".( )
رغم أنّ ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تخصّ الغرب وحده، إلاّ أنّ ظهور مثل هذه الخطابات مرتبط بالغرب بطرق مباشرة وغير مباشرة، نتيجة ظاهرة "الاستلاب والانحياز الفكريّ/ The Intellectual Alienation"، ليوفّر الإسناد والمؤازرة للمركز الغربيّ. (حيث أنّ "المغلوب مولع بإتباع الغالب" كما أقرّ ذلك المؤرّخ والعلامة العربيّ عبد الرحمان ابن خلدون A. Ibn Khaldoun (1332 - 1406)). ومن أجل ذلك التفصيل، تنطلق هذه الدراسة من خلاصة نظر الباحث السعوديّ راشد المبارك (1935 - 2015) حول بحثه "فلسفة الكراهية"( )، لبحث مدلول مفهوم "التطرّف" ومنشأه، وصلته بالكراهية، ومواصفات المتطرّف، حيث أنّ الغلوّ والشطط والعنف والإكراه.. صفات عرفتها كافة الأجناس البشريّة، ولا يمكن أن ينسب "العقل الموضوعي" سلوكيات "قلّة عدديةّ، صغيرة النسبة، إلى أمّة بأكملها"، متغافلا عن الاعتراف بأنّ التطرّف "سمة بشرية عامّة". كما يقرّ المفكّر الإيطاليّ مايكل أنجلو ياكوبوتشي Michelangelo Jacobucci في تأكيده تعميم ظاهرة اللاتسامح على جميع المجتمعات، حيث يتحوّل "القتل لإرضاء الربّ"، و"حريّة الخطأ"، إلى وسيلة للغطرسة والدوجمائية وإلغاء الآخر، وقد أفرد الأخير بحثا عن التطرّف عند المسيحية واليهودية والإسلام، وكيف يتحوّل الدين إلى "مؤسسة مسيّسة" ( )، معرّجا على فكر سيّد قطب Sayyid Qutb (1906 - 1966) ( )،كنموذج عن التجربة المصرية الفريدة في تأسيس منظومة التكفير بنيّة الصدام مع الحاكم.
يفكّك السوسيولوجيّ الفرنسيّ جيرالد بروني Gérald Bronner (ولد عام 1969)، الفكر المتطرّف La Pensée extrême، ويحاجج أنّ التطرّف هو بالأساس قناعات فكرية وأخلاقيّة، وباستخدام المنهج "الطبّ - جنسانيّ" يبحث آلية اشتغال الدماغ البشريّ، فنظرا لإصرار الفرد على تحقيق أهدافه، يتحوّل دفاعه عن أفكاره ومعتقداته إلى دوغمائية أحادية (تحجّر فكريّ)، ترفض الآخر( ). وهو ما يؤكّد أنّ هذه الآلية العقلية بشرية عامة لجميع البشر، ولا تخصّ المسلمين وحدهم، ويمكن للعقل الغربيّ أن ينتج "خطابا أحاديا للكراهية" ورفض الآخر، ويقتنع به، ويقوم بتوجيهه إلى أوسع نطاق جماهيريّ، بما يؤدّي إلى تأسيس رهاب من الإسلام والمسلمين.
عرف المسلمون في "وثيقة المدينة/Constitution de Médine/Constitution of Medina "، أوّل تجربة للتعايش مع الآخر، اقتضت تفكيكا وتحليلا معرفيّا دقيقا لمستويات البناء الدستوريّ لتلك الوثيقة، توصّل من خلالها الباحثون إلى ترتيبات دقيقة للمشهد الإسلاميّ، تدلّ على: (تجنّب ذكر المجرّد والروحيّ المتخيّل وتركيز الوثيقة على تحديّات الواقع، تحديد مكونات الأنا في مؤمني المهاجرين والأنصار، تجاهل إثارة مسألة الآخر الداخليّ (المنتمي للأنا) كالمنافقين والمرتدّين والفاسقين، وأخيرا، التركيز على الآخر الخارجيّ في كفّار قريش، والمصالحة مع اليهود). فلم يكن التوصيف الإسلاميّ للآخر، مبنيّا على سلوك إمبرياليّ مسيء، أو منهج إقصائيّ استبعاديّ، أو نزاع جدليّ عقيم. لذلك، بنى المستشرقون مناهجهم التشكيكية والتشويهية والتلفيقية تجاه المسلمين، على الطعن في مصداقية الوثيقة، ونسج الافتراءات وتوضيب حملات التكذيب ضدّ مقاصد نبيّ المسلمين فيها، لتعزيز فرص التصادم والاحتراب العسكريّ ضدّ الإسلام، في حملات الحروب الصليبية Les croisades / The Crusades.
يقول رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد Mahathir bin Mohamad (ولد عام 1925)، أنّ التوجّه شرقا نحو القيم الآسيايوية الكنفشيوسية ودمجها في القيم الإسلامية السمحة، هي السرّ وراء نجاح التجربة الماليزية في التنمية، ولحاقها بركب دول المنطقة كـ: اليابان والنمور الآسياوية والصين. وتحدّث مهاتير محمد في مذكراته عن تصحيح الرئيس الأمريكيّ الأسبق جورج بوش كلمة "حرب صليبية" بعد أحداث (11 أيلول/ سبتمبر 2001) ( )، وأبدى استغرابه من اعتبار احتلال العراق عام 2003 "مجرّد خطأ"، حيث ثبت أنّ النظام العرقيّ البعثيّ لا يمتلك أسلحة الدمار الشامل، كما لا توجد أية نيّة أو تطلّع لأيّ بلد إسلاميّ لتأسيس "خلافة نووية/ Nuclear Calipate" كالتي يروّج لها الملحد الأمريكيّ سام هاريس Sam Haris ( )، في باكستان أو إيران.

مبرّرات الإهانة والتأثيم في الفكر الغربي المعادي للإسلام:
الإساءة المنهجيّة والسلوك الإمبرياليّ المقصود:
روّج العديد من المفكّرين الغربيين أطروحة "الفوات التاريخي للإسلام"، بسبب تعلّق المسلمين بـ: "النظرة الماضوية/ العقل القياسيّ" التي ضيّعت على المسلمين فرص اللحاق بركب الحداثة، وروّجوا أنّ اللغة العربية أضحت "لغة ميّتة" غير قادرة على إنتاج المعرفة أو استيعاب الحداثة. كما تنكر هذه الخطابات العدائيّة فضل المسلمين قديما وحديثا في تقدّم الحضارة الغربية والإنسانيّة جمعاء، سواء في إسهامات الحضارة الإسلامية في نقل العلوم وترجمة المعارف الإغريقية وتطويرها، أو مساهمة الجاليات المسلمة اليوم في تطوير مختلف القطاعات الحيوية في الدول الغربية. ويسخر الغرب اليوم، من القيم الإسلامية التي استخدمها أثناء الحرب الباردة ضدّ الإتحاد السوفياتيّ السابق، حين استغلّ الأمريكيون "كراهية المسلمين للشيوعية الإلحادية" ( )، وقاموا بدعم تنظيم القاعدة في أفغانستان لتسهيل انهيار الكتلة الاشتراكية الشرقية، وانتقال النظام الدوليّ الجديد إلى الأحادية القطبية.
لو كانت القضية متعلقة بظاهرة "الخوف من الدين/ Relegiophobie"، أو "كراهية الأجانب/ Xénophobie"، لكانت مشكلة عامّة تخصّ كلّ الإثنيّات والثقافات والأديان، لكنّها عندما تتعلّق بالمسلمين دون غيرهم، فإنّ "الإسلاموفوبيا/ Islamophobie" تحمل دلالة خطيرة على "تشكيل إيديولوجيّ تمييزيّ، نابع من فكر متحيّز ومعادي للإسلام والمسلمين"( )، تحوّل إلى رهاب وهاجس مرضيّ قهريّ لدى الغربيّين، تمّ استغلاله بطريقة سلطويّة، لممارسة عقاب جماعيّ في شكل "سياسة دولة" ضدّ كلّ ما يرمز للديانة الإسلامية ( ). فقد وصف الباحث الأمريكيّ ستيفان شيهي Stephen Sheehi، أستاذ الثقافة العربية بجامعة كارولينا الجنوبية، الإسلافوبيا، بأنّها: "ليست برنامجا سياسيّا يحمل رؤية، لكنّها: أمر جوهريّ، مجرّد، متأصّل، مستدام، وسائد"، فعندما يطرح الغربيّون التساؤل: "من هم المسلمون، ولماذا يكرهوننا؟، فكأنّهم يمارسون "تفتيشا قضائيا" في هوية وعقائد وضمائر المسلمين، انطلاقا من الصورة النمطية السلبية والأحكام المسبقة التي تخلط بين المسلمين والمتطرّفين الإرهابيّين، فبالنسبة لمبغضي الإسلام والمسلمين، تعتبر الجاليات والمراكز الثقافية الإسلاميّة والمساجد، "طابورا إسلاميّا خامسا" داعما للجهاديين المناهضين للمصالح الغربية، بوصفها "شظايا لمجتمعات ذات قيم متقادمة". أمّا في نموذج "الإسلاموفوبيا الأوروبيّة" فقد تحوّلت الظاهرة إلى أداة سياسية وانتخابية ( )، زادت في تعقيد مسألة استيعاب المسلمين في القارة الأوروبية، التي تتنوّع فيها ممارسات الكراهية والرفض والخوف من الإسلام، مثل: قرار منع وإزالة المآذن Minarets في سويسرا، منع التبشير Prosélytisme، منع الحجاب والنقاب في المدارس، وأخيرا، الجدل الدائر في فرنسا حول منع البورركيني، لباس السباحة النسائيّ الإسلاميّ.
تؤسّس "خطابات الكراهية/ Hate Speechs/ Les Discours Haineux"، لوضعيات اجتماعيّة صراعيّة، تستخدم لترسيخ نماذج معياريّة تبريريّة بغرض تنقية الهوية "الأنا"، وشيطنة "الآخر"، فحين يستثنى قطاع من المجتمع رغم الضمانات التي تمنحها الدساتير للمواطنين، بالافتراض أنّهم جنس معاد، أو خونة يستحقون العزل والحجر والطرد، فإنّ تعصّب الهويّة للذات ورفضها الانفتاح على الآخر، يدلّ على وجود طارئ في القيم الجامعة، يقتضي مراجعة عاجلة وحتميّة للتراجع، لوقف حملات التشهير والدعاية التحريضية، العنف اللفظيّ والتحرّشات المعنويّة المقسّمة للأمّة. لقد سجّل التاريخ البشريّ عدّة نماذج للتمييز والكراهية ضدّ: السود والآسيويين، اليهود، النساء، المسلمين.. وغيرهم، فقد سجّل التاريخ الأمريكيّ المعاصر حملة دعائية ضدّ اليابانيين الأمريكيين بعد حادثة الهجوم الجويّ للطيران اليابانيّ على القاعدة العسكرية الأمريكية بيرل هاربر، تطالب باحتجاز الآلاف من اليابانيّين في جيتوهات ومعسكرات اعتقال بوصفهم جنسا معاديا للقيم الأمريكيّة، وبعد أحداث (11 أيلول/ سبتمبر 2001) واجه المسلمون الأمريكيون نفس المشكلة، رغم أنّ الهجوم العسكريّ اليابانيّ قرار رسميّ لدولة قوميّة، في حين أنّ هجمات برجي التجارة العالمية في نيويورك، كانت من تنفيذ فئة صغيرة من المتشدّدين الخارجين عن القانون. وفي كلتا الحالتين، لم يشفع لليابانيين والمسلمين في الولايات المتحدة، اندماجهم في المجتمع الأمريكيّ الحداثيّ، والتزامهم بالقوانين واحترامهم للقيم الجامعة للأمة. ( )
طموح منتجي الخطاب التحريضيّ التعبويّ ضدّ المسلمين في بلوغ أسقف أعلى من الهيمنة الجديدة على المجتمعات الإسلاميّة، كما وصفها عالم المستقبليات الكبير، الباحث المغربيّ الراحل المهدي المنجرة Mahdi Elmandjra (1933 - 2014)، في تفسيره لظاهرة "الإهانة في عصر الميغا- إمبريالية"( )، فاليونسكو تستحقّ التوبيخ، ولا بدّ من محكمة دولية للجرائم الثقافية -حسب المنجرة -، لأنّ الآثار العراقية التي سحقت ودمّرت ونهبت على عين المجتمع الدوليّ وتحت أنظار العالم في الحرب الأمريكيّة على العراق في (مارس/ آذار عام 2003)، تدلّ على أنّ هذه الحرب حضارية على المسلمين( )، تنحدر فيها الروحانيّات وتتألّق فيها الماديّات (النفط في الحالة العربية)، وما تململ بعض الغرب وإدّعاؤه التضامن مع قضايا البلدان النامية، ومنها إدّعاء بعض الغربيّين رفضهم الحروب الأمريكية والصهيونية على البلاد الإسلامية، سوى "رياء ونفاق/ Showing off and Hypocrisy".
غير أنّ ممارسة الفيلسوف الفرنسيّ الراحل جاك دريدا Jacques Derrida (1930 - 2004) تفكيك ظاهرة "أحادية اللغة" وعلاقتها بالهوية وتموقعها إزاء الآخر، تقودنا إلى جمع المعطيات الهرمينوطيقية لدراسة مقاصد ودلالات المعاني الضيقة لأحادية الصياغة والمنطوق وتأويل المعنى، وكيفية تسخيرها لخدمة الهوية ( ). لذلك، ستخدم تلك الدراسة القيّمة لدريدا، التوظيف السريع لمناهج تحليل خطاب الكراهية الموجّه تجاه الإسلام والمسلمين، انطلاقا من البحث الأوليّ لتحليل المضمون (وتحليل الخطاب السياسيّ) بالطرق المنهجية التقليدية، سيرا نحو التفكيك المعمّق الذي يكشف الاستخدام المقصود للمنهج الإسقاطيّ، لفرض دكتاتورية العقل الغربيّ المتغطرس ضدّ الآخر، واتهامه بالدوجمائية والتشكيك في هوية الآخر، وقد تعوّدنا في تحليل الخطاب السياسيّ على المنهجيات التقليدية، التي ستدعم تحليل بيئة الخطاب وسياقه والرسائل السياسية الصريحة والمتضمّنة، حيث أنّ الاسلاموفوب ليس مقصورا على الاكليريين "الاكليروس/ رجال الدين"، علماء اللاهوت أو المستشرقين فحسب، بل هو منتشر في أوساط الساسة ورجال الإعلام والمشاهير أيضا.

مشكلة الإسلام مع الغرب: بين النقد البنّاء، والتغطيّة الخاطئة:
إصلاح خلل "قيم السلم"، وتفعيل "وسائل الردّ":
عندما تحدّث الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط Immanuel Kant (1724 - 1804)، عن ظاهرتي "شخصنة الخير" وعضوية الفرد ضمن "الجماعة الأخلاقيّة"، عزا العديد من السلوكيّات الإنسانيّة إلى الإيمان "المجرّد" - و المحض- بالدين، حتى يسهل عليه عزل ظاهرة "الوهم الدينيّ"، التي تسبّبت في انحراف البابوية تجاه "الباطل". غير أنّ كانط يعرّف "العقل المجرّد، العاري"، بالعقل المتحرّر من القيود التاريخيّة، وهو ما أقرّه الفيلسوف التونسيّ فتحي المسكيني Fethi Meskini (ولد عام 1961) بقوله، أنّ مقصد كانط من مفهوم "الدين المجرّد" هو: "تجريد الدين من ثوبه التاريخيّ، حتى نرى صفاءه العقليّ "العاريّ" (الإيمان الحقيقيّ)".( )
تسبّبت ظاهرة التجاسر والجرأة على الأديان والمتديّنين، في تجاوز واختراق بند حماية "حرية المعتقد" ــ التي تحميها اليوم، الشرعة الدولية في نصوصها المختلفة، بدء بـ: "الميثاق العالميّ لحقوق الإنسان/ La Déclaration Universelle des Droits de L Homme" منذ عام 1948ــ، فما يسمّى بـ: "الكافر/ Infidèle" بالنسبة لأيّ دين نظاميّ معيّن، هو "مؤمن" بالنسبة لدين نظاميّ آخر، لذلك يعتبر كانط، أنّ الثناء على الأديان، يعني السماح بتشكّل فرص التعرّف على الغايات الحسنة لكلّ عقيدة إيمانية، والوقوف بوضوح ضدّ "الشرّ الجذريّ". ويقول كانط أنّ انضباط القدرة المعرفية للعقل لا يمنع ميله الطبيعيّ إلى التوهّم، أو الاستعمال الدوغمائيّ (الإيقانيّ الوثوقيّ)، أو الارتياب ( ). وبالتالي، الميل إلى الاستخدام الخاطئ لقيم الدين، والتسويغ لتلك المفاهيم المنحرفة "المتعالية"، أو التأسيس عليها، لخلق آليات جديدة للصراع بين القيم، الإساءة للآخر، وتوتير الأجواء بين الأمم والحضارات. ( )
تصف الكاتبة الفرنسية المسلمة لوسيا كانوفي Lucia Canovi (ولدت عام 1973 بحنوب فرنسا)، الإسلام في عيون الغرب: "دين العرب، كالقلعة التي تمّ تخريب واجهتها، المتّسخة بالصفات القبيحة، التي تستحق الإحالة إلى متحف الرعب... كتابات مضلّلة وافتراءات سخيفة، تهم وخرافات، بحاجة إلى تنظيف"، هكذا انطلقت كانوفي من تفكيك الصور النمطية الغربية عن الإسلام والمسلمين، في مؤلفها الهام "الإسلام: بعيدا عن المظاهر"، تقول كانوفي أنّ (13 بالمائة) فقط من العرب، ينتمون إلى أمّة المسلمين، الذين يبلغ عددهم مليار ونصف المليار مسلم، هم أقليّة في العالم الإسلاميّ، يتعمّد الغرب (خلط العرق بالمعتقد) لتأثيمهم واتهامهم بالهمجيّة، ويصف الغرب الإسلام بالديانة القديمة غير القادرة على استيعاب الحداثة بغرض التحقير والإهانة، ويستخدم أكثر الفئات المستقطبة للأزمات فيه (الشباب، والنساء) لوصفه بالديانة القاهرة للأجيال والمهينة للنساء، دين سجّاد وحصير، لا يقدّس العمل والمعرفة، دين خرافات مؤمن بـ: "يد فاطمة" والعين والحسد، دين وثنيّ يعبد "الحجر الأسود"... وغير ذلك من الأحكام المزعجة ( ). فبعد جمع مطوّل للنقد المسجّل على الإسلام والمسلمين في الغرب، لم تجد لوسيا كانوفي حرجا في السخرية أحيانا من "الإسلاموفوبيا"، وتشبيهها بالمخاوف التي تفرضها ظاهرة "الاحتباس الحراريّ"، أو الانزعاج من المدخّنين أو الشخير او الأماكن الضيّقة...، قلق غربيّ غير عقلانيّ، يمتلك الإسلام الأجوبة الكفيلة بإزالته، لولا النزعة التهجّميّة للإعلام الغربيّ، الذي يعمّق الخلاف بين الغرب والإسلام، بفرضه سلطة أحادية للخبر والرسالة الإعلامية الموجّهة.
تطرح الباحثة المصرية يمنى طريف الخولي (ولدت عام 1955)، التساؤل: متى كان الخطأ يعالج بالخطأ المضاد؟، حيث يرد الردّ على الأنا الغربيّ بالمزيد من التمركز على الأنا الإسلاميّ، ففي معرض تفكيكها لـ: "جدل الأنا والآخر في فكر الفيلسوف المصري حسن حنفي Ḥasan Ḥanafī (ولد عام 1935)"، حاججت الخولي بأنّ "الغرب نار وأنوار"، لن تنجح معه الخطط التوفيقة ولا التلفيقية في التحلّل من رصيده، بالإصرار على الوقوف عند "منطقة الأنا". ( )
ماذا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية حتى تستحقّ كلّ ذلك الغضب من الفقهاء الوهابيين، يتساءل الدبلوماسي الصهيونيّ دور غوولد Dore Gold (ولد عام 1953)، في كتابه: "مملكة الكراهية: كيف دعمت المملكة العربية السعودية الإرهاب العالميّ الجديد/ Hatred s Kingdom: How Saudi Arabia Supports the New Global Terrorism"، لماذا يحمّل أنصار بن لادن إخفاق المسلمين في فلسطين بسبب الاحتلال الإسرائيلي، أو الإبادة التي حدثت في حقّ المسلمين في يوغسلافيا السابقة، أو احتلال الاتحاد السوفياتي السابق لأفغانستان؟؟، فبالنسبة للنظام السعوديّ كانت هنالك مخاطر محدقة من قبل القاهرة طهران وموسكو أكثر من تل أبيب، اقتضت حشد القوة العسكرية السعودية ضدّ الناصريين والشيعة والشيوعيين، وليس من أجل القضية الفلسطينية، وبالرغم من ذلك، ينحصر التحريض السنيّ للجهاد ضدّ الغرب، وأمريكا بالتحديد، عن طريق منظماتها الخيريّة والدعوية المنتشرة عبر العالم؟؟.( )
يصف المحلّل السياسي الأمريكيّ غراهام فولر Graham E. Fuller (ولد عام 1937)، القناعة الرسمية للإدارة الأمريكية بحتميّة "إصلاح الإسلام الفاشستيّ"، على إثر تراكم التجارب الأمريكية ضدّ الفوضوية والنازية والفاشية والشيوعيّة، بأنّه الطريق الأكثر فعالية في مواجهة الإرهاب وأيديولوجية التطرّف والأصولية ( )،ويعترف فولر بأنّ: إنهاء التدخّل السياسيّ والعسكريّ الغربيّ في شؤون الدول الإسلامية، التوقّف عن دعم الأنظمة الاستبدادية، تقبّل الأحزاب الإسلامية وتسوية القضية الفلسطينية، هي أهمّ مفاتيح بناء علاقة مستقرّة بين الدول الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية. ( )
أقرّ الباحث الفرنسيّ المتخصّص في الشؤون الإسلاميّة أوليفيه روا Olivier Roy (ولد عام 1949)، بأنّ ظاهرة "الخوف من الإسلام" و "الرغبة في تجريم المسلمين/ Incriminer L’Islam"، ظاهرتان ناجمتين عن أحداث سياسية، وصور نمطيّة مترسّبة في المخيال الأوروبيّ عموما والفرنسيّ خاصة، منها أنّ: ( )
أولا: بحث المسلمين عن "الإسلام الحقيقي" (اليقينية في إدّعاء امتلاك الحقيقة)، فيه إعادة لرفض الآخر.
ثانيا: مطالبة مسلمي الغرب حكومات بلادهم، باحترام العقيدة والشريعة، استغلال للمطالب الفئوية للأقليات.
ثالثا: المسلمون لا يدينون الإرهاب.

محاكاة الاستشراق في الألفية الثالثة:
أسلحة قديمة، وبارديغمات جديدة:
اشتغل وزير التربية السعودي السابق، الباحث علي بن إبراهيم النملة، خلال حياته الأكاديمية، على تفكيك دور الاستشراق في تشجيع صناعة الكراهية ضدّ الإسلام والمسلمين، وقد ميّز بدقّة بين مناهج التعايش: (منهج السماحة، منهج التعارف بين الأمم، منهج حسن الخلق)، ومناهج الصراع (منهج الاختلاف، منهج التنافس والتدافع)، إضافة إلى منهج التأثير والتأثّر ومنهج النظرة الوسط. بحث علي النملة اشتغال غير المسلمين بعلوم المسلمين وآدابهم، وقدّم تفصيلا دقيقا لفئة الموضوعيين منهم، قبل أن يكشف اللثام عن "الاستشراق العدائيّ" الذي استهدف ببحوثه ودراساته محاربة الإسلام وإنكار أصالته وتشويه صورته، مبرزا فئة خاصّة من طائفة المولعين بالخيال والخرافات والأساطير والمتأثرين بقراءة "ألف ليلة وليلة"، حيث ساهموا في تكريس الصورة المرعبة عن الإسلام، وهي غير موجودة فيه بالأساس ( ). ناهيك عن نقل معلومات خاطئة عن الإسلام سببها تفرّعاته الناجمة عن الابتداع، وأطلق عيها الباحث مصطلح "ثقافة العبث" ( )، ومنها نقل السيّاح والرحّالة أخبار "الإسلام الدروشيّ" وممارساته الطقوسيّة الغريبة عن الإسلام، مع التفريق بينها بين الصوفيّة/ Sophism"بوصفها منهجا للتعليم الدينيّ"، وما لها من أبعاد روحانيّة مدهشة، يحاول الغرب أن يكتشف أسرارها خدمة لأهدافه في الحدّ من التوجهات الإلحادية للمجتمعات الغربيّة.
خلص الباحث السعوديّ المتخصّص، إلى أنّ الاستشراق ميدان عريض متعدّد الوجهات، له فئات ومدارس، حتى أنّه أحصى ما يربو عن مائة وعشرين ألف عمل استشراقيّ قديم وحديث( )، بين ما كتبه الباحثون وعلماء الدين والرحّالة والسيّاح، المنصّرون التبشيريون والجواسيس. واعتراف الباحث أنّه لم يطالع سوى 3800 بحث استشراقيّ مكتوب باللغة العربية، وقد تأكّد عنده أن محاولات المستشرقين لبناء نظرية ما، قد فشلت بسبب عدم تأكّد الرحالة والجواسيس من معلوماتهم غير الموثقة، حيث أثّر ذلك التزييف على ما لحق من أعمال استشراقية عدائيّة ضدّ الإسلام والمسلمين، لأنّها اعتمدت على: الافتراضات المسبقة، الإدّعاء المتعمّد، عدم الدقّة في استخدام المصطلحات، صيغ الشكّ، الخطأ في الاستنتاج، التعميم، وتوارث الآراء.( )
حدّد الباحث علي بن إبراهيم النملة محدّدات ومنطلقات بناء العلاقة بين الشرق والغرب، وحدّد المنطلقات في: (تكريس صورة سلبية في تعامل غير المسلمين مع المسلمين، الاستعمار العسكريّ المباشر للبلاد الإسلامية، التمييز ضدّ المسلمين في الغرب، الخلط بين المسلمين وسياسات حكوماتهم). لذلك يعتبر علي النملة أنّ الاستعمار هو الذي فرّق بين منحنيات الاستشراق التي انقسمت بين النقد الجذريّ والإدانة، فالاستشراق الألمانيّ هو أقرب الاستشراقات إلى العلمية والنزاهة والإنصاف، لأنّه لم يكتب بغرض التنصير أو الاحتلال ( ). أما المسلمّات فقد حدّدها في الثقافة المستعلية والفوقيّة للغرب، التي تسعى إلى تطويع الإسلام بوصفه "الخطر والعدوّ القادم"، بعد تحوّل الدلالة المصطلحية للغرب الذي لم يعد يقابل الشرق، بل "الذي يدلّ على ثقافة غربيّة حداثيّة جديدة".
وتتخذ وسائل الإعلام الغربية الأحداث الترويعية والتخريبية التي يقوم بها بعض المسلمين ضدّ المصالح الغربية أو المدنيّين، لاستنكار القيم الإسلامية "الماضويّة" وإقرانها بالتخلّف، وتحويلها إلى طعون وشبهات تخدم هدف "صناهة الكراهية"( )، هذه المسوّغات تستخدم الماضي كسلاح ذو حدّين، أوّلا التذكير بأنّ الإسلام "انتشر بالسيف" (العنف والقتل)، ثم اتهامه بالماضويّة (عدم القدرة على استيعاب قيم الحداثة). وأورد الباحث علي النملة تصريح رادوفان كاراديتش Radovan Karadžić (ولد عام 1945)، في حروب الصرب على مسلمي البوسنة والهرسك، مشيرا إلى تقابل تلك الحملة مع ظهور الصحوة الإسلامية (الإحيائية الثانية) Sahwa Movement (Awakening Movement) في العالم الإسلاميّ، إذ صرّح كاراديتش: "لو كان الأمر بيدي لما توقّفت إلاّ في مكّة"، كما صرّح وزير الإعلام في حكومة الصرب: "نحن طلائع الحروب الصليبية الجديدة".( )
عالج الباحث السعوديّ علي بن إبراهيم النملة، أسباب انصراف عديد المستشرقين باتجاه التنصير، وتخلّيهم عن مهمّة جمع المعلومات وممارسة البحث وتحوّلهم نحو الهدف العقائديّ واللاهوتيّ، حماية لإخوانهم في العقيدة والمساهمة في الحدّ من انتشار الإلحاد في الغرب باستخدام "الاسكاتولوجيا"( )، لمعاداة الإسلام. ثم يعود إلى اعتبار الاستشراق والتنصير "وجهان لعملة واحدة"، حيث أنّ في الدعوة لإتباع الكنيسة، سعيا لنشر الديانة المسيحية في مختلف أنحاء العالم بميزانيات مالية ضخمة، تتراكب مع أهداف السياسات الخارجية للدول الغربية، التي لا تزال تستخدم الكنائس في حماية مصالحها بالدول الإسلامية وغيرها. ( )

محاججات "الاسلاموفوب" ومنتجي خطابات الكراهية:
الواجب الدينيّ، طلب الشهرة، والتواطؤ مع الصهيونيّة..
لا يزال شتم المسلمين تحت بند حريّة التعبير، يثير اليمين المتطرّف في الغرب، فعلى إثر احتجاج ملايين المسلمين عبر العالم، على رسم الكاريكاتيريت كورت فيسترجارد رسوما مسيئة للنبي محمد، وما أعقبها من اعتداء مسلّح سنة 2015 على جريدة تشارلي ايبدو الفرنسية التي نشرت رسوما مماثلة وأصرّت على استفزاز مشاعر المسلمين في الغرب، يتضامن اليمينيون بطريقة لافتة، ويسجلون تصريحات عدائية تحث على كراهية المسلمين، مثل، التصريحات العنصريّة للسياسيّ اليمينيّ الهولنديّ خيرت فيلدرز Geert Wilders (ولد عام 1963)، زعيم حزب "الحرية"، الذي ينادي بإغلاق المساجد وحضر القرآن، وحرية نشر الرسوم المسيئة للنبيّ محمد.
في ألمانيا، ضغط الإعلام الألمانيّ ومن ورائه منظمة بيغيدا / PEGIDA( Europeans patriots Against the Islamization of the West / الوطنيون الأوروبيون ضدّ أسلمة الغرب)، وتسبّبوا في استقالة الرئيس الألمانيّ الأسبق كريستيان فولف Christian Wulff (ولد عام 1959)، من الحزب المسيحي الديمقراطي، لأنّه صرّح بأنّ: "الإسلام ينتمي إلى ألمانيا". وعادت المستشارة أنجيلا ميركل Angela D. Merkel (ولدت عام 1954)، والتي دفعت الرئيس فولف للاستقالة سنة 2012، لتصرّح ضدّ مواقف منظمة بيغيدا العنصرية: "الإسلام ينتمي إلى ألمانيا، وهذا رأيي أيضا".( )
بعض المشاعر الاستفزازية للمسلمين، تجاوز مجرّد الرغبة في تحقيق تموقع سياسيّ أو بلوغ الشهرة، بل السعي العلنيّ إلى إذلال والحطّ من كرامة المسلم، مثل حادثة إحراق القرآن الكريم على يد القسّ الأمريكيّ تيري جونز Terry Jones (ولد عام 1951)، راعي كنيسة "دوف وورلد أوتريش سنتر" في جينسفيل بولاية فلوريدا، والذي اشتهر على إثر هذه الحادثة، إضافة إلى إهانة معتقلي غوانتانامو بتبوّل الجنود على المصحف الشريف وإلقائه في المراحيض.
تتلقّف الحركات النسوية العالمية مظالم النساء في البلاد العربية والإسلامية لتضيف أشكالا جديدة من التمييز ضدّ المرأة، نحو: مفاهيم الضلعنة، الحجب، الختان، الهجر، نصف إرث، نصف شهادة، نقصان العقل والدين، ..، وقد اشتغلت عالمة الاجتماع المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي Fatima Mernissi (1940 - 2015)، والطبيبة المصرية نوال السعداوي Nawal el Saadawi (ولدت عام 1931) والأمريكية أمينة ودود Amina Wadud (ولدت عام 1952).. والعديد من النسويات العربيات والمسلمات، من أجل كشف تلك الممارسات، في كتابات تنزّه الإسلام وتعاليمه، وتعتبر مركزيّة "الرفق بالمرأة" منهجا مجتمعيّا يميّز الدين الإسلاميّ الحنيف، مقارنة بالتعاليم الدينية الأخرى التي قصدت "تأثيم المرأة". غير أنّ ظاهرة "النسويات الإسلاموفوب"، تحتاج إلى تقصّ دقيق للبحث حول أهداف المعنيّات بهذه المواجهة، إذ ستقودنا عملية البحث إلى نماذج مختلفة لخطاب الكراهية النسويّ تجاه الإسلام، فلكلّ منها خلفيته ومبرراته وآلياته وتحالفاته، وفي ما يلي نماذج من فئة النسويات المبغضات للإسلام والمسلمين"، يمكن تقديمهنّ على للنحو التالي:
تصنّف الطبيبة النفسية الأمريكية من أصل سوريّ، وفاء سلطان Wafa Sultan (ولدت عام 1958)، في فئة النساء الإسلاموفوب الأكثر شراسة في تبنّي أطروحات المستشرقين، واتهام نبي المسلمين بالكذب حيال رسالته الإلهية. تعتبر السيدة سلطان، خطيبة مفوّهة، وهي تميل إلى استخدام المنهجيات السيكولوجية في تفسير نزعة المسلمين إلى الموت والانتحار وممارسة العنف، ويجد خطابها قبولا في أوساط اللامتديّنين، غير أنّها تتعمّد الإساءة للإسلام والمسلمين، وتجيد إنتاج خطاب الكارهية عن قصد ضدّهم، وقد لفتت تصريحاتها المثيرة الشيخ يوسف القرضاوي Youssef al-Qardaoui (ولد عام 1926)، الذي داع إلى مواجهة فكرها الإلحاديّ بحزم.
كما تسلّط الكاتبة الهولندية من أصل صوماليّ آيان هيرسي علي Ayaan Hirsi Ali (ولدت عام 1969)، الضوء على مشكلة "حتمية إصلاح الإسلام" ( )، مؤكّدة في مقدّمة كتابها قناعتها الأساسية بأنّ: "الإسلام، ليس دين سلام" والدليل حسبها قائم في حدود الردّة/ Apostasy والزنا/ Adultery والكفر/Blasphemy. وتستهجن هيرسي اتهام كلّ من ينادي بإصلاح الإسلام، بأنّه "يحمل الكراهية للمسلمين".
تلقت إيان هيرسي تهديدا بالقتل من قبل الهولندي محمد بويري Mohammed Bouyeri - قاتل المخرج الهولندي ثيو فان غوخ Theo Van Gogh (1957 - 2004) في أمستردام-، مما جعلها في حالة غضب واضح في كتاباتها المختلفة، تقوم هيرسي بتوثيق جميع العمليات الإرهابية التي تستهدف الغربيّين باسم الإسلام، وتمارس نقدها للديانة الإسلامية باستخدام "لهجة لوم الغرب"، قائلة: "يجب ألاّ ندعم ازدهار البلاد المسلمة المنتجة للتطرّف". ولا تؤمن هيرسي بتقسيم عقيدة المسلمين إلى سنّة وشيعة، بل تعتبرهم عقيدة واحدة، لأنهم يعتبرون - جميعا- المسيحيين واليهود "قردة وخنازير"، فعقيدة المسلمين حسب هيرسي، في توتر مستمر مع قيم الحداثة، فكيف نكره العالم اليهودي الذي اخترع الأنسولين والمصباح؟، كيف نكره توماس أديسون الذي أضاء العالم الإسلامي؟، تتساءل هيرسي. ويبدو أنّ هيرسي تستغلّ بذكاء أفكار اللإلحاديّين، لتشن هجوما منظمة على الإسلام، وتنادي بالخلاص منه، وليس الإصلاح، كما تزعم.
كما نسجّل أيضا، التصريحات العنصريّة للناشطة السياسية باميلا جيلر Pamela Geller (ولدت سنة 1958)، التي تنادي بـ: "وقف أسلمة أمريكا"، تترأس "المبادرة الأميركية للدفاع عن الحرية"، وتدير مدونة "أطلس شراغز" العنصرية ضدّ المسلمين، تمّ تهديدها بالقتل من قبل تنظيم الدولة داعش، بعد تجرّؤها على تنظيم مسابقة لرسم النبي محمد في تكساس. وهنالك أيضا، الكاتبة والصحفية والناشطة الكندية من أصل باكستاني إرشاد مانجي Irshad Manji (ولدت عام 1968) ( )، التي تنادي بإصلاح أعطاب الإسلام، حتى يتقبّل الكثير من الحريات الممنوعة فيه، وفي مقدمتها السحاق (المثليّة الجنسيّة)، إذ تعترف إرشاد مانجي بأنّها سحاقيّة، وتدعو إلى فهم جديد للإسلام، وتقول أنّه ليس من عند الله، وأنّه مقتبس من التلمود، والكثير من التصريحات الخطيرة والدنيئة، التي تدلّ على الرغبة في تسيّد المشهد الإعلاميّ وبلوغ الشهرة، على حساب المسلمين في الغرب. وتأتي بريجيت غابريال Brigitte Gabriel (ولدت عام 1964)، الصحفية الأمريكية لبنانية الأصل، والتي تدعو إلى مواجهة غربية وإسرائيلية شاملة للإسلام والمسلمين، لوقف الأفكار الظلامية للمتشدّدين، والدفاع عن المسيحية، وتتخذ من الكراهية والسخرية وسيلة لتسيّد المشهد الإعلاميّ تحت بند حريّة التعبير أيضا.

الاستخدام الخطير للإعلام في التنصير والسخرية من الإسلام:
سخرية المذيع راش ليمبورغ، الأخ رشيد، علي سينا أنموذجا
يعتبر عالم الاقتصاد المصريّ جلال أمين Galal A. Amin (ولد عام 1953)، أنّ هدف الغرب في إحكام سيطرته على النفط العربيّ، يقتضي توفّر حملة دعائيّة للتشهير بالمسلمين، وأعطى جلال أمين مثالا على كتابات المؤرّخ البريطانيّ برنارد لويس Bernard Lewis (ولد عام 1916)، والذي تشبه كتبه المنشورات الدعائية، لما تتضمّنه من حضّ على كراهية الإسلام والمسلمين، فكتابات لويس صوّرت العرب والمسلمين كعدوّ متخلّف مليء بالعيوب والنقائص، وقد استعانت الإدارة الأمريكية بكتابة لويس "الصهيونيّ"، لتأكيد نزعة المسلمين إلى استخدام الإرهاب ضدّ الغرب، فإذا كان أسامة بن لادن قد أوقع هذا الدمار الشامل بوسائل وخطط تقليدية، فكيف يفكّر أكثر من مليار مسلم في علاقته بالغرب، وهو الذي يعادي المشروع الصهيونيّ للدولة العبرية؟؟ -يتساءل لويس-، فإذا كان من الصعب على أن تنسب كلّ الأعمال الإرهابية التي تقع في العالم، للمسلمين وحدهم، فإنّ تهديد الخطر المحتمل لمليار وأكثر من المسلمين، وهم كتلة لا يستهان بها، يجعل خطاب حفنة صغير من الإرهابيين، يؤخذ على محمل الجدّ.( )
يعتبر الناقد السينمائي الأمريكيّ من أصل لبنانيّ جاك شاهين Jack G. Shaheen (ولد عام 1935)، أنّ أساليب السينما الأمريكية والغربية في تشويه صورة العرب والمسلمين، مقصودة وممنهجة ومتراكبة مع حملات الإدارة الأمريكية ضدّ الإرهاب ( )، وقد رصد شاهين عدّة مؤلفات لكشف تورّط هوليود في هذا الدور، منها مؤلفه الشهير الصادر سنة 2008: (مذنب: الحكم في هوليود على العرب بعد 09/11 - Guilty: Hollywood s Verdict on Arabs After 9/11)، والذي أكّد فيه افتراضاته السابقة لمؤلفيه الصادرين سنة 2001 و1984 والموسومين بـ: (Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People / The TV Arab). ومن هنا فقد خضع العالم برمّته لسطوة الغنتاج السينمائيّ الأمريكيّ، والصورة الأحادية للتشهير الغربيّ بالمسلمين.
يعتبر تصريح الصحفيّ الفرنسيّ والكاتب المسرحيّ الساخر فيليب تيسون Philippe Tesson (ولد عام 1928)، بأنّ "المسلمين، هم من يجلب الأوساخ لفرنسا" في (15 يناير 2015) ()، صورة قريبة عن ظاهرة "شتم المسلمين، تحت بند (حريّة التعبير)" في فرنسا، رغم أنّه يصنّف قانونيّا في خانة الكراهية العنصرية /Racial Hatred /La Haine Raciale)، وهو يعكس الصورة المترسّبة في المخيال الفرنسيّ منذ حادثة الهجوم المسلّح على الصحيفة الفرنسية الساخرة تشارلي ايبدو Charlie Hebdo في (07 يناير 2015)، من قبل الأخوين الفرنسيين شريف وسعيد كوّاشي. ونحن نسجّل النقلة النوعيّة للغربيين، من الدفاع عن بند "حرية المعتقد" المثبت في نصوص الشرعة الدولية، إلى "محاكمة العقائد" والتفتيش في ضمائر المسلمين، لتوريطهم حيال تهم التشدّد والتعصّب الدينيّ، ومحاسبتهم عليها مسبقا.
أما التشهير عبر الأثير، فقد رصده المسلمون الأمريكيون في الإسلاموفوب الشهير، المذيع راش ليمبوغ Rush Limbaugh (ولد عام 1951)، والذي يدير برنامجا حواريا إذاعيّا شهيرا، يحرّض من خلاله الأمريكيين على دعم الحرب التي تشنّها الإدارة الأمريكية على الإرهاب، على اعتبار أنّ الإسلام مادة مفضّلة لدى ليمبورغ، الذي برع في السخرية من المسلمين، والدعوة إلى عزلهم في المجتمعات الغربية، لوقف أسلمتها.
كما تظهر مشكلة "الردّة" مخاطر استخدام المسلمين السابقين ex-Muslims قناعاتهم الجديدة ضدّ الإسلام، والتي تختلف عن الانتقال نحو الإلحاد، باعتناق المسيحية بديلا عن الإسلام. ففي نموذج المسلم السابق، الأخ رشيد Former Muslim, Brother Rachid ، صاحب البرنامج الدينيّ التبشيريّ الخطير الذي يقدّم مادة إعلامية لاهوتية ترفض الاعتراف بالديانة الإسلامية، يزعم الأخ رشيد أنّه يتعرّض للتهديد بسبب ارتداده عن الإسلام، وهو ما يبرّره بتغيير اسمه وعدم ذكر عنوان اقامته، فمن خلال برنامجه التلفزيوني "سؤال جريء" يطرح الأخ رشيد تساؤلات ممنوعة عن الإسلام، بطريقة التجاسر والتطاول، مما يجعل المتصلين به من المسلمين، يدعوه إلى التماس الموضوعية، ولا يمكن للأخ رشيد إدّعاء الموضوعية التي يفتقدها، وهو لا يزال يقدّم برنامجه التلفزيونيّ، الذي يلقى نسب مشاهدة عالية على المكتبة الرقمية لليوتوب. كما يشبهه الناشط الكنديّ من أصل إيرانيّ، علي سينا Ali Sina ، مسلم سابق، عضو مجلس إدارة منظمة SION "وقف أسلمة الأمم/Stop Islamization of Nations"، المدرجة كمنظمة محرّضة على للكراهية. يخصّص مدونة نشطة لتحضير حملات ناقدة للإسلام والمسلمين، نشر من خلالها كتبا تتضمن تهما خطيرة وعبارات سبّ وقذف لنبي المسلمين، كما يشرح قناعاته الجديدة، ولماذا ترك الدين الإسلاميّ، الذي يعتبره "دين عنف، لا دين سلام". وتكمن خطورة هذه الكتابات في استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفايسبوك ويوتيوب، إضافة إلى خاصية التدوين التي تنتشر كثيرا في الأوساط الغربية النشطة، لدعم نشاطات المنظمة التي تضمّ أسماء كبيرى مثل باميلا جيلر وروبرت سبنسر. وأعلن علي سينا سابقا عن نيّته إنتاج فيلم سينمائيّ وثائقيّ عن "الحياة الحقيقية للنبي محمّد"، وهو ما يخشاه ويتصدّى له "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير/ CAIR" Council of American-Islamic Relations".

التناقضات الصارخة في الدفاع عن حرية التعبير:
مقارنة بين قضية "الآيات الشيطانية" لسلمان رشدي، وقضية عطاء الله ديودونيه أنموذجا
أدّى صدور كتاب "الآيات شيطانيّة / The Satanic Verses" عام 1988، من قبل الروائيّ البريطانيّ من أصل هنديّ، السير سلمان رشدي Salman Rushdi (ولد عام 1947)، إلى طرح مسألة حرية التعبير عن الرأي، وأسقف الكتابة الساخرة والنقديّة في الغرب، وانطلاق النقاشات حول "ذهنية التحريم" في العالم الإسلاميّ ( )، مع صدور فتوى إهدار دم سلمان رشدي سنة 1989 من قبل آية الله الخميني Rouhollah Moussavi Khomeini (1902 - 1989)م، مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية. لقد التفت الغرب إلى مدخل جديد لوصم الإسلام بالظلاميّة، كما فعل المسلمون بالكنيسة في العصور الوسطى، واكتشفوا حدثا مهولا، سيمكّنهم من انتقاد الإسلام والمسلمين لعدّة عقود قادمة. لذلك، يقول الفيلسوف السوريّ صادق جلال العظم Sadek Al-Azem (ولد عام 1934):
"تمتاز "الآيات الشيطانية" وحادثتها، في كونها أول رواية سجاليّة ساخرة في العصور الحديثة تجمع بين الغرب العلماني والشرق الإسلاميّ معا، في فضيحة أدبية كبرى لتقحمهما معا، في القضية الفكرية – السياسية - الإيديولوجية العالمية ذاتها، مما لم يعرف له التاريخ المعاصر شبيها".( )
وحين يتعلّق الأمر بانتقاد اليهود والمسيحيين في الغرب، تنقلب المعايير، وتفعّل القوانين، للحدّ من حريّة التعبير في الغرب، وقد حدث ذلك مع الممثّل المسرحيّ الساخر عطاء الله/ديودونيه Dieudonné (ولد عام 1966)م، الذي أجبره القانون الفرنسيّ على وقف عروضه المونولوجيّة في الضحك، لإدانته بمعاداة الساميّة والتحريض على كراهية اليهود، فقد نجح هذا الممثّل الساخر في استخدام الفنّ، لفضح بعض تناقضات الصهيونيّة، وبابتكاره حركة اليد الشهيرة "كوينيلي" (وضع اليد اليمنى في أعلى الذراع اليسرى)، استفزّ مبالا مبالا اليهود بسبب تذكيرهم بشعار التحيّة النازية الألمانية زمن أدولف هتلر، وتسببّ اعتقال ديودونيه ومنعه من دور العرض نتيجة ضغوط اللوبيات الصهيونية في فرنسا، في تضامن المسلمين ضدّ اعتقاله بتهمة تبرير الإرهاب، على إثر تصريحه الشهير: "أشعر أنّني تشارلي كوليبيالي"( )، وحصل ديودونيه على تمويل إيرانيّ لشراء مسرح يمكّنه من تقديم عروضه الساخرة، للاستمرار في رسالته الفنيّة الناقدة، وقد شرح الباحث الجزائريّ رشيد بن عيسى، كيف توسّط بينه وبين طهران، لتسهيل حصوله على الدعم.
لكن في المقابل، يبدي المسلمون انزعاجا كبيرا من النقد الساخر، الذي يقدّمه المذيع الأمريكيّ الساخر بيل ماهر Bill Maher (ولد عام 1956)م، ويتهمونه بنشر الكراهية ضدّ المسلمين، وتشويه سمعة الدين الإسلاميّ الحنيف، من خلال برنامجه التلفزيونيّ الشهير. ويردّ ماهر بأنّه غير متعصّب في نقد الإسلام، لأنّه صاحب توجّه إلحاديّ يدعو العقلاء إلى الخلاص من سطوة جميع الأديان. ويدافع ماهر عن الرسوم المسيئة للنبي محمد، ويدعو إلى نقد الدين الإسلاميّ وإصلاح مفاهيمه التي تشجّع على الإرهاب.( )

الإلحاد الجديد والاستهداف الممنهج للإسلام في الغرب
نموذج دانيال بايبس، روبرت سبنسر، ساهم هاريس أنموذجا.
فكّك المفكّر الشيعيّ الإيرانيّ الراحل علي شريعتي Alî Sharî atî (1933 - 1977)، المواجهة بين الدين واللادين، وظاهرة مناهضة الأديان في أوروبا في القرنين الأخيرين الـ 19 و 20 م، كانت حجج اللادينيين أنّ الدين يتنافى مع الحضارة والتقدّم وحرية الشعوب، حجج استندت إلى مبررات علمية ووقائع اجتماعية وتاريخية برّرتها تحولات الثورة الصناعية في الغرب، غير أنّ ما انطلى على أنصار اللادين، أنّ أنصار الانتهازية الدينية قد نصبوا الفخاخ للإلحاد، ولم ينقضوا على الفكر الدينيّ بشكل كليّ، متحوّلين من الدين الرجعيّ إلى الدين التبريري الذي يحرّف المعتقدات ويشوّه المبادئ الدينية، لإقناع الناس بوضعهم الراهن. لكن شريعتي عاد ليميّز الدين الثوريّ عن الدين الأفيونيّ، لما يحمله الأول من رؤية نقدية للواقع، رافضا أطروحة الإلحاديين بأنّ "الدين أفيون للشعوب". لذلك، يعرّف شريعتي "الكفر"، بأنّه التغطية على الحقيقة الناصعة للمعتقد، ولا يعتبره موقفا يقتضي الصراع أو المواجهة الماديّة. ( )
يقدّم الصحفيّ الأمريكيّ دانيال بايبس Daniel Pipes (ولد عام 1949)، مدير منتدى الشرق الأوسط، نظرة رافضة للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسلامية، إذ يصف بايبس نفسه بالعدوّ للأسلمة البربرية ( )، ويدافع في المقابل عن العلاقات العائلية بين إسرائيل والولايات المتحدة ( )، وينادي إلى تدمير إيران، وإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطينيّ لصالح الكيان الصهيوني، ويعتمد بايبس على نقد الحركات الإسلامية، كمبرّر لنقد الإسلام والمسلمين، والتهجّم على المملكة العربية السعودية.
أما روبرت سبنسر Robert Spencer (ولد عام 1962)، الكاتب الأمريكيّ من أصول تركيّة، فهو كاثوليكيّ متطرّف، متهم بنشر الكراهية ضدّ المسلمين، لأنّه يتخذ من نقده للجهاد والأسلمة، وسيلة لنشر الأكاذيب حول أطروحته (الحقيقة حول محمد)، ويحاول أن ينشر هذه الأفكار من خلال الكتب والمقالات الصحفية واللقاءات الصحفية، ويدلّ حقده على الإسلام على نوع التنشئة التي تحصّل عليها سبنسر، المعبأ ضدّ التاريخ القمعيّ العثمانيّ والتركيّ ضدّ المسيحيين في تركيا. ( )
يطرح الملحد الأمريكيّ سام هاريس Sam Haris (ولد عام 1967) ( )، عدّة أفكار تخدم رهانه على حمل العديد من المؤمنين من كلّ الديانات إلى الإلحاد ( )، بعد تخلصهم من قيود الأديان والثقافات والتقاليد والتراث والتاريخ، ففي كتابه "نهاية الإيمان" (2004)، تحدّث هاريس عن: طبيعة الإيمان، ظلّ الله، وعدّة مسائل عقدية انطلاقا من نزعة التشكيك ومذهب النفي، وتحدّث في مؤلّفه عن "مشكلة الإسلام" كنموذج لـ " المعتقد الخاطئ" وغير العقلانيّ. يقول هاريس أنّ هنالك مواجهة خطأ مع الإرهابيين، ينبغي تصويبها بمواجهة المسلمين جميعا، ومساعدتهم على تخليص أنفسهم من قيود الإسلام (دين الورع والفتوحات)، الذي يقتل "المرتد/ The Apostate" ويمنع عن الفرد حريّة اختيار معتقده (من بدّل دينه فاقتلوه)، في الوقت الذي يتقبّل فيه الإسلام دخول المسيحي إلى الديانة الإسلاميّة، قائلا أنّ تحوّل الغربيين من "الكفر/ Unbelief" إلى الإسلام هو بمثابة "مكسب يدلّ على جدارة الإسلام على حساب غيره من الديانات" بالنسبة للمنظور الإسلاميّ. وأعطى هاريس مثالا على إسلام المغنّي كات ستيفنز (يوسف إسلام) Cat Stevens (ولد عام 1948)، وكيف أكسب الإسلام الرجل شهرة أكبر، ودعم المسلمين في أطروحاتهم التبشيرية بديانة "الفرقة الناجية".
وواصل هاريس طرحه للقضية حين ناقش بسخرية رصد مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني، مكافأة على رأس سلمان رشدي وإهدار دمه علنا، بسبب كتابه "آيات شيطانية" ليحاول ربط التناقضات التي تدلّ على قبول الإسلام والمسلمين الحريّات المنصوص عليها في الإسلام، دون غيرها. و شبّه هاريس إقدام القس تيري جونز Terry Jones "Pasteur" (ولد عام 1951)، بإقدام أسامة بن لادن Oussama ben Laden (1975 - مايو/ آيار 2011)، على ضرب برجي التجارة العالميين في نيويورك في (09 أيلول/ سبتمبر 2001) وقتل 3000 مواطن أمريكيّ في بضع ساعات، لئلا يتهم بمحاباة المسيحيّة. لكنّه انتقد انتقد مواقف كلّ من إدوارد سعيد Edward Saïd (1935 - 2003)، وناعوم تشومسكي Noam Chomsky (ولد سنة 1928)، بسبب رفضهما أطروحة "صراع الحضارات / Clash of Civilizations" لـ: صاموئيل هنتغتون، الذي كان يناقش قيم الحداثة الأمريكية، التي ينبغي أن تبنى لمصلحة "الأنا" بغضّ النظر عن أجندة "الآخر". كما يرفض هاريس أطروحة الصحفي الأمريكيّ توماس فريدمان Thomas Friedman (ولد عام 1953)، الذي اعتبر أنّ إذلال الإمبريالية الأمريكية لكبرياء وكرامة المسلم، هي السبب وراء غضب المتطرّفين، الذين تربوا في الكتاتيب الإسلامية/ Madrassas، وناقش مسألة امتلاك العرب للنفط والمال، وكيف يسخّرانهما لتشجيع التطرّف والأصولية، معطيا مثالا بكوادر وقيادات حركة حماس الحاملين لشهادة الماجستير في مختلف العلوم، وطرح فرضيته القائلة (ازدهار المسمين لا يخدم الغرب، بل زاد من استعدادهم للهجوم على قيم الحداثة الأمريكية).( )
يطرح هاريس مشكلة التطرّف وانتشار الإرهاب، بمناقشة مفهوم "الجهاد/ Jihad" الذي وصفه بأنّه "النضال/ Struggle" و"السعي/ Striving" و"الحرب المقدّسة/ Holy War"، ويستحسن هاريس الانقسام الطائفيّ بين السنّة والشيعة، معتبرا أنّ تقسيم "دار الإسلام" قد خفّف خطر الإسلام الحاليّ على الليبرالية الغربية، ويعزّز ذلك أطروحته - رفقة ماجد نواز Majid Nawaz (ولد عام 1978) ــ بأنّ (الإسلام، ليس دين سلام) ( ). وانتقد هاريس توجّه الفيلسوف الفرنسيّ الراحل جون بودريار Jean Boudrillard (1929 - 2007) إلى أفغانستان، لدراسة التطرّف والغلوّ في حركة طالبان، ومضامين مؤلفه الهام "روح الإرهاب".( )
ولا يؤمن هاريس بالتفريق الذي تورده الدراسات بين الإسلاميين المتطرّفين والمعتدلين، فيشبّه الأول بالعسكريّ والثاني بالسياسي، حيث يتخذ الثاني قرارا بترك أعمال الأول (التشدّد)، دون التخلّي عن نفس المعتقد، ويؤكّد هاريس أنّ "الإمبريالية مصطلح اختاره المسلمون"، وأنّه "لابدّ من إصلاح الإسلام"، عبر تنشيط الغالبية الصامتة من المسلمين القابعين تحت سلطة فئة قليلة من الطغاة والغلاة (من الساسة والمفكّرين ورجال الدين). وعند تحليل أفكار هاريس نكتشف أنّه ينطلق من أرضية الإلحاد للهجوم على الإسلام، وأنّ شروط "الإسلاموفوب" (الكاره للإسلام) متوفرة فيه أكثر من البقية، لأنّه لا يستخدم المعارضة والسخرية من القيم الإسلامية، بل يعطيها بعدا عقلانيا بعيدا عن "الروحانيات" التي لا يعترف بها، ويدعو إلى الخلاص منها "نحو عقائد جديدة بدون أديان" ( )، و "قيم حداثية مغايرة"، فقط لأنّه متأكّد بأنّ "الأديان والثقافات تحدّد حرياتنا وإرادتنا، من دون استئذان". ( )
يقول رئيس البوسنة والهرسك الأسبق، الفيلسوف والمفكّر الإسلاميّ الراحل علي عزّت بيجوفيتش Alija Izetbegović (1925 - 2003)، أنّ في فكرة القصاص في الإسلام، مبدآن أساسيان، أولهما "حماية المجتمع"، والثاني "مسؤولية المجتمع والدولة الإسلامية تجاه العالم". لقد توصّل بيجوفيتش إلى حكمه بعد نقاش مستفيض للفرق بين مذهبي الفرديين والوضعيين بخصوص "حكم الإعدام"، فـ :"الفرديّون" يرون أنّ الإنسان مسؤول عن أخطائه بوصفه "فاعلا حقيقيّا"، لذلك يعتبر حكم الإعدام جزاء عادلا على مرتكب الجرم الخطير. أمّا "الوضعيون" فيرون أنّ الإنسان جزء من الجماعة باعتباره "حقيقة بيولوجيّة" خاضعة لقوانين الطبيعة، لذلك يرى الوضعيّون أنّ إعدام المجرم خلاص من جزء فاسد خطير على المجتمع. أليست تدابير الفلسفات الدستورية في الإسلام إذن، شبيهة بتدابير حماية المجتمع في الغرب ( )،هذا صلب الناتج الذي لا يحسب له سام هاريس حسابا، حيث أنّه يرفض أية قوانين أو ترتيبات عقديّة مهما كان نوعها، لصالح قيم الإلحاد وحرية الإرادة. ولا نزال نعتبر الإرهابيين مجرمين، لأنّهم لا يمثّلون سوى أنفسهم بما يرتكبونه من عمليات إجرامية باسم الدين الإسلاميّ الحنيف.

نزعة الكراهية في الخطاب الديماغوجي الرسميّ للغرب:
حضور "الدينيّ" ودلالاته في النصّ الرسميّ للخطاب..
أقرّ المفكّر النمساويّ (ليوبولد فايس) محمد أسد Muhammad Asad (1900 - 1992) أنّه عاش مع المسلمين قيم الأمة التي تحترم الأديان ولا تكره الذمّيين على ترك دينهم، قائلا أنّ الرسالة المحمّدية التي نسخت ما سبقها من الرسالات في اليهودية والمسيحية، لم تعمل على رفض أو إلغاء الديانات التي سبقت، بل عملت على إتمامها. ( )
تؤكّد نصوص مذكرات الساسة الغربييّن وجود صورة نمطيّة مخيفة عن الإسلام لدى فئة صنّاع القرار أنفسهم، وبين مستويات تسطيحية وأخرى عميقة في الخطاب السياسيّ المعاصر، نجد أنّ منطلق الدفاع عن النفس أولوية في الخطاب الغربيّ الرسميّ، ولو كان ذلك على حساب الإسلام والمسلمين ، وقد صرّح الرئيس الأسبق جورج والكر بوش George W. Bush (ولد عام 1946)، في مذكراته:
"ستعتبر الولايات المتحدة أيّ دولة تؤوي إرهابيين، مسؤولة عن أفعال هؤلاء الإرهابيين، هذه العقيدة الجديدة قلبت المنهج المعتمد في الماضي، والذي كان يميّز بين الجماعات الإرهابية، عن حاميها ومموّليها".( )
نكتشف في تحليل سريع لهذا النصّ، أنّ واشنطن واضحة في استهداف كافة الدول المتساهلة مع التكفيريين والأصوليين المتشدّدين تجاه الغرب، مع العلم أنّ جميع الدول الغربية كانت تستضيف رموز الإسلام الراديكاليّ التي كانت تمارس المعارضة السياسية ضدّ الدول العربية والإسلامية زمن الحرب الباردة (استخدام القيم اليمينية في وقف الشيوعية). وعلى الرغم من صرامة الخطاب الرسميّ للرئيس بوش الإبن، إلاّ أنّ خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت Madeleine K. Albright (ولدت عام 1937) أكثر عمقا، حيث أنّه يحمل دلالات حضارية وثقافية ذات منطلق دينيّ، وقد صرّحت في مذكراتها في وصف الصراع بين الأديان:
"فعلى غرار عائلة مزّقتها الإرادات المتصارعة، غالبا ما يستلهم أبناء إبراهيم الغيرة وانعدام الأمن والكراهية أكثر من استلهامهم مشاعر القرابة،..، المسلمون يعبدون الله نفسه الذي يعبده المسيحيون واليهود، ..، لكن، لماذا لا يتمتّع الإسلام بالسمعة نفسها اليوم؟".( )
نكتشف من تحليل النصّ، أنّ مسؤوليات أولبرايت في الإدارة الأمريكية قد أجبرتها على قبول قرارات مصيرية لتوفير الأمن الأمريكيّ في احتواء تنظيم القاعدة، على الرغم من فهمها لطبيعة الصراع وخلفياته الدينية في منطقة الشرق الأوسط، وهي التي أكّدت أنّ (الدفاع الكامل عن الوطن غير ممكن، لكنّ "الأمن غير الكامل" أفضل من انعدام الأمن) ( )، وفي هذا التصريح تبرير صريح لمنهجية الإدارة الأمريكية في توظيف القوة.
أمّا رئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق توني بلير Tony Blair (ولد عام 1953)، فقد صرّح في مذكّراته أنّ محاسبة مرتكبي الأعمال الوحشية لـ: (09/11) ليست لسفك الدماء بل حبّا بالعدالة، وليست تحرّكا ضدّ الإسلام، لأنّ المسلمين (المؤمنين الحقيقيين) أشقاء الغرب في هذا الصراع، لأنّ بن لادن لم يعد مطيعا للتعاليم الصحيحة للقرآن، كما فعل الصليبيون الذين قاموا بأعمال النهب والقتل في القرن 12م، ولم يعودوا يمثّلون تعاليم الانجيل. وقال بنفس لغة السيّدة أولبرايت، بعد تأكيد رفضه القاطع الموافقة على تصريحي الرئيس جورج بوش ووزير دفاع حكومته دونالد رامسفيلد Donald H. Rumsfeld (ولد عام 1932)، أنّ هنالك "حربا صليبية غربية ضدّ المسلمين":
"حان الوقت أمام الغرب كي يعالج مشكلة جهله بالإسلام، إنّ اليهود والمسلمين والمسيحيين، هم جميعا أبناء إبراهيم، حانت الآن لحظة التقريب بين الأديان، كي نفهم أنّ قيمنا المشتركة، وتراثنا المشترك، هما مصدر القوّة والوحدة".( )
وبمقارنة سريعة بين منهجي وزيرتي الخارجية الأمريكية السابقتين كوندليزا رايس Condoleezza Rice (ولدت عام 1954)، وهيلاري كلينتون Hillary Clinton (ولدت عام 1947)، نستشعر من خطاب كلّ منهما، خوفا مؤكّدا من انعكاسات انتشار الراديكالية الإسلامية على الكيان الصهيوني، فقد كتبت رايس عن الانتشار النووي الإسلاميّ انطلاقا من شبكة عبد القدير خان Abdul Qadeer Khan (ولد عام 1936)، معتبرة أنّ باكستان أكثر المناطق سريعة الانفجار مقارنة ببغداد وكابول سنة 2003 ولبنان عام 2006، ما يعني قلق رايس من الإسلام الآسياويّ (غير العربيّ) ( ). نفس المسألة موجودة في خطاب هيلاري كلينتون القلقة من الإسلام الإيرانيّ، والخشية من انتشاره بسبب ظاهرة الإسلام السياسيّ، وقد اعتبرت أنّ احتمال انتقال الثيوقراطية الوحشية للثورة الشعبية الإيرانية من إيران إلى مصر، على إثر اندلاع ثورات الربيع العربي، يعكس تناقض "دعم الحريات" و"دعم المصالح". لأنّ وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر، سيكون كارثة على المصالح الإسرائيلية والأمريكية معا.( )
هل استغلّ الغرب الحرب على الإرهاب لدعم الكيان الصهيونيّ بطرق غير مرئية؟، لقد أكّد وزير الخارجية الألمانيّ يوشكا فيشر Joschka Fischer (ولد عام 1948)، أنّ الحملة الغربية على الإرهاب "الإسلامويّ": "جعلت إسرائيل أقلّ استعدادا للتسويات، وأقلّ ليونة في مفاوضاتها مع السلطة الوطنيّة الفلسطينية".( )
يلفت الفرنسيّ أوليفيه روا الأنظار إلى إسلام إيران وباكستان، في غمرة الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق، ليرسّم دوائر الإسلام العربيّ والإسلام الآسياويّ، فهو ينبّه بذكاء شديد إلى امتزاج الخطرين الأخضر والأصفر. وأعطى أمثلة عن تورّط الزعماء السنّة والشيعة المتطرّفين في التشجيع على كراهية الدولة الأمريكية والغرب، وتحدّث عن ترحيل السياسيّ السنيّ قلب الدين حكمتيار Gulbuddin Hekmatyar (ولد سنة 1947)، من إسلام آباد إلى كابول، وعن خطاب الرئيس الإيرانيّ أحمدي نجاد Mahmoud Ahmadinejad (ولد عام 1956)، من طهران، عن الغرب، بوصفه قوة استكبار عالمي، تدعم إسرائيل، الدولة التي يجب أن تزال عن الخارطة. لكنّ أوليفيه روا قدّم نفسه كاستراتيجيّ عسكريّ حين تساءل عن مدى التزام طهران الحياد حيال الهجمة العسكرية الأمريكية على كابول، ومدى تعاون باكستان في الحرب الأمريكية على الإرهاب. ( )

استغلال الخلاف الكلاميّ "السنيّ - الشيعيّ" في الخطاب الرسميّ الغربيّ:
دقّ إسفين بين "مكونات ربط" الأمة الإسلامية..
قدّم الصحفي والسياسيّ الفرنسيّ أنطوان صفير Antoine Sfeir (ولد عام 1948)، تصوّره عن الحرب غير المنتهية بين السنّة والشيعة في العالم الإسلاميّ، إذ أنّه يصف الخلاف الكلاميّ اللاهوتيّ والخلاف العقديّ بين الطائفتين "بطريقة منصفة" لكنها تنبّه الغرب للخطر الإسلاميّ بشكل غير مباشر؟؟، ففي تشخيصه لما حدث في "الربيع الإيرانيّ" للثورة الإسلامية سنة 1979، عرّج صفير على إحراق الجماهير للرموز الملكيّة "الغربية" منذ احتجاجات سنة 1977، كإحراق (دور السينما، البازارات والمحلات التي تبيع المجلات والكتب الغربيّة، مواخير الكحول "الخمور"،...، وغيرها)، وأشار إلى تحوّل "معادة الغرب/ الغربوفوبيا" في طهران، إلى طقس دينيّ ( )، أخذ في التنامي إلى أن تطوّر المفهوم السنيّ لـ: "دار الكفر، ودار الإسلام"، إلى مفهوم شيعيّ جديد، يشرح تصوّر الثورة الإسلامية الإيرانيّة لـ: "قوى الاستكبار، والاستضعاف العالميّ"، بحثا عن التطابق بين المذهبين في معاداة الغرب. ويخلص صفير في نهاية كتابه إلى أنّ "شيطنة إيران/ La Diabolisation de l’Iran"، واحدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبها الغرب تجاه العالم الإسلاميّ خلال النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم.()
وتحدّث أستاذ القانون الدولي والسفير المصريّ السابق عبد الله الأشعل Abdallah Al-Achaal (ولد عام 1945)، عن العوامل المشكّلة لصورة إيران في العالم العربيّ، فمنذ الطلب الرسميّ الصادر عن السيّد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية الأسبق، بإقامة حوار جماعيّ بين العرب وإيران، تأكّد التسابق بين العرب وإيران ( )، اتباعا لـ: "منهج العفيف الأخضر"( ). فقد أدّى تراجع الدور العربيّ وانقسامه وغيابه، إلى الخشية من تعزيز الحوار الأمريكي-الإيرانيّ على حساب العالم العربيّ، وهو ما حصل بالفعل، على إثر توقيع الاتفاق الإطاريّ التاريخي للعلاقات الأمريكية - الإيرانيّة، بين الرئيسين الامريكيّ باراك أوباماBarack H. Obama (ولد عام 1961)، و حسن روحاني Hassan Rohani (ولد عام 1948)، في (يوليو/جويلية 2015)، فإذا كان الغرب نفسه لا يجد حرجا في الاعتراف بحقّ إيران في الوجود، وبإمكانية الحوار الغربيّ مع النظام الفارسيّ في الجمهورية الإسلامية، فكيف ينكر العرب حقّ طهران في لعب دور إقليميّ للدفاع عن مصالح الشعب الإيرانيّ؟. وهم لا يفعّلون نفس الدور؟؟.

مبادرات التقريب والحوار بين الأديان.. المناهج والضوابط:
نماذج فكريّة وسياسية لمقاربات التسامح والتعايش في الإسلام:
تأسّست قبل قرن وربع من اليوم، في ولاية شيكاغو الأمريكية مبادرة دوليّة للحوار اللاهوتيّ من قبل "حركة الإيمان العالمي/ The Global Interfaith Movement"، تمّ الإعلان من خلالها عن مأسسة أوّل هيئة دوليّة للتفاهم والحوار بين الأديان، تمثلت في "برلمان الأديان العالميّ/ Parliament of The World s Religions" (عام 1893) ( )، شارك في نشاطاته عدد من الدعاة المسلمين من داخل هذه الهيئة الدولية الأقدم، يتقدّمهم اليوم المفكّر السويسريّ من أصل مصريّ، بروفيسور طارق رمضان Tariq Ramadan (ولد عام 1962). لكن يبدو أن أصوات المعتدلين ظلّت خافتة أمام البروباغاندا الإعلاميّة والرواج الكبير لخطابات أنصار اليمين المتطرّف في الغرب، فلم ينجح هذا الصرح الدوليّ في حماية أنصار الدين.
يحذّر المفكّر الإسلامي الفرنسيّ الراحل روجيه غارودي Roger Garaudy (191 - 2012)م، من ظاهرة "الإفناء الحضاريّ" في تاريخ الغزو الغربيّ للقارة الأمريكيّة، حين أبيدت ثقافة الأزتك وحضارة المايا، مفسّرا مسألة الفرص الضائعة لحوار الحضارات عند ذلك، ومعرّجا على الإنكار الغربيّ لفضل الإسلام في التقدّم الأوروبيّ، حين تصف كتب التاريخ الفتوحات الإسلاميّة بالغزو الإسبانيّ، معتبرا أنّها فرص ضائعة متكرّرة التحاور مع الآخر. ( )
تحدّث أمين عام الحوار الإسلامي - المسيحي Secretary-General of the National Committee for Christian-Muslim Dialogue ، الباحث والمفكّر الإسلاميّ اللبنانيّ محمد السمّاك Dr. Mohammed Sammak (ولد عام 1937)، عن مسيرة انتقال الفاتيكان من اعتبار الإسلام "عملا شيطانيا" (لاهوت السيطرة)، إلى الاعتراف "بوحدة القيم الدينية بين الإسلام والمسيحية"، فكما أنّ الإسلام لم يلغ ما قبله ولم ينكره، ولم يتنكّر له، حيث لا يكتمل إيمان المسلم إلاّ بالاعتراف بالمسيحية واليهودية، التوراة والإنجيل. لا بدّ وأن يتقبّل الغرب الإسلام، وأن يعتبروا القدس ملتقى للمؤمنين بالله الواحد، وألاّ ينكروا القداسة السامية للقدس على المسلمين أيضا. ( )
يؤكّد الرئيس الإيرانيّ الأسبق محمد خاتمي Mohammad Khatami (ولد عام 1943)، أنّ تراكب العوامل الثلاثة المعيقة لحوار الحضارات، هي السبب في استمرار تنكّر الغرب للمسلمين، لسحب أطروحتهم القائمة على الإدّعاء بأنّ (في العودة للدين، عودة للماضي). إذ يرى خاتمي أنّ الذهنيّة التاريخيّة المروّعة للحروب الصليبية ضدّ المسلمين، وظهور الحضارة الغربية على العالم في شكل "الاستعمار"، إضافة إلى الخلافات الكلامية بين الطوائف والمذاهب الإسلامية، هي الأسباب الرئيسية التي اعتمد عليها الغرب في هجومه على الدين الإسلاميّ، والمسلمين.( )
يرى الباحث الأمريكيّ المتخصّص في الظاهرة الإسلامية بجامعة أوكسفورد، البروفيسور جون اسبوزيتو John L. Esposito (ولد عام 1940)، أنّ شعور المسلمين الأمريكيين بالغربة، وأنهم ينتمون إلى ثقافة دخيلة، يهدّد محافظتهم على هويتهم وحريتهم العقائدية، وخلفياتهم العرقية والدينية، مما يعرقل اندماجهم في المجتمع الأمريكيّ، كما هو حال المسلمين في أوروبا أيضا ( ). وتحدّث اسبوزيتو من الجزائر عن التحفظات التي أبداها الغرب حيال قبول المبادرة الإيرانية لحوار الحضارات التي قدّمها الرئيس الأسبق محمد خاتمي، فباستثناء إسبانيا، لم تكترث العواصم الغربية للخطاب الرسميّ في الدول الإسلامية، بل تضامنت في المقابل مع حرية الصحافة الغربية، على إثر أزمة الرسوم المسيئة للرسول ( ). ويقول اسبوزيتو أنّ الغرب يشترط اليوم على دول العالم الإسلاميّ التحوّل إلى الديمقراطية، وهي مسيرة تقتضي أشواطا كبيرة من ممارسة الحريات السياسية، في دول تعرف ظاهرة الإسلام السياسيّ، تلك الأحزاب السياسية التي واجهت رفضا من قبل الانظمة العربية والدول الغربية قبل شعوب المنطقة، فعن أيّة علاقة يبحث الغرب، وهو الذي يفرض شروطه المسبقة في بناء علاقته بدول العالم الإسلاميّ؟.( )
يفرّق الباحث المغربيّ عبد الحليم آيت أمجوض بين الأصول "اللاهوتية" و"الواقعية" لحوار الأديان، مبرزا دور التاريخ في ترسيم التاريخ الأسود لعنصرية الهويات الدينية التي سعت إلى الهيمنة على الآخر في أكثر من موقعة تاريخية، قبل أن تتأسّس فرص الحوار بين الأديان والثقافات، في ما يمكن أن يشكّل قواسم مشتركة قابلة للتنازل، بين كلّ الأديان ( ). وجاء على تاريخ الأخطاء اليهودية وارتباطاتها مع أخطاء الصهيونية المعاصرة، ونزعتها الرافضة للإسلام، متفقا مع الداعية السعودي محمد موسى الشريف، الذي وافق على الحوار مع النصارى دون اليهود ( ). قائلا أنّ أسباب رفض اليهود، تكمن في: النزعة التوسعيّة والعدوانية للصهيونية، اليهود قتلة الأنبياء ونقضة العهود والمواثيق، مكذّبون للأنبياء محرّفون للكتب، أكّالون للسحت متعاطون للربا، مفسدون ومثيرون للفتن، ...، وهو ما يدلّ على صورة نمطيّة مترسّبة لدى المسلمين عن اليهود، تجعلهم يعتبرون الحوار معهم مخادعة ومخاتلة، لا رجاء منها.
يعتبر المفكّر الإسلاميّ السوريّ، المهندس محمد شحرور Muhammad Shahrour (ولد عام 1938)، أنّ القيم والشرائع بإمكانها أن تجمع المسلمين مع غيرهم حول موضوعة "حوار الأديان"، حيث تخضع القيم للتراكم ( )، وتخضع الشرائع للتطوّر ( )، وبإمكانها أن تجمع الإنسانيّة برمّتها بحثا عن السلام والتفاهم والتقارب بين الأديان، بوصفها "رسالة رسوليّة" يتقاطع فيها كلّ الرسل. غير أنّه يستحيل إيجاد تنازلات بخصوص الشعائر، لأنّ الشعائر تأسّست على الإختلاف، فإذا كانت المسيحية قد أقرّت السجود قبل الركوع، ففي اختلافها مع الشعار الإسلامية التي تقوم على الركوع قبل السجود في العبادة، دليل على استحالة ايجاد تفاهمات مهما كانت مستويات التسامح والتعايش بين ممثلي الأديان، حيث تدخل الشعائر في خانة الإيمانيات، والرسالة النبويّة "المحمّدية". أما بخصوص ظاهرة العنف والإرهاب المنسوب إلى الإسلام، يعتبر شحرور أنّ الثقافة الموروثة منذ عصر التدوين، والتي قلّلت من قيمة الحياة وأعلت قيمة الموت، ومفاهيم القتل والقتال والشهادة والغزو، لا يمكن لنا كمسلمين أن نزعم عدم وجودها، معتبرا "الوسطيّة" محاولة يائسة للخروج من المأزق. فقد ورد مفهوم الإرهاب 12 مرة بمعنى الرهب والرعب في التنزيل، لكنّها لا تعني على الإطلاق ممارسة القتل لإجبار الآخر على الإيمان. ( )
أمّا في نموذج مفهوم الحوار بين الأديان في تصوّر الداعية التركي فتح الله غولن Fethullah Gülen (ولد عام 1941)، فلا بدّ وأن نشير ابتداء إلى التقسيم الذي وضعه آلان ريس Alain Riss الذي قسّم الآراء العقدية حول مفهوم "حوار الأديان" ( )، حتى يسهل تصنيف منهج غولن في الحوار بين الأديان:
ــ العقيدة الإقصائية (عقيدة ترفض مزج دين معيّن بما يخالفه من عقائد).
ــ العقيدة الإدماجيّة (عقيدة تعتبر الدين حقّا مطلقا، لا يلغي أنّ في بقيّة الأديان نوعا من الحقّ).
ــ العقيدة التعدّدية (عقيدة تعتبر أنّ في كلّ دين ما يرشد للخلاص).
وحسب هذا التصنيف، يصنّف غولن في سياق النمطين (الإقصائيّ، والإدماجيّ) في آن واحد، إذ يعتبر الداعية التركيّ أنّ "للإسلام خصوصيته المحمّديّة" التي تميّزه عمّا سبقه من أديان سماويّة. غير أنّه يعتبر الوعظ والتبليغ والدعوة إلى الإسلام سببا في التنفير والرهاب ونشر الخوف من الإسلام، ويدعو إلى وقف هذا النهج الخاطئ في التعامل مع المجتمعات الغربيّة. ويركّز غولن على منهجه للحوار بين الأديان، الذي يهدف إلى تحقيق (الاحترام، برغم الاختلافات)، لخلق قاعدة تواصل في الفضاء الدوليّ العام، تساعد على تغيير رؤية الآخرين عن الإسلام. ولأنّه جزء من الجالية التركية في الولايات المتحدة، ينظّر غولن لمفهوم "السلوك التمثيلي/ القدوة"، مبتعدا عن تبليغ الرسالة الإسلامية بمنهج الوعظ والدعوة، خشية تسبّب شبكاته في انحراف المسلمين في الغرب، نحو الأصولية والتشدّد الدينيّ.
يقول الباحث الجزائريّ، غالب بن الشيخ Ghaleb Bencheikh (ولد عام 1960)، أنّ المعارك الحقيقية التي تنتظر المسلمين اليوم، تتعلّق بالتنمية والتحديث والتقدّم وليس العنف، ويؤكّد أنّ الجمال كقيمة منقذة للعالم، قيمة عرفها المسلمون قديما، ويصبون إلى بلوغها ككلّ الأمم الأخرى، ولا يمكن لتسييس الإسلام من أجل بلوغ السلطة، أن يخلق انطواءات حياتية مقصورة على فهم قاصر للدين الحنيف، قد تلهينا عن المعركة الحقيقة للإنسان المعاصر، ألا وهي ضمان مساواة الحريات والحقوق لجميع البشر، دون استثناء. ويعزو تقهقر أوضاع المسلمين في كلّ بقاع الأرض، إلى إطلاق العنان للكراهية والشحناء والبغضاء، مما يفسح المجال أكثر، أمام قوى الطغيان والجبروت، على الأصعدة المحليّة والخارجية، على حدّ سواء. ( )

في سبيل الخاتمة:
استنتج الباحث من الدراسة، أنّ الإسلاموفوبيا ظاهرة يستخدمها الغرب للربط بين مكونات تفوّقه، ويعتبرها حجّته الأولى لإبداع مواجهته الجديدة التي تكفل هيمنته على العالم، حيث تتضمن الرسالة العالميّة للإسلام أبعادا إنسانيّة تعاونيّة، تتناقض والجوهر الإلغائيّ للقيم الغربيّة الصراعيّة. وعليه، يؤدّي اختلاق الصراع الوهميّ مع الإسلام في مفاهيم الغرب، إلى "منهجة" الفهم الخاطئ لسلوك الآخر، مما يقتضي ابتكار وسائل الردّ الإسلاميّة، التي يحدّدها المفكّرون الإسلاميون في ما يلي:
ــ عقد ندوات للردّ على الإدعاءات الغربية، وتفنيد الأكاذيب الغربية، التي تسوّق للجماهير، وستستغلّ افتقارهم للمعلومات، وإنشاء مراصد وإصدار كتب متخصصة، لمحاججة الغربيين بالبراهين والحجج، الكفيلة بتصحيح الأفكار المسبقة، والمفاهيم الجائرة ضدّ الإسلام والمسلمين.
ــ الدفاع عن حقّ المعتقد، والحرية الفكرية، وحقوق المواطنة، لجميع البشر، وتنسيق الجهود مع المجتمع المدنيّ في الغرب والعالم، لنبذ التعصّب، وتشجيع الحوار ولغة الإقناع، وتجنّب الإنكار والتلفيق، والعزم على الالتزام بإتباع الحقيقة.
تقوم فكرة رصد وإحصاء حالات "التحريض على كراهية الإسلام والمسلمين"، على اقتضاء توفّر أدلة وقرائن مؤكّدة للإقرار بوجود حقيقيّ لممارسة الكراهية: (الإفصاح عن خطاب الكراهية والتأسيس له، اختصاص التمييز ضدّ المسلم أو دينه مع التبرير، الإصرار على إصدار هذا الموقف في الفضاء العام عبر كافة وسائل الاتصال والربط بالمتلقي، عدم الاكتفاء بالإفصاح عن مشاعر الضغينة والحضّ على تحويله إلى حملات اجتماعية للضغط على السلطة، ثمّ تحويل تلك الحملات الاجتماعية إلى مشاريع قوانين أو خطط وسياسات لإقصاء المسلمين والتحريض على ممارسة المنع والرفض ضدّهم، والاستمرار في إنكار أدلجة هذه الحملات ذات الخلفية الدينية المعادية والمنهج الإسقاطيّ الانتقاميّ، والصمود ضدّ منتقديها). ويأتي قبل كلّ تلك الشروط، مبدأ أساسيّ يعتبره الفقهاء المسلمون، جزء يسيرا من "الشرعة الإسلامية" المحكمة، والمنهاج القويم للدين الحنيف، وهو "المنهجيّة الإسلاميّة في التبيّن"، وتدقيق المصادر وتوثيق الأدلة، تجنّبا للعبثيّة، وتلافيا لـ: "المواجهة الصفريّة"، وما قد ينجرّ عنها من نتائج عكسيّة.
يمكن القول أنّ كراهية الإسلام والمسلمين تعكس صورة المخيال الغربيّ الرسميّ والشعبيّ، في ظاهرة الإسلاموفوبيا، لكن، وجب لنا الإعتراف بأهميّة تفعيل الإصلاح الدينيّ للخلاص من ظاهرة التشدّد والراديكاليّة التي تسيء لصورة المسلمين، وأن نعترف بما توصّل إليه الغرب من تقدّم حضاريّ، يجب ان تستفيد منه الشعوب الإسلامية، لئلا تغرق في حالة الفوات الحضاري الذي تعانيه اليوم.

الهوامش والإحالات:
() ــ أستاذ محاضر، جامعة قاصدي مرباح ورقلة - الجزائر، البريد الإلكتروني:
[email protected]
( )ــ تزفتيان تودوروف، مسألة الآخر (ترجمة: بشير السباعي) (القاهرة: دار سينا للنشر، 1992)، ص. 16.

()- Dr Chris Allen, The Profile Page, Stable URL
http://www.birmingham.ac.uk/staff/profiles/social-policy/allen-chris.aspx≥;

( )- Chris Allen, Islamophobia (UK ASHGATE, 2010), p. 54.
()ــ أشار المفكّر الإسلاميّ الجزائريّ مالك بن نبي Malek Bennabi (1905 - 1973) إلى وقع إعلان إسلام الرسّام الفرنسيّ ايتيان دينيه على المجتمع الجزائريّ، لكن للأسف لم تتضمّن شهادته على العصر مواقف النخب الفرنسيّة حيال ظاهرة إسلام العديد من الفرنسييّن في الجزائر في تلك الحقبة التاريخيّة الهامّة، وقد استغلت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين (نادي الترقّي) سنة 1926 هذا الحدث، لنشر الدعوة في أوساط المجتمع الجزائريّ، ولم تنتبه إلى ظاهرة كراهية الإسلام في الغرب، رغم اقتراب خطاب النخب الجزائرية من الظاهرة في أبحاثهم التي تشير إلى التمييز ضدّ العمالة المسلمة في فرنسا، (أنظر: ـ مالك بن نبي، مذكرات شاهد للقرن (الجزائر - دمشق: دار الفكر، ط . 02، 1984)، ص. 266.).

()- Etienne Dinet, Sliman Ben Ibrahim, L’Orient vu de l’Occident (Paris: Piazza- Geuthner, 1925), in Chris Allen, Islamophobia, Ibid, p.05.

( )ــ فرنسوا بورغا، الإسلام السياسي في زمن القاعدة: إعادة أسلمة – تحديث - راديكالية (ترجمة: سحر سعيد) (عمان - دمشق: الدار الأهلية للنشر، قدمس للنشر، 2006)، ص. 182.

( )ــ نورمان ج. فنكلستين، ما يفوق الوقاحة: إساءة استخدام اللاسامية وتشويه التاريخ (تعريب: أيمن ح. حدّاد، أحمد ف. عوض) (الرياض: منشورات العبيكان، 2008)، ص. 19.

( )ــ راويع عبد العال، يوشيكو هيريرا، آلاستير إيان جونستون، .. وآخرون، قياس الهويّة: دليل للمتخصّصين في العلوم الاجتماعية (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، لسلسة دراسات مترجمة، العدد: 65، 2014)، ص. 15.

( )ــ محمود عكاشة، لغة الخطاب السياسي: دراسة لوية تطبيقية في ضوء نظرية الاتصال (القاهرة: دار النشر للجامعات، 2004)، ص. 50.

( )- Dominique Bourdin, «LES PHOBIES DE PAUL DENIS,» Revue Française de Psychanalyse, Paris Presses Universitaires de France (2008/1), Vol. 72, p - p. 227 à 233, Stable URL
https://www.cairn.info/load_pdf.php?ID_ARTICLE=RFP_721_0227≥;

( )ــ علي بن إبراهيم النملة، الاستشراق السياسي وصناعة الكراهية بين الشرق والغرب (بيروت: منشورات بيسان، ط. 02، 2015)، ص. 161.

( )ــ راشد المبارك، التطرّف خبز عالميّ (دمشق: دار القلم، 2006)، ص. 14.

( )ــ مايكل أنجلو ياكوبوتشي، أعداء الحوار: أسباب اللاتسامح ومظاهره (ترجمة: عبد الفتّاح حسن) (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010)، ص. 53.

( )ــ أكرم بركات، أطروحة دكتوراه: التكفير.. ضوابط الإسلام وتطبيقات المسلمين (بيروت: دار الأمير للنشر، 2014)، ص. 338.

( )- Gérald Bronner, La Pensée extrême Comment des hommes ordinaires deviennent des fanatiques (Paris Edit. PUF, 2012), p. 286.

( )ــ آصف حسين، صراع الغرب مع الإسلام: استعراض للعداء التقليديّ للإسلام في الغرب (ترجمة: مازن المطبقاني) (الرياض: دار الوعي للنشر، مركز الفكر المعاصر، 2013)، ص. 14.

( )- Sam Harris, Islam and the Future of Tolerance- A Dialogue Sam Harris and Maajid Nawaz (New York October 2015), p. 52.

( )ــ مهاتير محمد، طبيب في رئاسة الوزراء: مذكرات الدكتور مهاتير محمد (ترجمة: أمين الأيوبي) (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2014)، ص. 767.

( )ــ المرجع نفسه، ص. 40.

( )- Stephen Sheehi, Deconstructing Islamophobia, Youtube, Stable URL
https://www.youtube.com/watch?v=SIGdOpDurAk≥;

( )ــ فنسان جيسير، الإسلاموفوبيا: المخاوف الجديدة من الإسلام في فرنسا (ترجمة: محمد صالح ناحي الغامدي، قسم السيد آدم بله) (الرياض: فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية للنشر، كتاب المجلة العربية، 2009)، ص. 17.
( )ــ ستيفن شيهي، الإسلاموفوبيا: الحملة الإيديلولوجية ضدّ المسلمين (ترجمة: فاطمة نصر) (القاهرة: طبعة منشورات سطور الجديدة، 2012)، ص. 12.

( )ــ المهدي المنجرة، الإهانة في عهد الميغا إمبريالية (الدار البيضاء - بيروت: منشورات المركز الثقافي العربي، ط. 05، 2007)، ص. 138.

( )ــ المهدي المنجرة، الحرب الحضارية الأولى (القاهرة: مكتبة الشروق، ط. 07، أغسطس 1995)، ص. 20.

( )ــ جاك دريدا، أحاديّة الآخر اللغوية أو في الترميم الأصليّ (ترجمة: عمر مهيبل) (بيروت - الجزائر: الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، 2008)، ص. 12.

( )ــ إيمانويل كانط، الدّين في حدود مجرّد العقل (ترجمة: فتحي المسكيني) (بيروت: دار جداول، فبراير/ شباط 2012)، ص. 57.

( )ــ عمّانوئيل كانط، نقد العقل المحض (ترجمة: موسى وهبة) (بيروت: مركز الإنماء القومي، 1988)، ص - ص. 11 - 12.

( )ــ محمد محفوظ، ضدّ الكراهية: من أجل تفكيك الكراهية في العالم العربيّ (بيروت: المركز الإسلامي الثقافي، مجمع الإمام الحسنين (ع)، 2012)، ص. 68.

( )- Lucia Canovi, L ISLAM Au-delà des Apparences (Paris Les Phares Éditions, 2013), p. .
( )ــ يمنى لطيف الخولي، يوسف زيدان، محمود أمين العالم،.. وآخرون، جدل الأنا والآخر: قراءة في فكر حسن حنفي في عيد ميلاده الستين (القاهرة: مكتبة مدبولي الصغير، 1997)، ص. 185.
( )ــ دورغوولد، مملكة الكراهيّة.. ميف دعمت العربية السعودية الإرهاب العالميّ الجديد (ترجمة: محمد جليد) (بيروت - بغداد: منشورات الجمل، 2014)، ص- ص. 332 - 344.

( ) غراهام فولر، الإسلام السياسي ومستقبله (الرياض: منشورات العبيكان، 20206)، ص. 302.

( )ــ غراهام فولر، ماذا لو: عالم بلا إسلام؟ (ترجمة: أحمد جمال أبو ليل) (القاهرة: دار نشر سطور، 2013)، ص. 376.

( )- Olivier Roy, La peur de l’islam Textes rassemblés et introduits par Nicolas Truong (Paris éditions de l’aube, Le monde 2015), pp.07-09

( )ــ علي بن إبراهيم النملة، كنه الاستشراق: المفهوم ــ الأهداف ــ الارتباطات (بيروت: منشورات بيسان، ط. 03، تشرين الأول/ أكتوبر 2011)، ص. 31.
( )ــ علي بن إبراهيم النملة، ثقافة العبث: سلوكيات عبثيّة في زمن الفاقة (الرياض: منشورات العبيكان، 1428 هــ)، ص. 60.
( )ــ علي بن إبراهيم النملة، مصادر الاستشراق والمستشرقين ومصدريتهم (بيروت: منشورات بيسان، أيلول/ سبتمبر 2011)، ص. 285.
( )ــ علي بن إبراهيم النملة، الاستشراق والإسلام في المراجع العربية (بيروت: منشورات بيسان، تشرين الأول/ أكتوبر 2010)، ص. 285.
( )ــ علي بن إبراهيم النملة، الاستشراق بين منحنيين: النقد الجذريّ أو الإدانة (الرياض: كتاب المجلة العربية، 1434 هـ)، ص. 40.
( )ــ علي بن إبراهيم النملة، الكراهية بين الثقافات وأثر الاستشراق في افتعالها (دمشق: منشورات دار الفكر، 2008)، ص. 125.
( )ــ علي بن إبراهيم النملة، الشرق والغرب: منطلقات العلاقات ومحدّداتها (بيروت: منشورات بيسان، تشرين الأول/ أكتوبر 2010)، ص.88.
( )ــ أشار الباحث الإسلاميّ التونسيّ هشام جعيط Hichem Djaït (ولد عام 1935)، إلى منهج الاسكاتولوجيا كوسيلة لـ: "التبشير بالجنة والإنذار من النار" في المجتمعات المسيحية، (أنظر: هشام جعيط، الوحي والقرآن والنبوة: في السيرة النبوية، الجزء الأوّل (بيروت: دار الطليعة، ط. 02، مايو/ أيار 2000)، ص. 150.
( )ــ علي بن إبراهيم النملة، المستشرقون والتنصير: دراسة العلاقة بين ظاهرتين مع نماذج من المستشرقين المنصّرين (الرياض: منشورات مكتبة الملك فهد الوطنية، موسوعة الدراسات الاستشراقية، العدد: 04، 1998)، ص. 16.
( )ــ ستيفان فايدز، ضدّ الإسلاموفوبيا في ألمانيا والغرب: مناهضة بيغيدا (ترجمة: رشيد بوطيب) (االدوحة: منشورات منتدى العلاقات العربية والدولية، 2016)، ص. 12.
( )- Ayaan Hirsi Ali , Why Islam Needs a Reformation Now (New York Harper  Collins Publishers, 2015), p. .
( )ـ الموقع الإلكتروني لإرشاد مانجي، الرابط الإلكتروني:
http://irshadmanji.com≥;/
( )ــ جلال أمين، عصر التشهير بالعرب والمسلمين: نحن والعالم بعد 11 سبتمبر 2001 (القاهرة: دار الشروق، ط. 02، 2007)، ص. 80.
( )ــ صورة العربي والمسلم في أمريكا .. وكيف يتم تشويهها | مع المخرج جاك شاهين وعلي الظفيري، برنامج في العمق، قناة الجزيرة الفضائية الإخبارية يوتيوب، الرابط الإلكتروني:
https://www.youtube.com/watch?v=VU_Djcao0Qo≥;

()- Philippe Tesson: "C est les musulmans qui amènent la merde en France", Youtube, Stable URL
https://www.youtube.com/watch?v=zKuBwY0FwqQ≥;
https://www.youtube.com/watch?v=5Om7tCRP8cs≥;

( )ــ صادق جلال العظم، ما بعد ذهنية التحريم .. قراءة "الآيات الشيطانية" ردّ وتعقيب دمشق: دار المدى، 2004، ص. 15.
( )ــ صادق جلال العظم، ذهنية التحريم .. سلمان رشدي وحقيقة الأدب دمشق: دار المدى، ط. 02، 2004، ص. 08.
( )ــ الكوميدي الفرنسي ديودونيه يقدم لأحمدي نجاد تمثال الكوينيلي، i24news، الرابط الإلكتروني:
http://www.i24news.tv≥;

( )ــ بيل ماهر و رأيه في ردود افعال المسلمين، يوتيوب، الرابط الإلكتروني:
https://www.youtube.com/watch?v=9hiT4HsYEpM≥;

( )ــ علي شريعتي، دين ضدّ الدين (ترجمة: حيدر مجيد) (النجف: دار الفكر الجديد، مؤسسة العطّارالثقافية، 2007)، ص. 50.

( )ــ يقدّم دانيال بايبس أفكاره عبر موقعه الالكتروني التالي:
http://www.danielpipes.org/≥;

( )ــ دانيال بايبس: دع الشيعة والسنة يقتلون بعضهم البعض والأفضل قيام كيانات طائفية، برنامج قصاري القول، قناة روسيا اليوم، (13 أفريل 2015)، يوتيوب، الرابط الالكتروني:
https://www.youtube.com/watch?v=QGHVUVjVyZY≥;

( )ــ حوار مع الكاتب روبرت سبنسر عن الإسلام، برنامج الأخ رشيد حوار جريء، يوتيوب، الرابط الالكتروني:
https://www.youtube.com/watch?v=F9jWu4d9OFA≥;

( )ــ يلفت سام هاريس الأنظار بأطروحاته التي تستميل العقلانيين في الغرب، بل وحتى العالم العربيّ، فهجوماته على الإسلام تنطلق من أنّ القبول بقيم الإسلام كالقبول بالقيم الأرسطية أو القروسطية أو الفكر الظلاميّ للكنيسة في القرن 14م. يقدّم هاريس أفكاره الإلحاديّة عبر موقعه الإلكتروني، وصفحاته للتواصل الاجتماعي على تويتر وفايسبوك، ومكتبته للفيديو على اليوتوب، والتي تؤكّد هجومه ومعارضته وسخريته المقصودة من القيم الإسلامية:
https://www.samharris.org/≥;
https://twitter.com/samharrisorg≥;
https://www.youtube.com/user/samharrisorg≥;
https://www.facebook.com/Sam-Harris-22457171014≥;

( )ــ يلفت الباحث المصريّ عمرو شريف إلى بارديغمات الإلحاد، من الرغبة في الاستمتاع بالحياة في غياب الإله، التحيّز، التحايل، الأيديولوجيّ المدمّر، الانهيار من الداخل (أنظر: عمرو شريف، علم نفس الإلحاد: الإلحاد مشكلة نفسيّة (القاهرة: الهيئة العامة لدار الكتب، 2016)، ص. 267.

( )-Sam Harris, The End Of Faith Religion, Terror, and the Future of Reason (New York August 2004), p.108 .
( )- Sam Harris, Islam and the Future of Tolerance- A Dialogue Sam Harris and Maajid Nawaz, Op. Cit, pp.10-25.
( )- Jean Boudrillard, The Spirit of Terrorism and Requiem for The Twin Towers (Translated by Chris turner) (London - New York Verso publisher, November 2001), p. 28.
( )-Sam Harris, Waking Up: A Guide to Spirituality Without Religion (New York Simon  Schuster, September 2014), p. 08.
( )-Sam Harris, Free Will (New York Simon  Schuster, March 2012), p.05 .

( )ــ علي عزّت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب (ترجمة: محمد يوسف عدس) (القاهرة - ميونيخ: دار النشر للجامعات، مؤسسة بافاريا، ط. 02، 1997)، ص- ص. 340 - 344.

( )ــ زيدان عبد الفتّاح قعدان، آفاق الحوار الإسلامي المسيحي (عمّتن: دار البشير، 2005)، ص. 174.

( )ــ جورج و. بوش، مذكرات جورج دبليو بوش: قرارات مصيريّة (ترجمة: سناء حرب) (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط. 02، 2012)، ص. 189.
( )ــ مادلين أولبرايت، الجبروت والجبّار: تأمّلات في السلطة والدين والشؤون الدولية (ترجمة: عمر الأيّوبي) (بيروت - القاهرة: الدار العربية للعلوم ناشرون، مكتبة مدبولي، Harper Collins Publishers، 2007)، ص - ص. 107 - 115.
( )ــ مادلين أولبرايت، مذكرة إلى الرئيس المنتخب: كيف يمكننا استعادة سمعة أميركا ودورها القياديّ؟ (ترجمة: عمر الأيّوبي) (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، Harper Collins Publishers، 2008)، ص. 224.
( )ــ طوني بلير، مذكرات طوني بلير: مسيرة رئيس وزراء (ترجمة: سعيد حسنيّة) (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2011)، ص. 506.
( )ــ كوندليزارايس، أسمى مراتب الشرف: ذكريات من سني حياتي في واشنطن (ترجمة: وليدشحادة) (بيروت: دار الكتاب العربي، مايو/ آيار 2002)، ص. 159.
( )ــ هيلاري كلينتون، مذكرات هيلاري كلينتون: خيارات صعبة (ترجمة: ميراي يونس) (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2015)، ص. 332.
( )ــ يوشكا فيشر، عودة التاريخ: العالم بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وتجديد الغرب (ترجمة: هاني الصلاح) (الرياض: منشورات العبيكان، 2009)، ص. 253.
( )ــ أوليفيه روا، أوهام 11 أيلول.. المناظرة الاستراتيجية في مواجهة الإرهاب (ترجمة: حسن الشامي) (بيروت - الجزائر: دار الفارابي، ANEP، 2003)، ص. 54.
( )- Antoine Sfeir, L Islam contre l Islam: L Interminable Guerre des Sunnites et des Chiites (Paris Bernad Gaset, 2013), p.25 .

()ــ لقد وجدت أنّ في بحث صفير وغيره من الباحثين الغربيين، تسييسا مبطّنا، يهدف إلى إقرار هزيمة هادئة بالمسلمين باستخدام العقل؟؟، لقد تجاوزت كتابات صفير الأدبيات اللاهوتية في العالمين الفقهيين للسنّة والشيعة على حدّ سواء، وهو ما يمكن أن نسمّيه امكانية وواقع: التعايش الإسلاميّ - الإسلاميّ، ووجود ما يمكن الاصطلاح عليه بـ: "فقه التعايش بين المذاهب الإسلامية نفسها"، لأنّ احترام أهل السنّة - عند الشيعة - يجمع فضيلتي: الإنسانية والإسلام. لقد كتب حسين علي مصطفى عن عدم جواز غيبة المسلم المخالف، وأنّه لا يجوز محاكمة العقائد بين المسلمين، إذ يضع المسلمون على مختلف مذاهبهم، ضوابط للتكفير، بل ضوابط "للحروب الكلامية" التي لا أصل لها في الشريعة مطلقا، وينظّر علي مصطفى لفقه إدارة الخلافات والتعامل مع الاختلافات. (أنظر: حسين علي مصطفى، أدبيات التعايش بين المذاهب (بيروت: منشورات بيسان، ط. 02، 2013)، ص. 24.).
( )ــ عبد الله الأشعل، تحديات الحوار العربيّ - الإيرانيّ (دمشق: دار الفكر، 2010)، ص. 20.

( )ــ يعرف عن المفكّر الفرنكو-تونسيّ العفيف الأخضر Lafif Lakhdar (1943 - 2013) أنّه لا يجد حرجا في الاعتراف بالخطأ حول الأحاكم التي اتخذها حيال عديد القضايا، ومنها اعتبار الثورة الإسلامية الإيرانية عودة للقرون الوسطى، ففي اعتراف الأخضر بالأنموذج الإسلاميّ للدولة الشيعية في طهران، لا يجد دعاة "الشيطنة" في هذا المنهج خدمة لمصالحتهم في تعطيل الدور الإيرانيّ المسارع للتقارب مع الغرب، لذلك يقول العفيف الأخضر "إيمانا بالفعل المتغيّر" يمكن للمرء أن يعلن بشجاعة عن خطئه في تقدير موقف ما. (أنظر: شاكر النابلسي، محامي الشيطان: دراسة في فكر العفيف الأخضر (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2005)، ص. 15.).
( )- Chicago 1893: General Information, Parliament of Religions Web Site, Stable URL
https://parliamentofreligions.org/parliament/chicago-1893≥;

( )ــ روجيه غارودي،في سبيل حوار الحضارات (ترعيب: عادل العوّا) (بيروت: دار عويدات للنشر، ط. 04، 1999)، ص. 81.
( )ــ محمد السمّاك، الفاتيكان والعلاقات مع الإسلام (بيروت: دار النفائس، 2012)، ص -ص. 70 - 75.
( )ــ محمد خاتمي، الإسلام والعالم (القاهرة: مكتبة الشروق، ط. 03، 2002)، ص. 120.

( )ــ جون اسبوزيتو، مستقبل الإسلام (القاهرة: دار النشر للجامعات، ترجمة دار النشر للجامعات، 2011)، ص. 46.

( )ــ جون اسبوزيتو، "الغرب والعالم الإسلاميّ: تعايش في ظلّ الاختلاف،" العالم الاستراتيجي الجزائر: مركز الشعب للدراسات الاستراتيجية، العدد: 08 (يناير 2009)، ص. 18.

( )- John L. Esposito, The IslamicThreat Myth´-or-Reality (New York Oxford University Press, 1999), p.288.
( )ــ عبد الحليم آيت أمجوض، رسالة دكتوراه: حوار الأديان.. نشأته وأصوله وتطوّره (الرباط - بيروت: دار الأمان، دار إبن حزم، 2012)، ص. 149.
( )ــ محمد موسى الشريف، التقارب والتعايش مع غير المسلمين (جدّة: دار الأندلس الخضراء للنشر، 2003)، ص. 17.
( )ــ محمد شحرور، الإسلام والإيمان: منظومة القيم (دمشق: دار الأهالي للطباعة، سلسلة دراسات إسلامية معاصرة، العدد: 03، 1996)، ص. 139.
( )ــ محمد شحرور، الدولة والمجتمع (دمشق: دار الأهالي للطباعة، سلسلة دراسات إسلامية معاصرة، العدد: 02، 1996)، ص. 16.
( )ــ محمد شحرور، تجفيف منابع الإرهاب (دمشق - بيروت: دار الأهالي للطباعة، مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة، سلسلة دراسات إسلامية معاصرة، العدد: 05، 2008)، ص. 26.
( )ــ حاقان يافوز، نحو تنوير إسلاميّ: حركة فتح الله غولن (ترجمة: شكري مجاهد) (الدوحة: Oxford University Press، ترجمة منتدى العلاقات العربية والدولية، 2015)، ص. 220.
( )ــ غالب بن الشيخ الحسين، محاضرة الدكتور غالب بن الشيخ الحسين: الحضارة بين الصدام والحوار (الجزائر: منشورات مجلس الأمة، 28 فبراير 2005)، ص. 30.



#عصام_بن_الشيخ (هاشتاغ)       Issam_Bencheikh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشكلة تمويل صناديق التقاعد في دولنا العربية: محاورة لأستاذنا ...
- -إطحن أمو-... استحالة الهروب إلى الأمام في المملكة محسن فكري ...
- الانفتاح والانغلاق.. المواجهة السرمدية في السياسات العربية
- أحلام -هنري كيسنجر- والاختبار التركي... التخطيط للحرب العالم ...
- في نقد فلم: -فضل الليل على النهار/ Ce que le jour doit à la ...
- إشادة فلاسفة الغرب السابقين ب: -حكمة النبي محمد-: -الحلقة ال ...
- -تعريب الغشّ-، و-عولمة تسريبات الاختبارات ومباريات الامتحان- ...
- تجربة العمل السياسي للحركات الإسلامية في ثورات الربيع العربي ...
- خطط الإجهاز الدوليّ على -الفرائس العربية-... ظاهرة -الرباعية ...
- الروائي الكويتي سعود السنعوسي محلقا ب: -ساق البامبو-
- أداء المعارضة الجزائرية في ضوء -مبادرة الإجماع الوطني-... ضب ...


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عصام بن الشيخ - بناءات ومقاصد الخطاب الغربيّ المعادي للإسلام قديما وحديثا: تفكيك مبررات الإهانة والتأثيم والتشويه في الخطاب الغربيّ تجاه الإسلام والمسلمين...