أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - مفاتح البحث الميتافيزيقي والوجود الالهي















المزيد.....

مفاتح البحث الميتافيزيقي والوجود الالهي


يحيى محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5291 - 2016 / 9 / 21 - 17:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ليست هناك مسألة ميتافيزيقية اهم من المسألة الالهية، ولا هناك قضية ظلت حاضرة في الفكر الفلسفي والانساني اكثر منها. ونعلم ما لهذه المسألة من انعكاسات خطيرة على مبحثي الوجود والقيم وما يترتب على ذلك من اثار على حياة الانسان وسلوكياته.
وبلا شك يعتمد تحديد هذه المسألة المركزية على نوعية مفاتح البحث الابستيمي الميتافيزيقي والتي تختلف حولها المذاهب الفلسفية. واذا اردنا تصنيفها مبدئياً فسنجد ثلاثة انواع لها، هي ما نصطلح عليها بكل من تعليق الحكم والنفي والاثبات.
ونقصد بالاول ذلك الذي يجعل عالم الميتافيزيقا مغلقاً امام البحث المعرفي الابستيمي، كالذي تلتزم به مدرسة الوضعية المنطقية، ومن قبلها المذاهب الشكية القديمة والحديثة مثل شيشرون وسكستوس ومونتاني وشارون.
كما نقصد بالثاني ذلك الذي يعتبر القضايا الميتافيزيقية وهمية تماماً، كالذي تعتقده المذاهب المادية والالحادية عبر التاريخ والى يومنا هذا.
في حين نقصد بالثالث ما هو عكس الثاني، اذ يذهب الى امكانية اثبات القضايا الميتافيزيقية وعلى رأسها المسألة الالهية، كما هو حال المذاهب الفلسفية القديمة واللاهوتية والكثير من المدارس الحديثة.
وينقسم المفتاح الاخير الى مفتاحين فرعيين خاص وعام. ويتميز المفتاح الخاص بأنه موضع التزام مذاهب معينة دون اخرى، اذ تعول على مبادئ معرفية – كمفتاح للبحث الميتافيزيقي – لا تحظى بقبول الجميع. فمثلاً ان الدليل الانطولوجي على وجود الله، كما طرحه القديس انسليم وصاغه ديكارت وغيره، لا يعتبر مقبولاً لدى اغلب مذاهب الفلسفة الالهية او الاثباتية، ومثله دليل الصديقين كما طرحه ابن سينا ومن بعده صدرالمتألهين الشيرازي، فهو قائم على بعض التعريفات والمسلمات التي لا تحظى بقبول اللاهوتيين والكثير من الفلاسفة الاثباتيين. ومثل ذلك ما طرحه اللاهوتيون من دليل الحدوث، اذ لا يحظى هو الاخر بموافقة الفلاسفة، لذلك اشكل عليه فيلسوف قرطبة ابن رشد في (مناهج الأدلة في عقائد الملة).
أما المفتاح العام للاثبات فيتصف بانه قابل للاشتراك العام والموافقة التامة لسهولة ادراكه والاقتناع به لدى الفلاسفة الالهيين. فعلى الاقل انه يقبل التطبيق على الشاهد، وبالتالي يمكن توظيفه في الغائب. وباعتقادنا انه يمكن حصر المبادئ المشتركة لهذا المفتاح بثلاثة اساسية، هي: السببية الانطولوجية ، والمنطق الاحتمالي الاستقرائي، ومبدأ البساطة.. وارى ان اهمها جميعاً هو المنطق الاحتمالي، كالذي سنبرزه في دراسة مستقلة.
ولمفتاح الاثبات اربعة اشكال متفاوتة من المعاني، أهونها ذلك الذي يطمح الى اثبات مبدأ اصلي للوجود يتصف بالعقل اجمالاً، حيث به يفسر وجود سائر الكائنات الممكنة دون ان يدخل في معرفة تفاصيل هذا المبدأ؛ إن كان ذا قدرة وارادة حقيقيتين ام لا؟ وكثيراً ما يلجأ الفيزيائيون الالهيون الى هذا المعنى المجمل مع تفاصيل قليلة مثل استبعادهم للإله الشخصاني. وبالتالي فهو يمثل المعنى الضعيف للاثبات. ويقابله ثلاثة اشكال من المعاني القوية، كلها لا تقف عند حد الاثبات المجمل بل تقرر بعض التفاصيل المتعلقة بالقدرة والارادة الالهية. ويمكن ان نستعرضها كالتالي:
يتميز احد هذه الاشكال بالحتمية الصارمة لنفيه القدرة الالهية جملة وتفصيلاً، فالعلاقة التي تربط بين المبدأ الاول وصادراته الوجودية تخضع لاحوال صارمة كما تتمثل بقوانين العلة والمعلول، حيث يكون المبدأ الاول علة ما دونه من الموجودات. فرغم انه اكمل منها رتبة، لكنه يخضع مثلها تحت سلطة هذه القوانين. وابرز من يعبر عن هذا الشكل هو الفلاسفة القدماء ومن على شاكلتهم.
أما ثاني هذه الاشكال فهو على عكس ما سبق، حيث يتميز باثبات الارادة المطلقة والقدرة التامة على خلق الاشياء من العدم الصرف بلا استثناء، كالذي يسعى اليه اللاهوتيون من مختلف الديانات السماوية عادة.
في حين يتصف الشكل الثالث بالتوسط بين الشكلين السابقين. فرغم انه يعمل على اثبات القدرة والارادة الالهية المتعلقة بظواهر العالم وصوره، لكنه يستثني من ذلك المادة الاصلية التي يُجرى عليها الخلق والصنع والتكوين. وبالتالي يتخذ هذا الشكل طريقاً وسطاً بين مقالة الحتمية الصارمة من جهة، ومقالة القدرة المطلقة على خلق الاشياء من العدم الصرف من جهة ثانية.
هكذا يمكن تصنيف الاشكال الاربعة السابقة الى شكلين اساسيين من معاني الاثبات: ضعيف وقوي. ويتضمن الاخير ثلاثة اشكال مختلفة تقف قبال المعنى الضعيف، فهي تتضمن زيادة في درجات الاثبات مما يجعلها قوية رغم التفاوت فيما بينها، فبعضها يتصف بتمام القوة في المعنى الاثباتي، فيما يتصف البعض الاخر بالتوسط.
وبعبارة ثانية، ان لدينا معان مختلفة في درجات الاثبات: ضعيف وقوي ومتوسط. وليس لهذه الاشكال علاقة بقيمة الادلة المطروحة، فسواء كانت ادلة صحيحة او زائفة، او كانت ممكنة او ممتنعة، فذلك لا يقف حائلاً دون تصنيفها بالشكل المعروض وفقاً لدرجات الاثبات. فالمعنى الضعيف يتصف بانه اسهل اشكال الاثبات مقارنة بغيره، وكلما زاد المعنى قوة كلما دلّ على كونه اكثر ايغالاً او صعوبة، فالضعف والقوة لهما علاقة بدرجات الاثبات دون قيمته.
وعليه يعد الشكل الاول (الضعيف) أهونها، وذلك باعتباره يمثل المعنى المجمل للاثبات من دون تفاصيل.
في حين يتصف الشكل القائل بالقدرة والارادة المطلقتين بأقواها وأصعبها جميعاً. فالسمة التي يتميز بها هذا المعنى هو الخلق من العدم المحض، خلافاً لسائر الاشكال الاخرى، لذلك كان أقواها درجة وأشدها إشكالاً، فهو يبسط القدرة والارادة على خلق كل شيء؛ مادة وصورة، فالعالم باعراضه وجوهره مخلوق لله بلا استثناء.
ويقابل هذا المعنى ذلك الذي يحيل القدرة والارادة كلياً، كالذي يصوره الفلاسفة القدماء. حيث يثبتون واجباً للوجود مع الاعتراف بواجبية غيره ايضاً، وان كان بالعرض لا بالذات، فهما يشكلان علة ومعولاً، وهما بهذا النحو موجودان ازلاً وابداً على حد سواء، ورغم ان العلة هي الاصل في وجود المعلول، لكنها تفتقر الى معان القدرة والارادة الحقيقيتين وفق هذه العلاقة الحتمية، ومن ثم لا مجال للفعل والخلق اطلاقاً.
ويقف بين المعنيين السابقين شكل متوسط هو ذلك الذي يتمسك بالقدرة والارادة المحددتين بخلق ظواهر العالم وصوره دون ان يمتد الى مادته الاصلية. فبحسب هذا المعنى يعتبر العالم بكل كائناته مخلوقاً للمبدأ الاول باستثناء المادة الاصلية التي يجري عليها الخلق والتصوير دون ان تكون محلاً للخلق ذاته، وبالتالي فالارادة الالهية لا تتعلق بها، كالحال الذي يصفه التصور الارسطي في علاقة واجب الوجود بالمادة القديمة؛ التي يعمل على تحريكها واخراج صورها الممكنة باستمرار، ازلاً وابداً. لكن التصور الاخير لا يتجاوز المعنى الحتمي الانف الذكر، فهو لا يطمح الى اثبات الارادة الالهية وقدرتها، بل يكتفي بجعل العلاقة بين واجب الوجود والعالم لا تتعدى الصورة الحتمية لارتباط العلة بالمعلول.
ومن الواضح انه ليس للشكل المتوسط الانف الذكر شهرة مقارنة بالمعنيين الاخرين من المعاني القوية. واحياناً نجد مفارقات لدى بعض المحاولات التي تستند الى المعنى القوي للاثبات رغم انها تتقيد ضمن حدود المعنى المتوسط، كالذي يظهر لدى عدد من اللاهوتيين الكلاميين، وعلى رأسهم ابو القاسم البلخي المعتزلي (المتوفى سنة 319هـ)، فهو يعتقد بأن الأجسام مخلوقة من طبائع لا يمكن تغييرها بعد أن خلقها الله كما هي عليه .
ومنطقياً ان فتح عالم الميتافيزيقا لا يحتاج الى اكثر من الكشف عن صدقية المعنى الضعيف للاثبات. ولو تحقق ذلك لكان انتصاراً للمذاهب الميتافيزيقية الالهية على غيرها. وقد كانت هذه القضية هي محطة النظر الفيزيائي كما اوليناها اهمية لدى بعض الدراسات المستقلة.



#يحيى_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الانفجار العظيم والشكوك حولها (1)
- المنبع الفكري للكراهية الدينية وسبيل التحرر
- ميتافيزيا المفردة الكونية
- السببية الاعتقادية وقضايا المعرفة
- شعب (ما عدا مما بدا)
- علم الطريقة وقلب التفكير المذهبي إلى المنهجي
- ترسندالية المكان والزمان
- التجربة والقبليات الكانتية
- الحدس الكانتي وروابطه القبلية
- فلسفة الشر ونظرية عجز المادة الأصلية
- مدخل الى (نقد العقل المحض)
- كتاب الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية في سطور
- علم الطريقة في سطور
- قواعد علم الطريقة
- مفاهيم علم الطريقة
- السببية والزمن الفيزيائي
- ما هو قبلي هنا بعدي هناك وبالعكس
- الأساس الإسطوري لعقدة أوديب
- الخواطر والإبداع
- نظرية دوركايم والعقل الجمعي


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - مفاتح البحث الميتافيزيقي والوجود الالهي