أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ا.د. حسن البياتي - غريب على الخليج















المزيد.....

غريب على الخليج


ا.د. حسن البياتي

الحوار المتمدن-العدد: 5376 - 2016 / 12 / 19 - 21:11
المحور: الادب والفن
    


في الذكرى الثانية والخمسين لرحيل الشاعر العراقي المجدد بدر شاكر السياب

غريب على الخليج

بقلم: أ.د. حسن البياتي

هذه واحدة من روائع بدر شاكر السياب الشعرية، إنْ لم نقل من روائع الشعر العربي الحديث عموماً. كتبها الشاعر الخالد سنة 1953 بعد انتفاضة شهر تشرين الثاني من عام 1952، التي فجرتها جماهير الشعب العراقي ضد النظام الذي كان قائماً آنذاك. كتبها السياب، بعد فشل الانتفاضة، وهو مشرد يضرب في آفاق الغربة، هارباً – من خوف – بعد مساهمته الفعالة – مواطناً وشاعراً- مع من ساهموا في تلك الانتفاضة الخالدة الذكر في ضمائر الطيبين من أبناء شعبنا، وقد حطَّ به رحْل الهروب، حينئذٍ، في إحدى مناطق الخليج العربي (الكويت)، مشرداً صفر اليدين، بعيداً عن الديار وعن الأحبة. فلا غرابة، إذن، أن تطغى ظلال الغربة والضياع والأسى والحنين وما سوى ذلك من عناصر معنوية على أجواء هذه القصيدة التي وظف فيها السياب، توظيفاً ناجحاً، ضربين مميزين من الأضرب العديدة التي يحتويها البحر الكامل، هما ((متفاعلانْ – المذيَّل)) و (( متفاعلاتن – المرفـّل))، بما ينطويان عليه من قيم موسيقية تثير في نفس المتلقي شتى الأحاسيس والانفعالات. هذا فضلاً عن العناصر المادية، من طبيعية تحيط بالمكان الذي تفجرت فيه عاطفة الشاعر عن هذه القصيدة الفذة – كالبحر الذي هو ((أوسع ما يكون))، والريح اللاهثة حيناً والصاخبة حيناً آخر، وقلوع السفائن التي (( تظل تُطوى او تُنشر للرحيل))، والرمال الخليجية التي جلس عليها الشاعر ((الغريب))، مسرّحاً بصره المحير وهادّاً أعمدة الضياء بنشيجه العالي، والعباب (معظم السيل) الهادر الرغوِ، والمد الصاعد، والموج المعول... هذا ناهيك عن العناصر البشرية المتمثلة بالشاعر المشرد ذاته، وبأولئك الرجال الحفاة العراة من جوابي البحار، الذين زحموا مياه الخليج بقلوع السفائن التي كانوا ومازالوا يكتدحون أجراء لأربابها ومالكيها المترفين.
وقد استطاع الشاعر أن يجسد عناصر الطبيعة تلك تجسيداً ينبض بالحياة والحركة التي تتفجر عنهما شتى الأصوات التي تشكل الصور الشعرية المعبرة عن الأجواء المادية المحيطة بالمكان، من جهة، والمتغلغلة في ذات النفس البشرية – وفي مقدمتها نفس الشاعر المعبِّر- ، من جهة اخرى. وقد استعان، في سبيل إبراز صوره الشعرية بأدوات التشبيه حيناً، لكي يقابل لوحة بأخرى، وفي اللجوء الى الاستعارة، حيناً آخر، متخلياً – بذلك – عن استعمال الأدوات التشبيهية التي يخيل الينا أنها قد طفحت عن الكيل، فأدرك الشاعر، او تدارك، أنها ربما توشك أن تفسد اجواء عمله الفني: الريح كالجثام – الصوت المتفجر كالمد الصاعد، كالسحابة، كالدموع – باب كالقضاء- جوع كجوع كل دم الغريق الى الهواء – الأرض كالافق العريض – كأن كل دمي اشتهاء – بقيا النعاس كالحجاب من الحرير – الفرح الخفي كالضباب ...
وقد يبدو بعض هذه الصور التشبيهية او أغلبها غريباً، لكنها غرابة محببة، سرعان ما يألفها المتلقي، لما تنطوي عليه من طرافة وجمالية، ولا سيما اذا ابتعدنا عن النظر الجزئي الى طرفي التشبيه (المشبه والمشبه به) ونظرنا الى العملية الابداعية هنا نظرة شمولية – الالفاظ داخل النص الذي وردت فيه. ولنتمعن – مثلاً – في احدى هذه الصور التشبيهية التي تبدو غريبة أول وهلة : ( باب كالقضاء) – بما يتولد عن التشبيه من صورة مرئية في أحد جانبيها ومتخيلة في جانبها الآخر- مادية ملموسة (باب) ومعنوية متصورة (القضاء)، الذي هو الحكم او الموت. التشبيه يبدو غريباً اذاما استللناه من مجموع النص – كما نستل عضواً من جسد متكامل. لكن الغرابة ستزول اذاما اعدناه الى مكانه الطبيعي :
(( ووراء بابٍ كالقضاءْ
قد أوصدته على النساءْ
أيدٍ تطاع بما تشاءُ، لأنها ايدي رجال ... ))
الباب اذن محكم الإغلاق قد أوصدته ايدي رجال شداد غلاظ... هذا ما ترفدنا به الصورة التشبيهية المسوغة الغرابة حينما تطل علينا من داخل النص بكامله.
وثمة صورة تشبيهية اخرى مماثلة ذات حدين أحدهما (المشبه) مادي والآخر (المشبه به) معنوي: كأن كل دمي اشتهاء .
وتنعكس الصورة في لوحات تشبيهية اخرى، إذ يجيء المشبه معنوياً، في حين يأتي المشبه به مادياً، مثل: بقيا النعاس كالحجاب من الحرير – فالمشبه هنا (بقيا النعاس) معنوي، والمشبه به (الحجاب من الحرير) مادي. ومثل ذلك ايضاً: الفرح الخفيُّ كالضباب...
أما الصور المتولدة عن التشبيهات التي تخلى فيها الشاعر عن استعمال الأداة، لتحل الاستعارة فيها محل التشبيه حيناً، او تبقى محتفظة بطرفي التشبيه – دون الاداة -، حيناً آخر، فيمكن أن نورد لها الأمثلة الآتية: الريح تلهث – الريح تصرخ – الموج يعول – القرى المتهيبات – وجه أمي وصوتها المتزلقان مع الرؤى – العراق دورة اسطوانهْ – وهذه الدورة هي دورة الافلاك من عمر الشاعر، وهي وجه امه و صوتها، وهي النخيل، وهي المفلية العجوز...
وتثير انتباهنا هذه الصور المتولدة عن دورة الاسطوانة بما تحمل من تداعيات تعود بالشاعر من ديار الغربة الى ارض الوطن الحبيب والى عالم الطفولة البريئة والطبيعة العراقية الجنوبية بما تزدحم به من صور ولوحات مألوفة، مازجاً عالم الواقع المعاش بعالم الخيال النابض في حكايات العجائز:
((بالأمس، حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراقُ...
وكنت دورة اسطوانهْ
هي دورة الافلاك من عمري، تكور لي زمانه
في لحظتين من الزمان، وإن تكن فقدت مكانه،
هي وجه امي في الظلامِ
وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنامْ
وهي النخيل اخاف منه اذا ادلهم مع الغروبِ
فاكتظ بالاشباح تخطف كل طفل لا يؤوبُ
من الدروبِ،
وهي المفلية العجوز وما توشوش عن ((حِزام))
وكيف شق القبر عنه امام ((عفراء)) الجميلهْ
فاحتازها ... إلا جديله...))
إن الصور تتلاحق في هذا المقطع ويأخذ بعضها بتلابيب البعض الآخر حتى نصل الى نهاية المطاف مع الاساطير المحاكة حول الشاعر العاشق عروة بن الحزام وحبيبته الجميلة عفراء.
ويستمر الشاعر في عرض لوحاته التصويرية باسلوب يمزج فيه بين عالمين: عالم الحلم المحكي وعالم الواقع المرئي، فنشعر من خلال ((دورة الاسطوانة)) ان السياب بعيد غريب عنا، من جهة، وحاضر قريب منا، من جهة أخرى. بعيد مادياً – بجسده، وقريب معنوياً – بروحه، باحاسيسه، وبذكرياته المتداعية من خلال (( دورة الاسطوانة)) اياها:
((زهراء، أنتِ... أتذكرينْ
تنورَنا الوهاج تزحمه أكف المصطلينْ؟
وحديث عمتيَ الخفيضَ عن الملوك الغابرين؟
ووراء بابٍ كالقضاءْ
قد أوصدته على النساءْ
أيدٍ تطاع بما تشاء، لأنها ايدي رجالْ –
كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلالْ.
أفتذكرينَ؟ أتذكرينْ؟
سعداءَ كنا قانعينَ
بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساءْ .
حشد من الحيوات والأزمان كنا عنفوانَهْ،
كنا مداريهِ اللذينِ ينال بينهما كيانَهْ.
أفليس ذاك سوى هباءْ
حلمٌ ودورةُ اسطوانه ؟!))
وفي هذا المقتبس المبتدئ بكلمة ((الأمس)) والمنتهي بكلمة ((اسطوانه)) يبهرنا الشاعر بتدفق موسيقاه ذات الايقاعات المتولدة من تكرار القوافي النونية خاصة، الساكنة المجردة، سواء الداخلية منها، الواقعة ضمن تفعيلات ((الحشو))، او الخارجية التي تشكل قافية تفعيلات ((الأضرب))، او تلك القوافي النونية غير المجردة، ولنقل ((المزيدة)) – في مصطلح علم الصرف -، مثل: اسطوانَهْ – زمانَهْ – مكانَهْ – عنفوانَهْ – كيانَهْ.
وتواجهنا أمثال هذه النغمات الايقاعية المتولدة من تكرار القوافي الداخلية والخارجية على مدى المساحة التي شُيَّد فوقها صرحُ القصيدة – ففضلاً عن تكرار قوافي حرف النون نلاحظ ايضاً قوافي الكلمات : الخليج – عراق – الاجنبية – ((خطيه)).



#ا.د._حسن_البياتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذيان رجل غير محموم
- الرفض
- الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ا.د. حسن البياتي - غريب على الخليج