أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - مرسيل خليفة - البطل لا يموت














المزيد.....

البطل لا يموت


مرسيل خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 5277 - 2016 / 9 / 6 - 09:27
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    



كان جورج أقرب إلى الرقّة، وحيرة مندهشة بالقلق يقف بين ناري الشك واليقين. أول ما تعرفت عليه كان في أوائل أيلول بباريس عندما سافرت هربًا من وحشيّة صارخة حيث انتصرت الميليشيات والدولة المحلولة على طفولة زاهرة.
اقتلعت من الخبز الساخن لأزَج في المجهول. جاء جورج من بيروت للمشاركة في احتفالات صحيفة الانسانية 1›humanité، وكنت في صدد إصدار اسطوانتي الأولى حيث عالجت البكاء بالغناء وكانت الفتنة وجرح المنفى والحرب يتحققان وأقنع نفسي بجدوى هذا العبث الجميل.
باب الخريف في تلك السنة انفتح على "وعود من العاصفة" وهناك دائمًا رائحة ضوء مجهولة مليئة بالعزاء في مكان بعيد. وكان جورج لا يزال يتأمل وكنت شابًا مراهقًا مرتجفًا في دوَّامة الحرب الضروس، أتمسك بالنور وكل شيء معتّم واقاوم الإعصار بوتر العود. مدّ يده لي من فوق حقيقة هذا العالم المجرمة وكان مؤمنًا بالحب، مشمولًا بالحب ولو لم يكن مناضلًا لكان حبيسًا في دير.
عاش وحيدًا مع انه لم يكن يفتقر إلى المعجبات، والمغرمات يحمن حوله. إلا أن أحدًا لم يمنحه السند المريح واليد الرقيقة وخاصة بعدما ترك عائلته الميسورة وذهب إلى حلمه في تغيير العالم. كان جورج يتميّز بفكره الثاقب وذاكرته الغنيّة وبالجرأة في التعبير عن أفكاره وقناعاته.
ليتك بقيت يا جورج لتنقلنا كما كنت تفعل دائمًا الى كوكب آخر لا يزال فيه العشب أخضر والماء ماء والأحلام أحلامًا... ولو خابت. يا ليت هذه الدنيا تحرز يا جورج. لقد خنقتك التفاهة والوحشيّة والضجر وكذلك الضيق والضجّة. أمكنة دبقة قذرة ومهسترة لم يعد من الممكن العيش فيها مع الحياة.
لا صيف ولا شتاء ولا ربيع ولا خريف يكفينا لنحلم ونغني. تركت لنا الصدى الأبدي في حبر كلامك ورحلت. غياب راكض بين ظلال صورتك يشدني لأهمس لك: ما اجملك. غيمة الألوان سالت داخل الصورة بريشة حلمك وكلما كانت تضيق بنا الارض كنت توسعها بجناحك.
سنمشي الى ذلك الزمن كي نتنفّس. هل تعود غدًا؟ ما هذا الحنين الذي لا يفسّر؟ سأحذر هذا الحنين. لن اتركه يلتف عليّ.
ثمّة حب ينتظرك دومًا ولا شيء يثبت هذا الحب غير هذه الكلمات المبعثرة ورضوخي السريع لرغبة الصديق بيار ابي صعب: اكتب لنا من فضلك نصًا وداعيًا يليق بالبطل.
أتذكر يا جورج عندما سافرنا سويّة على متن طائرة تحلّق على علوّ 33 ألف قدم الى تشيكوسلوفاكيا في رحلة استثنائيّة ولم تهدأ طوال الرحلة تقوم من مقعدك لتمشي ثمّ تعود لتحكي عن الثورة التي ستنجح في المستقبل هي التي ستعيد الى البشر الضحك على مدى صوته، هي التي ستعيد الى المجتمع العيد والاحتفال وهي التي ستحمل ــ في ما ستحمل ــ الحب الى العرش لأنه نور الخبز وخمره. نعم يا جورج بلا خمر لا يؤكل الخبز. الخبز ناشف بلا خمر. الخبز يابس بلا فرح الخمر وصوفيّة نشوته.
وكم شربنا في تلك الرحلة حتى انتشينا. كاسك يا رفيق! اتسع اليوم الشعور بالفراغ. الأمل نام قليلًا. هل نام استعدادًا للنهوض من جديد.
الله واحد. الحزب واحد. الحاكم واحد. اللا شيء واحد. الصفر واحد. وانت كالكثرة. سنحاول ان لا نكون "واحد" لنواجه الواقع وحتى لا تصرعنا الخيبة. لنا الحب يا جورج وليس لنا غيره. عد بإيمان الشباب الذين ينتظرونك من كل تلك الجراح لنمسك الأمل المطلّ كما يمسك الغريق خشبة الخلاص. أكثير يا صديقي ان نحلم بهذا القليل!
ترحل في اول أيلول ذلك الشهر الذي أخبرتني عنه ذات يوم وانت تعد أيامه ورقة ورقة. تلك الايام الميمونة حيث كان الانتظار الكبير انتظار أيلول لندخل الى المدارس.
ــ متى كان ذلك؟
ــ من سنين!
ــ أين صار ذلك البلد الذي كنّا نقطع مسافة البرق الى مشغرة؟
كان اسمه جورج بطل
كان اسمه لبنان
ابكي اليوم يا جورج وَيَا وطني وكيف سنخرج من قهرنا في زمن القسوة.
نبكي اعمارًا لنا قتلوها، اسكنوا فيها الخوف القلق الحسرة التهديد الذل الخوف الظلم القهر الاغتراب.
كانت تحتلنا الجيوش وصارت تحتلنا الاشباح.
ابتعد يا جورج والتزم الصفاء واناجيك بروح نقيَّة ولا اعذبّها بظلام الآخرين.
لقد أفرغوا الكلام من معناه وشوهّوا مضمونه.
صوتك يدخل عليّ عميقًا، يملأ حواسي.
هل ذهبت لتغسل القمر من مياه الينابيع السحيقة؟
هل هنا تنتهي رحلة الطيور؟
هل الحياة في مكان آخر على رأي كونديرا؟
كم تألقت يا جورج بكلماتك وكم باخ لون باقي الكلام.
عرس زهور وياسمين وزعتر في ذكراك وقدّاس وجنّاز لراحة نفوس معظم الأحياء.
أشدّ على روحك بصمت عميق.
كم احبك يا رفيقي.



#مرسيل_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى كل الثوار العرب
- آن للحزب الشيوعي اللبناني أن ينهض


المزيد.....




- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - مرسيل خليفة - البطل لا يموت