أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن الطوخي - إضمار الفكرة فى تضاعيف الصورة, فى نص - الأسيرة -, للأديب العراقي/ علي الحديثي















المزيد.....

إضمار الفكرة فى تضاعيف الصورة, فى نص - الأسيرة -, للأديب العراقي/ علي الحديثي


محسن الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 5299 - 2016 / 9 / 29 - 03:35
المحور: الادب والفن
    


إضمار الفكرة فى تضاعيف الصورة فى نص
الأسيرة
للأديب العراقي/ علي الحديثي
يزخرعالم على الحديثي بالأخيلة والصور, والمتعة. يكتب بريشة فنان تشكيلي, ويحلق بمهارة بين المطلقات, يوظف الرمزبحرفية, لكنه لا يغفل ضرورة اتساق الصورة الكلية مع السياق الواقعي, فالقارىء الذى لا يدرك دلالات الرموز لا تفوته متعة الحكاية.
يمور النص بالحركة والترقب, ويشارك القارىء بحواسه وانفعالاته فى الصراع الدائر على محورين. المحور الأول هو الصراع بين الأسيرة وبين الوحوش الذين يتحلقون حولها بهدف اقتناصها. والمحور الثاني هو الصراع الداخلي الذي يدور في ذات الشخص الرئيسي الذي يقوم بدور الراوي فى محاولاته للتوصل إلى وسيلة لإنقاذ الأسيرة, بينما هو معني طول الوقت بألا يشى بمكانه أو وجوده للوحوش. حتى يكتشف الوحوش وجوده, فيتحولون إليه يهاجمونه. ولم يكن ماأثار فزعه وارتباكه هجومهم المباغت, بقدر مالاحظه من أن قائدهم فى الهجوم لم يكن إلا الأسيرة ذاتها التي أنفق كل الوقت وعرض حياته للخطر من أجل محاولة استخلاصها من بين أيدي مهاجميها. وهي نهاية مباغتة تثير الدهشة, إلا أن النص يدَّخر مفاجأة أكثر إدهاشاً, فما أعاق الراوي عن محاولة الفرار نجاة بنفسه لم يكن سوى الأسوار التى أحاط نفسه به بهدف إخفائه عن أعين الوحوش.
تلك التيمة بذاتها كافية لإمتاع القارىء وإثارة دهشته, لكن النص يملك أفقاً أبعد للتأويل, فما العناصر التى استخدمها الحديثى إلا رموز يقوم كل منها بدور محدد فى الرؤية الفلسفية التى يريد طرحها. وهى رؤية تستعرض مأزق الإنسان الذى يسعى إلى إدراك المطلق, بينما لا يملك سوى عقل قاصر لا يسعه إلا التعامل مع الأشياء المادية الملموسة. تلك هى القضية التى تستحوز على خلفية النص, بيد أن النص يملك أفقاً أقرب, وهو أزمة العقل الحر فى مواجهة الدوجما, والقضية الأخيرة هى ماسنصرف جهدنا لتعرف ملامحها.
يدور النص في بيئة وزمان يمنحان القارىء إيحاء بنشأة الإنسان فى بدائيته, وهي بيئة تحقق عنصرين بالغي الأهمية للدخول إلى النص, فهى أولا تتفق مع قدم القضية التى شغلت الإنسان منذ بدايات تشكل العقل الواعي المدرك خارج ذاته, وتمنحنا من ناحية ثانية التصور الصحيح الذي تمثله الأنثى فى السياق الرمزى الذى استخدمت فيه, فهى مناط الرغبة, ومحل الصراع, لكونها جائزة الذكر الأقوى القادر على الاستحواز, ولكونها حاملة النسل ووسيلة امتداد الأثر, و هي فى النص تقوم بنفس الدور فى السياق الرمزي, فهي الأفق المعرفى المنشود, ويمكن تناولها باعتبارها المطلق, أو الحقيقة, أو الغاية. ومنذ أدرك الإنسان حاجته إلى قوة مطلقة فقد وقعت تلك القوة أسيرة الدوجما, فلم يخل عصر من العصور من محاولة احتكارها, وتوظيفها لمنفعة شخص أو جماعة, بدءاً من الساحر لدى الجماعات البشرية البدائية, مروراً بالكنيسة الكثوليكية فى العصور الوسطى, انتهاء بالجماعات التكفيرية المعاصرة التى تشوه الدين وتوظفه لخدمة السياسة, فالوحوش إذن إنما يمثلون تلك الدوجما, فهم يحيطون بالمطلق كما يحيط الهنود الحمر بضحاياهم, وهى صورة تجسد الدعاية الهوليودية التى درجت على تشويه صورة الهندي الأحمر, لكن يكفينا أنها أدت دورها فى النص وأدت المعنى المنشود.
أما الراوي فهو يجسد صورة الإنسان المتنورالذى وُجدَ مثال له على الأرض فى كل مراحل التاريخ, الإنسان المتنور الذى يسعى لتحرير المطلق بمعنى إطلاق حرية الاعتقاد, والمحاولات التي لجأ إليها الراوي فى سعية لتحرير الأسيرة تمثل تاريخ الجنس البشري فى سعيه لإجلاء فكرة المطلق وتحريرها من أسر محتكريها. ويلاحظ القارىء التدرج فى السعي من اللجوء إلى العقل, ثم إلى القلب, ثم إلى الكلمات التى تمزج العقل بالقلب فى الإنتاج الفكرى الإنساني.
وهو عندما تناول العقل قرنه بالجدران, وهى حقيقة تعبر عن قصور العقل, وعجزه عن تجاوز حدود الماديات, فقد خلق العقل ليعمل من خلال أطر منطقية, ولا يمكنه التجاوز عن طلب البرهان, ولذلك لا تلبث الجدران أن تتهوى فوق الراوي مهددة بكشفه لأعدائه. أما شجرة القلب, وهى الجديرة فى ظنه بأن تحقق مبتغاه, إذ تتفوق على العقل فى قدرتها على الاطمئنان دون دليل مادى ملموس, فهي لا تخلو من مخاطر, إذ لم تلبث أن تحولت إلى هباء منثورا ماأن مرت ريح خفيفة. فبقدر ماللقلب من شغف, وهوى بالجمال والفتنة, فهو فى الوقت ذاته لا يصمد للأعاصير والفتن, وهو متقلب بين الإعراض والإقبال بمنأى عن المنطق, القلب والعقل إذن على طرفي نقيض, يعجز كلاهما عن تحقيق غاية الراوى. فليلجأ إذن إلى الكلمات, والكلمات بما تنتجه من فكر إنسانى يمزج بين وظيفتى العقل والقلب بدت الوسيلة المثلى فى ظن الراوى لتحقيق غايته, ولذلك فقد راح يصنع منها الليلة تلو الليلة سياجاً يخفيه عن أعين الوحوش, لكن الكلمات بدلا من أن تخفيه فقد أسرته, وصرفت ذهنه عن قضيته الأساسية, حتى لقد شوهت المطلق ذاته, فحولته من غاية تبتغى, إلى وحش ينبغى الفرار منه. والرؤية فى الخاتمة تشاؤمية, فهى توحى بأن تراث الفكر الإنسانى بدلاً من أن يحرر الإنسان, ويطلق حرية الفكر والاعتقاد, فقد حوله إلى أسير يرتعد فرقاً محاولا الهروب من ذات الغاية التى كان يسعى إليها.
نص جميل , من كاتب مثقف جميل , يعرف كيف يوظف المعنى والصورة ليحقق لقارئه المتعة على مستويي التلقى , تحياتى لصديقى على الحديثي.
نص القصة
الأسيرة
بغزارة العرق يتصبّب منها، مقلّبة نظراتها بين الوحوش التي كونت حولها حلقة لا باب لها.. أشبه بحلقات هنود الحمر حول ضحاياها، بينما كنت أنا واقفا على مسافة ليست بالبعيدة عنهم وإن لم يروني، مرتقبا اللحظة التي أحاول إنقاذها فيها، اختبأتُ خلف جدران العقل الذي أغراني بعظمته ومتاهاته.. ولكن ما إن وقفت حتى تهاوت فوقي من دون أن استطيع فعل شيء، ولّيت هارباً وأنا بين الخوف من أن يروني والحيرة في البحث عن طريقة لإنقاذها، تنفست الصعداء حينما لاحت لي شجرة تجمع بين الضخامة والكبر والجمال والفتنة، فما راودني شك بأنها شجرة القلب، كانت كافية لأختفي خلفها من دون وجل، وبرغم استتاري الكامل عنهم إلاّ أنني كنت أضم بعضي إلى بعض ولكن ماذا جرى ؟
هبت رياح خفيفة، فإذا بالشجرة هباء منثور، كأنها ورقه يابسة اعتصرتها يد أحدهم، إلى أين اذهب؟ أين المفر؟.. صرت أمامهم، لا يفصلني عنهم شيء، ولولا انشغالهم بأسيرتهم لرأوني لا محالة، أيقنت أنني مرئي بمجرد أن ينتهوا من رقصهم وهرجهم.
- عظيم..
صرخت بصوت كاد يسمع، عندما خطرت في ذهني فكرة أن أبني سياجاً من كلماتي أتوارى خلفه، لم أتباطأ مشمراً عن ثياب الجد ورحت أبني.. أبني.. ليالي تلو ليالٍ، حتى شغلني عن الأسيرة نفسها، ناسياً وأنا في نشوة البناء جدار العقل الذي تهاوى، وشجرة القلب التي صارت في طي الذكريات، فجأة ولما قاربت من الانتهاء وكان سياجاً عظيما لم أشعر إلاّ بالوحوش تتجه نحوي، وما أثار استغرابي أن الذي ترأسهم هي الأسيرة ذاتها.. ارتبكت.. فزعت.. ماذا افعل؟ لم أجد إلاّ أن أسلّم قدمي للريح، ولكن فوجئت بالسياج الذي بنيته قد حال بيني وبين الهروب..



#محسن_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سطوة النص في المجموعة القصصية.. - قرى الملول - للأديب اللبنا ...
- جوهر التآزر الإنسانى فى القصة القصيرة -عروس النهر-. للأديب ا ...
- مخاتلة الحلم في القصة القصيرة جداً بعنوان - شواطىء - للأديب ...
- حضور الغياب في القصة القصيرة - الطائرة الورقية-. للأديب العر ...
- ملامح المنهج العلمي في القصة القصيرة - السبيل - للأديب المصر ...
- رحلة الحياة والموت فى نص محطات متعاقبة للأديب العراقي/ رعد ا ...
- فراشةِ البَوْح. نص يُطوِّع الزمان والمكان. للأديب الفلسطينى/ ...
- سياحة فى الدروب الوعرة لنص - الأدب القبيح- للأديب التونسى/ أ ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن الطوخي - إضمار الفكرة فى تضاعيف الصورة, فى نص - الأسيرة -, للأديب العراقي/ علي الحديثي