أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ابراهيم محمود - الارتحال إلى الدكتور نورالدين ظاظا 9- مفهوم الرفاقية كردياً















المزيد.....

الارتحال إلى الدكتور نورالدين ظاظا 9- مفهوم الرفاقية كردياً


ابراهيم محمود

الحوار المتمدن-العدد: 1418 - 2006 / 1 / 2 - 09:16
المحور: القضية الكردية
    


بالنسبة لمن يريد قراءة سيرة حياة ظاظا، أرى أن التوقُّف عند سرد الأحداث، كما لو أن المؤلف، كتب ما كان يعيشه أو يتعرض لـه مباشرة، إجراء ليس في محله البتة! لقد عاش أكثر من نصف قرن، ليتفرغ لكتابة ما عاناه بعد ذلك، إنما على مضض. وأما متى بدأ بالكتابة، فهذا ما لم يظهره صراحةً في مدوَّنته الشخصية، ولكن توقفه عند مطلع ثمانينيات القرن الماضي، هو الذي يلمّح إلى أنه كتب سيرته، وهو في سويسراً، دون أن نلغي جانباً آخر في الموضوع، وهو وجود وثائق بين يديه، أو معلومات دوَّنها، واعتمد عليها، خصوصاً التاريخية الموثَّقة فيها، ودون نسيان الذاكرة المرنة التي تميَّز بها، في دخول مسارب وأقبية التاريخ ومسالكه، حيثما كان وتنقَّل وحل.
لم يكتب ظاظا سيرة حياته، إلا وهو مسكون بهاجس التاريخ، بهاجس الانتماء القومي والانساني، بهاجس المبدأ، وما يمكنه أن يقدم لصاحبه من تنوير أو تدبير، أو تكوين شخصية: تاريخية، نقدية وانتقادية. والمبدأ تراوح، ما بين الجانب الفكري والمعتقدي الخاص به، والجانب الفكري السياسي والحزبي الذي يسمه، والذين كان وإيّاهم رفاق أول حزب كردي معلوم باسمه، برغم ظروفه الصعبة نهاية عام 1957، وكان المدشن وأول رئيس لـه( ص 108). كما أنه لم يدوّن المعلومات المقروءة، ليعلم الآخرين، ما كانه وما لم يكنه ظاظا، وإنما أراد، كما يعلمنا الكتاب، عبر سطوره بجلاء، وفيما بين سطوره تلك، بتعمق أكثر، وبالنسبة للقارىء المعني بالجانب هذا. أن يدخل قارئه( الكردي ، بصورة خاصة)، إلى مغارة التاريخ( وعندما أستخدم العبارة هذه، فلأن تاريخ هذا الرجل، هو أكثر من تاريخ كائن حي، كائن مثقف، وينتمي إلى أكثر من ثقافة، مثلما توحده ثقافة شخصية، هي شخصية ظاظا، وأن هذا التاريخ، لم يتدون من خلال وثائق يمكن الرجوع إليها حصراً لمقاربة حقيقة معينةً،أو لتقرير مصير حقيقة معينة، بقدر ما كانت حياته تمتلك خاصية الوثيقة الجامعة لوثائق، انطلاقاً من مزايا خاصة به، أي مناقب: شخصية: ثقافية واجتماعية وكفاحية وغيرها، تقولها سيرته، مثلما تعلنها حتى الآن ديرته، وحتى جيرته، إن جازت التعابير هذه، ولأن غموضاً يشي السيرة هذه، يغري بالمتابعة، ومكاشفة الحقيقة " المغاراتية" هذه، أن يوازن بين المقروء وما يحركه المقروء في الذاكرة التاريخية للقارىء من أسئلة، ومن خلال فراغات لها دلالتها في نصه، وبشكل خاص، من جهة الحديث عن رفاقه، داخل حيز ورقي محدود، فترة لا تتجاوز سنوات عشراً( 1957- 1967)، إذ بعد ذلك، يبدو الحزب محل تساؤل، وتكون الرفاقية قابلة للمحاججة أو المساءلة بدورها، وخصوصاً أكثر، بعد أن نفى نفسه بنفسه، وعلى كره منه، إلى سويسرا، ليعيش همَّ الرفاقية، ومرارة العذاب المتحصّل في هذا الإطار، حيث باشر تدون سيرته: درب آلامه الكردية الكبرى!
كمثقف كردي، مسكون بهم الالتزام القومي والانتماء المجتمعي، يكتب سيرة حياته، ومن هنا، فإنه لظلمٌ وخطل كبيران، حين يحاول أحدهم تناول ما كتبه ظاظا هنا، على أنه مارس ذلك مدفوعاً بروح رفاقية معينة، أو بصفته مثقفاً كردياً حزبياً. إن مجمل ما هو مقروء في سفره هذا
( درَّته الكردية اليتيمة)، خارج هذا التأطير: التقنين العقائدي، حيث لم يدوَّن عمل كتابي كهذا، بسعة مجاله وتنوع أبعاده، وتعدد قضاياه، وإشكالياته، على صعيد العلاقة بين الكردي وما يكونه، بينه وما يعيشه في مجتمعه وتاريخه. ويمكن القول بتحفظ: إذا ما أريد لهذا المقروء أن يوصف ويعايَن، فاعتماداً على أوسع رؤية حزبية لا تقاس بسواها في محيطها الكردي على الأقل.
نعم، يتحدث ظاظا، عن كردستانه، كباحث في التاريخ، وعن مادن كباحث جغرافي وتاريخي، وعن الدول التي تقاسمت كردستانه كمتعدد الاختصاصات: سياسي وتاريخي واقتصادي وأديب ورحالة أيضاً، ويتناول الأحداث الخاصة به، وبسواه،على أنها مجموعة الخرزات المشكلة: مسبحة تاريخ، يكون هو خيطها الناظم لتجاورها وتراتبها وألوانها بالمقابل.
مثلاً، لا يمكن تناول علاقته بشخصية القائد الكردي مصطفى البارزاني، وبدءاً من أربعينيات القرن المنصرم، على أنها كانت عاطفية، أو قومية ضيقة، وهو يبدي إعجابه بها، إن العلاقة هذه، تندرج في إطار بحثي: درسي، وفي مضمار اهتمامه بدور القائد، أي قائد، في تفعيل الأحداث، وكيفية قيامته في تاريخ محدد، وبالنسبة لشعب ينتظر منه ذلك، وهو يواجه أعداءه، وينال منهم، فيستحق التقدير المناسب، واللقب المناسب( منقذ كوردستان)، ليقول بعد ذلك( ومنذ ذلك الوقت كنت أرغب بالذهاب إلى العراق لألتقي بالزعيم البارزاني ومسؤولي تنظيم( هيوا). ص 79)، وهو يشير في الصفحة ذاتها، إلى ( رفاق قاطنين على الحدود العراقية)، ومساعدتهم له، بدخول العراق، ليكون عند أحد أصدقائه هناك( مادي)، ويتكفل هو بالمطلوب. إن مفهوم الرفاق لا يؤخَذ به، من منظور حزبي معين، وإنما يقابل مفهوم الصحبة، لأن الحزب الذي يشرّع لذلك، كان عليه أن ينتظر أكثر من سنوات عشر ونيّف لتكون الرفاقية مصطلحاً حزبياً، إلا أن استعماله للمفهوم، يدور في فلك التواصل القومي والوجداني، والتقدير الحياتي المتبادل كذلك.
في إطار الحديث عن الرفاقية، يمكن الاستفاضة في هذا المنحى، ليس لأنه قال الكثير، وإنما لأنه اختصر وعبّر عما يجب التنويه إليه، فهولا يتواني عند الضرورة التاريخية، في التشديد على مكانة الآخر رفاقياً، حيث يتحدث، بالقدر الذي يتطلبه الواجب منه، ومن خلال معايشاته. نعم، الكتاب كتابه، ولكنه في تناوله لأحداث ووقائع محسوبة، يحيل نفسه إلى موضوع مفارق لـه، باعتباره فرداً بين مجموعة أفراد، وهو عضو في مجتمع كبير، ومجتمع أصغر مفارق بهوية قومية، ومتفاوت القيم من خلال أعضائه، عندما يشير بفرح إلى تشكيل أول حزب كردي في سوري، كما أُشيرَ إليه سابقاً. ويبدو أن التحضر لتشكيل حزب بالصيغة السالفة، كان نتاج معايشة خارجية، وفي ظل تشرٌُّبه لتلك الأفكار الفلسفية والسياسية والاجتماعية، والممارسات الثقافية والتربوية وكذلك الكفاحية الطلابية والذاتية، في المحيط السويسري وخارجه: أوربياً، نتاج استعداد نفسي، ومجاهدة فكرية، كان الخارج جرس إنذار تاريخي لـه، مثلما كان الداخل الشعبة َالصفية المنتظرة قرعَ الجرس ذاك، كردياً في مدرسة يديرها مستبد، ويعنى بها مستبد، وفي محيط جغرافي يتنازع السيطرة عليه مستبدون بامتياز تاريخياً، والمختبر، هو في الدرجة الأولى كردستان، والخاضعون للتجارب اللاانسانية، هم الكرد أكثر من غيرهم، ولعله من هذا المنطلق كان متلهفاً ( لفعل شيء ما للكورد، وقد تأخرت عن ذلك كثيراً. ص 105)، أي يُلاحظ أن ظروفاً ما أحالت دون ولادة الحزب الموعود به، أو المفكَّر فيه، من قبل من كانوا منتظرين مثله طبعاً، ولكن بصورة مختلفة، وأعتقد أن الموافقة عليه رئيساً لأول حزب كردي سوري، تتطلب، على الأقل، توضيحاً ولو مقتضباً، ومن خلال المرتكزات التالية:
- لأن ظاظا ينتمي إلى عائلة ، لها عراقتها التاريخية والكفاحية، كما هو معلوم.
ولأن سليل العائلة هذه، عايش الكثير من الأحداث التاريخية الساخنة، ومنذ نعومة أظفاره، وفي منطقة التوترات الكبرى( المستودع البارودي الكبير)، في مادن، وديار بكر وبوطان وديرسم، حيث أن غالبية الذين جسدوا ثورات تاريخية وثقافية كردية، وأشعلوها وأخصبوا الجوار الجغرافي الكردستاني، كانوا في المحيط الظاظي( آل بدرخان، الشيخ سعيد، احسان نوري باشا)، حيث يمكن اعتبار الثورة الكردية الأخرى، وطلائع الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي التحرري الكردي، أوجدتا في المحيط الموسوم البذرة الأكثر إخصاباً لانطلاقتهما( في كل من كردستان العراق وإيران: مع البارزاني والقاضي محمد... الخ)، ولذلك يستحق ظاظا، أن يكون الرئيس المعتبرأو الكفؤ للحزب ذاك.
- ولأن الثقافة التي حصَّلها، وأخبار أنشطته المتعددة المصادر، وكلها تنصب في مصب الوعي القومي والسياسي والاجتماعي الكردي، أجازت له تبوأَ السلطة السياسية الحزبية تلك.
لتستحيل الأنشطة الكردية، في سوريا، وفي عاصمتها محك التاريخ لأبنائها الكرد طبعاً، والحافز الملهم لهم، لتأكيد وجودهم، بالصيغ المتاحة: النظرية والعملية معاً.
إن حديث ظاظا، عن ذلك الغل القوموي العروبي المروّع واللافت في جموع الكرد، هو حديث الجغرافيا المدمَّاة كردياً للتاريخ الدامي والممثّل في القيم اللصيقة بالاسلام ووحدة المكان، من خلال ( رجال المباحث) ومن كانوا يساندونهم، من العروبيين البعثيين، وممن وجدوا في الناصرية مدى ميموناً لإعلاء تمايزهم في سجن وضرب وإهانة وتعنيف الكرد( ص 109)، كما تؤكد ذلك أدبيات عربية سياسية واجتماعية وتاريخية كثيرة( انظر مثلاً ما يقوله سمير أمين، في : أزمة المجتمع العربي، دار المستقبل العربي، القاهرة ط1985، الفصل التاسع" إشكالية الديمقراطية في الوطن العربي"، وكذلك في كتابه الآخر: الأمة العربية، الجزء الأول، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط 1988، الفصل الثالث :" عصر الناصرية").
إن محاولة قراءة ما كتبه ظاظا تاريخياً عن وحول تاريخ، تتمحور حول نقاط عدة:
ما كان يعيشه بصورة يومية ، وفي اللحظات الحرجة، ومآل ذلك سياسياً واجتماعياً وقومياًً.
ما كان يشاهده في عيون ونفوس الذين كان يلتقي بهم: رفاقاً حزبيين وسواهم من الكرد، وانعكاس ذلك على شخصيته من الداخل، وعلى الحركة الحزبية الكردية، وتجلي تأثيرها في الجوار، كما هو حال دوائر الماء التي تتسع أو تضيق بحسب قوة المؤثر المرمي في الماء وعمق الأخير.
ما كان يستخلصه من الجهتين درساً من دروس اللغة السياسية والتربوية والمنهجية له فكرياً.
في أواسط الخمسينيات السالفة، كانت الضغوط كثيرة على سوريا من جهة الأحلاف والتحالفات، وشكلت الوحدة المصرية السورية قاصمة الظهر، بالنسبة لسوريا، سواء من جهة التركيب الديموغرافي أوالعلاقات الاجتماعية والثقافية بين مجموع السكان، ومن جهة التأثير الاقتصادي، حيث بدت سوريا معرضة لأكثر من زلزال قوموي عروبي : ناصري العلامة، واقتصادي مصري المنشأ كذلك، لتكون الناصرية: الجرافة المكتسحة بآلتها العسكروبية، إجهازاً على كل ما ليس عربياً، وكان الكرد أكثر تعرضاً للبعد التدميري للزلزال، ولسان حاله الأكثر صيتاً في التاريخ العربي الحديث بإطلاق، عبر ما كان يُسمى بـ( المكتب الثاني)، وما كان يتجسد في الشخصية الأكثر دموية عبدالحميد السراج والذي كان يعتبر واقعاً وفكراً عملياً مجرثم الذاكرة العروبية، ومستعدي العرب خصوصاً، على الكرد، إذا ما عرفنا فاعلية الاستنهاض القومي الكردي في العراق، من لدن البارزاني.
يتحدث ظاظا عن رفاقه الحزبيين، بإشارات مقتضبة! إن جكرخوين، يُذكر قبل التوقف عند ولادة الحزب الكردي الأول في سوريا، من خلال تأثير أشعاره القوية الدلالة، وبلغة مفهومة استقطبت الآلاف من العامة، بسعة آفاقها الحياتية( ص 67)، وأما عثمان صبري ، فيُذكر أكثر من مرة، وخصوصاً في الصفحة( 111)، عبر التركيز على البعد الكفاحي والنضالي فيه، وبصفته
( الشريك المؤسس للحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا وعضو اللجنة التنفيذية المؤقتة. ص 111)، وأرى أنه الأكثر حضوراً في سيرة حياته الرفاقية تحديداً،ففي مكان آخر، يذكر أسماء من صدر الحكم بإعدامهم، ثم أعفي عنهم( عثمان صبري، ورشيد حمو، وهو. ص 127)، ولا يذكر أسماء آخرين تعرضوا للسجن وقتذاك، وهذا أمر دلالته، كذلك فإنه مُقل في الحديث عن رفاقه، وما حصل تالياً داخل الحزب، وهذا أمر أكثر مدعاة للتساؤل.
أقول هنا، ليس من باب إثارة فتنة ما، فأنا أكاشف تاريخاً ما زال يتحدى ملثَّميه أو مقنَّعيه، والكثيرون منهم لا زالوا أحياء يرزقون، وعلى الصعيد النقدي، حيث يتبدى النقد الوباءَ الذي يُتخوَّف منه في الوسط الكردي، أقول ما يبقي التاريخ معلقاً بين قوسين، كما هي الفلسفة الظواهرية، وتشكيكها في مفهوم ما، وتناولها بالنقد، فأشير إلى الذين وشوا به، كما أشار هو إلى ذلك ( ص 111)، وأعتقد أنه لم يسلم من ألسن كثيرة اتهمته بالخيانة والعمالة، لاختلافه الشديد عن مجمل من كانوا رفاقاً لـه، وهي حالة لا زالت قائمة هنا وهناك، من خلال هذا التكتم عليه، وعدم الخوض في تاريخه، ومثاله لا يُنسى، من النواحي كافة، وأشير كذلك إلى الكارثة المالية التي تعرَّض لها، ومن قبل من أمَّنهم على ماله، فلم يكونوا أمناء قط ، واستأنس بهم، فلم يكونوا في مستوى التأ نيس الموسوم، وما كان في ذلك من تكوين صدمة كبيرة تاريخية، حيث الرجل خرج هازماً عدوه القوموي وجلاده في سجنه، ليهنأ بحرية منشودة، وهو على وعد متخيَّل بينه وبين نفسه، برؤية الذين أمنهم على ماله ومحل عمله، وقد نموه أكثر، واستقبلوه، فكان الجلد أكثر ترويعاً( وكانت خيبة أملي الأولى هي مستودعي استيراد وتصدير المواد الصيدلانية الذي كان قد نهب خلال فترة اعتقالي، مما أدى إلى عجز في ميزانيتي لأكثر من ( 50) ألف فرنك سويسري، وكان علي منذ الآن أن أباشر بالعمل بيدي وانطلقت من نقطة الصفر. ص 137).
السؤال هنا: هل استطاع تجاوزنقطة الصفر الكارثية تلك، هل تمكَّن من استعادة توازنه: نفسياً، وبرء الجرح الكردي الكردي في نفسه وذاكرته؟ أرى أن ذلك لم يحصل، وأن نقطة الصفر هذه، كانت بداية لانتكاسة تعمقت في الداخل، حيث لم يُشر إلى الذين خانوه، فيما كانوا قريبين منه، ولم يذكر أياً كان، عاونه على سبيل المثال، في محنته المالية والنفسية تلك، وربما جاءت سلسلة الوقائع الأخرى تاريخياً، تمارس فيه إيلاماً وصداماً مع الواقع الذي تخيله أسهل مما هو عليه، فكان صادما لكل توقعاته، وخصوصاً لأن البعض من رفاقه حمَّلوه مسؤولية( الورطة) التي ألقاهم فيها ( ص 112).
هذا الحضور المقلُّ جداً لرفاقه، من جهة الأسماء، ومساحة التاريخ المقابلة، هو الذي يدفع بالمنقّّب في سيرورة الأحداث وصيرورتها، في أن يستنطق صمت المساحات الواسعة ضمناً.
لماذا اكتفى بذكر أسماء قليلة جداً، أولئك الذين كانوا في السجن معه، ولم يُذكروا جميعاً؟ هل لأن ثمة سرية حافظ عليها، لهذا آثر عدم التوقف عندها؟ ولكن ذلك غير مبرَّر وفق منطق كهذا، لأن آخرين كانوا في السجن، ولم يأت على ذكرهم؟
بين رفاق كانوا في السجن، تعرضوا لمضايقات وإهانات مختلفة، على أيدي جلاوزة السجن: محققين، وجلادين وغيرهم، ورفاق بقوا في الخارج، أو لم يتعرضوا لصنوف التعذيب الذي آذاه كثيراً،وبقوا خارج الذاكر في الغالب، كما لو أنهم غير موجودين، يمكن المضي قدماً بأكثر الأسئلة إلحاحية، واستقواء بمنطق المفارقات:
بين الذين لم يستطيعوا استيعاب حراك التاريخ، وخصوصية الجغرافيا القائمة وهي تضمهم؟
بين سيل العاطفة الجرار داخل الحزب، والممثَّل في كثيرين، وينبوع العقل التاريخي والمجتمعي المدني الطابع، والذي تجلى أشبه بالمحظور في اعتماد حججه.
بين منطق الشعارات الكبرى، ومن ثم التخفّي وراءها عند الضرورة، والدفع بالآخرين، ليكونوا واجهة لها ولهم، ومنطق التفكير الذي يحيط بالجغرافيا من خلال التاريخ المعاش وليس العكس.
بين الذين كانوا ينظرون إلى الماضي وفق تراتبيات، هي أبعد ما تكون عن مفهوم الحزب وبناه المدينية، وهم ينشدون المستقبل، والذين ينظرون إلى المستقبل بتحدياته والمرونة الفائقة، والثقافة الموازية المطلوبة لها، كان مفهوم الرفاقية في ميزانها الكردي، يتحدد وزناً تاريخياً.
لم يجد ظاظا من حوله الرفاق الذين تخيَّلهم، كما كانت صورهم المتجلية، وهو في الخارج، وكانوا بقوة اندفاعهم إلى التجمهر الحزبي الكردي، ومنافحتهم عما هو كردي في البداية الوالعة. لقد صدم متخيله بجدار الواقع الصلد، وبانت الشقاقية من ثقل الواقع المتقلب وضغوطاته الجارحة، داخل الجسد الرفاقي الذي لم يكن واحداً، حيث داهمته حمَّى التحدي التاريخي القارصة المهدّدة، ولم تتداع أعضاؤه بالسهر المشترك والآلام المشتركة، والشعور المشترك بوطأة التاريخ الجديد، ولهذا لم يشأ ظاظا أن يذكر رفاقه، كما هو مطلوب منه، من باب الوفاء بدين الرفاقية التاريخي، لأن الالتزام بمبدأ الرفاقية حزبياً لم يتم على طول الخط، ولهذا ما كان ثمة ضرورة للوفاء المذكور، وليس عدم التذكير، إلا لتفعيل الأسئلة الأشد مضاضةً ومواجهة للذين بقوا في إثره، بينما خرج هو، يتنفس هواء التاريخ، ويتجرع مرارة الجغرافيا الكردية، على بعد آلاف الأميال، كما تقول سيرته، أعني كما تقول فجيعته بأغلبية رفاقه، حتى ما بعد مماته هناك، بعيداً عن الفاتحة الرفاقية، والتأبين الرفاقي،والإعادة الدورية السنوية الرفاقية أو أكثر من ذلك، لتأكيد وفاء للرفيق الذي لم يَحن ِهامته لجلاد سجنه الأكبر، حيثما كان، الرفيق الذي كان الحامل الأول للحزب وشرف الحزب، واختفى جسد الرفيق، لكن هل تبدد صدى صوته في ذاكرة من جاؤوا من بعده، هل توقف الصدى ذاك، داخل الضمير الرفاقي الكردي هنا وهناك؟
في صمت الأغلبية الذين بقوا بعده، يبرز ذلك الضمير المصمَت، إنما هو الضمير المقلَق من تاريخه أيضاً، وربما لا يتوازن إلا بمكاشفة تاريخه هذا الذي يُخشى من تفحص خفاياه وما أكثرها، والمعنيون الحزبيون عن قرب، وحَفَظة تاريخ العلاقات الرفاقية ومن في الجوار، على بيّنة تامة في سرائرهم، على ما كان يجري، وعلى رعب الحقيقة المغيَّبة هذه حتى اللحظة!



#ابراهيم_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الارتحال إلى الدكتورنورالدين ظاظا6- بين الوعيين : القومي وال ...
- نيران الكردي الفاشية
- الارتحال إلى الدكتور نورالدين ظاظا4- سيرة المكان في سيرة حيا ...
- رسالة مفتوحة إلى الأخ الرئيس مسعود البارزاني: حين يكون العدل ...
- الألفباء الكردية اللاتينية إنشاء امبريالي:ترجمة وتعليق وتقدي ...
- الارتحال إلى الدكتورنورالدين ظاظا2- د.نورالدين ظاظا وتفعيل ا ...
- الوصايا العشرلإفساد الثقافة الكردية
- الارتحال إلى الدكتورنورالدين ظاظا1- لحظة الكتابة الأولى
- الديون المستحقة على الحركة الكردية السورية راهناً
- رطوبة بيروت وأخواتها الضبابيات
- البيان الملغوم - حول بيان المثقفين الكرد في سوريا-
- العرب الذين نعوا عراقهم
- جبران تويني مهلاً
- الملف التقييمي الخاص بالحوارالمتمدن
- ممثلو المراصد الثقافية الكردية- أي كاتب أنت، أي كردي تكون-
- هل كان د. نورالدين ظاظا خائنا حقاً؟- صورة طبق الأصل عن وثيقة ...
- التفكير معاً، أما التكفير فلا يا شيرين
- بؤس الأدب الكردي في بئس النظرة العربية
- أهل الكتابة
- رسالة مفتوحة إلى شهداء: عتقاء حريق سينما عامودا


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ابراهيم محمود - الارتحال إلى الدكتور نورالدين ظاظا 9- مفهوم الرفاقية كردياً