أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - صَدِّقْ أو لا تُصَدِّقْ!















المزيد.....

صَدِّقْ أو لا تُصَدِّقْ!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 5397 - 2017 / 1 / 9 - 23:12
المحور: الطب , والعلوم
    


جواد البشيتي

نَعْرِف أشياء كثيرة مِمَّا لا يُصدِّقها عقل؛ وإنْ كان صانعها هو العقل، بقوَّة من قواه، هي "الخيال"؛ فالعقل، وبـ "الخيال"، صَنَع، أو اختلق، "عروس البحر"، مثلاً، وهي كائن (خرافي) نصفه الأعلى رأس إنسان، ونصفه الأسفل ذيل سمكة؛ وإنَّ أحداً في القرن الحادي والعشرين لا يُصدِّق أنَّ هذا الكائن قد وُجِدَ من قبل، أو يُوْجَد الآن، أو أنَّه يمكن أن يُوْجَد مستقبلاً؛ ولكنَّ الخيال، ومهما كان قوياً، وواسعاً، وخصباً، لا يُمْكنه أبداً أن يخلق شيئاً لا وجود لـ "عناصره" في الواقع، فلولا وجود "رأس إنسان" و"ذيل سمكة" في الواقع لَمَا استطاع الخيال إبداع "عروس البحر"، التي هي، على ما نرى، كائن خرافي لجهة "تركيبه"، وليس لجهة "مكوِّناته"؛ وعليه قِسْ.
"الغرابة" كانت دائماً توأماً لـ "الخيال"، فالشعور بـ "الاستغراب" يعترينا إذا ما كان "المُسْتَغْرَب" شيئاً من نَسْج "الخيال"؛ ولقد اختلف الأمر الآن، فثمَّة "حقائق" يكتشفها العِلْم، ويأتينا بها، أغرْب من "الخيال"، ويشقُّ على العقل، من ثم، تصديقها.
جاء في الخبر العلمي أنَّ فلكيين من جامعة "مينيسوتا" تمكَّنوا من اكتشاف وجود "ثقب أسود" Black Hole في "أطراف" الكون، أو عند "حدِّه الأقصى"، ويكاد "قطره" يَعْدِل بليون (1000 مليون) سنة ضوئية؛ أمَّا "المنطقة الكونية" التي يقع فيها هذا "الثقب الأسود"، وهو الأكبر حتى الآن بين أمثاله التي اكتشفها الفلكيون، فتخلو تماماً من النجوم والمجرَّات والعناقيد المجرية، ومن سائر أنواع "المادة المرئية". ويُتوقَّع، من ثم، أن تكون هذه المنطقة الكونية الفضائية مُفْعَمة بـ "المادة المُظْلِمة (أو الداكنة)" Dark Matter.
أستاذ الفلك في الجامعة نفسها البروفيسور لورنس رودنيك قال إنَّ وجود مثل هذا "الثقب"، الذي اكْتُشِف بفضل قمر اصطناعي أطلقته "ناسا" سنة 2001، كان متوقَّعاً من قبل؛ ولكن ما لم يكن متوقَّعاً أن يكون في هذا الحجم الهائل جداً.
"الغرابة" الكامنة في هذا الاكتشاف العظيم تتَّسِع وتزداد إذا ما أضَفْنا إليه توقُّع فلكيين أن يكون هذا "الثقب" في منزلة "مَمَرٍّ سرِّي" إلى "كونٍ آخر غير مرئي"، ربَّما يشبه "كوننا المرئي"، فثمَّة نظريات كوزمولوجية تسمح بتوقُّع وجود "أكوان" غير كوننا، لا يُعْرَف عددها؛ ووجود "مَمَرَّات سرِّية"، يُنْتَقَل عَبْرها من كون إلى آخر؛ ولكن، أين وجه الغرابة في هذا الاكتشاف؟
وجه الغرابة إنَّما يكمن في "حجم" هذا "الثقب الأسود" المُكْتَشَف، أو في "قطره"، أو في "نصف قطره". إذا صحَّ أنَّ "قطره" يكاد يَعْدِل 1000 مليون سنة ضوئية فإنَّ "نصف قطره" يكاد، يَعْدِل، من ثم، 500 مليون سنة ضوئية، فَلْتَتَصَوَّر هذا الجسم الكوني، أي هذا "الثقب"، على هيئة "كرة" نصف قطرها يشبه خطَّاً (أو مساراً فضائياً) مستقيماً، يقطعه الضوء، الذي يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، في زمن مقداره 500 مليون سنة!
إنَّ الشمس، مثلاً، تبعد عن الأرض 150 مليون كيلومتر؛ وهذه المسافة الفضائية يقطعها الضوء المنطلق من الشمس (نحو الأرض) في زمن مقداره 8 دقائق؛ فهل لكَ الآن أن تتخيَّل طول نصف قطر هذا "الثقب الأسود"؟!
إذا شقَّ عليكَ، وتعذَّر، أن تتخيَّل طول نصف القطر هذا، فهل تتوقَّع أن يَسْهُل عليكَ تخيُّل " كتلة" هذا "الثقب الأسود"؟
كتلة كوكب الأرض تَعْدِل 1 في المئة من كتلة نجمنا، أي الشمس؛ فإذا أمكن أن تتحوَّل الشمس، بكتلتها العظيمة، إلى "ثقب أسود" فإنَّ "نصف قطر" هذا "الثقب" لن يزيد طولاً عن 3 كيلومتر!
والآن، حاوِل أنْ تتخيَّل، إذا ما استطعت إلى ذلك سبيلا، " كتلة" هذا "الثقب الأسود" المُكْتَشَف.
إنَّ كتلة الشمس المتحوِّلة إلى "ثقب أسود" يناسبها "نصف قطر" طوله لا يزيد عن 3 كيلومتر، فلو كان طوله 300 ألف كيلومتر لاجتازه الضوء (إذا ما أمكن أن يجتازه) في ثانية واحدة فحسب؛ أمَّا كتلة ذلك "الثقب الأسود" المُكْتَشَف فيناسبها "نصف قطر" طوله يقطعه الضوء (إذا ما أمكن أن يقطعه) في زمن مقداره 500 مليون سنة، فاحْسِبْ كم ثانية في هذا المقدار الزمني الهائل، لِتَعْرِف كم يبلغ طول "نصف قطر" هذا "الثقب"، وكم من "الكتلة" تتركَّز فيه!
نظرياً ليس إلاَّ، يمكن أن يتحوَّل أي شيء له "كتلة"، ومهما كانت "كتلته" متناهية في الصِغَر، إلى "ثقب أسود". حتى "الذرَّة" يُمْكِنها، نظرياً، أن تتحوَّل إلى "ثقب أسود"، لكَ أن تتخيَّل ضآلة طول "نصف قطره".
و"الثقب الأسود" هو جسم ينشأ من "انهيار المادة على ذاتها" عندما تتهيَّأ لجاذبيتها الداخلية أسباب السيطرة، أو الهيمنة، "المُطْلَقَة"، فالشمس، بكتلتها العظيمة، يُمْكِنها، نظرياً، أن تنهار على ذاتها، عندما ينفد وقودها الهيدروجيني، وتَعْظُم، من ثم، جاذبيتها الداخلية، وأن تتحوَّل، من ثم، إلى "ثقب أسود"، لا يزيد نصف قطره عن 3 كيلومتر. وفي هذا الجسم الكروي الذي لا يزيد نصف قطره عن 3 كيلومتر تتركَّز كتلة الشمس التي نَعْرِف.
إذا ما تحوَّلت الشمس إلى "ثقب أسود"، وإذا ما وَقَفْتَ أنتَ على بُعْد متر واحد فقط من "محيط" هذا الجسم الكروي الذي لا يزيد نصف قطره عن 3 كيلومتر، فإنَّكَ تظل في الحفظ والصون؛ أمَّا إذا تجاوزتَ هذا "المحيط" نحو "المركز"، ولو بمتر واحد فقط، فإنَّكَ لن تتمكَّن أبداً من العودة إلى حيث كنتَ، فحتى الضوء، الذي هو أسرع شيء في الكون، لا يستطيع الإفلات من قبضة جاذبية هذا "الثقب" إلى الفضاء الخارجي. وهذا العجز المُطْلَق للضوء عن الهروب من قلب "الثقب الأسود" إلى الفضاء الخارجي هو ما يوضِّح سبب وصف هذا "الثقب" بأنَّه "أسود".
وبفضل "النسبية العامة" لآينشتاين يمكننا أن نتخيَّل أيضاً الآتي: إذا استطعتَ مغادرة "ثقب أسود" بعدما مكثتَ فيه دقيقة واحدة، بحسب ساعتكَ، وإذا ما عُدتَّ إلى كوكب الأرض بعد ساعة واحدة من مغادرتكَ ذلك "الثقب"، وسألتَ، من ثمَّ، عن أحد أصدقائكَ، فسوف يبلغون إليكَ أنَّ صديقكَ هذا قد مات منذ 100 مليون سنة مثلاً، فالزمن في داخل "الثقب الأسود" يكاد أن يتوقَّف تماماً؛ ولكن من غير أن تشعر أنتَ بذلك!
إنَّ المستحيل بعينه، على ما يزعم القائلون بنظرية "الثقب الأسود"، هو أن يتمكَّن أي شيء، ولو كان الضوء نفسه، من مغادرة هذا الجسم الكوني إلى الفضاء الخارجي، فإذا كنتَ أنتَ هذا الشيء فربَّما تتمكَّن من المغادرة؛ ولكن ليس إلى كوننا، وإنَّما إلى كون آخر، لا يمكننا أبداً نحن أبناء هذا الكون أن نراه، فـ "الثقب الأسود" يمكن أن يكون "مَمَرَّاً سرِّياً" إلى كون آخر، فكوننا قد يكون واحداً من أكوان لا نَعْرِف عددها.
بقي أن نوضِّح في هذه المقالة المختصَرة جداً، والمبسَّطة جداً، أنَّ "حافة الكون" التي اكْتُشِف وجود ذلك "الثقب الأسود" عندها لا تعني إلاَّ أنَّ ذلك الموقع (أي الحافة) يبعد عن الأرض نحو 14 بليون سنة ضوئية؛ ولو أنَّكَ كنتَ هناك، وتمكَّنتَ من رؤية كوكب الأرض، لَقُلْت إنَّ هذا الكوكب يقع عند "حافة الكون"، فالكون ليس له "حافة"؛ لأنَّه "الداخل" الذي ليس له "خارج".
ونحن عندما نرى (الآن) جسماً كونياً يبعد عنَّا 14 بليون سنة ضوئية فهذا إنَّما يعني أنَّنا نراه في ماضيه، وليس في حاضره، فرؤيته في حاضره إنَّما هي المستحيل بعينه. إنَّنا نراه في الهيئة التي كان عليها، وفي الموقع الذي كان فيه، قبل 14 بليون سنة؛ فأين هو الآن؟
وما هي الهيئة التي هو عليها الآن؟
وماذا حلَّ به؟
هل ما زال موجوداً أم زال من الوجود؟
إنَّها بعضٌ من الأسئلة التي لا يمكننا أبداً إجابتها!
لقد كان اكتشافاً فلكياً عظيماً، وفي منتهى الأهمية الكوزمولوجية والفلسفية؛ ولقد اكتشفنا في هذا الاكتشاف حقيقة أنَّ بعض الحقائق أغرب من الخيال، فإذا لم "تَسْتَغْرِب" فلا بدَّ لك من أن تَسْتَغْرِب إذا ما عَلِمْت أنَّ كتلة هذا الكون، بنجومه ومجرَّاته وعناقيده المجرية..، كانت قبل نحو 14 بليون سنة مُركَّزة في حيِّزٍ أصغر من الذرَّة بملايين المرَّات!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيزياء أفسدتها الميتافيزياء!
- -التزامن- في -النسبية-
- إبيكوروس الذي منه تعلَّمْت معنى -الحياة-!
- السفر الكوني على متن -النسبية العامة- هو الأسرع!
- نظرية داروين من وجهة نظر فلسفية!
- هل من وجود ل -الحركة الطبيعية- في الكون؟
- ضِدَّ -التأويل العلمي-.. هذا هو -التفسير الحقيقي- لآيات قرآن ...
- الكون عديم الداخل.. عديم الخارج!
- بُعْد المكان الرابع Hyperspace
- هذا -اللغز- في قلب مجرَّتنا!
- هل -الوعي- هو الذي اخترع -اللغة-؟
- -العمال-.. فكراً وطبقةً في -عيد العمال-
- -الزمن-.. وكيف يعمل
- أين تكمن أهمية العثور على -موجات الجاذبية-؟
- الصلة الجدلية بين -المادة- و-الفضاء- في -الثقب الأسود-
- المادة إذا انهارت على نفسها..
- روسيا تبدأ الضرب في سورية
- قوَّة وحيوية الفكر الاقتصادي لماركس!
- نسبية الحقيقة لا تتعارَض مع موضوعيتها!
- السَّفَر بين الأكوان


المزيد.....




- ضربته كرة بيسبول فتوقّف قلبه.. كيف أنقذ أحد المدربين حياة صب ...
- عدة مخابز تستأنف عملها في مدينة غزة بمساعدة برنامج الغذاء ال ...
- ما هي فوائد الزعفران وأبرز خصائصه العلاجية؟
- نزل تردد قناة الرشيد الفضائية الجديد 2024 على الأقمار الصناع ...
- اكتشاف ظاهرة تشبه هالة ضوئية على كوكب خارج نظامنا الشمسي لأو ...
- اكتشاف مستعمرة من البكتيريا المتحورة شديدة العدوى على متن مح ...
- خطوات تحميل لعبة دريم ليج Dream League Soccer 2024 للهواتف ا ...
- أبرز الميزات في نظام -أندرويد- الجديد
- الموناليزا تغني الراب! .. -مايكروسوفت- تطور نموذج ذكاء اصطنا ...
- بيان مصري عن اكتشاف مقابر جماعية جديدة بأحد المجمعات الطبية ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - صَدِّقْ أو لا تُصَدِّقْ!