أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد عبدالله - مبدأ بوش: الحياة يستحقها الأقوياء فقط















المزيد.....

مبدأ بوش: الحياة يستحقها الأقوياء فقط


خالد عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 395 - 2003 / 2 / 12 - 05:36
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 


كاتب عربي يقيم في وارسو

لم يكن خطاب بوش سوى إعلان عن أن الحياة لا يستحقها إلا الأقوياء. فقد تخللت الداروينية السياسية الأمريكية بشكلها الصارخ في منطلقات سياسته، وفي طريقة صياغته لمبرراتها، وفي تكراره  للأكاذيب الصراح. ويمكن أن يحس المرء بالمرارة والغضب الداخلي الذي يعتمل في صدره من كونه عاجز عن التصريح بمكنون نفسه لأن عليه أن يربط لسانه بقاموس المفردات المتضادة، يقول الشيء ويقصد غيره. فقد عملت النخبة الأمريكية على ترويج سياساتها الداخلية والخارجية بتغليفها بشعارات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والأخلاق والتنمية. ولم تجد النخبة الناعمة الحاذقة مشكلة في تجاوز قيودها فأبدعت في تطوير اللغة المزدوجة المعاني. وهذا لا ينسجم مع روح بوش وعقله، فهو نتاج أيدولوجية ترى أنها على حق لأنها أقوى، وثمرة بيئة يطلق الناس فيها النار أولا ثم يوجهون الأسئلة ثانية. وقد بدا غضبه من ضرورة أن يكتم ما في نفسه أنه لم يهتم بتزويق الكذب، أو بإحكام مزاعمه بشكل لا يهين عقل السامعين.

ولم تكن تلك اللغة المزدوجة الدلالات قاصرة على جوهر خطابه الحقيقي، ترويج سلعة الحرب ضد العراق، بل شملت حديثة عن رفاه المجتمع الاقتصادي. فقد أخبر الأمريكان أن الاقتصاد سينتعش حينما يمكن الناس من الاحتفاظ بدخولهم بدل أن تأكلها الضرائب، لأن الناس ستنفق ما يتبقى لديها على نحو أفضل. ولذلك فهو يريد المضي قدما في برامجه بإعادة قسم من الضرائب إلى الشعب الأمريكي. ولكن طريقته في إعادة الضرائب تؤدي إلى عكس ما يزعم، وهي تعبير عن داروينيته الاجتماعية. فمعظم الضرائب المعادة، أي ثمانين بالمائة ونيف تذهب إلى أكثر الناس ثروة وقليل من الباقي يذهب إلى الفئات الأكثر فقرا. فالأغنياء لن يزيد إنفاقهم لأن ما يعود إليهم جزء زهيد من حجم المتراكم من الثروة لديهم، والفقراء لا يرجع إليهم إلا الفتات فلا يستطيعون إنفاق ما لا يملكون. لكن محصلة هذه السياسة إفقار أكثر للمعدمين. فالضرائب المعادة كان من المفروض أن تذهب إلى برامج التعليم والضمان الصحي للفقراء. فانتهى الفقراء إلى حال لم يطالوا من إرجاع الضرائب ما يغني من جوع وزاد حرمانهم الصحي والتعليمي، بينما ذهب مال البرامج التعليمية والصحية إلى خزائن الأغنياء. لكن بوش أهدى الفقراء إفقارهم بلباس إغنائهم.

وإذا كان رئيس الولايات المتحدة يكذب على شعبه في ما يمس جوهر حياتهم فما هو صانع بالآخرين، وإذا كان رئيس الولايات المتحدة يبيع الفقر غنى لشعبه فماذا سيبيع لشعوب العالم الأخرى؟ ولم يخيب ظننا فيه فقد أعلن أن احتلال العراق تحرير له، وأن تدمير مؤسساته ومصانعه ومزارعه تنمية له، وأن نصب حاكم عسكري على بغداد ديمقراطية له. فهذه مزاعم تثير الضحك أكثر مما تثير الغضب لفجاجتها، ولعقمها في أن تكسب سامعا خارج الولايات المتحدة. وبوش أصلا لم يفكر في العالم الخارجي، بل كان يفكر في ترويج سلعته لمن صوته حاسم في ذهابه إلى الحرب أو التوقف عند حافتها.

ويبدو مبدأ الحياة للأقوياء واضحا في ثنايا خطابه. فهو يقول أن " مخاطر مختلفة تحتاج إلى استراتيجيات مختلفة". وهو تراجع واضح عن مبدئه السابق دول " محور الشر" الذي عنى أن هناك ثلاث بلدان في العالم يجمعها تجسيمها للشر في العالم، ومخاطرها على مصالح الولايات المتحدة. ويدل أيضا على أن نوع التعامل معها سيكون واحدا. وجاءه الرد سريعا من كوريا الشمالية التي تتسلح بعناصر قوة ثلاث، أنها تملك من الأسلحة التقليدية وغيرها ما يلحق أشد الأضرار بالمصالح الأمريكية، وربما بالأرض الأمريكية، وأنها تعيش في حض الصين، وأن البلدان المحيطة بها الصديقة لأمريكا قالت لا قوية لأمريكا. ولأنها امتلكت القوة لأن تلحق ضررا بالمصالح الأمريكية فقد دخلت تحت مظلة مبدأ بوش الحياة للأقوياء. فهو يتوجه إليها بالقول في خطابه " وستجد كوريا الشمالية الاحترام في العالم والانتعاش لشعبها حينما تتخلى عن طموحاتها النووية ". ولكن لم لا يحظى العراق بالاحترام عندما يتخلى عن قدراته النووية؟ لقد تخلى عنها بالفعل حسب تقارير الأمم المتحدة. وذهب العراق أبعد من ذلك وقبل أن تقوم فرق الأمم المتحدة بالتفتيش. وحينما قالت أمريكا أن لديها معلومات أن ما زال لديه أسلحة الدمار الشامل قال العراق ومعه العالم قدمها للأمم المتحدة. بل أن العراق في دعوته للمخابرات الأمريكية لأن تأتي لتفتش في الأماكن التي تعتقد أن فيها مثل هذه الأسلحة ولا تريد إعطاء معلومات عنها بحجة الخوف من كشف مصادرها هو إسقاط لهذه الحجة. ولكن الولايات المتحدة تعرف أن العراق لا يملك أسلحة الدمار الشامل بدليل أنها تريد المضي في حربها ضدها. أتذكرون حينما قتلت المقاومة اللبنانية جنود المارينز ماذا فعلت أمريكا، أعدت حاملات طائراتها وذهبت تغزو جزيرة مغمورة في الجوار!

ولقد كان الخطاب يفيض إفكا وغرورا، وهو شاهد آخر على ملله من تقديم الأسباب الموجبة للحرب أو لمزاعمه. فأحد أكاذيبه في الخطاب لم يمض على تفنيدها من الأمم المتحدة إلا أيام قليلة. فقد ذكر أن العراق حصل على الأنابيب ( المناسبة لإنتاج الأسلحة النووية) وهو أمر نقضه تقرير البرادعي أمام مجلس الأمن. فليس هناك اكتراث لا بالأمم المتحدة ولا بأعضائها الذين يملكون المعلومات، لكن بوش يقول أن القوي على حق، فلم يعير اهتماما لغير الأقوياء. وعاد بوش أيضا إلى مزاعم علاقة القاعدة بالنظام في العراق، وهي التهمة التي لم يصدقها أحد حتى داخل أجهزة استخباراته. وفي هذه المرة يتعسف في خلق العلاقة حتى تكاد أن تصبح قانونا بوشيا. فهو يقول أن النظام في العراق لأنه شرير والقاعدة شريرة فمن الأكيد أن يزود العراق القاعدة بأسلحة الدمار الشامل!

وقد بدت السخرية من العالم حينما قال  أنه ( يريد أن يدافع عن شعبه وآمال الإنسانية). وكأنه لم يسمع رأي الإنسانية في مظاهراتها ضد حربه، بل إن أحد أبواق الدعاية الأمريكية المذهبة بالموضوعية، مجلة التايم، أجرت على موقعها استفتاء لرأي الناس في من هو خطر على العالم فذهب أربعة أخماسهم إلى القول أنها أمريكا. كما أنه لم يهتم لاستطلاعات الرأي العام الأوروبي التي تقول أن أربعة أخماسهم ضد الحرب. فكل هؤلاء لا يعرفون آمالهم، ولكن بوش يعرفها ولذلك فهو مصمم على تحقيقها لهم بتدمير العراق. بل في عقر داره يغضب والده من تصريح لزعيم كنسي يقول فيه " نحن مكروهون في العالم، وأعتقد أن العالم له كل الحق في أن يكرهنا لأنه يرانا جشعين، أنانيين، وتقريبا تماما لسنا مهتمين بالفقر، والمرض، والمعاناة " ثم يذهب بعيدا في قوله " وأنا أود أن أذهب إلى أي مكان في العالم لا أرى فيه حاجة للاعتذار عن كوني من الولايات المتحدة". هذه كلمات لم يقلها أحد من خارج الولايات المتحدة أو يساري من داخلها بل جاءت على لسان رجل دين أمريكي معروف.

أما السخرية المريرة فهي من الشعب العراقي الذي يريد أن يحرره بإلقاء 400 صاروخ كروز في يوم واحد عليه. وهذا النوع من التحرير معهود ومألوف في الممارسات الأمريكية، فقد كانت القوات الأمريكية تحرر القرية الفيتنامية من الشيوعيين بحرقها بالنابالم. تماما كما حرروا الأفغانيين بالقذف من سمائهم السابعة لكل من يتحرك على أرضها، قافلة عرس أو مسيرة مأتم. وسيتحرر الشعب العراقي حينما تنتشر جثث عشرات الآلاف من أبنائه في الطرقات وداخل المباني، وحينما تضم المخيمات في بلاد الأشقاء الملايين الهاربين منهم، وحينما تصبح المؤسسات والمصانع والكهرباء ومصافي النفط والمياه قاعا صفصفا. حينذاك سيتوكأ الباقون على عكازاتهم مصطفين على الطرقات يرشون المحررين بالرياحين، و يقصفونهم بالزغاريد.
                                            

 



#خالد_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية الأمريكية
- مؤتمر استنبول لمنع الحرب!
- مؤتمر التضليل السياسي
- آفاق التحول الديمقراطي في البحرين- الاقتصاد السياسي للدولة ا ...


المزيد.....




- بوتين -خالف البروتوكول-.. فيديو يرصد تصرفا بمراسم تنصيب رئيس ...
- طلبة جامعة أمستردام يطردون سيارة شرطة بعد أن قمعت مخيما تضام ...
- لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟ ...
- نتائج مرعبة.. فيديو من ناسا يكشف ما سيحدث عند السقوط في ثقب ...
- -كل ما يفعله هو الأكل-.. أم تلقي بطفلها الأبكم في قناة مليئة ...
- نقطة النهاية
- إخفاقات القوات المسلحة الأوكرانية تخيّب آمال دائني أوكرانيا ...
- مصر.. مجموعة مجهولة تتبنى قتل رجل الأعمال الكندي في الإسكندر ...
- صحيفة: -الفطيرة الروسية- ألغيت من مأدبة ماكرون وشي
- الولايات المتحدة أنجزت بناء الميناء العائم قبالة غزة


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد عبدالله - مبدأ بوش: الحياة يستحقها الأقوياء فقط