أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام عبد الرؤوف عمار - معين بسيسو فراشة تطير حتى آخر المدى















المزيد.....

معين بسيسو فراشة تطير حتى آخر المدى


هشام عبد الرؤوف عمار

الحوار المتمدن-العدد: 5412 - 2017 / 1 / 25 - 16:09
المحور: الادب والفن
    


الولوج لعوالم الكتابة يحتاج إلى مئات المقالات وعشرات الكتب وعين متفرسة ومسؤلية إضافية وذوق رفيع وراداراً أدبياً له قدرة خارقة على الإستشعار لرصد هذه الظاهرة المسماة معين بسيسو, حنجرة الأرض وشاعر المقاومة, كما أن الدخول فى تفاصيل هذه الشخصية يجعلك تحار وتصاب بالدهشة ويتطلب منك الإمساك بمفاتيح عدة للمرور من خلال أبوابها المتعددة , فهل هو الشاعر الثائر أم الثائر الشاعر أم الروائى المسرحى أم السياسى الحزبى أم هوصعلوك القبيلة الذى انحاز للفقراء فخرج شاهراً منجله ومتأبطاً ِشعره.
جمع معين بين العمل الثورى والفكر التقدمى و أدرك مبكراً أهمية الدور الذى يلعبه الشعر وبأنه ليس أدباً للصفوة بل هو ثقافة جماهيرية يمتلك عنصرأ كونياً يجعله يسمو على الإقليمية والقومية والمحلية والعرقية والطبقية, فاستقل قطار الإبداع وانطلق به بعيداً عن كل الخطوط المعدة له سلفاً , شراعه القلم وسفينته الورقة وصوته الريح , فكانت حروفه سوطاً من نار تلسع الجلادين وصرخة مدوية من أجل تحرير الإنسان من الإستلاب ولمسة حنان لملايين المعذبين وبعث لروح المقاومة وإيقاظ للنائمين من سباتهم الطويل وتعبيراً عن واقع الجماهير , وكانت كلماته مصارحة لها بقضية الحرب والكفاح على الصعيد العملى الحقيقى لا على صعيد الشعارات ومهرجانات الأقنعة والرياء والتخدير فتبعته الجماهيرورددت أشعاره وعممتها.
لم تقف محنة السجن الطويلة والمريرة والفترة التى قضاها حبيس الزنازين ثمناً لمبادئه وقناعاته ومواقفه الوطنية المشرفة حاجزاً فى طريق كتاباته وإجهاض موهبته, ولم تجعله ينزوِ فى الظلام والظلال بل كانت حافزاً للمزيد على إبداعه الشعرى ومخاضاً للخروج من اليأس إلى الأمل وإلى المستقبل الذى يحمل التجدد والإنبعاث والحياة فكتب قصائده بالدم وبالحبرالأحمر على جدران الزنازين وخيام اللاجئين وأربطة الشاش البيضاء, فوق الرمل و الثلج وفوق ماء البحر وبالجمر فوق أفق الحريق وعلى أكياس الرمل والمتاريس, مستخدماً الأبجدية معولاً للبحث عن الحقيقة ولهدم قلاع الظلم, فكانت سلاحاً فتاكاً فى وجه المستغلين ونصيراً للكادحين والمظلومين والضحايا والفقراء فى قدرة فنية فائقة فى إبداع الأسلوب والمضمون ولم يمنعه إلتزامه العقائدى عن الإمساك بالخيط الرفيع الذى يفصل بين رؤية الأديب الملتزم إنسانياً وبين رؤية المناضل والثائر فلم تكن كلماته بياناً ثورياً بل كانت أدباً ثورياً تعبوياً تناقلته الأفواه ورددته الحناجر واختزنته الذاكرة الجمعية.
سبعة وخمسون شتاءً تعاقبت على معين بسيسو إبن حى الشجاعية فى مدينة غزة ,والثائر الأممى فى الجسد الفلسطينى قضاها فى رحلة بحث مريرة عن معنى أوسع للحرية فى مشوار حياته الذى قضاه فى حالة نضال واعتقال, مطارداً فى المنافى ومتنقلا بين المطارات والعواصم فى حالة سفرٍ دائم , من شوارع غزة وهويشعل المظاهرات ويقودها بصدرٍ عارٍ فى مواجهة الرصاص الحى ضد مشروع توطين أبناء الشعب الفلسطينى إلى تجربة الإعتقال فى السجن الحربى الرهيب فى القاهرة " كنت قد اعتقلت في غزة إثر تظاهرات اشتعل بها القطاع ضد مشاريع إسكان وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء, كانت المرة الأولى التي أدخل فيها إلى الزنزانة وأجلد فيها بالكرباج, حبال الكرباج المجدولة من أسلاك التليفون أحسست أنها قد رسمت على ظهري إلى الأبد خارطة الوطن"
تنقل معين من منصات الخطابة والشعر إلى متاريس وخنادق المقاومة متمنطقاً مسدسه وشاهراً شعره بخصوصية الثائر وعنف المقاوم ورقة الشاعر من معركة وحصار مخيم تل الزعتر" أرسمى من دمى ومن أصفادى/ يا أيادى خريطة لبلادى" إلى مواجهته الفاعلة للحصار الصهيونى لبيروت " لن تدخلوا بيروت/ كل كيس رمل/ كل صخرة/ كل موجة فى بحرها تابوت" إلى أرصفة المطر والتشرد والغربة مروراً ببغداد ودمشق وموسكووالقاهرة وطرابلس, كان مُعين مَعيناً لا ينضب من المقاومة وجمرة متقدة من الإبداع الشعرى والأدبى وطائر رُخ أسطورى مسافرٌ باستمرار عبر العصور والأزمنة فى سماء الحرية وفوق أعناق الجلادين وأقبية الزنازين السوداء, يأخذه المنفى لمنفى آخر, المتراس بوصلته وفلسطين وجهته.

بلغت أعماله الأدبية أكثر من أربعين عملاً ما بين شعر ونثر ومسرح وإذاعة ومئات المقالات التى لا تزال حاضرة فى جسد الأدب الفلسطينى والعالمى وترجمت إلى العديد من اللغات العالمية كالروسية والألمانية والإنجليزية والفرنسية واليابانية والفارسية وتعد ملحمته الشعرية " القصيدة " والتى اشتهرت بين القراء ب "سفرٌ سفر" التى أتم كتابتها قبل رحيله بشهرين من أعظم ما كتب وإن لم تأخذ حقها فى الإنتشار والنقد, فقد كانت بمثابة إلياذة فلسطينية ونبوءة شعرية ووصية مقدسة وشهقة احتضار, نزفها الشاعر حروفاً ونحتها كلمات كانت قد اختمرت فى ذاته ونضجت خلال زمن طويل, كما ينضج الماس فى باطن الأرض ببطء واستمرار, فى ملحمة شعرية قاربت الألف بيت مليئة بالصور والرموز والتجسيد والتجريد وتوظيف للتراث والعناصر التاريخية, يتشابك فيها الماضى مع الحاضر والموروث مع الإبداع فى جمل قصيرة متوترة على طريقة مسرحية الشخص الواحد و أسلوب القصيدة الدائرية المغلقة التى تنتهى إلى حيث تبتدأ , فيها يبدأ الشاعر بالسفر وينتهى أيضاً بالسفر, قدره وقدر كل فلسطينى, سفر إرغامى من الميلاد إلى الموت وسفر دائم للحرية وللوطن " سفر الهداهد فى القصائد/ سفر الثعالب فى عناقيد الدمِ" سفر الموت والغربة والمرض وسفر الشمس والحقول والأرض التى لم يزرها بعد.
عاصر معين فى عاميه الأخيرين بحزن مرير حربين وحصارين وشاهد تخلى الأصدقاء و تناحر الرفاق وانحراف فوهة البندقية عن هدفها وانكسار الحلم, ولأن أحزان الشاعر لا يمحوها الزمن بل يختزنها القلب حين يصبح قلب الشاعر هو قلب العصر ووجدان الأمة فقد شاخ معين بسرعة وكبر فى عامين ألف عام وجرفه نهر الحزن الذى لا عودة منه وهو يستشرف زمن الإنهيار العربى القادم, كالعراف الذى يرى المأساة سلفاً لكنه لا يملك لها دفعاً فألقى على الملأ قصيدته الأخيرة فى الأسبوع الثقافى الفلسطينى فى لندن وتناول عشاءه الأخير (هذا العشاءُ هو الأَخيرُ على موائدِكُمْ/ وإنِّي الآنْ الآنَ أعرِف آكِلي لحْمَ الخُيولِ الميِّتهْ/ لَحْمَ المَراياَ الميِّتَهْ /لَحْمَ الرِّياحِ الميِّتَهْ) وخلد فى صمت إلى الموت فى غرفته الفندقية واضعاً على باب الغرفة شارة (عدم الإزعاج) ولم تكتشف وفاته إلا بعد مرور ثمانٍ وأربعين ساعة.
سافرمعين إبن الريح والتراب والصيف العربى الحار عن سابق تصميم وتصور سفره الأبدى فى ضباب لندن وليلها البارد على هديل الحمام الحزين "سلاماً أيها المتراس/ الآن كيفَ ترى لأرضكَ/ كلّما زدّتَ اقترَاباَ/ كلّما زدّتَ إغتراباَ/ الآن كيفَ تَرَى لِنَجْمِكَ/ كُلَّما زادَ ابْتِعَاداَ/ كلّما زدْتَ امتدادا"

معين أيها الحزين حتى الضحك, الشرس حتى العذوبة,يا من فرقته الجغرافيا فاحتضنته القصيدة فسكنت بيتاً من الشعر لا من الحجر وأكلت الكلمات بدلاً من الخبز, يا وجه طفل وعينان من عسل ومرمر وجذع سنديانة, سعيد من له مرقد قلب فى عالمك وسلام على روحك فى ذكرى سفرك الثالث والثلاثون.
استشهد الماء ولم يزل يقاتل الندى
استشهد الصوت ولم يزل يقاتل الصدى
وأنت بين الماء والندى
وأنت بين الصوت والصدى
فراشة تطير حتى آخر المدى






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديوهات وتسجيلات صوتية تكشف تفاصيل صادمة من العالم الخفي لم ...
- مونديال الأندية: هل يصنع بونو -مشاهد سينمائية- مجددا لانتزاع ...
- الشاعرة نداء يونس لـ-القدس-: أن تكون فلسطين ضيف شرف في حدث ث ...
- هكذا تفعل الحداثة.. بدو سيناء خارج الخيمة
- امتحان الرياضيات تباين الآراء في الفروع العلمي والأدبي والتج ...
- أصداء حرب غزة تخيم على مهرجان برلين السينمائي -برلينالة-
- من يحمي الكنوز الثقافية في الشرق الأوسط من الحروب؟
- فيلم -في عز الضهر-.. هل ينجح مينا مسعود في مصر بعد نجاحه في ...
- نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس في ثواني على بوابة التعلي ...
- صدر حديثا ؛ عندما يغضب المحيط - قصة للأطفال


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام عبد الرؤوف عمار - معين بسيسو فراشة تطير حتى آخر المدى