عبدالرجاء لهديلي
الحوار المتمدن-العدد: 5340 - 2016 / 11 / 11 - 15:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دونالد ترامب: الحدث التاريخي
لقد شكل فوز "ترامب" في الانتخابات الأمريكية مفاجأة حقيقية، سواء بالنسبة لمتتبعي الشأن السياسي من خارج الأمم المتحدة أو المواطنون الأمريكيون أنفسهم، وهي مفاجأة تدعونا إلى مراجعة كل مفاهيمنا التقليدية حول طريقة تدبير الحكم في أمريكا، ويمكن أن نرجع انتقال السلطة بهذا البلد، من يد الديمقراطيين إلى يد الجمهوريين، إلى عاملين أساسيين هما:
أولا؛ التهميش الذي تعرضت له فئة العمال البيض تاريخيا، والتي ثم رد الاعتبار لها فقط على مستوى الخطابات دون تحقيق مطالبها واقعيا. ولهذا نجحت دعايات ترامب الشعبوية في استمالة هذه الفئة، عبر مخاطبة حاستهم الانفعالية، فكان بذلك تغيير لهجة الخطاب والابتعاد به عن التقليد المعتاد ضروريا لهذه اللحظة التاريخية، لأنه استطاع بكل بساطة أن يمتص غضب فئة عريضة من الناقمين عن السياسة الأمريكية التي تخلت، في نظرهم، عن مشاكل أمريكا الداخلية وتوجهت نحو الاهتمام بمشاكل دول أخرى.
ثانيا؛ أحداث العالم العربي وتنامي ظاهرة الإرهاب في أوروبا، أدى إلى تعزيز نظرة الكثير من الأمريكيين العنصرية تجاه الغرباء، والتي كانت فيما مضى تتعارض مع قيم الأمريكي التقدمية، فرفضها الحزب الديمقراطي لكن الحزب الجمهوري احتضنها واستعملها في الدعاية.
أمام هذا الحدث التاريخي يمكن أن نطرح سؤالين مهمين، الأول يتعلق بطبيعة الديمقراطية الأمريكية، والثاني لا ينفصل عنه، ويتعلق الامر بمستوى الوعي السياسي لدى الأمريكيين وطبيعة تفكيرهم في قضايا حقوق الإنسان؟
إن الديمقراطية في "بلاد العم سام" لم تعد تعكس الوجه الحقيقي لأمريكا "كأمم متحدة"، حيث صار من حقنا أن ننعتها بـ «الأمم غير المتحدة"، الأمم التي تكشف عن تضارب واختلاف جوهري، خصوصا فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والتي تولت أمريكا رعايتها، وحمايتها من العنصريين المتهجمين عليها. فمن سيتولى هذه المهمة اليوم بعد صعود "ترامب " إلى السلطة؟ هل ستسمر أمريكا في أخد الريادة علما أن موقف الحزب الجمهوري لم يكن حقوقيا في أفكاره وبرنامجه السياسي أم أنها ستتخلى عن ذلك وتتوجه نحو تبني فكرة هيتلر " الداعية إلى التمييز والحدر من المواطن الأجنبي"؟
يمكن أن ننعت الديمقراطية الامريكية بـ "الاختيارية"، حيث يمكن للإنسان اختيار أن يكون ديمقراطيا أو غير ديمقراطي. وهنا ستبقى حقوق الإنسان شعار في الخطابات وعلى الورق لا غير، حيث ستصبح مثالا نعقد فيه أمالنا لنحصل عليه دون أن نصنع شيئا، فما الجدوى إذن من حزب ديمقراطي أو جمهوري أمام هذا الضرر الذي أصاب الديمقراطية الأمريكية؟
في الحقيقة هذه الانتخابات قد كشفت لنا صورة العقل الأمريكي، الصناعي، الذي يبحث عن الثراء والغنى حتى لو كان ذلك على حساب الأخلاق، عقل يستطيع أن يلعب لعبة "المحاماة" في كل شيء له علاقة بالسياسة (أعطني مالا وأستطيع أن أبين بالحجة أنك بريء)، ألم يوحي خطاب "ترامب" عن هذه الطريقة في التفكير حينما طلب من دول الخليج دفع أموال كثيرة من أجل الحماية (وإن لم تدفع يمكن أن أبين بالحجة أنك ظالم وتستحق ما يحدث لك)، هكذا إذن ستصبح أفكار الحزب اللاديمقراطية أفكارا ديمقراطية، العنصرية، التمييز، الإقصاء... كلها مفاهيم ستجد تبريرا لها في العمل السياسي الأمريكي.
إن تهميش النخبة في المجتمع الأمريكي وتعويضها بـ"فئة الأثرياء" يمثل انحرافا عن الديمقراطية وتوجها نحو البلوتقراطية ( حكم الأثرياء)، على حد تعبير المفكر الكبير "نعوم تشومسكي"، توجه نحو الإنهيار وفقدان المعيار الصحيح في اختيار الشخص المناسب، لأن ما يهمنا هنا ليس هو "ترامب كرجل ملياردير وانما مواقفه و أفكاره التي على أساسها تم اختياره رئيسا لأمريكا، إنه يعكس أفكار أمريكا بالدرجة الأولى وليس "ترامب الشخص"، ما كان على الحزب القيام به كحزب يحترم مبادئا معينة هو ابعاده واقصاءه أثناء الحملة الانتخابية لطبيعة أفكاره التطرفية، لكن ما حصل هو العكس تماما.
رغم ما يمكن قوله حول هذا الحدث السياسي الأمريكي، إلا أن هناك خيوط أخرى تظل غامضة بالنظر إلى الاحتجاجات الواسعة التي أظهرها الشارع الأمريكي بعد نجاح ترامب والتي تسمح لنا بطرح سؤال جديد يمكن صياغته على الشكل التالي: من أين تستمد السلطة في أمريكا مشروعيتها؟ وما طبيعتها؟ وهذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه إلا عن طريق بحث ميداني دقيق.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟