أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شودان - الدين والفلسفة














المزيد.....

الدين والفلسفة


محمد شودان

الحوار المتمدن-العدد: 5385 - 2016 / 12 / 28 - 22:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفكر الفلسفي والفكر الديني
تأتي هذه المقالة في سياق النقاش الذي فتحته جمعية مدرسي الفلسفة على إثر صدور الكتاب الجديد للتربية الإسلامية في حلته الجديدة، وكما يظهر بلاغ الأساتذة فإن المعني بالأمر هو على وجه التحديد كتاب منار التربية الإسلامية ـ كما جاء في بيانهم ـ الخاص بمستويي الجذع المشترك والأولى ثانوي تاهيلي، وخاصة مجزوءة "الإيمان والفلسفة"، ولكن الحقيقة المخفية/الواضحة هي أن الصراع والتعارض هي السمة الرسمية التي ربطت وتربط الدين بالفلسفة، وإن تاريخهما لمليئ بالدم والإلغاء لا التعايش، وربما أمكنني القول إن وجود أحدهما وبروزه في الساحة يلزم ضمور الآخر أو دحره ونفيه.
من أجل الحياد في ملامسة هذا الموضوع(رغم استحالة الأمر في كل الأحوال)، خاصة وأنه شائك للغاية، ولنكون علميين أكثر لا بد من تبني مقاربة تاريخية كرونولوجية أولا، ومحاولة البحث عن أساسيات كل منهما:
لقد ارتبط الدين بالإنسان القديم، والدين يختلف عن العلم (الابن الشرعي للفلسفة) في تحديد بداياته، فهو حسب النص الديني واجب قديم وأزلي ألزم الله مخلوقه (الإنسان) به، لإخضاعه للقدرة الإلهية المطلقة من جهة، ولتأكيد العلاقة العمودية بين الخالق القوي والمخلوق الضعيف، هذه طبعا بالنسبة وجهة نظر الديانات السماوية التي ننتمي إلى واحدة منها، أما العلم والفكر المادي ففي بحثه عن بدايات الدين نجد أنه قد ربطها بخوف الإنسان البدائي، وخلص إلى أن الدين جاء كإجابة ساذجة ومقبولة لأسئلة العقل الطفولي للإنسان القديم، وأنه كان بسيطا بدائيا كالبيئة التي نشأ بها ثم خضع ككل الأشياء لقانون التطور، ليصل إلى مراحله المتطورة الظاهرة في الديانات السماوية الموحدة.
أما أساسيات كل منهما فيمكن استجلاؤها بملاحظة بسيطة، وباختصار نقول باطمئنان أن الدين يطالب الإنسان بالإيمان، والإيمان لا يتكئ على العقل بقدر ما يدعو إلى التسليم، الدين يفرض على الإنسان الإيمان بالغيب إيمانا مطلقا، وهنا يختلف عن الفلسفة التي تدعو إلى السؤال والنبش في كل شيء، خاصة في المعتاد، والدين يُؤْخَذُ على العادة ويرفض السؤال الفلسفي لأن هذا الأخير سؤال/فأس، وشجرة الدين تخشاه، وإن هذه لحقيقة لا مهرب منها. الدين يدفعك إلى التسليم بالتدبير المحكم سابق الوجود، وكلية الوجود، أما الفلسفة فترى أن الوجود عناصر وأجزاء يمكن فهمها وتحليلها.
ولنفهم أصل علاقة الصراع أكثر لا بد من معرفة المهد الذي نمت فيه الفلسفة، لقد جاءت الفلسفة كرد عقلي على الدين/الأسطورة اليوناني، وعلاقة الدين بالأسطورة علاقة وطيدة جدا، تدخل عندنا نحن المسلمون فيما يسمى بالمعجزة، والإيمان بها واجب، وهنا تتشابه الديانات جميعا، لا بد من الإيمان، الإيمان المطلق كما أكد على ذلك أبو بكر الصديق لما سئل عن مدى تصديقه لإسراء النبي ومعراجه، فما كان جوابه إلا أنه يؤمن بذلك إيمانا مطلقا وبديهيا لأنه قد صدق بنبوءته وبالتالي فهو مستعد لأن يؤمن بكل شيء جاء من عنده. ولا ننسى أن هذه القصة ترد وتتردد عند المسلمين لا للعبرة فقط بل للاقتداء بإيمان الصديق رضي الله عنه. نعم إنها قوة الإيمان والتسليم، وهو الأمر الذي ضربته الفلسفة بأهم مكوناتها، إنه السؤال الهدام البناء، والسؤال الفلسفي مرفوض في الدين، لأنه يقتحم المسَلَّم ويحفر كل شيءن والكل شيء تمتد إلى الله. وهنا يقف الباب موصودا:(لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) ولطالما قال أحد الأساقفة بعد أن طغى العلم على حياة الناس صارخا: "فليترك العلم مكانا لله" إن هذا الاستنجاد جاء في القرن العشرين، حيث الفلسفة والعلم أقوى من الدين، أما في العصور الوسطى فقد كان رجال الدين يحاربون الفلاسفة ويقتلون العلماء، والأمر لا يقتصر على أروبا وحدها، بل إن التاريخ الإسلامي ملطخ بدماء الفلاسفة والعلماء، (طبعا علماء المادة لا علماء الدين). لقد قتل ورمي بالزندقة جل العلماء: ابن المقفع، والرازي، وابن سينا ولسان الدين ابن الخطيب وأحرقت كتب ابن رشد، واللائحة طويلة...
إن هذا الصراع الممتد أورث في الذاكرة الجماعية ذلك التوجس والخوف من الفلسفة والسؤال والفكر الحر والغناء خارج السرب، وانخرط المسؤولون في تبخيس الفلسفة ما استطاعوا، خاصة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين لما أدرك المخزن المغربي (الجامد) خطر الفكر الفلسفي ولاسيما الثوري الذي تعرفه الطلبة المغاربة في الجامعات فأعلن على الفلسفة حربا لا هوادة فيها، ومن الأسلحة التي اعتمدها أيضا، تقليص حصص الفلسفة في الدراسة الرسمية وتوسيع مجال التربية الإسلامية، ثم مع إنشاء شعبة الدراسات الإسلامية في كلية الآداب. ولكن ما إن مر وقت طويل حتى وجد المخزن أن الغول الذي صنعه فتح فمه ليبتلعه، وأن الفكر الإسلامي يهدد النظام خاصة مع تنامي الفكر الإرهابي واستقواء الجماعات الأصولية والجهادية التي ضمت عناصر درست الشعب الدينية في الجامعة المغربية، بل وإن منها بعض الجماعات والفصائل التي تم تسليحها لضرب التيار اليساري في الجامعة.
ومع صعود الأحزاب اليسارية والليبرالية إلى سدة التسيير سنة منذ 1998 سيتغلغل الليبراليون والعلمانيون في دواليب الدولة، فانفرجت آفاق الفلسفة قليلا وانتعشت رويدا رويدا، وهذا من جهة خفية جاء على حساب تقلص الفكر الديني، مع تقنين المدارس التقليدية لتعليم القرآن والعلوم الشرعية والتحكم فيها وفي مناهجها، والتحكم في المنابر الدينية... أما اليوم وقد طارت رياح الربيع العربي بحزب العدالة والتنمية إلى السدة العالية، فقد تقوى الفكر الديني وكان من العادي أن تتعالى أصوات أصولية مطالبة بأسلمة المجتمع مهما كانت هذه الدعوات محتشمة ومختفية وراء الأقنعة أحيانا كثيرة.
إن الخلاف بين الفكر الفلسفي والفكر الديني ليس خلاف مرجعية فقط، بل هو خلاف رؤية شمولية للمجتمع ولعملية التنشئة، ومن هنا اكتسب هذا التغيير في المقرر الدراسي مكانته، مهما بدا بسيطا للوهلة الأولى خاصة وأنه يستهدف فئة المراهقين لما لهذه الفئة العمرية من حساسية شديدة للهوية وتحديداتها.

محمد شودان. المغرب



#محمد_شودان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ظلال ما قبل الإسلام
- حلب وإعلام البيترودولار
- الحاجة إلى الوعي بالذات الجماعية
- ملامح المستقبل، نظامنا التعليمي إلى أين؟
- -اللغة العربية في منظومة التربية والتكوين- تدريس المؤلفات، ا ...


المزيد.....




- بابا الفاتيكان يأمل أن يمهد اتفاق غزة لسلام دائم.. ويجدد دعو ...
- خوري يلتقي بطريرك القدس للاتين في عمّان ويؤكدان أهمية تعزيز ...
- ما رمزية ودلالات زيارة بابا الفاتيكان القادمة إلى تركيا؟
- بابا الفاتيكان: نتمنى أن يكون وقف إطلاق النار في غزة سلام عا ...
- بابا الفاتيكان يصف وقف إطلاق النار في غزة بـ-شرارة أمل-
- رئيس الكونغرس اليهودي العالمي يدعو لإطلاق سراح البرغوثي.. وإ ...
- جدل بسوريا بعد ظهور اسم حافظ الأسد على مئذنة الجامع الأموي ب ...
- مسيحيو العراق قلقون: تمثيلنا يُختطف من قبل جماعات مسلحة والك ...
- جدل الإجازات في ألمانيا .. عندما تصطدم الأعياد الدينية بجداو ...
- تقرير: إسرائيل تجند طلابا يهودا من العالم للانضمام لجيشها وم ...


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شودان - الدين والفلسفة