أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - داءُ العِشق ..















المزيد.....

داءُ العِشق ..


محمد البورقادي

الحوار المتمدن-العدد: 5281 - 2016 / 9 / 11 - 21:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نظرت إلى أمراض القلوب فلم أجد لها بعد الشرك أدهى وأمر من العشق وكفى به صارفا لها عن كل خير وداسا لها في كل شر ..والعشق كما سبق في علمكم هو غلو في الحب وهو منتهى الولع بشخص ما ..ونظرت في سببه فوجدت أنه مثوى القلوب الفارغة والنفوس الهشة التي لم تتخذ من حب الرحمان مانعا وحصنا ..فكان خلوها منه وابتعادها عنه مجلبة لها لكل هم وحزن وغم ونكد وكمد ..وصدق من قال :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
إن المرء ذكرا كان أم أنثى يحب أن يكون مرغوبا فيه محببا لغيره ممدوحا من الناس .. وهذه الشهوة هي ما تؤزه أزا لكي ينظر أي الطرق أقصر لتلبيتها فلا يكاد يستريح حتى يثقف من يناوله مراده ويشعره بحبه له ..والأنثى أشد توقا لأن تحب وتعشق ويرغب فيها من الذكر.. حتى أنه إن أردت أن ترضي امرأة عنك فأكثر من مدحها والتغزل في محاسنها تأتيك راغمة حتى وإن كانت ليست بك مغرمة .. والطبع يعشق المدح على الدوام والنفس تلتذ به ويزيدها غرورا ويبعث فيها الإثارة ومن ثم كانت دائمة البحث عن من يحبها ليمدحها ويتغنى بمحاسنها..
ولعل الذكر ليس كالأنثى إذا ما تعلق الأمر بالحاجة إلى المدح والحب ..فالأنثى تكون أحوج ما تكون لذلك أكثر من الذكر لطبيعة تركيبها ولغلبة الضعف والاحتياج عليها ولرهافة أحاسيسها ورقة مشاعرها ..ولما كان ذلك كذلك كان بحثها عن " الحب " أكثر من بحث الذكر عنه ..وعلى قدر الأهبة والاحتياج له تعظم مرارة فقدانه إن حصل ووجد..
فالأنثى قد لا يكفيها حنان أبويها وعطف إخوتها عليها ولا يسد ذلك عنها حاجاتها العاطفية الملحة فلا يكون منها إلا أن تبادر في التنقيب عن حب آخر أكثر اتقادا ورعونة وأكثر تمنُّعا وتحديا ..وملهبا أكثر لمشاعرها ومنعشا أكثر لرغباتها ..إذ إن الانسان لا يسترعيه ما يملك ولا يشد انتباهه بقدر ما يشد انتباهه ما لا يملك ..ولا يستحب ما عنده وإن كان ما عنده يغنيه عما يبحث عنه فيحس بافتقاره لما هو بعيد عنه فيسرع للظفر به ..بل حتى لو علم أن ما يجري وراءه لن يعود منه بنفع بقدر ما يحصل له الضرر فسيرمي بنفسه إليه مع ذلك ولا يدفعه إلى ذلك إلا فضول المعرفة وحب التجربة وشوق النفس للنهل من كل جديد..
والإنسان في بحثه عن من يثري عواطفه لا يكاد يستريح حتى يسقط في شرك العشق وما أدراك ما شركه ! .. ظنه الباحث عنه روضة فوجده حفرة من حفر النيران.. وقد أحسن من قال :
تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق
وقال آخر :
الحب أول ما يكون لجاجة يأتي بها وتسوقه الأقدار
حتى إذا خاض الفتى لجج الهوى جاءت أمور لا تطاق كبار
ومثال ذلك ما حدثتني به فتاة علمت منها أن حدث أن كان لها عشيق أصغر منها سنا كانت قد أغرمت به لشدة لباقته وحنانه (على حد زعمها ) ..التقيا في الأول صدفة ثم تطورت علاقتهما وطغى الإلف عليها إلى أن شغفها حبا واستحوذ طيفه على فؤاذها فأنساها كل شيء إلا خياله وغاب عن خاطرها كل شيء إلا صورته وذكرياته ..متى ما افترقت معه أصابتها الوحشة وأظلم وجهها بعد شروقه وهو معه ..كان مراده منها أن يقضي وطره فمهد لذلك كل السبل بدءا بلين الكلام والإطراء ثم الوعد بإكمال حياته معها بالزواج إن تيسر الأمر في القادم من الأيام..وهذا منال كل أنثى ومبتغى كل من ساقها وجع الحب إلى تصديق من أحبته والتسليم له ..وهذا هو الحب يعمي عن الحقيقة ويُحوّرُ الكذب صدقا ويحجب المساوئ ويضخم المحاسن ويسكر بدون مسكر ..ويسري على قبائح الحبيب كما يسري الظل في الماء لا يشعر به ..ويكثم الأسرار.. ويلجم الفم أن ينطق بما لا يهواه الحبيب ويُصيِّر عتاب الحبيب مدحا وبطشه عطفا وغضبه غيرة ..فلما حصل مراده نكص على عقبيه وولى مدبرا ولم يعقب ومر كأن لم يعرفها قط.. فما كان من المسكينة إلا أن فطر قلبها شوقا إليه وابيضت عيناها من الحزن عليه وهي تقول "لقد أصبح عندي البكاء أمر عادي كالأكل والشراب "..
..وذهب عنها النوم لدرجة غدا معها ليلها نهارا لا حظ لسكينة بدنها فيه.. وكيف يسكن من بدنه يغلي وقلبه يضطرب في أحشائه وكبده يتلوى من شدة القهر والغلبة ونفسه قلقة ضيقة كأنها تتنفس من سُمِّ الخياط وكأنها عصفور يغلي على النار وكزيت متقدة تخرج نفثها بالتنهيد والتأوه كلما ازداد غليانها ...وتقول بأنها خست كثيرا ونحل جسمها وقلت شهيتها وزاد انعزالها بعد أن كانت تستحب الاجتماع ..وهي تموت غما يوما بعد يوم من فرط الاشتياق وهي على هاته الحال من وقت الافتراق.. وفقدت طعم الحياة بعد أن كانت مقبلة عليها.. وتقول بأنها لو ماتت قبل أن يقع ذلك لها وصارت نسيا منسيا لكان خيرا لها.. وقد وفق من قال :

فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم ويبكي إن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عند الفراق وتسخن عينه عند التلاقي

وذهبت عنها تلك النظرة البريئة للحياة التي تؤز السرور في النفس وتحت على الإقبال عليها واستبدلتها بأخرى أكثر سوداوية استحال معها العالم بمتعه وملذاته إلى جحيم لا يطاق ..وأصبحت تستثقل أمورا كانت تستخفها بالأمس القريب .وضاقت عليها الدنيا بما رحبت بعد أن زجت نفسها في هذا السجن الكئيب ..وقالت لي بأنها سائلت الانتحار أكثر من مرة كحل للخروج من كمدها لكن لم تملك الشجاعة الكافية للإقدام عليه ..ورغم أن نفسها يئست من استرجاع حبيبها إلا أنها ما زالت تمني النفس بأن يعود لها كما كان منذ البداية.. وقد وفق من قال :
وأنت خلي البال تلهو وتلعب ملكت فؤادي بالقطيعة والجفا
وكيف يعود من يكسب عزه بإذلال الفتيات ويشتري شموخه وكبرياءه بتحطيم قلوبهن ويستلذ بظلم الناس.. وحتى لو عاد له ضميره و أيقضه لفعل الصواب وحمله وازع الشفقة على تجديد الإقبال ودق باب الحلال.. فكيف سيكون حاله وعيشه مع من أذلت نفسها في سبيله ! وأحطت من كرامتها لكسب وده وأحبته حتى عكر عشقه لها صفاء حياتها ! لو قدر أن أيقضه وعيه وسارع للاستدراك قبل الفوات لن يكون ذلك عن حب منه لها ولكن سيكون حتما عن شفقة وشتان شتان بين المعنيين ..فمن أحب رعى وراعى وأعز من أحبه أما من أشفق فلا يبالي أي فعل يأتيه وأي قول يقوله بل لا يحمله على كلاهما إلا الإشفاق والرحمة فتستحيل الحياة الزوجية بذلك إلى سيد وأمة عوض سيد وسيدة..
وقس على هذه القصة قصصا كثيرة أخرى قد تماثلها أو تختلف عنها.. حبكتها نفوس العشاق الشاغرة بكل حب إلا من حب الله..
ومرادي من ذكر القصة هو لفت الإنتباه لما يعتمل في قلب ونفس وكبد العاشق من فرط عشقه ..والالتفات لما هو مضمر في خواطره من غم وكمد جراء توارد أطياف معشوقه عليه ضف لذلك ما يعتريه من ضمور في البدن وما ينتابه من فساد في العقل.. وكل ذلك فيه ما فيه من المفسدة والتدسية التي لا ينبغي لعاقل أن يهوي بنفسه إليها ..نسأل من العزيز الحكيم أن يقينا من شرور العشق وويلات التعلق بغيره وأن يرشدنا بحكمته وهدايته إلى محبته التي تسعد بها القلوب وتأنس بها الأنفس .. "انظر مقال لاحق بعنوان : دواء العشق "



#محمد_البورقادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذَمُّ الإسراف في الافتتان بجمال النساء ..
- أشياء لا تُشترى ولا تُقَدَّر بثمن..
- من هم خُدَّامُ الدولة وخَوَنَة الشّعب ؟!
- أصناف الرجال ومواقفهم من الزواج..
- عواقب الإنقياد الأعمى لشهوة الجنس ..
- مُنغِّصَات ونَوائِب الحبّ ..
- نداءٌ إلى من انتهكوا حُرْمةَ المساجد !
- التلفزة المغربية وصناعة التَّفاهَة..
- يا أيها الإنسان ما أَضْعَفَكَ ..!
- التطرف الديني : شروط الإنتاج
- تخليق الفكر كسبيل لبناء المواطن المُعَوْلَم..
- أزمة الحداثة المُعَوْلَمة ..
- السلطة القمعية عند ميشيل فوكو وميشيل كروزيه
- السلوك الجمعي وشروط إحداث الثورة..
- السلطة والعنف : أي علاقة !
- السلطة القمعية وشروط بناء الفرد الخاضِع والمُنمَّط..
- العولمة كسيرورة إنتاج لسياسات الطرد والإقصاء الاجتماعي ..
- واقع الفرد في ظل هيمنة العولمة والسلطة..
- جون جاك روسو وشروط تشكيل العقد الاجتماعي..
- نصائح للشباب: الإكثار من فعل الخير..


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - داءُ العِشق ..