أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن رشيدي - رمزية الاحتفال بالسنة الجديدة














المزيد.....

رمزية الاحتفال بالسنة الجديدة


حسن رشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5408 - 2017 / 1 / 21 - 18:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن تاريخ الاحتفال ببداية العام الجديد لا يتوقف عند يومنا هذا ولا عند مطلع العصر الحديث، بقدر ما تمتد جذوره إلى الحضارات الرافدينية، والحضارات القديمة بوجه عام. ولهذه المظاهر الاحتفالية أبعاد تكوينية في الفكر الديني والأسطوري، باعتبارها تحمل رموز ودلالات الزمن الهيولي الراكد الذي يحيل إلى أرض الموت والهدوء والسكينة، وبداية الزمن الإلهي الدال على مباهج الحياة وزينتها.
وتتمثل رمزية هذه الاحتفالات: كون أن الإنسان هو المعني بالحفاظ على زهرة الحياة بعد أن وكّل له الأمر من طرف قوى عليا؛ ولما كانت حياتنا محكمة بدورات زمنية تحمل دلالات العود الأبدي، فإن المشاركة الرمزية للإنسان في "إفناء العالم وإعادة تجديده، يتوحد رمزيا في فعل الخلق الكلي الهائل، ويتجدد هو نفسه أيضا" . بل ويجدد الأواصر بين دنيا الإنسان التي من شأنها أن تحدث صلة مع عالم الآلهة، من خلال مجموعة من الطقوس "والأفعال المتعلقة بأسلوب التعامل مع ذلك العالم؛ إنه اقتحام على المقدس وفتح قنوات اتصال دائمة معه" . لتكون هذه البداية التكوينية، "مكررة شعائريا بمناسبة كل سنة جديدة، وهذا السيناريو الأسطوري الشعائري تأكد في الشرق الأدنى وعند الهندو- إيرانيين" . ومثاله: تلك المظاهر التي أرخها عيد "الأكيتو" (مطلع العام السومري والبابلي)، حيث تميز باحتفالات إعادة تمثيل وتجسيد أسطورة "الإينوما إيليش Enuma Elish"، في رمزية -ولو مؤقتة- "لإعادة إنشاء الزمن الميطيقي والبدئي، الزمن النقي، زمن لحظة الخلق. كل سنة جديدة فهي عودة بالزمان إلى بدايته، أي تكرار لولادة الكون" .
وتتجلى فكرة العود الأبدي مع نهاية كل عام واستقبال آخر جديد، باعتبار أن هذه العقيدة وإن كانت مقسمة إلى زمنين مختلفين: زمني أخروي مقدس، وزمن دنيوي مدنس، يمثلان آخر الأمر دورة الحياة الكبرى. وضمن هذه الدورة الكبرى نجد هناك أعياد أو دورات صغرى تعيد تكرار الزمن التاريخي، وتنقسم زمنيا إلى: "أعياد أسبوعية، أو شهرية، أو فصلية، أو سنوية" . ومع بداية كل دورة من هذه الدورات الزمنية فإنها تحمل في دلالاتها بدء الخليقة وتجديدها؛ وتزداد أهمية تلك الدورات الكونية كلما تباعد زمانها وتعددت المظاهر الدينية والطقسية التي ترمز لها اجتماعيا وحضاريا.
ومن بين المظاهر الطقوسية ذات البعد التكويني، نسترجع الصراع الأسطوري الذي كانت غلبته للإله مردوخ Marduk على حساب الإلهة تعامة Tiamat، "وقد كان هذا النصر رمزيا يتكرر كل سنة، لأن العالم كان يتجدد في كل عام، غير أن العمل المثالي للنصر الإلهي كان قد تكرر كذلك بمناسبة كل إنشاء، لأن كل إنشاء جديد كان يعيد خلق العالم" . وفي الفكر الديني اليهودي يتم الاحتفال برأس السنة باعتباره يرمز إلى بدء الخليقة، وإلى يوم الحساب السنوي الذي تمر فيه المخلوقات جميعها أمام الله، "كما يعد أيضا: أنه أول أيام التكفير التي يبلغ عددها عشرة، والتي تنتهي بأقدس يوم لدى اليهود على الإطلاق، وهو يوم الغفران" . وفي الفكر الديني المسيحي، نستحضر أبعاد الميلاد اليسوعي باعتباره الفادي الذي تمازج فيه اللاهوت بالناسوت، حتى يتم الخلاص الروحي والجسدي للمؤمنين الذين أعوزتهم الخطيئة، ليتم القول: "هَكَذَا أَحَبّ اللهُ الْعَالَمَ حَتّى وَهَبَ ابْنَهُ الْأَوْحَد، فَلَا يَهلِكَ كُلّ مَنْ يُؤمِنُ بِه، بَل تَكُونُ لَهُ الحَيَاة الْأَبَدِيّة" . لينجلي من وراء الولادة اليسوعية وقيامته، دورة الزمن المقدس الذي جدد دورة الحياة بعد أن دخلها الشر. وفي الفكر الديني الإسلامي نلمح إلى النصوص الدالة على مفهوم الزمن، والتي تحيل إلى معاني دورات الحياة وتجديدها: "أَيّهَا النَّاس إِنَّ الزّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ، فَهُوَ اليَوْمَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ..." . كما تمت الإشارة إلى الحلقة الشهرية الصغرى، فالأصغر منها، من خلال أدعية وأوراد يومية: (اللّهُمَّ أَهِلّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ. وكذلك، أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلهِ...)
وعودا على بدء، فإن العالم الجديد المنبثق من القوى الإلهية قد اقتضى بالضرورة حركة خلاقة في بداية الزمن الدنيوي؛ وهو ما نراه اليوم يتكرر مطلع كل عام جديد من خلال الاحتفالات الشعبية التي تجاوزت خصوصية الجغرافيا والتراث الجزئي، لتنفتح على الروافد العالمية وتستقي من تصوراتها الدينية وأبعادها الاجتماعية لتعيد تصوير هذه الرمزية التكوينية؛ وإن اتسع الفرق وتباعد الزمن وتلاشت الفكرة، مع بقاء الجوهر المتمثل في المظاهر الاحتفالية التي يستعيد الإنسان من ورائها تلك النشكونيات الدالة على خلق العالم في نسخ جديدة، كتكرار للخلق الأول.
وما أبعاد تلك الفرحة العارمة والبهرجة الباذخة والإسراف في شتى أصنافها، إلا دلالة على إلغاء الزمن الدنيوي والانغماس في الملذات من قبيل: "إطفاء النيران، وعودة أرواح الموتى، الاضطراب الاجتماعي من نوع الساتورنالات (أعياد فاحشة عند الرومان)، والإباحة الجنسية، والتهتكات... -التي- كانت ترمز لانكفاء الكون في العماء. وكان العالم في آخر يوم من السنة يذيب نفسه في المياه البدئية" . أي الزمن الأصلي "الذي سبق النشأة الكونية. وتكون الشرائع والمحرمات في حكم المعلقة خلال هذه الفترة" .
لكأن هذه المظاهر قد بدأت طقسيا بالرجوع إلى حالة اللاتشكل، وسلمت نفسها للأفعى الكونية التي تتحين اللحظة الفاصلة لتطْبق بفكيها على زهرة الحياة، وتعود بها إلى الزمن الهيولي. لولا أن انبرى الإله مردوخ لمحاربة تعامة، وشق جسمها لخلق الأكوان وأخرج من ظلمتها زخرف الحياة، إيذانا بخلق وجود جديد . ويشعر الإنسان بهذا الخلق المتكرر الذي يغدوا فيه أكثر طهرا وحيوية، كلما شارك في الطقوس الدالة على رمزيته، وربط أواصر الصلة مع عالم المقدسات.



#حسن_رشيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن رشيدي - رمزية الاحتفال بالسنة الجديدة