ندى الدمشاوي
الحوار المتمدن-العدد: 5394 - 2017 / 1 / 6 - 20:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ قرابة السنتين او ما يزيد بقليل ، اطل علينا سيادة اللواء (عبدالعاطي ) الذي اعلن عن اختراعه لجهاز يعالج فيروس إلتهاب الكبد الوبائي و الإيدز و الصدفية و غيرها من الأمراض العضال التي استعصت على اطباء و علماء العصر الحديث ، و استقبل البعض هذا الخبر بسخرية كبيرة و البعض الاخر استقبله بترحاب و امل - كان اغلب هؤلاء من اهالي المرضى او المرضى انفسهم الذين يأسوا من المسكنات و العلاجات الغير مجديه و التي تؤجل فقط لحظة الإنهيار - و هناك من استقبل الخبر غير مصدق و غير مكذب بل اراد ان ينتظر ما ستكشفه الايام ، و كانت الصاعقة حين تم الإعلان عن تفاصيل الجهاز في مؤتمر صحفي ! نعم في مؤتمر صحفي و ليس في دورية علمية او مؤتمر طبي ! ، و في واقع الامر ليس لدي رغبة في إعادة ما تم بثه من معلومات حول هذا الاختراع العبقري لئلا نعيد ذلك العبث و نستهين بوقت القاريء ، و لكن الامر باختصار تلخص فيما يعرف تاريخيا و حتى الآن بـ " الإعجاز العلمي " ، و غير مطلوب منك كقاريء او كمستمع او كشاهد عيان إلا ان تشعر بهيبة عظيمة من وقع ذلك المصطلح دون ان تنبث بكلمة واحدة او تتجرأ و تتطاول و تسأل عن جدواه او قيمته ! هذا الوهم الذي اصاب مسلمي القرون الأولى و المتأخره و المعاصرة على حد سواء و الذي انتج تلك العقلية الفريدة المتفردة التي افرزت لنا سيادة اللواء ( عبد العاطي ) ، كانت دهشتي حين رأيتهم يسخرون و يقهقهون على ذلك الجهاز الذي اطلقوا عليه " الكفتة " و كانوا حقا يثيرون شفقتي لأنهم ركزّوا الضوء على النتيجة دون المسبب الحقيقي ، فنحن اعتدنا وفقا للتراث المليء بالمغالطات ان نخلط بين العلم و الدين فنرى رجال دين يتحدثون عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و نرى رجال علم يضحدون الدين بالنظريات العلمية ! فما دخل هذا بذاك ؟! لماذا يصّرون على خلط الزيت بالماء ؟! لا اعرف سببا منطقيا سوى انه شعور بالتهديد من كل طرف تجاه الاخر ، فرجال الدين يشعرون بالضعة و الإنتكاسة الحضارية و العلمية القائمة في بلادهم و رجال العلم يشعرون ان الدين قيد على إنطلاقة عقولهم ، و في واقع الامر انهم يزيدون الفجوة بين مجتماعاتنا و العلم من جانب و بين العلمانيين و الدين كفكرة إيمانية روحانية من الجانب الاخر ، و الحق ان من ينادي بعدم خلط الاوراق ببعضها انما هو يحفظ الدين المبني على مبدأ الإيمان و اليقين من شكوك العلم القائم على مبدأ التنقيب و البحث المستمر و الدائم لضحد نظرية او اثبات اخرى ، فنشاهد رجال الدين يتربصون بالنظريات العلمية ليس لتدريسها او محاولة اقتفاء الاثر و لكن ليثبت انها كانت على طرف لسانه و لكن العلم خطفها ! و لكي يشعر بعدها و من وراءه التابعين بأنهم لم يقصروا في حق انفسهم و مجتمعاتهم و اوطانهم في شيء ، فهم و الحمد لله لديهم اساس تلك النظرية فهي بالنسبة لنا بديهية و يضع النظرية بعالِمها بحالها في إطار " إلعب غيرها " ! و لكن ماذا سيفعلون الاجلاء هؤلاء بعدما يطبعون الكتب و يبثون البرامج المسموعة و المرئية في شرح كيفية تطابق هذه النظرية مع صحيح الدين و يجتهدون في تفسيرات من هنا و هناك حين يخرج نفس العاِلم او عالِم اخر بعد بضع سنون و يكتشف الخطأ او العوار في تلك النظرية ؟! دعك من هذا ، هل تستطيع ان تشرح لنا وضع المصدقون من الاطفال و الكبار للتفسير الاول و سماعه للتنظير و شعوره بلذة التطابق حينما يطالع تلك النظرية الأحدث ؟! هل انتم على وعي بما تفعلون ؟!
هذا الشعور بالضياع يجعلنا في محاولة دائمة للرجوع لكتب التاريخ و التراث و المقدس لإثبات اننا كنا عظام - و نحن كنا كذلك حقا - لكن ما لا يعقل انهم يحاولون اثبات اننا لا زلنا على نفس القدر من العظمة و اننا نعيش على اساس متين يكفينا بضع الاف من السنين القادمة دون ان نحرك ساكنا تجاه العلم او الحضارة ! و في الواقع ان الكتب المقدسة لم تنزل ككتب علمية و لم ترد ان ننسج من وحيها نظريات في الفيزياء و الطبيعة ، هي فقط ارادت لنا الهداية و الحياة الهادئة ، و هو ليس سباق علمي و إلا سيفوز تراث المصريين القدماء - على سبيل المثال - في العلم بلا منازع من عصره فهم من رسموا على جدران معابدهم تصوير للحيوان المنوي و مراحل انقسام البويضة التي تحدث داخل الرحِم كما ذكر د.وسيم السيسي في كتابه " مصر التي لا تعرفونها " ، فحينما نزلت آية في القرآن عن تكوين الجنين في رحِم الأم فهي صورة من ضمن و ليست مقصودة في ذاتها للتدليل على انها معلومة غير مسبوقة ، و لكن يجب التعقل قبل إلقاء التفسيرات هكذا جزافا .
احلم لوطني ببحث علمي حقيقي و ليس مزيف ، و احلم لنا جميعا بالوعي و الاستنارة و تولية الوجوه حول رواد التنوير و الفكر و نظرة متعقلة للدين تبعد به عن الخرافات و ليس رجال لا يريدون سوى ان يتكسبون اموال و مراكز اجتماعية حتى لو على حساب ضياعنا بين الأمم .
#ندى_الدمشاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟