أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - اللجنة التحضيرية للمبادرة - مبادرة «التغيير نحو الإصلاح الشامل» في العراق















المزيد.....



مبادرة «التغيير نحو الإصلاح الشامل» في العراق


اللجنة التحضيرية للمبادرة

الحوار المتمدن-العدد: 5320 - 2016 / 10 / 21 - 09:47
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


مبادرة «التغيير نحو الإصلاح الشامل»

ورشة هامبورغ / ألمانيا في 24-09-2016
انطلقت المبادرة من مجموعة من الشخصيات الوطنية من خارج وداخل العراق
وتبنتها تنسيقيات وقوى التيــــــــــــــــــــــــــار الديمقراطي العراقي في الخارج


إعداد اللجنة التحضيرية للمبادرة



مقدمة عن المبادرة
إن فكرة المبادرة بدأت من مجموعة من الإخوة، ثم شقت طريقها إلى الوطنيين من بنات وأبناء شعبنا العراقي الحبيب في داخل وخارج العراق، كي تُغنى فكراً وتزداد قوة وممارسة نضالية. ثم شقت طريقها بالتوسع بخطوات وئيدة، مستفيدة من التطور الأليكتروني والتواصل الاجتماعي، جامعة عراقيي المهجر من أستراليا وأمريكا وكندا ودول أوروپية وعراقيي الوطن الحبيب، عبر وسائل التواصل المختلفة. وتم مناقشة اسم المبادرة بأناة وطول بال، ليس لكونه اسما فحسب، بل لمدى تعبيره عن إمكانية الوصول إلى الأهداف والمضامين الديمقراطية التي يعبر عنها هذا الاسم، ومدى إمكانية تحقيق تلك الأهداف والمضامين. واتفق أن يكون اسم المبادرة «التغيير نحو الإصلاح الشامل». وقد تم تشكيل لجنة تحضيرية لمتابعة تنفيذ هذه المبادرة، ضمت تسعة زملاء من داخل وخارج العراق. وأنيطت بهذه اللجنة مهمة الاتفاق على أربع مسائل أساسية هي:
1. تشخيص المحاور التي يفترض الكتابة فيها، حيث تم الاتفاق عل ثلاثة محاور، والتي يتضمنها هذا الكراس.
أ‌. المحور الأول: مسح الواقع العراقي منذ بداية تشكيل الدولة العراقية الملكية وما بعدها من جمهوريات، وما صاحب هذه الجمهوريات من أزمات مختلفة أوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن، ودراسة الموقف من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
ب‌. المحور الثاني: مسح وتقييم المشاريع والمحاولات السابقة والراهنة الهادفة إلى إجراء تغييرات متباينة في الوضع بالعراق، والاحتمالات الممكنة للمستقبل.
ت‌. المحور الثالث: الأهداف والآليات التي تساعد على وضع الحلول العملية لإخراج العراق من الأزمات الطاحنة التي يعاني منها، استناداً إلى المشكلات التي تم تشخيصها في الورقتين السابقتين.
2. اختيار الزملاء الذي يكتبون عن تلك المحاور، وهم السادة كاظم حبيب، والناصر دريد، وضياء الشكرجي.
3. تحديد الأول من أيلول 2016 لتقديم تلك الأوراق إلى اللجنة التحضيرية لدراستها وإبداء الملاحظات بشأنها.
4. تم تحديد يوم 24 أيلول 2016 لمناقشة أوراق العمل الثلاث في ورشة عمل وتشاور، على أن توزع أوراق العمل على المشاركين بوقت مناسب قبل انعقاد الورشة.
وليس كما تصور البعض في البداية إن الهدف من هذه المبادرة تشكيل تنظيم أو حزب أو حركة، أو إنها دعوة للقيام بانقلاب، فإن هذه الأمور كلها بعيدة في الحقيقة كل البعد عن فكرة المبادرة. وإنما هي تهدف إلى تقديم دراسات وبحوث يمكن أن يستفيد منها المناضلون لإجراء التغيير المنشود، وتحقيق حلم الإصلاح الشامل في واقع العراق الراهن. وهي مادة يمكن أن تخدم الحراك المدني الشعبي وقوى التيار الديمقراطي وكل القوى اللبرالية والعلمانية التي تناضل في سبيل الخلاص من النظام السياسي الطائفي، والمحاصصة الطائفية والمستنقع الذي وضع فيه الواقع العراقي منذ 13 عاماً.
وإليكم أيتها الأخوات، أيها الأخوة أوراق العمل الثلاث على وفق ما طرحت في ورشة 24 أيلول في هامبورغ، ثم أخذ بالملاحظات والمقترحات التي قدمت، والتي ستوضع أمام المؤتمرين ببغداد لاحقاً.
الورقة الأولى: تحليل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الراهن في العراق، كتبها الزميل الدكتور كاظم حبيب.
الورقة الثانية: البدائل المطروحة لنظام دستور 2005، كتبها الزميل الدكتور الناصر دريد.
الورقة الثالثة: رؤية في سبل إصلاح وتصحيح الواقع السياسي في العراق، كتبها الزميل الأستاذ ضياء الشكرجي.
نهاد القاضي
05-10-2016


الرسالة الأولى التي انطلقت منها فكرة المبادرة

الموضوع: مهم/ للمناقشة: آلية إصلاح العملية السياسية
عزيزاتي .. أعزائي
تحية طيبة.
في لقائنا الأسبوعي في مدينة هامبورغ، الذي يشارك فيه عدد من الأصدقاء، طرحت فكرة، وارتئي أن نعممها للتداول، وطلب مني أن أقوم بهذه المهمة.
هناك اليوم عدة مشاريع أو تحركات مطروحة للتغيير، أو الإصلاح للعملية السياسية، أعدد منها المشاريع أو الحركات أدناه، وذلك بقطع النظر عن قربنا منها، أو بعدنا عنها، وعن مدى قناعتنا بجديتها، وما يمكن أن يكمن خلفها من أجندات، نؤيدها، أو نعارضها، أو نتحفظ عليها، أو نلتقي بمقدار ببعض مفرداتها وتوجهاتها، ونفترق عن البعض الآخر:
1. الحراك الشعبي والتيار المدني (من 31 تموز 2015).
2. حزمة الإصلاح لرئيس الوزراء حيدر العبادي.
3. حركة التيار الصدري.
4. مؤتمر عمان/ غسان العطية (موطني).
5. مؤتمر بيروت / خير الدين حسيب (المبادرة الوطنية).
6. مؤتمر پاريس (مؤتمر المعارضة العراقية).
طرحت الفكرة الآتية: نحن كديمقراطيين علمانيين، مؤمنين بالمواطنة، وفصل الدين عن السياسة، والمطالبين بإنهاء الطائفية السياسية، والمحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، ومحاربة الفساد المالي، ومقاضاة سارقي المال العام، والمتورطين بالعنف، من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة؛ كيف نرى يا ترى الخروج من المأزق الذي يمر به العراق. ولكون الرؤى، لا من حيث المنطلقات، بل من حيث التطبيق، حتى في أوساطنا متفاوتة، ارتأينا أن نسعى إلى عقد مؤتمر لعدد من صاحبات وأصحاب الفكر، وذوات وذوي الاهتمام بالشأن السياسي وشؤون الوطن، نناقش فيه الرؤى والبرامج المختلفة لحل الأزمة متعددة الجوانب في العراق، وذلك بعيدا عن الشعارات العامة، أو طرح العناوين لأمنياتنا وتطلعاتنا، دون امتلاك تصور أو خطة لتحقيق ذلك، وبتجرد تام عن التوجهات السياسية لهذا أو ذلك الحزب، وإنما عبر طرح الأفكار باستقلالية وتجرد، على أن تكون الخطط المطروحة للمناقشة واقعية، عملية، وممكنة، سواء على المدى القريب، أو المتوسط، أو البعيد.
إذا نالت الفكر قبولكم، ولو من حيث المبدأ، يمكن بعدها مناقشة الأمور الآتية:
1. مكان المؤتمر.
2. مدة المؤتمر (ليوم أو يومين).
3. عدد المشاركين (من داخل وخارج العراق).
4. كيفية تغطية مصاريف المؤتمر.
أتصور، ابتداءً نكتفي بهذه النقاط، إلا إذا ارتأى أحدكم إضافة ما هو ضروري.
لذا أرجو ابتداءً بيان مدى قناعة كل منكم بأصل المشروع، ومدى إمكانية تحقيقه.
أعمم هذه الرسالة على مجموعة صفحة «آراء ونقاشات»، مع إضافة بعض ما لديّ من عناوين، أرى أهمية مشاركة أصحابها بإبداء الرأي، راجيا ممن يقتنع منكم بأصل الفكرة، أن يعممها هو إلى من يرى، ممن يحتمل إن هذه الرسالة يمكن ألا تكون قد وصلته من خلالي.
02/06/2016
*****************

وبعد الرسالة أعلاه أخذت المبادرة بالانتشار نحو أكثر من ستين شخصية عراقية في كافة أنحاء العالم، من العراق ولبنان وأورپا وأميركا وأستراليا وكندا ونيوزيلاندا، وكل ذلك عبر المراسلات الأليكترونية، والتي من خلالها وبعد مناقشات طويلة جرى الاتفاق على تسمية المبادرة بـ
الـتـغـيـيـر نـحـو الإصـلاح الـشـامـل
وبعدما تشكلت اللجنة التحضيرية، ناقشت وأقرت محاور الأوراق الثلاث التالية، وطلبت من بعض الإخوة كتابتها، وهذه المحاور هي:
الورقة الأولى:
الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الراهن في العراق
كتبها الدكتور كاظم حبيب
الورقة الثانية:
البدائل المطروحة لنظام دستور 2005
كتبها الدكتور الناصر دريد
الورقة الثالثة
رؤية في سبل إصلاح وتصحيح الواقع السياسي في العراق
كتبها الأستاذ ضياء الشكرجي





المحور الأول
ورقة قدمت من قبل الدكتور كاظم حبيب



رؤية مسحية مكثفة لواقع ومشكلات الاقتصاد والمجتمع والسياسة بالعراق
رؤية مسحية مكثفة لواقع ومشكلات الاقتصاد والمجتمع والسياسة بالعراق
الدكتور كاظم حبيب
(1)
منذ عشرات السنين، كان وما يزال الشعب العراقي، بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والسياسية الديمقراطية، يئن تحت وطأة النظم المناهضة للديمقراطية والاستبدادية، الشوفينية منها والطائفية، وحرم من الحياة الدستورية السليمة والبرلمانية النزيهة، ومن الحريات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحقوق القوميات، ومن العيش بكرامة وبحبوحة، رغم ما تمتلكه البلاد من موارد أولية عديدة، خاصة النفط والغاز الطبيعي، ومن تنوع في التربة والمناخات والطاقات الزراعية، ورغم امتلاكه لخبرات وقدرات علمية وتقنية جيدة. ومثل هذه النظم السياسية التي حكمت العراق لم تول الاهتمام اللازم والضروري لمحاربة التخلف والتشوه في بنية الاقتصاد الوطني والمجتمع. ومن هنا يجمع اقتصاديو العراق على تشخيص مجموعة من السمات الأساسية التي تميز الاقتصاد العراقي، والتي ابتلي بها وما يزال يعاني منها. إلا إن هذه السمات السلبية قد تعمقت واتسعت خلال الفترة التي أعقبت سقوط الدكتاتورية البعثية الغاشمة. لقد تم ومنذ عقود مصادرة إرادة الشعب وتغييب مصالحه وحقوقه وحرياته العامة. فنحن اليوم أمام اقتصاد ريعي يعتمد على النفط الخام في تكوين القسم الأعظم من دخله القومي، مع تخلف شديد في بقية القطاعات الإنتاجية والخدمية، وخاصة قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة، ويتجلى ذلك في بنية الاقتصاد المشوهة والمتخلفة ووحيدة الجانب، إضافة إلى كونه اقتصاداً استهلاكياً غير إنتاجي، ويعتمد على الاستيراد في إشباع حاجات المجتمع الذي يستنزف جزءاً مهماً من الدخل القومي المنتج في اقتصاد النفط الخام، وهو بالتالي اقتصاد مكشوف على الخارج، أو تابع له، ولعملية إعادة الإنتاج في الاقتصاد الدولي القائم على تقسيم العمل الدولي غير المتكافئ وغير العادل.
ولعبت السياسات الاقتصادية غير الوطنية، والحروب الداخلية؛ حرب الإبادة الجماعية الشوفينية ضد الشعب الكردي، وضد سكان الأهوار وعرب الوسط والجنوب، وضد الكرد الفيلية، وحروب النظام البعثي الخارجية، والتفريط بأموال الشعب، إضافة إلى استبداد نظام البعث إزاء المجتمع وقواه السياسية، ومصادرة الحريات والحقوق الأساسية، إلى تعميق تلك السمات وتكريسها، في بلد يمتلك الموارد الأولية، وخاصة اقتصاد النفط الخام، الذي يوفر له من تصديره موارد مالية كبيرة، دون أن يوظفها بشكل عقلاني ورشيد لصالح التنمية الاقتصادية والبشرية، ولصالح تغيير بنيتي الاقتصاد والمجتمع، وتأمين الأرضية الصالحة لتنمية وتطوير الوعي الفردي والجمعي. وتتأكد هنا موضوعة العلاقة الجدلية بين السياسة والاقتصاد بأجلى صورها في سياسات البعث في المجالات كافة. كما تتأكد أيضاً فيما تعيشه الجماهير الشعبية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وفي السياسات الخارجية الإقليمية والدولية.
إن سوء السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، وكذلك تدهور قطاع التأمين وإعادة التأمين، وسوء توزيع وإعادة توزيع الثروة الوطنية، وسوء استخدامها، وسوء الإدارة الاقتصادية في قطاع الدولة الضعيف، والتراجع في وجود ومكانة ودور القطاعين الخاص والمختلط، والنقص الشديد في توجيه الاستثمارات الضرورية للقطاعات المنتجة، وخاصة الصناعة والزراعة وصوب مراكز البحث العلمي والتطبيقي، وغياب البرمجة العقلانية لعملية التنمية، قد تسببت كلها في بروز الاختلالات الشديدة في فعل القوانين الاقتصادية الموضوعية، وفي بروز الأزمات الاقتصادية وتنامي البطالة، وفي اتساع الفجوة في مستوى الدخل والحياة والمعيشة بين الفئة الحاكمة وقمة الجهاز البيروقراطي المدني والعسكري وجمهرة صغيرة من التجار والمقاولين والعقاريين والسماسرة من جهة، وبين الفئات الاجتماعية الكادحة والمنتجة للخيرات المادية والروحية، وخاصة العمال والفلاحين وفئات البرجوازية الصغيرة والمثقفين والبرجوازية المتوسطة من جهة أخرى، وهذه الفئات الأخيرة تعتبر الحامل الحقيقي للمجتمع المدني الديمقراطي العلماني الحديث، الذي يسعى النظام الحالي إلى تهميشه وإضعافه. كما يشير الواقع إلى تدهور كبير في حجم الفئات المتوسطة وبنيتها ودورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية العراقية.
لقد شدد من تدهور الأوضاع العامة بالبلاد تلك الحروب الداخلية وكذلك الحروب الخارجية التي خاضها النظام ضد إيران وغزو الكويت، ثم الحصار الاقتصادي الظالم، وحرب تحرير الكويت، والحرب الأمريكية البريطانية الأخيرة، التي جرت بلا غطاء شرعي، ودون موافقة مجلس الأمن الدولي، والتي انتهت إلى إسقاط نظام حزب البعث الدكتاتوري والدكتاتور صدام حسين، وفرض الاحتلال الأمريكي قسراً على العراق، ثم الاتفاق والمساومة مع إيران على إقامة نظام سياسي طائفي، ومحاصصة طائفية مقيتة بالبلاد. لقد أعاد كل ذلك العراق إلى ما قبل التصنيع، إلى مرحلة العشرينات من القرن الماضي.
(2)
ورغم تأكيدات الاقتصاديين الديمقراطيين وغيرهم على مخاطر الارتهان لاقتصاد النفط الخام وتصديره في تكوين الدخل القومي، وأهمية التخلص من ذلك بتنويع مصادر الدخل، وخاصة في قطاعي الصناعة والزراعة، بسبب مخاطر الانكشاف على الخارج، وتأثيره السلبي على استقلال وسيادة البلاد وعلى الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي في آن واحد، فإن الفئات الحاكمة لم تكن لها أذن صاغية طيلة العقود المنصرمة، مما قاد إلى عواقب وخيمة حقاً، يعاني منها الشعب يومياً. فخلال العقود الثلاثة الأخيرة شهد العراق أزمات سياسية واقتصادية كثيرة، ولكن أكثرها شراسة كانت فترة الحصار الاقتصادي الدولي، حين عرف العراقيون والعراقيات مخاطر الاعتماد على النفط الخام في تكوين جل دخله القومي، وحين تلعب العوامل السياسية دورها في إعاقة تصدير النفط أو تقنينه، كما حدث في أعقاب غزو الكويت، الذي فرض على الشعب العراقي مباشرة، في حين لم تتأثر به الفئة الحاكمة. واليوم وبعد انخفاض أسعار النفط الخام دولياً، حيث تلعب السياسة دورها الأساس في ذلك ايضاً، يواجه العراق مرة أخرى انخفاضاً شديداً في دخله القومي منذ العام 2014، بسبب انخفاض عائدات العراق من صادراته النفطية السنوية بسبب تراجع أسعاره إلى حدود الثلث على ما كان عليه قبل سنوات قليلة، في وقت هو بأمس الحاجة للموارد المالية، بسبب الحرب الجارية ضد داعش، وضرورات إشباع حاجات السكان، وتأمين احتياجات النازحين بالداخل، الذين وصل عددهم حالياً إلى أكثر من أربعة ملايين إنسان، وسيزداد النزوح مع بدء عمليات تحرير الموصل.
ومن هنا نشير بوضوح إلى أن الأزمة المالية الراهنة، والانقطاع عن تأمين رواتب الموظفين من جانب الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وتوقف المشاريع العمرانية والاستثمار في قطاعات الخدمات، دع عنك المشاريع الإنتاجية، هي في الحقيقة أزمة البنية الاقتصادية المشوهة والمتخلفة، وأزمة السياسات الاقتصادية غير العقلانية والخاطئة والانتهازية لحكام العراق وإقليم كردستان العراق، وهي باختصار أزمة وجود النظام السياسي الطائفي المحاصصي القائم.
لقد خلَّف نظام البعث تركة ثقيلة للشعب العراقي، تتجلى في التفكك الاجتماعي، والصراعات السياسية، وضياع المعايير والقيم الأساسية، وتفاقم الروح الانتهازية، والمدافعة بالمناكب، والعنف في التعامل اليومي بين الناس، وهي نتيجة منطقية للاستبداد وعنف الدولة والحروب والمجاعات. كما أدت الحروب الطويلة والاستبداد الدموي إلى موت مئات الآلاف من العراقيين والعراقيات من مختلف الأعمار، وإلى جرحى ومعوقين وأسرى يعادل ذلك الرقم. وأصيب الكثير من البشر بأوضاع نفسية وعصبية معقدة، وبمرض الكآبة والإحباط والقلق والفزع، وأشكال من العصاب. كما ترك الدكتاتور نظامين للتعليم والصحة مهشمين، تخلفا كثيراً منذ بدء الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها. وكانت الخميرة السيئة التي بنى على أنقاضها الاحتلال الأمريكي نظام المحاصصة الطائفية السيئ الفعل والصيت.
(3)
لقد مارست سلطات الاحتلال سياسة اقتصادية ومالية واجتماعية مشوهة، كرست فيه نهج مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الحرة في السياسة الاقتصادية العراقية، وفرضت عليه سياسة الخصخصة غير المدروسة وغير العقلانية، بعيداً عن إدراك حاجة العراق وضرورات التنمية، ودور القطاع العام، وضعف إمكانيات ودور القطاع الخاص، وأوضاع المجتمع العراقي الملموسة، كما ساهمت في إبعاد حكام العراق عن التفكير في توظيف موارده الأولية والمالية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولا شك في وجود إخوة يعتقدون بخلاف ذلك، وبالتالي فالمادة كلها مطروحة للنقاش، ولتبادل وجهات النظر، وإنضاج الموقف. وقد انسجم هذا النهج غير العقلاني والمناهض للفئات الكادحة والفقيرة في المجتمع، ومواجهة مشكلات التنمية وحاجات الاقتصاد والمجتمع، مع نهج وسياسات القوى وأحزاب الإسلام السياسي والأحزاب والقومية، التي تسلمت الحكم بالبلاد أولاً، ومع دول الجوار التي استفادت من ذلك لتفرض هيمنتها الفعلية على اقتصاد البلاد، وخاصة إيران وتركيا، وتمنعه فعلياً من التوجه صوب الاستثمار الإنتاجي، لتحول العراق إلى سوق لتصريف منتجاتها الزراعية وسلعها الصناعية وبأسعار احتكارية. ثم انتهج الحكام الجدد سياسة مخلة في مجال النفط، حيث تم توقيع عقود نفطية كثيرة وبعيدة المدى بشروط مخلة، وليست في مصلحة الاقتصاد العراقي على المديين القريب والبعيد. ولم تكن سياسة رئاسة وحكومة إقليم كردستان العراق بأفضل منها في مجالي النفط والاستثمار الإنتاجي، في ما عدا توجهها صوب بناء الطرق والجسور والشوارع والمتنزهات ودور السكن، وهو أمر جيد، ولكنها لم تعمل الكثير والضروري للبنية التحتية، وتنمية الاقتصاد الإنتاجي في الصناعة والزراعة، وكانت عقودها النفطية في غير صالح الإقليم والعراق أيضاً. وكان الخليج هو النموذج الخاطئ الذي كانت تسعى لإقامته بالإقليم.
حين تغيب السياسة الاقتصادية الواعية لواقع العراق وحاجاته وضرورات التنمية الاقتصادية والبشرية، تغيب معها السياسات المالية والنقدية والتأمينية، باعتبارها أداتها التنفيذية، التي من شأنها خدمة عملية التطور والتقدم والبناء، وخدمة مصالح المجتمع. وإذا كان شعب العراق قد تلمس الفساد المالي والوظيفي في فترة حزب البعث الحاكم، وعلى نطاق الفئة الحاكمة وحواشيها، فإن العراق في ظل النظام الطائفي والأثني قد جعل من الفساد نظاماً سائداً ومعمولا به في الدولة، بسلطاتها الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضاء، وفي المجتمع ولم تعد ظواهر هنا وهناك، وهكذا هو حال الفساد بالإقليم.
(4)
وخلال السنوات المنصرمة تغيرت بنية المجتمع العراقي الطبقية، بفعل الحروب وتدمير البنية التحتية والمشروعات الاقتصادية والصناعية، وغياب الاستثمار الإنتاجي. فقد تقلص حجم الطبقة العاملة العراقية بشكل دراماتيكي، ودورها في إنتاج الخيرات المادية، كما تقلص عدد الفلاحين العاملين في الزراعة، وخاصة الشباب، وتدهور الإنتاج الصناعي، ودمرت أو أغلقت الكثير من المشاريع الصناعية العائدة لقطاع الدولة، أو للقطاع المختلط والقطاع الخاص، إضافة إلى تدهور القطاع الصناعي الحرفي الصغير بقواه المنتجة البشرية، وأدوات ومواد إنتاجه ونوعية الإنتاج. وقد أدى هذا الواقع إلى تدهور شديد في حجم ودور وتأثير العمال وفئات البرجوازية الصغيرة، والبرجوازية المتوسطة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما تراجع دور البرجوازية المتوسطة في مجمل الاقتصاد العراقي، وفي الصناعة خصوصاً. في مقابل ذلك ارتفع حجم فئة أشباه الپروليتاريا، والعاملين على هامش الاقتصاد العراقي، والذين يعيشون على هامش المجتمع، والذين هم بعيدون تماماً عن الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. إنها بنية طبقية مشوهة ونابعة عن تشوه بنية الاقتصاد الوطني. وكل ذلك ترك تأثيره المباشر على وعي الإنسان الفرد والوعي الجمعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
(5)
إن كل المعطيات المتوفرة تشير إلى واقع تنامي الأمية بين الكبار والصغار، وخاصة بين الإناث، وتراجع المستوى التربوي والتعليمي، وتخلفه وتشوهه، عبر المناهج الدينية والطائفية واللاعلمية في جميع المراحل الدراسية، وابتعادهما عن كل الطرق والمناهج العلمية المعمول بها في العالم المتحضر، إضافة إلى تخلف فعلي في مستوى الجهاز التربوي والتعليمي والأسرة التعليمية، وابتعادهم عن استخدام العلم والمعرفة في التربية والتعليم. ولم يعد غريباً أن نسمع ببيع وشراء الشهادات أو مزوريها، أو وجود أعضاء في الأسرة التربوية والتعليمية بشهادات مزورة، فالجانب الأخلاقي ووازع الضمير والقيم الإنسانية النبيلة في تراجع شديد في مجتمع يسوده الفساد والمحسوبية والمنسوبية والقيم البالية. وفي ظل غياب التنوير الديني والاجتماعي، اتسعت القاعدة الاجتماعية التي يعمل عليها شيوخ العشائر وشيوخ الدين غير المتنورين والرجعيون والسحرة والمشعوذون، لتعميق التشوه الفكري والديني والاجتماعي في عقول نسبة عالية من السكان، وخاصة الشبيبة، ويدفعون بهم إلى المزيد من ممارسة البدع، والخضوع للجهلة والمشعوذين من شيوخ الدين، ومن أحزاب الإسلام السياسي المماثلة. وتلعب النخب الحاكمة، الرثة بفكرها وسلوكها وممارساتها، دوراً مركزياً في تغييب الحياة الثقافية والفنية الإبداعية، من نحت ورسم ومسرح وموسيقى وغناء ورقص وسينما، لصالح الثقافة الصفراء والخاوية، التي تنشر البؤس والفاقة الفكرية والحزن الدائم والإحباط، والتفكير بالآخرة دون الحياة الدنيا التي يعيشها الإنسان حالياً، والتي يعاني منها الشبيبة من الذكور والإناث بشكل خاص، ويحرمون من التمتع بحياة هانئة وسعيدة وبأجواء من المعرفة الإنسانية. والأخطر من كل ذلك هو إن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط الدكتاتورية البعثية أصبحت هي الراعية لهذه النشاطات غير العلمية وغير الإنسانية، التي لا تثير سوى الفاقة الفكرية، والنزعات الطائفية، والكراهية، والأحقاد المتبادلة، والتمييز الشرس بين الناس، بسبب القومية أو الدين أو المذهب أو الرأي السياسي، أو إزاء المرأة، الضحية الأولى في المجتمع العراقي، وكذا الطفل. إن هذا الوضع، ما لم يجر التصدي له وإحباطه، سيخلق أجيالاً بعيدة كل البعد عن العلم والمعرفة والحضارة الإنسانية، حضارة القرن الحادي والعشرين، ومصابة بشتى الأمراض والعلل النفسية والعصبية والصحة العامة.
(6)
إن الاستبداد والقهر السياسي والاجتماعي من جهة، وتخلف وتشوه بنية ووعي الفرد والمجتمع من جهة ثانية، ودور شيوخ الدين ومؤسساته والقوى المناهضة للديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات ودور أحزاب الإسلام السياسي، سنية كانت أم شيعية، في ذلك من جهة ثالثة، أدى إلى بروز عدة مسائل لا بد من تشخيصها لمعالجتها:
أ‌. اشتداد دور وتأثير قوى وأحزاب الإسلام السياسي على الجماهير الواسعة، التي عانت الأمرين في ظل نظام البعث الدكتاتوري، وراحت تفتش عن منقذ لها في الدين، وفي شيوخ الدين في الجوامع والمساجد والحسينيات.
ب‌. إضعاف القوى الديمقراطية العراقية، بما فيها قوى التيار الديمقراطي، والقوى اليسارية، التي عانت شتى صنوف المحاربة والقتل والتشريد على أيدي جلاوزة البعث وأجهزته الأمنية والحزبية القمعية. وكل الدلائل تشير إلى إن هذه القوى لم تستطع حتى الآن النهوض المناسب من كبوتها وضعفها لمواجهة الواقع وتحدياته ومتطلباته للخلاص من براثن القوى الطائفية والشوفينية والرجعية المناهضة للتقدم والعلم وسيادة البلاد. ومنها يمكننا تشخيص حقيقة التفكك في القوى الديمقراطية واليسارية واللبرالية العلمانية وضعفها وصعوبات توحيدها ورغبة كل منها في ممارسة دور القيادة. وقد أدى كل ذلك إلى ضعف تحالفاتها ودورها وتأثيرها في الحياة السياسية والاجتماعية، وهي إشكالية كبيرة بحاجة إلى معالجة جادة. إنها بحاجة إلى سياسات جديدة وخطاب سياسي جديد وسبل تنظيمية جديدة مناسبة للواقع الجديد بكل تعقيداته ومصاعبه وتشابكاته المحلية والإقليمية والدولية.
ت‌. الدور الذي لعبته القوى الإقليمية، إيران، تركيا، المملكة السعودية، قطر وسوريا، وبعض دول الخليج، في التأثير المباشر على قوى الإسلام السياسي والقوى القومية، لتعزيز دورها في تشكيل قوى الإرهاب والمليشيات الطائفية المسلحة، وخوضها الصراع والنزاع الدموي، ودفعه باتجاه تبني قوى المجتمع لهذه الصراعات والنزاعات الطائفية.
ث‌. بروز إمكانية نشوء تحالف مؤقت ومتنوع بين قوى الإسلام السياسي، شيعية كانت أم سنية، وكل القوى المناهضة للديمقراطية، حين تشعر بخطر القوى الديمقراطية والعلمانية، وتأثيرها على الجماهير الشعبية، وعلى مصالحها المناهضة لمصالح الشعب.
ج‌. اتجاه القوى القومية الكردستانية بعد سقوط دكتاتورية البعث وصدام حسين إلى الابتعاد الفعلي عن التحالف مع قوى التيار الديمقراطي العراقية، التي كانت الحليف الدائم والأمين للقضية الكردية، ولحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه، مما ساهم في إضعاف القوى الديمقراطية وتأثيرها، في حين إنها سارت بإصرار نحو تعزيز التحالف مع الأحزاب الإسلامية الشيعية. وكان هذا الاتجاه خطأً فادحا وخطيرا في آن، يدفع الإقليم ثمنه غالياً، رغم التنبيهات والمناشدات التي أكدت على القوى الكردستانية بضرورة التحالف مع القوى الديمقراطية العربية وغيرها، لأهميته وضرورته لتطور العراق الديمقراطي والإقليم في آن واحد.
ومع إن هناك الكثير من العوامل المشجعة على تطور وتنامي دور القوى الديمقراطية والتقدمية والعلمانية في المجتمع، وزيادة تأثيرها من جهة، ومع واقع عجز قوى وأحزاب الإسلام السياسي على ممارسة الحكم والبقاء في السلطة موضوعياً، فإن غياب البديل الديمقراطي القادر على المبادرة وأخذ مكانه المطلوب وممارسة دوره المنشود، هو الذي يسمح للنظام القائم على الاستمرار في حكم البلاد، وممارسة السياسات الطائفية والأثنية اللاوطنية الراهنة.
(7)
إن السلطات الكثيرة الممنوحة لرئيس الوزراء في الدستور العراقي سمحت لرئيس الوزراء السابق، إضافة إلى تجاوزه على مواد الدستور في قضايا خارج صلاحياته، في السيطرة الفعلية على السلطة التشريعية على حدود بعيدة، وثم السيطرة التامة والتحكم بالقضاء العراقي والادعاء العام، بحيث أصبحت أدوات فاعلة بيد الحاكم، تماماً كما كانت في عهد الدكتاتور صدام حسين. ومن هنا انطقت المظاهرات الشعبية التي تطالب بتخلص القضاء من الفساد والمفسدين، وجعله مستقلاً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، يدافع عن المجتمع وحقوقه، لا عن الحكام الذين نهبوا البلاد وسمحو باجتياحه دون عقاب حتى الآن. وحين مارس سياسات شوفينية وطائفية ذات مضمون عدواني وتأليبي أثناء رئاسته للوزراء أو بعد ذلك، لم يتوجه الادعاء العام والقضاء لمحاسبته ومحاسبة كل المسؤولين عن ذلك، على وفق القانون، الذي يحرم الاتجاهات الفكرية والسياسات الفعلية التي تروج للمشاعر الشوفينية، والنزعات الطائفية، وتثير الكراهية والأحقاد بين أبناء وبنات القوميات، وأتباع الديانات والمذاهب. وهو الأمر الذي يشجع على ممارسة مثل هذا السلوك المشين.
(8)
ومنذ العام 2010 تتفاعل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العراقي عوامل كثيرة فاعلة ومؤثرة ترفض النظام القائم على المحاصصات الطائفية والأثنية والفساد والإرهاب. وقد تجلى ذلك في أحداث 2011، حين واجهها رئيس الوزراء السابق والمستبد بأمره، بالعنف والقوات الأمنية والسلاح والاعتقال والتعذيب والقتل، من اجل التصدي لها وإحباط الحركة المدنية. ولكن الحركة لم تمت بل تراجعت، لتنهض مرة أخرى تدرجياً منذ العام 2014، بعد أن تسبب النظام الطائفي باجتياح واحتلال الموصل وبقية مناطق نينوى، وقبل ذاك أحداث الفلوجة الدامية ومحافظة الأنبار وصلاح الدين وأحداث ديالى الدامية، والتي قادت إلى فرض تخليه عن السلطة، والتي تبلورت في التحرك الجديد للقوى المدنية الديمقراطية، قوى الحراك الشعبي المدني في آب/أغسطس 2015، والذي ما زال مستمراً، ويطرح شعارات وطنية وديمقراطية شعبية ملحة، تطالب بالتغيير الجذري لأوضاع البلاد. ويمكن لهذه الحركة أن تكون عاملاً مهماً في توحيد القوى الديمقراطية، وفي توفير مستلزمات تحالفها مع قوى وتيارات أخرى دينية ذات قاعدة اجتماعية واسعة مثل التيار الصدري، الذي يفترض أن تدرس إمكانيات أو ضرورات التحالف معه، ومخاطر ذلك التحالف، أو إيجابياته وسلبياته مثلاً في ضوء التجارب السابقة وواقع الحال وشروط مثل هذا التحالف أو مستلزماته. فرئيس الحكومة الجديد، الذي أعطى وعوداً كثيرة بتخليه عن الطائفية، وتشكيل حكومة مستقلة غير طائفية ومحارب الفساد والفاسدين والمتسببين باجتياح الموصل.. الخ، تخلى عملياً عن وعوده كلها، إذ اقتنع الكثير من البشر بالعراق إنه قد جاء ليلعب دور المهدئ المؤقت، وعبور أزمة الحكم الذي تقوده أحزاب الإسلام السياسي، ليعود بعدها رئيس الوزراء السابق أو من يماثله ليقود البلاد على وفق النهج الاستبدادي السابق الذي لم يعد مقبولاً. ولا شك في أن ضغوط إيران والمرشد الأعلى قد تفوقت على ضغوط المجتمع والمرجعية الشيعية التي طالبته بالإصلاح والتغيير والسير نحو الدولة المدنية، في آخر تصريح لممثل المرجعية الشيعية بالنجف.
(9)
كانت العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق من المشكلات الكبيرة التي ظهرت على الساحة السياسية العراقية خلال الأعوام العشرة المنصرمة. وبرزت هذه المشكلة لعدة عوامل جوهرية:
1. الصياغات غير المتماسكة وحمالة الأوجه التي وردت في الدستور العراقي بالنسبة للعلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم.
2. عدم القيام بوضع القوانين المنظمة لصلاحيات وحقوق وواجبات كل من الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في جميع المجالات، بما فيها الاقتصاد. ويمكن أن يقال ذلك على العلاقة بين الحكومة الاتحادية والمحافظات أيضا.
3. إبقاء المشكلات التي أُطلق عليها "المناطق المتنازع عليها" معلقة دون حل من جانب الحكومة الاتحادية، رغم اللجان التي شكلت لهذا الغرض، ورغم تحديد الدستور العراقي وقتاً محدداً لمعالجة تلك المشكلات، ومنها مشكلة كركوك.
4. محاولة الإقليم التمتع باستقلالية كبيرة لا يمنحها الدستور العراقي الراهن، وهي أقرب إلى الكونفدرالية، وعلى حساب صلاحيات الحكومة الاتحادية، بما في ذلك وبشكل خاص الموقف من النفط الخام وحق توقيع العقود وموارده المالية. وكان موقف حكومة الإقليم غير سليم في هذا المجال وسلبيا، وأدى إلى مزيد من التوترات غير المبررة.
5. دخول رئيس الوزراء السابق، ولكي يبقى على رأس السلطة التنفيذية، في مساومات مع رئاسة وحكومة الإقليم، ربما بعضها منسجم، وبعضها الآخر غير منسجم مع بنود الدستور العراقي، ثم التنكر لها فيما بعد، مما أدى إلى المزيد من المشكلات بين الطرفين.
6. لم يعترف الدستور العراقي بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره، بل اعترف بالفيدرالية ضمن الدولة العراقية ذات الحكم الجمهوري. ولكن هذا الحق معترف به ومكفول دولياً، ومن أخطاء الدستور الجديد عدم الاعتراف بهذا الحق. ومن حق الشعب الكردي أن يمارسه متى وجد ذلك ممكناً ونافعاً له. إلا إن التهديد به، كلما برزت مشكلة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، ليس من مصلحة العراق والإقليم في آن، ولا يعزز مصداقية المطالبين به، ويخلق إحباطاً لدى الشعب الكردي دون أدنى مبرر.
(10)
إن وجود نظام الحكم الطائفي بالعراق، وبروز المليشيات الطائفية المسلحة، قد تسبب ليس بالصراع بين أحزاب الإسلام السياسي وميليشياتها فحسب، بل وتوجهت كلها لتصفية وجود أتباع الديانات الأخرى بالعراق، وبشكل خاص ضد مسيحيي العراق والصابئة المندائيين والإيزيديين، وهم من أصل سكان بلاد ما بين النهرين، العراق حالياً. وقد هُجّر وقُتل وشُرد وأُجبر على النزوح نسبة عالية من بنات وأبناء الشعب العراقي من سكان الوسط والجنوب وبغداد، من المسيحيين والمندائيين إلى إقليم كردستان العراق، وإلى الدول الغربية. كما دمرت وأحرقت الكثير من الكنائس ببغداد والموصل. كما حصل تغيير ديمغرافي صارخ ضد مسيحيي العراق بنينوى وإقليم كردستان. ولم تتخذ أية إجراءات رادعة رغم صدور قرار عن مجلس القضاء الأعلى بتحريم ذلك، وإعادة الأمور إلى نصابها لصالح المسيحيين، ورغم تقديم الكثير من الاضبارات التي تحمل تلك التجاوزات إلى الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. وبعد اجتياح الموصل واحتلال مناطق واسعة من نينوى تعرض المسيحيون والإيزيديون والشبك والتركمان إلى القتل والتشريد والنزوح والتهجير القسري، كما تعرضت العائلات الإيزيدية إلى السبي والقتل والاغتصاب واختطاف النساء والأطفال بأعداد كبيرة، وتعرضت للبيع في سوق النخاسة "الإسلامي" على أيدي عصابات داعش المجرمة. ما كان ليحدث ذلك لولا انسحاب القوات العسكرية والأمنية العراقية من الموصل أمام عصابات داعش بقرارات من السلطات العليا، إضافة إلى انسحاب قوات الپيشمرگة من سنجار وزمار وغيرها. وبذلك استطاعت قوى داعش المجرمة، وبينهم كثرة من ضباط البعث الأمنيين ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، حيث اعترف بذلك الكثير من دول العالم والأمم المتحدة. كما تعاني العائلات المسيحية والإيزيدية والشبك والتركمان والأنبار وديالى والحويجة من مشكلات النزوح والعيش في ظروف غير إنسانية، وخاصة للنساء والأطفال والشبيبة. ولم يبذل حتى الآن ما هو ضروري لمعالجة أوضاع اللاجئين. كما يتعرض أبناء المناطق المحررة في الأنبار وصلاح الدين إلى أوضاع شاذة، فيها طابع الانتقام من قبل قوى تعمل في الحشد الشعبي، الذي أصبحت قياداته تتبجح بأنه أقوى وأفضل تسلحاً من الجيش العراقي، علماً بأن الحشد ورغم ربطه رسمياً بالقائد العام للقوات المسلحة، إلا إنه يخضع لقرارات وتوجيها إيرانية، وبعيدا عن استقلالية القرار العراقي، الذي يفترض أن يكون ملزماً له. إن مشكلات الحشد الشعبي ستظهر بشكل صارخ ومهدد لوحدة العراق بعد الانتصار على عصابات داعش وتحرير الأرض من رجسهم.
وإذا كان العراق قد شهد هجرة واسعة في فترة حكم البعث بسبب سياساته الاستبدادية ضد المعارضة الوطنية، وبسبب الحروب والمجاعات، فإن الهجرة العراقية الراهنة قائمة على قدم وساق، حتى يقدر عدد العراقيات والعراقيين المهاجرين بأكثر من أربعة ملايين نسمة، واليوم يزداد عدد المهاجرين من المسيحيين والإيزيديين والشبك على نحو خاص، ويتقلص عددهم بالوطن باستمرار. إنها الجريمة التي يجب أن يتصدى لها كل الشعب العراقي، أعني محاولة تهجير جميع أتباع الديانات والمذاهب من غير المسلمين، عندها تتفرغ أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية لخوض الصراع في ما بينها لتدمير العراق وأهله.
(11)
إن السؤال المشروع الذي يطرحه الشارع العراقي هو: وماذا بعد، في ضوء العواقب التي نجمت عن وجود النظام الطائفي – الأثني في حكم البلاد؟ وهنا يمكن تأشير مجموعة من القضايا الجوهرية التي هيمنت على المجتمع العراقي طوال السنوات التي أعقبت إسقاط الدكتاتورية البعثية الصدامية، وميزت الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية والعلاقات الدولية، وأعني بها:
1. شهد العراق وضع دستور عام 2005، الذي يتضمن الكثير من القضايا غير الديمقراطية والبعيدة عن العلمانية، كقوله الإسلام دين الدولة، في حين أن الدولة شخصية معنوية لا دين لها ولا مذهب، كما إنه حمال أوجه، وبصورة واضحة طائفي النزعة والتوجه. يعتبر الدستور الحالي واحداً من المسائل المخلة والمساعدة على ما جرى ويجري بالعراق منذ إقرار الدستور، والذي يستوجب التغيير. كما شهدت هذه الفترة خمس حكومات متعاقبة عملت كلها بوحي من مصالح قادة الأحزاب السياسية الإسلامية والقومية، التي تسلمت السلطة في ظل الاحتلال المباشر وما بعده، وعملت على تكريس النظام الطائفي – الأثني المحاصصي، وعلى تعزيز نفوذها الاجتماعي وهيمنتها على المال العام، وتصرفها غير المقيد وغير المشروع بتلك الأموال، وفي غير صالح الشعب والوطن. كما مارست التمييز الصارخ في الواقع العملي ضد أتباع الديانات الأخرى، وفيما بين المذاهب في الإسلام، وإزاء المرأة العراقية. وكان له أكبر الآثار السلبية على المجتمع وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة الحرة والمتساوية. وتسبب هذا الواقع في تنامي العنف لا من جانب الدولة فحسب، بل ومن جانب المليشيات الطائفية المسلحة التابعة لأحزاب الإسلام السياسي، الشيعية منها والسنية، بولائها وتبعيتها للدول المجاورة، وعلى أوسع نطاق، وأصبح يهدد المجتمع كله، وليس أتباع الديانات والمذاهب الأخرى فقط.
2. نظام سياسي طائفي وأثني سائد، بقيادة أحزاب الإسلام السياسي الشيعية، وبمشاركة الأحزاب السنية، ومنها الإسلامية، والتحالف الكردستاني، يعتمد المحاصصة في توزيع السلطات الثلاث عملياً ومؤسسات الدولة الأخرى، وفي ذات الوقت تخوض قواه الحاكمة الصراع الدموي على الموقع الأساس في السلطة والمال والنفوذ والتأثير الاجتماعي.
3. وفي مثل هذا النظام ضاعت هوية المواطنة العراقية الحرة والمتساوية، وحلت محلها فعلياً الهويات الفرعية، التي أصبحت هويات قاتلة في ظل الصراع الدموي بين الأحزاب السياسية الطائفية وميليشياتها المسلحة، وفي تنامي المخاوف من تفاقم الصراع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، أي العودة للصراعات القومية مجدداً وعواقبها الوخيمة. إن هوية المواطنة في مجتمع ديمقراطي دستوري علماني هو الشكل الوحيد المناسب لواقع العراق بتنوعه القومي والديني والمذهبي والفلسفي أو الفكري.
4. إن التخلف والتشوه الاقتصادي بالعراق يجد تعبيره الصارخ في طبيعة علاقات الإنتاج السائدة بالعراق والمتخلفة، والتي تجد تعبيرها في تخلف وتشوه القوى المنتجة المادية والبشرية، كما ينعكس بشكل صارخ في ضعف وقلة وتخلف مراكز البحث العلمي ودور الجامعات والمعاهد العلمية والفنية والمهنية في ذلك. إضافة إلى البطالة المكشوفة والمقنعة الواسعة.
5. سيادة ظاهرة الفساد المالي والإداري، بحيث أصبحت السمة المركزية التي تميز الدولة والمجتمع وعموم الوضع بالعراق، بعد ظاهرة الطائفية السياسية ومحاصصاتها المخلة.
6. سيادة الإرهاب الدموي الذي تخوضه منظمات الإسلام السياسي السنية منها والشيعية ضد بعضها، وتسببها في موت عشرات الآلاف من الناس الأبرياء سنوياً، وانتقال الصراع والنزاع إلى القاعدة الجماهيرية. كما إن احتلال الموصل ومناطق أخرى تعبير صارخ عن عدم أهلية هذا النظام للبقاء في الحكم.
وأصبح المجتمع العراقي يدرك بأن في ظل النظام السياسي الطائفي ومحاصصاته أصبح يشكل الفساد والإرهاب، وهما وجهان لعملة واحدة، السبب في كل ما تعرض له العراق خلال الفترة التي أعقبت سقوط الدكتاتورية وغياب هوية الوطن والمواطن وشلل الدولة الهشة وسلطاتها الفاسدة.
7. وتعاني المؤسسة العسكرية العراقية بكل أصنافها، بعد حلها الاعتباطي، وما نشأ عنه من مشكلات كبيرة ما يزال يعاني منها المجتمع حتى الآن، إضافة إلى السلوك المشين لأحزاب الإسلام السياسي التي حاولت أن تجعل من هذه المؤسسة والمؤسسة الأمنية والشرطة وكأنها تابعة لطائفة دون الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه، وعلى أساس المواطنة العراقية الحرة والمتساوية. وهي المؤسسة التي عانت من الفساد والتدخل الديني والمذهبي في عملها. وتسنى لقوى الإرهاب ان يتسللوا من خلال الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطة، ليلعبوا دوراً مشيناً في العمليات الإرهابية، أو في توفير مستلزمات تنفيذ عملياتهم الإرهابية بالعراق عموماً، وببغداد بشكل خاص، وأدت إلى استشهاد مئات الآلاف من البشر خلال السنوات المنصرمة. العراق بحاجة إلى مؤسسة وطنية عراقية تدين بالولاء للشعب كل الشعب وللوطن العراقي، وترفض التمييز والطائفية والشوفينية بكل حزم ومسؤولية.
8. عدم استقلالية النظام السياسي العراقي، وخضوع القوى الحاكمة فيه لإرادات إقليمية، سواء أكانت إيران بشكل خاص، أم السعودية وتركيا وقطر ودول خليجية أخرى، وهي المتغلبة حالياً، ولإرادة الولايات المتحدة المتراجع نسبياً، وبهذا جعلت العراق ساحة فعلية للصراع الإقليمي والدولي وعواقبه الوخيمة على الدولة والمجتمع ومستقبل الشعب والبلاد.
9. وجود احتلال لجزء من أرض العراق وشعبه من جهة، ووجود عمليات إرهابية واسعة ومستمرة ضد أبناء وبنات الشعب من جهة أخرى، وحرب طاحنة لتحرير أرض وشعب العراق من المحتلين الأوباش من جهة ثالثة، يفترض أن تمنح أهمية أكبر مما حصل حتى الآن.
10. تخلف شديد في الخدمات الاجتماعية كالماء والكهرباء والنقل والصحة والتعليم بكل مراحله، خاصة تحرم من كل ذلك الفئات الكادحة والفقيرة، علماً بأن نسبة الفقراء بالعراق قد ارتفعت لتصل إلى أكثر من نصف المجتمع، وخاصة أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي.
11. لقد كانت وما تزال المرأة العراقية محرومة من حقوقها المشروعة والعادلة، ومساواتها بالرجل، رغم مشاركتها في النضال من أجل الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد عانت المرأة العراقية من الحروب والاستبداد والقهر الاجتماعي والمجاعات مع أطفالهن. وبالعراق اليوم مئات الألوف من النساء الأرامل المحرومات من الرعاية الاجتماعية، والدخل المناسب لمعيشتهن ومعيشة أطفالهن، وهن يتعرض لمزيد من الابتزاز وما تمارسه المافيات من دور قذر في المتاجرة بالجنس، وبأعضاء الإنسان، وتشكيل عصابات النهب والسرقة من صغار الصبية.
12. تدهور الحياة الثقافية الديمقراطية العراقية وغياب التفاعل والتلاقح بين الثقافات على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، وسيادة الثقافة الصفراء، ثقافة الجراد الأصفر، الذي يبتلع الأخضر واليابس، والذي يساهم في تشويه عقول الصبية والشباب العراقي من الذكور والإناث.
13. الرثاثة المهيمنة على المدن العراقية وعلى القرى والأرياف، وعلى حياة الإنسان العراقي، بفعل وجود فئات اجتماعية رثة فكراً وممارسة، تهيمن على حكم البلاد، وتمارس أيديولوجية رثة لفرضها على المجتمع، وليس لها سوى ابتلاع المزيد من السحت الحرام.
14. ورغم إن الدستور العراقي تحدث عن الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، فإن السلطة التنفيذية تهيمن بالكامل على السلطتين التشريعية والقضاء، وعلى مؤسسات الدولة المستقلة، ومنها البنك المركزي وشبكة الإعلام العراقية والمفوضية المستقلة للانتخابات...الخ. وهو تجاوز فظ على الدستور وعلى مصالح الشعب.
15. وأصبح الإعلام الرسمي العراقي، كما كان في عهد صدام حسين، أداة بيد السلطة التنفيذية والبوق المهرج لها طائفياً وبعيداً عن الموضوعية، وعن الاستقلالية التي يفرضها الدستور العراقي وقانون شبكة الإعلام العراقية.
إن هذه الظواهر هي وليدة منطقية للاحتلال الأمريكي للعراق ودوره في إقامة النظام السياسي الطائفي بالعراق وبالتعاون مع قوى الإسلام السياسي الشيعية وإيران، كما إن الإرهاب والفساد هما وجهان لعملة واحدة، أحدهما يشترط الآخر، ويستكمله ويغذيه، ويحافظ على ديمومته، ويستمد قوته من طبيعة النظام السياسي، وسياساته المناهضة لمصالح الشعب العراقي.
هذا الواقع العراقي أنتج وضعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وبيئياً وثقافياً وتعليميا رثاً، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مضامين، وعلاقات اجتماعية وإنسانية رثة، كما أنتج بدوره فئة اجتماعية رثة تقف على رأس النظام وتقوده وتنشر الرثاثة والعفونة في سائر نواحي الحياة العراقية، وتعمل على ديمومة هذه الرثاثة واستفحالها. وهي التي تسببت وما تزال تتسبب في كل ما يعانيه الشعب العراقي منذ سقوط الدكتاتورية البعثية وإقامة الاستبداد السياسي الطائفي الأثني بالبلاد حتى الآن. إن هذا الواقع لا يمكن أن يستمر في البقاء، وإن الحكم القائم آيل إلى السقوط موضوعياً، ويبقى التحري عمن يقوم بذلك من قوى الشعب وتياره الديمقراطي وبالتعاون مع قوى أخرى، وعن سبل الخلاص منه باستخدام الأدوات الديمقراطية والسلمية، علماً بأن أسلوب سقوط أي نظام سياسي لا يخضع لإرادة المناضلين المدنيين الديمقراطيين السلميين، من أجل ضمان التغيير الجذري، بل يرتبط عضوياً في إصرار الحاكمين على ممارسة السياسات المرفوضة التي مارسوها حتى الآن، بحيث لا يمكنهم أن يحكموا العراق بعد ذاك بذات الأساليب والأهداف، ويصبح تغييرهم مسألة وقت لا غير. ولا بد للمجتمع العراقي من المشاركة مع القوى المدنية والديمقراطية والعلمانية لبلورة البديل الديمقراطي، لأن قدر العراق ليس الشوفينية والطائفية، بل الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي العلماني. ولا يباح سر، حين يجري تأكيد حقيقة أن القوى المدنية الديمقراطية ما تزال ضعيفة، وغير متحدة في تيار أو تحالف واحد قادر على كنس النظام السياسي القائم عبر رؤية مدنية ديمقراطية، ونهج سياسي سليم، وعبر تعبئة الشعب بقواه الواعية والمدركة لعمق الأزمة التي يعيش تحت وطأتها العراق، كدولة ونظام سياسي ومجتمع في آن واحد، والمدركة لسبل الخلاص منه. ولا بد أن يتوجه الجهد صوب التحري عن تحالفات وطنية ديمقراطية قادرة على تحقيق ما يحل هذه الأزمة، ويوفر الأرضية الصالحة للتغيير وإجراء الإصلاح الجذري الذي يخلص المجتمع من الطائفية ومحاصصاتها المذلة للشعب.
(12)
إن الواقع السياسي العراقي وخارطة القوى السياسية العراقية الراهنة لا يشيران إلى ضعف القوى الديمقراطية واللبرالية واليسارية بالعراق حسب، بل وإلى غياب دورها كقوى معارضة فعلية صريحة وواضحة في معارضتها للنظام السياسي القائم ونضالها للخلاص من نهجه وسياساته الطائفية. فهي تتحرك حتى الآن بين مدينتي "نعم" و"لا"، فهي تعتقد بأن العملية السياسية ما زالت جارية، وبالتالي فعليها أن تسعى جاهدة وبخطاب سياسي أشبه بالمثل الشعبي القائل "لا يطير ولا يمسك باليد"، بأمل المشاركة في الحكم من ناحية، ومن ناحية أخرى تنتقد النظام السياسي القائم بطريقة هشة خجولة لا تساعد على تعبئة فعلية واسعة بشعارات واضحة ودقيقة ومعبئة للجماهير في مواجهة واقع الحكم وسياساته وأساليبه التضليلية الجارية، إنها سياسة "كفاح وتضامن" التي لا تصلح للواقع الراهن بالعراق.
(13)
إن ما يجري بالعراق غير منفصل البتة عن وضع الشرق الأوسط، حيث تسود فيه الفوضى الشديدة، والصراعات الحادة، والنزاعات الدموية، التي تقترن بتحالفات إقليمية ودولية تزيد في تدهور الأوضاع. وهي مرتبطة بمطامع إقليمية توسعية، وبمصالح دولية غير مشروعة، وخاصة بشأن النفط الخام والموقع الاستراتيجي للمنطقة. وليس وجود التنظيمات الإسلامية الدولية المتطرفة والإرهابية وهيمنتها على مساحات واسعة من العراق وسوريا، وما يجري اليوم بهذين البلدين، إضافة إلى الحرب باليمن وليبيا، سوى التعبير الصارخ عن الدور المخزي لإيران من جهة، وتركيا والمملكة السعودية وقطر وبعض دول الخليج من جهة أخرى، إضافة إلى دور الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في التدخل الفظ في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وتحت شعار الدين والمذهب، لتساهم في إشعال المزيد من الحرائق والحروب التي لن يكون الخاسر فيها وحطبها سوى شعوب المنطقة، أما الرابح الوحيد فيها فلن يكون سوى الدول المصدرة للسلاح والموت وتجارها.


***************************





يتبع
المحور الثاني
ورقة قدمت من قبل الدكتور الناصر دريد



البدائل المطروحة لنظام دستور 2005





البدائل المطروحة لنظام دستور 2005
الدكتور الناصر دريد ثابت
عانى نظام دستور 2005 من مشاكل جمة منذ تأسيسه (كما ظهر في الورقة السابقة)، حتى انتهى المآل بهذا النظام إلى الهزيمة المروعة والمذلة أمام حفنة من الإرهابيين المعتوهين في 2014 بسقوط ثاني أكبر مدن العراق (الموصل) بأيديهم في حزيران 2014، تبعه احتلالهم لحوالي ثلث البلاد في هزيمة لم يسبق لها مثيل أمام قوة إرهابية بائسة، لا في تاريخ العراق ولا جيشه منذ تأسيسهما في أوائل عشرينات القرن الماضي.
وقد أشار بعضنا في عدة مناسبات إعلامية وعلى الهواء بالاعتقاد بأن نظام دستور 2005 قد سقطت شرعيته بسقوط الموصل، ذلك إن الأنظمة تسقط بسقوط شرعيتها، وشرعيتها هذه قد لا تكون مرهونة بصندوق انتخابات أو انقلاب، ... الخ، بل هي رهينة تحقيق ما يريده منها الشعب، أو ما يتصور أنه ينبغي عليها أن تقوم به من واجبات، أو بسقوط هيبتها أو فشلها في حمايته، ... الخ. ولهذا يقال إن النظام الملكي المصري قد سقطت شرعيته يوم حريق القاهرة، وليس يوم انقلاب عبدالناصر ورفاقه بعدها ببضعة أشهر، وإن النظام الملكي العراقي قد سقطت شرعيته مع حرب السويس 1956، وليس بعد ذلك بسنتين على يد قاسم وعارف ورفاقهما، وإن نظام صدام قد سقطت شرعيته يوم هزيمة الجيش العراقي وعودته مخذولاً من الكويت في 1991، قبل أن تضع الولايات المتحدة النهاية الرسمية لنظامه في 2003. والنقطة الأساسية هنا هو إن النظام قد تسقط شرعيته ويبقى قائماً لأيام أو أشهر أو حتى سنوات، إن لم يتواجد البديل ذو الإرادة والإمكانية والعزم على إنهائه، والبديل هذا قد يكون من داخل النظام، فيقوم النظام بإعادة تجديد نفسه، أو من خارج النظام (وفي أحيان نادرة من خارج البلد، كما حصل لألمانيا واليابان وإيطاليا في 1945، والعراق في 2003). وقد صمد نظام دستور 2005، لأنه وجد دفعة قوية من البيئات الداخلية والإقليمية والدولية، وكان هناك رغبة أكيدة في رؤية العبادي ينجح في مهمته بإصلاح هذا النظام، لكن كل الظروف في واقع الأمر لم تكن مهيئة لهذا النجاح، وأولها شخصية العبادي نفسه، فهو (وخلافاً لسلفه الطاغية) شخصية ضعيفة ومترددة ومراوغة، يلهث وراء أمنياته، لكنه يعجز عن تحقيقها بسبب خوفه من الإقدام واتخاذ القرار، ناهيك عن ظرف غياب الدعم الدولي المناسب، واستفحال النفوذ الإيراني الذي لديه مخططاته الأخرى للنظام (كما سنرى لاحقاً)، بالإضافة إلى مافيوية الفساد وتجذره في نظام دستور 2005، وغياب الثقة وشيوع التطئيف والقومنة التي خلقها هذا النظام. كل هذه كانت عقبات كأداء أمام أي إصلاح حقيقي للنظام، الأمر الذي أوصل الرسالة النهائية لكل من يهمه أمر العراق في الداخل، وخصوصاً في الخارج، وهو أن نظام دستور 2005 على وشك أن يتداعى، وعلى الجميع أن يفكر بعواقب ذلك، ويتدارك النتائج بإيجاد البديل، وبالطبع وبسبب الصراعات الإقليمية (وإلى حد أقل بكثير الدولية)، فقد طرحت عدة بدائل حتى الآن، وسنحاول أن نناقش كل بديل من هذه البدائل بشكل محايد، طارحين مزاياه وعيوبه وإمكانياته بالنجاح:
1) البديل الحشدي:
يعتبر البديل الحشدي من أقوى وأخطر البدائل المطروحة برأي الكثيرين من أوساطنا، فميليشيات الحشد الشعبي تحوي الكثير من عناصر القوة، فهم يملكون الإنجاز الأهم (وربما الوحيد) في ظل نظام دستور 2005، فقد استطاعوا (لوحدهم عملياً) صد داعش عن بغداد وتحرير تكريت، وهم يملكون شعبية لا نظير لها خاصة في الأوساط الشيعية بسبب تكوينهم الفريد، فهم مكونون أساساً من أبناء الشعب من كل أنحاء المحافظات الشيعية، وهم يملكون هالة دينية طائفية خلابة، فهم القوة التي تأسست بأمر المرجعية، وهم القوة الشيعية العسكرية الوحيدة غير المؤدلجة، والتي كونت جيشاً لا يقهر بتأريخ العراق، وبالنسبة لإيران فهم حصان طروادة الذي سيخضع العراق أخيراً لمشيئتها بعد الصبر الطويل منذ نجاح الثورة الإيرانية في 1979، ذلك إن الدعايات الطائفية السنية والقومية العربية صورت الأحزاب الشيعية الحالية وكأنها مطايا لإيران وسياساتها منذ 2003، وهو قول مجاف إلى حد كبير للحقيقة، أو على الأقل لا يمكن تعميمه، فالحقيقة إن هذه الأحزاب لطالما كانت براغماتية ومطايا لطموحاتها وأطماعها في السلطة وامتيازاتها، فهي سعت ومنذ 2003 لإبداء كل ضروب الولاء والطاعة للسيد الأمريكي دون سواه، ولم تلتفت للجار الإيراني إلا بعد أن أحست بأن السيد الأمريكي آفل بقواته ونفوذه عن العراق، ورغم ذلك فإيران لم تكن راضية عن هذه الأحزاب حتى بعد عودتها إلى الحضيرة الإيرانية عقب انسحاب أمريكا من العراق، ذلك إن إيران تعلم إن هذه الأحزاب لم تكن مؤمنة بولاية الفقيه يوما، بل لم تكن مؤمنة بأي شيء سوى أطماعها، وهي مليئة بقصص الفساد والسرقات، والتحاقها بإيران ثقل عليها وليس مزية، فإيران تبحث عن الطرف الملتزم والصارم بطاعتها بسبب إيمانه بها، إيران تبحث عن نموذج حزب الله اللبناني في العراق، وهي تحلم بمن يوحد شيعة العراق خلفها لتأسيس الجمهورية الإسلامية في العراق، ولو من حيث المضمون، وإن كان بشكل ديمقراطي، وإلحاق العراق بقطار تبعية محكم بطهران (وهو الأمر الذي لم تستطع أن تحققه في لبنان، رغم كل جهودها وجهود نصرالله لأسباب كثيرة خارج نطاق الموضوع)، وها قد جاءت الفرصة لإيران أخيراً بتحقيق هدفها من خلال الحشد، والذي استطاعت أن تُسيّد عليه قياداتها من الميليشيات العراقية التي كانت بإمرتها منذ الثمانينات، ونجح قسم منهم بالتأقلم مع واقع ما بعد 2003، ليصبحوا جزءً من المعادلة السياسية العراقية (مثل هادي العامري)، وفشل بعضهم في ذلك بسبب ماضيه الإجرامي، فظل تحت الأرض، حتى أفسحت له داعش فرصة العودة والظهور من جديد (كأبو مهدي المهندس)، في حين نجحت إيران بضم آخرين لهذه الفئة منذ فترة سبقت داعش بشقهم عن جماعاتهم الأصلية (كالخزعلي الذي شقته إيران عن الصدريين منذ عدة سنوات)، وهكذا تكونت مجموعة قوية ومسلحة مدعومة شعبياً وإقليمياً، وهي قادرة على الوصول للسطة، وليس هناك شك مطلقاً في أن إيران ستقدم مرشحها في الوقت الملائم في الانتخابات القادمة، لكن ذلك لا يعني أن هذا الخيار لا يواجه صعوبات وتحديات مختلفة، قد تقف عائقاً دون نجاحه في الحصول على السلطة، وتتمثل تلك المعوقات بالتالي:
1- المرجعية: لقد كانت فتوى المرجعية هي الغطاء الذي تسللت من تحته ميليشيات إيران، إلا أن المرجعية لم ترتح يوماً للحشد، ولم تكن مؤيدة فعلياً له، بل إنها لم تستخدم أبداً تعبير (الحشد)، وفضلت استخدام تعبير (المتطوعين)، لعلمها أن التعبير الثاني لا يدل على رابطة أو مجموعة معينة، في محاولة منها لرفض الصيغة التنظيمية الدائمة المراد ترويجها من تعبير الحشد. وهناك مؤشرات بأن المرجعية تشعر بالقلق من هذا التمدد لنفوذ أتباع مرجعية قم، أو بتعبير أدق لسلطة ولاية الفقيه المتمثلة بخامنئي، الذي لم ينتشر ويتوسع، أي هذا النفوذ، إلا مع جهود قيادات الحشد، بعد بروز الظاهرة الداعشية، وحسب معلومات لم يجر التحقق منها من مصدر مطلع في النجف، هي إن هناك ميليشيا خاصة في النجف تأتمر بأوامر المرجعية فقط، مكونة من ألوف المقاتلين، الذي لا هدف لهم إلا حماية مدينة النجف تحديداً، مما يشي (لو صحت المعلومة) بمقدار الخوف والقلق الذي تشعر به المرجعية من جراء تنامي أتباع المرجعية الرسمية في إيران المتمثلة بموقع الولي الفقيه، وقد رفضت المرجعية انضمام (الحشديين) إلى الحراك الجماهيرى الحالي في بدايته، مما أدى إلى فرز الصفوف منذ اللحظة الأولى بين الجهتين، وتدرك إيران قبل غيرها عمق هذه المعارضة وخطرها، رغم إعلان المرجعية اعتزال السياسة (بعد اليأس والقرف من عجز العبادي الذي ظلت تدعمه على أمل إنقاذ ما تبقى من نظام دستور 2005، الذي كان صنيعتها هي بالأساس، بالاتفاق مع الجانب الأمريكي)، لأن المرجعية قد تفاجئ الجميع في الانتخابات القادمة برفض مرشح الحشديين، وبذلك تحرق كل أوراقه، كما فعلت مع المالكي، لأنها وبرغم كل الزحف الإيراني، ما زالت صاحبة الكلمة الأولى والنفوذ الأقوى بين شيعة العراق (بل وربما إيران نفسها كما يؤكد البعض)، وقد اتخذت إيران استراتيجية تقتضي بعدم الصدام مع مرجعية النجف لأي سبب كان (لأسباب مختلفة)، وربما يكون هذا العائق سببا أساسيا لتأجيل مخططات إيران في الانتخابات القادمة، إن لم يتم التفاهم مع النجف وهو أمر مستبعد حالياً.
2- توحيد الحشد: يدين جميع قادة الحشد (عدا الصدريين وفصائل أخرى صغيرة) بالولاء لإيران، ولكن هذا لا يعني توحدهم جميعاً، وأبرز دليل على ذلك هو عديدهم ومسمياتهم، وإن كان هذا التعدد مفيد لهم في وقتنا الحاضر، لأن البديل الموحد للحشد قد يجلب الانتباه، ويخيف الجميع قبل الأوان، إلا أن مشكلة توحيد الحشد خلف مرشح واحد للسلطة تبقى مهمة صعبة، فالحشد اللبناني (حزب الله) اتفق بشكل شبه أعمى وراء قيادة نصرالله، ولم يتأت ذلك بسبب قرار طهران كما يتصور البعض عن قصور في فهم طبيعة الأشياء، بل جاء نتيجة جملة من العوامل التي قد لا تتوافر في العراق، منها أولاً شخصية نصرالله، وكاريزماه وذكاءه وقدرته على لف جماهير الشيعة حوله، وإخلاصه لمبادئه التي يؤمن بها هو، ونزاهته، بالإضافة إلى إيمانه الصادق بخط الخميني ومن بعده الخامنئي، وقد خاض نصر الله رغم ذلك حرباً مريرة (غير معلنة) سياسية – عسكرية، حتى استطاع توحيد الصف الشيعي- اللبناني، كما أن شيعة لبنان لم تكن لهم مرجعية عريقة، بل لم تكن لهم أصلاً روح شيعية حقيقية، إلا بالمعني الاجتماعي، وليس بالمعنى الديني. لذلك قامت إيران بملئها بسهولة، مكونة ظاهرة (أيرنة وأسلمة) الشيعة (والتي تتزاحم أحياناً مع العرقنة كما يلمسها بنفسه كل من يعيش في لبنان)، كما إن شيعة لبنان لم يكن لهم ميراث تصادمي دموي قريب زمنياً مع إيران (مثل الحرب العراقية الإيرانية) بالإضافة إلى الدعم السخي الذي قدمته إيران للشيعة أثناء مواجهتهم لإسرائيل (فيما قدمت الأحزاب الشيعية العراقية أسوأ الأمثلة في النهب والفساد، وبالتالي أسوأ دعاية ممكنة لإيران)، كما إن الميراث العروبي المتأصل للعشائر الشيعية العراقية سيظل حاجزاً أمام تقدم النفوذ الإيراني، والقبول بمرشح لا يقف على مسافة من هذا النفوذ، بالإضافة إلى أن تعدد القيادات في الحشد خلق مختلف المصالح والطموحات داخل هذه القيادات، ورغم أنه لا يستطيع أحد أن يحدد قيادة واحدة تتمتع بكاريزما نصرالله قادرة على توحيد الحشد، إلا أنه يعتقد إن الاختيار لن يتجاوز الأسماء الثلاثة الكبرى، العامري، والمهندس، والخزعلي، (رغم استبعاد الأخيرين؛ الثاني بسبب ماضيه الجنائي وشبهات تاريخه، والثالث بسبب ديماغوجيته وعمامته، وهي قضية تحول بينه وبين الرئاسة، كما إنه ليس عريقاً في علاقته بإيران كفاية مثل الاثنين الآخرين). وعموماً فقضية توحيد الحشد حول مرشح، والاتفاق بشأنه حتى النهاية، هو أمر يبقى صعباً (إلا إذا تم حل الحشد أو توحيده تنظيمياً بشكل نهائي في صيغة رسمية مثل الحرس الثوري الإيراني بعد نجاح المشروع الحشدي).
3- طبيعة المجتمع العراقي: المجتمع العراقي هو طبيعة أثنية طائفية دينية مركبة، ليس من السهل حكمها بصيغة طائفية قومية معينة دون البقية، كما أن العراقيين عموماً وبكل طوائفهم وقومياتهم مجتمع صعب المراس برأي الكثيرين، ويختلف عن كل مجتمعات المنطقة من هذه الناحية، وقد كابد نظام صدام الكثير، والذي لم يجد بُدّاً من أجل تكريس حكمه الديكتاتوري، وضمان عدم تعرض هذا الحكم للاهتزاز، بسبب خصوصيات المجتمع العراقي التي يبدو أنه شخصها، والمشار إليها، من ممارسة كل هذه المذابح المروعة والممارسات القمعية الكارثية لضمان سيطرته المركزية على هذا الشعب. وبرأيي إن نظام الجمهورية الاسلامية (على النمط الإيراني) هو آخر الأنظمة صلاحية للعراق وظروفه، وفيما إذا نجح مرشح الحشديين فإنه سيكون من الصعب جداً ضمان نجاحه في مثل هذه الظروف بعد استلامه السلطة.
4- التحدي الإقليمي والدولي: إن الظروف الإقليمية والدولية برمتها ستكون معادية، أو في أحسن الأحوال مرتابة من النظام الجديد، وقد لا تألوا جهداً دون السعي لإفشاله بكل الطرق، ولاسيما القوى الإقليمية (رغم الدعم الإيراني)، والتي قد لا ترى في النظام إلا خطراً داهماً يهدد وجودها ودولها، وهي للآن تمارس نوعاً من الدعاية الطائفية الفاشلة، والتي لم تنجح إلا في إثارة الشيعة والتفافهم حول كل ما يخشون منه، إلا أنها لو انتبهت إلى جدوى الخيار العلماني مثلاً، ودعمته بقوة مادياً وسياسياً (مثلما تفعل الآن مع الطرف الطائفي السني)، فربما تبدلت المعادلة تماماً بوجه هذا الخيار.
5- خيار تحالف الصدريين – اللبراليين: (وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل لاحقاً)، وهو خيار يمثل أهم الموانع وأخطرها بوجه خيار الحشديين.
6- الوضع الدولي: تمر السياسة الدولية الأمريكية بحالة جزر معلن عنها تجاه الشرق الأوسط عموماً منذ مجيء الرئيس أوباما للسلطة، تتويجاً لمرحلة التدخلات الصاخبة في عهد سلفه جورج دبليو بوش، والتي انتهت إلى فشل تاريخي واعتراف أمريكي بهذا الفشل، من خلال توقيع اتفاقية الانسحاب من العراق في نهاية عهده مع حكومة المالكي، الأمر الذي فتح الباب واسعاً لقضيتين مؤسفتين وكارثيتين بالنسبة للعراقيين، هما:
أ- دخول العراق والمنطقة في مرحلة تمدد غير مسبوقة للنفوذ الإيراني بعد الانهيار الكامل للبوابة العراقية كما أسلفنا.
ب- أدى ذلك إلى تولد رعب وهلع في عواصم المنطقة، بسبب ضعف بنى مؤسساتها وتماسك مجتمعاتها وانتهاجها الخط القمعي الطائفي في داخلها، واعتمادها على الدعم الخارجي في البقاء، مما أدى بها إلى التفكير في اصطناع واحدة من أقذر المؤامرات التاريخية، هي تلك المسماة بداعش (كما جاء في اعتراف نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن)، وهكذا برزت أمام الرئيس الأمريكي معضلة جديدة في العراق، نتجت عن قراره بالانسحاب العسكري والسياسي من العراق، توجب عليه حلها قبل أن يعلن فك الارتباط النهائي (كما يُعتقد) تجاه العراق، وباعتقاد بعض المراقبين إنه في حال إنهاء هذه المهمة، فلن يكون هناك شيء يربط الولايات المتحدة الأمريكية بهذا البلد. ويجادل كثيرون محتجين على هذه الرؤية متذرعين بأهمية العراق تجاه الولايات المتحدة والغرب، والواقع إن موقف الولايات المتحدة اتسم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بالوضوح تجاه تدرج أهمية مناطق الشرق الأوسط بالنسبة إليها، فقد كان هناك دائماً خطوط حمر بالنسبة إليها ثابتة لم تتغير منذ ذلك الوقت، وحتى هذه اللحظة، وهي تركيا وإسرائيل ودول الخليج والسعودية، وبخلاف ذلك فقد سكتت الولايات المتحدة على ضياع مختلف دول المنطقة الحيوية من نفوذها مثل مصر 1952، والعراق 1958، وإيران 1979، ولا يعني سكوت الولايات المتحدة عن ضياع نفوذها في هذه المنطقة عدم سعيها إلى استعادتها لاحقاً سياسياً او حتى عسكرياً، كما حصل في مصر 1970 والعراق 2003، إلا أننا نتكلم عن المناطق التي لا تسمح أمريكا أصلاً بالمساس بها، وهي الخطوط الحمر كما يقال في الشرق الأوسط، ومن الواضح إن العراق ليس من ضمن هذه المناطق، أي إن الولايات المتحدة قد تتقبل فكرة خسارته مرة ثانية، وقد تأكد من المصادر المعلنة والخاصة أن الولايات المتحدة قد وصلت إلى مرحلة شبه اليأس من عموم الشرق الأوسط وإمكانية إصلاحه، هذا بقطع النظر عن رأي الواحد أو الآخر منا بمدى جديتها ومدى صدقها في الرغبة المعلنة بإصلاح أنظمة هذه المنطقة، وإن المنطقة داخلة في مرحلة الفوضى والعدم والانهيار، وعلى رأسها العراق نفسه، وليس سراً إن الولايات المتحدة تبحث منذ نهاية عهد بوش عمن يرغب في الحلول محلها من القوى الدولية أو الإقليمية، لتستطيع هي الانسحاب والتركيز على خطوطها الحمر (وقد تقدم مع الربيع العربي المشروع التركي – القطري لأخونة المنطقة بمباركة أمريكية، إلا أن المشروع قد باء بالفشل وانتهى كما هو معروف)، والآن تقدمت روسيا بمشروعها للسيطرة بالتعاون مع إيران على العراق وسوريا ولبنان، ولم يكن أمام أمريكا كثير من الموانع، فروسيا غير طامعة أو راغبة بالوصول للخليج، لأن جل ما تريده هو استعادة مناطق نفوذها القديمة (أيام السوڤييت) في العراق وسوريا، وهي قد أعلنت بوضوح عدم تهديدها لإسرائيل (ليس عبر الزيارات المكوكية لنتنياهو إلى موسكو فحسب، بل من خلال السماح لإسرائيل بالوصول بطائراتها إلى قلب دمشق، وقصف وقتل أحد قيادات حزب الله فيها، كبادرة تأكيد من موسكو لحسن نيتها تجاه إسرائيل، ونوع من التطمين لقدرتها على كبح جماح حلفائها في طهران وحزب الله تجاه إسرائيل)، وهذا التسليم الأمريكي بالسيطرة الروسية على هذه المنطقة لا يعني كما قلنا انعدام المساعي مستقبلاً لتخريب هذه السيطرة، لأن هذا هو جزء من طبائع السياسة الدولية، لكن هذا الترتيب (الروسي – الأمريكي) كما يبدو لم يحظ لا بالقبول الإقليمي، ولا حتى الدولي، لذلك نرى محاولات أورپا بتنظيم حلول بديلة للعراق (كما سنناقش لاحقاً)، وهذا يعني استمرار التحديات دولياً لهذا الخيار. أما مزايا هذا الخيار فتتمثل في أنه في حال نجاحه، ربما سيكون في العراق أخيراً ولأول مرة نظام متكامل وواضح الملامح (بدلاً من نظام دستور 2005 الهجين والقائم على صيغة ديمقراطية غربية وبأدوات إسلامية، أو بتعبير آخر ديمقراطية الشكل إسلامية المضمون)، وهذا قد يجر إلى نوع مؤكد وواضح من الاستقرار السياسي والأمني، وتقليص مفترض لعمليات الفساد الكارثية من خلال النخب الحاكمة الجديدة، والتي ستحل محل الموجودة حالياً، والتي لا يرتجى منها أي أمل، وقد تقتصر صيغة التمثيل المحاصصاتي في قمة الهرم، فقط مراعاة لشكليات الخصوصية العراقية (رئيس وزراء شيعي، رئيس كردي ورئيس مجلس النواب سني عربي)، بينما تنتهي المحاصصات أو تتقلص إلى حد كبير فيما هو أدنى من ذلك، وسيذوب تأثير الأحزاب المافياوية الكبرى حالياً، مثل الدعوة والمجلس الأعلى واليكيتي والپارتي، ... الخ. أما عيوب هذا الخيار فهو ولادة نظام قمعوي طائفي لا ديمقرطي (إلا شكلياً)، وستحل نخبة التبعية لإيران محل نخبة الفساد حالياً، وستوجه جهود القمع والتنكيل نحو الخط المدني والديمقراطي بالدرجة الأولى، لأنه سيكون الاحتمال الوحيد لتقويض هذا النظام، والذي لن يستطيع برأينا أن يستمر طويلاً (اذا ما تأسس)، لكل هذه الأسباب التي أوردناها.

2) بدائل المجموعات الخارجية:
منذ تأسس نظام دستور 2005 تكونت معه معارضة المنفى في تقليد شبه ثابت منذ تأسيس الجمهورية العراقية في 1958 (كانت معارضة المنفى زمن عبدالكريم قاسم مكونة من القوميين والبعثيين ومقرهم في القاهرة بالدرجة الأولى أو دمشق، وبعد سقوط عبدالكريم قاسم فقد تكونت معارضة المنافي من الشيوعيين، وكانت مقراتهم في الاتحاد السوفييتي ودول أورپا الشرقية بالدرجة الأولى، ومع مجيء مرحلة صدام في الثمانينات لعبت إيران وسوريا وليبيا دور المحتضن لقوى المعارضة المنفية، والتي أصبحت خليطاً واسعاً من القوى، تتصدرها أحزاب الإسلام السياسي الشيعية، وبعد حرب الخليج فقد فتحت الكويت والرياض والقاهرة وحتى عمان بالإضافة إلى بريطانيا والولايات المتحدة أبوابها لمعارضة المنافي، في شريط واسع من التنوع الآيديولوجي والأثني والقومي، كما لا ننسى أن نشير إلى أن جبال كوردستان المنيعة كانت ملاذا للمقاومة الكردية منذ 1961، بالإضافة إلى فصائل أخرى كالشيوعيين وفصائل أخرى لاسيما بعد 1991). وقد تكونت هذه المعارضة بالدرجة الأساس من كوادر البعثيين (غير القياديين سابقاً)، وبعض الذين (تبعثوا) نتيجة مساوئ وكوارث نظام دستور 2005، بالإضافة إلى الأحزاب وقوى الإسلام السياسي السنية ومعها القوى الطائفية غير الإسلامية، لاسيما تلك التي لم تقبل بالدخول في العملية السياسية (وهناك من تورط منهم بأعمال إرهابية، فيما بقي الآخر مسانداً بشكل علني أو مكتوم لهذه العمليات)، وقد تكون بين هذين الطرفين إما نوع من التحالف العضوي، أو بأضعف حالاتها علاقات ودية مجردة، أساسها نوع من التعاطف، وقد دعمت هذه الأطراف بشكل عام من مختلف دول الجوار (عدا إيران)، حتى أصبح لكل دولة من هذه الدول (لوبيها) الخاص بين هذه القوى، كما لم تنقطع العلاقات (رغم الخلافات) بين هذه المجموعات وبين القوى السياسية السنية داخل العملية السياسية، بعد أن شعر الجميع بنوع من التهديد الوجودي، لاسيما في عهد حكومتي المالكي (كانت الخلافات بين الطرفين أي الداخلين في العملية السياسية والرافضين لها تصل قبل ذلك إلى مستوى التخوين والتكفير)، (كما أن هناك مجموعات أخرى من اللبراليين والعلمانيين والمدنيين الذي قضوا جل حياتهم في معارضة نظام صدام، ووجدوا أنفسهم الآن في نفس الموقع المعارض لنظام دستور 2005، وإن كان لا يمكن حسبانهم من المعارضة المنفية، بل إنهم اختاروا النفي الطوعي، إما احتجاجاً على سوء الأوضاع في ظل دستور 2005، أو بسبب استقرارهم في دول المنفى عائلياً ووظيفياً، أو لعدم شعور البعض منهم بالأمان)، وقد عمد نظام دستور 2005 إلى استعداء شريحة واسعة من الشعب العراقي تحت يافطة (البعث)، مكونة من أساتذة وأكاديميين إداريين وخبراء ومسئولين لم تكن علاقتهم بحزب البعث سوى علاقة الانتماء الشكلي، بسبب ضغوطات النظام السابق، لكن ضغوطات النظام الحالي وللمفارقة بالإضافة إلى شعور الاضطهاد وطّد صلتهم بكوادر البعث في المنفى أكثر مما كانوا زمن النظام السابق نفسه. وقد قدمت النخب السياسية المنفية منذ عام 2005 العشرات من مشاريع البدائل عن هذا النظام، بعضها كان ينحو منحى طائفياً سنياً بحتاً، وبعضها الآخر كان ينحو منحى عروبياً – قومياً، والبعض الثالث كان يتجه إلى تقديم مشاريع ذات صبغة وطنية جامعة (أي باشتراك بعض من منفيي إقليم كردستان من الأكراد أو اليزيديين الذي تورطوا فيما سبق بعلاقات وطيدة مع النظام السابق، .. الخ).
وقد ظهرت مشاريع عديدة مؤخراً، مثل مشروع مؤتمر پاريس (والذي ولد ميتاً لأسباب لا عد لها)، أو مشروع بيروت (الذي تبناه الدكتور خير الدين حسيب، وهو مشروع يفتقد لأي دعم دولي أو داخلي حقيقي حسب معلومات شخصية لمقربين)، أو مشروع العطية – ملا جياد (وهوالمشروع الذي تبناه الدكتور غسان العطية والسياسي سبهان ملا جياد ولا يعتقد أنه يمكن أن يحقق انقلاباً في المعادلات السياسية لأسباب كثيرة). لكن هذه المشاريع برغم حظوظها الضعيفة، إلا إنها تؤكد حقيقة أساسية مفادها، أن هناك شعورا عاما بأزمة نظام دستور 2005، واحتمال انتهائه، بالإضافة إلى عدم الرضا، سواء كان من النخب الخارجية، أو الدول والقوى السياسية التي تؤيدها، عن البدائل الأكثر ترجيحاً لوراثة النظام الحالي.

3) مشروع بقاء قوى دستور 2005:
من المؤكد إن هذه القوى كانت هي المسبب الرئيسي لانهيار هذا النظام برمته، كما رأينا في الورقة السابقة، سواء بطائفيتها وقوميتها أو بفسادها، أو انعدام كفاءتها، وعلى كل الصعد والميادين، إلا إنها أثبتت وخلال العقد الفائت قدرة لا تنكر على البقاء والصمود، رغم كل ما سبق ذكره، من خلال التلون وتغيير الشعارات والوجوه واللعب على كل الأوتار الحساسة للجهل والتخلف والطائفية والاستعداء القومي، ..... الخ. وهذا يؤكد على إن هذه الطبقة، ومهما قدمنا تصورات عن أفولها وانقراضها، إلا إنه تبقى هناك إمكانية قوية لإعادة إنتاج نفسها، خاصة إذا عجزت أي من البدائل المطروحة، ولأي سبب، عن تحقيق مشروعها في استلام السلطة، وقد وصل إلى علم البعض، الجهود الكبيرة التي يقوم بها الآن نوري المالكي من أجل تكوين تحالف واسع يضم كل القوى التي اعتمد عليها سابقاً في دولة القانون، بالإضافة إلى تحالف اليكتي وگوران الكرديين، وربما قد ينجح في ضم القوى السنية المعارضة لآل النجيفي (والمرتبطين بتركيا وآل البارزاني)، ومن يدري فقد يغير آل النجيفي موقعهم الحالي ويدخلون في تحالف المالكي المتوقع، بل قد ينضم البارزاني إليهم، فمن يستطيع أن يحزر إلى أين تتجه مراكب السياسة الداخلية في العراق والإقليمية في الشرق الأوسط في ظل التبدلات التي تشهدها هاتان الساحتان حالياً.
والواقع إن العامل الأقوى في عودة هذه القوى لتسيّد الساحة تمثل بالتالي:
1- إن تقاطع المشروع الحشدي مع رغبات دول الجوار قد يؤدي إلى سحب الدعم الإيراني عنه، بل توجيهه نحو التأجيل. وعندها سيحاول المالكي اجتذاب أصواتهم ودعمهم لمشروعه، لاسيما وإن مشروعه هو الأقرب إليهم سياسياً وطائفياً.
2- يراهن المالكي على بقاء انسحاب المرجعية من التدخل في الشأن السياسي كما أعلنت، وبذلك سيكون المجال مفتوحاً أمامه لتجريب حظه، وهذا ما يضع أمامنا سؤالاً آخر عن معوقات هذا المشروع وهي:
أ- تكون تكتل رأي عام عراقي عابر للطوائف والقوميات مناهض لشخص المالكي أكثر من أي سياسي آخر في تاريخ هذا النظام، وما زالت الذاكرة طرية تجاه التاريخ البائس لفترة حكمه، وليس من السهل الاعتماد على نسيان هذه الجماهير وإعاة المالكي لسدة الحكم.
ب- إن جميع الكتل السياسية غير المنضوية في مشروع لمالكي ستواجهه بكل شراسة وقوة، لأنها خير من يعلم ماذا يعني عودته لسدة الحكم من جديد، وعلى رأسها التيار الصدري.
ج- رغم إن المرجعية ما زالت ملتزمة بعدم التدخل حتى الآن بالشأن السياسي بعد إعلانها بذلك، إلا إنه من غير المتوقع استمرار التزامها بالصمت، إذا تبين فعلاً إن إماكانيات المالكي قد توصله للولاية الثالثة فعلاً، وبالتالي فإن المرجعية ستكون أخطر وأهم عائق أمام هذا المشروع..

4) مشروع تحالف الصدريين – المدنيين:
يعتبر مقتدى الصدر من أكثر شخصيات نظام دستور 2005 إثارة للجدل، وليس هناك من داع لاستذكار تاريخ الرجل المعروف للجميع، والذي جعله مدانا بجرائم الطائفية بالنسبة للبعض، ولغزا عصياً على الفهم بالنسبة للبعض الآخر، وعموماً ومهما كانت آراءنا مختلفة بالنسبة للرجل، إلا إننا ينبغي أن نتفق على الثوابت التالية في شخصيته السياسية والذاتية:
1- إن مقتدى الصدر ليس أحد أتباع إيران، (وإن كان البعض يرى غير ذلك)، رغم علاقته الطبيعية معها، وذلك يحمل معنىً محدداً بالنسبة لإيران، فمقتدى ليس من معتنقي مبدأ الولاية العامة للفقيه، ولا يدين بالولاء للخامنئي وقم، وعندما ضغطت عليه الحكومة العراقية (زمن المالكي في قضية مقتل مجيد الخوئي كوسيلة لكسر شوكته) اضطر للهرب إلى إيران، ورغم الضغوط التي مورست عليه من قبل إيران، فإنه لم يغير قناعاته، وهذا ما حدا بإيران إلى السعي لإحداث أول انشقاق في صفوف جماعته (بقيادة قيس الخزعلي)، وهو ما زال يتذكر كما قيل المرارة والخوف اللذين عاشهما هو شخصياً عندما فقد التمييز بين أتباعه وأعداءه في تلك الأيام، وهي أسوأ حتى من أيام حصاره وقتاله للأمريكان أو للمالكي، ورغم إن الكثيرين اتهموه بتبعيته لإيران، إلا أن الأحداث أثبتت عكس ذلك، وإن كان يجاري الإيرانيين ويحاول عدم إثارة عداوتهم المباشرة.
2- ومقتدى أيضاً ربما يكون القطب الشيعي السياسي الوحيد الذي لم يتملق منذ بدء نظام دستور 2005 وحتى الآن للمرجعية (رغم إن غالبية أقطاب القوى السياسية الشيعية حالياً لا تؤمن بالمرجيعة فعلاً كما قيل كحزب الدعوة والمجلس الأعلى)، وربما مرد ذلك عائد إلى أن شعبيته السياسية ليست مدينة للمرجعية (حيث إن جميع القوى السياسية الشيعية ما كانت ستحظى بالفوز في الانتخابات الأولى التي أفرزت نظام دستور 2005 لولا دعم المرجعية، وبالتالي بدأت ببناء شعبيتها وأتباعها وهي في السلطة)، ولم تخل مسيرة مقتدى في السلطة من تشكيكات أو حتى صدامات مكتومة مع المرجعية، خصوصاً في البداية، إلا إن الاتفاق والتلاقي حل رويدا رويداً بين الطرفين على خلفية انتقاداتهما المشتركة لنظام دستور 2005، ويقال إن المرجعية ما زالت متوجسة للآن من مقتدى (ربما بسبب إعلانه الصريح عن عدم اتباعه فقهياً لها، وهو ما لم يجرؤ عليه سياسياً أي سياسي شيعي، وربما بسبب تأثير آل الخوئي الذين ما زالوا يعتبرونه مجرماً بسبب حادثة مجيد الخوئي، ... الخ).
3- لقد تطور مقتدى الصدر في بعض جوانبه، وبقي أسيراً لشعاراته في جوانب أخرى، فموقفه طائفياً تطور بشكل كبير من قائد للصراع والمذابح الطائفية والقطب الأساسي في الحرب الأهلية 2006-2007، إلى أكثر أطراف الاتجاه الشيعي في العراق دعوة للتعايش الطائفي، والتزاماً بحماية السنة، ورفضاً للتمييز الطائفي، ويشهد أبناء المحافظات السنية إن ميليشيا الصدريين كانت هي الأكثر انضباطاً تجاه مناطق السنة، كما تقلصت تجاوزاتهم هناك إلى حد كبير، وهناك الآن شبه اتفاق في المناطق السنية على الترحيب والثقة بالصدريين، والشعور بالأمان معهم دون بقية فصائل وقوى الميليشيات التي تحارب داعش. وقد يأخذ البعض على مقتدى جرائمه وجرائم جماعته وميله للعنف في الماضي، لاسيما ممارسة القتل الطائفي على يد جماعته لسنوات عديدة، وهذا كله تاريخ لا يمكن محوه، إلا إن الواقع يؤكد إن مقتدى تغير مذاك الوقت باتجاه مختلف تماماً عما كان عليه من قبل، أما بالنسبة لشعاراته ضد الأمريكان فقد ظل مقتدى وحتى الآن أسيرا لنوع من الطفولية – الوطنية إن صح التعبير، وما زال يرفع راية العنف ضد أي دعم دولي يقدم للعراق في محنته الحالية، وهذا ما يؤخذ عليه (والحق إن معاداة مقتدى للأمريكان كانت حقيقية ومنذ البداية، خلافاً لكل القوى الشيعية قاطبة، التي يرفع بعضها الآن شعار معاداة أمريكا موالاة للسيد الإيراني الجديد).
5- لقد جرب مقتدى التحالف مع السنة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وانتهى هذا التحالف بالحرب الأهلية الطائفية البشعة التي سبق الحديث عنها، وجرب أن يعمل بمفرده ضد حكومة المالكي، فانتهى به المآل محاصراً ومهزوماً عسكرياً في حواري البصرة وأزقتها، فيما سمي وقتها بـ (صولة الفرسان)، والآن يعتقد مقتدى أنه آن الأوان أن يجرب طريقاً آخر سواء من حيث التحالف أو من حيث الوسيلة.
وأخيرا لا بد من الإشارة إن تخصيص هذه الورقة حيزا، يعد كبيرا بتقدير البعض، عن مقتدى، فبكل تأكيد ليس من قبيل التأييد له، بقدر ما هو تشخيص لمدى تأثيره على المشهد السياسي في العراق، راهنا ولعله مستقبلا، مما يجب وضعه بجدية في الحساب، لدراسة سبل تجنب مخاطره من جهة، أو إمكانيات التحالف معه بضوابط، كما يدعو إليه البعض، لصالح مشروعنا الديمقراطي العلماني من أجل التغيير أو الإصلاح من جهة أخرى.
منذ أن بدأت تظاهرات الشعب ضد الحكومة الصيف الماضي، واجهت هذه التظاهرات أزمتين أساسيتين لطالما واجهتهما كل التظاهرات التي انطلقت سابقاً ضد نظام دستور 2005، وهما:
* ضعف عدد وتنظيم القوى المدنية المنظمة للمظاهرات، والتي كانت تشتمل على قوى المثقفين والأكاديميين والناشطين المدنيين، بالإضافة إلى الأعداد المحدودة لقوى اليسار.
* إحجام ملايين الشعب عن المشاركة، إما بسبب الخوف، أو عدم التنظيم، او انعدام الأمل بالتغيير، أو الطائفية، ... الخ، مما كان يحول دون دعم المظاهرات بأعداد الجماهير القادرة على التغيير رغم انتشار السخط والغضب وانعدام الرضا بين كل أبناء الشعب قاطبة.
وقد أدرك مقتدى أن المظاهرات في سبيلها للانطفاء مثل سابقاتها، فقرر اغتنام الفرصة والدخول على خط الانتفاضة، وليس سراً إن التيار العلماني قد انقسم تجاه دخول مقتدى على خط التظاهرات بين طرفين:
أ- الجماعة المؤيدة لهذا التدخل والداعمة له، بل والمؤمنة إلى حد كبير بقدرة التيار الصدري على القيام بالتغيير المطلوب داخل نظام دستور 2005، ومن أهم شخصيات هذه الجماعة جاسم الحلفي، أحمد عبدالحسين، فارس كمال عمر نظمي وآخرين.
ب- الجماعة الرافضة لهذا التدخل أو التعاون مع مقتدى، إما على أساس رفض التعاون مع أي فصيل من فصائل الإسلام السياسي، أو بسبب الترفع عن التعامل مع القوى التي تسببت أو حتى ارتكبت جرائم التطهير الطائفي في السابق، والتي ما زالت ترفع للآن شعار العنف بوجه الولايات المتحدة القوة الحليفة بمواجهة داعش.
ويمكن القول أن هناك اتجاها ثالثا بين الاتجاهين، ولا يستبعد أن يتبنى بعض من ذكر من الفريق الأول الاتجاه الثالث، والذي يمكن أن يوجز بالتنسيق الميداني في الشارع، دون التحالف، بل بقاء الاتجاه المدني (العلماني) متميزا بشعاراته وأهدافه وخطابه وقرارته وبرنامجه السياسي.
والواقع إن للجماعتين حججا وجيهة للدفاع عن وجهتي نظرهما، وأشير هنا إلى كتابات الدكتور فارس كمال نظمي كمصدر لمعرفة حجج الفريق الأول، فيما يمكن الاستناد إلى كتابات ومدونات عمار السواد وغيره من الإخوة لمعرفة آراء الفريق الثاني وغيرها. في النهاية فإن هذه الورقة تقدم التوصيات التالية، والتي يمكن العمل على تنقيحها وتطويرها للوصول إلى خيارات محددة بالنسبة للتيار المدني بكل صنوفه واتجاهاته:
أولاً: هناك موجبات للتغيير تجاوزت أطر الإصلاح برأي الكثيرين، وما زال يعتقد إن الأحداث وتطوراتها تحضنا على التفكير بشكل جاد وواقعي حول بدائل نظام دستور 2005.
ثانياً: إن هناك نوعين من الحراك لا يمكن أيضاً تجاهلهما، الأول تخوضه الجماهير (سواء كانت صدرية أو من عامة الناس) ضد النظام ومافيات الفساد فيه، والثاني تخوضه مختلف القوى السياسية داخلياً وإقليمياً ودولياً، للبحث عن هذا البديل أيضاً، ويجب كتيار أن نعي ذلك، وأن يكون لنا دور فاعل في الحيلولة دون اضطرارنا إلى مواجهة خيار آخر نحن غير مستعدين له، مثلما حصل في ولادة نظام دستور 2005، الذي أعطى السلطة لقوى الإسلام السياسي الطائفية، وما زلنا حتى الآن نعاني من ذيول هذا الخيار، الذي لم نختره، والذي فرض علينا، إما بسبب تقاعسنا عن رفضه، كما يذهب البعض، أو لكون موجة الولاء الشيعي العاطفي المخدوع بهذه الطبقة كانت أقوى من كل القوى العلمانية، وكانت على الأرجح ستسحقها لو عارضت، وبقطع النظر عن الأسباب لعدم قيامنا قصورا أو تقصيرا بما يجب عند تأسيسه، لمنع احتكار هذه الأحزاب للسلطة فيه، فهل سنكرر نفس الموقف مرة ثانية؟

5) البديل المدني الديمقراطي:
وهو البديل الذي نحلم به جميعاً، وهو يمثل النقيض لكل نظام دستور 2005 برمته، وللأسف فإن كثيرا من رواد هذا البديل وقياداته مازالوا لم يؤمنوا بذلك بعد، وما زالوا يتصورون أن لهم مكاناً داخل هذا النظام، وعموماً فمن المبكر حسم موقف هذا التيار في الانتخابات القادمة، كما إنه من الصعب حسم هذا التيار وإصداره قراراً موحداً لكل اتجاهاته وأعضاءه وفصائله المتنوعة، وهو أمر طبيعي نسبة لطبيعة التيار وتنوع أفكار أعضاءه وانتماءاتهم، وطبيعة الحرية التي يتمتعون بها فكرياً ونفسياً، وبعدهم عن المواقف الموحدة كحال الأحزاب الايديولوجية المغلقة، أو المتصلة بمرجعيات روحانية، إلا إنه من المتوقع أن لا يخرج موقف التيار عن ثلاثة اتجاهات، وهي:
أولاً: التحالف مع الصدريين (وهو ما سبق الإشارة إليه)
ثانيا: مقاطعة الانتخابات القادمة، وهو قرار قد يبدو سلبياً للوهلة الأولى، إلا إنه لا يخلو من منطق ووجاهة معينة، ذلك إن الظروف التي يمر بها العراق، ومدى تغلغل عوامل الجهل والتخلف والتطئيف من جهة، وضعف إمكانيات هذا البديل سياسياً ومالياً، وافتقاره للدعم الدولي أو الإقليمي من جهة ثانية، لا تجعل منه وفق أي حسابات منطقية، خياراً منافساً حقيقياً، ليس قبل عدة عقود قادمة على أقل تقدير، لذلك فإن خيار المقاطعة في ظل هذه الظروف قد يكون أفضل من خيار المشاركة العرجاء، أو تمثيل دور الديكور المجمل للعملية السياسية الطائفو-قومية الحالية.
ثالثاً: المشاركة بشكل منفرد بقائمة تضم القوى المدنية وحلفائها كما حصل في الانتخابات الفائتة، وهي تجربة أعتقد إنه ينبغي التفكير مطولاً قبل خوضها مرة ثانية، والعمل على نقدها، وتفحص كل جوانبها وسلبياتها وإيجابياتها بشكل معمق، قبل العمل بها أو رفض تكرارها على حد سواء.

*********************



يتبع


المحور الثالث
ورقة قدمت من قبل الأستاذ ضياء الشكرجي



رؤية في سبل إصلاح وتصحيح الواقع السياسي في العراق




رؤية في سبل إصلاح وتصحيح الواقع السياسي في العراق
ضياء الشكرجي
- انطلقت في الآونة الأخيرة عدة مشاريع أو تحركات مطروحة للتغيير، أو الإصلاح للعملية السياسية، بل بعضها يعود إلى صيف العام الماضي، حيث انطلاق الحراك الشعبي في 31 تموز 2015، والذي جاء امتدادا أو إحياءً لحركة شباط 2011، والذي اتخذ، أي هذا الحراك، الطابع المدني، العابر للطائفية، والذي أعقبته ما سمي بحزمة الإصلاح لرئيس الوزراء حيدر العبادي في مطلع آب من نفس السنة، ومن ثم وقوف المرجعية مؤيدة له، وكذلك جماهير الحراك الشعبي، ودعوات المرجعية المتكررة للإصلاح والضرب بيد من حديد على الرؤوس الكبيرة للفساد كما عبرت، مما جعل الكثيرين يتفاءلون بدرجات متفاوتة بانطلاق عملية إصلاح سياسي، ومحاربة للفساد ومقاضاة للفاسدين، والبدء بإنهاء المحاصصة، وتسييس الدين واعتماد الطائفية السياسية. ولكن سرعان ما خابت الآمال المعقودة على دعوات الإصلاح تلك، إما لعدم جديتها منذ البداية كما يحتمل البعض، وإما بسبب ما مورس من ضغوطات من قبل القوى السياسية المتضررة من الإصلاح، في حال جرى تنفيذه فعلا، كما يرى بعض آخر.
ثم شهد شهر أيار من هذه السنة انعقاد ثلاثة مؤتمرات في عاصمتين عربيتين وعاصمة أورپية، أشارت إليها الورقة الثانية، مع إن مبادرتنا غير معنية بشكل كبير بهذه المؤتمرات، ولا هي ردة فعل لها، بل والتي نملك مبررات أن نتحفظ عليها، مع التفاوت في درجة التحفظ؛ بل إن الشعور بالمسؤولية الوطنية جعل عددا من المثقفين والمهتمين بالشأن الوطني العراقي من داخل وخارج العراق، من الوسط العلماني، يطلق هذه المبادرة، والتي تمخضت عنها ورشة العمل والتشاور هذه، بأوراقها الثلاث، ومهمة هذه الورقة الأخيرة، هو طرح تصورات عن سبل الخروج من المأزق العراقي، وعن آليات الإصلاح السياسي، والذي يترتب عليه إصلاح اقتصادي واجتماعي وثقافي، حتى لو بدا المشهد للبعض ميؤوسا من إمكانية إصلاحه.
إننا كديمقراطيين علمانيين، مؤمنين بالمواطنة، وفصل الدين عن السياسة، والمطالبين بإنهاء الطائفية السياسية، والمحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، ومحاربة الفساد المالي، وسرقة أو هدر المال العام، والعمل على استئصال الفساد كليا، ومعالجة أسبابه، واسترجاع الأموال المسروقة، ومقاضاة سارقي المال العام، والمتورطين بالعنف أو الإرهاب، من أجل بناء الدولة المدنية (العلمانية) الديمقراطية الحديثة؛ نريد أن نقدم رؤى لسبل الخروج من المأزق الذي يمر به العراق. ورأينا أنه لا بد من مناقشة الرؤى والبرامج المختلفة لحل الأزمة متعددة الجوانب في العراق، وذلك بعيدا عن الشعارات العامة، أو طرح العناوين لأمنياتنا وتطلعاتنا، من غير امتلاك تصور أو خطة بل خطط وبرامج لتحقيق ذلك، وذلك بتجرد تام عن التوجهات السياسية التفصيلية مع احترامنا لها، أو الرؤى ذات الخصوصية لهذا أو ذلك الحزب، إلا ما يجمعنا من مشتركات بيناها، وإنما عبر طرح الأفكار باستقلالية وتجرد وموضوعية، على أن تكون الخطط المطروحة للمناقشة واقعية، عملية، علمية، وممكنة، سواء على المدى القريب، أو المتوسط، أو البعيد. ذلك بتحديد استنتاجاتنا ورؤيتنا القادمة للعراق وفق الواقع، وليس وفق الرغبة، وما نراه من آليات لهذا التغيير، وما ينبغي أن نعمله، كي نطوّر هذه الرؤى مع القوى الساعية للإصلاح والتغيير، بعد تشخيص هذه القوى بشكل دقيق، أي مميزين بين تلك التي نحتمل صدقها احتمالا يعتد به، وبين تلك التي ركبت مؤخرا موجة الإصلاح ومحاربة الفساد وعبور الطائفية، بينما هي من القوى المسؤولة مسؤولية مباشرة وكبيرة، تأسيسا وإصرارا واستمرارا وتكريسا، وبما هو واضح للجميع؛ المسؤولة عن كل ما آل إليه العراق من وضع كارثي، فهي المؤسسة لكل من الطائفية السياسية، وتسييس الدين، والمحاصصة، والفساد، واعتماد دولة المكونات بدلا من دولة المواطنة، ثم من أجل أن نحدد بشكل واضح وعملي وعلمي وواقعي ما هو دور هذا العمل الإصلاحي أو التغييري، ودور الوسط الديمقراطي المدني المعني به.
رأينا الواجب علينا قبل غيرنا، تكوين رؤية لما نراه من أجل الخروج من المأزق الذي يمر به العراق، آخذين بنظر الاعتبار بوجود رؤى متعددة في أوساطنا، ومتفاوتة من حيث التطبيق والسبل والآليات، ومن حيث جعل التغيير طريقا للإصلاح، أو الإصلاح طريقا للتغيير، ولو إنها متفقة من حيث المنطلقات، والأهداف النهائية.
وهنا يجدر رفع اللبس الذي قد يقع فيه البعض، بتوضيح أن المبادرة لا تريد أن تخرج ببرنامج سياسي، كما هي البرامج السياسية للقوى والتكتلات والتحالفات السياسية والانتخابية، التي تعد بها الناخبين بتنفيذها في حال تمكنت من تشكيل الحكومة منفردة أو مؤتلفة، عبر الانتخابات، بل إننا نريد تقديم رؤانا وتصوراتنا من خارج المشاركة في أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية، دون أن يعني ذلك ألّا يكون من المشاركين في المبادرة، ممن يسعى لذلك، خدمة لمشروع التغيير، ولكن عمل وأهداف المبادرة تختلف عن ذلك. بل نستطيع أن نقول إن نجاح قوى ديمقراطية علمانية إنما يصب في أهداف هذه المبادرة، بل هو شرط مهم لتحقيق أهدافها، كسبيل من سبل هذا التحقيق، ولكن إذا لم يمكن ذلك، أي نجاح هذه القوى في الانتخابات في مستقبل قريب، فلا يعني التوقف عن السعي عبر سبل أخرى ممكنة، أو تبدو ممكنة، لتحقيق أقصى الممكن مما نتطلع إليه.
سواء دعونا إلى إصلاح شامل وحقيقي يؤدي في النهاية إلى تغيير جذري، أو إلى إحداث تغيير جذري، كشرط لإطلاق عملية الإصلاح الشامل، إذا أردنا أن نضع تصورات واقعية، لسبل وآليات التغيير أو الإصلاح أو التصحيح، أيا كان خيارنا، لا بد من أن نلتزم بسلمية وديمقراطية الآليات، ولا بد من وعي العقبات التي تعتري أي خطوة إصلاحية أو تغييرية، ودراسة كيفية تجاوز تلك العقبات، وبالشرطين اللذين وضعناهما لأنفسنا، أي سلمية وديمقراطية الآليات، علاوة على سائر الشروط الأخرى التي ذكرناها. وهنا قد يرد السؤال، عما يكون موقفنا، إذا التزمنا من جانبنا بسلمية وديمقراطية الأساليب المتبعة من قبلنا، ولكن السلطة واجهتنا بعيدا عن السلمية، بل بالعنف والقمع، ما إذا نبقى متمسكين عندئذ بسلمية وديمقراطية الآليات المعتمدة من قبلنا. بكل تأكيد لن نسمح لأنفسنا كديمقراطيين أن نخرج عن شرطي سلمية وديمقراطية الأساليب، ثم إن مواجهة عنف السلطة في حال حدوثه لا يمكن مواجهته بالعنف، لعدم تكافؤ الكفتين، مما سيعرض الجماهير لمواجهة دموية، علاوة على أن العنف مرفوض عندنا، حتى مع فرض تكافؤ الفرص، لأنه يتناقض مع ثوابتنا بكل تأكيد.
عندما نتكلم عن التغيير الجذري الشامل، والملبي لأقصى تطلعاتنا، فيعني بكل تأكيد الآتي:
1. حل مجلس النواب، كونه مؤسسا على أساس الانتماءات الطائفية والعرقية، وليس على أساس رؤى سياسية قائمة على مبدأ المواطنة، أي عابرة للهويات الجزئية، المذهبية والدينية والقومية.
2. حل الأحزاب غير المستوفية لشرط الالتزام بمبدأ المواطنة، الذي وضعه قانون الأحزاب، كما نصت عليه المادة الخامسة (أولا) من القانون.
3. حل الحكومة لكونها قائمة أيضا على المحاصصة، ومتشكلة على الأعم الأغلب من الأحزاب المخالفة لمبدأ المواطنة (شيعية، سنية، كردية)، علاوة على تورط هذه الأحزاب وقياداتها بالفساد، بل وبعضها متورط بالعنف الميليشياوي، وأخرى لعله حتى بالتواطؤ مع قوى الإرهاب.
4. تعديل الدستور، بوضع ضمانات لجعل الدولة مدنية (علمانية)، وقائمة على أساس المواطنة، يحظر فيها العمل السياسي وفقا للانتماءات الدينية والطائفية والقومية، سواء على صعيد الأحزاب، أو التحالفات السياسية، أو الأسس التي يجري بموجبها تشكيل الحكومات، وبتفسير المواد التي تحتمل أكثر من تأويل بجعلها أحادية المعنى وواضحة، وليست متعددة المعاني، ومفتقرة بالتالي إلى التأويل، الذي يخضع غالبا لضغوطات القوى المتنفذة، مع ضرورة إجراء كل التعديلات الدستورية، التي من شأنها أن تحول دون الممارسات غير الديمقراطية، من تسييس للدين، ومحاصصات، وتوافقات وصفقات سياسية، كاعتماد ما سمي بتوافق السلة الواحدة، وكذلك برفع أو تعديل كل ما يبرر للتضييق على الحريات، أو الانتقاص من الحقوق، سواء بحجة عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، أو ما سمي بمراعاة الآداب العامة، وبما في ذلك، أي مما ينبغي إصلاحه في الدستور، إلغاء التزامن بين انتخاب مجلس النواب وانتخاب رئيس الجمهورية، ورفع التناقض بين الالتزام بمبادئ الديمقراطية، والالتزام بثوابت أحكام الشريعة، وتوضيح العلاقة بين السلطة الاتحادية وسلطات الأقاليم والمحافظات، باعتماد اللامركزية، دون تعريض وحدة العراق للتفكك، أو تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية، وغيرها من التعديلات اللازمة لدولة ديمقراطية مدنية علمانية معاصرة تعتمد المواطنة.
5. إنهاء مخلفات النظام الديكتاتوري لاسيما للسنوات الخمس والثلاثين من حقبة (البعث/صدام) ومن ذلك إلغاء كل القوانين التي سنها صدام حسين ومجلس قيادة الثورة المنحل المتعارضة مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، والتي مازال الكثير منها معمولا به حتى يومنا هذا.
6. لأهمية دور القضاء العراقي وضرورة إصلاحه، لا بد من المطالبة بإعادة تشكيل الهيئات القضائية العليا على أساس النزاهة والكفاءة والحيادية والاستقلالية التامة، واختيار القضاة المتحلين بالشجاعة، والقادرين على مواجهة ضغوط القوى السياسية المتنفذة، ورفض الخضوع لضغوطاتها ورفض تدخلها في القضاء على أي نحو كان، سواء التدخل العلني، أو ما يحصل في الدوائر المغلقة.
7. إعادة هيكلة قوات الجيش والقوات الأمنية، لتكون هي الأخرى قائمة على أساس مبدأ المواطنة، وممثلة لكل مكونات الشعب العراقي – بما في ذلك دراسة العودة إلى الخدمة الإلزامية -، وأن تكون القوات العسكرية والأمنية غير مسيسة، وغير مسموح فيها تقديم الولاء الطائفي أو القومي أو الحزبي أو الشخصي، أو السياسي عموما، على الولاء للعراق، مع وضع عقيدة عسكرية وأمنية وطنية، تبعد القوات المسلحة كليا عن أي انحياز سياسي أو ديني أو طائفي أو قومي، وبأي مقدار كان، ووضع ضمانات لحيادية ومهنية ووطنية القوات العسكرية والأمنية، مع وضع روادع شديدة عن الإخلال بهذه المبادئ. وهذا يشمل حل الميليشيات، وإنهاء ظاهرة عسكرة المجتمع، وحصر السلاح بيد الدولة. وربما دراسة الرأي بعدم إشتراك القوات المسلحة (الجيش، الشرطة، الأمن) في الانتخابات، حفاظاً على حياديتها.
8. وضع خطة علمية لتنمية الاقتصاد الوطني والثروات الوطنية والسياسة النفطية، والتي أشارت إليها الورقة الأولى بقدر أكثر من التفصيل، والتي تحتاج إلى دراسات تفصيلية، لتشمل جميع قطاعات الاقتصاد، من صناعة وزراعة وتجارة وسياحة، لتحقيق التنمية المستدامة، من اجل تحقيق التقدم والرفاه والعدالة الاجتماعية.
9. إعادة النظر في العلاقة بين السلطة الاتحادية وسلطة الإقليم، عبر حوار وطني، يضع مصلحة العراق كأولوية لا تتقدمها أولوية أخرى، مع مراعاة مصالح مكونات الشعب العراقي كلها بلا استثناء، وبشكل خاص مراعاة مكونات الأقليات العددية، قومية أو دينية، بعيدا عن الابتزاز وليّ الأذرع، مع الإقرار بشكل واضح بحق تقرير المصير للشعب الكردي، والتمييز بين حقه المشروع، والموقف الناقد من سياسات سلطة الإقليم، علاوة على أخطاء السلطة الاتحادية بهذا الخصوص، والتي أي هذه الأخطاء، لا يمكن تحميلها أحد الطرفين (بغداد/ أربيل) دون الآخر.
10. الاهتمام بحقل التربية والتعليم بكل مراحله، عبر إصلاح شامل لمناهج التربية والتعليم، بما يسهم في بناء المواطن المؤمن بالوطن والقيم الإنسانية والحريات والحقوق، بعيدا عن كل ألوان التعصب الديني، والمذهبي، والقومي، والعشائري، والآيديولوجي، والسياسي، وإشاعة ثقافة السلم المجتمعي والتسامح، ومفاهيم المدنية والحداثة، مع المطالبة بتشريع قوانين، تحظر على المعلمين والمعلمات والمربين والمربيات تكريس الطائفية، وكل أنواع التعصب.
11. تفعيل دور الثقافة والأدب والفن، ومنحه ما يستحقه من اهتمام، ورعاية وتشجيع لنشاطاته المتنوعة، من أجل تجذير النزعة الإنسانية والمفاهيم والسلوكيات العقلانية في المجتمع وإشاعة الثقافة الديمقراطية.
12. تشجيع عملية الإصلاح والتنوير الدينيين، مع المطالبة بتشريع قوانين، تحظر على أئمة المساجد وخطبائها استخدام الخطاب المكرس للانقسامات المجتمعية، دينيا أو طائفيا، بل وتجريم الممارسات والخطاب المكرس للطائفية، أو التدخل في الشأن السياسي، بما يخل بمبدأ الفصل بين الدين والدولة.
13. الدعوة إلى سن قانون يحدد ضوابط الإعلام، بحظر تأجيج ما يقود إلى الانقسامات الحادة في المجتمع، مما يهدد السلم الأهلي، والتعايش في إطار التآخي الوطني، كما ويعاقب على إثارة الفتن والنزعات الطائفية والدينية والعرقية، مع ضمان حرية الإعلام، وحق الاختلاف والنقد والمعارضة، على أن تكون حرية مسؤولة وبناءة، وتكريس مفهوم الأخوة في المواطنة والأخوة في الإنسانية، بعيدا عن الانتماءات الجزئية، الدينية، والمذهبية، والقومية، والعشائرية، والمناطقية.
14. وضع حد لكل ألوان ودرجات الانتهاك لحقوق الإنسان والحريات بكل أنواعها، سواء من أجهزة الدولة، أو الميليشيات، أو الكيانات السياسية، أو القوى الدينية. مع منح أهمية خاصة لحقوق الاقليات الدينية والعرقية، وتعويضها عما أصابها خلال الأنظمة جميعها، وأخيرا ما أصابها ما بعد 2003، وبشكل خاص ما جرى عليها على يد عصابات تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية، من تهجير وقتل واغتصاب واسترقاق وإجبار على تغيير الدين، وغيرها من الانتهاكات الوحشية، مع وضع الضمانات لحفظ حقوق المواطنة الكاملة على مبدأ المساواة التامة لكل الأقليات، سواء مثلوا أقليات على مستوى عموم العراق، أو مثل بعضها أقلية على مستوى الإقليم، أو على مستوى محافظة ما، أو الأقاليم التي يحتمل تشكيلها مستقبلا.
15. وضع خطط لمعالجة واقع الأعداد المليونية المشردة خارج مدنها ومحافظاتها ومساكنها، وضمان عودتهم إلى مدنهم ومساكنهم، وإعادة إعمارها، وكذلك التفكير بالملايين الأخرى التي اضطرت للهجرة إلى خارج الوطن.
16. إعطاء اهتمام ورعاية خاصين وجديين بلا أي تردد أو تحفظ، لحقوق المرأة العراقية، ومساواتها في حقوق المواطنة كليا وبلا أي استثناء، وكذلك لحقوق الطفل العراقي، الذي يمثل مستقبل العراق، حيث إن كل الإصلاحات التي ننشدها، يجب أن تقطف ثمارها الأجيال القادمة، كي لا تتكرر عليها المآسي التي عانت منها أجيال الديكتاتورية وقمعها وحروبها، وأجيال الحصار الاقتصادي، وأجيال الطائفية السياسة والإرهاب لما بعد 2003.
17. وضع حد للتدخلات الإقليمية المسيئة إلى أمن العراق، والمعرقلة لعملية التحول الديمقراطي، سواء التدخل الإيراني، أو السعودي، أو القطري، أو التركي، أو غيرها من الدول، ودون التمييز، بل إذا كان هناك تمييز في حجم الإدانة للتدخلات، فبمقدار حجم كل منها، وحجم أضرارها على العراق، وليس على أساس طائفي، كما هو حاصل الآن على الأغلب.
ولكننا عندما نتأمل في شروط أو تطلعات التغيير هذه، قد نجد أنه لفي غاية الصعوبة، إلم نقل ما يقترب من الاستحالة في أن تتحقق، إذا ما التزمنا بشرط سلمية وديمقراطية آليات التغيير، وبالنظرة الواقعية، بعيدا عن الأحلام، إلا إذا افترضنا قيام ثورة شعبية سلمية، تتحلى بالوعي السياسي لمفهوم الدولة المدنية (العلمانية)، وبامتلاك طاقة التغيير، عبر زخمها وديمومتها، ووضوح أهدافها، والتزامها بسلمية وديمقراطية ووطنية الوسائل والآليات، أو حصل انقلاب عسكري لتشكيل حكومة موقتة ضمن مرحلة انتقالية للتأسيس لديمقراطية حقيقية، وهذا ما نتحفظ عليه بشدة، لرفضنا لمبدأ الانقلابات العسكرية ولتسييس الجيش أولا، ولحجم المجازفة وعدم وجود ضمانات بعدم العودة إلى ديكتاتورية جديدة، ولخطورة اشتعال حرب أهلية، بسبب وجود الميليشيات المسلحة لقوى سياسية طائفية، تفوق تسلح القوات العسكرية والأمنية للدولة. كل هذا يجعل حتى هذه اللحظة عملية التغيير عبر ثورة شعبية أو انقلاب عسكري، أو ما شابه، إما بعيد الاحتمال، وإما مرفوضا من حيث المبدأ.
لذا ربما يرى البعض أن لا بد من التفكير ببدائل أخرى، عبر اعتماد مبدأ المرحلية في خطوات الإصلاح الحقيقي، التي يجب أن تضع أمامها إحداث التغيير الجذري، هدفا نهائيا تعمل على تحقيقه آجلا، في حال استحالة أو صعوبة تحقيقه عاجلا. ففي الوقت الذي بينّا فيه صعوبة تحقيق تلك الأهداف، فإننا نستطيع وضع خطة للنضال من أجل تحقيق كل منها، بوسائل متعددة، ولا يجوز بأي حال الاستسلام للأمر الواقع السيئ على جميع الأصعدة.
ففيما يتعلق الأمر على سبيل المثال بحظر الأحزاب المخالفة لمبدأ المواطنة، والذي يبدو حاليا مستحيلا، مع ضرورته لبناء دولة المواطنة، فربما نستطيع القيام بعدة خطوات بهذا الاتجاه، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
أ‌) دراسة مدى إمكانية تحريك دعوى لدى المحكمة الاتحادية ضد الأحزاب غير الملتزمة بالمادة الخامسة (أولا) من قانون الأحزاب27/08/2015، والتي تنص بأن: «يؤسس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس المواطنة، وبما لا يتعارض مع أحكام الدستور».
ب‌) كذلك تحريك كل مواد قانون الأحزاب، التي من شأنها أن تؤدي إلى حظر أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب الطائفية، أي المنغلقة في عضويتها على طائفة واحدة، على سبيل المثال المادة الثامنة (ثالثا): «يشترط لتأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي ما يأتي: [...] ألّا يكون تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأية قوة مسلحة»، لكون بعض الميليشيات مرتبطة ببعض هذه الأحزاب، أي إن هذه الأحزاب عمليا وبالنتيجة تملك أجنحة عسكرية. وكذلك المادة الرابعة والعشرون (أولا) التي تنص: «على الحزب أو التنظيم السياسي في ممارسته لأعماله الامتناع عن [...] الارتباط التنظيمي أو المالي بأي جهة غير عراقية، أو توجيه نشاط الحزب أو التنظيم السياسي بناءً على أوامر أو توجيهات من أي دولة أو جهة خارجية»، خاصة مع وجود شبهة، بل مؤشرات عديدة، لارتباط بعض الأحزاب ببعض الدول الإقليمية (إيران، تركيا، السعودية، قطر)، مما يتطلب جمع الأدلة والوثائق على ذلك. وكذلك المادة الخامسة والعشرون (ثالثا) مما يجب على الحزب الامتناع عنه هو «التعاون مع الأحزاب أو التنظيمات السياسية التي تحظرها الدولة أو يكون الحزب أو التنظيم السياسي منفذاً للدول الأخرى للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق»، و(رابعا) من نفس المادة «قيام الحزب أو التنظيم السياسي بالتنظيم والاستقطاب في صفوف الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى والقضاء والهيئات المستقلة»، و(خامسا) من نفس المادة «استخدام دور العبادة ومؤسسات الدولة وبما فيها التعليمية لممارسة النشاط للحزب أو التنظيم السياسي أو الدعاية لصالح أو ضد حزب أو تنظيم سياسي»، و(أولا) من المادة السابعة والثلاثين «لا يجوز للحزب أو التنظيم السياسي أن يتسلم التبرعات من المؤسسات والشركات العامة الممولة ذاتياً، أو من الشركات التجارية والمصرفية التي يكون جزء من رأسمالها من الدولة»، و(ثانيا) منها: «تمنع كل التبرعات المرسلة من أشخاص أو دول أو تنظيمات أجنبية». فكل ذلك مما تمارسه الكثير من الأحزاب المعنية، إذا ما استطعنا توفير الأدلة والوثائق على تحقق ذلك، أو بعضه، وتحريك دعاوى ضد الأحزاب الممارسة لهذه المخالفات.
ت‌) المباشرة من الآن بإطلاق حملة توعوية للجماهير في الدعوة إلى عدم انتخاب الأحزاب والقوائم والتحالفات الشيعية والسنية، وأحزاب الإسلام السياسي، والأحزاب التي تحوم حولها شبهة تورطها أو تورط رموزها بالفساد، في انتخابات مجالس المحافظات ابتداءً، والأهم من ذلك في الانتخابات النيابية القادمة سنة 2018، أو ربما قبلها، إذا ما تقرر إجراء انتخابات مبكرة.
ث‌) العمل على تحريك ملفات الفساد المالي، وذلك كهدف في محاربة الفساد المالي لذاته من جهة، وكوسيلة لحظر أحزاب الإسلام السياسي، والأحزاب الطائفية، لكون معظمها متورطا بالفساد، بما في ذلك قادة أو أكثر وأبرز قياديي معظم هذه الأحزاب.
ج‌) تأسيس بنك معلومات وجمع وثائق عن كل أو لا أقل من أهم حالات الفساد المالي والإداري وسرقة المال العام والإثراء غير المشروع أو غير معروف المصادر، للأحزاب والشخصيات السياسية الممارسة له، وتشخيص كل الفاسدين، أو الذين تحوم حولهم شبهة الفساد بالأسماء، والوثائق، وتفعيل قانون «من أين لك هذا؟»، وكذلك فيما يتعلق بمخالفات الأحزاب المتنفذة لقانون الأحزاب وفق ما مر ذكره.
ح‌) السعي من أجل تحقيق أقصى الممكن من الأهداف التي ذكرت في سبع عشرة نقطة، مما نتطلع إليه في الدولة المدنية (العلمانية) الديمقراطية الحديثة.
وهناك مجموعة خطوات، يمكن العمل على اتخاذها، فيما يمكن أن يخدم مشروع التغيير أو الإصلاح:
1. إدامة الحراك الشعبي، وتطويره، وتنظيمه، وتوسيعه، وتحديد أهدافه المركزية بكل وضوح، ووحدة تبنٍّ قدر الإمكان للشعارات والأهداف، مع مواصلة التأكيد على سلميته وديمقراطيته ومدنيته وحضاريته.
2. ممارسة الضغط باتجاه إصلاح القضاء، بسبب إن العديد من خطوات الإصلاح، مما أشارت إليه هذه الورقة وغيره، يتوقف على وجود قضاء نزيه وكفوء وعادل ومحايد ومستقل وشجاع ومحمي. ولذا لا بد أن تكون المطالبة بإصلاح القضاء أحد أهم شعارات الحراك الشعبي المركزية، وتكرار ومواصلة طرح هذا المطلب، والإصرار عليه، حتى تحقيقه أو تحقيق أقصى الممكن منه.
3. دراسة أهمية طرح مفهوم العلمانية، وشعار الدولة العلمانية والتيار العلماني، والدفاع عن هذا الشعار ضد التشويهات والشبهات التي تثيرها قوى الإسلام السياسي، بل إن أمكن محاولة إقناع قيادات الحراك الشعبي المدني، أو أبرزها وأكثرها تأثيرها، بتبني شعار الدولة العلمانية، إلا إذا ارتئي مواصلة استخدام مصطلح الدولة المدنية، والذي يبقى غير واضح، عندها يجب أن نضع تعريفا واضحا جامعا مانعا للدولة المدنية التي نريدها، مما يجعلها مرادفة تماما للدولة العلمانية الديمقراطية، باستثناء اختلاف المصطلح، مع تطابق المضمون.
4. مطالبة المحكمة الاتحادية بإعادة النظر في تفسير المادة (76) – أولا من الدستور «الكتلة النيابية الأكثر عددا»، حيث جاء: «يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية». طبعا هذا لا يمكن القيام به إلا بعد إصلاح السلطة القضائية، وتشكيل محكمة اتحادية من قضاة مستقلين ونزيهين ومتحلين بالشجاعة وغير خاضعين لتأثيرات وضغوطات القوى السياسية المتنفذة، وبعد استشارة القانونيين لمعرفة مدى فرص نجاح الحملة، لأهمية ذلك، حيث سيحول دون التفاف الأحزاب الطائفية على الانتخابات والناخبين، لإعادة تشكيل كتلة برلمانية طائفية، مثال ما حصل بعد انتخابات 2014 بتشكيل «التحالف الوطني (الشيعي)» و«اتحاد القوى العراقية (السنية)»، بل وهذا يشمل التحالف المابعدانتخابي القائم على أساس قومي كـ«التحالف الكردستاني (الكردي)»، كخطوة نحو إنهاء التخندقات الطائفية والعرقية، المناقضة لمبدأ المواطنة.
5. وضع دراسات على أسس علمية تخصصية، عما يجب إصلاحه على جميع الأصعدة؛ الصعيد الاقتصادي، وصعيد التربية، وصعيد التعليم العالي، والصعيد الاجتماعي، وصعيد البيئة، وخطط مكافحة الفساد، وخطط توفير الخدمات، وخطط تحديث أجهزة الدولة.
6. دراسة إمكانية وجدوى العمل بفكرة تشكيل حكومة ظل من أصحاب الاختصاص، كل في مجاله، تستفيد من الدراسات أعلاه وتعمل على تطويرها، حسبما اقترح البعض، مع عدم تعويل هذه الورقة كثيرا على مدى جدوى هذه الخطوة، ناهيك عن إمكانية تحقيقها، لكن قد يكون من المفيد إخضاعها للدراسة كواحدة من آليات الإصلاح أو التغيير.
7. وضع حزمة من مشاريع قوانين أو مشاريع تعديل لقوانين قائمة، يضعها متخصصون، والتركيز بالذات على تلك القوانين الضرورية لعملية الإصلاح (قانون الانتخابات، قانون الهيئة المستقلة العليا للانتخابات، قانون الهيئة المستقلة العليا للنزاهة، قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، قانون حرية التعبير والتظاهر والتجمع والاعتصام)؛ كل هذا سعيا لأن يكون هناك قانون أحزاب عادل، وقانون انتخابات منصِف، يمنع تحكم رئيس القائمة بتوزيع المقاعد؛ ذلك بصياغة مسودات قوانين وطرحها على الجماهير والإعلام لغرض إشباعها نقاشاً وتطويراً قبل عرضها على الجماهير، كأن يجري تقديمها في حفل داخل ساحة التحرير إلى الحكومة باسم الحركة الاحتجاجية، ثم مزاولة الضغط على الحكومة لغرض تقديمها إلى البرلمان، ثم الضغط بالوسائل المتاحة على البرلمان لغرض إقرارها.
8. إقامة ندوات فكرية داخل ساحات التحرير تعرف بالقوانين وأهميتها، وكذلك التعريف بمشاكل حكومة التكنوقراط وأهمية حكومة الكفاءات، وكذلك المقصود بالدولة المدنية، وتضمينها مفاهيم الدولة العلمانية.
9. دراسة إمكانية التنسيق مع بعض النواب من جبهة الإصلاح البرلمانية، مع حسن اختيار من يمكن أن يكون التنسيق معه منهم ما يخدم عملية الإصلاح فعلا، إذا اختبرنا صدقه وجديته وشجاعته وتخليه حقيقة وليس بالشعار عن الولاء أو النفس الطائفي، وذلك باستثناء من عرف عنهم ارتباطهم بالأحزاب الطائفية، من كلا الطائفتين، وأحزاب الإسلام السياسي، والأحزاب المتهمة بالفساد المالي أو العنف أو التواطؤ مع الإرهاب، أو ما زال غير متخلص من الخضوع لمتطلبات وطبيعة الصراعات، أو التأثر بأجواء تلك الصراعات، سواء الشيعية السنية، أو الشيعية الشيعية، أو السنية السنية، أو العربية الكردية، أو الكردية الكردية، أو غيرها، أو من يكون ما زال خاضعا لتأثيرات بعض القيادات التي تتحمل مسؤولية الوضع الراهن الكارثي على جميع الأصعدة.
10. بالرغم من تظافر المؤشرات على اليأس من إصلاحات رئيس الوزراء، إما لعجزه أو عدم جديته، وعلى فرض عودته إلى حزم الإصلاح التي وعد بها في صيف 2015، ومنها مثلا تشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلين، يجب تحديد موقفنا ومطالبنا، باتجاه الإصلاح الحقيقي والشامل، وألّا نقبل بأي حال بخطوات الإصلاح الشكلي والترقيعي والمتلكئ فوق كل ذلك، كما لا يجوز الاستغراق بالمعارضة من أجل المعارضة، بل ممارسة المعارضة الموضوعية والبناءة، بحيث لا نكابر في تأييدنا ودعمنا لخطوات تقوم بها أي من السلطات الثلاث، التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، بما يصب بالنتيجة في خدمة مشروع الإصلاح الشامل والحقيقي، مع عدم الاكتفاء بأرباع وأنصاف الحلول. وهنا علينا القيام بدراسة متجردة لفرص الإصلاح والتغيير، عبر حزم الإصلاح لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وطرحه لما سمي بحكومة التكنوقراط، ودراسة ما إذا كان الوزير التكنوقراط لوحده يستطيع أن يغير مسار هذا الفساد القائم، وهو يستلم وزارة تفشى الفساد في كل شرايينها، وتكرس فيها بناء مؤسساتها على أساس الولاء الحزبي والانتماء الطائفي أو القومي، بحسب انتماءات الوزراء السابقين، وما يتوجب على التكنوقراط عمله بغية سحب النظام إلى بر الأمان، وإنهاء كل الأخطاء والسلبيات والكوارث التي حلت بالعراق، عبر التأسيس الخاطئ والسيئ للعملية السياسية، واختبار مدى إمكان تحرر العبادي من انتمائه الحزبي، كونه قياديا في حزب إسلامي وشيعي، هو، أي هذا الحزب، هو أحد المؤسسين الأساسيين لدولة الطوائف والأعراق والمحاصصات والفساد، وما زال على رأسه أحد أهم رموز الواقع السيئ، بالرغم من وجود مؤشرات بل معلومات عن صراع شديد، قد يصل إلى درجة العداء بين القطبين داخل الحزب. هذا من غير أن نقطع في عدم وجود أي احتمال أو فرصة لجدية العبادي في الإصلاح، ولكن إذا رأينا ذلك منه، فلا بد من جهة من أن نواصل الضغط وربما التواصل وتصعيد المطالب الإصلاحية، حتى الوصول إلى التغيير الجذري الشامل، ومن جهة أخرى عدم المكابرة والتردد في دعمه، إذا افترضنا اننا لمسنا منه بشكل واضح الصدق والجدية والإرادة في الإصلاح الحقيقي والشامل.
11. دراسة مدى إمكان التعويل على التنسيق مع التيار الصدري، كما يدعو بعض قادة الحراك الشعبي للتيار المدني إليه، ذلك بالاستماع إلى مبررات دعاة التنسيق مع التيار، وإلى من له تحفظ على مثل هذا التنسيق منا، بسبب إسلامية وشيعية التيار، وبسبب خضوعه إلى قرارات وقناعات وأمزجة شخص واحد، هو زعيم التيار، رغم تلمس تحولات مهمة عنده، ودراسة كيفية تلافي ما يترتب من ضرر على التيار المدني (العلماني) جراء التنسيق مع التيار الصدري، ووجوب تميز التيار المدني بشعاراته وحفاظه على استقلاليته وعلمانيته، مع الوضع في حساباتنا إن التيار الصدري، مهما تغير، واقترب من التيار المدني، وابتعد عن الطائفية، فهو تيار إسلامي وشيعي، وإن تغيراته، حتى لو كانت صادقة وإيجابية، فهي خاضعة لقرارات واجتهادات شخص واحد، وليست قائمة على منهجية واضحة ورؤية وطنية ثابتة، وغير مضمونة المستقبل، علاوة على مسؤوليته عن ممارساته، لاسيما في سنوات العنف الطائفي، وهنا لا بد من التمييز بين احتمال القبول بالتنسيق الميداني الجماهيري، الذي يجب أن يكون بضوابط وشروط، أهمها بقاء التيار المدني والعلماني، متميزا بشعاراته وأهدافه وخطابه وأساليبه السلمية والديمقراطية وقراراته، هذا من جهة، ومن جهة أخرى دعوات تشكيل التحالف المدني الصدري، التي لا بد أن نسجل عليها تحفظنا الشديد، ونذكر بمخاطرها.
12. في حال استطعنا أن نفعّل ونوسّع الحراك الشعبي، يجب الانتباه إلى حسن اختيار توقيت التصعيد، ووضع الحرب ضد الإرهاب ضمن حساباتنا، بحيث نتجنب إحداث فراغ سياسي قبل الانتهاء من تحرير المناطق المتبقية من احتلال تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، وكذلك وجوب تجنب إعطاء انطباع عن أننا نريد الإصلاح أو التغيير، حتى لو على حساب حرب العراق ضد الإرهاب، التي لا بد أن تكون لها الأولوية في هذه المرحلة، ولكن دون جعل الحرب مبررا للتخلي عن مشروع الإصلاح والتغيير، بحيث يجب الإصرار على مواصلة الإصلاح جنبا إلى جنب الحرب ضد الإرهاب، طالما لم يكن هناك تقاطع بينهما.
13. دعم الأوساط والقوى السياسية الديمقراطية، القائمة على أساس المواطنة، والعابرة للطوائف والأعراق، والرافضة لتسييس الدين، ونخص هنا بالذكر التيار الديمقراطي والأحزاب الديمقراطية العلمانية، اليسارية والليبرالية والوسطية، والدعوة إلى تأكيد التنسيق والتعاون بين هذه القوى، كما ندعوها لدراسة نتائج مبادرة «التغيير نحو الإصلاح الشامل»، ونتائج ورشة هامبورغ هذه، والورش الأخرى، لاسيما في بغداد، ثم ما سيتمخض عنه المؤتمر المزمع عقده في بغداد. كما نرى إن من لوازم تقوية تأهيل الوسط الديمقراطي العلماني، وفي مقدمته التيار الديمقراطي، والأحزاب الرئيسة المنضوية فيه، أن نمارس النصح والحوار مع هذه الأحزاب لإجراء إصلاحات حقيقية في داخلها هي، كون فاقد الشيء لا يعطيه، ومنها ضرورة التجديد، بل وربما التغيير، بالنسبة للأحزاب العريقة، وممارسة التداول لمواقع القيادة الحزبية، بالنسبة لكل هذه الأحزاب، قديمها وجديدها، كي تبتعد عن الازدواجية أو شبهة الازدواجية، بين الشعارات والمبادئ من جهة، والممارسة من جهة أخرى، مما سيكسبها قبولا أكبر، وشعبية أوسع، مما لو بقيت على ما هي عليه.
وأخيرا لا بد من أن نعي خطورة إسقاط أي نظام سياسي، وإحداث فراغ سياسي، دون ضمان وجود البديل، وذلك بتوفر الشرطين الأساسيين، ألا هما وجود القوى السياسية العلمانية الديمقراطية، سواء تلك التي تمثل اليسار الديمقراطي، أو الاتجاه الليبرالي المؤمن بالعدالة الاجتماعية، أو الاتجاه الوطني الوسطي المعتمد لمبدأ المواطنة، هذا من جهة، ومن جهة ضمان وجود وعي جماهيري ديمقراطي، وحاضنة شعبية مؤيدة وداعمة للقوى السياسية الديمقراطية البديلة، دون أن يعني ذلك التوقف عن النضال من أجل تحقيق أقصى الممكن من أهدافنا، حتى توفر هاذين الشرطين بمستوييهما الضامنين، بل يجب مواصة بذل أقصى الممكن من آليات وسبل نضالنا، لتحقيق أقصى الممكن من أهدافنا.
هذه تصورات فيما يتعلق بالورقة الثالثة لورشة المبادرة المنعقدة في هامبورغ في الرابع والعشرين من أيلول 2016، والتي روجعت واستكملت في ضوء الورقتين الأولى والثانية، كما روجعت واستكملت في ضوء مناقشات جلسات الورشة، وكذلك ستكون دراسات ورشة بغداد مفيدة في هذا الجانب.
ضياء الشكرجي
10/08/2016 – آخر مراجعة 27/09/2016



******************












يتبع

محضر جلسات ورشة هامبورغ في 24/9/2016 لمبادرة
»التغيير نحو الإصلاح الشامل«
عدد الحاضرين كان 21 شخصا من هامبورغ وبرلين وكولون ولايپزغ وآمستردام.
قبل افتتاح الورشة من قبل مدير جلساتها الزميل نهاد القاضي، رحب الزميل د. غالب العاني باسم منظمة أومرك بالمشاركين في الورشة.
ثم بدأت أعمال الورشة الساعة الحادية عشر قبل الظهر في مدينة هامبورغ بتقديم مختصر من قبل مدير جلسات الورشة الزميل نهاد القاضي، الذي تحدث عن فكرة المبادرة، التي أطلقها عدد من المثقفين والناشطين والمهتمين بالشأن العراقي من الزملاء، ثم لاقت الفكرة الترحيب من العديد من الزملاء والزميلات في مختلف البلدان والعراق.

وجرى نقاش جدي استغرق وقتاً لحين الاتفاق على الاسم الذي حمل في النهاية عنوان «التغيير نحو الاصلاح الشامل». وأريد لهذه الورشة أن تناقش المحاور الثلاثة المثبتة في جدول العمل الذي اتفقت عليه اللجنة التحضرية. وأشار إلى أنه جرى الاتفاق على تشكيل لجنة تحضيرية من تسعة أعضاء هم الزملاء (ضياء الشكرجي، كاظم حبيب، نهاد القاضي، الناصر دريد، كامل مدحت، كامل العضاض)، وهم الأعضاء الذين تواصلوا فيما بينهم وشاركوا في اجتماعين للجنة التحضيرية، حتى انسحاب الدكتور كامل العضاض، كما كان في عضوية اللجنة التحضيرية كل من (أحمد إبراهيم، عبد المنعم الأعسم، سعدي السعدي)، إلا أنهم لم يستطيعوا التواصل لظروف خاصة. ثم تحدث مدير الجلسة عن الجهود المتبعة مع عدد من الزملاء منهم الدكتور كامل العضاض الذي أعد دراسة أكاديمية يمكن الاستفادة منها أيضا، وكان من المفترض تعديلها واختصارها لتكون جزء من محاور العمل، لكن لتشخيص أعضاء اللجنة التحضيرية بأن الدراسة رغم علميتها وأهميتها اقتصادية بنسبة 90%، ولعدم أخذ الدكتور العضاض بمقترحات اللجنة التحضيرية لتعديلها، جعلنا ذلك نعد وثيقة جديدة في وقت قصير أوكلت مهمتها إلى الدكتور كاظم حبيب، وهكذا سارت الأمور لليوم، وبعد أن أنهى مداخلته بدأت أعمال الورشة.
الجلسة الأولى:
لمناقشة الموضوعات التي أعدها الدكتور كاظم حبيب، الذي بدأها بتقديم الشكر للزملاء الذين طرحوا فكرة المبادرة، وقدم خلاصة للموضوعات التي أعدها للمناقشة التي سبق توزيعها.

بعدها جرت مناقشات لما ورد في الموضوعات المقدمة من الدكتور كاظم حبيب تضمنت اقتراحات وتعديلات وإغناء.
- ماجد فيادي: شدد على تواصل الاستبداد وتفاقمه في المجتمع العراقي، خاصة في حقبة صدام، وما بعدها، وضرورة التوصل لصيغ وحلول تنهي هذا التواصل للاستبداد السياسي، وشدد على أن المشكلة في وضع القوى الديمقراطية وعدم استخلاصها للعبر والدروس، وعدم الاتفاق على صيغ للتنسيق، وانعدام استعدادها للاتفاقات والتعاون. أما عن عدد المثقفين ودورهم، حسبما ورد في التقرير بخصوص عددهم الهائل، فلا أتفق مع هذا التشخيص، لأن الكثير من المثقفين عادوا للنفس الطائفي، وأصبحوا جزء من المشكلة، وقد ظهر ذلك بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين. وأتفق مع الانتقاد الموجه للأحزاب والحكومة في إقليم كردستان، ومعاناة المواطنين بسبب قطع الرواتب، وعدم حل المشكلة مع الحكومة الاتحادية، وأرى إن طرح الانفصال في هذه المرحلة غير ممكن، ويشكل عاملا سلبيا ويعقد الأمور. وعاد ليكرر على ضرورة استثمار القوى الديمقراطية للأوضاع، وانتقد تشتتها وسوء علاقاتها مع بعضها، وقد دعى الى حملة إعلامية ضد هذا التشتت سعيا لانهائه.
- صباح كنجي: مهمتنا من خلال طرح هذه المبادرة تشمل التركيز على أولا: عدم وجود أي شكل من أشكال الدولة الحديثة في العراق، وما كان لا يتعدى إلا دويلات قمع وإمبراطوريات تاريخية وسلطات قمع، لا تتعدى مفاهيم سيادة القبيلة والعشيرة، والمطلوب في مجموعة المبادرة التركيز على فكرة تحديث الدولة، وتشديد المطالبة بتأسيس وتكوين مؤسسات الدولة المدنية الحديثة، التي تقدم خدماتها للشعب، أي بلورة مفهوم لدولة في خدمة الشعب. الشيء الثاني الذي يجب التركيز عليه هو فكرة المواطنة، ففي العراق لا توجد فكرة مواطنة، فعلى امتداد التاريخ لم يكن في العراق مفهوم للمواطنة؛ الدولة الإسلامية افتقدت إلى فكرة المواطنة، وجعلت من المسلمين فئة متميزة والآخرين أتباعا من الدرجة الثانية والعاشرة. حزب البعث والعروبيون جعلوا من العروبيين والبعثيين أصحاب امتيازات خاصة، والبقية مواطنين من درجات أدنى، وهكذا الحال؛ فكرة المواطنة واشتقاقاتها هي القضية الجوهرية التي يجب أن نركز العمل عليها، ونسعى لتحقيقها، وهي القضية الثانية التي نفتقدها وتتطلب إيجاد الحلول لها. القضية الثالثة التي ينبغي الاعتراف بها والعمل على التخلص منها، العنف في المجتمع العراقي، مسبباته، دوافعه، تواصله، تفاقمه، امتداداته، حواضنه، كل ما له بهذه الظاهرة يتطلب منا المزيد من الاهتمام والبحث عن الحلول لها، ويتطلب منا التفكير بخلق آليات للتواصل الاجتماعي والحضاري نابذة للعنف، وتؤمن بالتبادل السلمي للسلطة، وينبغي أن نعترف كعراقيين بأننا فشلنا في بناء الدولة، وفشلت برجوازيتنا في العبور وبناء الرأسمالية، كما فشل الماركسيون والشيوعيون في تحقيق الحلم الثوري وبناء المجتمع الخالي من الاستغلال، وما زلنا في مرحلة التوحش، نتصارع وينتشر العنف بيننا، والمطلوب أن نقف لنستخلص الدروس والعبر، في هذا الوقت العصيب الذي يفضي لمتغيرات قد تفضي لنهاية وجود الوطن المشترك، واحتمال تقسيمه. واقترح تنشيط الدور الإعلامي على الإنترنيت من خلال موقع خاص بالمبادرة، مع تقديم مذكرات للحكومة العراقية والقوى السياسية وحكومة الاقليم، وأيضا تشكيل وفد يتبنى فكرة اللقاء مع هذه الجهات لمواصلة الجهود للتعبير عن مستحقات التغيير وحاجة المجتمع العراقي لها، وفقا لما طرح في محاور الورشة بالتنسيق مع الجهود في ورشة بغداد.
- يونس (من الموصل): يجب أن لا يهمل الجانب الاقتصادي للمواطن العراقي، وهذا ما فعله الدواعش عند دخولهم إلى الموصل، وظهور الدواعش كان بسبب السياسات الخاطئة للحكومة العراقية، خاصة إذا انتبهنا أن الشباب في الموصل هم من الفئات غير المتدينة في الأصل، ولا بد من التأكيد على حق المواطنة في الدولة العراقية للتخلص من حالة التمييز الطائفي والقومي في المجتمع. أما عن مأساة الإيزيديين وما حل بهم فكانت صفقة بين مسعود البارزاني والدواعش. ضحايا السنة في الموصل فاقت ضحايا الشيعة، لكنهم أي الدواعش لا يصورون هذه الجرائم، ولا ينشرونها في الإعلام، لأنهم يبحثون عن إثارة الطائفية، والشاهد منطقة الخسفة التي تحولت إلى مقبرة جماعية كبيرة للسنة.
- الدكتور غالب العاني: أهم سبب لمشاكل العراق انعدام الهوية العراقية، وبروز الهويات الفرعية، أدت إلى ظهور إمارات بغياب الدولة العراقية، مثال إمارة للبارزاني، وأخرى للطالباني في كردستان، وأخرى للحكيم، وللمالكي، وهكذا. هذه قضية جوهرية ينبغي التفكير بكيفية إعادة الانتماء للوطن، ومعالجة غياب الثقافة الديمقراطية، ودور أحزاب تدعي الديمقراطية، ولا تعمل من أجلها. وكذلك التفكير بالمصالحة الطنية بعيدا عن أحزاب تمارس العنف.
- الدكتور عبد علي عوض من هولندا: الفساد أصبح خيمة، عمودها الأحزاب الماسكة بالسلطة، وهذه النتيجة لم تأت عفوية، بل مخطط لها داخليا وخارجيا. بداية الانهيار نشأت في عهد صدام مع عسكرة الاقتصاد وفساد الجيش. الأحزاب الحاكمة الآن لا تقبل رسم خطط اقتصادية منتجة، لأنها لا تخدم مصالحهم. في عهد ثورة تموز كانت أفضل صورة للاقتصاد العراقي. العراق لم يعش التنمية الصناعية، ولم يستفد من تجارب الدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، ولا يمكن أن نهيئ التنمية الصناعية بدون ولوج تصنيع التكنولوجيا. واقع التعليم سيئ ليس فقط بسبب تدهور البنى التحتية، وإنما لضعف مستوى التدريس والمعلمين. التلوث البيئي في العراق كبير جدا إلى جانب غياب الوعي البيئي لدى المواطنين. بما أنَّ العراق يعيش حالة فوضى إقتصادية، والاقتصاد العراقي يتصِف بالريعية وأحادي الجانب ومكشوف على الخارج، يجب تطبيق مبدأ (الاقتصاد التعبوي). هذا المبدأ، تلجأ إليه غالبية الدول بصرف النظر عن طبيعة أنظمتها السياسية القائمة (عسكرتارية، شمولية، ثيوقراطية)، حينما تتأثر اقتصاداتها بهزّات عنيفة خارجية، كألأزمة المالية في عام 2008، التي حدثت في الولايات المتحدة ووصلت إلى جميع أنحاء العالم، أو هبوط أسعار النفط بصورة حادة كما هو حاصل الآن، إضافةً إلى الواقع الداخلي، والحالة العراقية شاخصة أمامنا، التي اصطبغت بانتشار الفساد المشرعن من جهة والتعبئة العسكرية (التي تستنزف ميزانية الدولة) للقضاء على داعش من جهة أخرى، إضافةً إلى تضخم وترهل أعداد منتسبي قطاع الدولة بشكل مخيف. ويتلخص تنفيذ مبدأ الاقتصاد التعبوي، بأن تأخذ السلطة التنفيذية المركزية على عاتقها مسـك أطراف خيوط النشاط الاقتصادي في البلد، وتضع محددات حول ذلك النشاط، بحيث لا يُسـمَح بالتجاوز عليها. ومن مستلزمات التنفيذ، يتطلب إيقاف بعض بنود الدستور، حتى تحل محلها قرارات السلطة التنفيذية. منذ عام 2004 عندما تمَّ افتتاح بورصة الأسهم وسوق بيع وشراء العملة الصعبة، تأكدتُ أنّ الاقتصاد العراقي سائر نحو الهاوية ... تُفتتَح البورصة عندما يكون هنالك اقتصاد مزدهر وقاعدة اقتصادية متينة، أي أنّ مستلزمات افتتاح البورصة في العراق غير موجودة، وعليه نرى أنّ البورصة وسوق العملات الصعبة لم تساهما في تطوير الاقتصاد العراقي، لا بل ساهمتا وبشكل فاعل بدور تخريبي من خلال تسريب وتهريب العملة الصعبة الواردة من تصدير النفط. واستناداً إلى ما ذكرته آنفاً، ومن أجل تطبيق (الاقتصاد التعبوي) بكفاءة ونجاح، يتوجّب اتباع الخطوات التالية: 1 – إغلاق المنافذ الحدودية لمنع الاستيراد العشوائي من السلع الكمالية، مع سحب إجازات الاستيراد من التجار الطفيليين، وإنذارهم في حالة عدم التزامهم بملاحقتهم قضائياً. 2 – اقتصار الاستيراد من قبل السلطة التنفيذية المركزية على الأساسيات الملحة من السلع، كالحبوب والأدوية والتكنولوجيا، مع قِطع الغيار. 3 – ألتأكيد على إجبار المواطن العراقي بشراء المنتجات الوطنية، ومنع استيراد مثيلاتها من الخارج. 4 – مراجعة مصادر رأس المال ألتأسيسي لكل واحد من مصارف القطاع الخاص، إذ أنّ مصادرها مجهولة، وهذه الحالة تُعتبَر إحدى المآخذات على السياسة العامة للبنك المركزي ودور جهاز الرقابة المالية. 5 – منع ألأحزاب المهيمنة على السلطة "مع سماسرتها" من تدخلها بالشأن الاقتصادي. 6 – التركيز على صرامة الرقابة لإدارة الوزارات المنتجة، التي تستطيع المساهمة في تكوين الناتج المحلي السنوي: النفط، الصناعة، الزراعة، النقل، السياحة. 7 – يجب أن تكون ضريبة الدخل تصاعدية وليست بنسبة مئوية واحدة تُفرَض على الجميع.
- الدكتور قاسم الجلبي: أنا أبحث عن الحلول بعد كل هذه الطروحات، ولا أجدها، وأستفسر في حالة استقلال كردستان العراق ما هو موقف الجوار؟

- ستار عباس الوندي: كل حلول العراق كشعب ودولة أتت من الخارج، ما خلف تراكما وعدم ثقة بين الداخل والخارج، وأصبح كل شيء يأتي من الخارج موضع ريبة وعدم ثقة، ما يجعلني أستنتج لأؤكد أن دورنا ينبغي أن يكون استشاريا لا أكثر.
- الدكتور صادق البلادي: في الصفحة 13 من الورقة أن كل مشاكل الشعب العراقي تأتي من الاحتلال الأمريكي، أجد لا بد من التركيز على حقيقة إن الصراع كان بين القوى الاجتماعية الرجعية والتقدمية، لهذا لا بد من تقوية القوى التقدمية. هناك عدد كبير من المثقفين، ولكن ليس هائلا كما جاء في كلام د. كاظم حبيب.
- نهاد القاضي: مصطلح الشفافية في النظام الريعي يحتاج لتوضيح. يطالب الكرد بعد تقسيمات سايكس پيكوت بحق تقرير المصير، ومنذ نهاية الثلاثينات رفع الحزب الشيوعي العراقي شعار حق تقرير المصير للشعب الكوردي، ولكنه لم يلقى ذلك الاهتمام المطلوب من الآخرين. متى يستطيع الشعب الكوردي المطالبة بحقوقه حينما تكون الدولة قوية فيضرب الشعب بانواع مختلفة من الأسلحة حتى الأسلحة الممنوعة، وحينما تكون الدولة ضعيفة الجميع يتهم الكورد باستغلال ضعف الدولة أو النظام، وكل ما يطلبه الكورد هو الاستفتاء على حق تقرير المصير، لماذا الخوف من هذا الموقف، واستفسر لماذا تربطون حق تقرير المصير لشعب كوردستان بقيادات الأحزاب والخلافات السياسية اذا كنتم مقتنعين بحق تقرير المصير للشعوب .
ورد في توضيح الدكتور كاظم حبيب عن الأحزاب المعارضة ووضع الحزب الشيوعي معارضا للحكومة أنا لا أجد الحزب الشيوعي الآن في العراق في موقف المعارض، ما هو الدليل على معارضته؟ لا بد من التأكيد على فصل الدين عن الدولة، وطرح العلمانية والتي تختلف عن مفهوم المدنية. لا بد من التوقف عند الدور الإقليمي في تعميق مشاكل العراق، وكون أمريكا وأورپا ليستا جادتين في حل المشاكل. أؤكد على ضعف القضاء، وسوء الأداء، إلى جانب ضياع حق المواطنة وسط أداء إعلامي سيئ، بالرغم من ذلك هناك حملة لقتل الصحفيين والإعلاميين من قبل الأحزاب الحاكمة.
بعدها عاد الدكتور كاظم حبيب لمناقشة المقترحات والآراء التي طرحت، وأكد أن الأجوبة والمداخلات مهمة، تفيد وتغني المواضيع المطروحة في الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وأكد أنه سيستفيد منها لإعادة كتابة المادة، وقال معلقا على آخر الملاحظات: ليس لدي قناعة أن كل الأمور هي نتيجة الاحتلال أو وليدة الإمپريالية، "ثورة العشرين" كانت في البعض من صفحاتها ضد التنوير وضد التغييرات، قادها الإقطاعيون، لكن الحركة كان لها مؤيدون ومساعدون، ولا نستطيع أن نعلق كل شيء على شماعة الاحتلال. وفي عام 2003 وما بعدها جرى توزيع القوى السياسية العراقية وفقا لمفاهيم طائفية، وأوضح المعنى من مفهوم الاقتصاد المكشوف، وطبيعة العلاقات الدولية، والصراع حول النفط، بكونه يحمل الكثير من وجوه التداخل بين السياسة والاقتصاد. وأكد على ضرورة فصل الدين عن الدولة وعن السياسة، واتفق مع الملاحظات التي أوردها صباح كنجي بخصوص الدولة والمواطنة والعنف، وأضاف لها الفساد، ومع بقية ملاحظات المتحدثين واعتبرها أساسية ينبغي التوقف عندها.
أضاف الدكتور عبد علي عوض أهمية إضافة تبذير المال العام إلى فقرات التقرير. بعدها استمع المجتمعون إلى الفنان والعازف العراقي علي الشبلي الذي قدم مقطوعات موسيقية عالمية وعراقية مع طفلة متدربة من الهند في كورس الأطفال الذي يشملهم الفنان الشبلي باهتمامه ورعايته، وبينهم عدد من الأطفال العراقيين في مدينة هامبورغ الألمانية، أعقبه فترة استراحة.
المحور الثاني كان بعنوان البدائل المطروحة لنظام دستور 2005، أعده الناصر دريد من العراق، جرى الاتصال به عبر الإنترنيت وشارك بالصوت في استعراض مادته على السكايپ، إلا أنه حصل انقطاع في منتصف عرضه لورقته، فأكمل قراءة فصولها الأخيرة بالنيابة عنه الزميل نهاد القاضي، والتي احتوت على جملة فقرات حول المشاريع المطروحة والبدائل المحتملة لنظام دستور 2005، ذلك بقطع النظر عن موقفنا من كل منها، مبينا مخاطر بعضها، وتمت مناقشتها.
- صباح كنجي: أراد أن يتعرف على الزميل الناصر دريد، لأنه لا يعرفه، لذلك سوف يتعامل مع نص ما ورد فيها من مادة وفقرات، وأكد يبدو لي أن الزميل الناصر دريد لم يفهم ما مطلوب منه، وفقا لما طرح من أفكار من قبل مجموعة هامبورغ وما بعدها، أو إن اللجنة التحضيرية التي كلفته لم توضح المطلوب من أجل إعداد التقرير. وانتقل إلى ما ورد فيها مبينا أنها تحمل أفكارا لا تعبر عن وجهة نظرنا وتطلعاتنا ومحتوى المبادرة، وذكر منها فقرة يفهم منها أنها تبرر جرائم صدام ونظامه، حيث ورد فيها «واضطر صدام حسين لارتكاب الجرائم»، وكذلك في فقرة لاحقة تتضمن أن أمريكا تريد إصلاح مجتمعاتنا. أما عن السرد الطويل حول مقتدى الصدر فلا قيمة له، وليس ضروريا، وما ورد بخصوص التيار المدني الديمقراطي، يعتبر إساءة للتيار الديمقراطي، وهكذا بالنسبة للعديد من الفقرات الأخرى التي وردت في التقرير تشكل نقاط ضعف، لا يمكن القبول بها، علما أنني قد أوضحت رأيي للزملاء في اللجنة التحضيرية قبل الآن، وطلبت منهم معالجة الأمر، واعتبرته غير صالح للمناقشة، لذلك أرى انه غير مجدٍ، وأقترح سحبه، وعدم اعتباره جزءً من الوثائق الخاصة بالمبادرة.
- غالب العاني: الورقة تتحدث عن دستور 2005، لكن لم يشر لمن أنتجها، أعتقد أن المرجعية والحاكم الأمريكي ومجلس الحكم هم ثلاثة أطراف مسؤولة عن كتابة الدستور، وكان بالإمكان تأجيل الانتخابات والدستور لفترة، كما حصل في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
- كاظم حبيب: الورقة كتبت بصيغة الفرد الكاتب، وبينا له هذه الملاحظة، كذلك كان هناك إسهاب في الكثير من الفقرات. لا أتفق مع طلب سحب الورقة، بل نطرح عليه أن يغير فيها، وفق الملاحظات التي وردت من الزملاء المتحدثين. هناك اختلاف حول البديل الديمقراطي، لأن القوى الديمقراطية غير ناضجة، بدليل ما يعترض له المعترض داخل تلك القوى. أطرح ضرورة إعادة النظر بالورقة لتطويرها.
- الدكتور صادق البلادي: أتسائل عن اعتراف بايدن في صناعة تركيا وقطر والسعودية لداعش.
- عقب كاظم حبيب عن الاستفسار، وأيد أنه قرأ ما تحدث به بايدن والمنسوب إليه صحيح ودقيق وفيه تأكيد.
- ماجد فيادي: سأتحدث عن الجانب الإيجابي في الورقة، لأن الجوانب السلبية شبعت بالنقاش. ما مطروح عن التحالف مع التيار الصدري هو مهم، لكن الورقة لم تتطرق للطرف الثالث الذي يدعو للعمل مع قاعدة التيار الصدري، ولا يتقبل العمل مع القيادة الدينية والسياسة لما لها من دور سلبي فيما آلت له الاوضاع في العراق. أما البديل الديمقراطي هناك تشابه بما طرح في ورقة كاظم حبيب حول إن البديل المدني الديمقراطي لم ينضج بعد، ولا يطرح نفسه بديلا عمليا للقوى الإسلامية، بل هو بديل لفظي وإعلامي لحد، فالتيار الديمقراطي غائب كاسم وتجمع، قد غاب أمام التنسيقيات التي قبل أن يكون جزءً منها، في حين كان عليه أن يدخل الجميع تحت مظلته، ولا يكرر تجربة التحالف المدني الانتخابي، الذي حل محل التيار الديمقراطي لأجل فائق الشيخ علي الذي أصبح متحدثا باسم حزبه أكثر مما هو متحدث باسم التحالف، والتيار الديمقراطي غاب عن الصورة تحت يافطة الحراك المدني، وهناك ضرورة لتغيير وضع البديل الديمقراطي في تصوراته عن مواجهة الآخرين، وعدم الخضوع للضعف، وعدم القدرة على فعل شيء. وانتقد الأحزاب والمنظمات اليسارية على عدم استجابتها لضرورة التنسيق والتعاون وتجميع الطاقات. كان المنتظر من التيار الديمقراطي أن يفسح المجال أمام الأحزاب المنضوية تحته لرفع نبرة الخطاب السياسي، كما يفسح المجال أمام المستقلين أن يصبحوا مصدرا للأفكار والممارسات كرافد لفعل الأحزاب في التيار، لكن هذا لم يحصل للأسف.
- حسن أحمد: تحدث عن مظاهرات بغداد، وأكد يمكن تطويرها لتحدث تغييرا، أو تدعم توجهات تساهم في التغيير.
- دكتور قاسم جلبي: تحدث عن مواقف التيار الصدري حول المفوضية.
- نهاد القاضي: تحدث عن التيار الديمقراطي، وإشكاليات عدم وضوح مواقفه من قضية البديل الديمقراطي، ووجود خلل في هذا المجال.
- ضياء الشكرجي: اقترح أن يجيب بالنيابة عن معد الورقة الناصر دريد، بما يعتقد أنها تمثل إجاباته، وأكد كونه علمانيا ليبراليا، ورفض إنه يبرر لجرائم صدام، بل يمكن أن يقال أنه في هذه الفقرة لم يكن موفقا باختيار التعبير المناسب. وإذا كانت ملاحظات على ورقته أو على أي ورقة، فلا يتحمل معد الورقة مسؤولية ما ورد فيها وحده، لأن مهمة اللجنة التحضيرية كانت في إبداء الملاحظات واقتراح التعديلات على أي ورقة. وتحدث عن مفاهيمه بحكم معرفته به عن قرب منذ سنوات. وأوضح أننا عندما نقول مثلا إن نظام صدام عمل على إبقاء الدولة وعدم انهيارها في فترة الحرب العراقية الإيرانية، فلا يعني أننا نمدح صدام. وأنا متأكد أنه لا يمكن أن يدافع عن صدام، أو يبرر له جرائمه. والناصر دريد التزم بما كلفته به اللجنة التحضيرية، ولم تكلفه مجموعة هامبورغ بذلك، واللجنة التحضيرية التي كلفته وضحت له المطلوب من أجل إعداد التقرير، وهذا ما قام به. أما كون السرد حول مقتدى الصدر طويلا ولا قيمة له، فكيف لا يكون مهما، وهناك وسط واسع من الحراك الشعبي يريد التحالف مع التيار الصدري، وهذا ما نختلف ربما معهم فيه، لكن لا بد من تناوله، وما ورد بخصوص التيار المدني الديمقراطي، لا يعتبر إساءة بل هذا ما يؤيده الكثير من الزملاء، ومثل هذا النقد جاء في ورقتي وفي ورقة الأستاذ كاظم حبيب.
المحور الثالث: قدم فيه ضياء الشكرجي ورقة بعنوان في «سبل إصلاح وتصحيح الواقع السياسي في العراق»، وطرح مجموعة أفكار عملية لأجل التغيير، وتحديد الاستنتاجات وفق الواقع، وليس الرغبة، مع وجوب التمييز بين القوى التي تريد الإصلاح، والذين ركبوا مؤخرا موجة الإصلاح، ووجوب تشخيص القوى المسببة لهذا المأزق والكارثة التي وصل إليها العراق، بما يعرف الآن بدولة المكونات بدلا من دولة المواطنة.
- كاظم حبيب: أن ندعو لممارسة العمل السلمي الديمقراطي، كما جاء في الورقة، فهل هذه المسألة بأيدينا، وهل نحن نتحكم بها؟ أم إن السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية تتحكم بها؟ حينما ترفض الدولة بسلطاتها الثلاث الاستجابة لطلب التغيير، مع رفض الجماهير للسلطة والواقع المرفوض، تنشأ احتملات تطور الحالة المعنية إلى فعل منتج لوسيلة التغيير، وهذا ما تحدده احتمالات تطور الأوضاع لتجاوز ما أسماه الناصر دريد نظام دستور 2005. وهنا حينما نتحدث عن السلمية والديمقراطية نحن لا نحدد الموضوع، فماذا لو استعملت السلطة العنف؟ يجب البحث عن صيغة ملائمة للتعبير عن الحالة الراهنة في العراق، واحتمالات تطورها، بالرغم من عدم نضوجها، وعلينا أن نرى وفقا لهذا التصور احتمالات تطور رؤيتنا للحدث، واحتمالاته، وهذا ما نحتاج مناقشته بشكل أوسع في المستقبل. السؤال الآخر، كيف يمكن توفير مستلزمات وآلية التغيير؟ ما هي أدواتنا، الأساليب، كيف نعمل، هل ينبغي في حدود الحركة المدنية الراهنة، وكيف ندفع بالآخرين للمساهمة في هذا الموضوع؟ ما هي القوانين التي ينبغي وضعها لكي تستطيع أن تلبي حاجة الجمهور، والنظام السياسي البديل، وأكد أنه يمكن الاستفادة من ورقة الدكتور كامل العضاض في موضوعة التنمية والجانب الاقتصادي، في بيان ماذا نريد من التنمية، وما هي الإجراءات في الزراعة والصناعة والمالية وتوزيع الدخل، في عملية التثقيف السياسي للمجتمع، وماذا يمكن أن نمارسه ونعمله لاحقاً؟
- غالب العاني: أثني على ما جاء في التقرير الذي يحتاج إلى جهة لتطبيقه بشكل دقيق، وهو متروك للمستقبل لإثبات صحة ما ورد فيه من معالجات ومقترحات كحلول ممكنة. ولكن السؤال المهم هم من نحن كي نحقق الإصلاح؟ ما هي مقومات الاصطفاف بالخارج، وأكد على ضرورة طرح مفهوم المصالحة كعنوان مهم من عناوين أوراقنا وتصوراتنا.
- ماجد فيادي: أثنى على الورقة وما فيها من معالجات وحلول قابلة للتطبيق والتنفيذ. وأكد أن المفاتيح بيد البرلمان كونه السلطة التشريعية والأحزاب المتنفذة، ويجب أن يكون لنا أدواتنا ووسائلنا الخاصة للمساهمة في التغيير، لهذا أكد على ضرورة رفع مستوى الخطاب السياسي، وتقديم الأفكار الجديدة لتوسيع قاعدة العمل والتفكير، والبحث عن القوى التي يمكن التعامل معها، والتوجه للقوى الديمقراطية، مع توجيه النقد لمواقفها السلبية، واقترح إقامة ندوات في ساحات التحرير، لطرح مفاهيمنا حول التغيير، وتنشيط المبادرات الفكرية لمواجهة الفساد والمفسدين.
مقترحات ماجد فيادي بالتفصيل كأدوات للعمل القادم:
- أن يصبح للتيار الديمقراطي سقف أعلى من خطاب الأحزاب السياسية المؤتلفة فيه، وفرصة للمستقلين في تقديم الأفكار الجديدة، وأن يكونوا مساهمين فعليين في الحركة الاحتجاجية، ولا يقتصر أداءهم على التنظير وإدارة العمل التنظيمي الكلاسيكي.
- عند التحالف مع قوى ديمقراطية يفترض أن تكون هناك اتفاقيات موجبة الالتزام، ولا يترك الأمر كما حصل مع شروق العبايجي وفائق الشيخ علي.
- شن حملة انتقاد وحث للشخصيات والقوى الديمقراطية من أجل تفعيل دورهم بالعملية السياسية والابتعاد عن التشرذم والمناكفات والانقسامات غير الضرورية.
- كتابة قوانين وطرحها على الجماهير والإعلام لغرض إشباعها نقاشاً وتطويراً قبل تقديمها بحفل داخل ساحة التحرير إلى الحكومة باسم الحركة الاحتجاجية، والضغط على الحكومة لغرض تقديمها إلى البرلمان ثم الضغط على البرلمان لغرض إقرارها. هذا يختصر علينا تحايل الأحزاب الحاكمة في تقديم مشاريع قوانين تحمل الكثير من الأخطاء التي تأخذ وقتا طويلا في النقاش ثم التسويف وانتهاء الدورة الانتخابية دون إقرارها، مثال ذلك ما يحصل حول قانون الانتخابات ولجنة الانتخابات المستقلة. من المهم أن نبدأ بالقوانين المستعجلة التي تستوجب التشريع لإحداث تغيير في شكل البرلمان القادم.
- إقامة ندوات فكرية داخل ساحات التحرير تعرف بالقوانين وأهميتها، وكذلك التعريف بمشاكل حكومة التكنوقراط وأهمية حكومة الكفاءات، كذلك المقصود بالدولة المدنية، وتضمينها مفاهيم الدولة العلمانية، قانون الانتخابات وأهمية جعل العراق دائرة انتخابية واحدة، تعديل قانون الاستثمار الذي يقف التيار الصدري موقفا غريبا منه.
وطرح آليات للعمل مع التيار الصدري:
- يطالب السيد مقتدى الصدر عدم الظهور في ساحة التحرير، منعا لصبغ التظاهرة بصبغة التيار الصدري، وانضمام التيار الديمقراطي كحليف معه ضد أعدائه في التحالف الوطني.
- ما يصدر من التيار الصدري بخصوص التظاهرات يجب أن ينطلق من ممثلي التيار في التنسيقيات، وليس من السيد مقتدى الصدر احتراما لنفس السلوك الذي تمارسه شخصيات حزبية في التنسيقيات.
- إلقاء الكلمات داخل ساحة التحرير يجب أن يكون باسم التنسيقيات، وأن تبلغ جماهير التيار الصدري بعدم الهتاف بحياة السيد مقتدى الصدر، مثلما تفعل الجماهير في عدم رفع أعلام خاصة، إنما الاكتفاء بالعلم العراقي، ولتكن هذه سنة عامة للجميع.
- لا ينفرد الصدريون بأي قرار يخص التظاهرات، مثلما حصل في المرات السابقة، حتى يكون سلوكا مستمرا ومطمئنا للجماهير التي تتجنب المشاركة في التظاهرات اعتراضا على سلوك التيار الصدري.
- تقديم التيار الصدري اعتذار للشعب العراقي عما اقترفه المندسون للتيار من أعمال عنف وفساد.
- حسن أحمد: أكد على ضرورة تحديد القوى الحاملة للواء التغيير.
- صباح كنجي: أكد انه قد كتب مساهمة مكتوبة سيقدمها وإنه يدعو لتشخيص الوسائل والأدوات الوطنية، المحلية للتغيير، وعدم خلطها بأوهام التغيير، التي تعتقد أن الغرب وأمريكا والدول الإقليمية ستجد لنا حلولا. علينا كعراقيين أن نجد حلولا لمشاكلنا، ونخلق المؤسسات الداعمة للتغيير. وأكد من مهامنا الملحة تنفيد الأطروحات التي تربط إمكانية الانتقال للحياة الديمقراطية والتخلص من العنف وبناء الدولة الحديثة وتحقيق استحقاقات المواطنة من خلال العوامل الخارجية والإقليميية، بل هي من مهماتنا كعراقيين، وتلك هي مسؤولية الجيل من الشباب والشابات الذين يجب أن نفسح لهم المجال لتبوؤ المسؤولية، وندعمهم، وهذا ما يجب أن نفعله ونحققه، مؤكدا على ضرورة عدم الاستسلام لليأس، وتجاوز نقاط الضعف، واستنهاض الههم للكفاح من أجل وضع المبادرة وما تحمله من أهداف لصالح العراقيين في الموقع الملائم لها من عملنا اللاحق، وتصعيد نشاطنا مع مجموعة ورشة بغداد.
- ستار عباس الوندي: كل ما طرحه ضياء واضح وسليم، وتبقى كيفية إيصال هذه المفاهيم للمواطنين العراقيين، هل هناك وسيلة إعلامية للاستفادة منها، أرى ضرورة التفكير بهذه الوسيلة.
- الدكتور غالب: طرح مسألة ضرورة التفكير بتحديث الأحزاب وتأسيس البديل الجديد منها.
- ضياء الشكرجي: كل الأسئلة التي طرحت أجابت عليها ورقتي لو قرئت بإمعان، وهناك نقاط ذكرت ليست من مهمة ورقتي، وعدم تناول هذه التفاصيل، لأنها بعيدة عن مهمة ورقتي. للعلم إنني لم أستطع تكملة قراءة الورقة، لذا ينبغي الرجوع إلى المكتوب. ومحوري لا علاقة له بالبدائل، بل هو محور سبل وآليات التغيير أو الإصلاح. أما عن ملاحظة د. كاظم حبيب حول سلمية وديمقراطية الوسائل فمن جانبنا نعتمد السبل السلمية والديمقراطية، وإذا افترضنا ان السلطة مارست العنف، فليس من الصحيح أن نواجه العنف بالعنف، أولا لأن السلطة والميليشيات تملك من القوة ما يمكنها من سحقنا، وثانيا إذا افترضنا أن التصعيد من جانبنا أدى إلى إسقاط النظام القائم، فهل أعددنا البديل؟

قدم الزميل نهاد القاضي في نهاية اللقاء استخلاصا من عدة نقاط لما ورد في محاور ورشة هامبورغ، وأعلن انتهاءها بنجاح على أمل أن تكون نتائج الورشة مع ما تتوصل إليه ورشة بغداد أساسا لعقد لقاء أوسع، معلنا انتهاء اللقاء ونجاحه، وشاكرا اللجنة التحضيرية والزملاء في هامبورغ الذين استضافوا المندوبين في بيوتهم ومساكنهم.
هامبورغ 24/9/2016

ملاحظة: الأوراق الثلاث المدرجة في هذا الكراس، تمثل الصيغة المعدلة في ضوء الملاحظات ومقترحات التعديل أو الإضافة التي طرحت في الورشة، بعدما أخذ الزملاء المكلفون بكتابتها بما يقترب من كل ما قدم من مداخلات من قبل المشاركين.
للاتصال بشأن المبادرة أو الأوراق الثلاث يمكن المراسلة على العنوانين الألكترونيين أدناه:
[email protected]
[email protected]o



#اللجنة_التحضيرية_للمبادرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - اللجنة التحضيرية للمبادرة - مبادرة «التغيير نحو الإصلاح الشامل» في العراق