أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - آلان وودز - تروتسكي عام -1905 - البلشفية طريق الثورة















المزيد.....


تروتسكي عام -1905 - البلشفية طريق الثورة


آلان وودز
(Alan Woods)


الحوار المتمدن-العدد: 5422 - 2017 / 2 / 4 - 13:38
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


البلشفية طريق الثورة

الفصل الثاني: الثورة الروسية الأولى

تروتسكي عام 1905
آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

من بين جميع قادة الحركة الاشتراكية الديموقراطية الروسية، كان تروتسكي هو الذي لعب الدور الأبرز في عام 1905. يقول لوناتشارسكي، الذي كان واحدا من رفاق لينين المقربين في ذلك الوقت:


«كانت شعبيته [تروتسكي] بين بروليتاريا بيترسبورغ، عندما اعتقل [دجنبر]، كبيرة وقد زادت ارتفاعا نتيجة موقفه الرائع والبطولي أمام المحكمة. ويجب أن أقول إن تروتسكي، رغم صغر سنه، برهن، بما لا يدع مجالا للشك، أنه كان الأفضل استعدادا لثورة 1905 - 1906، من جميع القادة الاشتراكيين الديمقراطيين الآخرين. وكان أقلهم عرضة لذلك النوع من ضيق نظرة المنفيين التي أثرت، كما سبق أن ذكرت، حتى على لينين آنذاك. لقد فهم تروتسكي، أفضل من جميع الآخرين، معنى خوض النضال السياسي على الصعيد الوطني الشامل. وقد خرج من الثورة مسلحا بشعبية هائلة، بينما لم يكسب لينين أو مارتوف أية شعبية على الإطلاق. أما بليخانوف فقد خسر كثيرا بسبب إبدائه ميولا مشابهة للكاديت. لقد كان تروتسكي آنذاك في مقدمة الصف الأول».






تروتسكي يتوسط أعضاء سوفييت سان بيترسبورغ سنة 1905

كان تروتسكي يبلغ من العمر 26 سنة فقط عندما صار رئيسا لسوفييت سان بيترسبورغ. كان أول رئيس لسوفييت سان بيترسبورغ هو المحامي والمتعاطف مع المناشفة، ج. س. خروستاليوف- نوسار، وقد كان مثل الأب جابون شخصية عرضية لم يلعب أي دور مستقل. في الواقع، كان تروتسكي هو من لعب الدور القيادي في السوفييت، والذي أصبح رئيسه بعد اعتقال خروستاليوف، في نوفمبر. كان تروتسكي هو من كتب معظم إعلانات السوفييت وبياناته واكتسب شعبية هائلة بين العمال. يذكر لوناتشارسكي أن تروتسكي «وضع نفسه ليس بعيدا عنا فحسب وإنما عن المناشفة أيضا. كان نشاطه في الغالب في سوفييت مندوبي العمال، وإلى جانب بارفوس نظم ما يشبه مجموعة منفصلة أصدرت صحيفة صغيرة ورخيصة جد كفاحية ومحررة بشكل جيد جدا، تدعى ناشالو». ويضيف: «وأتذكر أن أحدهم قال في وجود لينين: "إن نجم خروستاليوف يتضاءل والرجل القوي في السوفييت الآن هو تروتسكي". اكفهر وجه لينين للحظة، ثم قال: "حسنا، لقد استحق تروتسكي ذلك بفضل عمله الرائع والدؤوب".».[1]

لا يمكن فهم المغزى الكامل لرد فعل لينين إلا إذا أدركنا أنه في هذه المسألة الحاسمة بالضبط، مسألة الموقف من السوفييت، ارتكب بلاشفة بيترسبورغ خطأ جوهريا تسبب في فقدانهم الفرصة للفوز بأغلبية العمال النشيطين في العاصمة. سمحت أخطاء بلاشفة بيترسبورغ للمناشفة بالحصول على الأغلبية داخل مجلس السوفييت. ومنذ قطيعته مع المناشفة، قبل سنة، حافظ تروتسكي على موقف مستقل بين الفصيلين البلشفي والمنشفي. لقد عرضه هذا الموقف لحملات مبررة من النقد من طرف لينين. لكن وعلى الرغم من الخلافات الحادة حول مسألة الوحدة، وهي الخلافات التي، على أي حال، كانت قد فقدت أهميتها على نحو متزايد في غضون تلك السنة، فإنه لا يوجد أي شك في أن موقف تروتسكي كان قريبا جدا من موقف لينين بخصوص جميع المسائل السياسية، وهو ما يشهد به العديد من الكتاب سواء من البلاشفة والمناشفة.

على الرغم من هذه الحقائق المعروفة جيدا، حاول المؤرخون الستالينيون تصوير تروتسكي، عام 1905، بأنه "منشفي"، كما نقرأ في هذا المقال النموذج: «كان رفض تروتسكي للديمقراطية الثورية (؟)، في الواقع، دفاعا عن فكرة المناشفة بخصوص هيمنة البرجوازية (!) في الثورة القادمة»[2]. هذا خاطئ تماما. إن الخلافات التي كانت تفصل تروتسكي عن المناشفة، منذ أوائل فبراير 1904، يشهد عليها بشكل لا لبس فيه قادة المناشفة أنفسهم. منذ أواخر 1904 فصاعدا، صاغ تروتسكي إلى جانب اليساري الاشتراكي الديمقراطي الألماني، بارفوس، مجموعة من الأفكار التي وفرت في وقت لاحق الأساس لنظرية تروتسكي عن الثورة الدائمة. سنتطرق في وقت لاحق لطبيعة هذه النظرية وموقف لينين منها وموقف المناشفة منها. لكن دعونا أولا نضع الأمور في نصابها الصحيح.

«تروتسكي، أيضا، كان له خلاف جوهري في وجهات النظر مع الإيسكرا [جريدة المناشفة] بخصوص النتائج السياسية التي يمكن استخلاصها من الوضع الناشئ عن 09 يناير. كتب تروتسكي أنه بعد 09 يناير اتجهت حركة الطبقة العاملة "نحو انتفاضة". وبالتالي فإن الجمعية التأسيسية في ذاتها ولذاتها لم تعد قادرة على أن تكون الشعار الأساسي والعام للحزب. وأنه، بعد 09 يناير، صار من الضروري التحضير لانتفاضة مسلحة واستبدال الحكومة القيصرية بحكومة ثورية مؤقتة، والتي وحدها من يمكنها الدعوة لتشكيل جمعية تأسيسية»[3]. هذه كلمات الزعيم المنشفي، فيدور دان، والتي كتبها عندما كان هو وتروتسكي قد صارا عدوين سياسيين لدودين. الأفكار الأساسية الواردة هنا، المبنية على ما كتبه تروتسكي في كراسة: "حتى التاسع من يناير"، تتفق بشكل كامل مع الموقف العام الذي دافع عنه لينين. وفي تأريخه للحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية، يجادل مارتوف ليس فقط ضد موقف لينين، بل أيضا ضد نظريات تروتسكي وبارفوس.[4]

ربما كان الإنجاز الأكثر إثارة للإعجاب الذي قام به تروتسكي هو نشر صحيفة ثورية جماهيرية يومية. فبمساعدة بارفوس استولى على الصحيفة الليبرالية السابقة روسكايا غازيتا، وغير اسمها إلى ناشالو (البداية) وحولها إلى جريدة عمالية شعبية وكفاحية بسعر منخفض (كوبيك واحد). وقد انتقل إصدارها من 30.000 نسخة إلى 100.000، لتبلغ رقم 500.000 نسخة بحلول دجنبر. ناشالو، التي كانت تابعة اسميا للمناشفة، كبديل للإيسكرا البائدة، كانت في الواقع تحت سيطرة تروتسكي. كان تداول نسخها أكبر بكثير من نوفايا جيزن. وقد وصف كامينيف، الذي كان واحدا من محرري نوفايا جيزن، لتروتسكي المشهد في محطات السكك الحديدية التي مر منها قطاره: «كان الطلب فقط على الصحافة الثورية. كانت الحشود التي تنتظر تصرخ: "ناشالو، ناشالو، ناشالو، نوفايا جيزن، ثم ناشالو، ناشالو، ناشالو"». واعترف كامينيف قائلا: «ثم قلت لنفسي، مع شعور بالاستياء، إنهم في ناشالو يكتبون أفضل مما نكتب نحن».[5]

لم يكن للخط السياسي لصحيفة ناشالو أية علاقة نهائيا بمواقف المناشفة، بينما كان متطابقا، في جميع المسائل الأساسية، مع مواقف لينين، وقد أقر لينين بهذه الحقيقة بعد سنوات عديدة. حتى حلول أكتوبر كان ما يزال من الممكن أن نجد من يجادل لصالح القيام باتفاقات، مؤقتتة على الأقل، مع الليبراليين البرجوازيين، وبالتالي ففي العدد الأول من صحيفة نوفايا جيزن، كان المحررون ما يزالون يكررون شعار بليخانوف القديم: "نسير منفصلين، ونضرب معا!". لكن لينين استمر، من منفاه، يسلح حزبه بعدم الثقة في الليبراليين ويحذر من أنهم سيخونون حتما. في العدد السادس من نوفايا جيزن كتب كامينيف مدافعا عن موقف مختلف، إذ قال إن أي محاولة لإقامة حكومة لليبراليين وراء ظهور العمال سيتم رفضها وأن العمال سيسقطون هذه الحكومة المؤقتة. وهذا بالضبط هو ما حدث عام 1917. وفي العدد التالي، رقم سبعة، جاء في مقال من توقيع ن. مينسكي: «بين السياسة البرجوازية والسياسة الاشتراكية الديمقراطية لا توجد، ولا يمكن أن توجد، نقاط التقاء ولو حتى خارجية». وبخصوص هذه المسألة الجوهرية كان موقف ناشالو مطابقا لموقف لينين. وهكذا عندما صدر العدد الأول من صحيفة تروتسكي ناشالو، لقيت ترحيبا حارا من قبل صحيفة البلاشفة نوفايا جيزن والتي كتبت: «لقد صدر العدد الأول من ناشالو. إننا نرحب برفيق في النضال. يتميز العدد الأول بوصف رائع لإضراب أكتوبر، كتبه الرفيق تروتسكي».[6]

كان مارتوف، الذي من المفترض أنه مشارك مع تروتسكي في هيئة التحرير، كثيرا ما يعترض على خطها السياسي، لكنه لم يتمكن من دفع تروتسكي لتغييره. ويسرد في تأريخه لتلك الفترة سلسلة كبيرة من الخلافات. على سبيل المثال عندما حاول ستروفه الدخول في مفاوضات مع البيروقراطي الليبرالي وايت، شنت عليه ناشالو هجوما شرسا واعتبرته "عميلا لوايت". وذكر المقال الرئيسي للعدد 08 أن «الثورة قد تجاوزت مرحلتها الأولى، المعارضة المنتمية للزيمستفو قد ارتدت وأصبحت قوة معادية للثورة». عندما أشار مارتوف لهذا الموقف بسخط، قال إن هذه الصيغة «تتعارض تماما مع المفهوم التقليدي للمنشفية». واشتكى من أن خط ناشالو السياسي متطابق مع خط البلاشفة، وللبرهنة على ذلك نقل قائمة طويلة من المقالات[8]. كتب زعيم المناشفة دان رسالة تذمر لكاوتسكي قال فيها: «لقد أسسوا في سان بيترسبورغ صحيفة، ناشالو، والتي عوضت الإيسكرا، وخلال شهري نوفمبر ودجنبر 1905 كانت تنشر التصريحات الأكثر تطرفا، والتي بالكاد يمكن تمييزها عن تلك الموجودة في صحيفة البلاشفة: نوفايا جيزن»[8]. ويؤكد كاتب سيرة مارتوف، إسرائيل غيتزلر، نفس النقطة قائلا: «وهكذا وجد مارتوف نفسه أقلية داخل ناشالو التي أصبحت أداة للدعاية التروتسكية وليس المنشفية».[9]

من بين الافتراءات الأكثر تفاهة الموجهة من طرف الستالينيين ضد تروتسكي، اتهامه بأنه أيد الدعوة لعقد مؤتمر عمالي. إن هذا يشوه عمدا موقف تروتسكي. في يوليوز 1906 كتب تروتسكي من سجنه منشورا يدعو إلى عقد مؤتمر وطني للسوفييتات. وهي الفكرة التي شوهها الستالينيون في وقت لاحق وأعلنوا أن تروتسكي أيد فكرة المناشفة عن عقد "مؤتمر عمالي". في كتيب له بعنوان "مهامنا في النضال من أجل جمعية تأسيسية"، حدد تروتسكي ثلاثة مطالب أساسية. 1) سوفييتات محلية لنواب العمال. 2) مؤتمر لعموم روسيا. 3) سوفييت لعموم روسيا كمنظمة دائمة يؤسسها مؤتمر للعمال.[10] لقد توقعت هذه الفكرة ببراعة ما حدث بالفعل في عام 1917. سليمان شوارتز، الذي هو بالتأكيد خصم لدود لتروتسكي، يبين بوضوح أنه ليس لفكرة تروتسكي أي قاسم مشترك مع فكرة المناشفة عن "المؤتمر العمالي"، أي بناء حزب عمالي إصلاحي: «من حججه يبدو من الواضح، مع ذلك، أن تروتسكي يعني بأن يكون سوفييت عموم روسيا جهازا "دائما" فقط لمدة الثورة. أما مفهوم أكسلرود عن المؤتمر العمالي فكان أوسع وأكثر تعقيدا ويرتبط ارتباطا وثيقا بفكرة إما خلق حزب عمالي جديد واسع أو تحويل الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى مثل ذلك الحزب»[11]. ويضيف في حاشية الصفحة 234: «طيلة كل مدة حياتها القصيرة (ما بين 13نوفمبر و03 دجنبر) لم تتضمن ناشالو ولو مقالة واحدة تناقش ولو بشكل عرضي مسألة مؤتمر عمالي».

وعلى الرغم من حدة الصراع الجدالي الذي حدث في الفترة السابقة، فقد حيا لينين إنجازات تروتسكي التي كانت تتناقض بشكل إيجابي مع السياسات الخاطئة التي تبناها أعضاء اللجان البلاشفة داخل روسيا قبل عودة لينين. وهكذا نقلت كروبسكايا، في الطبعة الروسية الثانية من مذكراتها، في المقطع الذي تم حذفه من جميع الطبعات اللاحقة، إلى جانب العديد من المقاطع الأخرى، رسالة كتبها لينين في شتنبر، والتي هي أيضا لم تر النور أبدا: «في رسالة مكتوبة خلال شتنبر إلى "أوغسطس"، كتب إيليتش: "أن تنتظر حتى تصل إلى اتفاق كامل مع اللجنة المركزية أو بين الوكلاء هو مجرد يوتوبيا! نحن لا نريد شلة بل حزبا، يا صديقي العزيز". وفي الرسالة نفسها، كتب إيليتش، في معرض رده على الشكوى الساخطة بأن أعضاء حزبنا يطبعون منشورات تروتسكي: "... إنهم يطبعون منشورات تروتسكي... يا إلهي!... لا يوجد خطأ في ذلك إذا كانت تلك المنشورات مقبولة وتم تصحيحها!".»[12]

وأخيرا، خلال محاكمة الأعضاء 52 لسوفييت سان بيترسبورغ، التي جرت في شتنبر 1906، حول تروتسكي خطاب دفاعه إلى هجوم رائع على الاستبداد ودافع عن الحق في الثورة. صاح فيهم: «إن السلطة التاريخية التي يتحدث باسمها المدعي العام في هذه المحكمة، هي سلطة العنف المنظم من طرف الأقلية ضد الأغلبية! أما السلطة الجديدة، التي كان السوفييت بشيرها، فتمثل الإرادة المنظمة للأغلبية التي تدعو الأقلية إلى التزام النظام. وبفضل هذا التمييز يقف الحق الثوري للسوفييت في الوجود فوق كل المزاعم القانونية والأخلاقية...»[13]. في الواقع كان تروتسكي يصدر دعوة للانتفاضة المسلحة من داخل قفص الاتهام. وباستفادته من المحاكمة لغرض التحريض، تحقق الهدف الرئيسي. وعندما رفضت المحكمة طلب السجناء استجواب عضو مجلس الشيوخ، الذي أقام مطبعة الصحافة لنشر أدبيات منظمي المذابح، انخرطوا في احتجاج أجبر القضاة على طردهم من قاعة المحكمة والحكم عليهم غيابيا.

ومع اعترافه بدور تروتسكي، فقد غضب لينين من رفض تروتسكي العنيد الانضمام إلى البلاشفة، رغم عدم وجود أي خلاف مبدئي، وهو ما فسره لينين بالغرور الشخصي. لم يكن الأمر متعلقا بالغرور الشخصي. كان السبب الرئيسي، الذي حال دون انضمام تروتسكي للبلاشفة، هو ممارسات أعضاء اللجان البلاشفة في سان بيترسبورغ، التي أثارت استهجانه ونفوره. وهذا ما يفسر عدم رغبته في الانضمام لفصيل لينين وإصراره على إعادة توحيد البلاشفة والمناشفة الذين كانوا قد تحولوا إلى أقصى اليسار وأظهروا موقفا أكثر مرونة تجاه السوفييت من موقف البلاشفة المحليين. في السنوات اللاحقة، كانت مسألة "التصالحية" القضية التي فرقت بشكل حاد بين لينين وتروتسكي، لكن في عام 1905 كان حتى هذا الفارق قد صار ثانويا.

بشكل حتمي أدى النهوض العام للحركة إلى ظهور رغبة قوية في الوحدة بين جماهير العمال. بعد أكتوبر أصبح الاتجاه نحو توحيد المناشفة والبلاشفة لا يقاوم. وفي منتصف نوفمبر صوت الاشتراكيون الديمقراطيون في أوديسا في جمع عام ضم 1500 عامل لصالح توحيد الفصيلين. حدث الشيء نفسه في ساراتوف وتفير. وفي موسكو وسان بيترسبورغ كانت اللجان والمجموعات المحلية تعمل معا بالفعل، حتى قبل اكتوبر، في إطار ما يشبه هيكلا فدراليا. وفي جميع أنحاء البلاد، مررت فروع الفصيلين قرارات تطالب بالوحدة. يصف بياتنيتسكي كيف أنه عندما تلقى الاشتراكيون الديمقراطيون في أوديسا اقتراح إعادة التوحيد من اللجنة المركزية «استقبل الاقتراح بترحيب كبير من طرف أعضاء الحزب، المناشفة والبلاشفة. وقد كان من السهل أن نفهم السبب، وهو أن ضعف وتشتت قوانا القليلة صار واضحا لكل عضو في الحزب خلال المذابح... وكان واضحا للجنة أن اقتراح الاتحاد سيحصل على أغلبية كبيرة في اجتماعات الحزب سواء من طرف البلاشفة أو المناشفة، وأينما تحدث دعاة الوحدة كانوا يجدون الدعم بالإجماع تقريبا».[14]

لينين، الذي كان قد عاد إلى روسيا، يوم 04 نوفمبر، كان قد صار مقتنعا بالضرورة العاجلة لإعادة توحيد جناحي الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي. لم يكن تغييره لموقفه من قبيل الصدفة، فبصرف النظر عن حقيقة أن الوضع برمته كان يتطلب ذلك، فإنه كان يكافح الآن لتصحيح الأخطاء العصبوية التي ارتكبها البلاشفة بخصوص السوفييت والنظام الداخلي ومسائل أخرى. ربما كان لينين يعتقد أن توحيد الحزب سيساعده على التغلب على هذه الانحرافات العصبوية. لكن السبب الرئيسي كان هو الضغط الآتي من القواعد وحقيقة أن استمرار الانقسام كان يعيق نمو الحزب. وقد كتب: «ليس سرا على أحد أن الغالبية العظمى من العمال الاشتراكيين الديمقراطيين غير راضين عن الانقسام في الحزب ويطالبون بالوحدة. ولا يخفى على أحد أن الانقسام قد تسبب في بعض الخمول بين العمال الاشتراكيين الديمقراطيين (أو العمال الذين هم على استعداد ليصبحوا اشتراكيين ديمقراطيين) تجاه الحزب الاشتراكي الديمقراطي... وهكذا فقد أصبح من الممكن الآن ليس فقط الحث على الوحدة، وليس فقط الحصول على وعود بتوحيد الحزب، بل في الواقع توحيد الحزب، بقرار بسيط من طرف غالبية العمال المنظمين في كلا الفصيلين».[15]

بالطبع لا إمكانية لأي وحدة إذا كانت هناك اختلافات من حيث المبدأ. لعبت جريدة تروتسكي، ناشالو، دورا كبيرا في ضمان إمكانية وحدة على أساس مبدئي. وتحت تأثير الثورة، حتى قادة المناشفة بدأوا يميلون إلى اليسار، على الأقل بالكلمات. وهكذا كتب فيدور دان لكاوتسكي، في نوفمبر 1905، قائلا: «نحن نعيش هنا كما لو في حالة سكر. إن الهواء الثوري يؤثر في الناس مثل النبيذ»[16]. وتجدر الإشارة إلى أن مناشفة بيترسبورغ كانوا بعيدا على يسار قيادة المناشفة في المنفى، وقد اتجهوا أبعد إلى اليسار تحت تأثير تروتسكي وبارفوس. وفي مسار الثورة، اقترب بلاشفة ومناشفة العاصمة من بعضهم البعض. وبحلول الخريف كانوا قد أقاموا بالفعل لجنة مشتركة. دافعت كل من ناشالو ونوفايا جيزن عن استعادة الوحدة. وصادقت اللجنة المركزية البلشفية، بحضور لينين، بالإجماع على قرار مفاده أن الانقسام كان مجرد نتيجة لظروف حياة المنفى، وأن تطور الثورة نفسها قد أزال أساس انقسام الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي.

كلا الجانبين قدما تنازلات. صار المناشفة الآن يقبلون صيغة لينين للفقرة الأولى من قوانين الحزب. وهو الشيء المثير للسخرية إلى حد ما، بالنظر إلى أن البلاشفة قد انفتحوا بالفعل وخففوا صرامة نظامهم الداخلي تماشيا مع الظروف الجديدة. وكانت الحجج القديمة حول المؤامرة والمركزية المتشددة قد صارت بدون معنى. وقد أنشأت اللجنة المركزية البلشفية واللجنة التنظيمية المنشفية أيضا بنية فيدرالية وبدءا التفاوض من أجل توحيد الحزب. كان على كل فصيل من الفصيلين الدعوة لمؤتمر خاص به لتمهيد الطريق لعقد مؤتمر وحدة في أقرب وقت ممكن. وفي إطار التحضير للتوحيد، دعا البلاشفة لعقد مؤتمر مشترك، لكن المناشفة فضلوا الدعوة لمؤتمر خاص بهم في نوفمبر، عندها قام البلاشفة، أيضا، بعقد مؤتمرهم في تاميرفور، بفنلندا، ما بين 12 و17 دجنبر، عندما كان عمال موسكو يخوضون صراعا عنيدا ضد قوى الرجعية. وبالنظر إلى الوضع المشحون للغاية، كانت هناك حاجة لمزيد من التركيز على تشديد الأمن وتعزيز الجهاز السري. في 11 دجنبر تم الإعلان عن قانون انتخابي جديد. تبنى مؤتمر تاميرفور موقف المقاطعة النشطة لمجلس الدوما، بناء على منظور راهنية الانتفاضة المسلحة. منطق هذا الموقف واضح: بصفة عامة لا يجوز مقاطعة البرلمان إلا عندما يكون الحزب في موقف يسمح له بالإطاحة بذلك البرلمان وتقديم شيء أرقى منه عوضا عنه. كانت دلائل التحركات الثورية موجودة في كل مكان. فخلال الفترة الممتدة ما بين أواخر أكتوبر وأوائل دجنبر كانت البلاد تعيش سلسلة من الإضرابات والانتفاضات الفلاحية والتمرد داخل الجيش وقوات البحرية والانتفاضات في جورجيا والبلطيق.

هوامش:


[1] A. Lunacharsky, Revolutionary Silhouettes, pp. 60-1 and 60.

[2] V.A. Grinko and others, The Bolshevik Party’s Struggle against Trotskyism (1903-February 1917), p. 58.

[3] F. Dan, op. cit., p. 305.

[4] Martov and others, Obshchestvennoe Dvizhenie v Rossii v Nachale 20 Veka, vol. 3, pp. 553-4.

[5] Trotsky, My Life, pp. 171-8.

[6] Trotsky, My Life, p. 182.

[7] Martov and others, Obshchestvennoe Dvizhenie v Rossii v Nachale 20 Veka, vol. 3, pp. 592-6.

[8] A. Ascher, Paul Axelrod and the Development of Menshevism, pp. 241-2.

[9] I. Getzler, Martov, p. 110.

[10] vTrotsky’s Works in Russian, Sochinyenyie, vol. 2, p. 435.

[11] Schwarz, op. cit., p. 231.

[12] Krupskaya, O Vladimirye Ilyiche, vol. 1, p. 144.

[13] The Age of the Permanent Revolution, p. 59.

[14] Piatnitsky, op. cit., p. 87.

[15] LCW, The Reorganisation of the Party, vol. 10, pp. 37-8.

[16] Ascher, op. cit., p. 241.



#آلان_وودز (هاشتاغ)       Alan_Woods#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحافة الحزب - البلشفية طريق الثورة
- فتح أبواب الحزب - البلشفية طريق الثورة
- -نيكولاس الدموي- - البلشفية طريق الثورة
- البلاشفة والسوفييتات - البلشفية طريق الثورة
- 2016: موت الليبرالية
- إضراب أكتوبر والسوفييتات - البلشفية طريق الثورة
- دوما بوليغين - البلشفية طريق الثورة
- المد الثوري - البلشفية طريق الثورة
- كيف كان الحزب يمول نفسه - البلشفية طريق الثورة
- الثورة الروسية الأولى - البلشفية طريق الثورة
- لينين و-أعضاء اللجنة- - البلشفية طريق الثورة
- البلشفية طريق الثورة - لجنة شيدلوفسكي
- البلشفية طريق الثورة - الثورة بدأت
- الأحد الدامي - البلشفية طريق الثورة
- إضراب بوتيلوف - البلشفية طريق الثورة
- البلشفية طريق الثورة - الأب غابون
- الثورة الروسية الأولى -الزوباتوفية-
- التاسع من يناير 1905 - البلشفية طريق الثورة
- قطيعة تروتسكي مع المناشفة والانشقاقات في صفوف الأغلبية - الب ...
- الحرب مع اليابان - الفصل الأول: ميلاد الحركة الماركسية الروس ...


المزيد.....




- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - آلان وودز - تروتسكي عام -1905 - البلشفية طريق الثورة