رواية عذارى في وجه العاصفة والنكبة الفلسطينية

صلاح الزغل

الحوار المتمدن-العدد: 5429 - 2017 / 2 / 11 - 04:03
المحور: الادب والفن
    

صدرت رواية عذار في وجه العاصفة للأديب الفلسطينيّ جميل السلحوت بداية العام 2017 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، وتقع الرواية التي يحمل غلافها لوحة للفنان الأديب محمود شاهين في 234 صفحة من الحجم المتوسط.
اكتوى الشعب الفلسطيني المنكوب بنار فراق أرض الوطن، تاركا وراءه ذكريات الأهل والعشق وحب الوطن، الذي نشأ وترعرع على ترابه، وقد تعرّض أثناء نزوحه عن وطنه الأمّ لعواصف هوجاء، عانى منها الكثير من المصائب والمصاعب، والنّساء أكثر من عانى من أبناء هذا الشعب، حيث واجهن ذل ومهانة التّهجير بكل آلامها، وقد وقفت المرأة بجانب الرجل وعانت معه ومن أجله على أمل العوده إلى الفردوس المفقود، والكاتب يعي هذه الأمور التاريخية والجغرافية، والسكانية، وله و عي كاف بعلم النفس الذي طوّعه لخدمة نصّه الرّوائيّ، أمّا سكان هضبة الجولان من بني معروف مع أبناء شعبهم السّوريّ، فقد كانوا علما على رأسه نار، وأدّوا دورا ناصعا في استقبال إخوتهم الفلسطينيين، ووقفوا وقفة الرجال الكرماء، وما موقف العمّ كمال إلا مثال مشرق على كرم الشّعب السّوريّ وأصالته، فقد شاركت النساء وأزواجهن في مدّ يد العون لإخوانهم الفلسطينيين المهجّرين من وطنهم، وايجاد فرص العمل، ولقد اثبتت عذراء جميل السلحوت أن باستطاعتها الوقوف في وجه العواصف، وأن تتحدى ما واجهها من ظروف قاسية، لقد اكتوت العذارى بنار فراق الوطن والأحبّة والهجرة القسرية، فكنّ كبش الفداء في رواية ألقى من خلالها الكاتب الضوء على عذابات مجموعة من النّساء الفلسطينيات اللواتي اكتوين بنار الهجرة من الوطن وعذاباتها.
لقد صوّر لنا الكاتب صورة الفتاه الفقيرة التي تزوّجت من شاب يافع عديم الشخصية، خانع لوالدته المتسلطة تاجرة المخدرات ومتعاطيتها في مواخير يافا وحيفا، والتي توفي زوجها الأوّل تاركا لها إرثا من المال، استطاعت به أن تتزوّج رجلا ضعيف الشخصية، وتنجب منه طارق ولمياء الفتاة القويّة الحنون.
تذهب رحاب في زياره لأهلها على أن يلتحق بها زوجها طارق مساء، إلا أنّ خبر طلاقها منه وصلها قبل عودته، وتبقى رحاب في بيت أبيها كي تنجب ولدها عليّا، الذي يختطف منها على أيدي مارقين بواسطة جدّته؛ كي يعيش على فتات أبناء زوجة أبيه وسوء معاملتها له.
تشتت العذارى، فبعضهن لجأ إلى سوريا حيث لاقت فيها النساء والرجال كرم الضيافه والمناصرة من رجال سوريا ونسائها، فمدّوا لهم يد العون معنويا وماديا، فقد منحوهم الأرض وفرص العمل فيها، أمّا عن صور بعض العذارى فها هي ميسون التي تسكن مخيم الجلزون وتصبح ابنة من بناته، فهي تلك الفتاة التي عقد زواجها على الفتى قوي البنية وسيم المنظر ابن مدينة يافا ناصر، وهي ما زالت تنتظر الالتحاق به والزواج بمن أحبت وأخلصت، ولكنها وللأسف تتعرض للمضايقة، فيطلب يدها عجوز في سن أبيها، وهو أبو عبد الله الذي لم ينتظر سوى أسبوعين بعد وفاة زوجته؛ ليضع عينه على الفتاة البكر، فيحضر معه صديقه أبو رفعت كي يطلبها له بطريقة مقززة، إلا أنّ والدها يقنعهم بطريقة مهذبة أنّها معقود زواجها، ويجيبه أبو رفعت بطريقة فجّة، وتتدخل ميسون لتطرد الاثنين من المنزل بطريقه ليست معتادة، لقد أوضح الكاتب للقارئ بسرد ذكيّ وغير مباشر، أنّ ما تعرّضت له ميسون تتعرض له في هذه السّنوات العجاف عشرات آلاف الفتيات السوريات، اللواتي تزوّجن أو أرغمن على الزّواج، لرفع المعاناة عن عائلاتهن والتخفيف من مآسيهن، وقد حدث هذا وللأسف في كل من الأردنّ ولبنان وتركيا ومصر وغيرها، لقوارير سوريا وعذاراها. أمّا مريم المخلصة التي ما زالت تنتظر عودة زوجها زياد للالتحاق بها وبأولادهما الذين زادوا طفلا أسموه عيسى بن مريم، والذي زرع في رحم مريم من خلال الزيارات التسللية التي كان يقوم بها زوجها من لبنان إلى فلسطين المحتلة، ولحسن حظها كان أهل البلد يعرفون عن زياراته تلك، وبقيت تنتظر زياد الذي أبقاها تنتظر في وجه العاصفة، وتزوّج فتاة لبنانيّة، وأودّ التعليق قليلا على شخصية سعاد ابنة عتال الميناء وزوجة تاجر المخدرات سيئة السمعة، التي خلقها الكاتب جميل السلحوت، ولكنه عاقبها أشد عقاب عندما جعل الضابط اليهوديّ يركلها بشدة بمؤخرتها، ويسلب مصاغها ونقودها، وفي النهاية كان مصيرها الأسود تحت حوافر بغل شموص، داس مؤخرة رأسها ففارقت الحياة فورا، أشكر الكاتب على هذه النّهاية "لسعاد"أمّ طارق، لأن الرواية كانت تتمحور على الخير وفعل الخير ومن عانوا من عاصفة اللجوء من الأرض المباركة، فأنا أشهد للكاتب أنّه أبدع في رسم شخوص روايته، وعادلا في تحريكها واعطاء كل ذي حق حقه. أمّا الكاتب فقد طوع خبرته بجغرافيا وتاريخ الوطن ومعرفته الواسعة بثقافة مجتمعه العربيّ وأخلاقياته وسلوكيات أبناء الشعب السوري، وما موقف العمّ كمال من خالد ورحاب إلا مثال مشرق على كرم وشهامة أبناء الشّعب السّوريّ، لقد اثبت الكاتب جميل السلحوت أن عذارى الوطن استطعن الوقوف في وجه العاصفة، وكلي أمل أن أرى هذه العذارى نساء ناجحات في الجزء الثاني من الرواية الجميلة زمانا ومكانا وشخوصا، وهذا ليس غريبا على أديب متمكّن بحجم جميل السلحوت.

#صلاح_الزغل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات