محمد بن عبد المالك
الحوار المتمدن-العدد: 5366 - 2016 / 12 / 9 - 09:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المشترك بين دونالد ترامب وعبد الإله بن كيران
ربما يبدو السؤال ساذجا من الوهلة الأولى، فالرجلان ليسا من طينة واحدة، والفرق كبير بين إمبراطور اقتصاد لديه رغبة جامحة في ضم سيطرته السياسية إلى سيطرته الاقتصادية، وبين بيدق لا يمتلك إلا سنطيحة قصديرية ولسان سليط. ولكن لو تتبعنا خيوط السياسة عالميا في تقطيع عرضي، وتاريخيا لوجدنا علاقة متينة بين نتائج الانتخابات الأخيرة في بلدان عدة، و يهمنا هنا الانتخابات المغربية، بحكم انتمائنا لهذا القفص/الوطن، والانتخابات الأمريكية لما لها من أهمية في الساحة الدولية.لا بد قبل البدء من تلمس ملامح الساحة العالمية اقتصاديا وسياسيا وحضاريا، إن الفترة التي نحن فيها أشبه ما تكون بمرحلة ما بين الحربين العالميتين من نواح عدة ، ولذلكفإن كل الشعوب حاليا قد تنامى لديها الإحساس بضرورة الاستنفار القصوى للمواجهة، مواجهة الاحتمال، مواجهة المجهول، وهذا ما صعد من سهم التيارات والأحزاب المتطرفة: اليسار في اليونان، الإسلاميين في كل التجارب العربية الناجحة شكليا على مستوى صناديق الاقتراع، واليمين المتطرف الذي وإن لم يحصد حكومات في أروبا الغربية إلا أنه أرسل رسائل واضحة، ثم انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأروبي،وأخيرا المتطرف للاتوجه دونالد ترامب.
إن كل هذا إنما جاء نتيجة وضعية اقتصادية جذورها قديمة تمتد تعود إلى الانكماش الاقتصادي الذي ابتدأ فعليا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وانفتاح الأسواق التي كانت محسوبة على الاشتراكية، وما تبع ذلك وما أدى إلى تقلص رقعة الحروب.
وبالتالي انخفاض صناعة السلاح، ثم تكدس السلع وتقلص نفقات الدول خاصة بعد استكمال بناء أروبا التي كانت قد دمرتها الحرب، وسيستمر الحال على ما هو عليه، وتقلصت بفعل المنافسة الأسيوية والبرازيل قدرات الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية، والجميع يعلم أن الجشع الإمبريالي لا يبالي بالوسيلة التي ستفتح لها الأسواق. تحرك منطق الاقتصاد الامبريالي فبدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في سبك السيناريوهات.
وهكذا مرورا بالمراحل التاريخية الكبرى إلى أن اشتدت الأزمة الاقتصادية سنة 2008 وما تبعها من غزو اقتصادي بل و عسكري لبلدان مثل العراق وأفغانستان...
وبالموازاة مع هذه الوضعية التاريخية والاقتصادية المتسمة بالتأزم ستظهر على الساحة تغيرات على الخارطة الحضارية، تجلت في بروز خط نكوصي لدى الشعوب، وهذا ما أظهر تيارات إثنية وعرقية أصولية، خاصة الحركات العرقية كالأمازيغية والكردية والأرمينية والتركية والفارسية والكورية...
إن هذه التيارات قد اختلفت حظوظها من التأثير، والوصول إلى الحكم، فظهرت دول عرقية إلى جانب الدول التي تأسست على قومية دينية كالسعودية وإسرائيل، دول جديدة حدودها متحركة كإقليم كردستان وتركيا وإيران وكوريا الشمالية، وهذه الدول منها من امتلك قوة الردع النووية، الأمر الذي يهدد الدول التي تقود الاقتصاد والسياسة العالميتين،
أما على مستوى صفيح الشرق الأوسط الساخن فقد أدى التدخل العسكري الغربي إلى تفريخ تيارات أصولية استولت أو حاولت الإستيلاء على السلطة ديموقراطيا أو بالعنف، مدفوعة في ذلك بدعم مالي ولوجيستي تخريبي غربين ودعم مالي وغطاء شرعي سعودي/ إيراني ،
أما باقي الدول الخارجة من رقعة النار العسكرية، فمكتوية بنارالتخلف والبطالة والفساد السياسي.
ومن هنا حدث تغير على المستوى السياسي والذي اتخذ صورة واحدة طابعها التطرف والشعبوية، لكن في زيين مختلفين:
الأول نمثل له بترامب:
ظهر في الدول القوية، المتحكمة في الاقتصاد والسياسة العالميتين، وتمثل أساسا في ظهور تيارات متطرفة فارتقت إلى المشهد السياسي شخصيات شعوبية، تعرف كيف تخاطب عاطفة الجماهير المتحمسة والمتخوفة، شخصيات ليست من طينة السياسيين المثقفين، ولكنها شخصيات احترفت النذالة وممارسة الخطابات العنصرية، و هكذا فمن المتوقع في الانتخابات المقبلة في كل من ألمانيا وفرنسا سقوط نجم كل من هولاند و ميركل لصالح التيارات الشعبوية والمتطرفة،
الثاني يمثله بنكيران
في الدول التابعة والخاضعة: تجلى واضحا بعد بروز تيارات أصولية متشددة(داعش،القاعدة، النصرة، الجهاد الإسلامي،...)حملت السلاح لتطبيق مشروعها الديني/السياسي، أو تيارات أصولية أشواكها ناعمة(وإن حاليا فقط) حاولت الوصول إلى السلطة بطريقة ديمقراطية، مستفيدين مستوى الحرية، ومن حركة الشارع المتأثر بالتغيرات العالمية. ومن الخطاب الديني الذي يروجون به خطابهم السياسي، والذي يمتلك قوة استقطابية للجماهير المتدينة، ومن هذه الأحزاب من حاول إظهار أشواكه فتم استئصاله كالتجربة المصرية ، و منها من احترف الانحناء ورياضة ركوب الأمواج، ومهادنة البورجوازية االعالمية (تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي) والوطنية التبعية، ومنها حزب" عفا الله عما سلف"
ولهذا الغرض احتاجت الأحزاب الإسلامية السلمية شخصيات تتمتع بالشعبوية وقادرة على ممارسة الخطابات المتملقة، والقادرة على السباحة في الماء القذر،ومن هنا كنا متوقعين نجاح حزب العدالة والتنمية في انتخابات السابع من أكتوبر.
في الأخير يمكننا القول بأن بنكيران أخ ترامب بالرضاعة، فكلاهما ينهلان من ثدي واحد.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟