علجية عيش - امرأة لزمن آخر-
الحوار المتمدن-العدد: 5341 - 2016 / 11 / 12 - 03:11
المحور:
الادب والفن
الحُرِّيَّةُ مِنْ أقْدسِ مُقَدَّسَاتِ الكِتَابَةِ.. دراسة للأديب "الطاهر يحياوي" (قراءة نقدية)
-----------------------------------------------------------
كتب الأديب الطاهر يحياوي ، في دراسة له بعنوان: "الحرية و قيم الخير و الجمال" ورقة وقعت بأيدينا نشرت في مجلة الثقافة عدد ماي 2004 ، أن الإنسان إذا كان بإمكانه أن يعيش بلا رئتين يمكن الكتابة أن تحيا بدون حرية، فحرية الكاتب هي الهواء الذي يستنشقه، و الإنسان وحده الذي يحقق حريته في الوجود
----------------------------------------------------------
فعندما يتحرر الإنسان من كل قيود المادة يجد الخير و الجمال أمامه، هكذا هو الإنسان ، فإن كانت الشجرة لا تنبت و لا تثمر إلا في التربة النقية، فقيم الخير و الجمال لا توجد إلا في فضاء الحرية، و المتأمل في هذه الدراسة يقف على انه يستعمل المنطق في تحليل الظاهرة الإبداعية، فهو جمع بين الأدب و الفلسفة، عندما تحدث عن "الكُلِّ و الجُزْءِ" و ربطهما بالحرية، و كأنه أراد القول أن الإنسان وجب عليه أن يحقق حريته كاملة غير منقوصة، و لا يقبل بجزء منها، دون الأجزاء الأخرى، و إذا لم يحققها كاملة لا يمكنه أن يكتب، فبوجود الحرية يرسم الإنسان طريقه في الحياة، و هذه تتحدد بشخصيته و قدرته على التأقلم مع الواقع المفروض عليه، بحيث يفرض نفسه عليه و يحقق وجوده و حضوره، و وجود الإنسان لا يتحقق إلا إذا شعر أنه حرٌّ في تفكيره و حرٌّ في اتخاذ قراراته ، و حرٌّ في رؤية العالم بالطريقة التي يراها هو، حرٌّ في أن يختار ما يريد هو، أن يحرك قلبه و عقله بإرادته هو، لا بإرادة غيره، بمعنى لا يترك مجالا للأخر أن يتحكم فيه.
و الحديث عن الجزء و الكلِّ شبيه بالحديث عن الشجرة و الجذور، و معرفة كيف تنتج الشجرة من الجذر، و كيف لهذا الجذر الصغير ينتج شجرة و يجعلها تخرج إلى الوجود ؟ قد يقول قائل أن الماء و الشمس عامل مهم في عملية النمو، و أن الجزء قد يصبح كلا، فعندما يعيش الإنسان لغيره فهو يرفع الجزء إلى الكل، و بهذا الجزء يحقق الكمال، و هذا الكمال لا يكتمل إلى بوجود قيم الحب و الخير و الجمال، التي تحدث عنها الأديب الطاهر يحياوي في دراسته، غير أنه أضاف أن للحياة قوانينها و للكون قوانينه، أي أننا سنكون بحاجة للنظر إلى العلاقة بين الجزء و الكل، أو إخضاعهما للتحليل، و بالتالي نقول كيف للجزء أن يرى الكل؟ ، و يفرق صاحب الدراسة أن بين القانون و القيد و يعتبر القيد بمثابة الحواجز و الموانع، لكن ألا يمكن القول هنا أن الإنسان واضع القوانين، تخطى كل القيود، و لا يجد مانعا للقفز على كل القوانين، و القيام بكل ما هو مخالف لها، لأنه ببساطة وضع قوانين على مقاسه .
يقول الأديب الطاهر يحياوي أن كل المدارس النقدية و منذ زمن بعيد حاولت أن تُقَنِّنَ الكتابة شكلا و مضمونا، و لكن كل المحاولات باءت بالفشل، و بتعبير آخر لم تجد التربة النقية لزرع أفكارها و بذورها، و الدليل أن الذين يسمون أنسهم بـك " النخبة" ما زالوا يعيشون على حلم أن تتحقق حرية التعبير و الرأي و الكتابة ، فالأمر إذن لا يتعلق بنقاشات الكتابة و أساليبها، فمهما كانت نوع الكتابة، سواء كانت شعرية أو نصية كما قال هو ، فإننا نقف مع الكاتب عندما قال: " إن الحديث عمّا يجوز و لا يجوز في الكتابة ظل حبيس الذوق و الأخلاق العامّة، لا غير، و لا يتعدى ذلك إلى نظرية ما أو قانون في شكل دستور أو ميثاق الكتابة"، و يضيف الطاهر يحياوي في دراسته أنه من الصعب تحديد إطار للكتابة أو تحديد قانون المبدع.
و انطلاقا من هذه الأخيرة ( قانون المبدع) نرى أن المبدعين سواء كانوا شعراء أو كتاب أو كانوا في السينما أو على ركح المسرح، لكم يضعوا قوانين لإبداعاتهم، بحيث ظلوا و لا زالوا يتخبطون في الفوضى، و كل ما طالبوا به سوى إصدار قوانين تحميهم كأشخاص ، و الحصول على بطاقة فنان أو مبدع، و هكذا فقدوا الجمال الفني و الإبداعي إن صح القول، بعدما وجدوا أنفسهم في مواجهة مع السلطة، و الحقيقة أنه يمكن أن يمنح للطبيب شهادة طبيب، و للمهندس شهادة مهندس، لكن لا يمكن أن يمنح للكاتب شهادة كاتب أو مبدع، لأن الكتابة لا تتحدد بشروط، لأنها قبل كل شيئ " موهبة" و الكاتب تكون له قدرة على الكتابة، بمعنى أنه لا يشترط على الكاتب و المبدع أن يقدم شهادة جامعية لكي يثبت للناس أنه كاتب و مبدع، لأن الكتابة تقوم كما أسلفنا على الموهبة و الإلمام بما يحدث في الساحة فيعالجها بقلمه.
و المتأمل في كتابات الأديب الطاهر يحياوي يجد أنه يرسم لوحة للكتابة في عبارات جميلة ساحرة، تتسلل إلى القلب في صمت، فلا يفهمها إلا فنان مبدع، يقول الطاهر يحياوي: " الكتابة كالأحلام، كالأشياء الغامضة، كلون الماء و الريح لا يمكن القبض عليهما"، و ربما أراد صاحب الدراسة أن الكتابة ليست في متناول الجميع، و موهبة لا يملكها إلا القليل ، و على الكاتب أن يعيش الواقع، فلا يؤمن بالأوهام، أو يكون كذلك الذي يطارد خيط الدخان، و لهذا نجد بعض الكتاب يقفزون على الحواجز أو "البرافانات" على قول ألأديب الفرنسي جان جنيه الذي قال ولدت في الشاعر و سأموت في الشارع، و لعل جان جنيه كان صادقا لأن الكاتب الحقيقي لا هوية له، فاليوم يكتب عن قضية و غدا يكتب عن قضية أخرى، فهو في صراع دائم مع الذات و لا يسمع إلا لصوت الضمير.
و هو يتحدث عن تاريخ الكتابة في أشكال الأدب الرمزي و غيره، يضيف الأديب الطاهر يحياوي أن الكاتب يواجه صراعا مريرا مع المناهضين له و لأفكاره، و ما يحدث هنا و هناك بين رجال السياسة و الدّين، دليل على أن الكاتب يصرُّ دائما على تخطي "الممنوع"، و المناهضون لأفكاره يصرون دائما على نصب المتاريس ، و تلك إحدى متاعب الكتابة، هكذا قال الأديب الطاهر يحياوي، و النتيجة التي خرج بها هي أن "الحرية من أقدس مقدسات الكتابة، و إذا فقدت الكتابة عامل الحرية فإنها لم تعد أبدا كتابة إبداعية" و الكاتب العظيم في رايه دائما ينشا في معهد الحرية فتأتي الكتابة الحرة عظيمة ، تحمل ملامح الاستقلالية و التفرد الذي هو العلامة المميزة الأولى للمبدع الكبير.
علجية عيش بتصرف
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟