أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شكيب كاظم - فاجعة الصمت في الحياة والنشر بعد الممات.. وقفة عند الارث الابداعي لحسني الناشئ















المزيد.....

فاجعة الصمت في الحياة والنشر بعد الممات.. وقفة عند الارث الابداعي لحسني الناشئ


شكيب كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 5327 - 2016 / 10 / 29 - 14:53
المحور: سيرة ذاتية
    


ميل هذا الوفاء الذي زان القاص والروائي حنون مجيد، وازدان به، ازاء الارث الابداعي لصديقه الاثير الى نفسه القاص والروائي العراقي حسني الناشئ، الذي عصفت به انواء السياسة العراقية المضطربة، التي جعلتنا نخسر الكثير من الامكانات والمواهب، التي لو عاشت في مجتمع منفتح يسمع الآخر، لكان لها شأن اي شأن. لقد اهتم القاص والروائي حنون مجيد، بإرث حسني الناشئ، الذي بدأ الكتابة منتصف الستينيات وعلى وجه التحديد سنة 6691 اذ نشر قصته الاولى الموسومة بـ(الشارع ومصباح النيون) وكان النشر هذا -كما يقول حنون مجيد- متأخرا قياسا على ما كتب وكثرة ما كتب مما لم ير النور، وظل مخبوءا في مدارج النسيان، وما اشد قسوة ذلك على نفس الاديب مرهف الحس، الذي وضع في حسبانه وهو يكتب ان ما يكتبه موجه لانسان، لقارئ، فاذا بالظروف القاسية تأسر هذا المكتوب، وتتركه حبيس مدارج النسيان، وكان آخر ما كتب من قصص، هي قصته التي سماها (القاع) وقد كتبها سنة 2002، وهي تصور حياته وقد اشرف على عامه الستين، وقد عصفت به الارزاء والمرض الوبيل في عينه، التي تجعله يرى الاشياء مائلة او متقاطعة، هذا المرض اللعين، الذي اخبره طبيب العيون، انه يصيب شخصا من كل مئة الف شخص، لذا فان حسني الناشئ من بين مئة الف، يعاتب القدر الذي اختاره بلا تردد ليكون الضحية لمرض التهاب العصب المحيطي، ترى اين يقع هذا العصب، من تلافيف الدماغ، بالغة التعقيد والعدد؟ ففي هذه السنة يرحل حسني الناشئ، وان من يقرأ هذه القصة (القاع) يجدها ارهاصا بالرحيل، فهي مكتظة بالاحباط واليأس والاذى.

لقد كتب حسني الناشئ القصة القصيرة، فضلا على القصة القصيرة جدا، ولقد نشر صديقه حنون مجيد، نتاجه هذا الصادر عام 2013 عن دار الجواهري ببغداد بكتاب اسود الغلاف ليرمز الى سوداوية الحياة التي اعتصرت هذا الاهاب المرهف، وقساوتها، سماه (عرس الروح) وهو عنوان القصة الاولى من هذه المجموعة القصصية، التي تصور خلجات زوجة شابة تنتظر الزوج البعيد عنها هناك في جبهات الحرب، تستمع بوجل الى اخبار الحرب وشراسة المعارك، فتحدس بالآتي، من ضمير الغيب وعلى الرغم من تهوين امها من مخاوفها، واذ تعود الى بيتها، بعد جولة لتبديد القلق، يصدمها ما احسته، واقلقها، وجدت جو البيت معتما كابيا، والداها يلفهما صمت ثقيل.. خمنت في لحظات كل شيء، لقد اكلت الحرب الضروس زوجها الشاب وتحطمت حياتها، وهذا هو ما تفعله الحروب التي تحول المجتمعات الى يباب وهباء.
في روايته (النفق) التي تولى صديقه حنون مجيد –كذلك- نفض الغبار عنها، واطلقها امام عيون القراء، بعد سنوات من الحجب والاخفاء، ولتتولى دار الجواهري –هي الاخرى- نشرها عام 2014، هذه الرواية التي كتبها حسني الناشئ عام 1982، وفي اقل من شهر، سبعة عشر يوما، كما يشير حنون مجيد في مقدمته لها، يعود حسني الناشئ الى الموضوع الاثير الى نفسه، موضوع السياسة، التي جعلته يدفع الثمن غاليا، وافجعها ان جعلته يكتب، ويدفع بهذا الذي يكتبه الى مدارج العتمة والنسيان، بسبب ضيق الصدر وسياسة الكبت والكبح التي عصفت بالحياة العراقية منذ عقود وعقود.
والرواية، لا تستطيع نزع جلدها الفني، ولانها مكتوبة في ذلك التاريخ البعيد، فلقد كانت تقترب من توجهات روائيي ذلك الوقت، واضعين في حسباننا، اننا كنا في البدايات، اذ لم تكتب حتى ذلك التاريخ رواية حازت شروط فنية الرواية سوى غائب طعمة فرمان وموفق خضر وعبدالرحمن مجيد الربيعي وياسين حسين، فلقد تناول حسني الناشئ فيها قضيتين استأثرتا باهتمام الناس، اولاهما انشقاق حصل في حزب سياسي عراقي، والاحزاب العراقية العلنية والسرية تعاني غالبا من هذا التوجه المؤسف فانتقل فصيل منه اطلق على نفسه اسم (القيادة المركزية) الى مناطق الاهوار لتكون منطلقا لاسقاط السلطة!! ولست ادري كيف اقتنع هؤلاء بهذا المكان البعيد عن العاصمة ومركز القرار ليتخذوه مرتكزا؟ هل كانوا مقتنعين بتجارب ماوستي تونغ في المسيرة الكبرى ضد سلطة شأن كاي شك؟ او منطلقات فيدل كاسترو من السيراماستيرا وتوجهه نحو العاصمة ودخوله لها في اليوم الاول من سنة 1959، وبقي الفصيل الثاني على اسمه القديم (اللجنة المركزية)، والقضية الثانية التي تناولها حسني الناشئ في روايته القصيرة هذه، قضية شغلت الناس طويلا واكثروا الحديث بشأنها، مسألة حفر نفق في سجن الحلة يطل على كراج سيارات المدينة، وكان الشاعر مظفر النواب ممن هربوا، حيث يطلق حسني الناشئ عليه في الرواية اسم (ظافر).
الروائي الراحل حسني الناشئ، وان كان ملتزما بفكر سياسي يساري، فان روايته هذه ما كانت صدى اجوف لافكاره، بل جاءت منسابة، قريبة من الواقع، وان كان فيها من الهتاف والتقريرية شيء، ولاغرو في ذلك، فالروائي يتناول مسألة عاصفة حساسة جعلت حزبا سياسيا عراقيا يعاني اختلالا واضحا، كتبها –كما يقول حنون مجيد- بنفس لاهب حار، لاحق فيه فاعلية اولئك السجناء، كما لو كان بينهم، وكتبها بلغة متسارعة، وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم مما اراد ان يبدو فيه حياديا، في سرده لحوادث الانشقاق وما تركه من ظلال قاسية حتى على نزلاء السجون، فأنقسموا هم الاخرون الى قسمين، مما دفع بذلك الرجل الرصين الهادئ الى ضرب نفسه بالفعل احتجاجا على ذلك، كان شيخا في الستين من العمر، خطا بثبات ووقف بين المتخاصمين، قال مخاطبا الجميع بصوت راعش لكنه واضح، معلنا انه كان معجبا برفاقه وآملا ان تسير الامور في طريقها الصحيح، اما الان فانا اصيخ على كل ما يجري هنا داخل هذه القاعة.. بسرعة أخرج نعليه، ثم انهال على رأسه ووجهه ضربا بهما.. تسارع البعض اليه.. امسكوا يديه، قال بعد فترة صمت انتشر ثقلها على النفوس.
-تتعاركون وانتم في سجن واحد، وامام سجانيكم الذين يشمتون بكم ويسخرون؟.. اني آسف على السنين التي مضت هنا بلا معنى.. قام متثاقلا.. لبس نعليه، ثم مضى خارجا من القاعة.
اقول وعلى الرغم مما اراد ان يبدو فيه حياديا، في سرده لتداعيات الانشقاق، فان القارئ المدقق ليكاد يلمس انحيازه الى جماعة اللجنة، فها هو يصف مسؤولهم الرفيق حسين طالب منتصبا كانه الرمح، عيناه تومضان بشدة كأنه باشق فضلا على صوته الحاد المؤثر وانهم اكثر مبدأية وتضحية، في حين يصور الآخرين، بالسلبية، ومحاولة الاستئثار، انهم يستأثرون بالنفق، الذي اشتغل عليه الجميع، يجعلونه خاصا بجماعتهم، في حين يطالب حسين طالب باخراج السجناء من ذوي الاحكام الطويلة الثقيلة ومن الكتلتين وانه لن يعطيهم فرصة الانفراد بتنفيذ ما اتقفوا عليه، لذلك آثروا التريث وقبول الامر الواقع الذي فرضه عليهم حسين طالب الا وهو الاتفاق معه على تحديد الوقت المناسب للقيام بالمهمة، مهمة هربهم من السجن من خلال النفق الذي حفروه، وهذا هو بالتحديد ما ناقشوه مرارا واتفتوا عليه مرغمين، لقد تحدثت اكثر من مرة، عن خساراتنا الجسيمة لكفاءاتنا على كل الصعد، بسبب عدم قيولنا للحوار، وضيق صدر المجتمع العراقي وقسوته، فآل الحال الى رحيل عن الوطن، ورحيل عن الحياة، وكان نصيب حسني الناشئ الذي ما استطاع قبول ومعايشة اجواء الكبت والعسف، هو الحساس، مرهف الحس، ان يرحل عن الحياة مسراعا، ليكون رحيله المبكر نسبيا تجسيدا لخساراتنا المأساوية.



#شكيب_كاظم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَنْ الذي سَمَّ أبا هاني وديع حداد؟ هل تم بيع مؤسس الفرع الخ ...


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شكيب كاظم - فاجعة الصمت في الحياة والنشر بعد الممات.. وقفة عند الارث الابداعي لحسني الناشئ