أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سميرة التي وراء سبعة جدران















المزيد.....

سميرة التي وراء سبعة جدران


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5399 - 2017 / 1 / 11 - 15:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بين 1987 و1991، وقت كانت سميرة معتقلة سياسية يسارية في سجون حافظ الأسد، كانت تفصلها عن أحبابها مسافة وبابان. مسافة من حمص حيث يقيم أبواها وأخوتها إلى دوما التي قضت سنوات اعتقالها في سجنها، وبابان: باب الجهاز الأمني الذي اعتقلها (من أجل طلب الزيارة)، وباب السجن المغلق دونها. اليوم، ومنذ ليل 9/12/2013 المشؤوم، تفصلني عن سميرة سبعة من الجدران، من الأبواب والمسافات والحدود، مثلما في الحكايات الشعبية التي تتكلم على سبعة بحور تفصل الحبيبين.
أول الجدران جدار السجن الجديد الذي يعزل سميرة عن الناس حولها وعن العالم، قد يفصلها أيضاً عن رفيقتها رزان زيتونة، ويفصلها ويفصل شركاءها رزان ووائل حمادة وناظم حمادي عن مجتمع دوما والغوطة الشرقية الذي لم تكمل أقدمهم فيه، رزان، سبعة أشهر ونصف قبل الخطف والتغييب. الأرجح أنه لا يطلع على ما وراء هذا الجدار الثاني غير قلة محدودة من تشكيل "جيش الإسلام" نفسه، المشتبه الأوحد اليوم باختطاف الأربعة، والذي توفر معرفتنا لأسماء نافذة فيه نافذة إلى الحقيقة.
الجدار الثاني هو جدار الإنكار من قبل الجناة المرجحين، رغم ما يتوفر من قرائن قوية بقدر كاف على ارتكابهم الجريمة. يحرمنا هذا الجدار من أن يكون هناك باب نطرقه ونسائل من وراءه عن المخطوفتين والمخطوفين، ويحد من قدرتنا على الضغط أو التوسط، خلافاً لما كان حال أهالينا وقت اعتقالنا من قبل النظام في جيل سابق.
الجدار الثالث هو الحصار. سميرة اختطفت من منطقة محاصرة على يد محاصرين مثلها. في كتابها، "يوميات الحصار في دوما 2013" (صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر قبل ثلاثة شهور ونيف)، تقارن بين الحصار والسجن الذي سبق أن خبرته في دوما نفسها قبل 22 عاماً من اختطافها، وتقول إن السجن "مزحة" إن قورن بالحصار، بسبب اقتران هذا بالجوع والمرض والعزلة، وشموله الصغار والكبار والنساء واالأطفال والمدنيين والمحاربين، ثم بسبب تعرض المحاصرين لقصف عشوائي وعيشهم في حضن الموت. سميرة محاصرة وراء جدار من المجهول من قبل من هم أنفسهم محاصرين. وهذا ما يضفي على غيابها مزيجاً من التراجيديا والكوميديا، هو ما يميز التشكيلات السلفية التي صعدت في سورية منذ عام 2013. مزيج مصنوع من الغفلة والجهل والغباء، ومن قسوة القلوب والتوحش.
الجدار الرابع هو الدولة الأسدية التي تحاصر دوما والغوطة الشرقية، والبلد، وكانت سميرة مطلوبة لها قبل أن تأتي تهريبا إلى الغوطة الشرقية في 18 ايار 2013. الدولة الأسدة هنا لا تحضر كحصار فقط، بل طخطر مباشر على سميرة ورزان ووائل وناظم. فخلافاً لأسرى من طرف الأسديين عند "جيش الإسلام"، سميرة، ومعها رزان ووائل وناظم، لا يخلصهم أن يتمكن الأسديون من إعادة احتلال ما بقي من الغوطة الشرقية خارج سيطرتهم، إن بصفقة وتهجير على نسق شرق حلب وداريا وحمص القديمة، أو حرباً، وهذا لأنهم مطلوبون أصلاً للأسديين. إنهم مناضلون جذريون ضد الدولة الأسدية قبل وقت طويل من أن يقرر أمثال المرحوم زهران علوش و"شرعيّـ"ـه سمير الكعكة و"ضابط أمن الغوطة الشرقية" حسين الشاذلي أنهم أيضاً أعداء لم. وهذا يجعل جريمة الخطف والتغييب مضاعفة بالنظر إلى أن لتلك الجريمة وشبيهات لها دور في إضعاف مجتمع دوما والغوطة الشرقية، ومجتمع الثورة ككل، أمام العدوان الأسدي. وما يتوارد إلينا بين حين وآخر من أن الأربعة في سجن الأسديين، سلمهم إليهم "جيش الإسلام"، سواءاً من باب التخلص من الأ ربعة وبناء جدار إضافي في وجه الحقيقة وحرية الأربعة، أو في إطار صفقة عقدها جيش الإسلام مع جيش الأسد وجنى منها شيئاً، احتمال الهورب إلى الأمام هذا يتضمن ما يتهدد الأربعة من خطر من طرف دولة الأسديين. وهو إن صح، يضاعف جريمة العلوشيين أضعافاً مضاعفة.
الجدار الخامس هو الحدود التي تقطع سورية اليوم. في زمن "سورية الأسد" كان البلد مقسمة إلى عالمين، عالم السجون المعلومة الأسماء، ثم عالم "السجن الكبير" الذي هو البلد ككل. بني "السلم الأسدي" طوال فوق أربعين عاماً على احتكار الحرب والسياسة معاً لحماية نظام السجنين هذا. ومنذ تحول الحرب الأهلية السورية (2011-2012) إلى صراع شيعي سني في ربيع 2013 حصلنا على سلطات متنوعة، لا يعرف أيٌ كان أين يبدأ "إقليم" الواحدة منها وأين ينتهي، على ما صورت رواية خالد خليفة: الموت عمل شاق. ورغم تقدم دولة الأسديين، بإشراف أسيادها الروس والإيرانيين، في إعادة بناء "السجن الكبير"، إلا أن العملية بعيدة عن الاكتمال، ليس فقط لأن هناك مناطق تسيطر عليها قوات مسلحة، منها ما هو سلفي جهادي، وسميرة ورزان ووائل وناظم مستهدفون طبيعيون من مثل هؤلاء، ولكن كذلك لأن معسكر النظام بعيد عن التوحد، وهم اليوم مظلة لعصابات متنوعة، مستقلة بدرجات متفاوتة، ومنها سلطة حزب الله اللبناني، المؤتمر بأمر الولي الفقيه الإيراني.
الجدار السادس هو حدود الدول. سميرة وراء جدران وراء جدران وراء جدران... في "الوطن" المحطم، وأقيم أنا وراء الحدود في بلد آخر، تركيا. والحدود هذه مغلقة من الجهة التركية منذ نحو عام. ترى لو حصل أن وصلت سميرة إلى هذا الحدود، هل من المضمون أن تدخل إلى تركيا؟ أفترض أن هذا ليس ممتنعاً، لكن قلما يتيقن المرء تمام التيقّن من شيء حين يتعلق الأمر بالدول.
على أن جدار الجدران كلها هو انقطاع المعلومات طوال ما يقترب من 1120 يوماً. سميرة غائبة وراء جدار من المجهول، يسميه الحقوقيون "التغييب القسري". أنا لا أستطيع أن أسميه. تسميته تعطي وهماً بإحضاره، بكسر الغياب والإمساك به. ليس هذا واقع الحال. الغياب هو ما يمسك بنا كل يوم، ما يضعنا في حالة من الذهول المستمر لا نستطيع تسميتها. لا نستطيع أن نسمي لأنفسنا ولغيرنا الهواجس التي تتملكنا حيال هذا الصمت الطويل. هناك جدار غير مرئي، لكنه كثيف وصلب تختفي وراءه سميرة.
في غيابهم وغيابنا عنهم لا نعرف شيئا عن الغائبين ولا يعرفون عنا. بماذا تفكر سميرة والأيام تمر، وشريكها لم يستطع مساعدتها. هل يمكن أن يخطر ببالها أني نسيتها؟ أني لم أفعل شيئاً أو كل ما استطيع من أجلها؟ وكيف هي اليوم؟ هل هي بخير؟ هل يؤمل من سجانيها أن يوفروا لها ولشركائها الطعام الكافي، والدواء حين يلزم؟ هل تعرف الوقت؟ هل تفكر بي كثيراً؟
ما يقتل في الغياب هو أننا لا نكون على يقين من شيء. لا ندري ما وراء هذ الجدار الكتيم الصلب، لا رسل تأتي من عالم الغياب هذا ولا وحي، لا طيور ولا غيوم. يحرس الغياب وكلاء متجهمون لإله مكفهر، لا قلب له.
في غياب سميرة، أعيرها صوتي.
وأقل ما آمله، يا سمّور، أنه مزعج كفاية لحراس الغياب.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صادق جلال العظم بين حزيرانين
- 2013، عام الخسيسين
- ثورة بين سلطتين، أسدية وسلفية
- ما بعد الاستعمار؟ ما بعد الاستبداد؟ أم ما بعد الديمقراطية؟
- فلسطنة السوريين وتحولات موقع القضية الفلسطينية في الوعي السو ...
- مقدمة الطبعة الثانية لكتاب -بالخلاص، يا شباب!
- حافظ الأسد والدولة الأسدية
- ... فلننتخب رئيسنا الأميركي!
- المركزيات الإسلامية والتاريخ
- السياسة والثورة، رد على ماهر مسعود
- سميرة وكتابها -يوميًات الحصار-، كتاب -الثقافة كسياسة- و-هامش ...
- امقدمة كتاب: الثقافة كسياسة، المثقفون ومسؤوليتهم الاجتماعية ...
- وجوه الجلاد وعالمه
- السياسة كصنع للمشكلات العامة
- السياسة والعدمية السياسية: عن -جبهة النصرة- وتحالف محاربي ال ...
- في شأن حق تقرير المصير للكرد السوريين
- ملعب الوحوش: عن أحوال السيادة والسياسة والاجتماع في الشرق ال ...
- ذكرى المذبحة اكيماوية: اليوم المجلل بالعار ورعاته وعالمه
- داعش، رغبة العالم المحرّمة
- في شأن الحل العادل لصراعنا: تصوّر سوري


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سميرة التي وراء سبعة جدران