أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شادية الأتاسي - حديث الغربة














المزيد.....

حديث الغربة


شادية الأتاسي

الحوار المتمدن-العدد: 5420 - 2017 / 2 / 2 - 01:49
المحور: سيرة ذاتية
    


هو صباح خريفي الهوى ..

كنا بضعة صديقات على سطح قهوة صغيرة مؤطر بالزجاج ، نرتشف قهوة الصباح ، ونرقب بوجوم انسكاب قطرات المطر على البحيرة الغارقة في الضباب، والممتدة أمامنا على مد النظر
في الأيام الخوالي اعتدنا ان نلتقي .. حديثنا كان مرحا وعاديا ، وأحيانا كنا نسرق الزمن ، للحديث عن أشواق عشنا يوما عذوبتها .. فتلمع عيوننا حنينا وتتورد خدودنا لهفة وترق أصواتنا شوقا

واليوم نجتمع ، ازددنا قربا ، لكن تغيرنا ، غير هذا الزمن الرديء حديثنا ، لا شيء اليوم أكثر أهمية وأشد لهفة
من الأخبار القادمة من /هناك / ، وهناك تعني دائما البيت ، البلد ، الذي غادرناه يوما بعتمة الليل بحقيبة صغيرة وآمال كبيرة لعودة قريبة ،تركنا ستائرنا معلقة ، وصورنا مركونة ، أشياؤنا في أماكنها ، وزريعتنا مستلقية على الجدران ، تركنا أنفاسنا واصواتنا وضحكاتنا وشجاراتتنا، وحدها من يدفئ وحشة البيت البارد.

نعيش هنا مرارة وقهر سؤال يتيم الى متى الى متى ..الأخبار تأتي إلينا مرعبة و مشوشة ومتناقضة ، لا حقيقة واضحة /الشغلة مطولة ومعقدة والقصة كبيرة.. / خرج الحل من يدنا انهم يتلاعبون بنا يتآمرون علينا ، الجميع يتآمر ، من هم ومن نحن !!

نتهامس اخبار البلد الغارق في الدمار و الفوضى والدماء ، في لهفة العاشق المحروم ، فقد طال بنا الشوق والغربة موحشة ، نشتاق الى اهلنا واصدقائنا وأصدقاء اصدقائنا ، يبدو لنا كل شيء جميلا متوهجا في ذاكرتنا ، نحن إلى بيوتنا ، الى مدننا ، رائحة مدننا ، أماسيها وصباحاتها ، نحن حتى الى اشياء واشخاص لم ترق لنا يوما .. ونبحث عن اي ثغرة صغيرة قد تفتح لنا نافذة أمل ، وتسكب في أرواحنا التي طال بها الشوق شيئا من الطمأنينة ، ونحن نعلم تماما في اعماقنا انها غير حقيقية ، وأن الحريق يزداد اشتعالا والنار تزداد شراسة ، تلتهم بشراهة بلدا طالما اعتقدنا ونحن غارقون في لعبة الحياة ، أنه سندياتنا القوية الممتدة في جذور الزمن .

قالت نادية بمرارة ، أولادي هنا ،الجمال والأمان والراحة هنا ، ولكني أشتاق إلى هناك ، بيتي تتأرجح فيه خيوط الشمس ،قهوة الصباح في ركني وبجانبي كتبي و ياسمينتي ، صوت هاتفي الذي لا يكف عن الرنين وصوت أمي المشتاق ، ، شرفتي وقد مر عليها الخريف ، قرع الباب ، صوت الباعة ، رائحة النهار ، ضجيجه، من أحب

حنين قالت بتمهل تحاول أن تشرح ما يجول بفكرها ،لكن ما يحدث شيء عجيب ، الناس هناك تعيش معادلة الحياة والموت ، معجزة البقاء ، يتعايشون مع جنون الموت والدمار لكنهم يستمرون ، تسقط القذائف في الصباح وفي المساء يرتدون ثوب الفرح المزعوم ويعيشون ، أكذوبة ما بدنا نموت بدنا نعيش

سعاد المرحة قالت ،وكأنني لست أنا ، حياتي تغيرت منذ قيام الثورة ، اركض من اجتماع الى اعتصام الى غداء خيري ، زوجي الكندي يتفهمني بصدق لا ادري الى متى ، وابني المراهق أسرق الوقت والزمن لأكون إلى جانبه

همست مريم التي فقدت ولدها يوما وابتسامة حيية تضيء وجهها ، أنا أنتظر طفلا يتيما سيأتي من هناك ، ليضيء حياتي ، انتظره بشوق ، أعددت كل شيء لحضوره ، سآخذه الى المدرسة وانتظر عودته ، وسيكبر بحبي ويحتوي بشبابه شيخوختي

تهدج صوت ميسى و سبقتها دموعها وهي تقول ، مشتاقة لبلدي ، مشتاقة لناس بلدي ، مشتاقة لرائحة الليل والياسمين ، اخاف ان تسرق الغربة اعمارنا ، أن نعتاد الحياة ونبقى هنا ..ونموت هنا ،

كل شيء حولنا كان يشير إلى جمال الحياة وغناها ، البحيرة المغموسة بالضباب في حضن الجبال الأبدية الثلوج ، وبجعاتها البيضاء المشرئبة الأعناق ، تمخر عباب المياه في عرسها الشتوي الطويل ، مطر الحياة المنهمر . .وجوه الناس النضرة المسرعة إلى أعمالها ..واجهات المحلات الأنيقة المتخمة ، الآمان ، الذي نسيناه نحن الذين فقدنا متعة أن نكون في أوطاننا
لم يفلح كل هذا في تهدئة احزاننا ، فنحن غرباء لا ننتمي الى هذا المكان الجميل ، قلوبنا هناك .



#شادية_الأتاسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو حياة افتراضية حارة
- إيقاع المدينة
- حين يهطل المطر في باريس
- غربة
- حلم
- أطلال


المزيد.....




- شاهد ما جرى لحظة اقتحام الشرطة الأمريكية جامعة كاليفورنيا لف ...
- ساويرس يُعلق على تشبيه أحداث جامعة كاليفورنيا بـ-موقعة الجمل ...
- على غرار الجامعات الأمريكية.. الطلبة البريطانيون ينظمون احتج ...
- اليمين الأمريكي يستخدم نظرية -الاستبدال العظيم- لمهاجمة خصوم ...
- شاهد: لحظة اقتحام الشرطة لجامعة كاليفورنيا لفض اعتصام داعم ل ...
- بالأرقام.. عمّال غزة في مهب الحرب: بين قتيل وعاطل الآلاف يكا ...
- بوندسليغا.. طموح لمزيد من المجد الأوروبي وصراع شرس في القاع ...
- زعيم المعارضة الإسرائيلية لابيد يزور الإمارات ويلتقي بن زايد ...
- شاحنة آيس كريم تصدم عشرات الأطفال في قرغيزستان أثناء احتفال ...
- أوربان: البعض في قيادة الاتحاد الأوروبي يستفيد من الصراع في ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شادية الأتاسي - حديث الغربة