أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسنين محمد علي - السريالية.. بودلير أنموذجا














المزيد.....

السريالية.. بودلير أنموذجا


حسنين محمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 5293 - 2016 / 9 / 23 - 19:40
المحور: الادب والفن
    


السريالية: اتجاه في الفن الحديث ويعني الفوق واقعية، نشأ بفرنسا في أوائل العشرينيات من القرن العشرين، وهو تعبير متميز عن أزمة المجتمع الرأسمالي، وتكمن جذوره الفلسفية في النظريات المثالية لفرويد التي لا تعتبر الفن شيئا سوى نتاج ووظيفة للشبقيه الجنسية. وعند السريالية إن مضمون الفن يرتد إلى "حوافز جنسية"، والى غرائز جنسية والى غرائز الخوف من الموت وأيضا من الحياة.

وقد دفعت التناقضات التي تمزق المجتمع الرأسمالي ومشاعر الذعر والعجز في وجه العالم الواقعي الناشئة عن هذه التناقضات دفعت ببعض الفنانين السرياليين إلى تجسيدها في صور تميل إلى إثارة الاحتقار تجاه الواقع والحياة نفسها. ومن هنا كان تركيز الفن السريالي على وصف الكوابيس والهلوسات والحالات المرضية والتشاؤم اليائس، الخ، على النحو الذي تمثله أعمال كتاب مثل ت.س.اليوت، ف.سيلين، وجيمس جويس، وفرانتز كافكا، وبودليير، وسلفادور دالي الخ.

لقد كان العد الأكبر من السرياليين شعراء ومن ثم اختصاصيين في اللغة وكان الشعر يمثل بالنسبة إليهم ما يمثل العلم والفلسفة بالنسبة للآخرين طريق المعرفة. والسريالية في أعمق معانيها طريقة حياة، ونهج يمكننا به أن نتقبل أحاجي الوجود، ونتعلم في حياتنا اليومية التسامي عن العجز والانهزامات والتناقضات والحروب. ولابد في ما يتعلق بطريق المعرفة هذه، التي نعرف بها السريالية من التجديد على تحفظ أساسي يساعد في التمييز بين السريالية وغيرها من طرق المعرفة، وذلك انه لا يجوز في الخلق الشعري أو الفني أن يتدخل الشاعر بوعيه التام، بل عليه أن يتعلم كيف يجعل نفسه بمثابة الصدى، وهذا ما يعرف (التصادي). فلكي يصير الساحر أو الكاهن (أو الرائي كما يسميه رامبو) عليه أن يتعلم كيف يتابع حياته الداخلية او خياله كما لو كان مراقبا لا غير، عليه أن يتعلم كيف يتبع حالات وعيه، كما يراقب أحلامه أثناء النوم. لقد علم فرويد السرياليين أن الإنسان (نائم) في المقام الأول، ولذلك فان على السريالي أن يتعلم الغوص في أحلامه كما فعل اورفيوس حين نزل إلى العالم السفلي ليكتشف كنزه هناك.

وثمة شاعر يمكن أن يعتبر أكثر من غيره جدا للسرياليين هو شارل بودلير، فان مركزه في تاريخ الشعر الحديث يتميز بكونه يتوسط المسافة بين الاتجاهين وتناقضين من اتجاهات هذا الشعر: أولهم النظرية التي تدعى (الفن للفن)، والتي تشدد على استقلال الفن عن أي اهتمام من اهتمامات الإنسان، والثاني النظرية النفعية في الفن التي تؤكد على منفعته وتطبيقه، فقد تفادى بودلير طوال حياته الوقوع في اي من البدعتين، وهذا مهم جدا ورائع الى درجه تجعل موقفه في الفن بموقف القديس توما الاكويني في اللاهوت، إذ تفادى في رسائله عن النعمة الوقوع في اي من البدعتين الممكنتين: القائلة بالحتمية او المصير المكتوب من جهة، والقائلة بحرية الإنسان التامة واستقلاله عن مشيئة الله من جهة ثانية.

وقد أصبح تبشير بودلير باستقلال الخيال مبدأ رئيساً في المذهب السريالي، فقد رأى بودلير أن الأثر الفني هو نتاج الخيال، وهو مع ذلك صحيح وواقعي في الوقت نفسه، ولعل هذه الطريقة المثلى لتعريف الصدق في العمل الفني، فهو في ان يتبع الفنان خياله بأمانة. وقد رأى بودلير زيادة على ذلك، ان نتاج الخيال يتأتى عن نوع حقيقي من الألم. وهو ليس الم الحياة اليومية المؤقت العابر، الناتج عن فقدان الطمأنينة، او عن الحرب والحب، بقدر ما هو العذاب الداخلي العميق الدائمي، الذي نكبته عادة ونخفيه تحت ستار النسيان المقصود. وعلى الشاعر أن يغوص عميقا في ماضيه وفي معاني طفولته، شأن المحلل النفساني، بيد ان مواجهة الذات في ماضيها تتقلب بطوله عظيمة.

وما من كاتب سريالي بلغ ببطولته الحد الذي بلغته بطولة بودلير الخارقة التي هي ابرز مميزات شخصيته، إلا أن السرياليين استخدموا نهج بطولته وطقوسها وقلدوها فقد كان اكتشاف بودلير لذاته في عذابها، وكشفه عنها في كتاباته مثالا نموذجيا. والفنانون الذين اتبعوه، والسرياليون خاصة، كرروا نهجه كأنما هو سر ديني، معتقدين انهم يتمكنون من بلوغ السر إذا ما مارسوا بدقة جميع مظاهره الطقوسية. وكل أدب هو إلى حد ما، تحليل للنفس، وقد بلغ تعمق بودلير في كشفه القائم على التحليل درجة تجاوز معها حدود التذكر الشخصي إلى الكوني. فتلك اللحظة التي يبلغ فيها الشاعر محور ذاته، وبالتالي محور المصير البشري، أن يشارك في وعي العالم ويوجد نقطة تماس بين ذاته والعالم، تلك اللحظة هي اللحظة السريالية العظمى.

ويمكننا أن نجد في نتاج بودلير الأدبي، وفي نتاج الشخص الذي اعتبره أخا روحيا له، اعني ادغار ألن بو، الذي شابهت حياته حياة بودلير، مادة كافية لتحديد منابع السريالية. إن الألم البطولي الفريد الذي كان على الشعراء أن يختبروه قبل أن يتمكنوا من بلوغ ما سميناه اللحظة السريالية، يبدو لنا وقد مر الزمن وازدادت رؤيتنا وضوحا، نوعا من التكفير.

إن فنانا كبودلير، ينتحل معظم شرور الإنسانية ويعكسها في نتاجه، ليحرر الإنسانية من شرورها، فحين نقرأ له (أزهار الشر)، وهي قصائد ندرك موضوعاتها على مستويات مختلفة، نشعر أننا تطهرنا من شر كان فينا، والتطهير بواسطة الفن من أنفس أفكار عالمنا، إنها فكرة ندين بها لأرسطو في كتابه (فن الشعر). هذه النظرية، فسرها السرياليون، الذين اتخذوا بودلير مثالا، تفسيرا جديدا وعنيفا، ذلك أن أسطورة التحليل النفسي أو بالأحرى أسطورة اللاوعي، التي قد تكون طريقة سهلة لوصف الاسطورة التي أوجدها السرياليون وأعادوا خلقها، تكونت في أعقاب الغزوات والحروب والثورات، كطريقة لإيجاد التكامل والوحدة بين الحتمية العلمية والتسامي الشعري. وحين يصل المرء إلى معرفة ذاته (والعلم يعني المعرفة) بعد مشاهدة مأساة مثلا أو قراءة قصيدة أو تأمل لوحة يكون قد عاش تجربة إنسانية وعاش صورتها المجردة المطلقة في آن واحد. لقد أكدت السريالية أكثر مما فعلت الكلاسيكية والرومانطيقية بدرجات على قرابة الفن إلى نوع من التجربة الإنسانية النفسية، وعلى تأثير الفن العلاجي في الروح الإنسانية.



#حسنين_محمد_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأغنية السياسية ودورها في الوعي قديما وحديثا
- التحزب والتنظيم - إلى مكتب محليه النجف للحزب الشيوعي العراقي


المزيد.....




- هل تصدق ان فيلم الرعب يفيد صحتك؟
- العمود الثامن: لجنة الثقافة البرلمانية ونظرية «المادون»
- في الذكرى العشرين للأندلسيات… الصويرة تحلم أن تكون -زرياب ال ...
- أَصْدَاءٌ فِي صَحْرَاءْ
- من أجل قاعة رقص ترامب.. هدم دار السينما التاريخية في البيت ا ...
- شاهد/ذهبية ثالثة لإيران في فنون القتال المختلطة للسيدات
- معرض النيابة العامة الدولي للكتائب بطرابلس يناقش الثقافة كجس ...
- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-
- تمثال من الخبز طوله متران.. فنان يحوّل ظاهرةً على الإنترنت إ ...
- مسك الختام.. أناقة المشاهير في حفل اختتام مهرجان الجونة السي ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسنين محمد علي - السريالية.. بودلير أنموذجا