نهاد السيد عبد القادر رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5314 - 2016 / 10 / 15 - 21:30
المحور:
الادب والفن
ثورة الموتى .. وثورة الشكل
في الوهلة الأولى يشعر متلقي عرض " ثورة الموتى " الذي قدمته فرقة قصر ثقافة الزقازيق بمحافظة الشرقية خلال الموسم المسرحي الحالي ، تأليف : أروين شو ، ترجمة : فؤاد دوارة ، موسيقى : إبراهيم الطنطاوي ، ديكور : يوسف محمد يوسف ، إخراج : محمد العدل ، بامتلاء خشبة المسرح ؛ حيث تضخم الموتيفات الديكورية الحجرية التي تحمل سمة الحدة والجمود ، وكذلك الصرامة التي تمثلت لنا نتيجة طبيعة الخامة المستخدمة في تنفيذ ذلك الديكور من خيش وحبال وأقمشة ذات الألوان الترابية . ولكن ..
على الرغم من أن طبيعة النص الواقعية تسمح بتحديد موقع واقعي من قبل الديكور - كمثل تلك المنطقة الجبلية التي تحمل طابع الرمزية - إلا أنه قد يعاب فيه تمثله لشكل من أشكال الإستسلام ، والتي وجب الإبتعاد عنها بأقوى الوسائل الممكنة ، والتي نجدها تتمثل في ديكور العرض من خلال ثباته وفقدانه لعنصر الحركة .
فإسم العرض " ثورة الموتى " ، إسم يستدرج إلى أذهاننا تلقائيا فكرة الثورة بكل ما تحمله من معاني من أجل التمرد قبل أن ترى العرض ذاته ، ذلك الأمر الذي يتحقق حين نشعر بالصراعات من وقت لأخر ، كصراع الحياة في مواجهة الموت ، وصراع الحق في مواجهة الغش ، وصراع الخير في مواجهة الشر ، وصراع العدل في مواجهة الظلم ، وصراع الضوء في مواجهة الظلام ، وصراع الحركة في مواجهة الركوض والثبات والإستسلام ... الخ .
ذلك الذي حتم تفضيل ديناميكية الديكور وتفاعله ، والذي نئى الديكور عنه تماما للأسف ، بل أنه فضل الاستسلام لمصطلح الثبات ، فوجدنا أنفسنا أماما موتيفات ديكورية ثابتة رغم ثورة شكلها من خلال تشكيلها من بعض الرسومات التي تجسد بورتريهات لوجوه اناس تصرخ في مواجهة البيادة العسكرية ، ليتضح لنا تلك الوجوه وكأنها مدفونة في الجبل ، محاط بخطوط أفقية ورأسية ، تتقاطع مع بعضها البعض لنشعر وكأنها حبال يكتف بها الوجوه وتكمم تارة ، وتارة أخرى نشعر وكأنها تمثل تجسيد صخري فحسب ، بل أننا في بعض الأوقات قد نشعر بأننا في توهة الجبل الصخري هذا ، وكل ماهو موجود على خشبة المسرح ماهو إلا مجرد زحام في باطن الجبل ليس إلا .
وعلى الصعيد ذاته تكون لدينا عدة تساؤلات وجب طرحها : هل كل ماجاء من شعور تجاه ذلك المنظر مقصود حقا من خلال تكنيك الخدع البصرية ؟ أم أنه جاء محض المصادفة ؟ ، وإن كان هذا أم ذاك ، فأين الثورة ؟ ، هل آثر مصمم الديكور على إتكفاء مضمون الرسالة المسرحية لكونها ثورة معنوية باطنة داخل العمل الفني فحسب على واجبية تفعيل وتوضيح الشكل لحالة المضمون ؟ ، هل أعتبر أن توكيد الرسالة المؤكدة بالفعل من خلال عنصر فني أخر ماهو إلا مزايدة ؟ ، أم كان هذا تقصير منه واستسهال ؟
تلك التساؤلات التي تئول بنا نحو قضية " الوحدة العضوية بين الشكل والمضمون" والتي ناقشها الشكليين الروس والماركسيين وسارتر وهيجل وكروتشة وكانط ... وغيرهم من الفلاسفة ذوي الأراء الفلسفية المختلفة ، والتي اذا تمعننا فيها نجدها جميعها محقة ومصيبة مهما كانت متناقضة ، تلك الأراء التي توضح طبيعة العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون ؛ لكونها ليست علاقة بسيطـة يؤثر كل منهما فى الآخر، كما أنها تحتوى على العديد من التناقضات التى تنبع من تفاصيل العمل الفنى، وعناصره، فهى علاقة تجمع بين الاتساق والانسجام ، وفى نفس الوقت تحمل تناقضات وتعارضات ، لما تحمله من وحدة بين متكاملين متناقضين أو متعارضين.
ولعل هذا هو الذى جعل الآراء تتشعب، ويتّسع مجالها، نتيجة للاهتمام بعنصر دون الآخر، أو تغليب أحد العناصر وتميزها على العناصر الأخرى ، ولكن التعامل مع العمل الفنى ككل هو الذى يوضح إلى حد كبير عملية العلاقة بين الشكل ومحتوى العمل .
أما عن علاقات الشكل بالخلفية ، والتي تتمثل في علاقة الموتيفة الديكورية بما خلفها ، وليس هذا فحسب ، بل إنها تتمثل أيضا من خلال علاقة ملابس كل شخص على الخشبة – سواء ممثلين أو راقصين – لكونها تمثل شكلا بالنسبة للديكور ككل لكونه يمثل الخلفية لها ، فقد وجدنا أنه بالفعل قد تم تحقيق مفهوم الثورة في أقوى حلاتها عن طريق إستخدام مصمم الديكور والملابس لألوانه عبر دلالاتها ، حيث تواجد ثورة وصراع بين علاقات الوان الملابس مع بعضها البعض ، والتي تتجسد لنا في صراع اللون الأبيض لملابس الدراما الحركية في مواجهة اللون الأسود لملابس ممثلين شخصيات الموتى ؛ من أجل توكيد ما يريد مصمم الدراما الحركية من إيصاله بهدف تحقيق صراع الحياة من أجل البقاء وإثبات الوجود في مواجهة الموت ، والذي نشعر به أيضا من خلال صراع تلك الألوان الحيادية للملابس ككل (من أبيض وأسود ) مع الألوان النارية للديكور الصخري .
فمن خلال الدلالات اللونية للصورة البصرية ككل وعلاقاتها فيما بينها ، تمكن مصمم الديكور والملابس من تحقيق رمزية الصراع دون أن نشعر ، وليس هذا فحسب ، بل إنه رغم وجود العديد من العلاقات عميقة المعنى لترميز وتجسيد مفهوم الصراع ، إلا أن مصمم الديكور والملابس لم يغفل عن تحقيق عنصر الواقعية التي حققها في ديكوره لأن يحققها في ملابسه هي أيضا ، تلك الواقعية التي نجدها تجسدت في ملابس الجنود والشخصيات النسائية والصحفيين ، ذلك الأمر الذي ولف بمهارة فائقة بين ماهو رمزي وما هو واقعي ليظهر لنا عمل فني مسرحي متماسك.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟