أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سامح نجيب - من السيسي إلى ترامب: الرأسمالية تقدِّم أسوأ ما فيها















المزيد.....

من السيسي إلى ترامب: الرأسمالية تقدِّم أسوأ ما فيها


سامح نجيب

الحوار المتمدن-العدد: 5339 - 2016 / 11 / 10 - 07:58
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



هل هناك علاقة بين صعود ترامب ووصوله للرئاسة في الولايات المتحدة وصعود السيسي وما يفعله لتثبيت حكمه في مصر؟ الإجابة في تصوري هي بالإيجاب.

نحن نعيش اليوم في عالمٍ رأسماليٍ متداخل لا زال يعاني من آثار الكساد الكبير في ، ٢٠٠٨. خلق ذلك الكساد مستوياتٍ من البطالة والفقر كانت صادمة لقطاعات واسعة من الطبقات العاملة والطبقات الوسطى في مختلف أنحاء العالم. في الولايات المتحدة رأينا صعودًا ليمين عنصري ورجعي تمثل في البداية فيما سُمِيَ بجناح حزب الشاي في الحزب الجمهوري، ثم تمكن ترامب من احتلال تلك المساحة من جانب، وصعود يسار جديد في الحزب الديمقراطي متمثل في بيرني ساندرز الشيوعي السبعيناتي الذي كاد أن يطيح بهيلاري كلينتون في انتخابات الحزب الديمقراطي. رأينا ظاهرة شبيهة في بريطانيا حيث تداعى الوسط السياسي، وصعد يمين جديد متمثل في حزب يوكب العنصري المعادي للمهاجرين وصعود يسار جديد من داخل حزب العمال في شكل جيرمي كوربن. الأزمة الرأسمالية شبه الدائمة أفقدت ثقة الجماهير في النخب السياسية التقليدية، والتي أصبحت جميعًا تتبنى نفس السياسات الليبرالية الجديدة، وأصبح هناك عطشًا للبدائل سواء ليمين شعبوي يستثمر مخاوف الناس من البطالة والفقر ويوجهها نحو أعداء وهميين (المسلمين، المكسيكيين، الأجانب، المؤامرات الخارجية، إلخ)، أو يسار يطرح رؤى أكثر جذرية تبتعد عن الليبرالية الجديدة حتى وإن بقي في نطاق إصلاحي.

ترامب ليس مجرد زعيم يميني يتبنى الرأسمالية، بل أخطر من ذلك بكثير. إنه يريد أن يبني على مخاوف وغضب قطاع محدد من الجماهير (قطاعات من الطبقة الوسطى والعاملة البيضاء) ويحولها إلى حالة هستيريا وطنية عنصرية مضادة ليس فقط للثورة بل لكل إصلاح أو مكسب تقدمي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم يتمكن يسار ثوري خارج الأطر الخانقة للأحزاب الإصلاحية التقليدية من البناء الفعال لطرح نفسه كبديل لهذا الكابوس؟ هذا السؤال ليس مجردًا وليس تاريخيًا؛ فالتحدي مازال مطروحًا والغضب مازال صاعدًا والأزمات الرأسمالية مازالت مستمرة، وصعود ترامب وما يمثله ليس قدرًا محتومًا. ما حدث في نوفمبر ٢٠١٦ في أمريكا هو درسٌ حول خطورة اليمين الشعبوي وعمق الأزمة الرأسمالية وفشل اليسار التقليدي في الأحزاب الإصلاحية في مواجهة ذلك التحدي.

ماذا عن نوفمبر ٢٠١٦ في مصر؟ مصر بالطبع ليست منفصلة عن هذا العالم الرأسمالي وأزماته السياسية والاجتماعية. والثورة والثورة المضادة في مصر منذ ٢٠١١ وحتى اليوم هي جزءٌ لا يتجزأ من هذا العالم الجديد بإمكانياته ومخاطره وبقواه الثورية والإصلاحية والمعادية للثورة. وما حدث في مصر في نوفمبر جزءٌ من نفس الحالة ونفس التحدي الذي يمثله وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية.

جاءت قرارات نوفمبر الاقتصادية في مصر، والتي مهَّدت لقرض كبير من صندوق النقد الدولي، لتكشف من جديد وربما بشكل أعمق عن المضمون الاقتصادي والاجتماعي للثورة المضادة. يمكننا رصد ذلك على عددٍ من المستويات. المستوى الأول هو المضمون الطبقي المباشر. كثيرون من مؤيدي انقلاب ٣ يوليو، وممن شاركوا فيما سُمِيَ بتحالف ٣٠ يونيو، بل حتى بعض اليساريين (سمير أمين نموذجًا) توقعوا في بداية الانقلاب أن السيسي سيتبنى سياسات اقتصادية ذات طابع شعبوي تقدم، ولو بشكل محدود، بعض التنازلات للغالبية من العمال والفلاحين والفقراء وتبتعد بدرجةٍ أو بأخرى عن سياسات الليبرالية الجديدة والتي تبنتها الحكومات الأخيرة في حقبة مبارك بشكلٍ متطرف. غُلَّفت تلك التوقعات بتنويعة من التنظيرات، منها افتراض وجود تعارض وهمي مفترض بين مصالح الجيش والدولة من جانب وبين كبار رجال الأعمال ودائرة جمال مبارك من الجانب الآخر، ومنها تصوُّر أكثر حماقة حول منظور ودور تنموي لقادة الانقلاب شبيه بما حدث في الفترة الناصرية.

ولكن منذ الانقلاب وحتى اليوم، تبخرت كل تلك الأوهام، فلم نرَ من حكومات ما بعد الانقلاب من الببلاوي إلى شريف إسماعيل، سوى سياسات من التقشف والليبرالية الجديدة وعودة كبار رجال الأعمال من حقبة مبارك للصدارة في تحالفٍ وتداخلٍ متجدد مع قادة الجيش والدولة. ولكن قرارات نوفمبر تعتبر نقلة نوعية ليس فقط مقارنةً بسياسات العامين الماضيين بل تعبر عن اختلاف جوهري بين نظام السيسي ونظام مبارك. لابد أن نتذكر أولًا أنه في فترة ما بعد ثورة ٢٠١١، كان النظام (سواء فترة المجلس العسكري أو فترة مرسي) مجبورًا على تقديم تنازلات منها تأجيل أي إصلاحات ذات طابعٍ تقشفي ومنها التوسع في التعيينات والتثبيت في الوظائف الحكومية. جاءت تلك التنازلات تحت ضغط موجات الإضرابات المتتالية التي أعقبت الثورة. جاء الانقلاب في ٢٠١٣ ليوقف تلك التنازلات وليبدأ عبر مراحل مدروسة في هجوم مضاد.

بدأ الهجوم المضاد بمرحلة التعبئة السياسية التي مهَّدت للانقلاب، ثم مرحلة القمع والمذابح والقوانين الاستثنائية لتصفية كافة أشكال المعارضة للانقلاب والتي بدأت بالإخوان وتوسعت لتشمل كل من شارك في ثورة ٢٠١١. وخلال ذلك كله كان هناك تمهيدٌ وتحضيرٌ دعائيٌ وسياسي للهجوم الاجتماعي والاقتصادي الذي نشهده اليوم. وكلنا نتذكر مكونات الحملة الدعائية التي شكلت نوع من الموسيقى التصويرية لفيلم القمع والقتل المستمر: عجلة الإنتاج، والأزمة، والفوضى، والمؤامرات من الخارج، ومخاطر الإرهاب، ومخططات قوى الشر، ومخاطر انهيار الدولة، والمقارنة بسوريا والعراق.

ما يجب الانتباه اليه هو أن الثورة المضادة ليست مجرد عودة للنظام القديم. الثورة المضادة تحاول، من خلال مزيج من التعبئة السياسية والأيديولوجية والقمع غير المسبوق، أن تنفِّذ ما فشل في تنفيذه النظام القديم. وهذا المنطق يتكرر في كافة الثورات المضادة. فحدث الثورة نفسه يعني أن النظام القديم لم يعد قادر على الاستمرار، وبالتالي لا يمكن مجرد محاولة ترميمه أو إعادة بناءه كما كان. على قادة الثورة المضادة أن يحوِّلوا زخم وجرأة الثورة إلى زخم وجرأة للثورة المضادة. الركود والتردد أظهر ضعف النظام القديم وفتح أمام تلك الطبقة باب الجحيم – باب الثورة. ثقة وجرأة وقدرة الجماهير التي ظهرت مع الثورة لا يكن من الواجب فقط كسرها بالقمع وبتعبئة قطاعات من الطبقة الوسطى ضدها، بل كان يجب تحويل ذلك إلى هجوم منظم على حقوق ومكتسبات تلك الجماهير وجعلها تدفع ثمن فشل وأزمة الطبقة الحاكمة القديمة. هذا ما يميِّز قرارات نوفمبر ٢٠١٦.

سياسات التقشف وتخفيض العملة كشروط لقروض دولية خاصة من صندوق النقد الدولي ليست جديدة على الطبقة الحاكمة المصرية وعسكرها. منذ ستينات عبد الناصر والنظام المصري يقترض من صندوق النقد الدولي مقابل “إصلاحات اقتصادية ومالية” منها تخفيض قيمة العملة (قرض ب٢٠ مليون دولار في مقابل تخفيض قيمة الجنيه من 35.2 قرش للدولار إلى 43.5 قرش للدولار عام ١٩٦٢).

ولكن، كما ذكر السيسي نفسه في إحدى خطبه، فالمقاومة العمالية والجماهيرية لسياسات إلغاء الدعم والتي وصلت لقمتها في انتفاضة ١٩٧٧ جعلت النظام ينفذ تلك السياسات بدجة كبيرة من التردد والتراجعات والبطء، وآن الأوان للجرأة وعدم التردد.

من مآسي الثورات غير المكتملة والمهزومة ليس فقط الثمن الفادح في الدم والقمع، ولكن أيضًا أنها تخلق عدوًا من نوع جديد غايته الوحيدة إعاده توحيد الطبقة الحاكمة والتحول من الدفاع إلى الهجوم.

تبريرات قرارات نوفمبر ليست جديدة وتكررها كل الحكومات التي تقدم على مثل هذه السياسات. التقشف وخفض الدعم (أي التخفيض غير المباشر للأجور والدخول) هو الحل الوحيد للعجز في الموازنة، وخفض قيمة العملة (أي زيادة الأسعار بالنسبة للأجور) سيشجع الاستثمار الأجنبي والتصدير والسياحة وتقليص العمالة في القطاع الحكومي (أي تشريد العمال والموظفين) سيزيد من كفاءة الجهاز الإداري للدولة. كل تلك التبريرات مجرد أكاذيب يعاد إنتاجها منذ السبعينات. تبريرات يتم طرحها وكأن الأزمات الاقتصادية قضاء وقدر مثل الزلازل أو البراكين. بقدرة قادر يصبح العامل والفلاح في مصر هم السبب في فشل الرأسمالية المصرية في التصنيع والتحديث والتصدير.

حقيقة هذه القرارات هي أنها وسيلة لإخراج الرأسمالية المصرية من أزمتها من خلال تحميل الفقراء الثمن. تخفيض العملة بنسبة أكثر من ٥٠٪ في بلد يستورد غالبية حاجاته الأساسية بالعملة الأجنبية لا معنى له سوى خفض الأجور والدخول الحقيقية للغالبية العظمى بشكل غير مسبوق. وأن يتزامن ذلك مع رفع الدعم عن سلع ضرورية وأهمها الطاقة، فهذا معناه أننا أمام أكبر عملية إفقار ونهب مباشر من غالبية سكان مصر لصالح كبار رجال الأعمال وقادة الدولة والجيش. وهنا يمتزج السياسي بالاقتصادي. عبد الفتاح السيسي يريد أن يصدم الجماهير بهذا الهجوم غير المسبوق. يتحدى شعب قام بثورة من أجل حياة أفضل، ضد نفس الطبقة ونفس النظام ونفس السياسات.

والسؤال بالطبع هو كيف نواجه هذا التحدي؟ كيف نربط بين مواجهة ما تقوم به الدولة من قمع واستبداد وبين مواجهة سياسات الإفقار الحالية؟ هذه المواجهة لن تأتي بمجرد تحديد يوم للنزول أو التحرك كما يحاول البعض أو كما تريد الأجهزة الأمنية أن تدفع البعض نحوه. السيسي ليس مبارك، ونظامه قد مرَّ وتعلَّم من تجربة الثورة الأولى وانقلابه لم يبدأ في الترنح بعد. لا يوجد طريقٌ مختصرٌ لمواجهة هذا الخطر الداهم على حياة ومعيشة غالبية المصريين. إعادة بناء المعارضة السياسية والاجتماعية لهذا النظام وسياساته بكل ما يعنيه ذلك من تنظيمات ونقابات عمالية ومهنية وحركات طلابية وشبابية وجبهات سياسية توحد القوى الممثلة لثورة ٢٥ يناير. إن ما يتم تنفيذه اليوم من قرارات اقتصادية يجب أن يتحول من مصدر للخوف والإحباط والتراجع إلى تحدي يجب أن يوحدنا للعمل الدؤوب والصبور ليس فقط نحو وقف وتغيير هذه السياسات بل للخلاص من كابوس العسكر ورجال الأعمال. ولو كان أحدٌ يشك في علاقة أحداث نوفمبر في مصر وأمريكا، فلينتظر الزيارة الأولى لعبد الفتاح السيسي للبيت الأبيض.



#سامح_نجيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنرال والدولار
- من الثورة إلى الثورة المضادة
- حول اليسار والموقف من الإسلام السياسي والثورة المضادة في مصر ...
- شهداء رابعة شهداء الثورة المصرية
- أربعة أيام هزت العالم
- مصر : الإخوان المسلمون تحت الضغط
- سامح نجيب، عضو قيادي بمنظمة الاشتراكيين الثوريين في مصر في ح ...
- الاشتراكيون الثوريون ومبادرة تسليم السلطة للبرلمان
- الثورة المصرية فى منتصف الطريق
- الإخوان المسلمون رؤية اشتراكية
- الإسلاميون والثورة
- عن الأزمة واليسار الأوربي ودعم المقاومة..
- حزب الفقراء أغنى الأحزاب اليسار المصري والمنظمات غير الحكومي ...
- حزب الفقراء أغنى الأحزاب: اليسار المصري والمنظمات غير الحكوم ...
- حتى يصبح اليسار .. يسارا بالفعل


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سامح نجيب - من السيسي إلى ترامب: الرأسمالية تقدِّم أسوأ ما فيها