أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريم قيس كبة - أنتِ أنتِ.. لم تَبرَحي مكانكِ














المزيد.....

أنتِ أنتِ.. لم تَبرَحي مكانكِ


ريم قيس كبة

الحوار المتمدن-العدد: 5408 - 2017 / 1 / 21 - 23:10
المحور: الادب والفن
    


أنتِ أنتِ.. لم تبرحي مكانكِ..
.
.
لم يكن زمنا خاضعاً لحسابات الزمن.. فقد عرفتك منذ ان ولدتني امي قبل آلاف السنين هناك على ضفة نهر لن أدّعي شرف أن أكونه.. فإنْ أنا الا نبتة او نبع ريحان او نخلة ترعرعتْ على شاطئه وشربتْ عافيتها من دفق مياهه الخالدة..
على شط دجلة كان مسقط رأسي.. عمـّدتني كاهنة سومرية فشربتُ العشق والشعر.. وما أن كبرتُ قليلا حتى احترفتُ الجنون وقد جُبلتُ بالطمي والغرين والطين الحر الذي بلّل جسدي وانا اُطرطشُ على الضفة فرحاً بالحياة..

وعرفتك.. منذ اول طفولتي التقتْ عيناي عينيك وذابتْ أفئدتي وهي تشرب رحيق صوتك.. واذ كبرتُ وإحتضَنَ ساعداك جذعي بابوة كاهن.. رحتَ تعيد تعميدي بطقوس وجدك وتصوّفك وانت تحاول ان تلقنني علوم الاولين.. "نحن الاولون ياكاهني الحبيب".. قلت لك وانا اتضاحك.. فعاتبتني عيناك وتمتمتْ شفتاكَ بعبارة لن انسى وقعها: "إيّاكِ أن يغرّك بوهمه الغَرور.. ثمة من سبقتنا الى هذه الارض فبسطها ورفع جبالها وشقّ فيها ينابيع الحياة وجعل من الماء كل شيء حي.."

حدثت نفسي الا اشغل بالي بتفاصيل الكون مادمتَ معي.. فما يعنيني منه هو أرضي وأنت: "آدمي".. إذ أنا "حواؤك" منذ أن غادرنا جنة الله واخترنا جنتنا على ارض النخيل.. لكنهم لم يدعونا لنهنأ.. فكان ذهب التراب ونمير الماء وسعة العلوم وعمق العشق مطمعا للغزاة.. فاستباحوا جنتنا وأحرقوا الزرع ودمروا الأكواخ ولم تسلم من معاولهم حتى المعابد..

"هي الحرب فأعذريني".. قلتَ لي مودّعاً وانت تغادرني شاهراً سيفك.. وبين عينيك وعد بالعودة.. ولم تعد..

بقيت ارنو اليك مثل "غودو" ان تعود.. وبعد أن طال عمرُ الحرب وغيابُـك.. غادرتُ ارضي خوفا ويأساً إذ استوطنها الغرباء.. رحت اجوب الاصقاع مستميتة أقتفي أثرك.. مرَّ عام وعامان وعشرون ومئة.. مرَّ ألفُ عام وتبعته آلاف.. كنتُ في البدء اسمعهم وهم يروون أخبارك ولا اصدق.. حتى قالوا بأن روحك لاقت ربها دفاعا عن حرمة التراب.. حزنتُ وندبتُ واتشحتُ بالسواد أربعين عاما.. ورضيت بعدها بسواك زوجا وابا لأولادي الذين انجبوا وتناسلتْ ذرياتهم حتى انتشروا في بقاع الارض..

واليوم.. وفي هذا العصر الذي لا يشبه عصورنا.. اراك تتبدى أمامي فجأة.. عيناك تلتهمان لهفة ملامحي وارتجافي.. كنتَ أنتَ أنتَ رغم شيبك ولحيتك التي طالت.. ها أنك تعود إليّ وتباغتني قائلاً: "أنتِ أنتِ.. لم تبرحي مكانك.. مازلت معششة في القلب..!" فتصرخ بك روحي بعتبٍ دامٍ: "لماذا تركتني ومضيت؟.. لمَ لم تأخذني معك؟.. لقد جزموا بموتك لكن قلبي رفض التصديق.. فوشوشه ايماني بك أنك لو كنت حياً لعدت إلي سريعاً ولما تركتني لمصيري وحدي..!" ويرد بحسرة: "لم أشأ ان اعود اليك الا ظافراً منتصرا.. وقد خذلتني الحروب وغدرت بي الحياة وضاعت مني ومنكِ الارض.. لكنني عدتُ اليكِ اليوم لآخذك معي فنركب بحر النسيان.. نصعد هذا القارب معا ونحرك المجداف.. نبحر معا فنصل الى أبعد البحور حتى وإن شاءت الاقدار أن تغرقنا"..

وأسأل: "الامَ ستبقى انت قدري ياآدم؟".. ويجيبُ: "أنت قدري.. فسامحيني وطاوعي جنوني.. فقد نفنى معا أو قد نعود لأرضنا معا إذا شاءت لنا الارض.. فمازال في أعمار من ولدوا عليها ما يكفي لتولد على يديه كل الحضارات.."
.
.
ريم قيس كبة



#ريم_قيس_كبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -طشاري-.. من القماط الى التخرج
- في الذكرى الاولى لرحيله: رسالة الى امير الحلو.. الأب والانسل ...
- قصيدتان - شفاء


المزيد.....




- تكريم الأديبة سناء الشّعلان في عجلون، وافتتاحها لمعرض تشكيلي ...
- ميريل ستريب تعود بجزءٍ ثانٍ من فيلم -Devil Wears Prada-
- ستيفن سبيلبرغ الطفل الذي رفض أن ينكسر وصنع أحلام العالم بالس ...
- أشباح الرقابة في سوريا.. شهادات عن مقص أدمى الثقافة وهجّر ال ...
- “ثبت الآن بأعلى جودة” تردد قناة الفجر الجزائرية الناقلة لمسل ...
- الإعلان عن قائمة الـ18 -القائمة الطويلة- لجائزة كتارا للرواي ...
- حارس ذاكرة عمّان منذ عقود..من هو الثمانيني الذي فتح بيوته لل ...
- الرسم في اليوميات.. شوق إلى إنسان ما قبل الكتابة
- التحديات التي تواجه الهويات الثقافية والدينية في المنطقة
- الذاكرة السينما في رحاب السينما تظاهرة سينما في سيدي بلعباس


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريم قيس كبة - أنتِ أنتِ.. لم تَبرَحي مكانكِ