أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - متعب أنزو - استعارة النص من المتخيل اللغوي ...سليم بركات ينشط مجددا في -ثادريميس-














المزيد.....

استعارة النص من المتخيل اللغوي ...سليم بركات ينشط مجددا في -ثادريميس-


متعب أنزو

الحوار المتمدن-العدد: 1428 - 2006 / 1 / 12 - 09:16
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في مكان أشبه بمكتبة بورخيس , أو مكتبة المتاهات الموصوفة في " اسم الوردة " لأمبرتو أيكو , يعثر " سليم بركات " على مفاتيح أسطورة يعلو دهاليزها الغبار , حتى لتبدو لنا نحن البشر – بدائية , موغلة في القدم , أسطورة يصف فيها الراوي الأحداث من الخارج , نترقب معه وهو الدليل المتبصر , كلمات مصاغة في محاورات تتحين فرص مواتية للدخول في سرد شاعري مرتب , يجد صداه في العمارة اللغوية " لثادريميس "
رواية تتعثر فيها الحياة بارتيابات الموت "المعروضة بتصفيف وارف على كامل ضفاف النص ، لأن أناس سليم بركات يجيدون صنع نهايات متقنة، بذات الدرجة التي يتعرف بها عليهم ودائما بعلامة ما .
وفيما يفتتح صاحب " كهوف هايدرا هودا هوس والفلكيون في ثلاثاء الموت " نصه بسرد شعري يتبدى فيه الموت جلياً مقلقاً وباعثا على التساؤل والمسائلة , يجيء السرد هنا كحد هاجسي ومعرفي لواقع يستحق تدوينه، إفصاحاً عن وجود, فقد شهية المعنى فيه. حيث الغرائبية هنا , هي فعل سردي فائض وفاضح ينمو باستمرار شاعريته، لتأكيد مفارقات الواقع .
ثمة عالمان متغايران في النص ، وفي التغاير يمارس العنف وظيفة قطعية ، حيث النتيجة إما تغليب طرف على آخر، أو ذهاب الطرفين من خلال ممارسة الحد الأقصى من العنف،إذ لا حيادية في توجيه مسار اللعبة، لأن بركات لم يكن خارج مشاهده المنصبة والمنتقاة بعناية ماهرة , وشفافية مفترسة .
هي ثنائية تضادية مألوفة في اللعبة الروائية لديه، في استمالة المعنى، لاصطناع المواجهة بين نقيضين، وصولاً إلى إرباك القارئ بالذات، بأن ثمة شيئاً يجب المساءلة حوله، وهنا تبرز المرأة عبر تمثالها البرونزي، وهي تحمل اللوح لتدوين ما جرى ويجري " شهادة المستجد في الأحداث " ليكون تهشم اللوح بعد وقوعه عن كتفها إفصاحاً عن نهاية وخيمة، ومعها مجموعة التماثيل الأخرى" وبخطى بطيئة عبرت التماثيل السهل المعشب، شمالاً، ثم توارت خلف صفوف الكروم الفاصلة بين معاقل الأرض ومعاقل السماء.
وفي الوحل...جرت نهاية من أرادا توقيف الزمن" مينادي هيكو،وديامين ثاروس" حيث كان تمثال المرأة البرونز سبباً لمواجهة احترابية بينهما، وللمصير الفجائعي للطرفين، والتمثال بالأصل يخص أهل هيكو، حيث كان مرغوباً فيه، لقدرته على نحت الكائنات، أي تخليد من يتم نحته. لكن ميزة التمثال، هي في كون المرأة البرونز ذات عينين كتيمتين خاليتين من الحدقات.
إنه الصراع على مستقبل أعمى، على مصير مميت، طالما أن الرغبة في الحياة بكل دفقها المنشود مفقودة. تحال المرأة – بفعل النص- إلى دالة حياة، مثلما تحال وقد تجسدت في تمثال ,عصية على بث الروح في من يفتقدها، وفي من يستجدي خلوداً ليس أهلاً له،
لا توجد مصادفات في احتكام سليم بركات للسلوك الروائي ,إذ يتبدى ذلك كامتياز لغوي يرتكز إلى ذكاء معرفي خبير , مضمونه : المأثور الأدبي والفني والحياتي للكاتب بالذات، مع الإشارة إلى انه لا ينأى في حبكته الفنية عن عالم التراجيديا اليونانية الإغريقية, عن السرد بوصفه زمناً مفعَّلاً في زمن غير متناه ، لكنه الزمن الذي يتلمس فيه القارئ ما يثيره ويستثيره، مثلما أن بركات غير بعيد عن العالم الذي يكتنزه في ذهنه عبر متخيل لغوي , يغوي بالمتابعة ، وقدرة في جعل الفعل السردي مأخوذاً بفتنة القول المروي فيه.
ما اعتقده هو أن ثادريميس تسعى إلى ممارسة هذا الفن السردي بفعالية مركبة, يؤكد بها سليم ذاته كانسان، دون أن يؤدي دوراً رسالتينا، لأن سردية المتخيل لا تعتمد المباشرة، ، مثلما يكاشف به عالم يحتويه ، وتتصارع فيه لغة الحياة والموت بصور مختلفة.
تسعة تماثيل أحدها ضخم لامرأة من البرونز، واثنان نحاسيان، وما تبقى من الحجر، في أرض هيكو، تجد قريناتها في نساجات أربع في أرض ثاروس لا يعمدن إلى تلوين الأصواف، قبل غزلها خيوطاً، لأنهن يؤثرن الصوفَ أبيضَ , حتى لا يخضع لمساءلة اللون وشهواته، وبذلك يكنّ عادلات في غزله.
هناك أيضا أهل ثاروس الأكثر اندفاعاً للبحث عمن ينحت صورهم، يبدون بعيدين عن فاعلية اللون،و فَهم لعبة الحياة....... الثمن الذي يطلبه اللون ليتجلى، وحدها التقلبات قادرة على إلغاء كل مشروع حياتي، طالما التماسك الداخلي منتفي " كل يوم يختار الفرد الواحد، الناضج في ثاروس، إلهاً مختلفاً ، قد يختار المرأة، أو الباب، أو الخاتم، أو الهواء، أو الرمل، أو الماء، أو الظل، أو الصوت، أو الشخص الأقرب إليه, بالمقابل، يظهر مينا ذي قاضي هيكو مندفعا للنيل من أهل ثاروس، ومن قاضيها يورابات، وهو الذي يريد تأكيد جسارته بقوله : " سنجعل أحياء ثاروس يخالون أنفسهم نباتاً" ولا يبرز في النهاية، وعلى مد النظر سوى البحر المنفتح على ماقبل تشكل كائنات النص ،
في اليوم الثالث من سبي التماثيل التسعة تحسم ثادريميس خيارها، فتقرر أن تنحت رسماً لخازن الفؤوس. وحين يجن جنون الولاة، الذين تباروا في الاقتراع على من سيكون الأول في سجلهاّ الحجري، تفاجئهم بقول , لم يكن في حساباتهم الرؤيوية أو المعرفية : " أنا أختار لنحتي من تتطابق صورته مع الصدى، الذي لا يبرح أعماقي المجوفة " , صدى .... كان إيذانا بسيادة مربكة للموت.
في هذه الرواية يتقفى سليم بركات اثر أكيد في استمرارية الإبداع , مقترحا وجها آخر من تراجيديا لها بعد فلسفي عميق يحتم التوقف عنده للإمساك بخاصية النص , حيث إيقاع الحوارات مسجل في زمنين زمن السرد في الماضي و وزمن الحوارات في الحاضر.
" ثادريميس " نص يحث القارئ على الدخول فيه باحتياطات مضافة , ومن أبواب لاترى بالعين المجردة , شكل من أشكال الكتابة الروائية يحتاج فيه القارئ أيضا إلى التفكير في إيجاد مخرج من حياكات السرد المسكوب في رقعة شطرنج ..... حيث الحركة القادمة هي حركة مفترضة ونهائية....... للهروب من الموت.

الكتاب : ثادريميس "رواية"
الكاتب : سليم بركات
الناشر: الدار العربية للدراسات, بيروت "2005"



#متعب_أنزو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التمسك بأسوار الشعر الغربي.....- بلامغفرة- تكرار مهذب لأبحاث ...
- رهاب بزوايا مختلفة
- - رهاب الموصوفات ......عازفة البيانو -رواية ألفريدة يلينيك
- رؤية محرفة......عن علاقة الحدس باللوحة
- فن الأفكار ..ثلاث مشاهد منصبة في دمشق
- حوار مع التشكيليي العراقي هاني مظهر
- حوار فني مع الشاعرة اللاتينية أستري دي لوس ريوس
- يوسف عبدلكي


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - متعب أنزو - استعارة النص من المتخيل اللغوي ...سليم بركات ينشط مجددا في -ثادريميس-