أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن بيقي - العلمانية، التعددية والديمقراطية















المزيد.....

العلمانية، التعددية والديمقراطية


حسن بيقي

الحوار المتمدن-العدد: 5270 - 2016 / 8 / 30 - 00:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بقلم: محمد الطالبي ، ترجمة: حسن بيقي

هناك ضربان من العلمانية:علمانية على النمط الفرنسي الموسومة بالتقييد المفرط للحريات،حيث تتوخى صب الناس في قالب المذهب اليعقوبي، وعلمانية على النمط الانكليزي أو على النمط الألماني تسمح مع ذلك للخصوصيات بأن يسلط عليها الضوء دون اقتراف عدوانية ولا إلحاق أذى بالآخرين. بالنسبة إلي أمل بإنسانية تمكن الإنسان بأن ينفتح انفتاحا كاملا خاليا من أي قمع.لابد أن نتفاهم على ضرورة قبول كافة الناس الاختلافات القائمة بينهم على نحو متبادل.
يحتاج المجتمع الدنيوي إلى قوانين تتيح له العيش في وئام قدر الإمكان في ظل تعايش أخوي وتنوع لكافة أعضائه.كما يتوجب منه كذلك سن قوانين ديمقراطية قدر الإمكان من قبل برلمانيين،والتي من شأنها أن تتيح إدارة الحكم بكيفية سليمة دون قمع لأي أحد.طبعا،يمكن أن نفاجأ بمعضلات تطفو على سطح مجتمعاتنا. لنفكر مثلا في مشكلة الوقف الطوعي للحمل IVG أو في مشكلة الطلاق في مجتمعات أكثر مسيحية. الأمر لا يتعلق حقا بمشكلة الدين بل بالمجتمع. المؤمن ليس مجبرا دينيا على الطلاق،لا يوجد أحد يكرهه على فعل ذلك.مثلما يستطيع أن يحيا وفق معتقداته الدينية، لكن دون ابتغاء فرضها على الآخرين. إذا كان الأمر كذلك، سيكون على القانون أن يتكفل بإتاحة لأي شخص أن يعيش وفق أفكاره ومعتقداته. فبفضل أسلوب النقاش يفضي بالمرء إلى تعايش كافة مكونات المجتمع،حيث يجوز لكل واحد أن يعيش وفق قناعاته دون إلحاق ضرر بالآخرين.كل هذه الأمور يمكن أن تتحقق دفعة واحدة بفضل إعادة قراءة النص الديني من قبل أولئك من ترسخ الإيمان في أفئدتهم وباعتماد على تشريعات ملائمة.
إن كل القراءات هي مشروعة في إطار حرية التعبير المكفولة لكل شخص. وبالتالي ليس هناك من مسوغ يحول دون اقتراح قراءتي الخاصة، خصوصا أنني إنسان راسخ الإيمان وشاعر بانجذاب للنص القرآني.بالنسبة لقراءتي، أرى أن النص لا يتخذ فقط بعدا تاريخيا بل كذلك بعدا ترانسندنتاليا. وبالتالي، فإن الله يكلمني هنا والآن. ومن ثمة ينبغي علي أن أجيب على قضايا تطرح نفسها هنا والآن باستقصاء عن إشراق رباني.هذه القراءة تجلب لنفسي انسجاما معينا تمكنني بأن أحيا حياة خالية من أي تمزق داخلي ويشعرني برضا تام في زمني. فلربما أعتقد أن ما هو مهم بالنسبة إلي، وقد يصح ذلك لدى الآخرين. وعليه، أرى أن من واجبي أيضا إخبار الآخرين بما يجول في ذهني، فلا يحق لي أن أتصنع اللامبالاة، بما إني أمقت الخمول لأنه سبب موت المجتمعات وموت الحوارات، وراحة أنانية للخامل.فضلا على أن القرآن أمرني بتجنب الخمول بقوله:"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا "(2.143)
لهذا السبب يعتبر التوافق أمرا ضروريا لكونه يسمح لوحده بتبني قواعد من شأنها أن تأذن لنا بالعيش المشترك. لكن من غير الممكن أن يحدث هذا إلا إذا توفرت زمرة كافية من المفكرين قادرين على إنجاز جملة مقترحات تفضي بهم إلى توافق،من شأنه أن يسهم في خوض غمار العملية السياسية. بيد أن ما نراه في بلداننا، مع كامل الأسف، هو أن المجال السياسي يتم صناعة قراراته بأوامر عليا. لابد من سياسة نابعة من القاعدة عوض أن تكون سياسة صادرة من أجهزة فوقية. إن إحداث هذا القلب السياسي منوط بتحقيق مجتمع واع، ولكي يصير كذلك يتطلب وجود نقاش حيوي فعال داخله. لهذا السبب، أود أن أظل في تعالق منفتح مع الآخرين مع شعوري التام بأن من واجبي أن أبوح بما يخالج داخلي بغية إخراج في نهاية المطاف مجتمعاتنا من هذه الوضعية التصارعية،وضعية أفضت بعموم الناس إما بإلجامهم عن الكلام أو الدفع بهم نحو تمرد محمول بقنابل موقوتة في الأيادي.
لقد كان الفكر، لأمد طويل، مكبلا في الميدان الديني، على اعتبار أن الناس كان يعتقدون بأن ليس لديهم شرعية ضرورية للتدخل في شؤونه. هكذا أفضت الأمور إلى تكلس القوانين وتحجر المذاهب الدينية ببترها كليا عن انشغالات المجتمع. أجل، كانت هذه الأمور في البداية سائدة على هذا النحو. غير أن حلحلة هذا الوضع المتحجر، لابد أن تصير كافة المجالات المعرفية رهن إشارتنا. وهذا ما قام به مفكرون عرب في الماضي: لقد ارتموا في أحضان الهليينية وعملوا على إخضاع القرآن لكل صنوف المقاربات والتوسل بأدوات معرفية كانت رائجة في زمانهم. فماذا تعني المدرسة السكولائية إن لم تكن تدل على اقتران النزعة الهيليينية بالنزعة الدينية التوحيدية؟ هكذا يمكن اعتبار كل نص مقدس يصلح مقاربته وفق أدوات عصره. إذا كان العقل هبة ربانية، مع العلم أن لفظة عقل واردة في سور قرآنية عدة، فلكي يستخدمه المرء استخداما جيدا.
أرى أننا لا نتدبر النص القرآني إلا بشكل حرفي، دون امتلاك الشجاعة في الانخراط فيما يدعوه القرآن بتدبر معانيه الباطنية. والحال، أن هذا الجهد ينبغي أن يتم بمعونة كل الأدوات المعرفية المتاحة في زماننا. هذا ما دفعني إلى أن أطالع مؤلفات عدة ذات طابع إرشادي تبسيطي للمعارف العلمية أو للفكر الفلسفي.زد على ذلك،هناك أناس آخرون يستدرجونني للتبادل معهم أطراف الحديث، وكان لابد من جهتي أن أستوعب ما يحمله من فحوى إيجابي، حتى ولو كان ذلك مثيرا للاستفزاز. هكذا أفضى بي الأمر إلى تأمل مفهومي الصدفة والضرورة بعد قراءتي لكتاب العالم مونودMonod "الصدقة والضرورة". فأنا لست في حاجة إلى أن أتجاهل الصدفة حتى أظل مسلما. إن المؤمن ينبغي عليه استيعاب ما نقترحه عليه وأن يحاول جاهدا الإتيان بشيء ما للعالم لا للإسلام فقط. إن أشد ما يثير الكره لدي هو أن يتم إقصاء الآخرين، لأن أي إنسان كيفما كان يمتلك في بواطنه شيئا ما. أما في ما يخص ما هو جوهري، من وجهة نظر وجودنا على الأرض، هو كوننا نملك جميعا أشياء كثيرة مشتركة، مع العلم بأن أي واحد منا له رؤيته الخاصة للعالم وما وراء العالم. في القرآن هناك كلام وارد عن الفطرة، أي عن الطبيعة الإنسانية. هذه الفطرة تجمعنا وهذا يعني وجود قاعدة صلبة قائمة بيننا تكفي لكي يتحصل التفاهم.
يشعر المسلم في قرارة نفسه بالتزام طوعي للنص القرآني.فأن يرفضه يعني أن المؤمن أقام نفسه في وضع متناقض مع ما يعتقده. منطقيا، يستحيل عليه أن يعتقد بنص ديني ويرفضه في الوقت عينه. بمعنى أن الكافر بالمعنى الحرفي للكلمة هو"الذي لا يدع نفسه للإقناع".بينما تتخذ المقاربة منحى أخر مختلف إذا تعلق الأمر بمجرد مسلم ثقافيا أو مسلم" غير مسلم": ينتمي إلى ثقافة بلا صلة بالنص القرآني. في العالم الإسلامي نعيش هذا النوع من التوتر،بدرجات متفاوتة، في التيوقراطية المعلنة أو المبطنة والذي يذهب البعض إلى حد ربطها بتطلعاتهم العلمانية- حالة وحيدة حقيقية- مثلما هو حال تركيا،.)
تاريخيا،هناك تيار اسلامي وحيد جعل من التيوقراطية نظاما لحكمه، إنه التيار الشيعي.فمهما تفرقت الميول،فإن الفرق الشيعية كافة تجمع على أن النبي ترك إرثه الروحي والزمني لصهره علي بن أبي طالب، تارة بنص قرآني يتم تأويله وفق مسلك مذهبهم وطورا بوصية صريحة مشهودة بحديث الغدير يدعى"خم". إن الأئمة سليل فاطمة ابنة النبي وعلي بن عمه، هم ورثة الحكم بالخلافة، وأي شخص توفي دون علمه بالإمام مات ميتة الجاهلية. لهذا فهو نظام لا يفسح مجالا للديمقراطية عدا فترة غيبة الإمام. أما في الطرف الآخر نجد فرق الخوارج تقرر بضرورة اختيار الإمام وفق معيار الجدارة. ولابد بحسبهم أن يعزل إن اقتضت الضرورة إلى ذلك حال ثبوت فساد أو استشراء طغيان.وعلى إثر البون الكائن بين الشيعة والخوارج، ارتأت جماعة السنة أن تلعب دور الوسيط بأفكار مختلفة(1) وهي تنحو جميعها مع ذلك إلى إضفاء الشرعية على كل سلطة قائمة بغرض صد باب إيقاظ الفتنة. هكذا وجدت الأنظمة السياسية كلها دون استثناء في طبقة الفقهاء أداة لتسويغ شرعيتها،كما وجد دوما فقهاء آخرون يبررون حق الجمهور في التمرد وحمل السلاح لمحاربتها. مثلا أولئك الذين اغتالوا عثمان رؤوا في قتله فعلا عادلا بينما رآه معارضوه فعلا جائرا(2). لذلك أنحاز معارضو اغتيال عثمان إلى معسكر معاوية طالبا منهم الثأر لمقتل عثمان. كما ناشد معارضي معاوية إلى الاحتكام إلى القرآن رافعا نسخا منه على أسنة الرماح في غزوة صفين.على هذا المنوال أصبح الخليفة الأموي حاكما شرعيا باسم الدين طالما أنه في سدة الحكم، وباسم الدين أيضا وقع انقلاب على حكمه. ثم انتقلت الشرعية إلى الخليفة العباسي أو كما سنراها تنتقل إلى خليفة آخر في قرطبة، وخليفة آخر في المهدية،وخليفة ثالث في مراكش، وهلم جرا. هكذا يمكن القول أن الدرس الذي يمكن للمؤرخ أن يستخلصه جراء تعدد الشرعيات الدينية وإعادة النظر فيها، هو غياب تام لأي شرعية دينية على مستوى نظام الحكم.بل كان الدين ومازال مطية في خدمة سياسات معارضة كخطوة أولى للاستيلاء على السلطة، كما في حالات أخرى عدة، بغرض تبرير الطغيان والاستبداد على قاعدة تيولوجية مزعومة.
أما فيما يخص علاقات النص بالتعددية والديمقراطية،فأكرر أن أي واحد منا بإمكانه أن يدخل في علاقة مع النص بالطريقة التي يراها جيدة. في حين هناك البعض الأخر مازال يجتر آراء أسلافه كما تبلورت في القرنين 2 و3 هـ،وبالشكل الذي انعكست في مخيالاتهم لا في الواقعة التاريخية إلى حد أنهم اعتبروها التفسير والفهم الوحيد للنص القرآني.هناك إذن منظومة متكاملة من الفكر الموروث ما ينفك الإسلاميون من رسم سياج عليها للحيلولة دون الخروج منها. وهذا حقهم. لكن تصورهم للحكم ينطلق من هذه المنظومة التي يعسر اقترانها بالديمقراطية. هذا لا يعني أن النص في حد ذاته- بالقطع مع التفسيرات الماضوية- يحول دون تأسيس الديمقراطية. إذا منحنا الحرية لأولئك اللاجئين إلى مظلة أهل السلف وبمنظومة فكر متوارثة من عصرهم، فإنه ينبغي كذلك أن تعطى الحرية لأولئك الذين لا يشاطرون مقاربتهم للنص القرآني. الحرية هي كل لا تقبل التبعيض،ولا أرغب أن تصير مجرد تكتيك أو تنفيذ لإدامة التوتاليتارية. إن كل نظام حكم حتـى النظام الديمقراطي، يبقى مفتوحا لخيارات الأمة وفق ما يتلاءم معها،مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المتغيرة للزمان والمكان، "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون")16-90). وعليه فإن كل نظام يرمي إلى تحقيق أهدافه من خلال التصديق الحر من قبل الأمة وضمان الحريات بالسعي إلى اجتناب الفتن، هو نظام يتماشى والنص القرآني. هذا الأخير يوصي كذلك بطاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر ورد المتنازع عليه إليهما دون الاحتكام إلى العنف(4,59). بمعنى، أن نتصرف في سلوكنا بمكارم الأخلاق. كما أوصى الله الإنسان بعدم احتكار الرأي. فالله يحب"والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" (42,38). وفي قوله أيضا"فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"(3.159). إن أقل ما في وسعنا قوله إذن،هو أن النص لا يتعارض مع الديمقراطية بل إنه ينمو من خلال أسلوب المداولة. الديمقراطية ليست شيئا آخر غير كونها أسلوب من أساليب التنظيم والمداولة بالوسائل الأنسب اعتمادا على معطيات متغيرة في الزمان والمكان.
إن مسألة عدم التلاؤم بين الإسلام والقيم الحديثة التي تكلم عنها عياض بن عاشور غير مطروحة بالنسبة إلي.لقد سبق أن قلت أن الأمة ليس لها سوى حدود روحية، فعندما يتوجه المسلمون الصينيون صوب القبلة بمكة، أكون معه دون أن يكون بالضرورة رفيقي في المواطنة. فلا بد أن نميز بجلاء – هنا يتم فيه صيانة الالتباس عن قصد- بين الأمة والمواطنة والتي هي انتماء جغرافي وسياسي لدولة معينة. يمكن أن نجد، في دولة واحدة، مسلمين- مسلمين، أي مؤمنون ينتمون إلى الأمة، مسلمون ثقافيا، ويهود. ومع ذلك فنحن جميعا مواطنون. وبحسب رأيي، أرى أن وضع الذمي أمسى تماما خارج التاريخ؛ لهذا أعتبر نفسي من مناصري إلغائه. لماذا تريدني أن أوافق على هذا الالتباس بين الأمة والدولة والذي أرفضه جملة وتفصيلا؟ هذا أمر غير مقبول. قد نتفهم، كما ساد في القرون الوسطى،أن شرط الانتماء كان دوما دينيا.وكان توزيع الفضاء السوسيو- الديني بين المسلمين وغير المسلمين شيئا طبيعيا ولا يثير،مع ذلك، استفهامات أخلاقية، فلسفية، أو سياسية. كان أي شخص ينتمي بكيفية آلية إلى جماعته الدينية، شبيه بانتماء إنسان ما إلى عائلته.أما الوطنية كأساس للانتماء إلى مجال ترابي وإلى وطن هو تصور حديث. لهذا لابد من القطع مع المفارقات التاريخية. فأينما حل مسلم يكون في عقر داره أي في دار الإسلام، فلا يطلب منه أن يتجنس بجنسية البلد الذي ارتحل إليه. ابن خلدون مثلا، الذي نقول عنه اليوم تونسي بتطبيق مقولاتنا الحديثة على ماضيه، يعتبر كعربي حميري أينما حل وارتحل داخل دار الإسلام. في الوقت الحاضر، يصير كل يهودي مهاجر إلى إسرائيل مواطنا إسرائيليا، بغض النظر عن انتمائه الوطني الأصلي. الوطنية الإسرائيلية رديف الانتماء إلى الديانة اليهودية.
لقد دشن الإسلام،ضمن هذا السياق، نظاما خاصا فسح فيه المجال لكافة الجماعات، لكن وفق نظام تراتبي دقيق. إن نظام الذمة ليس شأن عقيدة وإيمان بل هو فقط نتاج سياق تاريخي. فلا وجود لآية قرآنية تشير إليه ولا في الصحيفة الصادرة من قبل النبي عند دخوله للمدينة. لكن في المقابل يمكن اعتبار هذه الأخيرة وثيقة دستورية لأول دولة تأسست في الإسلام على نمط تعددي. حددت الصحيفة، كما ورد في رواية ابن هشام،"أن يهود بن عوف أمة مع المؤمنين (رواية أبو عبيد: "يعدون جزءا من أمة المؤمنين"). لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته". كما ورد في الصحيفة أيضا : "وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم ". بالرغم من ذلك، باءت هذه التجربة بالفشل بسبب معطيات تاريخية دفعت بيهود المدينة إلى عقد تحالف مع أهل مكة. وقد نجم على إثر هذه الأسباب الظرفية مواجهات عنيفة، انتهت في أخر المطاف بطرد اليهود من المدينة لدوافع أمنية(3).إن صحيفة المدينة جسدت،في نظري،مجتمعا موسوما بتعدد في الأديان والهويات على أساس التضامن والعدالة والمساواة المتبادلة للحقوق والواجبات داخل جماعة واحدة خالية من الاحتقار والإذلال.إن مقصد الفقيه المشرع، إذا كان مناصرا لقراءة غائية للنصوص، أن ينصب اهتمامه أساسا على قيم حرية المعتقد،والمساواة في الحقوق والواجبات، والتضامن والعدالة وقبول التعددية. لقد كان الوضع اللاحق للذميين إذن، فيما كانوا عليه من إذلال واستفزاز، انحرافا عن مراد الفقيه المشرع.
وبصفتي مؤرخا، أعلم أنه ليس مريحا أبدا أن يكون المرء منتسبا كعضو داخل جماعة مهيمنة عليها. سيكون دوما على الهامش.لكن كان ذلك وقتئذ أفضل من محرقة الجثث وأقل ضررا من الرفض التام لوجود الغير. فلم يسبق أبدا في التاريخ أن كان وضع الأقليات وضعا ورديا. وكلامي هذا، لا يراد منه أن يفهم إني أدافع عن أهل الذمة. الذميون عانوا ويلات كثيرة. هذا أمر لا ينبغي التستر عليه. لقد ألحق يوسف المنصور (1198-1184/595-580) بأهل الذمة أسوا الإذلال، حيث مورس عليهم عقاب جماعي سيما طائفة اليهود(4). وعلى الرغم من ذلك، لابد للمرء أن يكون حذرا ضمن هذا الاتجاه أو ذاك من المبالغة المفرطة. صحيح أن الذميين عانوا ويلات عدة من أشكال الإهانة والمضايقة، لكنها لم تكن لتشتد حدتها إلا في فترات الأزمة،وإن كانت محدودة في الزمان والمكان. فهي لم تصل أبدا حد التطرف الجماعي أو الإقصاء المنظم لغير المسلمين، كما كان الحال بالنسبة لهذه الأخيرة في اسبانيا أو صقلية المسيحيتين. الإسلام لم يسبق له أن عرف محاكم التفتيش.كما أن هذه الأمور لم يعد لها اليوم، على كل حال، مكانا في وجودنا. ذلك أن الانتماء إلى الدولة شيء، والانتماء إلى الجماعة شيء آخر. في فرنسا مثلا، يقطن في ربوعها ثلاثة إلى أربعة ملايين مسلم. فهل يصح أن نفرض عليهم وضع أهل الذمة؟ إذا كنا نمج أن يصير المسلمون ذميين هناك، فإنه لا ينبغي أن نطبق في بلداننا على غير المسلمين هذا الحد أو هذا الوضع. لهذا من الضروري أهمية إضاءة مفهوم الأمة والعمل على إفهام الناس على أنها رباط عمودي بين الله والإنسان بحيث يمكن أن نتقاسمها مع عدد معين من الناس. يستطيع أي مسلم أن يحمل في طياته جماعة المؤمنين، لكن مسكنها في القلب لا في الجغرافيا. هكذا يتم الحفاظ دوما على الالتباسات لأسباب سياسية.
- الهوامش:
1- محمد الطالبي: "البنيات المميزة للدولة الإسلامية التقليدية"، دفاتر تونس، عدد 143-144، تونس 1988، ص،231-236 .
2- هشام جعيظ: "الفتنة الكبرى"، باريس غاليمار،1989.
3- مونتغمري وات:"محمد في المدينة" منشورات بايو، باريس، 1959.
4- فيما يتعلق بأهل الذمة في المغرب واختفاء الديانة المسيحية، أنظر مؤلف الطالبي:"الديانة المسيحية في البلدان المغاربية، من الغزو الإسلامي إلى اختفائهم"، ضمن مجتمعات الأهالي،في الأراضي الإسلامية، bikhazi وGervers، تورونتو،1990، ص من : 313- 355.

Référence Mohamed Talbi « Réflexion musulman contemporain» Edition :Le Fennec .Casa Blanca .



#حسن_بيقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مصادر توضح لـCNN تفاصيل مقترح -حماس- بشأن اتفاق وقف إطلاق ال ...
- داخلية الكويت تعتقل مقيما من الجنسية المصرية وتُمهد لإبعاده. ...
- معركة -خليج الخنازير-.. -شكرا على الغزو-!
- الحرب في غزة| قصف متواصل على القطاع واقتحامات في الضفة وترقّ ...
- فيديو فاضح لمغربية وسعودي يثير الغضب في المملكة.. والأمن يتد ...
- -إجا يكحلها عماها-.. بايدن يشيد بدولة غير موجودة لدعمها أوك ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي استهدف عدة مناطق في غزة (فيديو+صور) ...
- بقيمة 12 مليون دولار.. كوريا الجنوبية تعتزم تقديم مساعدات إن ...
- اكتشفوا مسار الشعلة الأولمبية لألعاب باريس 2024 عبر ربوع الم ...
- ترامب يواجه محاكمة جنائية للمرة الأولى في التاريخ لرئيس أمير ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن بيقي - العلمانية، التعددية والديمقراطية