هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1411 - 2005 / 12 / 26 - 10:43
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
شغلت الانتخابات العراقية ، ولا زالت تشغل اهتمامات الرأي العام العالمي والعربي والمحلي ، بممارساتها ونتائجها . وعن جدارة انتزع الشعب العراقي ، بمختلف طوائفه وقومياته ، إعجاب العالم عندما توجه نحو صناديق الاقتراع ، للإدلاء بصوته ، بشجاعة نادرة ، وكثافة غير معهودة ، حتى في الكثير من دول العالم المتقدم ، على الرغم من التهديد بالقتل والتفجير ، من قبل السلفيين والوهابيين وبعض أجنحة " المقاومة الشريفة " ، لكل من يحاول الوصول إلى المراكز الانتخابية . إن ما أنجزه العراقيون ، بكل طوائفهم وتوجهاتهم ، عبر عن إيمانهم العميق والمطلق بالوحدة الوطنية ، وتصميمهم المسبق على حسم خياراتهم باتجاه نبذ العنف والطائفية ، والتمسك بالديموقراطية نهجا وممارسة ، لتقرير مصيرهم ، وجعل الورقة والقلم هي الطريق الأفضل والأسلم ، للوصول بأمان ، إلى صناديق الاقتراع وقبة البرلمان ، لصراع الأفكار والقيم والبرامج ، بديلا عن عنف البندقية والرصاصة ، المجربة ، بعدم حلها لمشاكل الشعب الداخلية ، كانت هذه قناعة غالبية الشعب ، حتى الفصائل التي كانت تنحو نهجا مغايرا .. كان هذا التقييم ما أجمع عليه المثقفون والكتاب والمراقبون والمحللون السياسيون ، عراقيون وأجانب ، بكل توجهاتهم السياسية والفكرية والطائفية ، إلا أن البعض اخذ الجانب الإيجابي والظاهر ، وهو إقبال الشعب العراقي على ممارسة حقه في التصويت ، ليعتبر العملية الانتخابية ، ديموقراطية وناجحة ، دون النظر إلى المكونات والعوامل الأخرى المساعدة لنجاح العملية ، والمتمثلة في :ـ
1ـ الحكومة وإجراءاتها المتخذة لتوفير الأمن ، وحيادية أجهزتها الأمنية ، بالوقوف على مسافة واحدة من كل القوى المتنافسة ، على مقاعد المجلس النيابي الجديد ، وحماية المواطنين والمقترعين ، وضمان عدم الاعتداء على حريتهم ، ومراقبة من يحاول تخريب العملية الانتخابية .
2 ـ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، ودورها المتمثل في الإشراف على حسن التنظيم والإعداد لجهازها الإداري ، ولكل ما له علاقة بالناخب والاستمارة وحتى الفرز وتوقيت إعلان النتائج ، إضافة للمراقبة والإشراف على سير الانتخابات ، نزاهتها ومراقبة تنفيذ تعليماتها المبلغة للكيانات السياسية ، بما فيها الوقت المحدد للدعاية .
3 ـ سلوك الكيانات السياسية وممثلو القوائم .
عند تقييم العملية الانتخابية ، بحيادية ودون انحياز طائفي أو قومي ، من الضروري الأخذ بنظر الاعتبار العوامل الثلاثة ، دون تجاهل لبعضها أو اجتزاء جزء منها ، وبدون هذا نكون متعسفين بإصدار الحكم على أن العملية ناجحة أو فاشلة .
الكل يعلم أن الحكومة لم تكن حيادية في موقفها ، فهي طرف في المنافسة ، حكومة ائتلاف طائفي شيعي ـ عنصري كردي ، وما أطلق عليها بوقتها أنها حكومة وحدة وطنية ، تجاوز على الواقع ، وتحميل الكلمات معان لا تحتملها . وعلى ضوء هذا االواقع ، كانت الشرطة وقوات الأمن الأخرى ( حرس وطني وجيش ) وقياداتها خاضعة بالكامل لتوجيهات قياداتها من حكومة الائتلاف ، ولم تستخدم هذه القوات ولاءها الوطني لخدمة كافة القوائم ، بل كانت منحازة ، وهذا ما أثبتته الوقائع ، بعدم حماية المتنافسين ، عندما تم اغتيال عناصر من الحزب الشيوعي والوفاق في مدينة الثورة والعمارة ، وحرق مقري الحزب الشيوعي والوفاق في مدينة الناصرية ، كما قتل رئيس قائمة قومي ، كل هذا حدث دون تدخل من قوات الشرطة والأمن ، علما أن الحكومة هي للشعب العراقي كله وليست لطائفة دون أخرى . فالأمن للجميع لم يكن متوفرا للناخبين ، وخصوصا عند مداخل ومقرات المراكز الانتخابية ، وهذا ما جعل العملية بأسرها ، خاضعة لابتزاز وتزوير كيان واحد أحد معروف . نجاح أي عملية انتخابية في مثل ظرفنا الحالي ، مرهون بفعالية ونشاط قوى الأمن وحيادها، فهل نستطيع القول أن الأمن كان للجميع ؟
أما بالنسبة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، فلم تطبق قانونها وتعليماتها ، فهي أول من خرق القواعد التي رسمتها للآخرين عندما أعلنت أن النتائج لن تعلن قبل الأسبوع الأول من كانون الثاني ، إلا أنها فاجأت الرأي العام العراقي والعالمي ، عندما أعلنت عن أكثر من 80 % من النتائج النهائية ، خصوصا في المنطقة الوسطى والجنوبية ، فماذا يدلل هذا ، إن، لم يكن هذا مساهمة في التزييف والتزوير ، ولمصلحة جهة واحدة معينة ، فما هو التزوير إذن ؟ المفوضية لم تكن مستقلة بدليل الانتماءات السياسية لبعض رموزها المتنفذة في الهيئة ، والتي أثبت الواقع بدلائل مختلفة ، أنها لم تكن حريصة على تنفيذ القواعد التي شرعتها ، هي نفسها ، حرصا على سلامة ونزاهة الانتخابات . لم تعترض على تعليق القرآن عند باب الدخول للمركز الانتخابي ، وكمسلمين يمارس هذا الفعل ضغطا على حرية الناخب . وقد ُمنع الكثير من ممثلي الكيانات المناهضة للقوائم الطائفية من الدخول إلى المراكز الانتخابية ، إلا بعد أن امتلأت الصناديق بأوراق مزورة ، وقد اعترف السيد حسين الشهرستاني ، نائب رئيس الجمعية الوطنية ، والعضو البارز في الائتلاف الطائفي ، حين قال " لاحظنا بعض التجاوزات وحددنا نوعية ووقت التجاوز ، لكن هذا لايعني التشكيك في عمل المفوضية ، وإذا كان هناك تشكيك في صندوق الاقتراع فيمكن الغاؤه " هذا اعتراف خطير ، رغم محاولة تهوين الأمر والتقليل من نتائجه . عندما يتواجد ممثلون لكيان معين بشكل طاغي ، يكون من الصعب مراقبته من قبل الكيانات السياسية الأخرى ، إن وجدوا ، فتجربتي الشخصية ، كان هناك مدخل واحد للدخول وآخر للخروج من المركز الانتخابي الذي صوت فيه مدينة " يوتوبوري " السويدية ، وعندما أنهيت التصويت وتوجهت نحو الباب الثاني المعد للخروج ، التقيت وجها لوجه بعناصر تدخل ، ولما سألت لماذا تدخلون من هنا ؟ أجاب المسؤول إنهم مرضى ، تفرست بوجوههم الملتحية ، كانوا كلهم من الشباب المفتول العضلات ، على الرغم من تسهيلات قدمت للمرضى من باب الدخول الرئيس ، فكم من مثل هؤلاء َصًوت ، وكم مرة بين غاد ورائح .؟
أثبتت الجماهير العراقية الشعبية ، أنها أكثر شعورا بالمسؤولية وحرصا على نجاحها، وأكثر تحضرا ووعيا وحفاظا على قواعد السلوك الاجتماعي ، وتقبلا للممارسة الديموقراطية ، وانضباطا لشروطها ، من بعض الشخصيات وممثلي الكيانات السياسية ، لتقيدها ، بشكل عام بتوجيهات المسؤولين عن العملية الانتخابية ، وعدم خرق قواعدها . أما القادة السياسيين ، من قادة الكتل السياسية والكيانات الطائفية ، فهم على الأغلب من اتصفوا بمستوى جيد من الثقافة والتعليم ، وعلى قدر من التحضر والسلوك المدني ، والبعض منهم من قد أقام ودرس في الخارج واطلع على تجارب الأنظمة الديموقراطية في تلك البلدان ، وربما مارس الكثير من الفعاليات السياسية فيها ، إلا أن واقع الانتخابات أثبت أن البعض منهم كان وراء الكثير من الانتهاكات والخروقات التي حدثت في الكثير من المدن ومراكز التصويت ، في القتل والتحريض عليه ، ودفع البعض للقيام بأعمال مخلة ومؤثرة على سير العملية ديموقراطيا وتزوير إرادة الناخبين ، وخرق حرمة الدستور ـ الذ ي صنعوه ـ وانتهاك مواده ، انتهاك حرمة المواطن وحريته ، وحتى قتله ، أو تهديده بالقتل ، وتهديد عائلته ، والضغط عليه في تغيير قناعاته ، بوسائل شتى ، ودفع بعض ضعاف النفوس ، عن طريق الرشوة والابتزاز على ارتكاب أفعال مخلة بكل القيم والمفاهيم الإنسانية . فمن حرض وزور وزيف وتستر هم القادة ، وليسوا أناسا بسطاء ، فلابد من عقاب قاس ومضاعف ، وإلا كيف يمكن أن تكون الدولة وشكلها ، إذا كان حكامها مزورون ومحرضون على كل جريمة ، بما فيها القتل أو التحريض عليه. أما أن نتستر على مثل هذه الجرائم والانتهاكات ، ونزعم أنها ناجحة ،أو ندعي أنها البداية لممارسة الديموقراطية ولا بد من وقوع مثل هذه الأفعال ، ولابد من تجاهلها .. أقول نعم هذا صحيح يحدث مثل هذا ، ومثل هذا يحدث أيضا ، من ٍقَبل أعداء الحرية والوطن ، ولكن ليس بدون عقاب ، وعقاب رادع وليس بالتساهل والتغاضي ، وليس قبل أن يحرم المستفيد والمنتفع من مثل هذه الخروقات والجرائم ، عملا بالقاعدة الفقهية " من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه " ، كما وليس قبل أن ينال الجاني عقابه ، وتعويض المتضرر .
إن أردنا أن نبني أسسا لمبادئ ومفاهيم ديموقراطية ، علينا أن لا نتجاوز أي خرق قبل أن نحاسب القائمين به وعليه ، لينالوا جزاءهم ، مهما علا مركزهم ، ومهما سما شأنهم ، وبلغ بهم المقام ، فليس هناك أعلا مقاما من الشعب وحريته ، ولن يسمو أحد،فوق سمائه ، وإلا فلن نكون قادرين على تجاوز الفساد والمفسدين مستقبلا ، وسنعود للمربع الذي كنا فيه مع النظام الفاشي ، لنؤسس لفاشية أدهى وأمر ، ولم يكن قد تغيرت فيه سوى الوجوه ، وسيعشعش الفساد من جديد أكثر مما كان وما هو كائن فعلا ، وسيتسع خرق الدستور إن لم يستبدل بغيره ، ويتعطل كل حل على الشعب العراقي ، ولن نكون قادرين على إصلاح من أمرنا شيئا.. مع اعتذاري لكل الديموقراطيين والمنظرين الذي اصطفوا طائفيا مع المزورين والقتلة ، بذريعة أن تجربتنا الديموقراطية وليدة ولا بد أن ترافقها أخطاءها . نعم ، ولكن لا بد من دفع الثمن ، من قبل مشوهي تجربة الشعب العراقي ، فالشعب العراقي جدير بالديموقراطية والعيش بكنفها ، ولكن ليس قبل إدانة مرتكبي الجرائم .
24 كانون أول 2005
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟