أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - فيزياء أفسدتها الميتافيزياء!















المزيد.....

فيزياء أفسدتها الميتافيزياء!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 5385 - 2016 / 12 / 28 - 22:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جواد البشيتي
للدِّين (وللمثالية على وجه العموم) نفوذ قوي ومتنامٍ في عِلْم الكون، وفي كثيرٍ من النظريات الكوزمولوجية الحديثة؛ فالحريصون على ديمومة استبداد المُعْتَقَد الدِّيني بعقول الشباب في القرن الحادي والعشرين يَعْتَقِدون أنَّ التعبير عن الفكرة الدِّينية نفسها بلغة فيزيائية هو السبيل إلى بقاء مملكة الأوهام الدِّينية والمثالية بمنأى عن خطر الانهيار؛ وإنَّ غايتهم أنْ يَسْمَح لهم "العِلْم" بالقول دائما: وها هو "العِلْم (الحديث)" يُثْبِت ويؤكِّد صواب المُعْتَقَد الدِّيني القديم.
ومدار ما يبذله بعض علماء الكون من جهد نظري فيزيائي هو دائماً إثبات قابلية (وحتمية) خَلْق "المادة"، أيْ خروجها (أو إخراجها) إلى الوجود مِمَّا يسمونه "العدم"؛ فـ "المادة" مِنَ "العدم" تأتي، ويجب أنْ تأتي، وإلى "العدم" تَذْهَب، ويجب أنْ تَذْهَب.
ومع ذلك، نراهم يُبْدون حرصاً على بقاء قانون "المادة (في الكون) لا تزيد، ولا تنقص" في الحفظ والصَّوْن.
إنَّهم الآن يقولون بـ "مادة ثانية (أو أُخْرى)" تشبه "الهَيُولى" في الفلسفة القديمة؛ "مادة" عديمة الشكل، قابلة للتشكيل والتصوير؛ منها صَنَع الله الأشياء جميعاً.
وفي لغة فيزيائية يقولون إنَّ "مادة" على شكل "أزواج من الجسيمات"، كمثل الإلكترون وضديده البوزيترون، تنبثق (تنشأ) في استمرار من "العدم" Nothingness؛ لكنَّها لا تبقى على قَيْد الحياة إلاَّ زمناً من الضآلة بمكان؛ فكلا الجسيمين المتضادين يفني الآخر بتصادمهما، ويعودان، من ثمَّ، إلى "العدم".
إنَّهما يبقيان على قَيْد الحياة زمناً تَكْبُره الثانية الواحدة بملايين المرَّات؛ فلا "يَشْعُر" قانون "حِفْظ المادة" بوجودهما؛ وتظل "كمية المادة (في الكون)"، من ثمَّ، ثابتة، لا تزيد، ولا تنقص. وهذه "المادة (الهَيُولى)" يسمونها "جسيمات افتراصية" Virtual Particles.
ولو سألتهم "أين يَقَع هذا العدم؟"، لأجابوك عن هذا السؤال السخيف على البديهة قائلين: إنَّه يَقَع في "الفضاء الفارغ (الخالي، الخالص)" Empty Space، أو في "الفراغ" Vacuum؛ لا بَلْ إنَّه هو نفسه هذا الفضاء الفارغ من "المادة"؛ وكأنَّ الكون (أو كوننا) الذي جاء وانبثق من "العدم"، على ما يزعمون، ما زال ينطوي على "العدم"، في "فضائه الخالص (من المادة)"!
قانون "حِفْظ المادة" لا "يَشْعُر" بوجود هذه "الجسيمات الافتراضية"، الآتية من "العدم"، الذَّاهبة إليه سريعاً؛ أمَّا هُم فـ "يَشْعرون"، ويؤسِّسون لهذه "المادة (الافتراضية)" نظريات؛ ثمَّ يتَّخِذون من وجودها، الذي هو في حاجة إلى الإثبات، "مُسلَّمة"؛ ثمَّ يَبْتَنون من هذه "المُسلَّمة" نظرية لتفسير تبخُّر وتلاشي "الثقب الأسود" Black Hole؛ مع أنَّ هذا "الثقب" ما زال وجوده (وتبخُّره، من ثمَّ) افتراضاً!
في "الثقب الأسود"، وفي "مركزه"، أو "نقطته المركزية" Singularity، على وجه الخصوص، تتركَّز (على ما يزعمون) مادة ليست بمادة، ولا يمكننا أبداً معرفة ماهيتها؛ فهذه "النقطة" عديمة الحجم، لانهائية الكثافة. ومع ذلك، أسَّسوا نظرية لتبخُّر "الثقب الأسود"، أسموها "إشعاع هاوكينج".
وبحسب هذه النظرية، تنبثق دائماً من "العدم (أو ما يسمونه "الفراغ")" جسيمات افتراضية؛ فلو انبثق جسيمان متضادان، كمثل الإلكترون وضديده البوزيترون، على مقربة من "الحدِّ الخارجي (Event Horizon)" لـ "ثقب أسود"، فإنَّ أحدهما (وقبل أنْ يتصادما، ويفني كلاهما الآخر) قد يسقط في جوف "الثقب الأسود"، بسبب الجاذبية الهائلة لـ "الثقب"؛ فإذا سقط، فإنَّ نَزْراً من مادة "الثقب الأسود" يتبخَّر منه؛ وهذه "المادة المُتَبَخِّرة" تذهب إلى الجسيم (الافتراضي) الآخر "المُنْتَظِر" على مقربة من "الحدِّ الخارجي" لـ "الثقب"، فيُحوِّله إلى "جسيم حقيقي".
وفي هذه الطريقة (المسماة "إشعاع هاوكينج") يتبخَّر "الثقب الأسود"، من غير أنْ تزيد (أو تنقص) مادة الكون.
لقد افترضوا أوَّلاً وجود "الثقب الأسود"، بماهيته وخواصه الميتافيزيقية، والتي يَمْسَخون بها مادية المادة؛ ثمَّ اشتدت لديهم الحاجة النظرية إلى اكتشاف طريقة لـ "تَبَخُّره"، فاستحدثوا مفهوم "الجسيمات (المتضادة) الافتراضية"، المنبثقة من "العدم"؛ ثمَّ ابتنوا من هذا المفهوم نظرية (حيلة) لتبخُّر "الثقب الأسود"، مجاملين، في الوقت نفسه، قانون "حِفْظ المادة"!
واشتطوا أكثر في "تديين" الفيزياء، فاشتقوا من مفهوم "الجسيمات الافتراضية" نظرية لخلق أكوان من "العدم"؛ فَلِمَ لا تنبثق من "العدم" أكوان غير كوننا ما دام "العدم" منبعاً لا ينضب لـ "الجسيمات الافتراضية"؟!
لكن، أين تُخْلق وتفنى هذه الأكوان؟
لقد بَذَروا بذورها في "مكان" اخترعوا مفهومه مِنْ قَبْل في سعيهم إلى تخطِّي وحل "التناقض المنطقي" الذي انطوت عليه نظريتهم في "تمدُّد الكون"؛ وهذا "المكان" هو ما أسموه "البُعْد (المكاني) الرابع"، أو "الفضاء الآخر"، أيْ الفضاء الذي ليس بجزء من كوننا، أو من فضائنا الكوني، والذي لا يمكننا أبداً الاتِّصال به، أو إدراك وجوده (Hyperspace).
الكون (أيْ كوننا) على ما عرَّفوه هو كل شيء يَقَع على (أو يتموضع في) السطح من "البالون الكوني"؛ فكوننا، بفضائه ومجرَّاته ونجومه..، لا وجود له إلاَّ على هذا "السطح"، الذي هو المكان بأبعاده الثلاثة.
و"البعد المكاني الرابع (الذي اخترعوه)" إنَّما هو ذاك "الفضاء الآخر الميتافيزيقي (Hyperspace)" الذي يمثِّل جوف، أو باطن، كُرَتنا (أو بالوننا) الكونية، والذي فيه يتمدَّد كوننا أيضاً (بتمدُّد الفضاء بين مجموعات المجرَّات). وينبغي لكَ أنْ تسافِر في "البعد (المكاني) الرابع" إذا ما أردت مغادرة كوننا؛ وهذا ضَرْب من المستحيل.
وفي ذاك "الفضاء الميتافيزيقي (Hyperspace)"، تنبثق من "العدم"، وتتلاشى وتختفي في "العدم"، أكوان لا عدَّ لها، ولا حصر، بعضها قصير العُمْر، وبعضها طويله.
وكل كون من هذه الأكوان يأتي من "نقطة (Singularity)"، ومن طريق "الانفجار العظيم" Big Bang، الذي على يديه يُوْلَد كل شيء (جسيمات وأجسام وطاقة وقوى ومكان وفضاء وزمان..). ونهاية كل كون هي نفسها، فـ "الانسحاق العظيم" Big Crunch، يعيده إلى "العدم"!
إنَّهم، وعلى كثرة ما بذلوه من جهود نظرية لإثبات قابلية وحتمية خلق "المادة" من "العدم"، وعودتها إلى "العدم"، لم يتوصَّلوا إلى تعريف هذا "الشيء" الذي يقولون بخلقه من "العدم"، وبفنائه؛ فكيف للمرء أنْ ينفي وجود شيء لا يعرف حتى الآن معنى وجوده؟!
قُلْ لي ما هي "المادة" قَبْل أنْ تُحدِّثني عن خلقها من "العدم"، أو عن فنائها؛ وإنَّ مَنْ عرَّف "المادة" على أنَّها "غير الطاقة"، أو "غير الفضاء"، أو على أنَّها "ذرَّة"، أو "جسيم أوَّلي" كمثل الإلكترون أو الكوارك أو النيوترينو، أو "خيط"، لا يحقُّ له أبداً أنْ يُحدِّثنا عن "مادة" تأتي من "العدم"، وتذهب إليه!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -التزامن- في -النسبية-
- إبيكوروس الذي منه تعلَّمْت معنى -الحياة-!
- السفر الكوني على متن -النسبية العامة- هو الأسرع!
- نظرية داروين من وجهة نظر فلسفية!
- هل من وجود ل -الحركة الطبيعية- في الكون؟
- ضِدَّ -التأويل العلمي-.. هذا هو -التفسير الحقيقي- لآيات قرآن ...
- الكون عديم الداخل.. عديم الخارج!
- بُعْد المكان الرابع Hyperspace
- هذا -اللغز- في قلب مجرَّتنا!
- هل -الوعي- هو الذي اخترع -اللغة-؟
- -العمال-.. فكراً وطبقةً في -عيد العمال-
- -الزمن-.. وكيف يعمل
- أين تكمن أهمية العثور على -موجات الجاذبية-؟
- الصلة الجدلية بين -المادة- و-الفضاء- في -الثقب الأسود-
- المادة إذا انهارت على نفسها..
- روسيا تبدأ الضرب في سورية
- قوَّة وحيوية الفكر الاقتصادي لماركس!
- نسبية الحقيقة لا تتعارَض مع موضوعيتها!
- السَّفَر بين الأكوان
- أنا لستُ موجوداً لأنَّني اُفَكِّر!


المزيد.....




- أحدث كتلة لهب هائلة أضاءت الليل.. شاهد لحظة انفجار صاروخ -سب ...
- -مأساة أمريكية“.. بروس سبرينغستين غير منسجم مع الوضع السياسي ...
- مصمم الأزياء رامي العلي: هذه القطعة يجب أن تكون في خزانة كل ...
- وزنه يفوق طنين ومداه يصل إلى 2000 كلم: ما هو صاروخ -سجّيل- ا ...
- مسؤول إيراني يرد بقوة على ترامب: لا أحد يستطيع تهديد طهران و ...
- الحكومة الإيرانية تعلق صور القادة العسكريين القتلى إثر الهجم ...
- بلاغ للنائب العام: وفاة سبعة محتجزين بقسم العمرانية في أقل م ...
- وسط صمت حكومي.. إسرائيل تفرض أمر واقع جديد في الجنوب السوري ...
- رئيس ديوان المستشارية يؤيد ميرتس ويؤكد دعم ألمانيا لإسرائيل ...
- محافظة دمشق ترد على ما يشاع حول الأعمال الإنشائية على سفح جب ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - فيزياء أفسدتها الميتافيزياء!