أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدحاني - أوراق والجوع المعرفي















المزيد.....

أوراق والجوع المعرفي


محمد الدحاني

الحوار المتمدن-العدد: 5353 - 2016 / 11 / 26 - 22:15
المحور: الادب والفن
    


أوراق والجوع المعرفي
انتهيت للتو من قراءة رواية أوراق، للمفكر المغربي عبد الله العروي، وهي عبارة عن سيرة ذهنية لشخص يدعى ادريس. كل أحداث الرواية وقعت في منتصف القرن الماضي، أي في المرحلة الأخيرة من فترة الاستعمار الفرنسي وكذا في السنوات الأولى من فجر "الاستقلال".
عنوان الرواية معبر ويلخصها بدقة على الأقل شكلا، بلغة أخرى أوراق، هي مجموعة من أحداث يومية كان يكتبها صاحبها في مفكرته، وتم تجميعها وترتيبها وتحليلها من طرف المؤلف، والمركز الثقافي العربي هو الذي نشرها ووزعها، وطبعت عدة مرات، وأنا أملك الطبعة السادسة التي نشرت عن المركز المذكور آنفا سنة 2004.
بعدما شرعت في قراءتها ومنذ الصفحات الأولى، بدأت الأسئلة تتحرش بفكري، ومصدر هذه الأسئلة نابع من فضول معرفي، لكن حينما تكون تعاني من جوع معرفي، {أقصد به قلة القراءة والكسل والخمول}، فما هي طبيعة الأسئلة التي يمكن أن تزاحمك غير هاته:
هل ادريس هو فعلا صديق الكاتب، كما يسوّقه لنا في الرواية؟ ولماذا لم يقم ادريس نفسه بهذا العمل، علما أنه مثقف ومتخصص في الآداب؟ وهل مات ادريس حتى يكتب عنه العروي؟ أم أن أوراق هي سيرة العروي، اضطر للتخفي في جلباب ادريس حتى يفلت من قبضة الرقيب؟. أعلم أن الإجابة عن كل هذه الأسئلة وشبيهتها علم لا ينفع وجهل لا يضر، لهذا في اعتقادي علي أن أتخلص من جوعي المعرفي قبل أن أقبل على قراءة العروي، ومن يدري أن جوعنا المعرفي هو الذي يجعل العروي يشتكي من عدم فهمه.
أعترف أني عجزت عن فك شفرة الرسالة التي يود العروي أن يبعث بها لنا نحن معشر القراء، لا أقول هذا من باب السخرية والتهكم، وإنما من واجب المسؤولية الأخلاقية والمعرفية، وأنا هنا أقر بجهلي وليس بخطئي، لأن هذا الأخير حق بيداغوجي وتربوي واستراتيجية للتعلم في النظام التعليمي المغربي والمتمثل في مقاربة التدريس بالكفاية.
تفاجأت لما أخبرني صديقي أن رواية أوراق كانت ضمن البرنامج الدراسي في السلك الثانوي التأهيلي في التخصصات الأدبية. تساءلت من جديد وبجوعي المعرفي. كيف لتلاميذ السلك الثانوي التأهيلي أن يفهموا مقصود ومضمون أوراق، وأنا تخرجت هذه السنة من سلك الإجازة الأساسية تخصص علم الإجتماع ولم أفهمها، وأنا أعرف أن ملكة الفهم تختلف، لكن المستوى الدراسي متغير أساسي في الفهم إذا قرن بالمستويات الأقل منه؟ ولماذا لم تبقى رواية أوراق مبرمجة ضمن البرنامج الدراسي؟ هل أوراق أصبحت غير مناسبة كما سارت مقاربة البيداغوية بالأهداف غير مناسبة للنظام التعليمي المغربي؟
لم أعرف عبد الله العروي إلا في مستوى الثانية بكالوريا، وذلك في دروس الفلسفة، وبالضبط في مجزوءة السياسة، وخاصة في اشكالية مفهوم الدولة ومشروعيتها. إذن أنا لم أعرف العروي كروائي، وإنما عرفته كفيلسوف. ربما تخصصي حال بيني وبين معرفة العروي كروائي، وأنا الذي كنت أدرس العلوم التجريبية، تخصص علوم فزيائية. هذا يعني أنا في أحسن الأحوال كنت متقيد بالبرنامج الدراسي، وربما ينطبق علي النعت الذي يصف به هذا النوع من التلاميذ السوسيولوجي الفرنسي بيير بيرديو في كتابه "الورثة" الذي أنجزه بشراكة مع صديقه باسرون، والنعت هوالتلميذ المجد في مقابل التلميذ اللامع الموهوب. إذن أنا تلميذ مجد حسب تعبير بورديو، أعترف أنني لست مسؤول عن هذه الصفة، وذلك للحتمية الجغرافية أو المجالية، والانتماء الطبقي، فأنا أعيش فيما أسميه بالمغرب العميق المنسي، والذي سماه المستعمر قبلي بالمغرب غير النافع، وإضافة الى هذا إبن فلاح، فلاح بدون أرض طبعا. وأمثال أبي دائما يعتمدوا علينا من أجل أن نعينهم على لقمة العيش للأفواه الجائعة، أما الدراسة هي آخر ما يمكن أن يفكروا فيه، وهم معذورون، لأنهم يرتبون الأولويات، ومن غير المعقول أن نقول الدراسة قبل لقمة العيش، فالجوع عدو التفكير، لا يمكن أن ندرس ونحن نتضور جوعا.
نعود للحديث عن رواية أوراق، صراحة أوراق يصعب تصنيفها ضمن مجال معرفي معين، وخاصة وأنا الذي أجهل بقواعد هذه التصنيفات. فعلا في أوراق نجد ومضات من سيرة ذاتية، سواء المتعلقة بالحياة الدراسية داخل وخارج أرض الوطن، أو المتعلقة بالحياة العاطفية والمتمثلة في مرافقة الفتيات أو مراسلاتهم كما كان الحال مع الفتاة الألمانية، أو المتعلقة بالحياة العائلية التي تتجلى في الحوار مع بعض أفراد العائلة حول قضايا وطنية أو دينية أو من الارث الثقافي الذي يميزنا كمغاربة. ومن جهة أخرى يمكن أن نقول: أن أوراق هي أطروحة فكرية، وما يبرر قولنا، أنها تحتوي على 139 إحالة سطرت في الهامش، بالإضافة الى القراءة النقدية التي يوجهها العروي من داخل أوراق للعديد من المشاريع الفكرية وللمؤلفات التي انتجت حول الاستعمار، نهيك عن الانتقادات الموجهة لبعض الأفلام والأعمال السينمائية، ولا يتردد ادريس بالتنويه أو تبخيس أي عمل شاهده، بالاضافة الى هذا كله موقفه السياسي في العديد من القضايا التي واجهته...
أعتقد لو فهمنا أوراق، فحتما سنفهم مكانتنا في التاريخ، وسنفهم مصيرنا فيه، بتعبير آخر؛ أوراق هي بمثابة جرعة دواء صالحة لكل أعطابنا، وقادرة أن ترد الينا عافيتنا، بأوراق ستتعافى أسرتنا، مدرستنا، وطننا، وجداننا، ضميرنا، هويتنا، عاطفتنا، ذوقنا وتعبيرنا.
أوراق تحمل بين سجلها دراسة تنبؤية ، يجب أخذها بعين الاعتبار، وخاصة فيما يتعلق بجمود الفكر الديني الاسلامي الذي لا يراعي ظروف تغير المجتمع. في نظري هي دراسة تنبؤية وقائية تجنّبنا من الوقوع في كارثة انسانية نابعة من الفكر الأصولي الذي بدأت "رائحته" تزكم أنفنا، وها نحن لازلنا لا نقرأ أوراق، وحتى إذا قرأنها لا نفهمها، وحتى الذين فهموها من المسؤولين لم يطبقوها، وحتى الذين كانت لهم نية حسنة في تطبيقها نسوها لدواعي نجهل أسسها.
أخيرا متى سنقرأ العروي؟ ومتى سنهتم به؟ متى سنعترف بفضله علينا؟ وما فائدة كل تلك الكتب التي الفها وترجمها إذ كنا لا نقرأها؟. نعم نحن شعب ميت لا يعترف ولا يلتف سوى للأموات، وبالأحرى قبل دفنهم، فإذا دفنوا لا أحد يسأل ويعرف بهم وبإنتاجاتهم والدليل ما يحدث الآن، من يتذكر " المهدي المنجرة، محمد جسوس، عبد العزيز الحبابي، سالم يافوت، فاطمة المرنيسي، عبد الكبير الخطيبي، بول باسكون، محمد عابد الجابري، عبد الله ابراهيم..." نعم بكينا وهللنا وأدينا تصريحات في ثواني لقنواتنا، كررنا فيها بأسلوب مختلف المغرب اليوم يفقد أحد قامته الفكرية، أو جبال من جباله، أو هرم من أهرامه العلمية.
كطالب علم مبتدئ، لازلت أخطوا الخطوات الأولى في صحراء المعرفة، أوجه صيحة بأعلى صوت الى المثقفين والاعلامين الذين يهتمون بالثقافة ويسعوا الى ترسيخها، وخاصة الذين يعتنوا بالمفكرين المحلين، أسرعوا وابحثوا عن عبد الله العروي، واستفساره على ما تجهلون حول فلسفته وكتبه وعن مواقفه وعن تجربته كأستاذ وكمفكر وعن تفاصيل حياته وعن الحلول التي يقترحها للعديد من القضايا التي عرفها مجتمعنا فجأة ، واصبحت تشغل الرأي العام والخاص، إذن إغتنموا فرصة وجوده معنا وبيننا حيا واسألوه قبل أن يخطفه الموت من بين أيدنا، حينها لن تجدوا من يجيبكم عن أسئلتكم تلك، وقد تندموا ولن تنفعكم الندامة، وهذا ليس من باب الترف الفكري، وإنما مسؤولية أخلاقية ومعرفية تجاه الأجيال الواعدة، وعليكم ألا تحرموهم من ارث مفكيرهم، فالمرجو قوموا بمسؤوليتكم...وأعذورني إن تطاولت عليكم ورفعت صوتي في حضرتكم، وأنا أقدر قامتكم الفكرية، فأنتم من علمتومنا هذا الشغب المعرفي ونحن مدينون لكم بهذا الفضل.



#محمد_الدحاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهادة تبرئة
- الذاكرة السوداء
- الجنس عند العزاب المغارب
- رمضان بكاميرا سوسيولوجية
- لا تقرؤوا وحافظوا على صداقتكم
- قررت أن أكتب لك قصيدة..
- أسئلة على هامش مقاربة النوع.
- بنهمور الانسان
- الاباحة الجنسية
- السرقة الجنسية
- الصيام الجنسي
- نعم أخشى؟
- مكانة المرأة
- ضربة تحت الحزام: مقدمة لحوار لازال مؤجل
- الأساتذة المتدربون: قنبولة موقوتة


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدحاني - أوراق والجوع المعرفي