أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عايد عواد - أرثوذكسيات - الحلقة الأولى















المزيد.....


أرثوذكسيات - الحلقة الأولى


عايد عواد

الحوار المتمدن-العدد: 5415 - 2017 / 1 / 28 - 22:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ما الذي يؤكد صحة العقيدة الأرثوذكسية في استحالة الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه؟

التحول هو تحت أعراض الخبز والخمر. بمعنى أن الخبز لا يتحول إلى لحم، والخمر الممزوج بالماء لا يتحول إلى هيموجلوبين وبلازما. الخبز يظل في جوهره خبزًا لكنه جوهريًا يتحد باللاهوت، وهو جسد الرب المصلوب والقائم من الأموات والصاعد إلى السماء والذي سيأتي في المجيء الثاني.

يقول الكتاب "وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي" (مت26: 26). فهو عندما بارك وشكر تمت الاستحالة أي التحول من خبز عادى إلى خبز متحد باللاهوت، وامتداد لذبيحة الصليب الذي هو جسد الرب المصلوب القائم من الأموات.

وبما أننا نُتهم أننا نسجد لخبز وخمر وأن هذه عبادة وثنية، فعلينا بالرجوع إلى ما قاله معلمنا بولس الرسول في مقارنته بين العبادة الوثنية وبين القداس الإلهي الذي فيه جسد الرب ودمه، ليتضح أن من يُهاجمنا في هذه القضية فإنه ضمنًا يهاجم فبولس الرسول الذي وضع هذه المقارنة.



يقول معلمنا بولس الرسول:
"لِذَلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ (من يهاجموننا يقولون أن القداس هو عبادة أوثان، فلنرى ما سيقوله معلمنا بولس الرسول هنا). أَقُولُ كَمَا لِلْحُكَمَاءِ: احْكُمُوا أَنْتُمْ فِي مَا أَقُولُ (ونحن هنا نطالب القارئ أيضًا أن يحكم). كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ (هنا ويبدأ معلمنا بولس الرسول المقارنة بين العبادة الوثنية وبين الإفخارستيا بشجاعة نادرة بالروح القدس الذي أوحى إليه بكتابة هذه الكلمات) الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ. انْظُرُوا إِسْرَائِيلَ حَسَبَ الْجَسَدِ. أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟ (هنا بدأ يربط بين كأس البركة وجسد الرب في القداس، بمفهوم آخر وهو إسرائيل والمذبح اليهودي وشركة المذبح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أي أنه يضع مسلك مسيحي ومسلك يهودي في تناظر مع بعضهما. وسوف نربط ذلك بإشعياء 19) فَمَاذَا أَقُولُ؟ أَإِنَّ الْوَثَنَ شَيْءٌ أَوْ إِنَّ مَا ذُبِحَ لِلْوَثَنِ شَيْءٌ؟ (هنا وحَّد بولس الرسول بين الذبيحة ومن تقدّم له. وهو هنا انتقل من الذبائح التي كان يقدمها اليهود وكانت مقبولة من الله لأن الله هو الذي أمر بها، إلى أن جاء السيد المسيح وقدّم الذبيحة الحقيقية الكاملة التي كانت ترمز إليها ذبائح العهد القديم، انتقل من ذبيحة العهد القديم إلى ذبائح الأوثان) بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ لاَ لِلَّهِ. فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ شُرَكَاءَ الشَّيَاطِينِ (وهو هنا لا يريدهم أن يحضروا ذبائح الأوثان أو أن يشتركوا في أكل ذبيحة لوثن) لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ (هنا هو وحّد بين الذبيحة ومن تقدم له الذبيحة ووضعها بالتناظر، وقال لهم إما أن تختاروا ذبيحة الرب أو تختاروا ذبيحة الشياطين. ولكن لا تأكلوا من هذه وتلك). لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟ أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟" (1كو10: 14-22).

هذه العبارات تبين أنه في فكر بولس الرسول مائدة الإفخارستيا هي مذبح لأنه وضع ثلاثة أمور:

أولًا: شركة جسد ودم المسيح، ثانيًا: ذبائح اليهود فقال: "أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟"، ثالثًا: ذكر المذبح الوثني، وأخيرًا قال لهم اختاروا أنتم ماذا تأكلون هل من مائدة الرب أم مائدة شياطين؟

السيد المسيح قال: "خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي"، وكلام معلمنا بولس الرسول يؤكد أن الذي قاله السيد المسيح لم يكن كلامًا رمزيًا.

في الأصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى أهل كورنثوس يقول معلمنا بولس الرسول: "فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ" (1كو11: 26)، فالمسألة ليست أن الرب صنع هذا الأمر في ليلة آلامه لذكرى.

يقول معلمنا بولس الرسول: "لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزًا. وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلًا: هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ. إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ" (1كو11: 23-27).

إن العهد الجديد ارتبط بالكأس وليس بذبيحة الجلجثة فقط. فدمه المسفوك يكون حاضرًا في الكنيسة في الإفخارستيا.

لماذا يكون من يأكل هذا الخبز ويشرب هذه الكأس بدون استحقاق مجرمًا في جسد الرب ودمه إلا إذا كان هذا جسد حقيقي ودم حقيقي؟!

نحن نقول في القداس الإلهي: "هذا هو دمى الذي للعهد الجديد" وهذا صحيح وقد قاله السيد المسيح نفسه. إلا أن كل من معلمنا بولس الرسول ولوقا الإنجيلي قد ركّزا على هذه العبارة بأكثر وضوح فقالا: "هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي" (1كو11: 25). الكأس هي العهد الجديد بدمه.. فإذا كانت الإفخارستيا مجرد رمز كما يدّعى البعض، فهل يكون العهد الجديد أيضًا رمزًا؟!!

أين العهد الجديد في كنيسة لا يوجد بها دم المسيح داخل الكأس؟!!

إن لم يكن دم المسيح في كأس الإفخارستيا فأين ستجده؟!! إن السيد المسيح وهب حياته لأجلنا على الصليب وأعطاها لنا لكي نحيا بها، وقال: "مَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي" (يو6: 57)، وقال: "أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ" (يو6: 51).
إن السيد المسيح قد أعطانا حياته. فكيف تصل لنا حياته هذه، إذا لم يكن دم المسيح تحت أعراض الخمر هو دم حقيقي؟!

الآن سوف نربط هذا الكلام بما جاء في سفر إشعياء في الأصحاح التاسع عشر: "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا" (إش19: 19). أين ذلك المذبح إن لم يكن هو مذبح الإفخارستيا؟

وإن لم يكن هناك مذبح في الكنيسة، فما هو المذبح الذي تكلم عنه إشعياء؟ هل هو مذبح الأوثان؟! بالطبع لا.. لأنه قال: "مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ". فهل هو مذبح اليهود؟! قطعًا لا.. لأن اليهود ليس لهم مذبح إلا في أورشليم فقط، لأن الرب قال: "قَدِ اخْتَرْتُ وَقَدَّسْتُ هَذَا الْبَيْتَ لِيَكُونَ اسْمِي فِيهِ إِلَى الأَبَدِ" (2اخ7: 16)،

بعد أن اختار موقعه حيث بيدر أرنان اليبوسي، ومنعهم من تقديم ذبائح خارج هذا الإطار، وإلى يومنا هذا.

معلمنا بولس الرسول في رسالة العبرانيين يقول: "لَنَا مَذْبَحٌ لاَ سُلْطَانَ للَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ" (عب13: 10). أي ليس لليهود سلطان أن يأكلوا منه، فما هو هذا المذبح إلا مذبح العهد الجديد؟!

ثم يكمل إشعياء النبي فيقول: "فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ وَيَعْرِفُ الْمِصْريُّونَ الرَّبَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ" (إش19: 21). يعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب هي رد على من يدعون أننا نعبد أوثان.. أم أن إشعياء النبي كان مخطئًا حينما تنبأ بذلك؟!!

يقول إشعياء النبي: "َيَعْرِفُ الْمِصْريُّونَ الرَّبَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ" هل كل المصريين يقدمون ذبيحة واحدة فقط؟!! كيف؟ كيف يقدم كل المصريون ذبيحة واحدة؟!!

لا يمكن أن تكون ذبيحة واحدة إلا ذبيحة الصليب. وهذا يرد على من يدّعون أن الإفخارستيا هي تكرار للصلب. إن ذبيحة الإفخارستيا هي امتداد للصلب، وهي فوق الزمن بدليل أن السيد المسيح قبل أن يسفك دمه على الصليب ببضعة ساعات وبعد خروج يهوذا قال: "الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللَّهُ فِيهِ" (يو13: 31). ثم بارك الكأس وقدّم لتلاميذه وقال: "هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ" (مر14: 24). فالإفخارستيا هي فوق الزمن، لذلك نقول في القداس الإلهي {نصنع ذكرى آلامه المقدسة، وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السموات، وجلوسه عن يمين الآب، ومجيئه الثاني} إذن الذبيحة التي ذكرها إشعياء النبي هي ذبيحة الإفخارستيا. والإفخارستيا والصليب هما ذبيحة واحدة في كل الكنائس المتحدة الإيمان.

نحن لا نسجد للخبز والخمر لكننا نسجد لجسد الرب ودمه، بعد حلول الروح القدس وتحول الخبز والخمر، إلى جسد ودم حقيقى للسيد المسيح متحدًا باللاهوت. لكن بدون أن يتحول الخبز إلى لحم، ولا الخمر إلى بلازما وهيموجلوبين. إن الخبز الذي كان السيد المسيح يأكله، كان جسده ينمو به ووزنه يزيد. هكذا التجسد الإلهي واتحاد اللاهوت بالناسوت لا يتكرر، إن التجسد سر "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تى3: 16). كما أن الفحمة في الشورية إذ تكن متقدة بالنار، فإن وضعنا فحم آخر مطفأ معها يلتقط النار من الفحمة المتقدة، هكذا أيضًا كل ما أضيف إلى جسد يسوع في نموه. فلا نحتاج إلى تكرار التجسد الإلهي، بل ما يحدث هو امتداد.

وكما نقبل فكرة امتداد التجسد الإلهي، نقبل فكرة امتداد ذبيحة الصليب. فالخبز يصبح جسد يسوع الذي نمى. وكما سجد له المولود أعمى، بكل ما أضيف إلى وزنه بعد الحبل به في بطن العذراء، هكذا أيضًا بقدرة إلهية فائقة يحوّل الروح القدس الخبز إلى جسد السيد المسيح المتحد باللاهوت عبر آلاف السنين. لأن ذبيحة الإفخارستيا كما ذكرنا هي فوق الزمن، لأنها سر إلهي.
إذن السجود هو لجسد حقيقي للسيد المسيح، كما سجد له المولود أعمى بالضبط. من أقوال القديس أثناسيوس: ليس للسيد المسيح طبيعتان، إحداهما مسجود لها والأخرى غير مسجود لها، بل نحن نسجد للمسيح بسجدة واحدة باعتبار أنه هو الله الكلمة المتجسد.

السجود لجسد المسيح ودمه

السجود لجسد المسيح ودمه

عندما قدّم السيد المسيح الخبز والخمر لتلاميذه في ليلة الصلب قال: "هَذَا هُوَ جَسَدِي هَذَا هُوَ دَمِي" (مت26: 27، 28) أفلا نصدق السيد المسيح؟! كما قال أيضًا: "لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ (حقيقي) وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ" (يو6: 55).

يهزأ البروتستانت بنا ويقولون أننا نعجن إلهنا ونخبزه، ثم بعد ذلك نسجد له. هم بذلك يشبهون غير المسيحيين الذين يقولون إن سجود المولود أعمى للسيد المسيح يُعتبر شرك، لأنه كيف يسجد لإنسان مثله؟ هم لا يفهمون أنه ليس إنسانًا لكنه الإله المتجسد. إن البروتستانت يوافقون على السجود للسيد المسيح، أما الخبز والخمر فيقولون أنه رمز وتذكار.

السيد المسيح الكلمة حينما تجسد كان خلية واحدة في بطن السيدة العذراء، ثم كبرت هذه الخلية عن طريق التغذية من العذراء. ثم ولد ورضع وكبر وأكل خبزًا وصار هذا الخبز الذي أكله في جسده، وبه كبر.. وعندما صُلِب كان وزنه حوالي سبعون كيلوجرام بعد أن كان خلية واحدة.. هذا الفارق في الوزن هو نتيجة للخبز الذي خبزته العذراء فأكله وكبر جسده به. بحلول الروح القدس في القداس يتحوّل الخبز ليصر كالخبز الذي أكله السيد المسيح وأصبح في جسده متحدًا باللاهوت، وصُلب به ثم قام به فصعد به إلى السماء.
مثال: إن كان هناك فحم مشتعل في الشورية ثم زيد عليه فحم منطفئ فإننا لا نحتاج إلى إشعال النار في الفحم المضاف لأنه سوف يتقد من ذاته. كذلك فإن كل ما أُضيف إلى جسد السيد المسيح ليس تجسدًا جديدًا للكلمة لكنه امتداد للاتحاد الأقنومى بين اللاهوت والناسوت.

هكذا أيضًا فإن الخبز في القداس الإلهي هو امتداد لذبيحة الصليب. ولذلك قال السيد المسيح: "هَذَا هُوَ جَسَدِي" (مت26: 26)يقول القديس بولس الرسول: "أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِه، ِغَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ" (1كو11: 27،29). فلماذا يكون مجرمًا؟ ذلك لأنه جسد حقيقي.. إذًا فإننا حينما نسجد لجسد السيد المسيح فنحن نسجد للمسيح مخلصنا وفادينا.

البروتستانت لا يعجبهم هذا الكلام ويتطاولون علينا ويتهموننا على القنوات الفضائية أننا نعبد الأصنام.

وكما قلنا، فإن ما ورد في الأصحاح الخامس والعشرون من سفر الخروج فيما يخص صناعة الكروبين على غطاء التابوت وأن الله كان يتكلم من بين الكروبين ويسجد الشعب أمام الهيكل في وجود التمثالين هذا ليس عبادة للتمثالين الذهب، لذلك فهذا لا يعتبر عكس قوله: "لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا... وَلاَ تسجد لهن ولا تَعْبُدْهُنَّ" (خر 20: 4، 5) لأنه قال: "لا تَعْبُدْهُنَّ". فليس من يصنع صورة أو تمثال يكون بذلك قد خالف الوصية الثانية من الوصايا العشر وهو لا يعبدها.

حينما كان تابوت العهد محمولًا على عربة تجرها ثيران وكان داود يرقص أمام التابوت الذي بداخله لوحيّ الشريعة وعلى غطاءه الملاكان، (بعد أن كان موسى قد قام بتدشين كل هذه الأشياء يوم افتتاح خيمة الاجتماع) انشمصت الثيران أي قزحت وأرادت أن تفك، وكاد التابوت أن يقع فسنده عُزة، وهو ليس من الكهنة، فمات في الحال (انظر 2صم6: 6- 15)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأنه كيف للذي ليس من الكهنوت أن يمسك تابوت العهد في الوقت الذي فيه قال الرب ألا يلمس أحدًا التابوت إلا الكهنة حامليه؟

حدثت هذه الحادثة أمام داود النبي فارتعب ويقول الكتاب: "وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ كَيْفَ يَأْتِي إِلَيَّ تَابُوتُ الرَّبِّ؟ وَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَنْقُلَ تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَيْهِ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ" (2صم6: 9، 10).ثم لماذا عندما ظهرت نار متقدة في العليقة قال الله لموسى "اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ" (خر 3: 5)؟

هل عندما يكون جسد ودم السيد المسيح على المذبح في الكنيسة لا يكون هذا مكانًا مقدسًا؟!

أو عند تدشين الأيقونة بالميرون ألا تكون مقدسة كما كان تابوت العهد مقدسًا حتى أن من كان يمسه كان يموت إن لم يكن من الكهنة؟!

فإن قالوا هذا في العهد القديم نرد بقولنا لهم أنهم أوردوا الوصية الثانية في العهد القديم كحجة ضد عقيدتنا.

ما لزوم إضاءة شمعة أمام الأيقونة؟

للرد نقول أن الكنائس قديمًا كانت منخفضة في مستواها عن الأرض، ولا يوجد بها نوافذ، وكانت الفتحات في القباب فقط، فكانت الكنائس مظلمة وهذا ما نراه واضحًا في الكنائس الأثرية مثلًا في مصر القديمة، ولم يكن هناك كهرباء، وبالتالي كانت الأيقونات لا تظهر، فبإضاءة شمعة تظهر الأيقونة، لأن السيد المسيح يقول: "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ" (مت 5: 14). لذلك، فتكريمًا لصاحب الأيقونة نضيء شمعة لكي ننير الأيقونة.

ومعلمنا بولس الرسول يقول: "انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ" (عب13: 7)، ويقول: "لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا" (عب12: 1).

إذًا بإضاءة الشمعة ننير الأيقونة وكأننا نقول لصاحب الأيقونة أنت كنت نورًا للعالم.

فما الخطأ في أن ننير أمام الأيقونة أو نشهد لصاحب الأيقونة؟!

وعلينا أن نلاحظ أنه لا يجب أن تضاء شمعة إلا أمام أيقونة مُدشنة بالميرون. لأننا في تدشين الأيقونة بالميرون نقول: "لتكون ميناء خلاص لكل مَن يلجأ إليها بإيمان".

مثال للتوضيح: إذا كانت هناك أيقونة للسيدة العذراء حاملة للسيد المسيح مثلًا، وتم تدشينها بالميرون، أو أيقونة للقديسة دميانة مثلًا ومعها الأربعين عذراء وتم تدشينها ونفخ فيها الأسقف، تصبح هذه الأيقونة مثل تليفون محمول. كيف؟
التليفون المحمول عبارة عن قطعة معدن أو بلاستك، لكن بتركيب الخط يمكن الاتصال بأي شخص، وأحيانًا حتى خارج مصر. فهل الله لا يقدر أن يعمل ما يعمله التليفون؟! حينما تريد أن تكلم القديسة العذراء مريم أو القديسة دميانة تذهب إلى أمام الأيقونة وتنير شمعة فكأنك بذلك تفتح الخط، فتصعد الطلبة سريعًا، لأن هناك خط أو شريحة. أما إذا كان التليفون بدون شريحة أو خط فإن تكلمت لا يسمعك أحد. الخط هو الدور الذي يقوم به الميرون، لأن الروح القدس الذي في الميرون يعطى الأيقونة الحرارة أي الخط؛ وبالتالي يمكن أن تطلب من القديسة دميانة المساعدة في الامتحان، أو تطلب صلواتها أمام السيد المسيح لحل مشكلة ما، أو مثلًا تطلب من السيدة العذراء المعونة، إلخ... يمكن طلب أي شيء من القديس فيصل مباشرة إلى السماء.

الصلاة أمام الأيقونة لا تعنى عبادة الأيقونة ولكنها تعنى طلب من القديس ورجاء أن يسمع.

هل يمكن الصلاة أمام الصور التي في المنازل وهي ليست مُدشنة؟

ربما يتساءل البعض:

هل يمكن الصلاة أمام الصور التي في المنازل وهي ليست مُدشنة؟

الصور التي في المنازل لأشخاص أعزاء مثل صور الوالدين يمكن تقبيلها لأنها تُذّكرنا بهم.. إذًا يمكن الصلاة أمام الصورة غير المدشنة في المنزل لأنها تذكّر الشخص بصاحب الصورة، بل يمكن للشخص أن يطلب معونة أو طلب من السيدة العذراء أو الملاك ميخائيل بدون وجود صورة. لأن حول عرش الله في السماء هناك أربعة وعشرون قسيسًا في أيديهم مجامر "مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ" (رؤ5: 8).

هذا هو الفرق بين الصورة العادية والأيقونة المُدشنة. ولكن حتى الأيقونة المُدشنة نحن لا نعبدها وإلا يصبح عندنا تعدد آلهة.

لماذا نقول "السلام" لصاحب الأيقونة؟

حينما نعطى السلام للقديس يصل إليه طبعًا، لكن هناك من يعترض ويقول كيف نقول السلام لك أو لكِ كأن القديسين أحياء معنا، وهل القديس قاعد في الأيقونة؟

هم بالفعل أحياء فالرب إله أحياء "لَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ" (لو20 :38).

وأحيانًا يحضر القديسون معنا في أعيادهم مثلًا أو في أي وقت مثلما تظهر السيدة العذراء مثلًا في بعض الأحيان. لكن حتى لو لم يكن القديس حاضرًا معنا بالروح وأنه موجود في الفردوس إلا أننا متفقين على أن هناك اتصال روحي بالنعمة، وبدون هذا الإيمان نصبح كأننا نعيش في مجاهل أفريقيا أو في أدغال بالمعنى النسبي..

فكلمة "السلام لك" تصل طبعًا للقديس.. ونحن نمر على أيقونات القديسين في صحن الكنيسة نقدّم لهم السلام؛ كل باسمه، حيث يقدّم الأب الكاهن السلام مع البخور من المجمرة.

أسلِّم على القديس بمعنى إني واثق أن عبارة السلام هذه هي نوع من البخور المرسل بالنعمة ويصل إلى هذا القديس. فبيني وبين القديس شركة روحية يعبّر عنها بالبخور، هذه الشركة قد تكون صلاة أو تكون تحية. من الممكن أن أقول للقديس: "صلى من أجلى"، أو أقول له: "مبارك أنت أيها القديس من أجل ما فعلته لأجلنا". وهذه إشارة إلى البخور الذي يقدّمه الأربعة وعشرون قسيسًا أمام العرش من مجامرهم الذهبية وهو صلوات القديسين (انظر رؤ 5: 8).

أيقونة السيد المسيح الله الكلمة المتجسد

نحن نسجد للسيد المسيح ونعبده.. فالمولود أعمى مثلًا قال للسيد المسيح: "أُومِنُ يَا سَيِّدُ. وَسَجَدَ لَهُ" (يو 9: 38). أما أيقونة السيد المسيح فنحن نكرّمها ولكننا لا نعبدها، فلا يقل أحد أن أيقونة السيد المسيح هي المسيح، بالطبع لا ليست أيقونة السيد المسيح هي المسيح.

أما جسد ودم السيد المسيح في القداس الإلهي فهو جسد حقيقي ودم حقيقي، وعندما نسجد أمامه فإننا نسجد لنفس الجسد الذي ولِد من العذراء وصُلب على الصليب وقام من الأموات. أما أي شيء آخر في الكنيسة غير جسد الرب ودمه فإننا نحترمه ونكرّمه ولكننا لا نعبده حتى أيقونة السيد المسيح نفسه. ونحن لم نرى أبدًا أن شخصًا قال أن أيقونة السيد المسيح هي السيد المسيح أو أن شخصًا قال أمام الأيقونة: أنا أعبدك أيتها الأيقونة.

نحن نسجد للسيد المسيح الذي لاهوته مالئ السماء والأرض سجود العبادة. لكن ليس أي احترام يُقَدم لأيقونة مدشنة يعتبر عبادة حتى لو تم تقديم البخور أمامها كما شرحنا في الفقرة السابقة.



...............................................

المصدر والروابط :

كتاب هل نحن نعبد الأصنام في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟
الأنبا بيشوي

http://st-takla.org/P-1_.html

http://st-takla.org/books/anba-bishoy/idols/christ.html

http://st-takla.org/books/anba-bishoy/idols/peace.html

http://st-takla.org/books/anba-bishoy/idols/candle.html

http://st-takla.org/books/anba-bishoy/idols/images.html

http://st-takla.org/books/anba-bishoy/idols/index.html

http://st-takla.org/books/anba-bishoy/idols/body.html

http://st-takla.org/books/anba-bishoy/idols/creed.html



#عايد_عواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كشف المستور بين الأرثوذكس والكاثوليك الجزء الرابع
- الأرثوذكس وسلطان الكنيسة والكهنة والخرافة
- كشف المستور بين الأرثوذكس والكاثوليك الجزء الثاني
- كشف المستور بين الأرثوذكس والكاثوليك الجزء الأول
- الزنا الروحي والأرثوذكس وحزقيال نموذجا


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عايد عواد - أرثوذكسيات - الحلقة الأولى