أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحيّة دبّش - المخصي. قصة قصيرة














المزيد.....

المخصي. قصة قصيرة


فتحيّة دبّش

الحوار المتمدن-العدد: 5423 - 2017 / 2 / 5 - 16:51
المحور: الادب والفن
    


المخصي،

تتلقفه أشعة الشمس الحارقة، بعضها يبدّد بردا عشّش في قلبه لسنوات و بعضها مدّ ألسنة من دفء تبثّ في كوابيسه روح الحياة،
وقف أمام باب المبنى المسيّج وقفة المتأمل، راح يحصي كمّ الدموع التي ذرف في لياليه الطويلة و عدّد الآهات التي بها أوقف عويل الكلام كلما اشتكى قسوة الحلم للجلاد.

مازال يذكر ذلك الفجر الذي لاح رماديا و لم يغنِّ بعده طيرٌ و لا أشرقت شمس، قادوه إلى سجنه الإنفرادي بدون محاكمة و لكن بعد صنوف من التعذيب و الشكوى،

مرّر يديه على لحيته الكثّة ، بعثر أفكاره بخلخلة الأصابع في شعره الطويل، حين لامست أطراف يده عيونه و الجبين، تحسّس بعض الرسوم التي حفرها الزمانُ و الحرمانُ،
لامسها واحدا واحدا كما يقرأ كفيفٌ لغة بْرايْ،
في كل رسم قصة و دمعة و قليل من الأمل،
في يده الأخرى بقايا حقيبة جاءت بها زوجته قبل أن يمنعوا عنه الزيارات ، كانت قد رتبت فيها بعض أغراض و كتاب مازال يحتفظ برائحة عطرها بين صفحاته و صورة لها،

استدار ، و بخطى وئيدة متثاقلة صوّب عينيه إلى الطريق الطويل الفاصل بين السجن و المحطة، لم يكن أحد بانتظاره غير وحدته و الصمت الطافح بذكريات يعرف أنها لن تفارقه لسنين طويلة،
كلما تقدم و سمع خطاه يرتجف إن اختل الإيقاع و تعاوده القطرات التي تطقطق في كل حين ليلا نهارا،
يبحث في حفيف الشجر من حوله على الجرذان التي صاحبته في اليقظة و المنام، و في الروائح التي تغزوه عن رائحة فضلاته غير بعيدة...

في المحطة ، رأى وجوها غريبة، و نساء تذكِّرنه بسواد الغربان، فرك عينيه لعله يجد ألوان الصورة التي كان جزءا منها، لكنه كلما دقّق النظر عادته بيضاء و سوداء و جلابيب طويلة، تساءل عن اختفاء ألوان قزح و هو طالب و محام شاب...
تقدّم من موظف الإستقبال و سأله تذكرة،
استنكر الموظف هيئته المهملة و استفسر عن وجهته و عن مدّة غيابه و أشياء أخرى، شعر بانقباض شديد و تأهبت حواسه لحصة تعذيب جديدة يبغي بها الرجل اعترافا ما،

بعد ساعات من الحملقة في فراغ نوافذ القطار وجد خطاه تبحثان في وسط المدينة الصغيرة عن الطريق إلى بيته القديم،
يضج الصمت بجلبة الكبار و فضول الصغار، لم يعرف أيّا من الوجوه التي وقفت تحييه بخشوع و استغراب،

أتته تسلم و قد انتشرت بسمات بيضاء على محياها، تقدم منه شاب وسيم، طوقتهما بذراعين باكيين و قالت:
- "هذا باسل!
هل رأيت روعة أبيه في القسمات..."

لم تتوارد الكلمات على لسانه كما في غابر الوقت، لفّه عجز عن الكلام ، تاهت أبجديته و سكنه صمت رهيب، كل شيء تغيّر، يسأل نفسه كيف وصل إلى هنا و لماذا أتى،
أجهشوا بالبكاء جميعا ، و جلس بينهم غريبا يقتفي آثار الماضي الذي بددته الأبواب المغلقة و سياط الجلادين و الخيبة...

تلك الليلة، تلوّنت الدقائق بالدموع و حرقة السؤال، جفّت المآقي التي تحتلب دمعا سال طوال أكثر من عقدين من الزمن،
نظر إلى الحائط و رأى أحلامه معلقة في شهاداته المبروزة و جافة جفاف الحبر بعد السيلان،
اقتربت، تشم رائحة جسمه، و تلتمس الطريق إلى قلبه، تريد احتضان يُتمِهما معا،
انزوى عنها قليلا، جمع ركبتيه إليه،خفض بصره، تكركبت دموع على صخرة الروح، احتضن جذعها العاري في الصورة، و لم ينم...






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة و قراصنة


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحيّة دبّش - المخصي. قصة قصيرة