أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار عقيل - الداغون - قصة قصيرة














المزيد.....

الداغون - قصة قصيرة


بشار عقيل

الحوار المتمدن-العدد: 5415 - 2017 / 1 / 28 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


الداغـون
ليست من عادة أمي الحنون الطيبة أن تتعامل بهذه العصبية.. حتى عندما كُسرتْ يدها يوم قطف المشمش؛ كانت أكثر هدوءاً وتماسكاً.. حملتُ أخي الصغير ودخلت مع أخواتي؛ ووقفت أسترق السمع والنظر من شقوق الباب إلى صحن الدار..
رأيتها تمسك بيد أبي وتساعده على الجلوس والاتكاء على الجدار.. ثم راحت تملأ كفها بالماء من الكوز الصغير وتمسح على شعره وجبينه وهي تتمتم بالمعوّذات والكلمات التي تبعد الشر.. بدا الإعياء الشديد واضحاً عليه.. كان منهكاً كأنه خارج من سباق حتى أن عقاله سقط منه في الطريق أيضاً..
لم أتمكن من التقاط الكلام بوضوح بسبب صوتهما الحذر في الكلام.. لكن المؤكد أنهما يتحدثان عن مصيبة؛ فأبي يختلط لهاثه بحروفه وهو يروي التفاصيل، وأمي تحوقل وتهلهل وترفع يديها عن رأسها لتكمّم فمها أو تضرب بهما على فخذيها......
- استهدِ بالرحمن يا سندي.. هل أنت متأكد ؟!.
- قلت لك رأيته يا أم نايف، ولولا أرعبه صوت طلقة البندقية لانقضّ علي وافترسني حياً.
- يا ويلي من أين جاءنا هذا البلاء.. أرايت!. ها هو المنام الذي سخرتَ مني ومنه يتحقق؛ حسبي الله ونعم الوكيل....
لم تبلغ الشمس كبد سماء اليوم التالي إلا وكان خبر الداغون قد ملأ بيوت القرية رعباً واكتئاباً.. عرفت حينئذ من أمي حكاية المخلوق القبيح ذي العين الواحدة ولسان الأفعى، الذي يحلّ مثل القضاء على قرية من القرى مرةً كل سبع سنوات؛ فيجلب معه الكوارث والأوبئة واللعنات؛ لا يطرده منها إلا الدعاء والاستغفار.. والدي أبو نايف سيء الحظ كان الشاهد الأول الذي رأى الداغون في مكان ما من أقصى الحرج الغربي من القرية.
لم ينتظر الذعر طويلاً في وادي الصفصاف حتى استيقظ على فاجعة النار التي التهمت ما تبقى من دار الحاج سمعان صاحب المخبز الوحيد في القرية؛ وقد نجا مع بناته بأعجوبة، بينما قضت زوجته نصف المحترقة في طريقها إلى المستوصف.
كنت أراقب عيني أمي وأتابع قلقها المتزايد على الجميع ما عدا نفسها.. في الحقيقة لا أحد يدري أين سيضرب الداغون ومن ستكون ضحيته القادمة ومتى. كانت تنام أقل من ساعتين متقطعتين في الليل وتقضي معظمه في تفقد الأقفال وجرّة الغاز وأغطية الفراش، ومراقبة كل صوت أو حركة مصدرها خارج البيت. حاولتْ حتى الدقيقة الأخيرة من حياتها أن تدفع الشرّ عنّا جميعاً وتتلقاه بصدرها. أمي التي لم يكن أحدٌ يعلم بأنها مريضة القلب، ماتت بعد أيام من الخوف الشديد والإجهاد المتواصل وقلة النوم والغذاء.
خلال أيام تحولت المدرسة والساحة والمقهى في وادي الصفصاف إلى منصّات يومية لاطلاق الدعاء والاستغفار وقيام الليل والابتهالات التي يتناوب عليها الجميع رجالاً ونساءً وأطفالاً..
ما كان ينقصنا حينها سوى نذالة أسعد المهرّب الذي أقنع الناس بتقديم بعض القرابين من اللحم والدجاج وغيرها علها تجدي في درء الشر؛ وتبرع بالمجازفة بنفسه لإيصالها إلى أقرب مكان من الحِرج الغربي حيث يقيم الداغون.. استجاب أهل القرية المتعلقون بالقشة للفكرة وصاروا يقدمون ما تيسّر من مؤن بيوتهم وقوتهم اليومي؛ إلى أن اكتشفوا أنه كان يستولي عليها ويبيعها في سوق المدينة. بعد أيام قليلة تم انتشال جثة مشوّهة من البئر المهجور... لا بد أن ذلك كان من عمل الداغون انتقاماً من سرقة أسعد للقرابين؛ فالداغون حسب شهادة أهل الذكر والعارفين بالأمور، يعلم بكل ما يجري وما يقال في القرية.
عمّ الارتباك كما هو منتظر وسيطرت الوساوس وصارت الشقاقات تدبّ بين الناس حتى على أبسط الأشياء وضاقت الصدور ولم يعد أحدٌ يطيق تقبّل الآخر..
ابن عمي وإحدى صبايا القرية الجميلات كانا من جملة ضحايا ذلك الكابوس وقد ذُبحا في وضح النهار على يد شقيقها الأكبر.
الوحيد الذي لم يتوقف عن الضحك والتهريج رغم الكارثة كان "عنتر" بهلول القرية.. يرقص ويدخن ويأكل بشراهة؛ الجميع ينفرون من رائحته الكريهة لكنهم يعطفون عليه ويقدمون له الطعام والسجائر فهم يعتبرونه من الدراويش الصالحين. مات عنتر ميتة مقززة بعد أن نقل عدوى وبائه إلى اثنين من شباب القرية كانا يقومان بالاعتناء به في أيامه الأخيرة.
استسلم الجميع لهذا الابتلاء المكتوب وأدركوا أنه لا حول لهم إلا بالتسليم والدعاء والاستغفار حتى تسديد كامل حصتهم المتوجبة من الغضب الإلهي وجلاء الداغون المشؤوم عن وادي الصفصاف.

حلّ الخريف بهدوئه ونسماته الباردة مكان الصيف وشمسه الحارقة، ولم يستسلم أهالي وادي الصفصاف للعنة الداغون بل استمروا بنفس وتيرة إيمانهم بالتضرّع والابتهالات في كل وقت ومكان.
في أحد صباحات الخريف الماطرة مرّ ناصيف موزّع البريد على دراجته النارية بمحاذاة بيتنا كالعادة في طريقه إلى دار المختار لتسليمه البريد قبل الجميع.
ما هي إلا دقائق وإذا بصوت الشيخ أبي الوفا يجلجل عبر المئذنة داعياً وجهاء وادي الصفصاف للاجتماع لأمر هام وعاجل.
هكذا.. وبهذه الغرابة انقلب الغمّ فرَجاً، وعمرت ساحة القرية وطرقاتها بعناق الرجال وإطلاق النيران وزغاريد النساء وفرح الأطفال؛ عقدت الدبكات وصدحت الميجانا والمواويل ووزعت المشروبات والسكاكر في احتفال تاريخي استمر حتى غروب الشمس.
قبل ساعات من هذا المشهد، وقبل أن يمر ساعي البريد بجانب بيتنا.. كان المهندس الموفد من المحافظة يسلم رئيس بلدية وادي الصفصاف تقريراً مرفقاً بالمخططات التنظيمية التي تصحح خطأ فنياً سابقاً.. التقرير يفيد بأن الحرج الغربي تابع رسمياً لتل الريحان وليس لوادي الصفصاف...












#بشار_عقيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار عقيل - الداغون - قصة قصيرة