أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الشيخ إياد الركابي - خرافة عالم البرزخ















المزيد.....

خرافة عالم البرزخ


الشيخ إياد الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 5284 - 2016 / 9 / 13 - 23:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    





من أين تأتي الخرافة في الذهن والإعتقاد ؟ ،
تنشأ الخرافة : من النقص في المعلومة ومن التزويد الخاطئ للمقولات ومن التدليس وعدم الكشف عن الحقيقة ومن الإبتعاد عن قواعد العلم والمنطق ، من هنا تأتي الخرافة و تنشأ ويشتد عودها وتقوى ، خاصةً في ظل وجود المروجين لها والناشرين ، ومن بين هذه الخرافات القول بأن - البرزخ - هو عالم مستقل بذاته ، أي إنه العالم الذي يتوسط بين عالم الدنيا وعالم الآخرة ، وقد روج لهذه الخرافة رجال دين ووعاظ وكتب صفراء نجدها هنا وهناك ، بحيث جعلوه عقيدة وإيمان مستحدثين في الذهن فكرة العوالم الخمسة التي يمر بها المرء ،
مع إن - البرزخ – في حقيقته هو : - لفظ دال على معنى الحاجز أو الفاصل بين : [ شيئين متساويين في الماهية ، مختلفين في الطبيعة ] -
، وهذا التعريف الذي إشتققناه من الكتاب المجيد لمعنى البرزخ هو بيان حال لمعنى - الحاجز - الذي يمنع الإختلاط أو الإمتزاج للشيء ذي الماهية الواحدة وذي الطبيعة المختلفة ، وتعريفنا المتقدم لمعنى البرزخ لا يختلف عن معنى التعريف المعجمي الذي ورد في المقاييس وفي لسان العرب ، و تعريفنا هذا مستنده لغة العرب ومادل عليه الكتاب المجيد في قوله تعالى :﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ*بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾ - الرحمن 19 ، 20 .

والبرزخ في النص : - إنما يتحدث عن الحاجز الذي يفصل بين الشيئيين المتساويين في الماهية والمختلفين في الطبيعة - وليس عن عالم مستقل بذاته ، ومادة التساوي والإختلاف المذكورة في التعريف أعلاه قد بينها الكتاب المجيد بقوله : ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا﴾ - الفرقان 53 .

النص يتحدث عن الماهية الواحدة والتي مادتها قد وردت في لفظ الماء ، و الذي هو واحد في البحرين من جهة الماهية ، ولكن يصعُب الإختلاط أوالإمتزاج بينهما بسبب الإختلاف في الطبيعة ، وقد بيّن الله ذلك بقوله : - هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج - في إشارة للتباين في طبيعتهما ، وهذا البيان وهذا التحديد جعل من لفظ - البرزخ – إنما جيء به للدلالة على الفصل بين هاتين الطبيعتين المختلفين ،
و معلوم في اللسان العربي إن الكتاب المجيد يُمنع فيه الترادف اللفظي ، واللفظ فيه إنما يوضع للمعنى المُراد منه على وجه الخصوص و دون غيره ، ولهذا لم يستخدم الكتاب لفظ - الحجاب - هنا ، مع إنه يعني الحاجز أيضاً ، والسبب في عدم الإستخدام لكون الحجاب يكون في وحدة الطبيعة ، على عكس – البرزخ – الذي يكون مع إختلاف الطبيعة ، والفعل في - البرزخ - يكون فصلاً في الطبيعة وليس لمجرد الفصل والحجز .

قال تعالى : ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ - المؤمنون 100 .

والخطاب والتمني في لسان النص حكاية عن حال الميت ، الذي يتحدث عنه النص في اللامباشر أو قل إنه يبين لنا فيه : - إشتراك عالمي الدنيا والآخرة في الماهية ووحدتهما -
، ولكنهما مختلفين في الطبيعة ولهذا أستخدم مادة - البرزخ - للفصل بينهما مما يمنع إختلاطهما أو إمتزاجهما ، ويمنع من خلالها نقل أو تلقي المعلومات بينهما ،وهذا يجرنا للقول : - بإن الإنسان حين يموت ينقطع عن عالم الدنيا ويعيش عالمه الخاص به - ، ولا يكون بل ولا يصح بين الأحياء والأموات التواصل والإتصال أو تبادل الأعمال و الأفعال .

ويقودنا ذلك للقول : - لا يصح القضاء عن الميت في باب العبادات والمعاملات - ، فلا تصح الصلاة عن الميت قضاءً ، وكذا لا يصح عنه الصوم ولا يصح الحج ولا سائر الأعمال والعبادات ، وأما ما يُقوله بعض المتفقهة : في هذا الشأن فهو ليس صحيحاً ، لأنه مجرد كلام وترغيب لا أصل له ولا موضوع ، ودليلنا على ذلك قوله تعالى : - كل أمرئ بما كسب رهين - أي إن المرء المعين هو المتعلق به الثواب أو العقاب ، ولا يصح تحميل الأخرين تبعات الغير من أعمال ووظائف ، ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : - كل نفس بما كسبت رهينة - ،
وقد دل على ذلك ماورد في الأثر عن مولانا علي عليه السلام في قوله : - اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل – ، ويعني ذلك بطلان القول الدارج : - بأن أعمال العباد في الدنيا تصحح لأهل الأخرة - .

وأما مايقوم به العباد من أعمال وأفعال رجاء المثوبة والمطلوبية لجهة الموتى فهي لهم ، أي هي لمن يقومون بها من الأحياء ينتفعون بها دون الأموات ، وفي هذا الشأن لا بد من تصحيح الخطأ الذي وقع فيه كثيرون ، حول مفهوم - الشفاعة من الموتى والتوسل بهم وقراءة الفاتحة لهم - .

إذ الشفاعة لا تصح من الموتى لغيرهم من الأموات ، وإنما - العمل الصالح - هو شفيع المرء عند الله ، والله هو صاحب الحكم في قبوله ورده ، وكذا التوسل لا يصح بالموتى ولا طلب النجدة والنصرة منهم ، كما لا يصح قراءة سورة الفاتحة لهم لأنها تخص الأحياء في خطابها ودعائها ،
وكما قلنا إن النص المتقدم في سورة المؤمنون ، هو حكاية بلسان حال الميت الذي يتمنى ويطلب العود إلى عالم الدنيا ، لكي يصحح من أخطائه ويعمل صالحاً ، لكن النص يقول : - إن ذلك مجرد أمنية وما يمنع من تحقيق ذلك هو هذا الشيء الذي سماه – البرزخ - ، قال : - من ورائهم - وفعل - وراء – هنا ليس بمعنى أمام ، ولا يفيد الضد في هذا النص كما توهم بعض من اللغويين ، إنما هو فعل يُراد منه الخلف بدليل خطاب الميت وليس الحي ، فيكون – البرزخ – في هذا النص بمعنى الميت وليس أمامه ، يحجزه ويفصله من الرجوع إلى عالم الدنيا ، .

ونعود لنقول إن صيغة - البرزخ - الواردة في لسان النص لا تعني أبداً ، عالماً خاصاً مستقلاً بذاته ، بل تعني الحاجز الذي يفصل بين شيئيين مختلفين بالطبيعة متماهيين أو متساويين في الماهية وهو - فصل إقتضاء – وقد دلت على ذلك الآية 61 من سورة النمل ( أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .

وأما ما يُقال عن إن - البرزخ - هو عالم يعيشه المرء بعد وفاته ، فهو قول غير صحيح بل إنه مجرد وهم وخرافة كما قلنا ، وقد تسلل إلى أفكارنا وأذهاننا عبر أخبار ومرويات غير صحيحة ومخالفة لكتاب الله المجيد .

ولا يظهر في معنى - البرزخ - ما يدل على إستقلاليته في كتاب الله أو إنه عالم مستقل بذاته ، يمكن أن يعيشه الإنسان ويبقى فيه بعد مماته إلى قيام الساعة ، لأن ماورد في هذا الشأن بلسان الأخبار وما يُحكى عنه فمستنده ضعيف ولا يُعتد به ولا يصمد أمام النقد والتحليل ، وقد فصلنا القول في ذلك حين بحثنا حجية الأخبار والروايات وهل هي دليل مستقل في إستنباط الأحكام الشرعية ؟ ولا نُعيد .

وأما القول : بإن - البرزخ - هو العالم الذي يعيشه الإنسان في القبر إلى يوم القيامة !! ، فهوأيضاً قول مردود : - لتعارضه مع مفهوم القيامة ومعناه ، - ، فالقيامة : - في لسان النص هي الشيء الذي يحصل للإنسان مباشرةً بعد الموت - ، و أما - يوم القيامة – فهو مفهوم نسبي مُركب من - يوم وقيامة - ، ولفظ يوم فيه ورد مُنكراً وهو بذلك لا يدل على الحصر والتعيين بيوم معين ، وإنما هو إشارة لمطلق معنى - يوم - الذي يلاقي فيه الإنسان ربه بعد الموت ، وهو مفهوم تقريبي أو قل هو وسيلة إيضاح لمعنى الحساب بعد الموت .

وأما فكرة : - الإنتظار أو حالة الإنتظار - التي يعيشها الإنسان في القبر بعد الموت وإلى قيام الساعة ، فهي فكرة مردودة لأنها تتعارض وصريح الكتاب المجيد ، وكما قلنا : إن إلفاظ الكتاب المجيد دالة على معانيها المحددة بدقة و لا تتعدآها إلى غيرها ، ونفهم ذلك من جهة الخطاب والدلالة والوضع .

وأما معنى : - نهاية الكون - وإرتباطه بقيام الساعة فلا أصل له عندنا ، والصحيح ما ورد في لسان النص بإن - نهاية الكون - هو تعبير يُقصد منه بحسب وجود الكائن الحي ، وحين يُفارق هذا الكائن الحي هذا الوجود يكون ذلك بمثابة - نهاية للكون – بالنسبة له ، أي إن نهاية كل كائن حي عن عالم دنيا الوجود هي - نهاية للكون - بالنسبة له ، ولا فرق في ذلك المعنى بالنسبة للفرد أو للجماعة ، إذ المقصود : - هو إنقضاء أجل الكائن الحي الفرد أو الجماعة عن دنيا الوجود - ، هذا الإنقضاء هو - نهاية للكون - بالنسبة لهم ، ونهاية الكون بالنسبة لهم هو قيام للساعة أو هو يوم القيامة .

وبناءاً على ذلك لا يجوز ألبتة : - إعتبار القبر مكاناً للجنة والنار ، ولا يصح الإيمان بمقولة ( ضغط القبر ) كما ورد ذلك في بعض الأخبار ، والتعبير الوارد في هذا الشأن لا يخلو من الترغيب والترهيب ، ذلك لأن البدن تفارقه الروح بعد الموت ، والروح هي مركز الإحساس بالألم وبالسعادة ، وهذا متفق عليه بين العلماء وبأن الروح لها عالمها الخاص بها ، ومعلوم بالضرورة إن متعلق - الثواب والعقاب - مرتبط بروح الإنسان وليس بجسده ، والقبر : هو ليس إلاَّ محلاً للجسد وليس للروح ، والموت كمفهوم وكفلسفة يتعلق بالروح التي هي الطاقة التي تحرك الجسد ، والجسد : هو مجرد وعاء ، وأما القول : - بعودة الروح إلى الجسد عند الحساب - !! ، فهو قول تقريبي متعلق بمادة الشعور والإحساس في العقل ، والكلام هنا ليس من باب الدقة العلمية ، إنما من باب المجاز ، والأمر كما ورد عن الشيخ الرئيس : هو تصور مصاديق نسبية وقد جعل الله النوم بمثابة الموت ، وما يستشعره المرء في النوم من أحلام ورؤى ، هي الصورة عن المصاديق التالية بإعتبار ما يكون لاحقاً ، والحق إن الإيمان بالبرزخ يجب أن لا يتعدى المفهوم في الكتاب المجيد ، وأما ما نُسج حوله من قصص وأخبار فهي من باب الخرافة التي تزدهر مع غياب العلم والتحقيق ..

آية الله الشيخ إياد الركابي



#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الخلل المفاهيمي في لغة النص : - القلب ، الفؤاد ، العقل .. ...
- في معنى قوله تعالى : [ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن ...
- إشكالية الحكم في الإسلام
- تحرير العقل المسلم
- الإسلام والتشيع جدل اللفظ والمعنى
- السنٌة والشيعة ... إشكالية المفهوم والدلالة


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الشيخ إياد الركابي - خرافة عالم البرزخ