أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - قصة فانتازيا: ما زالت هناك تطير...















المزيد.....

قصة فانتازيا: ما زالت هناك تطير...


السيد إبراهيم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 03:47
المحور: الادب والفن
    


لا شئ حولها يشي بالبهجة غير التخيل مع التحديق في المساحة الخضراء التي تحيط بمنزلهم، في تلك البقعة الهادئة من الضاحية التي تسكنها، ويفصلها عن البيوت المتشابهة في الطراز المعماري الأكثر ثراءً من بيوتهم غير بحيرة تتوسطها نافورة ومقاعد رخامية حولها.
لكن الشيء الأعظم من تصورها الدائم بهبوط طبق فضائي عند البحيرة، هو أن ترى تلك الفتاة البديعة التي تلعب بدراجتها قرب النافورة، تتسلل سامية التي لم ترزق والدتها بسواها حتى الآن، من غرفتها وهي تقفز فوق الدَرج كفراشة، وتعلو إجابتها على سؤال أمها:

ــ دقائق يا أمي وسوف أعود..

تتوقف الأخرى وتنزل من دراجتها، وتتقدم نحو سامية في حبور، تدعوها لأن ترافقها قيادة الدراجة، يمضيان وقتًا طويلًا يمرحان في دوائر حول النافورة، يتوقفان، ثم يعدوان في خفة السحب التي تسوقها الريح بقوة، يتضاحكان.. ثم يطلقا ساقيهما للريح، لكن الفتاة تطير بحق بينما سمية تسألها:

ــ كيف تفعلين ذلك؟

تواصل الطيران، وكأنها لم تسمع، تعاود سمية السؤال مصحوب بسؤال آخر عن اسمها؟

ــ اسمي ميريهان.. والطيران هوايتي..قدرات.. تجربين؟

ــ لا ليس الآن..

تواصل ميريهان الطيران، بينما تستلقي سامية على عشب الحديقة المائل للبرودة ..تتابعها وهي ترتفع أكثر وأكثر ذاهلة..بينما تقف سيارة تابعة لمستشفى خاصة، ينزل منها رجلان يرتديان الزي الأبيض..يتقدمان نحوها ثم يسحبانها إلى السيارة، كادت أن تصرخ، لكنها لم تستطع فقد ذهبت في شبه غيبوبة، ترى والدها يجري في ردهة المستشفى..يدخل غرفة، ويخرج في أعقابه أحد التابعين للمستشفى، تدور بعينيها فترى أمها مستلقية على سرير في غرفة وحدها في شبه إعياء.. تخرج من بطنها طفلة باهتة الملامح، تعطيها وردة ذابلة، تمسكها سامية مترددة، والخوف يتسلل إليها.. تخطفها منها أمها ثم تلقيها بجوار الطفلة الباهتة الملامح.. تقف سامية مشدوهة من رجل يرتدي بالطو أبيض وهو يحدِّق فيها.. يرفع سبابته آمرًا من حوله أن يخرجوها بعيدًا.. تجري مسرعةً دون أن تنظر وراءها في طرقةٍ طويلة بين مقابر متراصة، تضع على قبرٍ صغير باقة ورد، وخلفها والديها يرتديان ملابس سوداء، يبكيان.. تقفل عائدة من نفس الطريق الذي أتت منه نحو سيارتهم:

ــ لن أعود وحدي..بدونها.. لن أتركها وحدها هناك..

تتقدم ميريهان منها:

ــ ألا تتعبين من الاستلقاء والتأمل، ألم تسمعين ندائي..هيا لنطير..

تمسك يدها ..يطيران.. يمشيان فوق البحيرة، دون أن يبتلا.. من شرفة منزلها تراقبها أمها والمشهد يصعقها:

ــ تصورت أن عندها توحد حين تكلم نفسها، الآن تطير!

تنادي ابنتها.. لاتسكت. تلح في النداء، تهرول سامية نحو بيتها، وهي تعتذر لميريهان، لكن الأخرى تمضي أيضًا نحو منزلها القريب من البحيرة..

ــ مع من تتحدثين يا سامية، وكيف تطيرين، من علَّمكِ هذا؟!

ــ كنت أتحدث مع ميريهان.. صديقتي.. هذه الفتاة الرائعة، وهي التي علمتني الطيران، ألم تشاهدينها؟!

ــ لم يكن هناك أحد سواكِ بنيتي..

ــ ألا تصدقينني.. تعالي معي.. لقد تركت ميريهان دراجتها لنعود ونلعب بها..

تصاحبها أمها رحلة التثبت.. بينما الجو الخريفي يبعث أنوارًا رمادية، تثير الذعر والبرد معًا في أوصالهما، لكنهما لا يأبهان.. حتى يصلا للدراجة، وتركبها سامية وهي تمضي في فرح نحو بيت صديقتها:

ــ تأكدتي ماما، هذه دراجتها..

بينما أمها تتابعها وهي تحملق في المجهول بعينين زائغتين، وقلب تعلو دقاته حتى تغطي أصوات المياه الفوارة في البحيرة..
ـــ تأكدت .. انتظري قليلًا، حتى أدركك..
تسرع سامية، لا تأبه لرجاء أمها، وتنادي صديقتها، تقترب أكثر.. وصوتها يعلو بالنداء أكثر.. وأمها في أعقابها، تخرج امرأة متوسطة السن، تسألها، من تريدين:
ــ ميريهان ..

ــ ميريهان من؟!

ــ ميريهان ابنتك، أليس هذا بيتها وأنتِ والدتها؟!

تنظر السيدة بوجهٍ تعلوه أمارات الدهشة والحيرة والحرج، لا تدري ماذا تفعل:

ــ تعاليا اقتربا.. تفضلا..ادخلا.. أهلًا وسهلًا..

ما كادا يدخلان..حتى أشارت سامية إلى صورة لفتاة موجودة في إطار فوق منضدة جانبية، وهي تصرخ فرحة:

ــ مامي ..هذه صديقتي ميريهان..

تتقدم نحو البرواز وتمسكه، ثم تقدمه لأمها كدليل براءتها..تصرخ أم ميريهان فيها:

ــ دعي البرواز مكانه..

تنظر لأم سامية:

ــ سامحيني..هذه صورة ميريهان ابنتي التي ماتت..فكيف رأتها ابنتك ولعبت معها؟!

ــ أنا أسفة لموت ابنتك، ولكن متى، وكيف؟!

ــ ماتت من عامين، حين دهستها سيارة مسرعة وطرحتها من فوق دراجتها..

تعدو سامية مسرعة نحو بيتها، بينما أمها تعتذر لأم ميريهان، على وعد باللقاء في ظروف أفضل.. تعدو وراء ابنتها، تستمهلها لتدركها، لا تستطيع..

تقف سامية أمام البحيرة تحاول أن تقفز لأعلى، لا تستطيع.. تحس بخيبة الأمل.. ترتمي على العشب البارد متهالكة.. تجلس أمها على المقعد الرخامي الثابت بالحديقة، تراقبها دون كلام.. تحلق ميريهان عائدة ومعها أطفال صغار يطيرون في دوائر متقاطعة، والسحب تحوطهم، كل طفل معه وردة زاهية جميلة، يلوحون لها، تلوح لهم، أمها تتابعها وهي تبتسم، فقد عاد الإشراق لوجه سامية من جديد، تتحدث أمها في الهاتف وهي تستحث الطرف الآخر على المجئ.. تتحسس الأم بطنها التي ارتفعت قليلًا، ترى في يد ابنتها وردة جميلة شديدة الاحمرار..

تقف سيارة يتقدم والد سامية من والدتها، بينما يتبعه رجلين يرتديان الزي الأبيض، يأخذان ابنتهما في هدوء إلى سيارة الإسعاف، وفي ردهة المستشفى الطويل ترى سامية والدها يهرع مسرعًا، بينما أمها تتبعها إلى غرفتها، ورجل يرتدي البالطو الأبيض وشعره مشوب باللون الأبيض، وسماعته تتدلى على صدره يتبعهما مسرعًا قلِقًا، بينما تهمس له الأم:

ــ منذ ماتت أختها ميريهان منذ عامين، في نفس المستشفى، وهي ما تزال تفتقدها، لأنها كانت لعبتها وصديقتها، وشريكتها في غرفتها، وكانتا تلهوان كثيرًا عند البحيرة التي تتوسط الحديقة..
تتحسس سامية بطن أمها، تعطيها أمها وردة زاهية وتطمئنها، أن في بطنها يلهو جنين ينتظر الخروج...

ــ ولكنها يا أمي كانت هناك..

ــ نعم بنيتي، ستكون هناك..

تبتسم سامية، وهي تنظر إلى البحيرة من نافذة سيارتهم، وترى ميريهان ما زالت تطير فوق البحيرة.. تلوح لها..



#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة: -ثرثرة-...
- حين يبدع الصامت ... كلمات   حوار مع الأديب التونسي رضا سالم ...
- سامية بن قذيفة: شجيرة في ظل الأدب
- حَرَام
- تنوير محمد حسن كامل .. يبدأ من -اقرأ-..
- 2017 عام الثقافة والإبداع.. -مبادرة قومية لأعوام-
- -فلسفة حياة-... مقدمة الدكتورة رانيا يحي لديوان -رباعيات لما ...
- نِداَءُ الخَلِيلي للإنسان: -سيقررون احترامك-..
- النَثْرُ.. قَصِيدَةٌ تَأبَىَ الرَّحِيل...
- العروض رقميًا مكثفًا.. تمهيدٌ لا تقديم
- الصور والرسوم المسيئة للمسيح
- إقتصاد .. بلا مرجعية [دراسة تطبيقية]
- الهولوكست: عندما تتحطم الحرية.
- [قراءة في مجموعة -طقوس للعودة- للكاتب السيد إبراهيم أحمد]
- إشكالية الرجل/الأم ..بين الأم الهاربة والأم البديلة
- د. رانيا يحي ..حين يعزف القلم..
- منمنمات التائية في قصيدة: آثار جانبية لحب الورد.. ل يحي السي ...
- فاطمة المرسي شاعرة..-عاشِقُها- الوطن..
- السهل الجميل في شعر -الدليل-...
- بين السياسة والشعر حوار مع الشاعر محمد عبد القوي حسن


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - قصة فانتازيا: ما زالت هناك تطير...