أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند يعقوب - الإحالات الوثنية في مجموعة هانيبال لكتر















المزيد.....

الإحالات الوثنية في مجموعة هانيبال لكتر


مهند يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 00:21
المحور: الادب والفن
    


أمي تأوهَت أبي بكى
قفزتُ في هذا العالم الخطير
أعزل عارياً
مزقزقاً بأعلى صوتي
كشيطان مختبئ في سحابة.
وليم بليك من قصيدة "حزن طفولي"
ترجمة: إنطوان جوكي

بدأ الظهورالأول لشخصية الدكتور"هانيبال لكتر" في سلسة الأعمال الروائية ما بين الفترة 1981 - 2006 للروائي " توم هاريس" والتي تحولت فيما بعد الى أعمال سينمائية كان أولها فيلم "مان هنتير" للمخرج "ميشيل مان" عام 1986. ثم تلتها المحاولات ألاربع ذات الدهشة العالية والتي يمثل القدير "أنتوني هوبكنز" بطولتها "صمت الحملان" عام 1991 مع الممثلة الرائعة "جودي فوستر" للمخرج "جوناثان ديمي" والذي فاز بخمس جوائز أوسكار كما فاز كل من "هوبكنز و فوستر" بجائزة أفضل ممثل وفاز " ديمي" بجائزة أفضل مخرج . ويليه الجزء الثاني "هانيبال" في عام 2001 مع الممثلة البارعة "جوليانا مو" للمخرج "ريدلي سكوت" حيث تغيب الممثلة جودي فوستر عن هذا الجزء لاسباب تتعلق بفكرة السيناريو المأخوذ بالاعلاء من مكانة وأهمية هانيبال أكثر من مكانتها وأهميتها كممثلة للقانون . وفي هذا الخلاف مع المنتج "دينو ديلا" الذي يملك حقوق الطبع نقطة مهمة جداً تعكس وعي المنتج الصادم للحفاظ على مركزية العمل المتمثلة بطبيعة البطل الخارج عن الاضداد بالمعنى السلبي كما سنتناوله لاحقاً . ثم الجزء الثالث " التنين الاحمر" عام 2002 مع الممثل المرموق "ادورد نورتن" والممثل "رالف فينيس" للمخرج "بريت راتنر" والجزء الرابع "هانيبال ريزنك" في عام 2007 الذي يحكي قصة التحول التي عاشها هانيبال الصغير والصدمة الأولى التي جعلت منه شخصاً مختلفاً ينظر للحياة والكون والاشياء نظرة معرفي صاحب خيال غرائبي أبعد من كونه مجرماً عادياً يكتسب مهارته فقط من خلال منطق الأخذ بالثأر، أو تحت تأثير العامل السايكلوجي المختل من جراء الوحشية التي يتعرض لها في صباه.

في لقطة متتالية ومتكررة في كل من فيلم "صمت الحملان" "التنين الأحمر " تحاول الـ FBI الإستعانة بالدكتور هانيبال لكتر المسجون لديها للكشف عن تفاصيل الرعب والصدمة التي يعيشها المجتمع الأمريكي، بعد أن عجزت عن إمساك منفذي الحوادث الاجرامية المريعة، بارسال أحد عملائها المميزين العميلة " ستارليك " في المحاولة الأولى ويأتي العميل "كراهام" في الثانية، كمحاولتين منفصلتين كل محاولة في فيلم على حدة لكن مؤداهما واحد. وهي لقطة مهمة تكشف عن ثنائية الصراع والتعاون بين قوى الخير وقوى الشر داخل الطبيعة الإنسانية وداخل الحياة، وتكشف أيضاً من خلال إعطاء الثقل الأهم لشخصية هانيبال، كشخصية محورية يقع عليها الاشتغال الأكبر في توظيف ذلك الصراع والتعاون بالاتجاه الوثني وليس بالاتجاه الذي تلى هذا العصر، والاختلاف ملحوظ بين الإتجاهين.

حيث يمثل الإتجاه الأول عصر الديانات الوثنية التي تقول بالإنعدام القيمي أخلاقياً وقانونياً بين قوى الخير وقوى الشر كقوى متكافئة داخل الإنسان والطبيعة. تكون الضرورة فيها للنور كما للظلام، وللنظام كما للفوضى، وللحمل كما للنمر. وإن هذا التكافؤ هو أصيل في الطبيعة الإنسانية وطبيعة الكون، يحكمه عنصر الحرية او ما يسمى بـ "الانتخاب الطبيعي" ويدفع به للحركة والتبدل والنمو والتكامل من دون صفات طارئة تكبح هذا المعنى الجوهري، الذي يعكس ملامح تلك الفترة كما يعبر بعض المؤرخين والنقاد في دراسة الأديان الوثنية القديمة. إذ يؤكد بعض المؤرخين" أن الأسماء التي يطلقها المصريون على آلهتهم تنطوي معظمها على المعاني الموجبة والمعاني السالبة والكابحة والمعطلة ، فالإله "سيت" مجسداً للقوى السالبة والإله "حورس" مجسداً للقوى الموجبة " وكذلك بالنسبة للديانة الزرادشتية فالإله "سبينتا ماينو" يمثل الطبيعة الخيرة و"انجرا ماينو" يمثل الطبيعة الشريرة ولا ترجيح قيمي بينهما، بل يخضعان في الصدام او التعاون لمبدأ الحرية في الاختيار سلباً أو إيجاباً.
ونحن هنا أمام حالة تعاون وتضاد شمولي يحكم الطبيعة نفسها، ويحكم العلاقة بين الكائنات عموماً. والتعاون بين العميلة ستارليك وكراهام من جهة، وبين الدكتور هانيبال من جهة أخرى يعكس هذا المعنى بشكل واضح حيث يشترط أن يكون التعاون سؤال بسؤال. يجيب هو عن الأسئلة التي تخص منفذي حوادث الرعب المتفشية وغير المسيطر عليها وفك شيفراتها ، وهم يجيبونه عن الأسئلة المتعلقة بحياتهم الشخصية التي يريد الدكتور تأكيدها لنا ضمن لا نهائية التعاون والتضاد في الكون والطبيعة والانسان . ويكشف هذا المعنى أكثر رسالته الأخيرة للعميل كراهام في الجزء الثالث .

" عزيزي ويل لابد وأنك تماثلت للشفاء من الخارج على الأقل، أتمنى أن لا تكون مشوهاً، يا لها من مجموعة ندبات تمتلكها، لا تنس من أعطاك أفضل واحدة وكن ممتناً، فندباتنا لها القوة لتذكرنا بأن ما مضى كان حقيقة، نحن نحيا في زمن بدائي أليس كذلك ؟ ليس بوحشي ولا بحكيم أنصاف المعايير هي لغته. المجتمع العقلاني قد يقتلني وقد يستفيد مني. أتحلم كثيراً يا ويل ؟ أعتقد ذلك.
صديقك القديم هانيبال لكتر"

معظم الصدمات التي حققها الدكتور هانيبال لكتر للمجتمع ولمجايليه بتغييب ضحاياه فيزياوياً ، هي صدمات طالت فقط السيء والقبيح من الشخصيات. ولو إستثنينا الأثر السايكلوجي الحاد في نفسه كشخص مريض بالوضوح والتعالي والعنف ، لخلصنا الى شخصية تشتغل على أكثر المناطق جمالاً وخيالاً، ولتمكنا من رفع الوصف القيمي الأخلاقيوالقانوني من صنائعه البديعة ، فلا يمكن أن نخفي إعجابنا به كطبيب نفسي بارع، ومتخصص في علم التشريح ، وعلم الشخصيات والقانون الجنائي ، ومرجعياته الفكرية والفنية داخل الفيلم .
وشيء من التجوال الحريص داخله يجعلنا نفهم كذلك أن هانيبال شخصية محبة ولديها القدرة على إكتشاف القبيح ومعرفة الحسن ، والتمييز بينهما بدقة وحرفية عالية . وهو ما يدفعه للشعور بالدعة والهدوء إتجاه الشخصيات التي تشبهه بالذكاء والحساسية . تربطه علاقة صداقة مثلاً مع العميل كراهام خارج سياق المؤسسة والقانون ، كذلك تربطه علاقة حب مع العميلة ستارليك لدرجة إقدامه على بتر يده في لقطة يجمع أيديهما طوق حديدي وآثر بقطع يده على ان يؤذيها . هو ايضاً مناهض لمبدأ الشر، وهو يمتلك حق حريته الأصيل في طبعه كما هو أصيل بطبيعية الكون في ترجيح مكانته على مكانة الآخر وحضوره. والآخر القبيح بالنسبة اليه شيء محتقر أو كما يقول وليم بليك " الهواء للطير والبحر للسمك ، كذلكفالإحتقار للحقيرين " أو كما يسميهم هو "بالوقحين وراثياً" فكانت مشاعره تنقسم الى قسمين ، مشاعر يحكمها شرط الجمال الوراثي وله أثر، كالعلاقة مع ستارليك وكراهام . وأخرى يحكمها شرط القبح الوراثي وله أثر ايضاً ، تمثل بقتل المفتش الإيطالي "رينالدو بازي" الذي يتتبعه في " فلورنسا" من أجل ان يحصل على الجائزة ، مقابل الادلاء بمعلومات عن مكان تواجده .
يقول عنه هانيبال " إنه جشع وخائن مثل أحد أسلافه في العصور الوسطى . لقد خان بيير ثقة الامبراطورية ثم أصيب بالعمى وسُجن . ويواصل " على المستوى السابع من الجحيم فان يهوذا وبيير ماتا بالشنق وهما مرتبطان في رأيه بالجحيم، في الحقيقة يرتبط الجشع والشنق بالعقل في القرون الوسطى " وبالتالي إنتهى الأمر بالضحية الأولى المفتش بازي بالتغييب على طريقة إنتحار يهوذا كنتيجة للخطيئة والخيانة وكتنقية وتطهير من الذنوب بالمعنى الدانتي في الكوميديا. وهكذا بالنسبة للضحية الآخر الصحفي " لاوندوس " الذي يعمل في صحيفة " تاتلر "يواجه شرط حريته بالاختيار على يد " فرانسيس دولارهايد " مدير الخدمات التكنلوجية والمشرف على معدات نسخ الشرائط في فيلم " التنين الاحمر" نتيجة نشره أكاذيب ومحاولته للايقاع بدولارهايد أملتها عليه الـ أف بي آي . فيكون الصراع بينهما هو صراع بين شروط التكون الجيني والوراثي والمجتمعي.

فالصحفي يتحرك انطلاقاً من جشعه وانتهازيته على حساب المهنة واشتراطاتها ، ودولارهايد يتحرك من خلال عنصر الطفولة والإنسان المهدور والمسلوب بالتقريع والتوبيخ والإهانة . وكلاهما يقدم الصورة والأسلوب الأنسب لحريته، والفرص متاحة بشروطها للتحول أما باتجاه الإنسان، او باتجاه المسخ "بالميلاد الجديد" وكانت النتيجة أن الصحفي تحوّل الى كومة حطب مشتعلة بعجلات. ولم يستطع دولارهايد أن ينتصر على المسخ المقيم على ظهره كوشم تمثله لوحة "التنين الأحمر أو الجحيم " رغم أنه عاش حالة حب مع موظفة عمياء كادت أن تنتزع الوشم "الجحيم" من قلبه، الا أن شروط تحولة الى مسخ كانت أوفر وأقوى من الحب نفسه.

إننا أمام طبائع لا يمكن أن تقبل الجدل القيمي ولا تخضع لمعيار الإدانة وفق هذا المنطق، يكفي فقط وعي التجربة وعياً ضمن الشروط التي ذكرناها ،لانها شروط نهائية وحتمية حسب الدكتور لكتر. يكشفها رمز الحملان في الجزء الأول من السلسلة، التي تصرخ في الحظيرة من دون أن تحاول الهرب . مع إن ستارلك هيأت لها ذلك ، لكنها إكتفت بالصراخ فقطأمام مشهد الموت ، وستظل تصرخ الى النهاية من دون أن يكون هناك أي حل في أي اتجاه . إنها ملزمة بشرط وجودهاكضحية كما هانيبال ملزم بشرط وجوده كقاتل معرفي مهذب .

لقد أكتسبت سلسة أفلام هانيبال لكتر وعبر متواليات بصرية وسردية متنوعة، أهمية نقدية وتأملية لاعتبارت كثيرة. منها المحاكاة للعديد من الأعمال الفنية والشعرية والفلسفية ، والقدرة المثيرة للاعجاب والدهشة لدى الممثلين وموهبتهم الخاصةللكشف عن تلك المضامين وتقديمها بمنطق اللغة والحركة الساحرين . وكذلك تضمين التصور الوثني داخل " السلسلة "بمستويات عديدة ومتنوعة ، كالاشارة لإعمال "وليم بليك" الشعرية والفنية ، او الاشارة " لجحيم دانتي" في الكوميدياالإلهية " ويهوذا في الأناجيل والرموز والتماثيل التي تعلو وتزين واجهات الكاتدرائيات في مدن إيطاليا وتحديداً " فلورنسا". حيث يمارس الدكتور هانيبال تطبيق مرجعياته الفكرية والفلسفية في نفس المكان، الذي يمثل المحيط لهذا الأثر او التصور الوثني ، معتمداً على طاقاته الكامنه وثقته بغرائزه كطبيعة شخصية أبرز ما يميزها الخيال الذي يستحوذ على ما دونه ويهاجمه ، لانه محدود ومحدّد كالمعرفة التي عليها زمننا الحالي والتي هي معرفة ناقصة ومتخلفة كما عبر سابقاً في حواره مع العميل " ويل كراهام " في التنين الاحمر" يقول " بدون الخيال الذي نملكه لكنا مثل هؤلاء الحمقى الآخرين " الخيال الذي يؤسس له وليم بليك ويجعله المحور" لكل الحقائق الشخصية والاجتماعية والدينية " والذي أصبح اي وليم بليك، أهم الرموزالفنية في صياغة تصورات هانيبال داخل السلسلة كلها ، من خلال الاشارة الى أفكاره ، ورسوماته الغرائبية كالمائية الشهيرة والباعثة على الدهشة والغموض لوحة "الشبق" او "الجحيم" والتي تحتل المساحة الأوسع في الجزء الثالث ، وهي تقيم على ظهر الأنسان المضطرب نفسياً " فرانسيس دولارهايد " كوشم. إذ الحرية الوراثية كشرط هي من يحدد إمكانية تحول هذا المسخ الى إنسان او تحول الإنسان الى مسخ، ضمن لعبة التحول والتكافؤ، التعاون والتضاد، التي تحكمنا والكون عموماً.







#مهند_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة أولية حول مفهوم الثقافة الثالثة
- البعث العابر للأجيال او صناعة العقدة المدورة
- جماليات القبيح والجريمة وعالميتهما


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند يعقوب - الإحالات الوثنية في مجموعة هانيبال لكتر