عبد الرزاق بن احساين
الحوار المتمدن-العدد: 5263 - 2016 / 8 / 23 - 21:46
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
عندما تتوج مدينة مراكش كأفضل وجهة لممارسة رياضة الغولف لسنة 2015، وذلك بعد تفوقها على كبريات الوجهات في كل من جنوب إفريقيا والإمارات العربية المتحدة والمالديف وجزر موريس، من طرف الجمعية الدولية لوكالات ومتعهدي أسفار الغولف خلال الحفل الذي نظمته بشمال إيطاليا .فأول ما يتبادر إلى أذهان الذين ليست لهم دراية بالخصوصيات المناخية للمدينة، أن مراكش مدينة استوائية ذات مناخ رطب تتلقى تساقطات غزيرة طيلة السنة ، ذلك أن ملاعب الغولف مستهلكة بشكل كبير للماء، فحسب منظمة السلام الاخضر يستهلك ملعب جولف متوسط نفس كمية المياه التي تستهلكها بلدة يقطنها 15 الف نسمة .هذا في وقت تعرف فيه التساقطات بالمنطقة تراجعا ملحوظا فبالنسبة لمدينة مراكش تتراجع كمية التساقطات ب 0.18% كمتوسط سنوي خصوصا خلال العشر سنوات الأخيرة حيث ازدادت حدة الجفاف مع العلم أن المتوسط السنوي من التساقطات بمدينة مراكش سنة 1970 كانت 220 ملم أما خلال السنوات العشر الأخيرة فلم تتجاوز كميتها 204 ملم . وفي ظل هذا التراجع في كمية التساقطات تنتعش الاستثمارات في ملاعب الغولف إذ وصلت مجموع الاحتياجات المائية لملاعب الغولف 28.1 مليون متر مكعب في السنة
طبعا قد يقول قائل بأن مشكل تناقض الاحتياجات المائية لملاعب الغولف بمراكش و العجز المائي الذي تعرفه هذه المدينة أصبح متجاوزا، بعد تفعيل عمل محطة تصفية المياه العادمة التابعة للوكالة المستقلة لتوزيع الماء و الكهرباء. لكن الذي له رؤية شمولية مندمجة تتجاوز العقلية النقطية سيعرف بأن محطة معالجة المياه العادمة ليست حلا وذلك من زاويتين أساسيتين:
• الزاوية الأولى:
أنه هناك فرقا شاسعا بين الاحتياجات المائية الحقيقية لملاعب الغولف ،والتي تحتسب وفقا لمساحة هذه الملاعب و احتياجاتها الخام بالمتر مكعب للهكتار (ما يعادل 70 م مكعب/للهكتار/في اليوم، حسب وكالة الحوض المائي لتانسيفت) ، و الاحتياجات المعلن عنها من طرف المسؤولين عن هذه الملاعب و بالتالي فالمحطة تزود الملاعب بالاحتياجات المصرح بها رسميا، في حين أن الفرق يتم تلبيته بواسطة آبار غير مصرح بها و التي لا تتوفر على عدادات لاحتساب كمية المياه الخارجة منها .
قد يصل الفرق بين الاحتياجات الحقيقية و الاحتياجات المصرحة بها أحينا إلى 200% ، و بالتالي فرغم وجود محطة تصفية المياه العادمة بمراكش إلا أن ملاعب الغولف لاتزال تحدث ضغطا هائلا على الفرشة الباطنية .
• الزاوية الثانية :
لو كان للفاعلين رؤية استراتيجية بعيدة المدى لتبين لهم أن العديد من الجماعات الفلاحية المجاورة لمدينة مراكش لها الاولوية في الاستفادة من مياه هذه المحطة، فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر إحدى الجماعات التي لا تبعد سوى ب22كلم عن مركز مدينة مراكش و هي جماعة الاوداية، سنجد أن هذه الأخيرة تحتضر، خصوصا و أن القطاع الفلاحي بها يعد المشروع الترابي الذي يحرك هياكلها الاقتصادية و الاجتماعية بل الثقافية أيضا، فيكفي أن نعرف أن الفلاحة تهيمن على القطاعات الاقتصادية بالجماعة بنسة 80% و من بين ما يبرز أهمية قطاع اقتصادي ما في تراب معين نسبة اليد العاملة التي يشغلها، لذلك يمكن اعتماد نسبة الساكنة النشيطة المشتغلة بالقطاع الفلاحي بالجماعة كمؤشر يبرز أهمية هذا القطاع كقاطرة بها فأزيد من 60% من اليد العاملة بجماعة الأوداية تشتغل بالفلاحة .
إذن فالفلاحة أهم قطاع اقتصادي بالجماعة لكنه للأسف يشهد تدهورا كبيرا في ظل العجز في الحصيلة المائية .
ولسخرية الأقدار فمدينة مراكش تساهم بشكل أو بآخر في هذا العجز عبر الاستفادة من كميات مائية مستخرجة من 12بئرا داخل تراب جماعة الأوداية تابعة للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب وتصل إلى ما يقارب مليوني متر مكعب في السنة( 1764975متر مكعب في السنة )
في هذا الإطار يطرح السؤال حول مصير أزيد من 60 % من الساكنة النشيطة بجماعة الأوداية بعد تدهور القطاع الفلاحي، سؤال يمكن الإجابة عنه عند الأخذ بعين الاعتبار التجارب السابقة لبعض الجماعات، وهو هجرة أغلب ساكنة الجماعة و الكل على دراية تامة بسلبيات الهجرة القروية سواء على جماعة الطرد أو المجال المستقبل، ما سيضر بالصورة السياحية التي تحاول نفس الجهات التي تراهن على ملاعب الغولف لتحسينها .
يبقى إذن الاشكال مطروحا كيف يمكن لمدينة تقع بمنطقة جافة مناخيا أن تراهن على ملاعب الغولف المستهلكة للماء، في وقت تحظى فيه المدينة بمؤهلات ثقافية و عمرانية و تاريخية و طبيعية تجعلها في غنى عن هذا النوع من الرياضات النخبوية و التي يبقى انعكاسها على الفئة العريضة من المجتمع محدودا.
لكن تلك نتيجة حتمية عند تغييب الأبحاث الّأكاديمية التي أسست لمفهوم جديد و هو السياحة المستدامة .
#عبد_الرزاق_بن_احساين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟