أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الطالبي - التاريخ والايديولوجيا















المزيد.....

التاريخ والايديولوجيا


محمد الطالبي

الحوار المتمدن-العدد: 5307 - 2016 / 10 / 7 - 15:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإيديولوجيا والتاريخ
بقلم: محمد الطالبي
ترجمة: حسن بيقي
بدأ العالم الإسلامي، منذ مرحلة الاستعمار، يبحث عن ايديولوحيا تعبوية تسمح له بالمقاومة واستعادة كينونته. وكانت الايدولوجيا الوحيدة المتاحة لتجييش الجمهور هو الاسلام. لقد اعتقد الثالوث الإصلاحي: الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا مع بداية هذا القرن(ق 20)، أنه عثر على الحل في الحركة الاصلاحية المسلمة. بيد أن اخفاق هذه الحركة الاصلاحية المسالمة ونكبة العالم العربي أمام اسرائيل عام 1948 أسهما في ميلاد المد الاصولي مع حركة الاخوان المسلمين المصرية. وقد تمكن المد الوطني العربي الناصري في فترة معينة من إزاحة الاصولية السياسية. غير أن هذه الحركة الناصريه ستفقد مشروعيتها بدورها بعد نكسة 1967. وكان من جراء الهزيمة أن سعى إلى ايجاد مشروعية أخرى بالتوسل لسند الاسلام. نفس النهج سار عليه صدام حسين بعد عقدين من الزمان حينما قاد حرب الخليج باسم الاسلام. هكذا كان دأب السلطات دوما في استعمال الدين كقوة تعبوية. في الجزائر مثلا تمكن بن بلة، وهو المتأثر بالماركسية إلى حد كبير، من تلبيس العنف الثوري لبوسا اسلاميا.
إن القران بين العنف الثوري وشرعية العنف لبعض الاتجاهات في الاسلام كفرقة الخوارج، قد أسفر عن الحركة الأصولية الحالية. هذا هو السبب في كوننا لا يمكن إخلاء الاسلام من تفكيرنا. في السودان مثلا وهب الجنرال النميري محمود طه قربانا للإسلاميين عندما كان ينوي التحالف مع الترابي من أجل انقاد نظامه العسكري.
أما بالنسبة للماركسيين الأورتدوكس كانت رؤيتهم تقوم على رفض الدين في البلدان الإسلامية باعتباره"أفيون الشعوب". بيد أن المشكلة هي : أنهم لا هم تمكنوا من تحقيق مسعاهم، ولا هم توفقوا في إرساء ماركسية "خالصة وصلبة" تؤول إلى قوة سياسية فاعلة، لأن القوى الجماهيرية لها موطأ قدم في تدين منتشر بل متواجد في كل مكان. فكان من تبعات هذا الإخفاق أن دفع بالماركسيين إلى البحث عن زواج الفكر الماركسي وشعارات الداعية إلى المساواة في الاسلام. هكذا كان ميلاد اليسار الإسلامي في عديد من البلدان الإسلامية كما هو الشأن بالنسبة لليسار المسيحي في الغرب . لقد حاولنا بشكل أو بأخر أسلمة الماركسية ابتغاء صناعة قوة سياسية فاعلة في التاريخ.
إن التاريخ شيء ضروري، ولكل إنسان ذاكرة والتي هي درجة أولية في التاريخ. هذا الأخير قد يغدو مجرد سجل يقيد في صفحاته بطولات الأيام المجيدة للقبيلة في أنماط هي في الغالب ذات مسحة أسطورية وخرافية. إنه يؤثث عقل الفرد المنتسب للقبيلة بزاد من التصورات والصور تتيح له الذوبان في عصبة القبيلة لدرجة لا يكون فيها إلا جزء لا يتجزأ من لحمة الشخصية الجماعية. هكذا يصير التاريخ عاملا مساعدا لاندماج الفرد داخل الجماعة. إن هذا الدور الاندماجي الذي يقوم به التاريخ هو دور يسري على كافة الشعوب. فالأمة الحديثة مثلا لها ملامح معينة وسمها التاريخ، ودونتها الذاكرة، وسرت في الحدود الجغرافية لوطن ما. إذا كان المواطن يعتبر حدود أمته شيئا مقدسا فلأنه اكتسب بواسطة الذاكرة الجماعية جملة تصورات وقيم والتي بمقتضاها يشعر في قرارة نفسه بأنه جزء لا يتجزأ من الأمة. فمن خلال تدريس التاريخ يعهد للمدرسة مهمة صب التلميذ في قالب الأمة، سالكة في ذلك مثال تدريس التاريخ في الغرب منذ القرن 19. عدا أن الغرب بدأ في التخلص من المناهج العتيقة وما تثيرها من معضلات في هذا الشأن.
أليست الوظيفة الإدماجية المعهودة للتاريخ مجازفة من شأنها أن تحوله إلى سلسلة أساطير، من نوع الأساطير التي تحاول كل أمة أن تنسجها لأعضائها بدافع الحفاظ على عروتها الوثقى؟ بلاشك يبقى هذا الخطر مثار قلق، على اعتبار أن التاريخ حينما يؤثر إلى هذا الحد على الذاكرة فإنه بمستطاعه أن يحول كل إنسان إلى عدو لجماعة إنسانية أخرى. إن هذه العدائية مبطنة لا تنتظر إلا فرصة أن تطفو على السطح أحيانا في شكل مسلح متضمخ بالدم وسقوط ضحايا مثل الحرب التي وقعت بين إيران والعراق والتي دامت زهاء ثماني أعوام. إن الاحالات التي تم التلويح بها خلال هذه الحرب لها بعد دلالي: كربلاء من جهة، والقادسية من جهة أخرى(1). هكذا أجد نفسي متفقا مع عبارة الشاعر بول فاليري :"التاريخ هو أحد المحصلات الأخطر لكيمياء الفكر".
ذلك أن التاريخ يزن أكثر قيمة من الحضارة. إنه من بين العلوم الإنسانية الأكثر اكتمالا والأخطر في الوقت ذاته. لأنه علم يحدث تأثيرا على الذاكرة، المشكلة في العقل الباطن، على الوعي، على الزاد الثقافي، وعلى جملة آراء بإمكانها أن تجعل الإنسان أكثر استعدادا في آت من الأيام على مهاجمة جاره. لننظر مسألة التضامن الكلاسيكي والضغائن بين العائلات المتأتية من تأثير التاريخ العائلي على ذاكرة الطفل. فما يوجد على مستوى أصغر خلية عائلية يوجد على مستوى الدول والجماعات البشرية الكبيرة.
إن هذا الأمر يدعوني وقت الكتابة أن أكون واعيا بشكل كامل من هول هذه المخاطر كيلا تحفظ في صدور القراء العدوانية والكراهية، والعمل على إيقاف أن يصير التاريخ محكمة للمقاضاة والإدانة. بل أني أسعى بالأحرى أن يكون مقاربة شمولية، دون أن يتحدد في إطار الجماعة التي أنتسب إليها. فمسعاي هو أن أكتب مثل إنسان يروم أن يفهم الإنسان حتى وإن كنت متأثرا بانتمائي للإسلام بل بالنص القراني. صحيح أني غرفت من معين هذا الأخير، وقد سبق أن تعلمت الشيء الكثير منه عن ظهر قلب في صباي ومازلت استظهره كل يوم أثناء وقت صلاتي. بهذا المعنى يكون كلام الله شكل من أشكال الحضور. بل أنهي صلاتي دائما بالسلام يمينا وشمالا بعبارة"السلام عليكم". هكذا علمتني الصلاة، ومازالت كذلك لخمس مرات في اليوم، على منح السلام لكل الناس يمينا و شمالا. وأجد في هذا السلوك التعبدي رمزا رائعا. فعندما أكتب التاريخ كمؤرخ أفعله في ظل هذه الروح التي اجتدبها من الصلاة. لهذا أود أن يكون التاريخ تاريخ رسالة وئام وسلام عبر الفهم الجيد للإنسان عوض أن يصير أداة إذكاء مزيد من العدوانية والعنف في الإنسان.
إن رسالة القرآن بعثت إلى الناس كافة، حيث مثلت دعوة محمد، خاتم الأنبياء، تغييرا جذريا في الرسالة الربانية. ومن باب التذكير كان منشأ محمد ومعاشه مجتمعا قبليا وثنيا وبالتحديد كان انتسابه إلى قبيلة قريش، حيث كانت الحياة السائدة فيها تعج بالنعرات العصبية القبلية والغزوات غير المنتهية. لكن يلاحظ أن لفظة قريش لم يتم التلميح إليها في القرآن كله إلا مرة واحدة(-1106)، علما أن لا إشارة لأي قبائل أخرى، ولا إلى العرب عامة. وحتى كانت الإشارة أحيانا إلى الأعراب(2) فليس من باب وضعهم في منزلة خاصة في الدعوة النبوية، خلافا للتوراة التي كانت رسالة بعثت إلى ذرية إسرائيل. بهذا المعنى فالدعوة تبعث دائما إما إلى الإنسان بوصفه فردا مسؤولا عن نفسه)"وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"الزمر/7)، وإما إلى كافة الناس أجمعين("وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون" سبأ /28). هكذا شرعت الدعوة القرآنية لعصر جديد داخل الشرط الإنساني. وعليه فإن المجتمعات المنطوية على ذاتها مطالبة منها أن تعي نسبها الأول"من ذكر وأنثى"، أي أنها تشكل عائلة واحدة تحت اسم"عائلة الرب". وفي قلب هذه العائلة لا تؤول الاختلافات والخصوصيات عامل نبذ متبادل، بل عامل محبة وتعارف متبادل. "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(سورة الحجرات/ 13) . بهذه الكيفية الرائعة، والتي لم تكن تماما متوقعة في سياق نزول الآية، تمكن القرآن بأن يسمو بمنزلته إلى حد إرساء مثال لم نستطيع إلى حدود الآن أن ننجزه، أي تحقيق مثال وحدة النوع البشري. فمهما بلغت قوة الروابط بين الناس لجماعة ذات سند دموي أو ثقافي، فإن الرب دعا كافة الناس دون استثناء ألا ترى في الاختلافات والخصوصيات، والتي وهبت لهم، إلا مناسبة للتباري في التقوى، أي في فعل الخير.
وأنا بدوري قمت بقراءة تاريخية للآيتين(34 و 35) سورة الناس(رقم 4) حيث استخدمتا في آن معا من قبل أولئك الذين يتخذون مضمونهما مطية لتحقير وضرب نسائهم، وكذلك من أولئك الذين يودون الإساءة إلى الإسلام. كانت هذه المحاولة ذات منحى تاريخي وانتروبولوجي، مع تنطوي عليه من صعوبات، لأن في متناولنا لتفسيره كتابات لم تكن معاصرة للنص ذاته. وقد تبين من هذه الدراسة أن الإسلام لا يسمح بتأديب الرجل للمرأة بضربها أو إذلالها رغم شيوع هذه الظاهرة واقعيا إلى الآن، لا فقط في الدول المسلمة بل أيضا في بلدان الغرب. ذلك أن أي مسعى يشمل الجزء الأول الذي يجتمع فيه المؤمن وغير المؤمن لقراءة إعدادية يمكن أن تكون انتروبولوجية، اتنولوجية، سيكولوجية، بل تحليل نفسية. فبعد استنفاذ كل المساعي المتوفرة لدينا، تأتي لحظة يتساءل فيها أهل الإيمان عن الكيفية التي تدمج فيها هذه القراءات وفق طريقة تفكيرها. هكذا ستغدو هذه القراءة مغايرة لقراءات الآخرين دون أن تكون لا أقل ولا أكثر منها.
إن المؤرخ المسلم، في علاقته بالنص الديني، يتوجب منه دوما أن ينطلق من قراءة انتروبولوجية. هذا لا يعني أنه يعتبر مثل هذه القراءة غاية في حد ذاتها.إنما هي بالأحرى مرحلة ابستيمولوجية وميتودولوجية تروم النفاذ إلى معنى النص، في نقطة انطلاقه وفي هدفه، مما يسمح بإظهار الحلول وتحديد المسار الذي ينبغي نهجه والذي ليس إلا "الطريق المستقيم". لأنه الطريق الذي دعا الله بالسير على هداه، لكنه ليس طريقا تم ترسيمه مرة واحدة وإلى الآبد، إنه مسار على هداه نسير بلا توقف.
الهوامش:
1 - معركتان وقعتا بين العرب والفرس سنة 14 هجرية، 650 م.
2- نستعمل نفس الجذر كما هو في كلمة "عرب" على حد سواء من أجل تعيينهما.
3 – محمد الطالبي: "هل من الضروري تأديب النساء بضربهن؟ قراءة تاريخية للسورة 4، الآيتين 34 و 35 " في مجلة المغرب العربي عدد مزدوج 182 و 183، تونس 1989 (بالعربية). "حماية المرأة المسلمة في العصر الوسيط"، في مجلة 15 /21 ، عدد 12 تونس، 1985.
Mohamed Talbi , (Réflexion d un musulman contemporain) Editions Le Fennec Casablanca



#محمد_الطالبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الطالبي - التاريخ والايديولوجيا