أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي - ألبير عياش - الحركة النقابية في المغرب: الجزء الأول: 1919-1942















المزيد.....



الحركة النقابية في المغرب: الجزء الأول: 1919-1942


ألبير عياش

الحوار المتمدن-العدد: 6195 - 2019 / 4 / 8 - 23:13
المحور: ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي
    


 
 
  
ألبير عياش
 
الحركة النقابية
في
المغرب
 
الجزء الأول: 1919-1942
 
ترجمة: نور الدين سعودي
مراجعة: العربي مفضال
رقن إلكتروني: جريدة المناضل-ة
فهرس
 
مقدمة:
 
الباب الأول: من جذور الحركة إلى تأسيسي اتحاد نقابات
 المغرب (ك.ع.ش) 1919-1930
 
1-ولادة عسيرة 1919-1926
 
2-تطور الحركة التعاضدية 1926-1929
 
3-تأسيسي اتحاد نقابات المغرب ك.ع.ش. 1930
 
الباب الثاني: الأزمة الاقتصادية ونتائجها:
 1931-1936
 
4-تجليات الأزمة
 
5-الاستياءات –يمينا ويسارا
 
6-الدفاع عن الأجور وشروط المعيشة
 
7-بيروتون وإضرابات حزيران/يونيو 1936
 
الباب الثالث: المد، حزيران/يونيو 1936 أيار/مايو 1938
 
8-الشروط الاقتصادية والإنسانية
 
9-التوثرات السياسية والاجتماعية
 
10-سنة 1937
 
 
11-تطور النقابية: حزيران/حزيران 1937-نيسان/أبريل 1938
 
12-قوي اتحاد النقابات في أيار 1938
 
الباب الرابع: الانحسار. حزيران/يونيو 1938
تشرين الثاني/نوفمبر 1940
 
13-ظهير 24-حزيران/يونيو 1938: إيقاف الحركة
 
14-الأزمة
 
15-الحرب، أيلول/سبتمبر 1939-حزيران/يونيو 1940
 
الباب الخامس: زمن الضغط 1940-1942
 
16-قمع الحركة النقابية وتفكيكها
 
17-جبروت أرباب العمل
 
18-المقاومات
 
19-خاتمة
 
20-مذكرة توثيقية
=================
ألبير عياش
 
الحركة النقابية
في
المغرب
 
الجزء الأول: 1919-1942
ترجمة: نور الدين سعودي
مراجعة: العربي مفضال
 
 
 
مقدمة
 
تعد الإحاطة بجذور حركة نقابية و بتطورها في مستعمرة أو في غيرها من البلدان أمرا صعبا.
 
ففي عهد الحماية الفرنسية بالمغرب لم تكن المنظمات الأولى –غير الثابتة و العابرة في أغلب الأحيان – تتوفر على أرشيفات. وحين تكونت هذه الأرشيفات ثم تشتيتها أو تخريبها في يونيو 1940. أما الأرشيفات الرسمية التي بإمكانها أن توفر المعلومات اللازمة -لأن السلطات كانت دائما تتبع بعناية نبضات الحركة العمالية- فإنها لازالت صعبة المنال هذا .
 
غير أن المجهودات التي بذلت من أجل التنظيم المهني –وهي نسبيا غير بعيدة زمنيا، إذ تعود أقدمها إلى نصف قرن –تركت أثار وذكريات. ولقد أشار مناضلو تلك المرحلة، الذين ثم استجوابهم، إلى أحداث هامة ووجهوا بحثي وأعطوني أحيانا وثائق مفيدة .
 
إلا أن المصادر المطبوعة –تصريحات، حوليات، إحصائيات، نشرات، دراسات وتحريات ميدانية أو صادرة عن أرباب المعامل، صحافة نقابية وسياسية، وكبريات الجرائد اليومية– هي التي وفرت المادة الأساسية لهذا البحث .
 
وهكذا، ثم الكشف عن المجموعات والأشخاص الذين شكلوا العناصر الفعالة في هذا التاريخ. وقد ظهرت هذه المجموعات مند الاحتلال الفرنسي للمغرب إلى جانب أو ضمن المجتمع المغربي التقليدي، وكانت تضم، مقابل أرباب العمل و المستوطنين الكبار وسلطات الحماية، الموظفين والمأجورين الفرنسيين، وكان بعضهم نقابيين واشتراكيين أو شيوعيين، وكذا الكتلة المتنامية من العمال المغاربة المنخرطين ضمن العملية العصرية للإنتاج و المبادلات ، والتي تمثل جنين بروليتاريا غير محددة الملامح وذات شعور غير ثابت .
 
لقد ثم الكشف و التأريخ لأحداث متعلقة بإنشاء وبحياة نقابات و أحزاب سياسية، بالنضالات المطلبية، بأفعال وردود أفعال أرباب العمل والحكومة، و بالصلات مع الأوضاع الفرنسية والدولية. وسمحت الكرونولوجيا المنجزة بإقامة العلاقة فيما بين الأحداث وبتوضيح تسلسلها وجدليتها .
 
ونظرا للتغثرات الحاصلة في المعلومات، يتضمن هذا البحث جوانب غير مؤكدة و غير واضحة . وسنكون مدينين بالشكر لكل من تقدم بتقييم أو بملاحظة أو بوثيقة تسمح لنا بتكميل هذا البحث أو تقويمه.
 
وفي انتظار ذلك، نود تقديم شكرنا لكل الذين أجابوا بطول نفس وبدون ملل، عن الأسئلة التي طرحت عليهم، وخصصوا جزءا من وقتهم في فرز النشرات و الجرائد بالرباط، وقدموا اقتراحاتهم في الوقت الذي كان ينجز فيه هذا المخطوط. إن هذا الكتاب مدين لهم بالكثير .
 
                                                                                           ألبير عياش
 
الباب الأول
 
من جذور الحركة
إلى تأسيس اتحاد نقابات المغرب
(ك.ع.ش)1919-1930
 
تبدو الحركة النقابية بالمغرب عند بدايتها – وستظل حالها كذلك لمدة طويلة –كامتداد للحركة النقابية الفرنسية، مع بعض الخصوصيات المترتبة عن الطبيعة الاستعمارية للبلاد.
 
فقد كانت هذه الحركة فيما بين 1919 و1930 من إنشاء موظفين فرنسيين. وجلبت شيئا فشيئا، عمالا أوروبيين، لكنهم لم يلعبوا فيها إلاّ دورا ثانويا. أما الطبقة العاملة المغربية، فإنها لم تلعب أي دور فيها لسبب بسيط، هو أنها لم تكن موجودة آنذاك كطبقة.
 
1- ولادة عسيرة:1919-1925
 
· ظهور الأنشطة و العمال العصريين:
 
كان المغرب في 1919 ما يزال بلدا ذا اقتصاد عتيق يحتوي على بعض الأنشطة الجديدة التي برزت عند نهاية القرن 19، لكن الحرب العالمية الأولى أضعفت نموها. وإذا كانت سهول وهضاب المغرب «النافع»، المحتلة بين 1906 و 1914، تسيطر عليها فعليا سلطات الاستعمار، فإن كتلة جبال الأطلس، المحاصرة بدقة والمُخْتَرَقَةِ أحيانا، ظلت في مجملها خارجة عن نفوذها.
 
ومن غير المجدي أن يسعى المرء إلى التعرف على عدد المغاربة في ذلك الوقت. ذلك أن بعض التقديرات المفتقرة لأي أساس جعلته يتأرجح بين أربعة وخمسة ملايين ، يعيش أكثر من ربعه في المناطق المستقلة .
 
وإذا كان المغاربة في غالبيتهم العظمى (أكثر من 90%) فلاحين ورعاة ، فقد كانوا أيضا تجارا وبقالين وحرفيين في القرى الكبرى وفي المدن القديمة التالية: فاس، مراكش، الرباط ، سلا، مكناس ووجدة . وكانت مجموعة الحرفيين مهمة بصورة خاصة، وكان الحرفيون يشكلون مع عائلاتهم سنة 1924 (1) ثلث سكان الحواضر وأحيانا نصفها . فكانوا يحولون الجلد و الصوف و الأقمشة و الحرير؛ و الخشب و الحجر و الطين، و الحديد و النحاس و المعادن النفيسة، في ورشات كبيرة إلى هذا الحد أو ذاك، وبأدوات و تقنيات لم تتغير إلا بشكل طفيف. وكان أرباب الحرفة و العرفاء و المتمرنون مجتمعين في طوائف(تعاضديات). وكان العرفاء يتقاضون أجرا وبعض الهبات العينية، ولم تكن وضعيتهم تختلف إلا قليلا عن وضعية الصناع . وكان أرباب الحرفة (المعلمون ) هؤلاء وعرفاؤهم يقفون أحيانا في صف واحد ضد تجاوزات المخزن (2) أو مكايد الدول الأجنبية (في فاس 1912). غير أن الوثائق المعروفة حاليا لا تكشف لنا عن التقاليد و الأفكار العمالية (3) .
 
وفي البوادي ظلت الحركات التقليدية تجلب بشكل موسمي أو نهائي أحيانا، سكان جبال الريف نحو حقول وكروم منطقة وهران، وسكان الجنوب القاحل نحو السهول الشمالية المنتجة للحبوب للقيام بالحصاد، أو نحو المدن حيث يعرضون عملهم على المنازل أو في الأسواق .
 
وخلال الحرب الكبرى تم، فيما بين 1916 و 1918، نقل عشرات الآلاف من المغاربة (حوالي 34000) إلى فرنسا للعمل في المصانع و المناجم و الحقول. أعيدوا إلى المغرب سنة 1919 باستثناء 2000 منهم سُمح لهم بالبقاء هناك. وبهذا تكون الجسور قد مدت مع فرنسا، فعاد المغاربة مند 1920، يهاجرون إليها وأصبح عد الذاهبين إليها يفوق عدد العائدين منها.  وفي 1926، كان حوالي 16000 مغربي بفرنسا (4).
 
أما الجالية الفرنسية والأجنبية القاطنة بالمغرب فان عددها لم يرتفع إلا قليلا مند 1914، وكانت تضم 60000 فرد تقطن أغلبيتهم مدن وجدة والرباط والدار البيضاء . وكانت تشتغل في أنشطة متعددة : مبادلات ، مضاربات عقارية، بناء، صناعات صغيرة للإصلاح أو للتغذية. وقد عَدَّت مصلحة الصناعة سنة 1919، 195 مؤسسة اعتبرتها «صناعية»، استثمرت 56 مليون فرنك وشغلت 3250 أجيرا. أما المجال العقاري للاستيطان فانه لم يشهد أي اتساع، وكان يضم حوالي 150000 هكتار . كل هذا جعل، في النهاية، من حجم هذ الجالية حجما متواضعا لولا وجود جهاز للقرض و البنك: بنك دولة المغرب، بنك الجزائر وبنك تونس، الشركة المرسيلية للقرض، وشركات كبرى، يتمتع بعضها بصفة الاحتكار مثل وكالة التبغ (1910) والشركة المغربية لتوزيع الماء والغاز و الكهرباء (ش.م.ت 1914) والشركة المغربية للشحن و الإفراغ (1916) (5). وكانت شركات أخرى، مثل الشركة المغربية والشركة العامة للمغرب، تمثل أدوات للتدخل بالنسبة لمجموعتين ماليتين متنافستين هما بنك باريس والبلاد المنخفضة، و البنك البروتستنتي ـ شنيدر. وبينما كانت الشركة العامة للمغرب (1910) توجه مجهوداتها نحو الأشغال العمومية الكبرى والتجهيز، كان للشركة العامة (1902) ـ التي أنشأها شنيدر قبل ذلك ـأنشطة أكثر تنوعا، إذ بتملكها لمجال عقاري هام، كانت تشتغل ببناء الموانئ وتسيطر على التجارة الكبرى بجمع وتوزيع الحبوب والصوف والماشية في مجال التصدير، و المنتوجات الواسعة الاستهلاك مثل الشاي و السكر و الشمع و الأقمشة في مجال الاستيراد .
 
وعلى هذا النحو، كان بعض المديرين الكبار يتكلفون بشغيلة مستقلين جاءوا يبحثون عن الثروة وبمجموعة من المستخدمين و العمال ورؤساء العمال .
 
وكانت المصاريف الإدارية ومصاريف الجهاز العسكري تمثل أهم موارد الدخل بالنسبة للجالية الناشئة. إذ ظلت العمليات العسكرية الشغل الشاغل للقامة العامة. فشيدت لهذا الغَرَض 2600 كلم من الطرق وركبت بسرعة السكك الحديدية العسكرية التي كان يسيرها مستخدمون مدنيون وعسكريون.
 
أما عدد الموظفين فكان يبلغ ما بين 3000 و4000 موظف، مقابل 1500 إلى 2000 سنة 1914.
 
ومع نهاية الحرب بأوروبا (1919) تعمقت حركة الاحتلال و الاستعمار المزدوجة. فانضمت الحملات التي تمت بين 1919 و1925 إلى احتلال الأطلس المتوسط ومقدمة الريف بعد معارك ضارية. واتخذت هذه الحملات بُعدا جديدا عندما وجه عبد الكريم الخطابي إلى وزان وفاس ـ بعد انتصاره على الاسبان ـ كرد فعل إزاء احتلال وادي ورغة الواقع في قلب الريف من طرف الوحدات العسكرية الفرنسية. وهكذا، تم في أكتوبر 1925، تجنيد فيلق عسكري هجومي مدعَّم بمعدات إضافية وبآلاف الاحتياطيين لمواجهة الموقف .
 
وتنامت الجالية الأوروبية بسرعة ، بواسطة الهجرة على الخصوص. وبصورة إجمالية يبدو حسب الإحصاء الذي أنجز بين 1921 و1926، أن تعداد هذه الجالية قد تضاعفت خلال هذه السنوات الخمس منتقلا من 66700 إلى 104700 فرد. كما اتخذت أنشطتها حجما أكبر بفضل القروض التي أصدرتها في السوق الفرنسية الدولة الشريفة أو الشركات صاحبة الامتياز، التي أنشأت حديثا، وبصورة خاصة سكك حديد المغرب والطاقة الكهربائية للمغرب (1923). وقد سمحت الرساميل المحصلة بواسطة الاقتراض ـوبلغت إجماليا 60 مليار فرنك –باستكمال الأشغال الضرورية للاستعمار وتوسيعها: فتم تشييد البنايات الإدارية، والطرق (1400كلم) و السكك الحديدية (688 كلم). وموانئ الرباط وفضالة والدار البيضاء، واستكملت أول محطة حرارية كبرى، وهي محطة الصخور السوداء بالدار البيضاء (1924).
 
وأنعشت الاستثمارات العمومية ـوشبه العمومية أنشطة القطاع الخاصة. إذ عرف قطاع البناء أوج نشاطه في الأحياء الأوروبية المدعوة بـ «المدن الجديدة »، التي قرر الجنرال ليوطي فصلها عن الأحياء القديمة بصورة واضحة، فبلغت قيمة البنايات بالدار البيضاء 2500 مليون فرنك كمعدل سنوي خلال سنوات 1920-1921-1922. إلا أنها انخفضت في السنوات الثلاث الموالية. ورغم ذلك، فقد كان إيجاد مسكن أمرا متعذرا، وكانت المنازل لا تتوفر على وسائل الراحة، وكانت الأكرية مرتفعة. وكانت الشموع والمصابيح الغازية هي التي تستعمل للإنارة. أما الأزقة فلم تكن بعد قد سطرت. وكان الناس يستعملون مصابيح محمية من الهواء في تنقلاتهم الليلية عبرها. وعمَّت البلاد حمى المستنقعات وأحيانا الحمى الصفراء. وكان الناس يخشون فصل الصيف، وكان عدد وفيات الأطفال جد مرتفع، إلا إن شروط عيش الأوربيين تحسنت بشكل بطيء وغير متساو بعد 1925، وتم ذلك بصورة سريعة على الساحل الأطلسي وبتأخر بَيِّن في المدن الداخلية والبوادي .
 
ومع ذلك أصبح عدد المؤسسات الصناعية أكثر بكثير من السابق، إذ بلغ إجماليا سنة 1924، 615 مقاولة، توظف 275 مليون كرساميل، وتشغل 7228 أجيرا (6). كان بعض هذه المقاولات مهما، مثل مصانع جِعة المغرب (1919) وشركة الفوسفاط الممتاز(1920) وهي فرع مستقل لكوهلمان، وشركة المنشآت الميكانيكية شوارتزـ هومون (1923). وتضاعف المجال القروي للاستيطان هو أيضا أكثر من مرتين إذ انتقل من 150000 هكتار سنة 1919 إلى حوالي 500000 هكتار سنة 1925 (7) على اثر الإجراءات التي اتخذتها سلطات الحماية لتعبئة الأراضي المغربية لفائدة المستوطنين .
      
وتحددت أكثر معالم التنظيم الإداري على اثر تنامي الحياة الاستعمارية وتنوعها. اذ تم، في 1920، توزيع المصالح الإدارية، التي كانت إلى حدود ذلك الوقت مرتبطة بالكتابة العامة للحماية، بين مديريات مختصة (8)، فأصبح الطلب على الموظفين أكثر إلحاحا .
 
ويحق لنا أن نتساءل عن العدد الذي بإمكاننا أن نقدر به الأشخاص المغاربة والأوروبيين الذين يتقاضون أجورا ومرتبات، والمندمجين إلى هذا الحد أو ذاك في قطاعات النشاط الجديدة؟ قد يسمح لنا «إحصاء» 1926 (9) ببعض التقديرات، شرط أن يُستعمل ويؤوَّل بطريقة حذرة، وبناء عليه، يمكن القول بان 10 ألاف موظف فرنسي تقريبا كانوا بالمغرب، إضافة إلى عدد مماثل من المستخدمين في قطاعات التجارة و الأبناك و النقل، و إلى حوالي 8000 شغيل بالصناعة و المناجم، أما عدد المغاربة، فمن الصعب ضبطه حيث كانت بضعة آلاف منهم ـأكثر من نصفهم يهودـ مستخدمين . وبعض المهاجرين المؤقتين كانوا يشتعلون في الضيعات الكبرى وفي اوراش الأشغال العمومية و البنايات بالموانئ، وبصورة إجمالية، كان هنالك أقل من 100000 شخص، ربما 80000، من بينهم 30000 أوربي و 50000 مغربي .
 
وتكشف لنا مع ذلك هذه الأرقام ـ وان كانت معطياتها هشةـ عن عدد من الخصائص التي ستظل تميز المغرب كمستعمرة: إذ يقوم الأوروبيون بدون الأطر في تنظيم البلاد وفي بعض أنشطتها الأساسية، مثل المصانع و الأوراش و المناجم والزراعة العصرية؛ في حين ظل المغاربة بمثابة احتياطي من اليد العاملة غير المؤهلة مهنيا و التي كان الاستعمار يستمد منها كل حاجياته من الشغيلة .
 
هذا هو العجين الإنساني للحركة النقابية بالمغرب، فكيف اختمر؟ وما هي عوامل هذا الاختمار؟
 
.الموظفون وتشكيل الجمعية العامة  ماي( 1919).
 
قام الموظفون بدور حاسم في نشأة هذه الحركة، وإن كانوا لا يشكلون مجموعة منسجمة. إذ كان التمييز واضحا من جهة، بين الموظفين «القدامى» الذين جاءوا إلى المغرب قبل الحرب ولهم ما يحتاجونه بدون أن يتوفروا على الديبلومات المطلوبة، ومن جهة ثانية، بين الموظفين الجدد، ومعظمهم شباب في بداية حياتهم المهنية أو عاد بعضهم من الحرب. وكان هناك أيضا الفرق في المرتبة، والوظيفة والراتب والإطار، إذ نجد الموظفين «المتربوليين» الملحقين بالخدمة، والموظفين «الشرفيين» المرسمين ومساعدي الأطر المحلية التي أخد عددها يتنامى.
 
وبالرغم من هذا التباين فيما بين الموظفين، الذي كان أحيانا يؤدي إلى سوء التفاهم بين المجموعات وإلى الحرج في التنظيم النقابي، فقد دفعتهم مصالحهم المشتركة إلى أن يتجمعوا بشكل أو بآخر.
 
وكما وقع في معظم المستعمرات، تم جذب الموظفين بواسطة عدد من الامتيازات. كان ليوطي (المقيم العام في سنة 1912) يرغب في المضي قدما وبسرعة (10)، إذ كان بحاجة إلى إداريين لمراقبة التنظيم المغربي القديم. هذا التنظيم كان يريد الحفاض عليه لكي يترك انطباعا لدى السكان بأن سلطاتهم التقليدية لازالت موجودة.
 
وكان أيضا بحاجة إلى إنشاء مصالح  حكومية جديدة في قطاعات الشرطة والعدل والمالية والأشغال العمومية والاستيطان والبريد والتعليم والصحة، وهي مصالح ضرورية للاستعمار ولتبرير الاحتلال أخلاقيا. لذلك قرر منح الموظفين المتروبوليين الملحقين بالمغرب راتبا مضاعفا «لتعويض المعنيين عن المخاطر المختلفة التي سيتعرضون إليها بمجيئهم إلى المغرب» على حد قوله، كما قرر أن تكون ترقيتهم سريعة، وفضلا عن ذلك، أعطيت لهم تعويضات خاصة بالسكن وبغلاء المعيشة «متغيرة وقابلة للمراجعة كل سنة حسب تقلبات الأسعار ...» وتؤدى لهم إضافة إلى ذلك، نفقات السفر والإقامة والأسفار الدورية إلى المتروبول ومكافآت إنهاء الخدمة.
 
بفضل هذه الإجراءات، التي «تعد ربما كمجهود لامثيل له في التاريخ الاستعماري»، كان ليوطي في غاية الرضى عن نفسه لأنه استطاع أن يجد بسرعة موظفين مكونين، لهم تجربة في الجزائر وتونس وفي مستعمرات أخرى. على هذا النحو كان يتوفر ليوطي في 31 تموز/يوليو 1914 (11) على 1500 موظف، حوالي 20% منهم كانوا يعيشون في الرباط قرب الإقامة العامة، ومن تبقى منهم كان موزعا على باقي البلاد وكان يشكل المصالح الخارجية. فكان البريديون (316 موظفاً) وموظفو الأشغال العمومية (200) ورجال التعليم (185) والشرطيون (168) يشكلون أهم المجموعات، يأتي بعدهم موظفو العدل والإسعاف العمومي، وهذا التراتب بين اهتمامات ليوطي والضرورات المباشرة لتلك الفترة. ولم يكن الجمركيون يعدون من الموظفين، لأنهم كانوا تابعين آنذاك لإدارة مراقبة الدَّيْنِ المنظمة بين 1907 و1910، ولم يتم إدماجهم في مصالح الحماية إلا في سنة 1918. وقد كانوا ربما 100 أو 200. لم يكن بإمكاننا أن نتتبع بدقة تغيرات عدد الموظفين ابتداء من 1914. إلا أن بعض الإشارات تدفع إلى الاعتقاد بأن رجال التعليم والبريد كانوا الأكثر عددا (12) يتبعهم رجال الشرطة والجمارك.
 
ثم يأتي بعدهم الموظفون الذين قربتهم أنشطتهم المرتبطة فيما بينها: الأملاك، التحفيظ ومصلحة الجبايات؛ سجل المساحة والأشغال العمومية؛ المحاكم؛ الضاربون على الآلة الكاتبة في المصالح المركزية والخارجية. وكون رجال التعليم و البريد شكلوا أهم المجموعات، لا يخلو من أهمية. فإذا كان الأساتذة ومفتشو البريد مثلا ينتمون إلى شريحة عليا، مما كان يملي عليهم أحيانا تصرفات مغايرة، فإن البريديين والمعلمين كانوا يشكلون شريحة متوسطة، مؤهلة لتمثيل جماهير الموظفين الصغار والمتوسطين وقادرة على تحريكها.
 
غير أنه لم يكن في بداية 1919 أي شكل للتنظيم التعاوني بالمغرب باستثناء تعاضدية البريديين (1916) (13). ذلك أن الظروف، والحرب وتصورات ليوطي لم تكن لتساعد على بروز هذا الشكل التنظيمي. فعلى عكس ما حصل في الجزائر –حيث كان القانون الفرنسي لسنة 1884 الخاص بالجمعيات المهنية ساري المفعول، وسمح رسميا بإنشاء نقابات عمالية وثلاث اتحادات جهوية منضوية في ك.ع.ش. لم يكن الحق النقابي موجودا في المغرب ولا في تونس التي كانت بدورها تحت الحماية الفرنسية. لكن، هذا لم يمنع الشغيلة في تونس من إنشاء «اتحاد نقابات تونس» سنة 1911 والذي اختفى خلال الحرب، ثم أعيد تنظيمه سنة 1919، كما لم يمنع الموظفين من تشكيل ودادياتهم، وكانت وداديات المعلمين أكثرها عددا ونشاطا. أما المغرب فكان يعيش ظروفا مغايرة، إذ أن عملية احتلاله من طرف الفرنسيين كانت مستمرة ، فكان إذن خاضعا لحالة حصار. ووفقا لظهير  24 أيار/مايو 1914، لايمكن لأي جمعية أن تنشط إلاّ بعد حصولها على ترخيص مُعلن أو ضمني إذ لم يقع رفض الطلب في غضون ثلاثة أشهر. ومن جهة أخرى، كان عدد المأجورين الأوربيين والموظفين بالمغرب ضعيفا. غير أنه، مع انتهاء الحرب، اجتاحت الحمى على ما يبدو العمال والموظفين ببعض مدن المغرب.
 
لقد تحدثت نشرة (لوباريا) (Le paria) (المنبوذ) في عدد آب/أغسطس 1924 عن أحداث وقعت خلال 1918-1919، إلا أننا لا نتوفر لحد الساعة على أية تدقيقات إضافية حولها. فكتبت تلك النشرة تقول: «تم آنذاك إنشاء اتحادات للشغيلة بالدار البيضاء والرباط والقنيطرة ومكناس بين عمال قطاعي البناء والسكك الحديدية، الفرنسيين والإيطاليين والإسبانيين والمغاربة على حد سواء.
 
فهل يجب التذكير بأن الشغيلة الأهليين ساندوا رغم –تعسفات الإدارة والعسكريين– الإضرابات بنكران للذات منقطع النظير. وقد أدت هذه الإضرابات إلى الرفع في الأجور» (14).
 
لعل هذه الأحداث هي التي أدت إلى التعليمات التي أشار إليها جواني راي (Joanny Ray) حين كتب «جاء في رسالة وزيرية لسنة 1919، بأنه تم، غداة عودة الشغيلة الأوربيين، منع المغاربة من تبني المطالب التي قدمها الأوربيون للسلطة. وتذكر هذه الرسالة بوجود تعاضديات وتشير إلى أن الشكايات المقدمة تراتبيا عن طريق هذه الأخيرة هي وحدها التي يمكن أن تؤخذ بالاعتبار» (15).
 
وتبين هذه الرسالة الوزيرية، التي وإن لم نعثر عليها فليس لدينا أي داع للتشكيك في وجودها، رغبة الحماية منذ بدايتها –والتي سوف لت تتغير- في حصر الشغيلة الأوربيين، بمنعهم من تقديم أي مطلب ومن أي عمل مشترك وموحد.
 
وخلال سنة 1919 كان الموظفون بدورهم يتحركون، فتقول لنا السيدة كاترين فَيييِّي بتاريخ 20 كانون الثاني/يناير 1954: «أتذكر بشكل غامض اجتماعا صاخبا تم بمقهى بالدار البيضاء: كان الخطباء يأتون من الرباط حيث انطلقت الحركة... كان ذلك في أيار/مايو أو حزيران/يونيو 1919 ...)
 
ذلك أن المناخ الاجتماعي بفرنسا والجزائر أصبح مثقلا بسبب تسريحات العمال وارتفاع الأسعار الذين رافقا نهاية اقتصاد الحرب. وقد ألهبت الثورة الروسية لسنة 1917 حماس العمال فتوافدوا على ك.ع,ش التي تنامى عدد أعضائها باستمرار. لكن هذا لم يمنع أن يتعرض قادتها، وبالأخص ليون جوهر، للنقد الشديد، لكونهم أدوا بالحركة العمالية إلى التعامل مع البورجوازية خلال الحرب تحت غطاء الوحدة الوطنية. فأصبحت المطالب ملحة ومدعمة بمظاهرات وإضرابات وتحولت وداديات المعلمين، تحت تأثير أقلية من الأطر ذات عزيمة قوية، إلى نقابات وانضمت ككتلة إلى ك.ع.ش. يوم 25 أيار/مايو 1920 إلى جانب الفيديرالية الوطنية للموظفين (16).
 
وعلى ما يبدو فإن هذه الصحوة وهذا التحرك النقابي هما اللذان أدَّيا إذن بموظفي المغرب إلى تأسيس «الجمعية العامة  لموظفي الحماية» (10 أيار/مايو 1919) وبالإقامة العامة إلى الترخيص لنشاطها .على إثر ذلك، تأسس «تجمع عمال ومستخدمي الشحن والإفراغ المغربي» (8 حزيران/يونيو 1919) ثم «اتحاد وداديات شغيلة الكِتَاب بالدار البيضاء» (10 تموز/يوليو 1919). هذه هي أولى التنظيمات المهنية للمأجورين بالمغرب المعروفة لدينا، ويستحق هذا الحدث التنويه.
 
غير أن رجال الأعمال والحكومة في فرنسا تصدوا بدون تردد لهذا الوضع. فبعد انتخابات «الأزرق الأفقي» لتشرين الثاني/نوفمبر 1919 التي شهدت انتصار اليمين، كسرت حكومات الكتلة الوطنية إضرابات ربيع 1920 الكبرى (17)، وكثفت عمليتها القمعية، ولاحقت الموظفين الذين تم تذكيرهم  بقوة بأنهم لا يتمتعون بالحق النقابي، وكان المعلمون والبريديون مستهدفين بهذه الحملة بصورة خاصة. هكذا أدانت المحكمة الجنحية للسِّين يوم 10 آذار/مارس 1922، النقابة الوطنية لمستخدمي البريد الصغار، كنقابة غير شرعية؛ وفي 11 آذار/مارس أدانت دفعة واحدة جميع نقابات الموظفين، التي استأنفت الحكم (18). وخلال الاحتفال بالذكرى الخمسينية لتأسيس مدارس المعلمين لمنطقة السِّين، يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر، صرح رئيس الجمهورية ألكسندر ميللران، بصدد واجبات المعلم قائلا : «التعليم يريده [أي المعلم] كليا، فإذا اعتبر نفسه غير قادر على هذا، فعليه أن يختار سبلا أخرى» واتسمت كلمة وزير التعليم العمومي،،السيد ليون بِيرار (Léon Berard)، بنفس الصرامة(19).
 
وفي المغرب، كان ليوطي عازما على إخضاع موظفيه إخضاعا صارما، وكان مدراؤه يشاطرونه نفس الرأي، فتمتعهم بحق الطرد أو الإحالة المباشرة على الإطار الأصلي، كان من شأنه أن يهديء المتمردين أو يؤدي إلى التخلص منهم. وفي فاتح كانون الثاني/يناير 1920، بدأت عملية جلب الأطر الجديدة، وتخفيض التعويضات الإضافية للأجور الخاصة بالمغرب من 100% إلى 50% وقسَّم المغرب إلى أربع مناطق عوض منطقتين فيما يخص التعويضات عن السكن. لكن ارتفاع مستوى المعيشة بلغ مستوى تطلب رفعا مؤقتا للرواتب بنسبة 20%. الأمر الذي أدى عمليا إلى ارتفاع الرواتب بنسبة 80%، لكن في 1922، حذفت سلطات الحماية زيادة لـ 20% لاعتبارها بأن الأسعار انخفضت. وبينما قبلت أغلبية الموظفين هذا القرار، عم السخط والغضب أوساط مدرسي الابتدائي والثانوي الذين كثفوا جهودهم لتجميع قواهم وتنظيمها على الصعيد المغربي.
 
.وداديات جديدة( 1920-1922): ودادية التعليم الابتدائي بالمغرب:
 
كانت «الجمعية العامة» موجودة بطبيعة الحال. وكانت تُنعت ببساطة ب «ج.ع.» لكن بعض الموظفين حاولوا أيضا أن يتجمعوا حسب المديريات أو المصالح أو على الصعيد المحلي. غير أن هذا العمل كان مطبوعا بالتجزؤ والتردد وغالبا ما كان عابرا. ويسمح جدول الفاتح  من نيسان/أبريل 1925، الخاص بالجمعيات المسموح لها بالنشاط من طرف كتابة الحماية بموجب ظهير 24 أيار/مايو 1914 الصادر في الجريدة الرسمية، (20) بالتعرف على معظم المجموعات الأولى  المشكَّلة تحت التسميات التالية «مؤسسات تضامنية»، «جمعيات» أو «مجموعات» وعلى مقر نشأتها واسم كاتبها العام. هكذا، فبعد الجمعيات المنشأة سنة 1919 مثل «الجمعية العامة» و«الجمعية المغربية للشحن والإفراغ» و«جمعية شغيلة الكتاب بالدار البيضاء -التي نعلم أنها عاشت خلال فترة معينة رغم اختفائها في فترات، طالت أحيانا وقصرت أحيانا أخرى- شهدت الساحة المغربية بداية نشأة بعض التجمعات في 1920-1921: فتأسست جمعية المهندسين والمراقبين والمراقبين-المساعدين في الأشغال العمومية، والودادية الجامعية للمغرب التي تضم أساتذة و معلمين، وودادية ثانوية البنين للدار البيضاء التي كانت خاصة بمؤسسة معينة، وودادية التعليم الثانوي للرباط، وأخرى للدار البيضاء، وكانتا وداديتين إقليميتين.
 
وإلى جانب جمعيات الموظفين هذه، التي كانت معظمها خاصة بالتعليم الثانوي، نشأت جمعيات للمأجورين مثل الجمعية التعاضدية لمستخدمي الأبناك والمكاتب والتجارة، وودادية مستخدمي المقاهي والمطاعم والفنادق بالرباط، والجمعية الودادية لمستخدمي مكناس.
 
وأدت هذه التجمعات المتواضعة جدا إلى تأسيس وداديات للموظفين أكثر أهمية سنة 1922، وهي الجمعية الودادية لبريد المغرب، ودادية التعليم الثانوي للمغرب، ودادية الإدارة العامة للأشغال العمومية. فكيف كانت تسير هذه الوداديات المختلفة وكيف عاشت؟ إننا نجهل ذلك في الوقت الحالي. قال لي مناضل نقابي يدعى إردنجر (Erdinger)، الذي عُيِّنَ كبريدي بفاس سنة 1923، بأنه عرف بحق ديمونت (Demontes) الذي تشير إليه «الجريدة الرسمية» ككاتب لِودادية بريد المغرب، إلا أنه لم يسمع قط بهذه الودادية، ويضيف قائلا: «ربما كان لها نشاط محلي كانت تجهله المراكز الأخرى. وكانت ودادية التعليم الثانوي موجودة منذ نيسان/أبريل 1922، بدون أن تحصل حسب ما يبدو على ترخيص صريح مكتوب. أما معلوماتنا عن ودادية التعليم الابتدائي فهي أكثر دقة وتفصيلا.
 
فبعد تأسيس هذه الودادية في المؤتمر المنعقد يومي 14 و 14 نيسان/أبريل 1922، الذي ضم مندوبين عن معلمي مختلف المراكز، اعترف بها قرار صادر عن الكتابة العامة للحماية يوم 9 حزيران/يونيو 1922. لقد كانت نسبة هذا التجمع مرتفعة –إذ كانت الودادية تضم 500 منخرط من بين 800 معلم، أي ما يقارب الثلثين- وتنظيمه صلبا بفضل وداديات إقليمية ومؤتمرات سنوية منتظمة ومكتب منتخب وخزينة مضبوطة ومتوازنة، ونشرات فصلية تصدر بانتظام، وتتوفر هده النشرات الثمينة للغاية على معلومات خاصة باهتمامات واتجاهات المنخرطين والقادة، وبالمطالب والنضالات التي تم خوضها، وكذا بتطور حركة الموظفين بالمغرب، لكن من غير المجدي أن يبحت المرء عن أي إشارة واحدة لأحداث المغرب السياسية والعسكرية بالنسبة للعقد الأول على الأقل، إذ لا نجد ولو إشارة واحدة لأحداث الريف في نشرات سنة  1925، وبالرغم من صدور عدد من هذه النشرة يوم فاتح أيار/ماي بشكل رمزي، فإننا لا نجد أدنى إشارة إلى دلالة وأبعاد هذا التاريخ، إذ كانت حياة هذه الجمعية وصدور نشرتها بهذا الثمن.
 
ويتحدث العدد الأول من تلك النشرة عن المؤتمر التأسيسي المنعقد يوم 14 و15 نيسان/أبريل كما يتضمن النظام الداخلي للودادية الدي خضع لموافقة الكاتب العام للحماية –وفضلا عن المطالب المتعلقة بتحسين شروط «المعلمين الأهليين» و«المعلمين الجزائريين» والمعلمين المساعدين بواسطة التعويضات والمكافآت، برزت من بين المطالب ثلاث أساسية وهي تطبيق الرواتب الفرنسية الجديدة والمحافظة على الزيادة المغربية التي تبلغ 80% ومنح السكن أو استبدال ذلك بتعويضات تمثيلية مثلما هو الأمر في فرنسا.
 
ويعلن العدد الثاني الصادر في فاتح نونبر 1922 كانتصار كبير كون «ودادية التعليم الابتدائي سُمح لها بالنشاط» تم يعدد مختلف الإجراءات المتخذة من طرف أعضاء مكتب الودادية الفتية في فرنسا والمغرب بإيعاز من الرئيس ج. بريَّان، (J.BRIANT) الذي كان مدير مدرسة بالدار البيضاء وكانت لا تعوزه لا التجربة ولا السلطة.
 
وقد سمحت العطلة الصيفية بربط الاتصال  مع فرنسا (21). وخلال هذه الفترة التي كانت تشهد تمزق الحركة العمالية-إذ أسست الفدراليات والنقابات التي طردت من الكنفدرالية العامة للشغل (ك.ع.ش) الكنفدرالية العامة للشغل الوحدوي -لم يتم اتخاذ أي اختيار حصري. وقد أُخبر روسيل (ROUSSEL) الكاتب العام للنقابة الوطنية للمعلمين بذلك «في بداية تموز/يوليوز ... في المدرسة التي كان يسيرها والواقعة بزنقة فوندري ..». وستكون ودادية التعليم الابتدائي للمغرب «متعاطفة» مع النقابة الوطنية، وكانت هذه الأخيرة «تعتبرها كفرع لها وترسل إليها رسائلها الدورية وطلباتها الخاصة بالأبحاث الميدانية، علما بأن الجمعية لن تدفع أي اشتراك». وأُرسلت السيدة جفروي زابلو-(Geoffray Zablot) بصفة ملاحظ إلى مؤتمر النقابة الوطنية بلوهافر في آب/أغسطس 1922 «للاستماع الى ما يروج في هذه الأوساط ولربط الاتصال معها». فكتبت في النشرة تقول بأن المندوبين أجمعوا على إدانة «المحاولات المتعددة الأشكال التي تناهض المدرسة العلمانية ومعلميها» لكن النقاش احتدم عندما طرح كل من كَلاي (Glay) وروسيل مسألة الانضمام إلى «ك.ع.ش». «كنا نحس بأن الرأي العام كان منقسما بين مناضلي (ك.ع.ش)  وعدد لابأس به من أنصار الكنفدرالية العامة للشغل الوحدوي، علما بأن الجميع كان متفقا على ربط الحركة النقابية بالطبقة العاملة التي نُعد نحن معلميها الواعين (كذا!)... ومع ذلك قرر المؤتمر الانخراط المبدئي في (ك.ع.ش) مع سحب اختياري للبطاقات».
 
ودخل المكتب في علاقة مع فيدرالية نقابات الموظفين التي يترأسها شارل لوران، والتي استعادت استقلالها الذاتي «تحسبا لوقوع انشقاق في صفوفها، إذ أن العديد من أعضائها كانوا من أنصار الكنفدرالية العامة للشغل الوحدوي» (22)، كما ربط علاقة مع «رابطة حقوق الإنسان والمواطن» ومع «الرابطة الفرنسية للتعليم». ومع «البعثة العلمانية الفرنسية». ووعدت جميع هذه الجمعيات المكتب بأنها ستعمل على دعم المطالب الأساسية لودادية التعليم الابتدائي بالمغرب. سواء لدى الحكومة أو البرلمان أو بطرق أخرى.
 
وفي المغرب صرحت الودادية على الفور- والفصل الثالث من نظامها الأساسي ينص على ذلك بوضوح- بعزمها على «الدفاع عن الفكر العلماني والديمقراطي والجمهوري وتقويته في التعليم العمومي الابتدائي). ويمكن أن تبدو هذه العبارة، الصحيحة في فرنسا، غريبة نوعا في بلد مسلم وملكي، إلا أنها تسلط الضوء على عقلية هؤلاء المعلمين الحاملين للاهتمامات والمثل العليا الفرنسية، والمتيقنين بأنهم مكلفون بمهمة «تحضير» و«ادماج» (23) «الأهالي» أو بمهمة «الاستعمار السلمي عبر المدرسة العلمانية، التي هي شرط للسلم فيما بين الأديان والقوميات المختلفة لهذا البلد...» (24). فخصوصية البلد الذي قرروا أن يدرّسوا به لم تكن ظاهرة لهم، كما أنهم لم يكونوا على علم بالطبيعة الحقيقية للواقع الاستعماري.
 
وكان على القادة بالخصوص أن يحلوا بشكل مباشر مشاكل الهيكل التنظيمي والمطالب، فشكلوا منذ نيسان/أبريل 1922 لجنة الوفاق  الجامعي مع أساتذة ودادية التعليم الثانوي (25) للمطالبة بأن تطبق، في المغرب، مقررات القانون الفرنسي الصادر يوم 30 نيسان/أبريل 1921 التي تمنح لرجل التعليم إضافات في الرواتب (26) والحفاض على الزيادة المغربية التي تبلغ 80%  من الراتب الأصلي والتي قررت الإقامة العامة حذفها.
 
لكن ماهي العلاقات الواجب إقامتها مع «الجمعية العامة» التي ينتمي إليها عدد لابأس به من الأساتذة والمعلمين؟ لقد خاض ممثلو الوداديتين مفاوضات بهذا الشأن يوم 22 حزيران/يونيو 1922. وبما أن قادة «الجمعية العامة» كان معضمهم مدرسين مثل ريمي بوريو (Remy Beaurieux) والسيدة جيفروى زابلو، فقد تم حسم كل شيء بسرعة. وبعد العودة من العطلة تم في 15 تشرين الأول/أكتوبر التوقيع على بروتكول اتفاق ينص على انخراط الوداديتين دفعة واحدة ، وعلى أداء اشتراك يبلغ 6 فرنكات سنويا لكل منخرط، وعلى التمثيل المباشر للمجموعات من طرف مكاتبها الخاصة في اللجنة المركزية للجمعية العامة. وحافظت كل مجموعة على علاقات مباشرة مع رؤساء المصالج. وكان  دور «الجمعية العامة» يتمثل في تقديم مطالب الموظفين المشتركة للسلطات، سواء للكاتب العام أو المقيم العام، وتهيئ المقابلات المطلوبة من طرف ودادية ما. وكانت لهذا البروتكول بدون شك، قيمة نموذجية، وقد اعتمد عليه قادة الجمعية فيما بعهد في مفاوضاتهم مع مجموعات أخرى من الموظفين.
 
وتسلط نشرات الودادية الصادرة سنة 1923 بعض الضوء على «الجمعية العامة» التي أصبحت هيئة معقدة أكثر، وأضحى الانخراط فيها يتم بشكل فردي أو جماعي، وكانت تتكون من فروع محلية ولجنة مركزية ومكتب، وكانت الفروع المحاية تضم موظفي نفس الناحية أو نفس المنطقة. وبلغ عددها 15 فرعا يسيرها موظفو الخزينة، والتحفيظ والجمارك أو البريد، وكان بعضها بمثابة إطار لاتحادات محلية بعد 1935.
 
كان العمل الأساسي يتم في المكتب، حيث توالى على رئاسته سنة 1922 ريمي بوريو، استاذ بثانوية الرباط، وسنة 1923 فوسست، ومن التحفيظ، ثم ابتداء من 1924 كَيطون، وكان مراقبا بالجمارك، وكان يُنجز هذا العمل أيضا في الفروع إذا ما وُجد في على رأسها كتاب نشطون. أما اللجنة المركزية فبحكم كثرة أعضائها وتنافرهم، وكان عملها ضئيلا.
 
وكان عدد كبير من المنخرطين في الودادية يعتبر الاشتراك الإضافي  السنوي الذي يبلغ 6 فرنكات، جد مرتفع، إذ يمثل ربع الاشتراك الإجمالي المحدد في 25 فرنك.  وكانوا يشككون أيضا في فعالية الانضمام إلى «الجمعية العامة»  التي ينتقدون «فتورها» وكان على القادة أن يتدخلوا في مختلف المؤتمرات لإقناعهم بضرورة «التضامن الوثيق بين جميع الموظفين» وبالواجب الملقى على عاتق المعلمين لتنشيط الفروع المحلية أو إيقاظها من «سباتها». «... ستكون هذه نقطة لفائدة وداديتنا ونتيجة مكتسبة منذ الآن للقضية العامة...» (جاء هذا في رسالة من المكتب إلى الوداديين بتاريخ 29 نيسان/أبريل 1923 ). حقا إن دعم «الجمعية العامة» لم يتوقف أثناء هذه السنوات الثلاث الأولى (1922-1925) التي ظل النزاع الحاد قائما خلالها بين المعلمين من جهة وإدارة التعليم العمومي وسلطات الإقامة من جهة ثانية.
 
.تحركات مطلبية ونزاعات ودادية التعليم الابتدائي:
 
كان المعلمون كما أسلفنا يطالبون، صحبة الأساتذة، بالتطبيق الفوري للقانون الفرنسي المؤرخ ب 30 نيسان/أبريل 1921، والقاضي بتعديل قيمة الرواتب وبالحفاظ على الزيادة المغربية البالغة 80% من الراتب الأصلي، وقد شكلوا صحبتهم، أيضا لجنة الوفاق الجامعي. وكانت لديهم دوافع أخرى للغضب على وضعهم، إذ أن التعويض الممنوح لمديري المدارس كان دون مستوى التعويض الدي يعطى لهم في فرنسا. كما أنهم لم يمنحوا السكن أو التعويض عنه، الذي هو جزء لا يتجزأ من راتب المعلم الفرنسي.
 
وكانوا  لا يطيقون عدم تمتعهم بنفس الضمانات المتعلقة بالترقية والتعيين الجاري بها العمل في فرنسا والتي غالبا ما كانت تبدو لهم قابلة للاعتراض أو مطبوعة بالتحيز، لأنها مقررة من طرف المكاتب وحدها، فطالبوا إذن بإنشاء لجن متعادلة التمثيل تتكلف بالتعيينات والترقيات  وكذا بقضايا النظام. وكانوا يرفضون التمييزات التي أحدثت على نظام الرواتب و التعويضات العائلية، بين المعلمين الفرنسيين والجزائريين المسلمين والمغاربة، وكان بودهم أيضا أن تُعطى مكافأة خاصة للمعلمين الذين يدرسون في مناطق معزولة ووعرة، وأخرى لفائدة «الأهالي» كما هو حاصل في الجزائر.
 
ورغم الرسائل التي بُعثت إلى بعض البرلمانيين في أيلول/سبتمبر 1922 تطالبهم بالتدخل في مجلس النواب والشيوخ خلال مناقشة ميزانية المغرب، ورغم المساعي المتكررة لدى المدير العام  للتعليم العمومي، والتقرير المقدم للمارشال ليوطي سنة 1924، فإن النتائج المحصلة كانت محدودة نوعا ما، فالمكافأة الخاصة بتعليم الأهالي أعطيت للمرشحين الذين اجتازوا بتفوق مواد اختبار الأهلية، وتم تطبيق قانون 30 نيسان/أبريل 1921 المسمى قانون تعديل قيمة الرواتب ابتداء من فاتح كانون الثاني/يناير 1923، لكن تم في ذات الآن، تخفيض الزيادة «المغربية» من 80% إلى 50%. وأصابت الخيبة المعلمين والأساتذة على السواء وهم الذين كانوا يعلقون آمالا كبيرة على تطبيق هذا القانون، إذ أن رواتبهم لم تتحسن إلا قليلا بالنسبة لرواتب تموز/يوليو 1921 (27).  وقد تأثرت نتيجة لهذه العلاقة بين المدير العام هاردي Hardy ورؤساء أقسامه. فكانت اللقاءات بينهم أحيانا حادة و«جافة»، وكانت المكاتب متصلة لأنها «لم يكن بإمكانها على ما يبدو الاقرار بأننا نشكل كتلة كبيرة من الموظفين» ويضيف بريان، الذي أدلى بهذه الانطباعات أمام مؤتمر سنة 1923: «إننا لن نأخذ حرب 1914-1928 كمبرر لنؤكد قيمة رجال التعليم الابتدائي، فقد أظهرت هذه الحرب مرة أخرى مزايا الأفراد المنحدرين من الطبقة العاملة الفرنسية، وإن استشارتنا نحن التقنيين ستجعل المسؤولين يتفادون عدة أخطاء وعدة ترددات وستعطي دفعة أخرى للمدرسة الفرنسية بالمغرب» (28).
 
ووقع حدث أخطر من هذا، إذ خلال مجلس ضم مديري مصالح الحماية وانعقد بتاريخ 10 كانون الثاني/يناير 1924، دافع مندوبو ودادية التعليم الابتدائي -ودعمهم في ذلك ممثلو جمعية الموظفين-عن مطلبهم الخاص بالتعويض عن السكن، وبينما اعتقدوا بأنهم أقنعوا المسؤولين، رفض المدير هاردي مطلبهم بمبرر أن المعلمين يستفيدون من عدة امتيازات مثل المكافأة على الشهادة العليا والترقية السريعة، ولأنهم طالبو بالاستفادة من القانون الفرنسي في وقت غير مناسب.
 
وقد أدى فشل سنة 1923 و1924 إلى نوع من القلق والضيق. فاستقال بعض المعلمين الجزائريين المسلمين، وبرزت خلافات بين أعضاء المكتب نفسه. ويُعد تقرير الرئيس ديسبان (Despin) أمام الؤتمر الثالث إقرارا بالفشل، ويخلص إلى ضرورة توطيد العلاقات مع فرنسا. وهذا بعض ما جاء فيه: «نعتقد، بنا على تجربة السنوات الأخيرة، بأن مصير أي تحرك مغربي صرف هو الفشل. وإذا أردنا أن يؤدي إلى نتائج معينة، فعلينا أن ننقله إلى فرنسا... وستكون النقابة الوطنية وفيدرالية الموظفين أفضل وأقوى المدافعين عنا، فللجمعية العامة علاقة سابقة مع فدرالية الموظفين، لذا يجب أن يكون انخراطنا في النقابة الوطنية أمرا محققا في لأقرب وقت» (29).
 
.المؤتمر الثالث (أبريل 1924):
 
ضم المؤتمر الثالث المنعقد يومي 23 و24 نيسان/أبريل 1924، مندوبين وصل بعضهم إلى المغرب مع بداية السنة الدراسية (فاتح تشرين الأول/أكتوبر1923) مثل كَولار Goulard، تيكسي Texier، بوسار Boussard، شابودوفيل Chapdeville وجيل Gilles. كان معظمهم شبابا باستثناء بوسار (ثلاثون سنة) الذي كان يبدو كأخيهم الأكبر، وكان لهم تكوين سياسيي ونقابي جيد وسيلعبون فيما بعد دورا هاما في نشأة وتطور الحركة النقابية المغربية (30).
 
فقرر المؤتمر أولا بالإجماع الانضمام الى النقابة الوطنية، متجاوزا بذلك قرار المنع القانوني لسلطات الحماية، وأخبرت باريس بذلك يوم 25 نيسان/أبريل بالتلغراف. وبعد تطرقه لمختلف المطالب، تدارس المؤتمر قضايا توجه الودادية ونمط سير الجمعية العامة مهددا بالانفصال عنها إذا لم تتخذ طابعا فيدراليا.
 
وتم تجديد المكتب بكامله، وأصبح عدد أعضائه 9 عوض 6، وحُددت مناهج عمله بدقة، بهدف الرفع من فعاليته. وكان الرئيس الجديد المنتخب، بوسار، القادم حديثا من منطقة وهران (الجزائر)، شخصية محتدمة النشاط وعراكية. ولم تنل طريقته الفظة في تناول القضايا مع إدارة التعليم العمومي، رضى بعض أعضاء المكتب –لوبلان Leblan، بابيس Barbusse، والآنسة سان نزير Saint-Nazaire– فاستقالوا، وتم تعويضهم مباشرة بأعضاء آخرين (31). وأُخبرت النقابة الوطنية بذلك، كما تدل الرسالة التي بعثها المنتخب الجديد جان- جان Jean Jean إلى «الرفيق روسيل»، الكاتب العام للنقابة الوطنية، بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 1925، والتي يقول فيها «إن أغلبية المنخرطين في جمعيتنا تظل وفية للنقابة الوطنية التي تحظى بكامل ثقتها. لكن، ما دمنا من أنصار الاندماج، تركنا في المكتب المجال لبعض المتعاطفين مع «الفدرالية الوطنية للتعليم العلماني» (التابعة للكونفدرالية العامة للشغل الوحدوي) وبهذا حققنا للمغرب تلك الوحدة النقابية التي كنا نحلم بها لصالح التنظيم ولفائدة تعليم إنساني». فقد خاض إذن بوسار معركة التعويض عن السكن محاطا بمجموعة من الأطر الشابة ذات العزيمة القوية -كان متوسط سنها حوالي 25-26 سنة. وتقدم هاردي باقتراحات رفضها المكتب باعتبارها تعد «بمثابة سُبة مجانية في حق رجل التعليم». وصعَّد مكتب ودادية التعليم الابتدائي هجوماته فانتقد المساعدات المعطاة للمدارس الدينية لأنها تمس بالعلمانية. وكذلك التفرغ، المتفاوض عليه بين حكومة الحماية ومدارس  إسرائيلية، الممنوح للرابطة الإسرائيلية العالمية (32) وكلف بعض البرلمانيين بتقديم مطالب معلمي المغرب عن طريق «أسئلة مطروحة على السيد رئيس المجلس الحكومي ووزير الخارجية» (33).
 
وأخيرا مورست ضغوطات على الجمعية العامة للموظفين لكي تقوم في باريس بمساعي لدى الحكومة، لكي تنظم في المغرب تجمعات بغية الحصول على تعويض مؤقت يبلغ 1500 فرنك ويخفف نوعا ما من غلاء المعيشة (كانون الأول/ديسمبر 1924-يناير 1925).
 
.قضية بوسار ( 15 آذار/مارس -19 تشرين الثاني/نوفمبر 1925):
 
أدى نشر مقال، ينتقد فيه بوسار تعسف بعض ممارسات المديرين والمقيمين، إلى تعريض الودادية لعقوبة الحكومة. صدر هذا المقال في العدد 11 من «نشرة ودادية التعليم الابتدائي» بتاريخ 15 آذار/مارس 1925، تحت عنوان «ريح الجنون». وفي يوم 16 آذار/مارس وُضع بوسار رهن إشارة إدارته الأصلية، وطلب منه أن يتوقف فورا عن مهامه. «كان عمل جمعية التعليم الابتدائي يزعج المارشال، إذ يبدو له بأنه يمس سلطته» (34). كما قال فيها بعد المدير هاردي.
 
هكذا قامت العاصفة، إذ أُرسلت على الفور برقيات احتجاج من لجن المناطق. وأعلن مكتب ودادية التعليم الابتدائي عن تضامنه مع كاتبه العام وقطع علاقته مع مديرية التعليم العمومي. ورغم فتور مندوبي الرباط (35) فقد أعاد المؤتمر –الذي انعقد في نيسان/أبريل- انتخاب بوسار كرئيس للودادية وجميع أعضاء المكتب القديم، ورفضت لجنة، بعثها المؤتمر إلى المدير هاردي، أية مساومة، وطالبت بإعادة رفيقهم إلى منصبه قبل كل شيء، لقد كانت هذه المسألة تطرح، في اعتبارهم، قضية الحركة النقابية الناشئة برمتها.
 
ويمكننا أن نقرأ في تصريح أدلى به المكتب بعد المؤتمر ما يلي: «إننا لن نوقف حركتنا لفائدة رفاقنا إلّا بعد تلبية مطالبنا، نظرا لتيقننا من أن السكوت عمّا أصاب بوسار سيفتح المجال الى عقوبات جديدة وسيعيق نمو الحركة النقابية –بل وحتى الحركة التعاضدية- بالمغرب لمدة طويلة» (36).
 
أما بوسار، فإنه لم يلتحق بوهران، منطقته الأصلية، بل ذهب إلى باريس، مبعوثا من طرف «الجمعية العامة» ليهيئ بها دفاعه. والتقى روسيل وش. لوران Laurent بِأَرستيد بريان الذي طمأنهما (37). وفي الأخير، فاز المعلمون في هذه المعركة، إذ في 19 آذار/مارس عاد بوسار الى منصبه. وأحس على إثر ذلك مكتب ودادية التعليم الابتدائي بالمغرب «بنوع من الفخر». وشكر بوسار، في رسالة حماسية، كل الذين ساندوه في هذه المحنة سواء كانوا في المغرب أو باريس.
 
إن قضية بوسار، التي تعد قضية مأثورة، أظهرت المعلمين كطرف شعاع ومتصلب في الحركة النقابية المغربية الفتية. ويعد هذا الانتصار –الذي تحقق بهذه السرعة–  نادرا شيئا ما في سجل الحماية، الأمر الذي دعانا الى الوقوف عنده. فبدون استعداد وإقدام المناضلين والدعم الدي حصلوا عليه، ما كان ممكنا تحقق أي شيء. غير أن مفتاح هذه القضية يكمن في التغيرات السياسية التي شهدتها فرنسا وفي الأحداث التي كان المغرب مسرحا لها.
 
 
 
2 – تطور الحركة التعاضدية : 1926 – 1929
 
 
كان للتغييرات السياسية الفرنسية ولذهاب ليوطي Lyautey أثر إيجابي على تطور الحركة التعاضدية بالمغرب. وبحكم انشغاله بحرب الريف، سارع تيودور ستيغ Theodore steeg إلى تهدئة النزاعات الاجتماعية الأكثر حدة. ومع انتهاء حرب الريف (أيار/مايو 1926) حظيت الجالية الفرنسية بتشجيعات أكبر، فأصبحت تتمتع بنظام أكثر ليبرالية وتدعمت انطلاقتها الديمغرافية والاقتصادية. ونتج عن ذلك تعدد التجمعات المهنية وطلب ملح اليد العاملة المغربية التي ظهر نقصها في بعض المناطق خلال صيف 1928 و 1929. وقد تمم لوسيان سان، الذي أتى من تونس، عمل ستيغ الذي غادر الإقامة العامة للمغرب في كانون الثاني/يناير 1929.
 
.أيار/مايو 1924 وانعكاساته على المغرب:
 
لقد أدى الانتصار الانتخابي لتكتل اليسار في أيار/مايو 1924 الى تحطيم «الكتلة الوطنية» وحكوماتها المصرة على مناهضة الشغيلة والموظفين (1). وكان لهذا الحدث انعكاسات على العقليات ثم على الوقائع في المغرب. إذ أن مكتب ودادية التعليم الابتدائي بالمغرب وجد في ذلك بدون شك ما يدعم عزيمته على العمل، كما أن الاعتراف الرسمي بالحق النقابي للموظفين بفرنسا أعطى نوعا من المشروعية لتنظيمات المغرب (2). واضطر الماريشال ليوطي إلى أن رفع حالة الحصار التي كانت تخول للسلطات العسكرية مسؤولية الحفاظ على الأمن في «المناطق المدنية»، حيث كان يجتمع معظم الشغيلة والموظفين (3). وقد أثر الهجوم المباغث الذي قام به عبد الكريم الخطابي على هيبة ليوطي. ولما انتُزعت منه قيادة العمليات العسكرية لفائدة بيتان Pétain قدم استقالته (تشرين الأول/أكتوبر 1925). وقد عُين تيودور ستيغ، الذي كان وزيرا راديكاليا، مكانه كمقيم عام.
 
خلال سنة 1925، كانت الحكومات الفرنسية المنبثقة عن التكتل تواجه مصاعب كبرى. فمناورات الأوساط المالية كانت تسرع تدهور قيمة الفرنك. والانتفاضة بلغت أوجها في سوريا والمغرب كما عمل الشيوعيون الفرنسيون، الذين كانوا يؤيدون ويدعمون الحركات الوطنية في المستعمرات، على تكثيف غاياتهم، وأنشأوا مع الكونفدرالية العامة للشغل الوحدوي «لجنة عمل ضد الحرب في المغرب» (4). وعلى إثر ندائهم يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر 1925 أضرب 900000 عامل فرنسي عن العمل لمدة 24 ساعة لكي تتوقف حرب الريف. الأمر الذي أدى إلى متابعة أعضاء  «لجنة العمل» وإلى إصدار أحكام قاسية بالحبس في حقهم.
 
وكان لكل من بانولوفي Painlevé، رئيس المجلس الحكومي آنذاك وبريان   Briand، وزير الشؤون الخارجية مصلحة في مداراة الاشتراكيين الذين يمثلون جزءا مهما من أغلبيتها، نفس الشيء بالنسبة لفدرالية الموظفين التي قامت بحملة لصالح تكتل اليسار. في غمرة حرب الريف بدا لها قضية بوسار أتت في غير وقتها، لأنها تدفع الموظفين إلى التحرك ضد الاقامة العامة. وبموافقة الحكومة، قرر ستيك ارجاع بوسار إلى منصبه وقدم ذلك كهدية سارة للموظفين. وبعزيمة مماثلة لإنهاء المشكل بسرعة، حسم ستيغ ،بضعة أشهر فيما بعد، النزاع الذي كان قائما بين السككيين ومديريتهم، قبيل الهجوم الكبير على عبد الكريم الخطابي، وعند انتهاء حرب الريف (أيار/مايو 1926) اتخذ  اجراءات سياسية لفائدة الجالية الأوربية.
 
.الإجراءات السياسية: الفروع المغربية للحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO).
 
منذ أن أخد نظام ليوطي يتزعزع بدأت تظهر تنظيمات اليسار الفرنسي: فروع رابطة حقوق الإنسان والحزب الراديكالي والحزب الاشتراكي (الفرع الفرنسي للأممية العمالية: SFIO) والمحافل الماسونية حيث كان يتلقى الاشتراكيون والراديكاليون، ومنذ 1924، بعد انتصار تكتل اليسار، تمت اجتماعات للاشتراكيين بالرباط «في مأوى النهضة» (5). ووُزعت البطاقات الأولى، ثم إنهار كل شيء، واستُعيد النشاط سنة 1925 على يد ليونيتي     Leonetti (وهو من بين كتاب الحماية) وشامبيون Champion (وكان سككيا) وقد ساعدهما كل من موندولوني  Mondoloni، من فرع بلوم بباريس (وهو محرر ملحق بالمكتب الشريف للبريد والتلغراف والتيليفون) وبيو  Biau الذي أتى من الجزائر العاصمة لتنظيم مصلحة الشيكات البريدية، وعمل موندولوني وبيو، اللذان كان يعرفان جيدا أهداف الحزب الاشتراكي/الفرع الفرنسي للأممية العمالية وطريقة عمله، عملا على نصح رفاقهما الشبان بتلطيف مزاجهم وبالعمل بحذر في هذا البلد الخاضع للحماية وبربط الاتصال مع قادة باريس باتخاذ الحيطة من الشيوعيين المتسترين الذين يحاولون «التسلل» داخل الحزب  و«نتف ريش الدواجن الاشتراكية» (6). ومنذ هذا الوقت بدأ، عن خطإ أو عن صواب، يُعد شامبيون عنصرا مشبوها فيه.
 
ثم أُسست فروع أخرى في 1925-1926، في الدار البيضاء، مراكش، مكناس، فاس، وجدة، وآسفي (7). وكان المنخرطون يهتمون في اجتماعاتهم بالتربية الاشتراكية والتربية العمالية، وكانوا يتخذون مواقف بصدد المشاكل ذات الطابع المحلي ويناقشون القضايا النقابية: «عند كل ذكرى نقابية، مثل فاتح أيار/مايو، كانت تنتهز الفرصة لإلقاء محاضرة نقابية» (ليونيتي). وكان الهدف الأسمى لهذا العمل هو دفع وداديات الموظفين إلى التجمع في فيدرالية محكمة التنظيم، كما ساهمت هذه الفروع في أعمال احتجاجية: ففي قضية ساكو وفانزيتي، نُظمت مظاهرات «ضخمة» يوم 21 آب/أغسطس 1927، أمام القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء. على إثر هذا تم اعتقال بعض المناضلين وقدموا للمحاكم التي أصدرت في حقهم أحكاما بالسجن مع وقف التنفيذ، إلا أن أحدهم ، ويدعى إيف فارج Yves Farge، تم طرده (8).
 
وتجمعت الفروع لتشكل الفيدرالية الاشتراكية للمغرب (الفرع الفرنسي للأممية العمالية) وكان لها نفوذ في أوساط الموظفين الصغار والمتوسطين . وقد انخرط فيها أحيانا الشيوعيون الذين كان المنع قد طال حزبهم وجريدتهم «لومانيتي» (الإنسانية). وكان كل من الاشتراكيين والشيوعيين يناضلون في الوداديات وكانوا يعتبرون العناصر الأكثر نشاطا فيها.
 
في تشرين الأول/أكتوبر 1926، اتخذ ستيغ قرارا سياسيا يقضي بإنشاء هيئة ثالثة ضمن المجلس الحكومي الذي تستشيره الاقامة العامة، إلى جانب الهيئتين المكلفتين بالدفاع عن مصالح الزراعة (الهيئة الأولى) وعن مصالح الصناعة والتجارة (الهيئة الثانية). وكُلفت الهيئة الثالثة بإبلاغ المسؤولين بشكاوي ومتمنيات باقي الجالية الفرنسية، أي أصحاب المهن الحرة والموظفين الذين طالبوا بحرارة بهذه التمثيلية تم تجريدهم من أهلية الانتخاب. ونظرا للخيبة التي أصابتهم والغضب الذي لحق بهم، قدموا مرشحين للاحتجاج، وتمكنوا أحيانا من انتخابهم كما وقع في فاس 1927، أو أعطوا أصواتهم لشغيلة المصالح الخاصة أو ذات الامتياز.
 
ومع ذلك كانت هذه الأحداث في مجملها تخص المواطنين الفرنسيين وحدهم، إذ ظلت «السياسة الأهلية» مجالا محفوظا، ولم تكن الاقامة العامة تسمح بأي تدخل فيها.
 
.ازدهار المغرب الاستعماري (1926-1930):
 
خلال هذه السنوات الخمس تطور الاستيطان في المغرب بشكل قوي. فما بين «إحصاءات» 1926 و 1931 (9) (التي هي في الحقيقة مجرد كشف حسابي) تنامى عدد السكان غير المغاربة بنسبة 65% متنقلا من 104000 إلى 172000 شخص بواسطة الهجرة، وعن طريق الحركة الطبيعية أيضا، إذ ولد  25% من الأشخاص المحصيين بالمغرب، كما أن تعبئة الأراضي المغربية تسارعت، فانتقلت أراضي الاستيطان من 480000 إلى 700000 هـ سواء عن طريق تخصيص رسمي أو بحيازة مباشرة (10).
 
وتم توسيع الأشغال الكبرى، وعم نشاط كثيف في ورشات  تشييد الطرق والسكك الحديدية، والسدود الكبرى والموانئ، والبنايات الإدارية: فتدعمت الشبكة القائمة بما يلي: 1200 كلم من الطرق و 500 من السكك الحديدية. كما تم تشغيل المحطة الحرارية لوجدة وسد سيدي معاشو ومحطته المائية (1929). وشيدت مجموعات عمرانية جميلة في قلب «المدن الجديدة» وتنامت المكاسر والمرافئ والأرصفة في ميناء الدار البيضاء الذي تمركزت فيه منذ 1925 كل القروض. واستمرت الأشغال في القنصرة على واد بهت (1926-1935)، وفي القصبة الزيدانية على واد أم الربيع لبناء السدود (1924-1935)، وفي ميناء الدار البيضاء(1927-1931)؛ وعلى الخط السككي المنجمي وجدة–بوعرفة (إلى حدود 1931) الذي يقوم بنقل فحم جرادة ومنغنيز بوعرفة، وعلى الخط الاستراتيجي وجدة–فاس الهادف الى إتمام الشبكة السككية الكبرى لشمال افريقيا: تونس العاصمة–الدار البيضاء-مراكش (11).
 
إن مصاريف الجهاز العسكري التي تضخمت بالخصوص خلال حرب الريف، والقروض التي قدمت لتنفيذ أشغال التجهيز، وتدفق الرساميل الفرنسية الخاصة التي كان أصحابها يعتبرونها غير مضمونة في فرنسا، كل هذا زاد في نمو كتلة الرساميل المتوفرة، التي بلغت في المجموع 162 مليار فرنك لسنة 1955، من مصدر عمومي وخصوصي، أي بمعدل 27 مليار سنويا، وهذا ما شجع الأنشطة الخصوصية التي تضخمت وتنوعت في البناء والصناعة والتجارة. ففي الدار البيضاء تضاعفت القيمة السنوية للبناء بأكثر من خمس مرات، إذ انتقلت من 1500 مليون سنة 1926 إلى 8 مليارات في كل من 1928 و1929. كما أن استثمارات الشركات بلغت مستواها الأعلى في 1928 و1929 هذا المستوى لن تبلغه لتتجاوز بكثير إلا في 1946. ولا مجال للمفاجأة إذن، إذا لاحظنا إنشاء شركات صناعية ومنجمية كبرى خلال سنتى 1928-1929 مثل الشركة الإفريقية لمؤسسات ج.ج. كارنو ومصاهر الحديد لباس – أندر (فرع واندل)، الشركة المغربية للسكر (COSUMA) ،الشركة الإفريقية للغزل والنسيج (SAFT)، الشركات المنجمية لأحولي، زليجة، جرادة والمؤسسة الشريفية للبترول، أما فيما يخص البحث والاستغلال المنجميين فكان مكتب الأبحاث و المساهمات المعدنية، الذي أسسه إريك لابون EIRICK LABONNE، الكاتب العام الجديد للحماية سنة 1928، هو الذي يوفر لها التشجيع والمساعدة الضروريين. هكذا تضاعف استخراج الفوسفاط ثلاث مرات بين 1925 و1930 (من 721000 إلى 2100000 طن) فيما تضاعف النشاط التجاري الاجمالي لميناء الدار البيضاء الذي انتقل من 1400000 طن الى حوالي 3 ملايين، كما ان الإنتاج الكهربائي تضاعف بخمس مرات في نفس الفترة، منتقلا من 14 مليون إلى 63 مليون كيلوواط في الساعة. وفي 1931، عدت المصالح الرسمية 1932 مقاولة دُعيت صناعية، استثمرت مليارا من الفرنكات الجارية كرساميل، وشغلت 45000 شخص (12) واستهلكت 33 مليون ك.و.س. إن جميع المؤشرات متوافقة إذن لتدل على أن نشاط المستعمرة المغربية قد تضاعف مرتين، ثلاث، أربع أو خمس مرات حسب القطاعات.
 
.الانعكاسات الانسانية : المغاربة.
 
أدى هذا النشاط المحموم، الذي هو انعكاس للازدهار الرأسمالي الكبير لسنوات 1926-1926 والذي تدعم في المغرب بسرعة تحقيق الأرباح الاستعمارية، إلى زعزعة التوازن التقليدي للمجتمع المغربي.
 
فتعمقت الهجرات الداخلية، واتخذت حركات القرويين التقليدية حجما أكبر، وتغيرت أيضا طبيعتها. وأصبحت الحركات التي كانت مؤقتة، في غالب الأحيان نهائية. واستقر عدد كبير من القرويين الذين ذهبوا إلى مدن مكناس، الرباط، وجدة، الدار البيضاء. بهذه المدن ازداد سكان الحواضر المغاربة على ما يبدو بأكثر من 250000 شخص بين 1926 و 1931، في الوقت الذي لم يرتفع فيه عددهم إلا قليلا بين 1921 و 1926 (13). وكانت الضيعات الكبرى والورشات والمناجم تشهد مجيء الرجال عبر مجموعات تضم خمسة أو ستة أفراد تحت قيادة رئيس فرقة أو «عريف» كون هو الذي جلبهم إلى الشغل. وكان هؤلاء الشغيلة يعرضون خدماتهم حيث تكون الأجور في أعلى مستوى. وكانوا يعودون بشكل دوري إلى مناطقهم من أجل أعمالهم الخاصة بهم. وسرعان ما بدت هذه اليد العاملة المتحركة –التي كانت عليها طلبات متعددة –غير كافية-ظاهريا- مما أرعب الاستعمار.
 
ففي حزيران/يونيو 1928، حدث بالدار البيضاء انقطاع في سوق اليد العاملة. ومن الأمثلة التي كانت تذكر بهذا الصدد معمل الجير والإسمنت للدار البيضاء الذي أجبر على توقيف جزء من أفرانه، والشركة المغربية للشحن والإفراغ التي استحال عليها نقل البضائع من الميناء، وتم اللجوء الى «النساء المغربيات» ليقمن بحمل البضائع من أرصفة الدار البيضاء وليشتغلن كيد عاملة في الصناعة. كان يضاف إلى ذلك التنافس فيما بين مستخدمي اليد العاملة والمستوطنين الزراعيين والملتزمين بالأشغال الكبرى؛ والإغراءات المتبادلة التي كانوا يقومون بها إزاء العمال. وترتب عن هذا ارتفاع في الأجور. ففي الدار البيضاء على سبيل المثال، انتقل أجر العامل اليدوي والحفار أو عامل الميناء من 6-8 فرنكات يوميا في كانون الثاني/يناير 1928 الى 10-12 فرنكا في حزيران/يونيو 1929، أي ارتفاع يناهز  100% في ظرف ثمانية عشر شهرا. وكان ارتفاع الأجور هذا بدوره – اذا ما صدقنا الأدبيات الاستعمارية و الرسمية– سببا في ندرة اليد العاملة، هذا ما يؤكده المقيم العام لوسيان سان Lucien Saint في الرسالة التي بعثها في فاتح أيار/مايو 1929 إلى مدير الأشغال العمومية حيث يقول: «لكن ...ارتفاع الأجور لم يؤد بعد في افريقيا الشمالية الى النتائج الإيجابية التي ولّدها في جميع الدول ذات السكان البيض(كذا). فالأهالي لم يبلغوا بعد تلك الدرجة من التطور التي ترتفع فيها الحاجيات وفقا للمداخيل.
 
وما دامت حاجيات الشغيل المغربي لا تتغير، فإن مبلغا قارا يكفي لسدِّها، وإذا حصل على هذا المبلغ خلال بضعة أيام من الأسبوع، فإنه يتوقف عن العمل في الأيام الأخرى. بهذا ترتفع الأجور بدون أن يحصل ربح تعويضي في الإنتاجية لأن كمية العمل لا تتغير» هذا تعليل ليس بجديد، إذ كان مستعملا وسيظل كذلك بالخصوص في الأوساط الاستعمارية لتبرير سياسة الأجور المنخفضة، وفي هذا الوقت كان الاستعمار يحس على أنه مجرور في حلقة جهنمية متمثلة في ندرة اليد العاملة وارتفاع الأجور، والتي لا يدري كيف الخروج منها.
 
وعملت السلطات العمومية على تصحيح هذه النواقص بواسطة قرارات أو رسائل دورية، إلا أنها ظلت بدون مفعول: إذ لم يقف منع خروج اليد العاملة (14) أمام خروجها السري (15)؛ والحث على استعمال الوسائل الميكانيكية في الورشات ولو أدى ذلك إلى الرفع من كلفة الإنتاج (16). وقرر المقيم العام في الأخير إنجاز بحث ميداني واسع (17) أجاب عنه كل من مدير الزراعة ومدير المكتب الاقتصادي للدار البيضاء (18) وجميع رؤساء المناطق والأقاليم المدنية والعسكرية (19). وسرعان ما بدت هذه الإجراءات (التي خلقت نوعا من الاضطراب) بدون فائدة، ذلك أن صيف 1929 كان أقل مأساوية ثم ظهرت ملامح الأزمة الاقتصادية. بهذا تم الانتقال من ندرة اليد العاملة التي وفرتها وإلى البطالة ثم إلى انهيار الأجور.
 
يعد البحث حول اليد العاملة الذي يُنشر سنة 1931  بإحدى ملحقات «نشرة افريقيا الفرنسية» (20)- في الوقت الذي لم تعد فيه ملاحظات ذات فائدة –وثيقة ثمينة لأنها تسمح بإظهار الفروق الدقيقة في اللوحة التي رسمتها الأدبيات الاستعمارية، وبتدقيق أسباب الأزمة وبتعريف أفضل لحالة اليد العاملة المغربية والأوربية في يونيو 1929.
 
وكانت ندرة اليد العاملة مسألة حقيقية، وإن بدرجات متفاوتة، والأجور مرتفعة بحوالي 40 إلى 100% في المناطق التي مسها الاستعمار بشكل كبير والتي جُهزت بسرعة، أي في المناطق المجاورة للدار البيضاء، الرباط مكناس، فاس، (ضاحيتها). ويتفق محررو التقارير على الاعتقاد بأن السبب الرئيسي لندرة اليد العاملة يكمن في طلبات الورشات، والمعامل والمناجم والاستغلاليات الزراعية، التي كانت ملحة ومتضافرة بشكل خاص في فصل الصيف. ومن بين الأسباب الأخرى يشيرون إلى وباء حمى المستنقعات الخطير الذي عات فسادا في سنتي 1928 و1929 في السهول الأطلسية (نسبة إلى الساحل الأطلسي) على الخصوص، حيث أدى إلى رفع نسبة الوفيات وإلى إضعاف قدرة العمال على المقاومة (21)؛ وأحيانا يشيرون إلى اشتغال العمال في الوحدات الإنتاجية الإضافية أو المنتظمة (22) وأخيرا هناك جاذبية المدن، والدار البيضاء على الخصوص «بحكم جاذبية الأجور المرتفعة، أكثر من جاذبية التسليات المتنوعة» ويتعلق الأمر بالنسبة لأولئك المحررين بنقص ناتج عن تنظيم سيء لسوق اليد العاملة، أكثر مما يتعلق بأزمة حقيقية. لذلك أوصى معظمهم بإنشاء مكاتب تقيد حركة العمال وتنقلاتهم وحركة أجورهم.
 
وعلى عكس هذا، لم تكن أية مشكلة مطروحة في المناطق الجنوبية التي كانت، تقليديا، تزود المناطق الأخرى باليد العاملة: دكالة (الجديدة) عبدة (آسفي) حاحا (الصويرة) وحوز مراكش؛ ولا في الشمال في منطقتي الغرب وتازة. إذ ليس هناك نقص في الشغيلة، والأجور لا ترتفع. وإذا كانت الأجور تعتبر كافية في منطقة الغرب، فإنها غير كافية في منطقة وجدة حيث كانت تشتغل فيها ورشات كبرى للسكك الحديدية مع ذلك.
 
وقد طالب رئيس منطقة تازة برفع الأجور لمعارضة المنافسة الجزائرية وإعاقة ذهاب العمال إلى منطقة وهران. وكتب القنصل العام لوجدة السيد لاثوند «يبدو بالنسبة لأجور سنة 1913، أن أجور اليد العاملة الأوربية والأهلية لم تبلغ بعد المعدات التي تطابق ارتفاع كلفة المعيشة» أما المراقب المدني لمدينة أسفي فإنه يستنكر قائلا بأن السكان المغاربة ليسوا كسلاء، بل فقراء يعانون من سؤ التغذية، ويلخص إلى توصية تدعو إلى رفع الأجور إلى 8 و 10 فرنكات، مقابل 5 و7 فرنكات المطبقة حاليا (آنذاك).
 
هذه هي مظاهر أزمة اليد العاملة التي كتب عنها الكثير خلال الثلاثينات وحتى فيما بعد ولم يكن هذا التوثر في سوق اليد العاملة بظاهرة جديدة، إذ بعد ظهورها مع الاستعمار تفاقمت بقدر ما تنامى الاستعمار وحيثما تطور. فبحكم تنوعها الكبير كانت المهام تتجاوز امكانات سكان قليلي العدد ومحصورين في إطاراتهم الاجتماعية وعاداتهم الانتاجية. هذا فضلا عن جودة محصول الحبوب خلال سنتي 1929 و 1929، الأمر الذي لم يشر إليه أحد وبدأ السكان يلمسون تدريجيا طلبا جديدا عن العمل يخصهم. كما ساعد كل من تمديد شبكة الطرق وتطور عدد الشاحنات والناقلات وتتميم جزء هام من السكك الحديدية وتشغيلها منذ 1929 ساعد على حركية أكبر بالنسبة للقرويين (23).
 
هل كان هناك عدم استقرار في اليد العاملة وتغيبية؟ بالتأكيد، لأن هذا ما يميز اليد العاملة ما قبل الرأسمالية، المنفصلة بشكل غير تام عن الوسط القروي الذي أتت منع والتي لا يعتمد عيشها على بيع قوة عملها فحسب. ومادامت الطلبات عديدة بهذا القدر، فلم لا يذهب العامل إلى المناطق التي بها أجور جد مرتفعة ثم يعود فيها بعد إلى بلدته لينطلق من جديد؟ إنها شروط مُجهدة يفاقمها المرض، إذا لم يَهْلك المرء من جرائه.
 
أما المشغلون فلم يكونوا ملتزمين بأي شيء، إذ كانت عقدة الشغل شفوية وذات طابع يومي وبإمكان المشغل أن يضع لها حدا «مباشرة وبدون إشعار» ( 24). وكانت الاتفاقية حول الأجر دائما ضمنية، وكان العرف وحده هو الذي يحدد مبلغه أو طريقة أدائه. كما أن الأداءات العينية ونظام المقتصديات في المناجم والورشات، حيث كانت تباع البضائع الرديئة بأثمنة مرتفعة، ولم تكن ممنوعة. إلا أن بعض النصوص كانت تشكل خطاطة أولية لتشريع الشغل، فكان على مدة العمل ألا تتجاوز عشر ساعات بالنسبة للنساء والأطفال (ظهيرا 1926 و 1928)؛ كما تم إنشاء فرقة لمفتشي الشغل، إلا أنها كانت تضم في 1930-1931 مفتشين بالنسبة للمغرب برمته، بينما كانت مراقبة الورشات والمناجم مخصصة لمهندسي المناجم والأشغال العمومية. وكانت بنود ظهير 25 حزيران/يونيو 1927 حول حوادث الشغل تمتاز بدقة أكثر. غير أن الشغيلة المغاربة، بحكم عدم توفرهم على الحالة المدنية ولأنهم استقطبوا للعمل من طرف رؤساء الفرق، كانوا يشكلون كتلة صعبة التحديد، مما جعل المشغِّلين يفلتون بدون صعوبة من أحكام القانون.
 
كيف يمكننا أن ننظر الى الأجور المطبقة؟ لقد كانت هناك فوارق كبرى في الأجور بين منطقة وأخرى. وفيما يخص القطاع الزراعي يجدر التمييز بين العمال الموسميين الذين يأتون من بعيد وبين المداومين المستقطبين محليا. وكانت الأجور اليومية في المغرب الشرقي كما يلي:
 
 
1913
1929
الموسميون
المداومون
4 فرنكات
20 فرنكاً
3 فرنكات
12 فرنكاً
                    
 
أما في الدار البيضاء، فكانت هذه الأجور تتراوح في 1929 بين 5 و8 فرنكات بالنسبة للمداومين وبين 10 و15 بل و20 فرنكا بالنسبة للموسميين. هذا مع العلم أن وجدة كانت تعتبر أن ارتفاع الأجور أقل من ارتفاع كلفة المعيشة. بينما كان المستوطنون الزراعيون في الشاوية يعتبرون أن الأجور التي يؤدونها بلغت مستوى لا يُحتمل.
 
وقد تمكنا، ولو بصورة تقريبية، من إعادة تشكيل مجموعة الأجور اليومية المدفوعة في الدار البيضاء لبعض الفئات من الشغيلة المغاربة والأربيين، على النحو التالي (بالفرنكات):
 
ويتبين من الجدول التالي أن الأجور تضاعفت بين 1924 و1929 بالنسبة للعمال المؤهلين، وتضاعفت تلاث مرات بالنسبة للعمال اليدويين؛ كما أنها كانت منخفضة بالنسبة للمغاربة في حالة التخصص المتساوي مع الأوربيين؛ أما أجور العمال الأوربيين فإنها في المعدل متساوية مع أجور البارسيين أو تفوقها نسبيا.
 
 
العامل اليدوي في
الميناء
البنَّاء
النجار
الصباغ
(الدهان)
الرصَّاص
1915:
1925:
المغاربة:
 
الأوربيون:
1927:
1928:
 
1929(حزيران/
يونيو)
المغاربة:
 
الأوربيون:
1929:
(باريس):
1.35 + الطعام
 
4إلى 7
 
 
6 – 8
10 – 12
 
 
 
12  -  16
 
 
 
 
40
4.5
 
15- 16
 
18  - 27
 
 
 
 
 
30 – 35
 
50 – 70
 
 
60
2.5 إلى 4.5
 
15 – 20
 
20 – 30
 
 
 
 
 
 
 
45 – 60
 
 
57
 
 
14 – 16
 
20  - 30
 
 
 
 
 
40  -  30
 
 
 
 
55
 
 
 
 
25  -  35
 
 
 
 
 
 
 
50 – 70
 
 
57.5
 
كيف يمكننا تقييم تغيرات الأسعار؟ إننا لا نتوفر إلا على الرقم الاستدلالي لأسعار البيع بالتقسيط بالدار البيضاء (25) كوسيلة لقياسها. فبناء على الرقم 100 كأساس لسنة 1914، بلغ الرقم الاستدلالي 352 في آذار/مارس 1924، وحوالي 600 في 1929، وستكون كلفة المواد الغذائية قد تضاعفت مرتين فقط منذ  1924، فيما قد يكون ارتفاع الأجور أقوى بالنسبة للعامل اليدوي؛ وقد يكون متساويا تقريبا مع ارتفاع الأسعار فيما يخص البنَاء المغربي مثلا، وهذه بعض المعطيات التي تمكنا  من استعمالها ابتداء من 1926 فحسب، وذلك لعدم توفرنا على مثيلاتها بالنسبة للسنوات التي سبقتها(26).
 
 
1926
1927
1928
1929
الشعير
القمح الصلب
الغنم (كلغ)
السكر
الشاي(جودة2)
الشمع
75- 147
235-143
4.35- 2.85
360
25 – 20
220
126
177
4.75 -4.5
430
45- 12
؟
98 – 79.50
 
5.35 – 3.5
630 – 385
30 – 25
167.5
86  - 60
131 – 129
5.75
379 – 335
28.75 -  20
245
 
 
تلك هي الأسعار المتوسطة بالدار البيضاء في متاجر الجملة والمجازر. لكن كيف كان يتصرف بائعو التقسيط في الأسواق، وكيف كانت تبيع مقتصديات الشركات المواد لعمالها؟ تبين الكشوف الشهرية التي تقدمها الحوليات الإحصائية تغيرات قوية خلال السنة أو من سنة إلى أخرى، لكن بصورة إجمالية، يُلاحظ بين 1926 و 1929، انخفاضٌ في أسعار القمح الصلب والشعير؛ ونوع من الاستقرار بالنسبة للسكر؛ وارتفاع قوي فيما يخص لحم الغنم والشاي والشمع. وبعد خصم الاقتطاعات التي يقوم بها «العرفاء» ورؤساء العمال – بمبرر الغرامات أو أي سبب آخر – ومقتصديات الشركات – التي من المستحيل تحديد قيمتها – من المبالغ المالية العائدة للبلد والتي يُخصص جزء من منها لأداء ضريبة الترتيب الذي كانت ترتفع كلفته كل سنة، ماذا يبقى لتحسين شروط عيش العامل؟ يبقى بلا شك مبلغ يفوق المبلغ الذي كان يتوفر عليه العامل ومثيله سنة 1926 والذي يسمح له بالرفع من قدرته الشرائية بنسبة 20 و30  وربما / 40 لكن هذا الارتفاع لن يبلغ الضعف كما توحي بافتراضه الزيادة الإسمية المسجلة من طرف الإحصائيات (27). غير أن العامل اليدوي المؤهل سيكون قد تمكن من تغطية الزيادة في الأسعار بربحه الاضافي فقط.
 
ومهما يكن من أمر، فإن كثلة اليد العاملة المغربية التي اجتذبتها قطاعات الإنتاج العصرية بشكل موسمي أو نهائي استمرت في النمو، ويمكن تقديرها بأكثر من 100000 شخص سنة 1929 (28). والى جانب بعض الأنوية المرتكزة بصورة أفضل في الشركات الحضرية – وهي يد عاملة ذات خبرة أتت بدون شك من الصناعة التقليدية والتي لا نعرف أفكارها ولا اهتماماتها – كان مجموع العمال يشكلون «بروليتاريا رثة» من أصل قروي وغير منفصلة عن جذورها بشكل تام، وليس لها بعد وعي طبقي ولم يكن بإمكانها أن تتوفر عليه. وبالتالي لم يكن بإمكانها أن تكون حاضرة بنوع ما في تنظيم مهني جنيني. وكيف يمكن لهذا الأمر أن يفاجئ في وقت كان فيه الأوربيون أنفسهم، وهم الذين كانت لهم معرفة معينة بالممارسة النقابية ، قد بدأوا، بالكاد، يتجمعون وينتظمون؟
 
.الإنعكاسات الانسانية : الأجانب أو «غير المغاربة» (29) .
 
المأجورون و الموظفون:
 
على الرغم من تنامي عددهم منذ مهاية الحرب العالمية الأولى، كان الشغيلة المغاربة «غير المغاربة» يشكلون في القطاعات الخاصة وذات الامتياز مجموعة جد متنافرة. فكان فرنسيو الميتربول أو الجزائر يشتغلون كعمال مؤهلين ورؤساء عمال ورؤساء استغلاليات زراعية، وأطر، وكانت أغلبيتهم تعمل في المصالح ذات الامتياز والمناجم والصناعات الناشئة والتجارة.
 
وكان «الجزائريون»، «ذوو الأصل  أو أبناء الأجانب الذين حملوا الجنسية الفرنسية، يشكلون يدا عاملة ثمينة نظرا لقدرتهم على التكيف» (30)؛ فجاءوا بكثرة من منطقة وهران برّا إلى المغرب الشرقي المجاور، أو بحرا من وهران إلى الدار البيضاء حيث عمَّروا أحياء المعارف والصخور السوداء. وكان «المتربوليون» يتمتعون بأجور متساوية مع أجور شغيلة باريس. غير أن غلاء المعيشة وقساوة ظروف العمل وانعدام القوانين الاجتماعية – قانون الثماني ساعات عمل للشغل، العطلة الأسبوعية، التشريع الخاص بمحاكم الشغل، الحق النقابي – دفعتهم إلى العودة الى بلادهم؛ أو الى الاستقرار على حسابهم الخاص، ففتحوا ورشات ميكانيكية صغيرة واشتغلوا في النقل بالشاحنات والحافلات، وعلى هذا النحو بدأ المحظوظون منهم جمع ثروتهم.
 
وكان الإسبانيون والإيطاليون يشتغلون في ورشات الأشغال العمومية والبناء كرؤساء أو كبنائين. أما البرتغاليون فكانوا يشتغلون كصيادين، بينما النساء والأطفال يعملون في المصبرات، بفضالة على سبيل المثال.
 
وعلى أي حال، فقد كان أقل أجر بالنسبة الأوربيين يضاعف مرتين أعلى أجر بالنسبة للمغاربة. «غير أننا نلاحظ سنة 1929 – كما يقول مدير المكتب الاقتصادي للدار البيضاء – بأن أعلى أجر للعمال الأهليين المختصين من أمثال النجارين و البنائين والسباكين ... الخ، يصل الى الأجر الأدنى، المؤدى للعمال الأوربيين ... وهنا يكمن الخطر الذي لاحظه عدد من المشغِّلين». وهكذا تم الرجوع إلى الاعتبارات الرسمية القائلة مثلا: «إن العامل الأهلي، بحكم عدم تبصره وحبه للتأمل، يتوقف عن الشغل عندما يعتبر أن أرباحه ستسمح له بالعيش لمدة معينة بدون أن يعمل». فكان المشكل المطروح بصورة مباشرة يتجلى في تشجيع مجيئ اليد العملة الأجنبية المؤهلة، ولدفعها إلى الاستقرار. وكان مدير المكتب الاقتصادي يوصي، من أجل الاحتفاظ بها، ببناء السكن لها. وستطبق الاقامة العامة فيما بعد إجراءات أخرى.
 
أما عدد الموظفين الفرنسيين فاستمر في الارتفاع مع توسع رقعة الاستعمار. ففي نهاية 1929 كانوا 10.500 فرد (31)، ونظرا لكونهم يمثلون أكثر من  25% من السكان الأوربيين النشيطين، فإن وزنهم العددي والاقتصادي وكذا دورهم الإداري كان مهما في المغرب في «المغرب الجديد» وكان على سلطات الحماية أن تأخذ ذلك بالاعتبار.
 
الحركة التعاضدية
 
لقد شجع جو الانفراج الذي تلا ذهاب ليوطي نشأة جمعيات مهنية جديدة بوتيرة جد مرتفعة. ففي 1930 نجد أن 28 من أصل 82 جمعية معلنة ومن ضمنها 10 مؤسسات تضامنية، كانت موجودة سنة 1925. لقد تضاعف عددها إدن ثلاث مرات خلال هذه السنوات الخمس. غير أن هذه الحركة كانت لها مميزات مختلفة في القطاعات الخاصة والعمومية والقطاعات ذات الامتياز.
 
إن الاختلاف في أصول الشغيلة وعدم استقرار الشغل في القطاعات الخاصة والقطاعات ذات الامتياز لم يشجعها إلا قليلا على إنشاء تنظيم فعال.
 
وكانت توجد بالقطاع الخاص حوالي خمسة عشر «ودادية» وجمعية أو «تجمع مهني»، تضم مستخدمي بنك المغرب و التجارة بالدار البيضاء والرباط ومراكش؛ والمحاسبين، والمختزلين والضاربين على الالة الكاتبة؛ وعمال المخابز أو طباخي الرباط – سلا؛ وعمال البناء بالرباط- سلا وعمال الجير والإسمنت بالدار البيضاء (1927) وعمال قطاع الكتاب. تضاف الى ذلك «حلقات» شغيلة مناجم بني تادجيرت وخريبكَة. وكان المنخرطون يأتون أحيانا من الشغيلة الفرنسية لوحدهم، وغالبا ما يأتون من الشغيلة الفرنسية والأجانب، وكان اليهود المغاربة والمستخدمون في الطباعة والتجارة والبنك مقبولين فيها بدون شك. ومع ذلك، فإذا صدقنا قول السيد مانجو، رئيس مصلحة الشغل بالكتابة العامة للحماية، فإن هذه «التجمعات كانت تفتقد لأية حيوية ونشاط ولم يكن وجودها إلا نظريا».
 
أما جمعيات شغيلة المصالح ذات الامتياز –الشركة المغربية للشحن والإفراغ، المحطات الكهربائية للمغرب (1926)؛ مستخدمو الشركة المغربية لتوزيع الماء والكهرباء – فلا يبدو أنها كانت تظهر حماسا أكبر.
 
السككيون
 
كان الوضع مختلفا عند السككيين (32). فعددهم كان يتنامى بقدر ما كانت تمتد شبكة السكك الحديدية. وكانوا مقسمين إلى شبكات، وبالتالي إلى وداديات مختلفة، إذ كانت هناك السكك الحديدية العسكرية، وخط طنجة- فاس، والسكك الحديدية للمغرب. وبدا مستخدمو هذه الأخيرة هم الأكثر نشاطا. إذ بعد إنشاء ودادية بالقنيطرة سنة 1924، أسسوا الجمعية الودادية المهنية يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر 1925. وفي 26 آذار/مارس 1926 شنوا الاضراب المغربي الأول، الذي يمكن أن نحكي قصته (33).
 
كان السككيون، الذين تم تشغيلهم كمُياومين، يريدون نظاما أساسيا يحدد شروط عملهم، ويريدون تطبيق الأجور الميتربولية بزيادة 35%، وانشاء صندوق التعاون، ومجانية العلاج الطبي والأدوية، وتشكيل مجلس تأديبي ولجنة للترقية. وأمام رفض الإدارة مناقشة هذه المطالب قرر سككيو الدار البيضاء شن اضراب عن العمل يوم 5 آذار/مارس، وفي 6 آذار/مارس ذهب مندوبون إلى الرباط على متن سيارات، لكن خطوتهم لم تكلل بالنجاح بسبب البيروقراطيين القريبين جدا من الإدارة. أما القنيطرة، التي تعد ملتقى هاما لخطوط السكك الحديدية، والتي يتمتع مستخدموها بحساسية كبرى، فإنها التحقت بالحركة الإضرابية. وفي خريبكَة تم توقيف انطلاق قطارات الفوسفاط. وحين هُدّد المضربون بالاحتجاز كان ردهم هو القيام بمظاهرة من شارع المحطة الى المنطقة المدنية، «حاملين علما احمر ومرددين نشيد الأممية» تم هذا بلا مبالات كبرى، إذ كانت البلاد في خضم حرب الريف، وكان المتظاهرون معرضين إلى عقوبات جسيمة. «كنا آنذاك شابنا»، هذا ما قاله لي هنري بريدوم Henry Prudhomme الذي ساهم في هذه الحركة التظاهرية، لكن شغل ستيغ الشاغل كان يتركز في تهدئة الأوضاع لتخصيص كل الجهود لمحاربة عبد الكريم. لذا حصل كل السككيين على النظام الأساسي يوم 20 آذار/مارس، فأوقفوا إضرابهم. لكن السلطات الجهوية ظلت مع ذلك متخوفة من وقوع مظاهرات بمناسبة فاتح أيار/مايو. هكذا تم في 28 نيسان/أبريل اعتقال، شامبيون وأريغي Arrighi، وهما القائدان المتحمسان أكثر للنضال، ثم أطلق سراحهما وتم تنقيلهما.
 
ودخلت ودادية السكك الحديدية للمغرب إذ ذاك مرحلة ركود، فانحلت الفروع ولم يبق في الرباط إلا أربعة منخرطين في كانون الأول/ديسمبر 1926. وعمل الكاتب العام، وُلنتنويتز Wolentenowitz، على إحياء وداديته وإعادة تجميع تنظيمات السككيين. لهذا رُبطت اتصالات وعُقدت اجتماعات.
 
أول هذه الاجتماعات تم بالرباط يوم 2 تشرين الأول/أكتوبر 1927 وضم مندوبي الوداديات السككية الثلاث، ونوقشت خلاله مسألة الشكل التنظيمي الذي ستتخذه الوحدة المستقبلية بين هذه الوداديات: لجنة وفاق، فدرالية للتجمعات أو ودادية واحدة ووحيدة؟ «وتم الاتفاق على هذا الشكل التنظيمي الأخير باعتباره الشكل الشرعي الوحيد حسب ظهير 24 أيار/مايو 1914. لكن مع الأسف... لم يُقبل المشروع من طرف اللجنتين المركزيتين لوداديتي السكك الحديدية العسكرية والسكك الحديدية للمغرب. وتوقفت المسألة عند هذا المستوى ...»
 
ثم استأنفت بضعة شهور بعد ذلك إذ تم تسريح ولنتنويتز في شباط/فبراير 1928 باعتباره عنصرا خطيرا، وعُين شامبيون، الذي كان في برشيد، بالدار البيضاء. وصحبة مندوب آخر، ذهب شامبيون عند المدير أردوان وطلب منه إرجاع ولنتنويتز الى وظيفته. فرفض أردوان ونصحهما بأن يهتما بوضعيتهما الشخصية عوض القضايا التعاضدية وعرض عليهما منصب رئيس دائرة. وعوّض شامبيون ولنتنويتز على رأس الودادية المهنية للسكك الحديدية المغربية. وبذل، برفقة مكتبه، كل ما في وسعه لاستعادة الاتصالات المفقودة ولتجميع السككيين وتوحيدهم عبر عمل مشترك من أجل تحسين الأجور. «إن اجتماع المندوبين الذي تم في فاتح نيسان/أبريل، والرسائل الملحة التي بُعثت إلى المسؤولين تؤد إلى أية نتيجة. فاعتبرنا أنه يجب العمل الى جانب السككيين والاتصال بقواعدهم والتخلي عن الأسلوب الوهمي والخطير  الذي يبتغي الحصول على اتفاقات على مستوى القمة»، هذا ما كتبه شامبيون فيما بعد.
 
وتم إصدار العدد الأول من نشرة «منبر السككيين» Tribune des cheminots في حزيران/يونيو 1928 الذي تضمن رواية لجميع هذه الوقائع، لتوضيح الأمر للسككيين. غير أن هذا العدد لم يتبعه أي عدد آخر الى حين صدور العدد الأول من السلسلة الجديدة الذي ظهر في آذار/مارس 1929.
 
وفي 10 شباط/فبراير 1929، عين سككيو السكك الحديدية المغربية المجتمعون في مؤتمر لهم بالدار البيضاء، «لجنة الوحدة»، بحضور مندوبين عن خط طنجة –فاس. وتركو لها الصلاحية الكاملة في عقد اجتماعات بالمدن الكبرى وفي الدعوة إلى مؤتمر يوم 10 آذار/مارس بمكناس الذي سيقرر في النظام الأساسي  لفيدرالية سككيي المغرب.
 
وعقد مناضلو اللجنة عبر «اتصالات مباشرة مع الجماهير» اجتماعات بالرباط (25 شباط/فبراير) وفاس ( 26) ومكناس (27) والدار البيضاء (28) والقنيطرة ومراكش (فاتح و 6 آذار/مارس)، وعملوا خلال هذه الاجتماعات على تبني مشروع النظام الأساسي، الذي بلوروه، من طرف السككيين العديدين الذين كانوا يحضرونها وذلك بعد مناقشته.
 
وهكذا، تم، كما كان منتظرا، اجتماع يوم 10 آذار/مارس بمكناس، ضم «ثلاثة وثلاثين مندوبا يمثلون الشبكات السككية الثلاث والفروع الستة الممتدة من مراكش إلى فاس» وقرر خلاله المندوبون تأسيس فدرالية سككيي المغرب، وحددوا نظامها الأساسي، وناقشوا المطالب التي يجب الدفاع عنها، وعينوا أعضاء الهيئات القيادية.
 
ومما شغل بال المؤتمرين، على مايبدو، هو إيجاد صيغة قانونية تجعل من الصعب على الإقامة أن ترفض منحهم رخصة لمزاولة نشاطهم وطُلب من أقدم الوداديات، وهي ودادية السكك الحديدية العسكرية، أن تحول نظامها الأساسي لهذا الغرض. وأمام رفض قادتها – الذين تبرأ منهم معظم المنخرطين – فإن ودادية خط طنجة-فاس هي التي تحولت إلى فيدرالية، وفي يوم 17 حزيران/يونيو أرسل طلب إلى الحماية لترخيص نشاط هذه الفيدرالية، وفي 17 أيلول/سبتمبر، ولعدم ظهور أية معارضة رسمية، أصبح نشاط الفيدرالية مرخّصا.
 
وبحكم تأسيسها لغاية «الدراسة والدفاع عن المصالح المادية والمعنوية» لأعضائها، قسمت الفيدرالية إلى ثمانية فروع، يحدد القانون الداخلي مجال نشاطها بدقة، ويتوفر كل واحد منها على مجموعات تقنية وعلى لجنة محلية مكونة من ثلاث مسؤولين. وكان على التجمع العام السنوي أن يبلور برنامجا للعمل وأن يختار أعضاء اللجنة المركزية إثنى عشر عضوا زيادة على كتاب الفروع). كما كان على اللجنة المركزية أن تختار من بين أعضائها كاتبين وأمينين للصندوق، يشكلون المكتب المركزي وكان شامبيون هو الكاتب العام.
 
وقد أثارت المقالات اللاذعة لنشرة «منبر السككيين»، التي كان شامبيون يحررها بأكملها تقريبا، والمطالب المقدمة (تحديد يوم العمل في ثماني ساعات، العطلة الأسبوعية، ثلاثون يوما في العطلة السنوية)، أثارت مخاوف مديري مختلف الشبكات الحديدية العسكرية، مما أدى بأردوان Ardouin من السكك الحديدية للمغرب والسكك الحديدية العسكرية، وتيوني من خط طنجة – فاس إلى رفض استقبال قادة الفيدرالية التي لا يعترفان بوجودها.
 
أما المقيم العام، لوسيان سان، فقد بدا أكثر ميلا إلى التساهل والتوفيق. إذ استقبل في 13 تموز/يوليوز و 8 تشرين الأول/أكتوبر، مندوبي الفيدرالية وتمكن من تدبير لقاء مع أردوان. غير أن اللقاء (الذي تم في 18 تشرين الأول/تشرين الأول/أكتوبر) كان «يتسم بأقل ما يمكن من الحفاوة. لقد كان لقاء كلاسيكيا للتهديد»، كما كتب عنه شامبيون. فقد هدد المدير المندوبين ورفض كل مطالبهم.
 
وبعد الدورة التوضيحية النشيطة التي قام بها الكاتب العام، قررت اللجنة المركزية تخفيض مردودية العمل  بتطبيق دقيق وصارم للقانون التنظيمي (13 كانون الأول/ديسمبر 1929- 1930)، وبواسطة ملصقات خضراء كبيرة، وإعلانات صغيرة، وتوزيع منشور خاص، عرّف السككيون بمطالبهم، واعتذروا لدى الرأي العام عن الإزعاج الذي قد تكون حركتهم قد تسببت فيه. هكذا كان هذا الشكل النضالي أكثر ذكاء وتهييئا من الإضراب، كما كان أكثر إثارة للقلق أيضا.
 
أمام هذا، ردت الإدارة باتهام شامبيون بعرقلة العمل، ثم استغلت مشادته مع رفيق في العمل، فقدمته أمام مجلس التحقيق ثم عزلته عن العمل (17 كانون الأول/ديسمبر 1929).
 
فكان رد فعل فروع القنيطرة (70 حاضرا) والدار البيضاء (200 حاضر) ومراكش (29 حاضرا) مباشرا ويطالب بإعادة شامبيون إلى عمله والحفاظ عليه في القيادة الفيدرالية، ولو بصفة كاتب مأجور إن دعت الحاجة. غير أن سككيي الرباط كانوا منقسمين: نصفهم كان يؤيد مع نفَاني Navailles مطامح الفروع الأخرى؛ بينما كان النصف الثاني، وأغلبيته أطر، يطالب بالقيام بمساعي لدى المدير العام. وكان على اللجنة المركزية أن تحسم في الأمر يوم 19 كانون الثاني/يناير 1930. خلال هذا الاجتماع طالب مندوب عن الرباط بانتخاب كاتب عام جديد مباشرة، وذلك أخذا بالمصلحة العليا للفيدرالية. وقد اتهم شامبيون بأنه يريد أن يسترجع منصبه عن طريق ضغوطات سياسية وبأنه يُفرط في استلهام توجيهات الكونفدرالية العامة للشغل الوحدوي في أعماله. وكرد على هذا، اعتبر شامبيون بأن تغيير الكاتب العام سيكون انتصارا للإدارة وهزيمة للفدرالية، ثم تلا المراسلة التعاضدية المحضة التي تبادلها مع الكونفدراليات المتحدة أو الوحدوية، وخلص إلى القول «نحن لسنا تابعين لا للكونفدرالية العامة للشغل ولا للكونفدرالية العامة للشغل الوحدوي» وبعد المناقشة ، قررت اللجنة المركزية الابقاء على شامبيون ككاتب عام مأجور مع تفويض سلطاته للكاتب العام المساعد، دوريل، من مكناس.
 
إن قضية شامبيون هذه تُذكّر من عدة جوانب بقضية بوسار التي حدثت أربع سنوات من قبل إلا أن المناخ الاجتماعي والسياسي قد تغير.
 
لقد حظي الشاب شامبيون –كان عمره سبعة وعشرون سنة– الذي كان مندفعا ومتهورا أحيانا، بدعم حازم وثابت من طرف فرعي الدار البيضاء ومكناس اللذين كان أقوى الفروع بدون منازع. أما باقي الفروع التي كانت منقسمة، فقد بدت أكثر تحفظا، فيما أبان أطر الرباط عن مناهضتهم له بصورة متعمدة. هذا فضلا عن أن ميزان القوى لم يكن إيجابيا. إذ أن أردوان كان وكيلا مُعتمدا بالمغرب لبنك باريس والأراضي المنخفضة. فيما كانت حكومة الوسط اليميني هي التي تسير شؤون الدولة في باريس. لذلك لم تعط احتجاجات الفروع والمندوبين الاشتراكيين بالمغرب ولا تدخلات جوهر Jouhaux، أية نتيجة. فاضطر شامبيون إلى مغادرة المغرب بضعة شهور من بعد ولقي صعوبة جمة في إيجاد عمل بفرنسا. وأعيد دمجه بالسكك الحديدية المغربية في 11 تموز/يوليوز 1938 بفضل تدخل صديقيه بريدوم ودوريل الذين، بارتكازهما على قرارات العفو التي اتخذتها حكومة الجبهة الشعبية (قانون 12 تموز/يوليوز 1937) والتي أصبحت قابلة للتطبيق في المغرب (ظهير 10 آب/أغسطس 1937)، توصلا الى عقد اجتماع لجنة بثت في الأمر. وبتعيينه بالدار البيضاء، لم يعد له أي نشاط نضالي.
 
.الموظفون : التنظيم والمطالب
 
-ظهور الفروع النقابية الأولى لـ : ك.ع.ش.
 
كانت للموظفين – وغالبيتهم العظمى فرنسيون – شروط مختلفة، وبالتالي تصرفات مختلفة.
 
ففي سنة 1925، كانت توجد حوالي خمسة عشر من «المؤسسات التضامنية»  و« الوداديات» أو «المجموعات» المكونة أساسا من المدرسين، فيما كانت «الجمعية العامة» تضم باقي الموظفين. وبعد سنة 1925. تكاثرت جميع هذه التنظيمات وعند نهاية 1929، تضاعف عددها أربع مرات، فتجمع الموظفون حسب فئاتهم وحسب المرافق. كما أنهم غالبا ما تحدوا ليقدموا مطالبهم للإدارات المعنية ويدافعوا عنها أمامها. وانخرط البريديون والجمركيون ومستخدمو الخزينة والتحفيض وسجل المساحة والأملاك والشرطة والى غيرها من المصالح في المسار الذي افتتحه الأساتذة و المعلمون ومستخدمو الأشغال العمومية.
 
إن قائمة جمعيات الموظفين المؤسسة في 1926 و1927 و1928 لمدهشة حقا، غير أننا لا نتوفر على معطيات معظم هده الجمعيات ولْنُشِر مع ذلك الى بعض الجمعيات المنشأة: الجمعية المغربية للكتاب والضاربين على الآلة التي أنشئت في 12 أيار/مايو 1926 بالرباط، وكان كاتبها هو جان ليونيتي؛ جمعية المحافظة العقارية التي أسست في كانون الثاني/ديسمبر 1927 بالدار البيضاء؛ وفيديرالية مستخدمي الجمارك الشريفية في كانون الثاني/ديسمبر 1928 التي كان رئيسها هو أنيبال جياكوبي Annibal Giacobli.
 
وتوجد معلومات وفيرة أكثر حول الحركة البريدية. إذ حسب أقوال إردينجر (Erdinger) تجمع البريديون في هيئات منذ 1924. فكاتبنا يقول: «بادر لامولي – (Lamoulie) ، من الدار البيضاء، بإنشاء ودادية مستخدمي البريد. وكان صديقي كوديرك (Couderc) هو الذي توصل بأولى الرسائل الدورية ونشرات الانخراط. وهو الذي نظم بفاس أول فرع لهذه الودادية  التي انتُخبت كاتبا لها. وأُنشئت فروع أخرى في باقي المراكز الكبرى، بالدار البيضاء، الرباط، مراكش، مكناس، القنيطرة ... اذن يرجع الفضل للامولي – وهو مناضل جيد، اضطررت إلى محاربته فيما بعد – في تأسيس أول ودادية للبريديين بالمغرب» (34).
 
وكانت المطالب تتعلق إذ ذاك بالرواتب وبتعويضات الاقامة، المرتبطة بالتعويضات عن السكن الذي كان جد نادر آنذاك وكان نتيجة لذلك غاليا جدا. ففي فاس، مثلا، كنت أقطن مع بريديين آخرين في «بو الجلود»، في منزل مغربي مفتقر للشروط الصحية ولوسائل الراحة بل وحتى للماء الشروب. وكنا نتزود من عند السقائين بمقابل مالي...الأمر الذي كان يرهق ميزانيتنا خاصة وأن الكراء كان باهضا»، هذا ما كتبه أيضا إردينجر.
 
وكان لجميع الموظفين «الشرفيين»، وهم الأكثر عددا بشكل بيِّن، أو «الميتروبوليين» الملحقين –وعددهم 1535– اهتمامات مشتركة. إذ كانوا يرغبون قبل كل شيء الحفاظ على كل التعويضات الاستعمارية التي تم جذبهم بواسطتها والتي كانت كل من الحماية والحكومة الفرنسية تميل إلى تقليصها أو إلى إعادة النظر فيها. كما كانوا منتبهين للحركات والامتيازات التي كان بإمكان رفاقهم بفرنسا أن يحصلوا عليها، ليطالبوا بتطبيقها في حقهم، الأمر الذي لم يكن يتم بدون مصاعب. وكان الهم الأكبر للأطر المحلية «الشريفية» هو الحصول على مماثلتهم لزملائهم الفرنسيين ليتمتعوا بنفس الترتيب وبنفس سلالم الرواتب وبنفس الضمانات لسير عملهم. وكانوا يأملون بهذا جعل مسألة دمجهم بالأطر الفرنسية عند الحاجة، أمرا ممكنا.
 
وقد أعطى المعلمون مرة أخرى مثالا للجرأة. إذ طالبوا في مؤتمرهم المنعقد في نيسان/أبريل 1926 بـ«تجديد» مديريتهم، وبذهاب المدير العام هاردي (Hardy) بكل وضوح. وردت المديرية على ذلك، بشن حملة في الصحافة، وبممارسة ضغوطات على المعلمين عن طريق بعض مديري المدارس بغية دفعهم إلى شجب مواقف مناضليهم. غير أن هذه المناورات كانت بدون جدوى. وفي شباط/فبراير 1927، عُين هاردي رئيسا لجامعة الجزائر العاصمة وعُوض بـ كَوتلاند (Gotteland) مفتش أكاديمية آليي الذي أتى معه تابو (Thabaud)، مفتش التعليم الابتدائي بـ مونليسون (Montluçon). وإذ ذاك تمت تلبية المطالب الأساسية للمطالب الأساسية للمعلمين: أي إدماج  التعويض عن السكن ضمن الراتب وتشكيل لجن متعادلة التمثيل تخرج قضايا الترقية والتنقيل والتعيين والاجراءات التأديبية عن سلطة ومزاجية المكاتب.
 
كان هذا مكسبا هاما سيعمل باقي الموظفين على الحصول عليه.
 
وخلال نفس المؤتمر (المنعقد في نيسان/أبريل 1926) تحولت «ودادية التعليم الابتدائي من تلقاء ذاتها الى «الفرع المغربي للنقابة الوطنية لمعلمي ومعلمات فرنسا والمستعمرات» وهذا التغيير كان قد تقرر في 1924، إلا أن قضية بوسار – (Boussard) حالت دون تحقيقه سنة 1925. بهذا العمل القوي والمتصلب تدعمت سلطة ونفوذ ودادية التعليم الابتدائي التي بدأت تظهره كنواة صلبة للحركة النقابية المغربية.
 
وقد حث مثال المعلمين، البريديين والضاربين على الآلة الكاتبة على أن يتحركوا في نفس الاتجاه. وهكذا، تحولت ودادية مستخدمي البريد سنة 1927، تحت تأثير لامولي (Lamoulie) ومندولوني (Mondoloni) وبيو (Biau)، وهم مناضلون اشتراكيون، وأصبحت «فرع المغرب للنقابة الوطنية لمستخدمي البريد» وانخرطت في ك.ع.ش. وفي نفس السنة، ونتيجة لعملهم النقابي، حصل البريديون فيما يتعلق بالراتب والترقية والمرتبة، على تطبيق القوانين المطبقة على البريديين المتربوليين (مرسوم وزيري بتاريخ 2/7/1927)، هذا مع احتفاظهم بامتيازات نظامهم الأساسي المحلي.
 
أما الكتاب والضاربون على الآلة فقد حصلوا على مماثلة أوضاعهم بأوضاع كتاب الوزارات الفرنسية. وكان ستيغ (Steeg) يشجع التماثل بين الأطر الشريفية والأطر الفرنسية تفاديا للاحتجاجات التي تمس في نظره سلطة الإقامة العامة. وعندما هدد لوسيان سان (Lucien Saint) بإعادة النظر في هذا التماثل المكتسب، لم يتردد الكتاب في القيام بمظاهرة أمام الإقامة العامة (حسب ليونيتي  Leonetti).
 
وفي الواقع، لوحظ منذ 1927، ضغوطات قوية أكثر فأكثر داخل منظمات موظفي المغرب لكي تنخرط في ك.ع.ش. كما فعلت الفيدرالية الفرنسية للموظفين. وكان المناضلون الاشتراكيون يعملون بكل قواهم في هذا الاتجاه، وكان الحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية (Sfio) و ك.ع.ش. آنداك رؤى اجتماعية وسياسية متشابهة. ولم يفت جوهو (Jouhaux) أن يشير إلى هذا الاتفاق الأساسي، في مؤتمر 1927 بباريس:
 
«لقد قلت ذلك في 1925، وأردده اليوم، فأنا لست عضوا في [الحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية]... إلا أنني أريد، بموافقة من المنظمات المتحدة في الكنفدرالية، أن أعمل، كلما بدا ذلك ضروريا، مع الحزب لأهداف مشتركة بين الشعب والطبقة العاملة» وكان المعلمون، بمساعدة البريديين وموظفين آخرين، العناصر الأكثر نشاطا. إذ أنهم لم يكفوا في مؤتمرهم عن انتقاد عدم فعالية «الجمعية العامة»، الشديدة التفكك، والمطالبة بهيكل أكثر صلابة. وبتحويلهم إلى فرع نقابي للنقابة الوطنية الفرنسية، كان المعلمون يرغبون في أن تأخد «الجمعية العامة» بدورها شكلا نقابيا. «على تنظيم نقابي أن يساهم في تنظيم نقابي» هذا ما قاله كاتبها العام. وقد حملوا اجتماع اللجنة المركزية في كانون الثاني/يناير 1927 على تسميتها بـ «الفدرالية المغربية لتجمعات الموظفين».
 
إلا أن التطور كان بطيئا وصعبا. إذ انسحب البريديون من هذه الفيدرالية سنة 1928. وفي الأخير تمت بلورة أنظمة أساسية وبدأ تطبيقها. لكن في 1929 كان التغيير غير مكتمل، رغم تقدمه الفعلي. «فالجمعية العامة القديمة لم تكن  قد ماتت بصورة تامة» إذ أن العوامل المعارضة كانت عديدة وكانت نتيجة عن النضالية، وعن تحفظات الأعضاء المتعاطفين مع الكونفديرالية العمة للشغل الوحدوي (CGTU). ذالك أن المناضلين، أنصار الفدرالية المغربية، لم يكونوا يخفون عزمهم على الدخول إلى ك.ع.ش. بهذا الصدد كتب أندري (André) وهو اشتراكي وكاتب الفرع المغربي للمعلمين: «حقا إن الانضمام إلى ك.ع.ش. هو ربما أمر قليل الشأن بالنسبة لبعضنا الذين يحلمون بهيئة أخرى قريبة أكثر لمثلهم الأعلى. لكن، في نظر جماهير المعلمين، وجماهير الموظفين الآخرين، كما في  نظر الأغلبية الساحقة من العمال اليدويين والذهنيين، تعد ك.ع.ش.، التي لا تعاني من التبعية إزاء أي حزب سياسي، المركز الفعلي الذي يجب أن تلتقي حوله الجهود من أجل وضعية أفضل بالنسبة للعامل، والتقارب فيما بين الشعوب...  ونزع السلاح ... والسلام ... وحق كل واحد العيش ضمن الأممية ...» ويضيف أندري: «عليكم أيها الرفاق، معلمين ومعلمات، أن تقولوا هل لديكم رغبة في المساهمة في هذا العمل بشكل ملموس وذلك بمحاولة الحصول على تحوّل الفيدرالية المغربية لتجمعات الموظفين»  الى فرع لفيدرالية موظفي فرنسا، مع الحفاض على استقلال ذاتي كبير فيما يخص القضايا المغربية الصرفة. لأن هذا هو مثلي الأعلى – وهو مثل أعلى لا يخلو طبعا من أية مصلحة. ومن السهل علينا أن نفهم بأنه يمكن لنا، بحكم تنظيمنا حسب هذا الشكل، أن نقاوم بشكل فعال الأجوبة الثابتة لحكومة الحماية التي تختبئ بشكل مستمر وراء حكومة باريس، حيث توجد لجنة وزارية... لا تعطف كثيرا على الموظفين المغاربة. وسيكون بإمكاننا بسهولة أكبر أن نوجه نداء الى «فيدرالية موظفي فرنسا وخاصة إلى ك.ع.ش. وسيلقى نداؤنا آذانا صاغية، ولدينا وعود قاطعة بهذا الصدد (35)».
 
على هذا النحو كانت تبدو إذن الوضعية التعاضدية بالمغرب سنة 1929. فيما عدا المؤسسات التضامنية، كانت توجد على ما يظهر سبعون منظمة، بعضها كان في حالة ركود، ومعضمها كان ذا منظور ودادي، فيما كان بعضها أكثر «تصلبا»، خاصة منظمة السككيين التي كانت تحوم حول قادتها شكوك بأنهم إما شيوعيون، أو على الأقل متعاطفون مع الشيوعيين، وكذا منظمة البريديين حيث بدأت معارضة قوية تتجلى ضمنها؛ وأخيرا منظمة المعلمين الذين برزوا كعنصر محرك للحركة النقابية المغربية.
 
فقد تجاوز المعلمون والبريديون المستوى التعاضدي الصرف، إذ تجمع المعلمون سنة 1926، والبريديون 1927، في «فروع» لنقابتهم المتربولية بالرغم من المنع الحكومي.
 
 
 
3- تأسيس اتحاد نقابات المغرب
 ك. ع. ش. 1930
 
 
تم في حزيران/يونيو 1930 إنشاء اتحاد جهوي جنيني ك.ع.ش. بالدار البيضاء، دون أن تعارضه الإقامة العامة. وكان هذا نتيجة لعمل مزدوج: أي العمل التنظيمي الذي قامت به بعض مجموعات الموظفين منذ 1919، وكذا طموح ك.ع.ش. إلى بسط نفوذها عل إفريقيا الشمالية بكاملها وتوسيع قاعدتها على حساب منافستها الكونفدرالية الوحدوية .
 
.المطالبة بالحق النقابي ( 1928- 1929)
 
قدم هذا المطلب من طرف كزانوفَا (CASANOVA)، وهو اشتراكي ومندوب عن مراكش لدى الهيئة الثالثة، وقد قدمه «بتفويض من زملائه إلى مجلس الحكومة» يوم 10 كانون الثاني/يناير 1928، واستند في ذلك إلى التنامي الهائل لليد العاملة الأوربية وإلى ضرورة استفادة الشغيلة من قوانين اجتماعية مماثلة للقوانين الفرنسية، وانشاء منظمات للدفاع عن العمال؛ ثم طالب بتطبيق قانون 24 آذار/مارس 1984 الفرنسي الذي يمنح الحق النقابي في المغرب. وكان جواب المقيم العام ستيغ (Steeg): إن وجود عمال أجانب وكتلة من الأهالي غير مؤهلة للاستفادة من هذا القرار، لا يسمح له بأن يَعِد بالاعتراف بهذا الحق في المغرب. وللحد من هذا الاعتراض، طالب كازانوفَا إذ ذاك بالسماح، على الأقل، لبعض المنظمات التي تضم الفرنسيين وحدهم – مثل شركات السكك الحديدية – بتكوين نقابات مهنية. فوعد ستيغ بدراسة المسألة.
 
وبما أنه لم يتوصل بأي جواب، فقد عبّر كازانوفا عن استغرابه بهذا الشأن في رسالة إلى الكاتب العام للحماية بتاريخ 22 أيار/مايو 1928. وتساءل عن السبب الذي أدى إلى عدم الاشارة إلى اللقاء الذي تم بينه وبين المقيم العام «حول تلك المسألة ذات الطابع الاجتماعي»، في أي تقرير عن جلسة 10 كانون الثاني/يناير، والى عدم «إخبار الشغيلة به»، ثم تحدث عن «المجهودات الهامة التي قام بها الشغيلة الفرنسيون والأجانب من أجل تنمية البلاد وعن «مساهمتهم في الدخول السلمي الى المغرب، باعتباره مثلا أعلى للعمال الجمهوريين ... وأن على الحماية أن تمنح هؤلاء الشغيلة كل الامتيازات الاجتماعية التي من المفروض أن يتمتعوا بها في فرنسا».
 
واستمر صمت المصالح الإدارية، إلا أنها لم تكن غير مبالية تماما، فكما أن الاعتراف بالحق النقابي كان مطروحا في الوقت نفسه في تونس، اضطرت كل من تونس العاصمة والرباط وباريس الى الاهتمام به. وفي الرباط تم التوسل الى الكاتب العام للحماية، والوزير المفوض مطلق الصلاحية المنتدب لدى الإقامة العامة، والديوان الديبلوماسي، غير أن الذي صاغ المذهب وأعطى الدلائل هو راوول مانغو (Raoul Mangot)، رئيس مصلحة الشغل. فكان يقوم بتدقيقه وتكملته تدريجيا، كما كان يجعله لينا أو متشددا وفق الظروف والمناخ السياسي أو التعليمات التي يتلقاها. وبصورة إجمالية، يمكن تلخيص أسباب هذا الرفض على النحو التالي: لا يمكن، وفقا للقوانين الدولية، تنحية الأجانب عن النقابات العمالية، ويخشى أن يحظو بنفود مهيمن. فالمغاربة لم يحصلوا بعد على التكوين الذي سيخول لهم التكيف مع التنظيم النقابي (1). ان الجمعيات المهنية المرخص لها بالنشاط هي نقابات فعلية؛ فالأمر في الواقع لايتعلق إذن إلا بمجرد «مسألة كلمات»(2).
 
ولقد كانت وراء هذا الرفض، في الحقيقة، اعتبارات سياسية ارتأى المسؤولون، من باب الحذر، عدم التعبير عنها بصراحة، إلا أنها مطروحة بوضوح في المداولات أو عبر تعليقات شبه رسمية الى هذا الحد أو ذاك.
 
ولم تعتبر لجنة وزارية للشؤون الإسلامية، اجتمعت بمقر وزارة الخارجية ( الكي دورسي (Quai d’Orsay) يوم 8 أيار/مايو 1929 لإبداء رأيها في تطبيق قانون 1884 الفرنسي الخاص بالنقابات المهنية، لم تعتبر هذا الاحتمال مستحبا. إذ تبنت، بدون أدنى تغيير، تقرير اللجنة الفرعية المكونة من أوكَيستان برنار(Augustin bernard)، وفَيكتور بيكي (Victor Piquet) و لويس ماسينيون (Louis Massignon) ، والتي كانت قد عينتها خلال الجلسة السابقة. وهذه خلاصة هذا التقرير: «ما هو الهدف الدي نبتغيه بالفعل؟ ...أن نعطي للجميع، فرنسيين، أجانب و أهالي، الوسيلة للدفاع عن مصالحهم المهنية بدون أن يهدد ذلك الهيمنة الفرنسية». ولبلوغ ذلك قُدمت سلسلة من الاقتراحات: إنشاء مجالس جهوية للشغل، تقديم تحسينات تشريعية، منح الشخصية المدنية للتعاضديات المهنية... وكان على هذا الاقتراح الأخير أن يؤدي إلى نتائج خطيرة. إذ سيتدعم داخل دوائر الحماية... طبقا لاتجاه قديم – مشروع يقضي بجمع الشغيلة المغاربة ضمن التعاضدية، وهي مؤسسة تقليدية، وذلك لمنع دخولهم إلى النقابات، الأمر الذي كانت السلطات تخشاه.
 
وبلّغ وزير الخارجية الرباط تقرير اللجنة يوم 3 كانون الثاني/يناير 1929. وسيجد ضمنه مانغو (Mangot) دلائل إضافية للرفض. ويؤكد إ. بوي (E.Bouy) في كتابه الصادر سنة 1930 تحت عنوان «مشكل اليد العاملة وقانون الشغل بالمغرب»، على الطابع السياسي للمشكل، إذ يقول حول تدخل كازانوفَا (Casanova): ( لا تلبي النقابة في الوقت الراهن... حاجة اقتصادية. ويُخشى أن تصبح النقابة أداة في أيديهم (أي الأهالي) وسيلة للتحريض السياسي وليس وسيلة للدفاع عن مصالح مهنية. فجماهر الأهالي ضعيفة الشخصية ومن السهل على محرضين سيئي النية أن يؤثروا عليها» وينهي قوله بهذا التصريح: «إن السماح بتحويل الجمعيات المهنية الى نقابات سيكون ربما أمرا لا فائدة فيه إلا أنه أمر خطير بالتأكيد»(3).
 
ومع ذلك، فلا شيء في تصرف الشغيلة المغاربة يمكنه تبرير مثل هذه التخوفات. لكن كان هناك المثال التونسي، حيث كوّن الشغيلة، تحت تأثير أمحمد علي، مركزية نقابية مستقلة، الكونفيدرالية العامة للشغيلة التونسيين، التي تم حلها من طرف السلطات الاستعمارية، على إثر إضرابات قوية(4). وبعد بضع سنوات من التردد، عاد الشغيلة من جديد إلى نقابات «ك.ع. ش.» وساهموا في تحركات مطلبية.
 
وكان هناك أيضا مثال الجزائر، حيث انضم –رغم القمع– مستخدمو الترام والسككيون وعمال الموانئ، والعمال اليدويون، إلى النقابات الوحدوية التي كان المناضلون الشيوعيون يقومون بنشاط أساسي ضمنها.
 
غادر تيودور ستيغ الاقامة العمة للمغرب في كانون الثاني/يناير 1929 وعوضه لوسيان سان (Lucien Saint). وحسب التقرير الموجود في أرشيف الرباط، فإن مندوبا اشتراكيا، فيكتور بلان (Victor Blanc) هو الذي طالب مرة أخرى بتطبيق قانون 1884 حول النقابات المهنية، خلال جلسة مجلس الحكومة المنعقد يوم 2 تموز/يوليوز 1929. «إن الهيئة الثالثة تكتفي حاليا، يقول التقرير، بطلب الاعتراف بنقابات مستخدمي السكك الحديدية، لأن معظمهم فرنسيون» وكان هذا التدخل منتظرا. إذ أن مانغو (Mangot)، رئيس قسم الشغل، هيأ في 25 حزيران/يونيو ملفا ومذكرة، يذكر فيهما من جديد بالجواب الذي قدمه ستيغ لكازانوفَا، وبموقف اللجنة الوزارية الصادر يوم 8 أيار/ماي 1928، وكذا بالدلائل المبلورة في مذكراته السابقة (5).
 
ورفض لوسيان سان الطلب بالطبع، لأنه كان يستحيل عليه خلق وضعية خاصة بالفرنسيين. إلا أنه أكد على إمكانية تكوين التجمعات المهنية بترخيص إداري وأضاف: «ويمكن لهم أن يتأكدوا بأنها [التجمعات المهنية] ستحظى بنفس التعامل الذي تحظى به النقابات، سواء من طرف أعضاء الحكومة أو من طرف كل الإدارات، وحتى من طرف أرباب العمل بلا شك» ولم ينكث المقيم العام بوعده، إذ استقبل في الأسابيع التي تلت، مندوبي السككيين مرتين، ثم فيما بعد استقبل أو عمل على أن تستقبل المصالح التابعة له وفودا جاءت لتتحدث معه حول قضايا نقابية، وحول مطالب مهنية. أما أرباب العمل فإنهم تصرفوا بطريقة أخرى.
 
ومن ضمن المتمنيات التي قدمتها الهيئة الثالثة، إضافة إلى الاعتراف بالحق النقابي، نجد العطلة الأسبوعية ويوم العمل المحدد بثماني ساعات. وقد كانت هذه المطالب الأساسية الثلاثة  للشغيلة الفرنسيين والأجانب بالمغرب.
 
وهكذا، أمام التدخلات المتجددة والملحة للهيئة الثالثة التي أصبحت الناطق باسم الموظفين والشغيلة، كان الجواب الرافض للإقامة العامة يأتي ملطفا ومخففا. فإذا كانت الإقامة العامة تسمح ببعض الضمانات التشريعية الطفيفة التي لا يحترمها المشغلون عادة في حالة المغاربة، وإذا كانت ترخص لنشاط الجمعيات المهنية وغالبيتها فرنسية، فإنها كانت ترفض الحق النقابي – وكانت وزارة الخارجية توافق على هذا الرأي– لكي لا تكون مضطرة إلى توسيعه ليشمل الأجانب و«الأهالي» على الخصوص.
 
.المجهود الدعائي لـ ك.ع.ش. في إفريقيا الشمالية
 
لقد ظهرت لأول مرة عبارة «اتحاد المغرب» في المؤتمر الكونفدرالي المنعقد في أيلول/سبتمبر 1929. فعلى إثر تدخل جواكيم دوريل (Joachim Durel)، الكاتب العام للاتحاد الجهوي لتونس، الذي كان يطالب بالحق النقابي للشغيلة التونسيين، كان جواب جوهر كما يلي: «كنا دائما نطالب بالحق النقابي للأهالي بالمستعمرات، حيث نرغب أن تُنشأ بها نقابات عمالية، شريطة أن تكون الاتحادات النقابية مرتبطة مباشرة بـ ك.ع.ش. كما هو الشأن بالنسبة لاتحادات الجزائر تونس  أو المغرب». ويضيف، لتبرير هذا التحديد الذي من شأنه أن يخلق بعض المشاكل: «إنه أمر ضروري بالنسبة لنا إذا ما أردنا الانتصار على معارضة الاستعماريين إنشاء تنظيمات نقابية للأهالي»(6).
 
غير أن «اتحاد المغرب» لم يكن مؤسسا بعد في أيلول/سبتمبر 1929. ومع ذلك ليس هناك مجال للشك في أن اتصالات معينة قد تمت مع الفيديرالية الفرنسية للموظفين ومع المكتب الكونفديرالي. وبهذا الصدد يعد تصريح أندري (André)، الذي سبق أن حللناه ، ذا دلالة .
 
ذلك أن ك.ع.ش. التي تدعمت كثيرا بانخراط الموظفين الكثيف، اندفعت في عملها التنظيمي والدعائي. ففي سنة 1930 هذه، أعيد في فرنسا تأسيس عدة اتحادات جهوية كانت قد اختفت بعد الانشقاق. إلا أن افريقيا الشمالية كانت محط مجهود خاص.
 
فبينما قدم إلى الدار البيضاء ميشو (Michaud) ، الكاتب العام لشغيلة الدولة، يوم 31 كانون الثاني/يناير 1930، وعقد اجتماعات بالدار البيضاء ومراكش ومكناس والقنيطرة والرباط وفاس ووجدة «مثيرا الحماس أينما ذهب»، حسب تعبير نشرة «الشعب» (Peuple) ومحصّلا على تأييد «الفيديرالية و ك.ع.ش.»، ترأس لابيير (Lapierre) مساعد جوهر، في الطرف الآخر، اجتماعات متتالية «لمجالس تونس النقابية» ( 4 شباط/فبراير). وللاتحاد الجهوي لقسطنطينة ( 9 شباط/فبراير) وللاتحاد الجهوي للجزائر العاصمة (14 شباط/فبراير). وفي تونس العاصمة كان بيلغران (Pellegrin) وهو من السككيين– يطالب بربط الاتصال بين جميع اتحادات افريقيا الشمالية، من المغرب إلى تونس». وفي قسطنطينة كرر لابيير نفس الفكرة. فبعد تذكيره بالاتصالات الجهوية التي تمت في  1929 بين الجزائر العاصمة ووهران وقسطنطينة، أضاف : «إن هذه المبادرة الأولى تستدعي مبادرة أخرى. فما ينبغي علينا اليوم إنجازه هو إقامة اتصال دائم بين التجمعات الكونفديرالية لشمال إفريقيا، من الدار البيضاء، إلى تونس العاصمة...» هكذا كان قد تحدد الهدف الذي رسمه دون شك المكتب الكونفيديرالي و الرامي إلى تدعيم التنظيم النقابي والى توسيع نفود ك.ع.ش. في شمال أفريقيا.
 
وكانت الجزائر العاصمة هي نقطة لقاء ميشو ولا بيير، هذين الداعيتين المتنقلين، وقد لحق بهما جوهر الذي كان في جنيف وباريس. وفي 16 شباط/فبراير 1930، افتُتح مؤتمر نقابات شمال افريقيا، بحضور 300 مندوب من ضمنهم مندوبون عن المغرب.
 
وفي كلمة الافتتاح، عبّر جوهر عن ابتهاجه «باجتماع ممثلي نقابات شمال افريقيا، في مؤتمر ضخم»، وأضاف: «إن هدف المؤتمر هو إعطاء تعبير مشترك لمطالب الشغيلة الجزائريين والتونسيين والمغاربة. وغرضه تمكين المناضلين المشتتين بين الرباط وتونس العاصمة من البحث بشكل مشترك عن وسيلة لتحقيق مطامح الكادحين».
 
لكن، كان على المؤتمر أولا أن يتخذ موقفا من الاحتفالات الرسمية التي كانت ستقام احتفاء بالذكرى المائوية لاحتلال الجزائر. وقد أثيرت بهذا الصدد كل القضايا وتمت مناقشتها، كما اضطر المناضلون الكونفيديراليون الى التعبير عن تصورهم للقضية الاستعمارية.
 
وبعد أن أشار إلى التزامن غير المقصود بين المؤتمر واحتفالات الذكرى المائوية، الذي بإمكانه أن يعطي حجما أكبر لمطامح الشغيلة، أضاف جوهر في خطابه، «... يمكن أن يوجد لحد الساعة عبر العالم سكان لا يمكنهم التمتع بحق الشعوب في تقرير مصيرها (كذا)، وهؤلاء السكان في حاجة إلى المساعدة. وإذا كانت هذه المساعدة ضرورية حقا، فيجب عليها أن تأخذ طابع التضامن وليس مظهر تأكيد تفوق ما. فالحرية هي أفضل الخيرات».
 
وبتبنيه ملتمسا سبق أن صوت عليه الاتحاد الجهوي للجزائر في كانون الثاني/يناير 1929 وبتكميله، «أكد [المؤتمر] أولا على أن الطبقة العاملة لهذا البلد تناهض جميع التظاهرات التي قد تهدف إلى التذكير بأحداث العنف المحتومة الماضية التي أدت إلى احتلال المستعمرة عسكريا؛ وصرح بأن الطبقة العاملة تدين هذه الاحتفالات، التي بتصورها وترتيبها ستجرح شعور آلاف الأهالي الذين كان على فرنسا والفرنسيين القادمين إلى الجزائر أن يبذلوا كل ما في وسعهم لكسب عقولهم وقلوبهم.
 
«وبدون أن ننكر المزايا التي قدمتها الحضارة الفرنسية للأرض الجزائرية  التي كانت فيما مضى تعاني من الفوضى البربرية (كذا)، فعلى فرنسا أن توظف هذه الاحتفالات لتحديد حصيلة ما تم تحقيقه وما لم يحقق بعد.
 
«... وبتذكيره أيضا بأن الطبقات الكادحة لجميع الأجناس والديانات هي الخالقة الفعلية لخيرات هذا البلد، يلاحظ المؤتمر، ويتأسف إذن مرة أخرى، أن السلطات العمومية وجهت دعوتها بمناسبة هذه الاحتفالات الى جميع المنظمات ما عدا تلك التي تمثل الشغيلة».
 
 هذا هو جوهر المواقف الت اتخذت، فقد أُدينت الاحتفالات بالذكرى المائوية بالشكل الذي تمت به، إلا أن مناضلي الجزائر وتونس والمغرب لم يضعوا في أية  لحظة شرعية الاستعمار موضع الشك –وتدل على هذا التصريحات والتقارير والمتمنيات المقدمة. مقابل ذلك نددوا بالتجاوزات، وكانوا يطالبون بالإدماج الذي سيؤدي في نظرهم –مع تطبيق القوانين الاجتماعية الفرنسية، ومنح الحق النقابي لتونس و المغرب والغاء «المدرسة الأهلية» وإنشاء «المدرسة العمومية»– الى تقدم الأوربيين والأهالي معا نحو الرقي والازدهار، وسيساعد على انعتاق الشغيلة.
 
وخلال المناقشة، قُدم برنامج مكون من ثماني نقط خاصة بشغيلة المغرب، أهمها الحق النقابي، العطلة الأسبوعية وتحديد يوم العمل بثماني ساعات. وقد تمت المصادقة عليه.
 
وهكذا تم نقل إيديولوجية اشتراكيي شمال افريقيا الى الحقل النقابي. و بحكم اعتناقهم لمبادئ المساوة والعدالة السامية، كانوا يطالبون بالإصلاحات وبالإدماج، إلا أنهم يرفضون جميع النزاعات الوطنية باسم الاممية البروليتارية (7).
 
أما موقف نقابات الجزائر الوحدوية فكان مختلفا، إذ أنها كانت تدين صراحة الاحتلال والاستعمار والاحتفال بالذكرى المائوية لاحتلال الجزائر. فبحكم حساسيتها إزاء الخصوصيات الوطنية، فإنها كانت تؤيد استقلال المستعمرات وقد أصدرت مناشير و أيدت إضرابات ونظمت أول مؤتمر عمالي عربي للجزائر في 15 حزيران/يونيو 1930، وقررت الإسراع بتكوين مركزية نقابية جزائرية، الأمر الذي سلط عليها قمعا بوليسيا شرسا (8).
 
.جوهر ولابيير بالمغرب ( شباط/فبراير آذار/مارس 1930) - تشكيل الاتحاد المحلي للدار البيضاء يوم 2 آذار/مارس 1930
 
لقد استمر تحويل القادة الفيديراليين نحو الغرب. ففي 23 شباط/فبراير ترأس لابيير(Lapierre) مؤتمر اتحاد نقابات منطقة وهران. وعند نهاية شباط/فبراير وبداية آذار/مارس 1930، جاء جوهر ولابيير إلى المغرب (9).
 
وفي يوم السبت فاتح آذار/مارس عقد بالرباط اجتماع نُظم بسرعة، ضم 500 شخص إلى جانب جوهر ولابيير اللذين قدمهما اندري، كاتب نقابة المعلمين.
 
ويوم الأحد 2 آذار/مارس، عُقد بسينما ماجستيك بالدار البيضاء اجتماع لشغيلة الدولة ترأسه دوكاب (Decap) وقد عرض خلاله جوهر برنامج ك.ع.ش. أما المواضيع التي طرحها، فهي تلك التي يرددها مند 1922 مع بعض اللمسات الطفيفة للإجابة عن انتقادات الوحدويين. وبعض تذكيره ببعض المبادئ الأولية للتنظيم والفعالية النقابيين، أكد جوهر على مزايا  «العمل الإصلاحي» الذي لا ينفصل عن «العمل الثوري»، كما أكد على فتور «الجماهير» التي أتت إلى الحركة النقابية «لجني الثمار، معتقدة بأنها ليست بحاجة إلى زرع البذور»، وأكد أخيرا على العمل الشرعي وعلى فعالية المنظمات الدولية، مثل المكتب الدولي للشغل وجمعية الأمم ، لتحسين التشريع العمالي والدفاع عن السلام.
 
لقد كان خطاب جوهر طويلا، تضمن مايزيد عن 9000 كلمة، وكان من الصعب تتبعه، كما كان مرصعا بكلمات الكرامة الإنسانية والتحرير والانعتاق. وقد اجتمعت ضمنه عبارات «الإصلاح» و«الثورة» وتماثلت بل وتطابقت ولم تتم في أي لحظة إعادة النظر في الرأسمالية، كما لم تنتقد سلطة أرباب العمل. ولم يقل جوهر أي شيء عن المغرب، ماعدا أن «الطبقة العاملة» تعيش ربما في ظروف مادية أكثر يسرا وكان، بقوله هذا، يفكر بلا شك، في الموظفين وفي شغيلة الدولة الذين كان متصلا بهم (10).
 
أما مداخلة لابيير، الذي كان منشغلا بالشؤون التنظيمية، فقد سلطت الأضواء على جوانب عديدة، حيث قال «التقينا لأول مرة بممثلين عن النقابات المغربية، خلال مؤتمر الجزائر العاصمة الذي عقدناه في 16 كانون الثاني/يناير (كذا) الماضي».
 
وبعد تحليله للقوى النقابية المتواجدة بالمغرب التي يهيمن عليها «الموظفون وشغيلة الدولة» يضيف لابيير محددا «إن هدف اجتماعنا اليوم هو وضع اللبنات الأولى لاتحاد جهوي للنقابات. إننا نرغب في الخروج من هنا بتأكيدات بأن الاتحاد سيتشكل، وبأنكم ستتوفرون في الشهور القليلة القادمة على منظمة سيكون بإمكانها تقديم مطالبكم بقوة أكبر مما تفعله حاليا. «ويعطي مثال الاتحاد الجهوي لتونس» المتماسك، القوي الذي يحظى لوحده بنفس القوة التي تحظى بها الجهات الجزائرية الثلاث»، والذي يضم النقابات العمالية. وقد حصلت هذه النقابات، بعد «أعمال تحريضية كثيفة» و«إضراب خلال اربعة أيام» على تطبيق القانون الذي يحدد وقت العمل في ثماني ساعات.
 
ولم يفته التذكير بأن «المقيم العام آنذاك، السيد (Saint) (11). قد منح للجمعيات الحق في الاجتماع ببورصة الشغل، التي أجرتها لها الاقامة التونسية ويمكن لها الالتقاء فيها بكل حرية تحث مراقبة مفتش الشغل» وقد عُقدت بدون شك جلسة عمل يوم 2 آذار/مارس. ويقول لوكَولار (Le Goulard) بهذا الصدد: «جاء جوهر نفسه الى الدار البيضاء، وترأس تجمعا تأسيسيا عقد في كوخ خشبي بحديقة ليوطي. وقد حضر هذا الاجتماع فديرالية الموظفين، والمعلمون، والأساتذة، ومستخدمو البريد، وشغيلة الدولة والفوسفاط ، وعدد من قادة النقابات العمالية الرباطية والبيضاوية. لقد كان الجو العام جيدا، وكان هناك كثير من الحماس والشباب ...» ( رسالة بتاريخ 6 أيار/مايو 1965) وتعد الصورة الصادرة في نشرة  «الشعبي المغربي» Populaire Marocain بتاريخ 9 آذار/مارس مع الإشارة التالية: «أول اجتماع لمندوبي ك.ع.ش. بالمغرب»، دليلا على هذا الحدث بدون شك. ويبدو في الصورة كل من جوهر ولابيير بصحبة دوكاب ،كَيطون، شامبيون، ليونيتي، لوكَولار، تيكسيي ومناضلون نقابيون آخرون (12) أو مندوبو الهيئة الثالثة(13) ومعظمهم اشتراكيون من الفرع الفرنسي للأممية العمالية (Sfio).
 
ويظل هذا الاجتماع في ذهن لاكَولار، ليونيتي وتيكسيي. العمل التأسيسي لاتحاد نقابات المغرب. بعد سنة ونصف، كان القادة الكونفديراليون معتقدين نفس الشيء. وقد كتبوا في التقرير الأدبي الذي قدموه في مؤتمر باريس المنعقد في تموز/يوليوز 1931، والذي يذكرون فيه جهودهم في شمال أفريقيا، ما يلي: «أسس اتحاد المغرب سنة 1930، إذ بعد انعقاد المؤتمر الجهوي للجزائر العاصمة، عقد الاتحاد مؤتمرا تأسيسيا في شباط/فبراير 1930، وعقد مؤتمره الثاني في كانون الثاني/يناير 1931» ( مذكور في: ك.ع.ش. مؤتمر باريس، 15-18 أيلول/سبتمبر 1931).
 
ومع ذلك، فإن إشارة لابيير لا تدع مجالا للشك. إذ أن «اتحادا محليا» هو الذي أنشئ يوم 2 آذار/مارس في «الكوخ الخشبي بحديقة ليوطي» إن ما تتحدث عنه نشرة «الشعبي المغربي» بتاريخ 9 آذار/مارس هو «لجنة منتدبة عن النقابات المتحدة كونفديراليا لدى الاتحاد المحلي المؤسَّس حديثا...برفقة الرفيق جوهو». وأخيرا يتحدث تيكسيي (Texier) نفسه، في التقرير الأدبي الذي قدم في الدار البيضاء يومي 10 و11 كانون الثاني/يناير 1931، عن تأسيس  «اتحاد محلي للنقابات المتحدة كونفديراليا، وهو جنين اتحاد جهوي مستقبلي» وذلك خلال مجيء جوهو ولابيير في شباط/فبراير 1930.
 
ويرجع هذا إلى أن المسؤولين، بتقديرهم للقوى النقابية المتوفرة (ثماني نقابات كونفديرالية في المجموع) (14) اعتبروها غير كافية لتأسيس منظمة واسعة مند آذار/مارس 1930، وستطلب هذه المنظمة من جهة أخرى أن تهيأ لها بنياتها، وقد أوكلت لقادة الاتحاد المحلي الشباب المجتمعين حول تيكسيي، مهمة خلق الشروط الضرورية لتشكيل الاتحاد الجهوي.
 
وفي صباح يوم الاثنين 3 آذار/مارس، استُقبل وفد برئاسة جوهو من طرف الإقامة العامة وحدثها عن مطالب شغيلة المغرب وهي: بورصات للشغل، محاكم الشغل، مشاكل اليد العاملة، التشغيل والهجرة، العطلة الأسبوعية، تحديد يوم الشغل بثماني ساعات. وأكد المقيم العام عزمه على تحقيق عدد من المطالب خاصة منح العمال بورصة الشغل بالدار البيضاء، والعطلة الأسبوعية ومحاكم الشغل (15).
 
وبالرغم من أن البلاغ لم يشر إلى ذلك، فإن قضية الحق النقابي قد أثيرت ويبدو أن جوهو خرج جد متفائل من هذه المحادثات التي أشار إليها في اليوم التالي خلال اجتماع بالقنيطرة، حيث أعلن أن هناك «اعترافا عمليا مباشرا بالحق النقابي، قريبا من الاعتراف القانوني به» (16).
 
تأسيس اتحاد المغرب ( 22  حزيران/يونيو 1930)
 
كان المناضلون، الذين حمسهم مجيء جوهو، مستعجلين إنشاء هذا الاتحاد الدي سيعطي الانطلاقة للحركة النقابية بالمغرب، مما طبع الشهور الأربعة التي تلت بنشاط كثيف ونقاشات حادة.
 
وبعد مرور شهر فقط أعاد تيكسيي، من جانب أخر، طرح مطلب الحق النقابي، وعمل ما في وسعه للحصول عل قرار يمكن استغلاله فيما بعد.
 
وهكذا، طلب، في رسالة وجهها الى المقيم العام، الترخيص بتحويل الجمعية الودادية لمستخدمي البريد بالمغرب الى «الفرع المغربي للنقابة الوطنية لمستخدمي البريد بفرنسا والمستعمرات» (17).علما بأن البريديين سبق لهم أن قرروا ذلك منذ 1927.
 
وعلى إثر مطالبته بإبداء رأيه،  اعتبر مانغو Mangot، رئيس مصلحة الشغل، بأنه لأمر خطير أن «يُسمح [لفروع النقابات الميتربولية] أن تتشكل بكل حرية في المغرب و أن تعمل رسميا بهذه الصفة. كيف يمكن حينئذ رفض ذلك بالنسبة للتجمعات الأجنبية، الإيطالية أو المصرية مثلا... لا يمكن الاعتراف إلا بالتجمعات المحلية الصرفة، التي تتمتع بشخصية مستقلة ولو ظاهريا.
 
«مع هذه التحفظات، يبدو من البداهة أن إمكانية معارضة حركة عامة، مثل الحركة النقابية، لم تعد ممكنة. فالنقابات ستنشأ بالمغرب سواء حصلت على ترخيص أو لم تحصل عليه».
 
وقد اقترح مانغو إذن حلين: إما اعتبار التجمعات المهنية المؤسسة في إطار ظهير 1914 الذي ينص على الترخيص المسبق ،كـ«نقابات»؛ وإما إدخال مادة في ظهير 1914 تنص على إمكانية تشكيل النقابات المهنية وفق الشروط التي يحددها الظهير المذكور، أي بترخيص مسبق، مع تخويل الحكومة صلاحية حلها في حالة خرقها للنصوص الشرعية؛ وأضاف: «ستزكي هذه المادة حلا قد إرتآه جوهو، حسب ما قلتم لي، بالنسبة لتونس. والواقع أننا سنكون قد غيرنا بطاقة القنينة ليس إلا».
 
وأخيرا نصح المقيم العام بأنه يُنبه مستخدمي البريد «خلال جلسة بأن الرغبة في التعاون التي أبديتموها لهم، لا يمكن لها أن تؤدي لا إلى تغيير التشريعات المغربية، ولا إلى إدخال قانون 21 آذار/مارس 1884 الفرنسي للحماية المغربية بدون قيد ولا شرط، غير أنه بإمكانكم أن تسمحوا بتغيير نظام الجمعية الأساسي»
 
بهذا أحبطت مناورة تيكسي. إذ أن مصالح الاقامة العامة لم تكن راغبة في التخلي عن حقها في الترخيص للمنظمات المهنية أو في حلها، وإن كان الأوربيون هم  وحدهم المعنيين. وما دامت مشاريع التعديلات المقدمة لا تغير أي شيء، فإنها لم يتم تتبعها. مع ذلك فقد ظلت حاضرة عزيمة لوسيان سان الذي، حين قرر الشروع من جديد في عمليات الاحتلال، كان عليه أن يكسب تجمعات الموظفين والبريديين وشغيلة الدولة والسككيين وذلك بسماحه بحياة نقابية لفروع ك.ع.ش.
 
وتعزز الاتحاد المحلي بمجيء نقابات عمال الكتاب والبناء. وفي فاتح أيار/مايو عقد اجتماعا بـ  «قصر المحاضرات» وعرّف ببرنامج ك.ع.ش. المغربية (18).
 
وعُقدت مؤتمرات للفيديراليات والنقابات لتحديد توجهها النقابي. هكذا، رفضت فيديرالية سككيي المغرب في مؤتمرها المنعقد يوم 30 آذار/مارس 1930، مشروع الانخراط في ك.ع.ش. ثم تفككت. وقد كتب هنري بريدوم  Henri Prudhomm بهذا الصدد ما يلي: «لم تكن الأذهان مهيأة بما يكفي لهذا التصور النقابي» طبعا، لم تكن التناقضات القديمة بين الشبكات المختلفة قد اضمحلت. إلا أن الفيديرالية كانت ضحية ضغوطات ومناورات مديرية السكك الحديدية المغربية التي طردت شامبيون، الكاتب العام، وكانت تسعى، بالاعتماد على بعض أطر الرباط، الى حل الاتحاد الذي سبق له أن أثار رعبها.
 
أما فيما يتعلق بالبريديين، فلم يكن هناك أي مشكل، إذ حولوا ودادياتهم، بين 1927 و1930 بدون شك، إلى فروع للنقابات الوطنية الثلاث (أطر ومستخدمين وعمال) المنخرطة في ك.ع.ش. إلا أنهم لم يتمكنوا من الحيلولة دون وقوع انشقاق في صفوفهم سنة 1929 على إثر قضية مطلبية. وهكذا، تشكل بمبادرة من إردينجر Erdenger، تجمع مناوئ يحمل اسم:  «التجمع الودادي لجميع فئات المستخدمين البريديين بالمغرب»، جذب بطبيعة الحال البريديين المتعاطفين مع الكونفيديرالية العامة للشغل الوحدوي  «C.G.T.U» (19).
 
وقد عقد المعلمون مؤتمرهم يومي 22 و 23 نيسان/أبريل 1930، ومعلوم أنهم قدموا الكثير من أجل توحيد الموظفين والتمهيد لتشكيل «اتحاد المغرب». فكانت أحكامهم قاسية تجاه الفيديرالية المغربية لتجمعات الموظفين التي ظلت فارغة المحتوى. وفيما أكدت من جديد أقلية منهم تشبتها بـ«فيديرالية نقابات التعليم العلماني» FSEL التابعة للكونفيديرالية العامة للشغل الوحدوي، أعلنت الأغلبية عزمها على تدعيم ك.ع.ش.
 
وليتم الحفاظ على «تماسك القوى النقابية بالمغرب»، قرر المندوبون بالإجماع تحويل الفرع المغربي للنقابة الوطنية (20) الى «نقابة التعليم العلماني بالمغرب، شريطة أن يتم قبوله من طرف اللجنة الدائمة للنقابة الوطنية». وبهذا تمكن النقابيون الوحدويون من البقاء ضمن النقابة ومن المساهمة في قيادتها، بدون أن ينخرطوا في الهيئات الكونفيديرالية  وبدون أن يدفعوا لها اي اكتتاب. هكذا، حافظ المعلمون على وحدتهم. التي ستضل شاغلهم باستمرار.
 
واضطرت النقابة الوطنية أن تخضع لهذا الأمر، غير أن هذا القرار المضاد للتوجيهات الكونفيديرالية، ولَّد خيبة أمل وغضب لدى مناضلي ك.ع.ش. الأورودوكسيين ولدى أعضاء الفرع الاشتراكي للمغرب النافذين لكن هذا لم يمنع المعلمين المنتمين إلى ك.ع.ش. من الاستمرار في عملهم. وفي فاتح وثاني آذار/مارس 1930، كان الكاتب العام الجديد، لوكَولار، وتكسيي، حاضرين في مؤتمر موظفي المغرب.
 
وتحت رئاسة شارل لوران  Charles Laurent، قرر المؤتمر تحويل الفيديرالية المغربية للموظفين الى فرع جهوي للفيديرالية الفرنسية المنخرطة في ك.ع.ش  (21). وكان هذا هو الحدث الحاسم الذي «سمح لنا –يقول تيكسيي- بدعوة مؤتمر تأسيسي للاتحاد الجهوي والقيام بهذا التأسيس في نهاية حزيران/يونيو ، نظرا للأعداد الهامة من المنخرطين التي جلبها هذا التحويل» وفي عددها ليوم 8 حزيران/يونيو، أصدرت «الشعبي المغربي» إعلانا للاتحاد المحلي للدار البيضاء يخبر فيه «كتاب النقابات المتحدة كونفيديراليا والمنظمات التعاضدية المقبلة على الانخراط في لـ ك.ع.ش. بأن المؤتمر التأسيسي للاتحاد سيعقد بالدار البيضاء يوم 22 حزيران/يونيو 1930  في قبو مشرب الجعة «الكوميديا» La Comédie ... جدول أعماله كالتالي:
 
1) الأنظمة الأساسية
2) برنامج  ك.ع.ش. بالمغرب.
3)الجريدة الفيديرالية
4 ) الانتخابات
5) مختلفات
 
وفي 29 حزيران/يونيو قدمت النشرة «تقريرا عن المؤتمر التأسيسي المنعقد يوم 2 حزيران/يونيو» وبعد عرض قصير لكاتب الاتحاد المحلي، تبنى المؤتمر –المكون من مندوبين عن 15 نقابة– الأنظمة الأساسية للاتحاد المحلي، وبرنامج ك.ع.ش.، وكلاهما وضعا من طرف الاتحاد المحلي للدار البيضاء». ومن ضمن المطالب المعروضة، وضع المؤتمر ترتيبا لها حسب الأولوية وقرر «أولا وقبل أي شيء آخر متابعة القضايا التالية: بورصات الشغل والقانون الذي يحدد يوم العمل بثماني ساعات، والعطلة الأسبوعية، ومحاكم الشغل ومندوبو العمال الملحقون بمفتشية الشغل».
 
لقد تم اذن تشكيل الاتحاد الجهوي يوم الأحد 22 حزيران/يونيو 1930 بالدار البيضاء والى حدود كانون الثاني/يناير 1937 سيحمل الاتحاد هذا الاسم بالنسبة للمنخرطين فيه. إذ أنه في اعتبارهم الـ إ.ج. (الاتحاد الجهوي . UD) ك.ع.ش .إلا أن تسميته كانت: «الاتحاد المغربي للتنظيمات النقابية العمالية المتحدة كونفيديراليا» وكانت هذه التسمية تعكس رغبة لدى محرري الأنظمة الأساسية، بدون شك، هي الأخذ بعين الاعتبار خصوصية تنظيم يشمل البلاد بكاملها.
 
فقد كان الاتحاد المغربي يضم  «منظمات محلية» ونقابات وفروعا أو فروع الفروع (المادة رقم 1)  تتكون حصرا من المأجورين، والمؤسسة بشكل قانوني والمتحدة وطنيا مع فيديرالية منخرطة ضمن ك.ع.ش.( المادة 3).
 
«وهدف الاتحاد هو الدفاع عن المصالح المعنوية والاقتصادية لمنخرطيه وربط علاقات التضامن بين كافة شغيلة المغرب، وتدعيم المنظمات المحلية المتواجدة وانشاء منظمات جديدة... والعمل على تهيئة ودعم انعتاق العمال ( المادة 2).»
 
ويُسَيَّر الاتحاد من طرف مؤتمر سنوي تكون فيه جميع المنظمات المحلية ممثلة وتتمتع فيه بتفويضات (تفويض قانوني وتفويض لكل عشرة مكتتبين) فيما تسهر على سيره الاداري لجنة ذات اجتماعات فصلية ومكتب يضم خمسة أفراد، يتكلف بتنشيط العمال وتوجيههم وتنظيمهم، وبإنشاء أو تدعيم النقابات والاتحادات المحلية.
 
ويعد الكاتب العام ممثل الاتحاد المغربي في اللجنة الكونفيديرالية الوطنية ك.ع.ش. كما يعد وفقا للنظام الأساسي، المندوب الرسمي عن ك.ع.ش. بالنسبة للمغرب ( المادة 23).
 
وكان أول مكتب للاتحاد الجهوي يتشكل كالتالي: الكاتب العام، تيكسيي (من المعلمين) الكتاب العامون المساعدون، ماتيي Mattei  (من الجمارك) وبوم Baume  (من شغيلة الدولة )؛ أمين المال ديكانلير Descanlers  (من البريد) فيما عين شميكرات Schmickrath  مكلفا بالدعاية.
 
وقد أضاف جدول الأعمال الذي تم التصويت عليه في المؤتمر الى المطالب ما يلي: «الاعتراف بالحق النقابي» وإرجاع شامبيون إلى السكك الحديدية المغربية، وهو الكاتب العام المفصول من منصبه.
 
وتأكدت قوة جاذبية الاتحاد الجهوي في القطاعات  الخاصة وذات الامتياز. وتحولت وداديات الشركة المغربية لتوزيع الماء والكهرباء (SMD) والضاربين على الآلة الكاتبة، والمستخدمين والمحاسبين بالمغرب، الى نقابات وانخرطت في الاتحاد  الجهوي، فيما أنشئت فيديرالية التعدين.
 
في هذا الوقت تعرض الاتحاد لمحنته الأولى. إذ اعتقل شميكرات وطرد من المغرب على متن باخرة بدون أن تخبر عائلته، وذلك يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر، عشية قدوم رئيس الجمهورية الفرنسي كَاسطون دوميرغ Gaston Doumergue  الى الدار البيضاء، ومعلوم أن شميكرات قد حقق بفضل نشاطه  الكثيف تنقيب شغيلة القطاع الخاص، و«العمال اليدويين»، ويرجع له الفضل كذلك في انضمام نقابات الكتاب والتعدين والبناء إلى الاتحاد الجهوي. وقد ولد الحدث انفعالا قويا، فاستنفرت كافة التنظيمات الصديقة وك.ع.ش. إلا أن شميكرات قد تباهى بكونه شيوعيا. وصرح جوهو وتيكسيي في المؤتمر الثاني للاتحاد الجهوي، بأنه في ظل هذه الشروط ، لم يكن بالإمكان الدفاع عنه (22).
 
لقد انعقد هذا المؤتمر الثاني بالدار البيضاء يومي 10 و11 كانون الثاني/يناير 1931 تحت رئاسة جوهو، وأتى ليثمن المجهودات التجميعية والتنظيمية التي أنجزت خلال السنة المنصرمة. وقد كان الاتحاد الجهوي المغربي يضم آنذاك 23 نقابة و4000 منخرط، ويعادل هذا ما يضمه كل من اتحاد وهران واتحاد الجزائر العاصمة. وقد كان بودنا أن نتعرف على عدد المنخرطين في النقابات الخمس عشرة الممثلة في المؤتمر التأسيسي، المنعقد في 22 حزيران/يونيو، فربما كانوا 3000 كما كان بودنا أن نتعرف على الطريقة التي كان يتوزع حسبها الأربعة آلاف منخرط في الاتحاد الجهوي سنة 1931، ربما كان ألف من ضمنهم ينتمون إلى القطاع الخاص إلا أن العديد منهم انسحبوا من نقاباتهم، لأن التخلي عن رفيقهم  «جيو  Geo  (هكذا كانوا يلقبون شميكرات) قد أغضبهم، ودخلوا في علاقة مع المنطقة النقابية الجزائرية للكونفيديرالية العامة للشغل الوحدوي (CGTU)، وفكروا في انشاء مركزية مغربية مادامت ك.ع.ش.و. (CGTU) ممنوعة في ظل الحماية. غير أن هذا المشروع لم يتحقق ( 23). وبهذا ظل الموظفون العنصر الأساسي في الاتحاد الجهوي- وهم الذين أسسوه- بالرغم من أن جزءا كبيرا منهم بقي في الوداديات.
 
وهكذا لم يكن الاتحاد الجهوي – الذي تم التفكير فيه منذ 1929 بدون شك والذي أنشئ في 22 حزيران/يونيو 1930  بشكل نهائي –يخص آنذاك الشغيلة المغاربة. وقد غضت سلطات الحماية الطرف عن هذا، بالرغم من مناهضتها الصارمة للحق النقابي لأنها لا ترغب في أن يطلبه المغاربة يوما ما. إذ كان الموظفون وشغيلة المصالح العمومية يشكلون إحدى الدعائم  الأساسية لنظام الحماية. أضف الى ذلك أن ك.ع.ش. لا تشكل خطرا كبيرا، لأنها لم تُعِد النظر، مند مدة، سواء في النظام الاستعماري أو في مرتكزات النظام الرأسمالي. ونظرا لكونها منظمة فرنسية إصلاحية، كان بإمكان ك.ع.ش. . أن تظهر على عكس ذلك، كواقية للشغيلة من تأثير ك.ع.ش.و. (CGTU) والحزب الشيوعي، وهما تنظيمان منخرطان في النضال ضد الإمبريالية. فيما كان جوهو، الكاتب العام للاتحاد شخصية شبه رسمية (24).
 
وبما أنه كان وراء ولادة هذا الاتحاد الجهوي الذي يُعد آخر اتحاد جهوي ينضم لـ ك.ع.ش.، فقد ظل جوهو يتتبع باهتمام  حياته ومشاكله التي كان يتوصل بأخبار عنها بشكل منتظم.
 *****************************************************
إحالات الفصل الأول
 1)هذا حسب لويس ماسينيون L. Massignon الذي عمل على إحصائهم والتعرف على تنظيمهم وتقنياتهم وذلك في مقاله: «بحث ميداني حول التعاضديات المسلمة للحرفيين والتجار بالمغرب» الصادر في  «مجلة العالم الإسلامي»، سنة 1924 ص ص من 1 إلى 246.
 
2 )لوتورنوLetourneau : «فاس قبل الحماية»، الدار البيضاء 1949، ص، 364
 
3 )ل. ماسينيون: «أغاني التعاضديات المغربية» مقال صدر في «مجلة الدراسات الإسلامية، 1927، ص ص . 273– 298.
 
4 )جوهاني رايJohanny Ray :« المغاربة بفرنسا»، باريس، 1938، 406 صفحة.
 
5 )كان لشركة «الشحن والإفراغ المغربية» احتكار عمليات نقل البضائع بميناء الدار البيضاء.
 
6)«إحصاء صناعات الحماية، سنة »، 1924 الدار البيضاء، مصلحة التجارة.
 
7)فيما يخص هذه الإجراءات راجع كتاب «المغرب والاستعمار» لألبير عياش، الذي صدرت طبعته العربية عند دار الخطابي (سلسلة معرفة الممارسة) الدار البيضاء 1985. أما فيما يتعلق بالتغيرات الحاصلة في المساحات التي احتلها المعمرون فتجدر مراجعة «الدليل الإحصائي العام للمغرب، لسنة 1936» «الاستعمار بالمغرب، 1916- 1936»، ص ص 47 مكرر و 47 مثلث.
 
8) ظهائر أنشأت مديريات مكتب البريد والتيلفون والتلغراف ( 6 تموز/يوليو 1920) والشؤون الشريفة ( 24 تموز/يوليو) والأشغال العمومية (24 تموز/يوليو) والزراعة والتجارة والاستيطان ( 24تموز/يوليو) والتعليم ( 26 تموز/يوليو) والشؤون المدنية ( 23 تشرين الأول/أكتوبر) والمكتب الشريف للفوسفاط ( 7 آب/أغسطس).
 
9 )نُشرت نتائجه في «الدليل الاحصائي، لسنة 1926».
 
10)ليوطي Lyautey:« تقرير عام حول وضعية الحماية بالمغرب في 31 تموز/يوليو 1914، الرباط، ص ص 73-84
 
11 )أنظر: ليوطي: التقرير المذكور
 
12)كان يوجد، حسب المعلومات الموجودة في  «الدليل الإحصائي لسنة 1926»، أكثر بقليل 1 مدرس ( 850 معلما و 150 أستاذا) قرابة 1000 بريدي.
 
13)راجع جدول الجمعيات المسموح لها بالنشاط، المذكور فيما بعد.
 
14 )راجع «لوباريا Le Paria، منبر بروليتاريا المستعمرة» مقال بعنوان «شروط العمل بالمغرب» السنة الثالثة، عدد رقم 28.
 
15)ج . راي . سبق ذكره. ص ص 282-283.
 
16)انظر: ماكس فير Max Ferre  «تاريخ الحركة النقابية الثورية عند المعلمين، من أصولها الى سنة 1922»، باريس 1955 (وبالخصوص تمهيد جورج فَيدالنك G.Vidalenc).
 
17)راجع بيداريداBedarida : «مائة عام من الفكر الجمهوري» ص ص 311 وما تلاها.
 
18)راجع: ج. فريشمانG.Frischmann  : «تاريخ فيديرالية ك.ع. ش. للبريد والتيليفون والتليغراف»، باريس، 1969 (الطبعة الثانية)، ص .233.
 
19)خلال الاحتفال بالذكرى الخمسينية لمدارس المعلمين لمنطقة السين، في السوربون يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1922.
 
20)«الجريدة الرسمية» عدد 657، 26 أيار/مايو 1925، ص ص 300 وما تلاها: يُعرّف الجدول بالجمعيات المهنية المسموح لها بالنشاط ابتداء من 1916. ومنذ 14 نيسان/أبريل 1925، يسمح باب «ترخيصات الجمعيات» الصادر في «الجريدة الرسمية» بتتبع الجمعيات المنشأة خلال السنوات التالية.
 
21)تم الاعتماد على التقارير المنشورة في العدد الثاني من «نشرة  المعلمين» لسرد هذه الحكاية.
 
22)هذا تصريح لـ ش. لوران Ch.Laurent في مؤتمر لوهافر، تذكره مارغريت جوفروى– زابلو في العدد الثاني من «نشرة المعلمين» ص 16.
 
23)«نشرة المعلمين» العدد 3، ص ص 16- 17.
 
24) «شرة المعلمين» العدد 2، ص 17
 
25)راجع «نشرة المعلمين العدد 3 ، لفاتح يناير 1923 ، ( تقرير لجنة الوفاق لدى السادة أعضاء البرلمان.
 
 26)قانون المالية المؤرخ بيوم 30 أبريل 1921: الباب 5 : النصوص الخاصة المتعلقة بأعضاء التعليم الابتدائي والثانوي.
 
27)من 2.7 بالنسبة للطبقة السادسة إلى 15.33% للطبقة الأولى – أي ارتفاع متوسط بنسبة 10%  ضد 21.5%  في فرنسا (من 12.5% الى 34.32%) العدد 8 من «نشرة المعلمين» الصادرة في فاتح أيار/مايو 1924، ص 12.
 
 28)«نشرة المعلمين» العدد 5، فاتح أيار/مايو، ص 12.
 
29)« نشرة المعلمين» العدد 7، فاتح آذار/مارس 1924، ص 7.
 
30)انخرطوا في الحزب الاشتراكي. كان لوكَولار وشابدوفيل منخرطين في الكونفيديرالية العامة للشغل الوحدوي بفرنسا. يُقدم جاك لادريت دولا شريير في كتيبه الذي يحمل عنوان  «الشيوعية وافريقيا الشمالية» بوسار كشيوعي له تصرفات «سخيفة» و «شنيعةۚ، معتمدا في هذا وبدون شك على تقارير الشرطة التي كانت له امكانية الاطلاع عليها أو التي أُبلغ بها.
 
31)من طرف جان-جان  Jean-Jean  أليراك، Alleyrac    وشابدوفيل  Chapdeville.
 
32)نشرت الاتفاقية الموقعة يوم فاتح تموز/يوليو  1924 في «نشرة ودادية التعليم الابتدائي بالمغرب» العدد 18 الصادر في آذار/مارس 1927, وبمقتضى هذه الاتفاقية كانت الحكومة الشريفة توفر المقرات والتجهيزات  والأدوات المدرسية وتسهر على صيانتها وتعطي المبالغ الضرورية لأداء رواتب المعلمين في شكل إعانات، وكانت تراقب التعليم الذي يتم بها.
 
33)يتعلق الأمر بهيريو.
 
34)هذا التصريح أُدلي به أمام اللجنة المنتدبة من طرف المؤتمر –راجع العدد 12 من  «نشرة المعلمين».
- أنظر أسفله
 
35)كانوا يطالبون بإعادة العلاقة مع الإدارة فورا وبدون أي شرط مسبق. وتم التصويت على ملتمس مضاد، قدمته مدينة وجدة،   بـ 364 صوتا (الدار البيضاء: 135 -مراكش: 21 -الجديدة : 24 -طنجة 47 -آسفي: 17 -مكناس : 28  -فاس: 35 -وجدة: 61) ضد 64 صوتا (الرباط). كانت الودادية تضم إذن 398 منخرطا مقابل 437 في مؤتمر أيار/مايو 1924.
 
36)العدد 12 من «نشرة المعلمين» الصادر في فاتح أيار/مايو 1925.
 
37)رسالة من ش . لوران بتاريخ 7 أيار/مايو 1925، إلى كَيطون، رئيس «الجمعية العامة».
 
إحالات الفصل الثاني
 
1)إن الحكومات المتعاقبة فيما بين حزيران/يونيو 1924 وتموز/يوليو 1926 هي:  حكومات  هيريو (Herriot) يونيو 1924 – 10 نيسان/أبريل 1925)؛ بانلوفَي،(PANLEVÉ) نيسان/أبريل 1925 – 27 تشرين الأول/أكتوبر 1925)، بانلوفَي، من جديد ( تشرين الأول/أكتوبر 1925 – 16 كانون الأول/ديسمبر 1925)؛  ثم جاءت ثلاث حكومات للوسط اليساري  برئاسة بريان ( BRIAND) (كانون الأول/ديسمبر 1925 – 6 آذار/مارس 1926)، (آذار/مارس 1926- 15 حزيران/يونيو 1926)، (حزيران/يونيو 1926 – 17 تموز/يوليو 1926)
 
2)لم يتم الاعتراف بتجمعات الموظفين اعتمادا على قانون معين –اذ أن هذا لن يتم إلا في 1946 مع التصويت على النظام الأساسي للوظيفة العمومية على إثر اقتراح موريس تيريز  (Maurice THOREZ) -بل مجرد دورية كامل شوطون (Camille Chautemps)، وزير داخلية حكومة هيريو. وهذا هو نصها: «ليكن في علم المديرين ورؤساء المصالح بأن تعاليم مذكرة 17 تموز/يوليو 1920 التي تمنع العلاقات مع التجمعات المهنية ذات الطابع النقابي، قد أُلغيت، ومن الآن فصاعدا، ستكون هناك علاقات رسمية مع جميع التجمعات المهنية، مهما كان النظام الذي تشكلت على أساسه» مذكور ضمن كتاب ج. لوفران(G.LERANC)  : «الحركة النقابية في ظل الجمهورية الثالثة»، ص 281.
 
3)قرار 25 تموز/يوليو 1924.
 
4)كان موريس تيريز (Maurice Thaurez) يرأس لجنة العمل هذه.
 
5)فوق سينما «النهضة»  محج دار المخزن، اليوم محج الحسن الثاني
 
6)حول أصل العبارة، راجع جاك ديكلو (Jacques Duclos) مذكرات الجزء الأول، ص 204، قد ترجع العبارة إلى ألبير تران (Albert Treint) الذي «أوَّل بطريقته الخاصة سياسة «الجبهة الوحيدة»، أي سياسة التقارب مع رفاق الأمس» ( 1922) وقد انتقل تران فيما بعد إلى الحزب الاشتراكي، ناسيا المطالبة «بحقه كمؤلف».
 
7)تم تأسيس فرع آسفي من طرف لوكولارLe Gaulard)) سنة 1926، وهو الذي أنشأ أيضا وترأس فرعي رابطة حقوق الإنسان بتاوريرت (1924) وآسفي (1926).
 
8)أخدنا كل هذه المعلومات عن جان ليونيتي Jean Lionetti  وقد أكدها فرانسوا ماتييFrançois Mattéi))
 
9)فيما يخص إحصاء 1931، راجع «دليل الاحصاءات العامة، 1931» ص. 19 وما يليها.
 
10)راجع أعلاه ص   الهامش رقم (7) حول الاستعمار بين 1916 و1936.
 
11)خلال السنوات الأربع التالية 1927-1928-1929-1930، ارتفعت القيمة الإجمالية للبناء في الثماني عشر بلدية الى 1135 مليون فرنك جاري؛ وفي الدار البيضاء وحدها ارتفعت الى 628 مليون أي 55% من القيمة الإجمالية. ثم تليها فاس بـ 131 مليون ومكناس بـ 65 ووجدة بـ 42 ومراكش بـ 20.
 
12)يعطي كل من ا.بوي و ج .آفان و. هوفير ( E .Bouy G.Evin ,R.Hoffher) الذين كانت لديهم أيضا إمكانية الاطلاع على المصادر الرسمية: أرقاما مختلفة ظاهريا. إذ يعطي ا. بوي في كتابه «قضايا اليد العاملة بالمغرب» ص 47 الأرقام التالية: 800 مؤسسة، 450 مليون فرنك من الاستثمارات 25000 عامل. وفي 1930، يتحدث في مقال غير موقع صدر بنشرة «إفريقيا الفرنسية، 1931، ملحق استعماري، ص 435، ويعيد حرفيا الفقرة المذكورة، نقول يتحدث عن 1000 مقاولة و500 مليون فرنك من الاستثمارات و 35000 عامل. بينما يعطي روني هوفير الأرقام التالية: 1565 مقاولة و 34231 عاملا، وفي كتابه  «الصناعة المغربية ومشاكلها»، 1934، ص 57 وما يليها، يتحدث كَي إفَان عن 1932 مقاولة و 45002 عامل (10454 أوربي و 34518 من الأهالي) مرددا بذلك الأرقام الواردة في «الدليل الإحصائي». فتتعلق التغيرات إذن بالخصوص، بعدد المقاولات.
 
13)السكان المغاربة بالمدن: 1926 : 39138؛ 1931: 646839
 
14)دوريتا 28 أيلول/سبتمبر 1925 و3 تموز/يوليو 1928
 
15)انتقل فيما بين 1926 و1929، عدد المغاربة المقيمين بفرنسا، حسب الأرقام الرسمية التي لا تعبر عن الواقع بشكل وافٍ، من 16000 الى 20000. أكثر من نصف هذا العدد كان يشتغل بمنطقة باريس؛ بينما كان 3000 الى 4000 منهم بمناجم الشمال  ولالوار La Loire، حيث برزوا بقوة اندفاعهم في النضالات المطلبية (نشرة «الحياة العمالية»، 11 كانون الثاني/يناير 1929).
 
16)رسالة سبق ذكرها، مؤرخة بفاتح أيار/مايو 1929، وصادرة «بالنشرة الرسمية» عدد 28 أيار/مايو 1929.
 
17)دورية 31 أيار/مايو 1929
 
18)مالي Malet  وبلونديل      Blondelle
 
19)إنهم الجنيرالات بيتان Pétain  بفاس وهيري Huré  بمراكش ونيجر  Nieger بمكناس  ودويل  Duele  بتازة والعقيد دو لوستال  De Loustel  بتادلة ورؤساء الأقاليم والمناطق المدنية: شاريي Charrier   (الشاوية ) بيسونيل  Peysonnel   (الرباط) ركمور) Recmeur ( الغرب) كومينو  Communeuax  (دكالة)، كودير  Coudert  (عبدة) لومير Lemerre  (واد زم) ولافَوند  Lavondes  (وجدة).
.
20)ص ص 108، 164، 294،227.
 
21)تقرير رئيس منطقة الدار البيضاء، ص ص 164 وما يليها، وتقرير مدير المكتب الاقتصادي للدار البيضاء، ص ص 108 وما يليها. وتقرير رئيس منطقة مراكش، ص 227، وكذا تقرير آوكيستان برنارAugustin Bernard ، «اليد العاملة بأفريقيا الشمالية» نشرة «افريقيا الفرنسية» 1931، ص 521.
 
22)يقدر ر.هوفير R .Hoffer  ور. موريس  R.Morris، في كتابهما «مداخيلهما ومستويات العيش بالمغرب»، ص. 49، أن عدد المغاربة العاملين في الجيوش النظامية بلغ سنة 1933،  40000،  فيما بلغ التجنيد السنوي 3500 فرد.
 
23)بالمقارنة مع سنة 1928، ارتفعت حظيرة الشاحنات-الحافلات سنة 1929 بنسبة 40% فيما تضاعف عدد المسافرين المغاربة عبر القطار: 68 مليون مسافر/كلم بالدرجة الرابعة  -وهي الدرجة التي يسافر فيها معظم المغاربة- مقابل 36 مليون.
 
24)ر.كاليسو R. Gallessont  «أرباب العمل الأوربيون بالمغرب 1931- 1942»، الرباط، المنشورات التقنية الشمال-افريقية، 1964، ص. 37.
 
25)هذا مؤشر يتعلق بالمواد الأساسية الثلاث عشرة الضرورية للاستهلاك السنوي لعائلة مكونة من أربعة أفراد، حسب الكميات المحددة من طرف «الإحصاء العام لفرنسا».
 
26)يتعلق الأمر بسعر القنطار من الشعير، القمح السكر؛ سعر الكيلو بالنسبة للغنم والشاي.
 
27)يزعم أ. برنار A. Bernard «حسب ملاحظ مؤهل»، «بأن سعر اليد العاملة تضاعف بست مرات مند بداية الحماية إلى حدود 1930، بينما ارتفعت تكاليف عيش الأهالي بنسبة 20% في نفس الوقت؟» «اليد العاملة في أفريقيا الشمالية» ، نشرة «إفريقيا الفرنسية»، 1930، ص.297.
 
28)حسب تقديرات هوفير وموريس في كتابهما «المداخيل ومستويات عيش الأهالي بالمغرب»  شغلت المناجم 4627 مغربيا بالفوسفاط، و3500 فيما عداه، أي أكثر من 8000 عامل بقليل بينما شغل قطاع النقل 6500 (ص.47)؛ وقد كان 6200 مساعد إداري  (ص.49) وحسب بوي BOUY  في كتابه «مشكل اليد العاملة بالمغرب» تقدر حاجيات اليد العاملة في 1929 ب 5000 عامل في البلديات ومن 40 إلى 50000 في الأشغال العمومية  (ص .47)؛ و 25000 في الصناعة وتقدر الأرقام المعطاة من طرف رؤساء المناطق والمراقبة في البحث الميداني، المداومين في الزراعة ب 25000 والموسميين الضروريين بعدد مماثل. بينما نجد الموسميين وعمال الورشات غالبا ما يكونون نفس الأشخاص. ويجب إضافة 5 الى 6000 مستخدم بالتجارة والأبناك، الأمر الذي يعطينا عددا إجماليا بحوالي 115000.
 
29)كانت مصالح الحماية تقصد بعبارة «غير المغاربة»، الفرنسيين و«أمثالهم» الجزائريين والتونسيين وكل الأجانب الآخرين.
 
30)تقرير سبق ذكره لمدير المكتب الاقتصادي للدار البيضاء، «إفريقيا الفرنسية»1931، ص. 108.
 
31ر.هوفير.«الاقتصاد المغربي» ص ص. 28-29، حسب «التقرير حول نشاط مصالح الحماية في 1930»، الرباط 1932.
 
32)تمكنا من إنجاز تاريخ عن حركة السككيين بالمغرب بفضل هنري بريدوم  Henri Prudhomme  والتصريحات التي أدلى بها لنا، والوقائع الدقيقة التي قدمها أمام الجمع العام لنقابته والتي يذكرها «مستقبل السكة الحديدية»، وهي جريدة سككيي المغرب، في عدد 9 نيسان أبريل 1937.
 
نشأ بريدوم في سآفوا سنة 1901. وهو ابن اسكافي. بعد فترة شبابه التي قضى معظمها بالولايات المتحدة، عاد الى فرنسا  في حزيران/يونيو 1914 بعد وفاة أبيه. وجاء الى الدار البيضاء سنة 1923 بدون أن يكون لديه أي تأهيل مهني ولا نقابي. اشتغل لمدة سنة بالمصلحة الطبوغرافية  ثم تقدم ليشتغل كمياوم في السكك الحديدية للمغرب. التي سوف لن يغادرها. وشهد عمله النقابي تناميا مستمرا، إذ كان كاتب نقابة الدار البيضاء  (1937-1940) وكاتبا إداريا لاتحاد النقابات المتحدة كونفدراليا بالمغرب من 1943 الى 1948، وكاتبا إداريا للاتحاد من 1948 الى 1952.

33)فيما يخص رواية الإضراب يجب إضافة أخبار موجزة ظهرت في جريدة «لوبوتي ماروكان» Le Petit Marocaine أعداد 6 و7 و20  آذار/مارس 1926.
 
34)إن المعطيات التي تمكننا من تجميعها حول جذور حركة البريديين بالمغرب تأتـي من مصدرين :
 
- من المذكرة الهامة التي بعث بها لنا سيزار إردنجر César Erdinger  كجواب على الأسئلة التي طرحناها عليه؛
 
- من جداول الجمعيات الحاصلة على رخصة والمنشورة ب «الجريدة الرسمية» للحماية. وتشير هذه الجداول، بالإضافة الى شركة النجدة المتبادلة لمكتب بريد المغرب  (30/12/1916) وودادية مستخدمي البريد، الى جمعية المتروبوليين الملحقين والمحليين للمنشآت الالكتروميكانيكية لمكتب البريد (10/7/1925) وإلى جمعية الأطر العليا والمتوسطة لمكتب بريد المغرب (30/12/1926).
 
35)مقال اندري André يحمل عنوان «الفيديرالية المغربية لتجمعات الموظفين» الصادر بـ«نشرة المعلمين» عدد كانون الثاني/يناير 1930. هذا المقال الذي يبدو مبهما عند أول قراءة، لم يكن كذلك بالنسبة للمعلمين، لأنه يذكر أحداثا وقعت حديثا. ويسمح تحليله بتبيان التطور العسير للجمعية العامة الى فيديرالية  (الفيديرالية المغربية لتجمعات الموظفين؛ فيديرالية موظفي فرنسا).
 
احالات الفصل الثالث
 
1)مذكرة 23 حزيران/يونيو 1927، كان مانغو  Mangot  في هذا التاريخ قد تكلف بالقضية لأن ظهير 1927 الخاص بحوادث الشغل كان ينص على استشارة  المنظمات العمالية لتطبيق القانون.
 
2)مذكرات 24 شباط/فبراير 1928 الموجهة  للوزير المفوض مطلق الصلاحية إيربان بلان Urbain Blanc  ومشاريع رسالة لايريك لابون Eirik Labonne  . ولم يعتبر لا إيربان بلان ولا إيريك لا بون من الضرور إجابة كازانوفَاCasanova ، بالرغم من موافقتهما على نصوص المشروع.
 
3)يعد الجزء الذي شددنا عليه إعادة صياغة لجملة وردت في تقرير أ. برنار، ل . ماسينيون وف. بيكي، الذي أبلغ للإقامة العامة.
 
4)كانت للكونفيديرالية العامة للشغيلة التونسيين، المدعمة من طرف الشيوعيين، حياة قصيرة ومضطربة وقد أقام زعيمها امحمد علي (1893- 1928)  وهو ابن فلاح فقير، بليبيا وتركيا وبرلين. وبعد عودته الى تونس سنة 1924، اعتقل في شباط/فبراير 1925 وحوكم ثم نفى. وتوفي على اثر حادثة  بالجزيرة العربية سنة 1928 ( حسب نشرة «الحياة العمالية»، باريس 22 حزيران/يونيو 1928). كل هذا نجده موضحا بشكل جيد في أطروحة كلود ليوزوClaude Liauzu  : «نشأة العمل المأجور والحركة العمالية التونسية (1881- 1931) نيس 1977.
 
5)إن تأكيد بلان وكازانوفا على طلب الحق النقابي للسككيين على الأقل يجد تفسيره في أهمية الناخبين السككيين بالنسبة للهيئة الثالثة، وفي دينامية مناضلي هذا القطاع الذين أنشأوا فدراليتهم، وفي الرغبة في فتح ثغرة ليمر منها الشغيلة الاخرون.
 
6نشرة «الشعب»  Le peuple عدد 21 أيلول/ سبتمبر 1929
 
7)فيما يخص موقف اشتراكيي شمال أفريقيا إزاء قضية الاستعمار والحيز الذي شغلته الفيديرالية الاشتراكية لتونس وجواكيم دوريل Joachim Durel  في هذا التفكير، راجع مقال ألين نورا Aline Naura   «شتراكيو تونس وأزمة 1929 ونتائجها السياسية الصادرة بنشرة «الحركة الاجتماعية»، عدد كانون الثاني/يناير 1972، ص  68 وما يليها.
 
8)راجع أ. عياش «بحث حول الحياة النقابية بالجزائر سنة الذكرى المائوية» الصادر بنشرة «الحركة العمالية»، عدد كانون الأول/يناير – آذار/مارس 1972، ص 114.
 
9)المصادر: برقية بعثها لابيير يوم 3 آذار/مارس من الرباط وصدرت في اليوم التالي بنشرة «الشعب»؛ العدد 9 من «الشعبي المغربي» الذي يتحدث عن اجتماعات وندوات جوهو بالمغرب؛ الوفد الدي قاده إلى الإقامة العامة؛ و أخيرا تقرير تيكسيي أمام مؤتمر الدار البيضاء المنعقد في كانون الأول/يناير 1931 الذي صدر في «الشعب»، عدد 14/1/1931 و «الشعبي المغربي» الذي يتطرق لجدور الاتحاد الجهوي للمغرب. تضاف الى هذا شهادات ليونيتي ولوكَولان.
 
10)فيما يخص ليون جوهو راجع ب. جورج ود. تانتان B.Georges et D.Tintant   «ليون جوهو خمسون عاما من النقابة، الجزء الأول. من الجذور الى 1921»، باريس، 1962.
 
11)كان لوسيان سان في 1930 مقيما عاما بالمغرب.
 
12)يرازوني Terrazoni، وماتييMattei، وباولوانطوناسي Paolontonacci من الجمارك وكَيو  Guyot  وبينيتو  Penneteau  من الأشغال العمومية ومسح الأراضي.
 
13)اولوانطوناسي الأب وأولميسيا  Oulmiccie  من الدار البيضاء، وجويي  Juillet من القنيطرة.
 
14)لم نجد في أي مكان تعداد الثماني نقابات المؤسسة للاتحاد المحلي. كان هناك بدون شك المعلمون والبريديون والجمركيون وشغيلة الدولة والأشغال العمومية، والكتاب والضاربون على الآلة الكاتبة للمصالح المركزية والخارجية للحماية، السككيون وسائقو سيارات الأجرة.
 
15)«الشعبي»  عدد 9 آذار/مارس 1930.
 
16)نفس المصدر السابق
 
17)حسب مذكرة 24 نيسان/أبريل 1930 من مانغو إلى المقيم العام «/S/A رسالة الاتحاد المحلي للنقابات المتحدة كونفيديراليا للدار البيضاء»، أرشيف وزارة الشغل، الرباط.
 
18)جُمعت نقط البرنامج السبع والعشرون في خمسة أبواب: الحقوق السياسية للشغيلة  (يتعلق الأمر بالمواطنين الفرنسيين)، الحقوق النقابية للشغيلة، حماية الشغيلة، تحسينات مادية، تحسينات اجتماعية، التعليم ( نشر هذا ب«الشعبي المغربي»، السنة الأولى عدد 18، فاتح أيار/ماي 1930).
 
19)طالب الفرع المغربي، بدعم من فيديرالية البريد التابعة ك.ع.ش.، باندماج أطر البريد الشريفية مع الأطر الفرنسية.
 
فيما اعتبر التجمع الودادي بأنه يجب ترك الخيار لكل واحد بين، المماثلة مع الأطر الفرنسية والحفاض على النظام الأساسي الشريفي الذي يوفر امتيازات واضحة. وقام التجمع الذي يوجد مقره بوجدة، بنشاط كثيف وأبان عن دينامية فاجأت خصومه. وفي فاتح أيار/مايو 1930 أصدر جريدة نصف شهرية تحمل اسم «انطلاقة البريد بالمغرب».
 
20)النقابة الوطنية لمعلمي فرنسا.
 
21)يوجد التقرير الشامل للمؤتمر في «جريدة موظفي المغرب» عدد 31، نيسان/أبريل – أيار/مايو 1930، وحسب التقرير المالي الذي قدمه بينتوPenneteau ، كانت الفيديرالية تضم 27 تجمعا منخرطا و2400 مكتتب سنة 1929، مقابل 1600 سنة 1926. إلا أن المؤتمر لم يضم إلا 25 مندوبا يمثلون 13 تجمعا، وإلى حدود فاتح أيار/مايو لم تؤد إلا القليل من الاكتتابات.
 
22)حسب التقرير الأدبي الذي قدمه تيكسيي والمنشور في «الشعبي المغربي» بتاريخ 17 كانون الثاني/يناير 1931.
 
23)راجع المقالات الصادرة في «الجزائر العمالية»، لسان حال ك.ع.ش. و.بالجزائر العاصمة، نيسان/أبريل، أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 1931.
 
24)ب،جورج، «ليون جوهر وحكومة ليون بلوم»، مقال صدر في «الحركة الاجتماعية»، كانون الأول/يناير – آذار/مارس 1966، ص، 49.
============================
 
الباب الثاني:
الأزمة الاقتصادية ونتائجها
1931-1936
 
تحددت ما ين 1931 و1936 معالم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمغرب بالأزمة العظمى التي زعزعت العالم الرأسمالي، الذي ارتبط به المغرب منذ الاحتلال الفرنسي*.
 
 
وإذا كانت الأزمة مخففة في الأول خلال 1931 و1932، فإنها تفاقمت بقوة لتبلغ ذروتها سنة 1936. وقد ساعدت الآلام والتوترات الناتجة عنها على بروز الوطنية المغربية. كما ساعدت اعتداءات قوى اليمين بفرنسا والمغرب ضد الأجور والحريات.
 
لمواجهة هذه الأوضاع عمل مناضلو النقابات وأحزاب اليسار على التشاور فيما بينهم وتجميع وتوحيد صفوفهم.
 
4-تجليات الأزمة
 
.العلامات الاقتصادية:
 
كانت علامات الأزمة عديدة ومتطابقة.
 
فاقتصاد المغاربة التقليدي كان آخذا في التفكك. إذ أدى انهيار أسعار الحبوب الرئيسية، القمح الصلب (-120%)، الشعير (-160%) الذرة (-37%) (1)، إلى إفلاس الفلاحين، فيما أدى توالي مواسم فلاحية سيئة إلى اختلال التوازن الغذائي. أضف إلى ذلك الوضعية المتأزمة للحرفيين الذين تضرروا كثيرا من انغلاق الأسواق الخارجية التقليدية المتمثلة في الجزائر ومصر والسينغال، ومن منافسة المنتوجات الأجنبية  في السوق الوطني: الأحذية المطاطية اليابانية والأنسجة الحريرية الهندية والأقمشىة والأنسجة الايطالية. فيما كان البقالون الصغار يقاسمون زبناءهم القرويين والمدينيين وضعهم البئيس.
 
وأصاب الاضطراب والغضب أيضا المثقفين، الذين ينحدر معظمهم من أوساط الحرفيين والتجار. وبحكم تكوينهم عبر التعليم التقليدي في الزوايا وجامعة القرويين القديمة بفاس، فإن أغلبيتهم أصبحت محرومة من المناصب الإدارية التي كانت التثمين العادي لدراستهم قبل الحماية، وأصبح الفرنسيون هم الذين يحصلون عليها (2).
 
وتمكن بعض المحظوظين، الذين حصلوا على تكوين عصري في المعاهد الفرنسية-الإسلامية أو في الثانويات، من متابعة دراستهم العليا بباريس- وهناك ربطوا اتصالات مع طلبة مسلمين من شمال إفريقيا ومع بعض رجال السياسة الفرنسيين من أحزاب اليسار. واحتكوا أيضا بالتيارات الفكرية الكبرى التي كانت تحرك شعوب الشرق الإسلامي. وبعد إنهاء دراستهم، لم يجدوا أماهم إلاّ مجال المهن الحرة.
 
لقد أصابت الأزمة الاقتصاد الاستعماري بشكل غير متساوِ. فالمجال العقاري للاستيطان توسع بحوالي 125000 هكتار، أي بمساحة تقل عن نصف ما تحقق في المرحلة السابقة. وكان يَشمل حوالي 850000 هكتار موزعة ما بين 350 و3800 مُستوطن. إلا أن 350 إلى 400000 هكتار هي التي كانت مزروعة فعليا. ولن يتم تجاوز هذه المساحات إلاّ بعد الحرب العالمية الثانية. فبحكم ديونهم المرتفعة بشكل لا معقول، فوجئ المستوطنون بانهيار أسعار المواد الزراعية وخاصة أسعار القمح الطري (-100%). وقد قدرت في سنة 1935 ديونهم المضمونة بـ 450 بليون فرنك (3)، أي ما يعادل تقريبا 26 مليار فرنك لسنة 1955. فطالَبوا بتدخل الحماية لإنقاذهم من الإفلاس.
 
أما الصناعات المنجمية، التي تعد صناعة تصديرية أساسا، فإنها بسبب ضيق السوق العالمي تأثرت بالأزمة منذ سنة 1931 التي انهارت فيها صادرات الفوسفاط المعدة عنصرا هاما في توازن الحماية المالي إذ انتقلت من 1700000 طن سنة 1930، إلى 900000 طن سنة 1931. فتوقف النشاط في العديد من المناجم. وبعد 1932 وقع انتعاش اقتصادي بطيء على اثر تحسن مبيعات الفوسفاط واستغلال منجم لوي جانتي (اليوسفية حاليا) الغني بالفوسفاط، وارتفاع استخراج فحم جرادة، مما سمح بتقليص واردات المحروقات الصلبة.
 
في مقابل ذلك، عملت الرساميل التي وفدت إلى المغرب في شكل مصاريف عسكرية لإتمام الاحتلال وفي شكل قروض من السوق الفرنسي لانجاز الأشغال الكبرى -419 مليون فرنك جارٍ سنة 1931، و1070 مليون في 1932 و423 مليون في 1933 و380 مليون في 1934 و140 في 1935-عملت على تخفيف آثار الأزمة على قطاعات أخرى (4). إذ استمرت عملية بناء الموانئ والسدود والطرق والسكك الحديدية ومحطات القطار، والمحطات الكهرمائية، والبنيات الإدارية، وكذا الفيلات والعمارات بالأحياء الأوربية.
 
ومن بين المنجزات العظيمة لهذه المرحلة، تجدر الإشارة إلى إتمام ميناء الدار البيضاء (1930-1934)؛ وبناء محطات فاس السافلي (1932-1934) والقنصرة بواد بهت (1925-1935)؛ والقصبة الزيدانية (1934 -1936)؛ و 2000 كلم من الطرق؛ وأخيرا خطي السكة الحديدية الرابطين بين بنجرير وآسفي لنقل الفوسفاط، وبين وجدة وفاس (1928-1934) وهذا الأخير يضم جزءا جد وعر ومليء بالمنشآت يربط بين فاس وتازة.
 
إلا أن إخضاع البلاد اكتمل سنة 1934 بالاستيلاء على الحصون الجبلية الأخيرة المتواجد بالأطلس الكبير الشرقي والمركزي وبالأطلس الصغير وبالهضبات الصحراوية المفصولة بواحات بين واد ساورة وواد درعة والمحيط الأطلسي. ووصلت برامج الأشغال الكبرى إلى نهايتها، فيما بلغت مصاريف سنة 1936 قيمة إسمية منخفضة بحوالي أربع مرات عن قيمة مصاريف سنة 1931. وكانت الأوراش تُغلق في البوادي والمدن. أما القيمة الإجمالية للبنايات التي كانت تبلغ 583 مليون فرك سنة 1930، فإنها لم تتجاوز 108 ملايين سنة 1936. وقد تأثرت كافة الأنشطة الفرعية بدورها بهذا الانخفاض، من تجارة الخشب والحديد والاسمنت وصناعة مواد البناء والهياكل الحديدية إلى مقاولات الترهيص والتزيين والصباغة والنجارة والتأثيث. وضمن 242 حالة إفلاس سُجلت سنة 1935، نجد 23 مقاولا في الأشغال العمومية و11 رصّاصا و14 مقاولة في النجارة والتأثيث، يمثلون 20% من العدد الإجمالي. طبعا لم تنهر كل القطاعات، فالمقاولات الكبرى التي انشئت لتوفير المواد للسوق الداخلي، مثل المطاحن ومصانع المشروبات والتبغ والسكر والاسمنت والشموع، حافظت على إنتاجها أو رفعته، إلاّ أن هذا لم يؤد إلى ارتفاع الاستهلاك، بل وقع العكس لأن الواردات انخفضت بشكل ملموس خلال نفس الفترة.
 
ومهما يكن من أمر، فإن أرقام التجارة الخارجية وأرقام حساب العمليات أو استثمارات المقاولات، تسمح بتحديد حجم هذه الأزمة المعمَّمة بصورة إجمالية. فقد اتجهت القيمة الإجمالية لتجارة الخارجية المغربية -3800 مليون سنة 1929- نحو الانخفاض سنة بعد أخرى إلى أن بلغت 1981886000 فرنك فقط سنة 1936.
 
وانتقلت استثمارات المقاولات، التي قدرناها بالفرنكات الثابتة لسنة 1955، من 11 مليار سنة 1931 إلى 3 مليارات في 1933 و1934، ثم سقطت إلى الصفر سنة 1936، فقد طبع سنتي 1934 و1935 انخفاض هام للاستثمارات في المناجم وفي بعض الصناعات. وأخيرا، كان عجز حساب العمليات أي ميزان الأداءات، أخطر عجز عرفه المغرب إلى ذلك الحين (1154- مليون أي 57 مليار حسب فرنك 1955).
 
.الانعكاسات الإنسانية
 
-الأوربيون: توقف الهجرة والبطالةُ
 
لقد انخفضت الهجرة الأوربية بشكل قوي وتكاثر العائدين إلى أوربا. هاتان الظاهرتان كانتا ملموستين بشكل خاص في 1934 و1935 و1936، بحيث أن الفرق بين المهاجرين والعائدين، الذي بلغ بضع مئات بالنسبة للفرنسيين و«المُدمجين»، كان سلبيا بشكل واضح بالنسبة للايطاليين والاسبانيين. لذا فإن تنامي السكان الأجانب بين 1931 و1936، الذي انتقل من 176000 إلى 200000 شخص، ناتج عن الحركة الطبيعية أكثر مما هو ناتج عن توافد مستوطنين جدد (5). وكذا كان العديد من الفرنسيين وأوربيون آخرون، قد قرروا العودة إلى بلادهم بحكم الإحباط الذي أصابهم، فإن آخرين، لا يستطيعون أن يعودوا، فقد فقدوا شغلهم. وبلغ عدد العاطلين المسجلين 3750 في يناير 1936 من بينهم 2750 في الدار البيضاء. وحسب إحصاء 1936 بلغ هذا العدد 6406. وتلقى أكثرهم عوزا الإسعاف من البلديات: ففي 1934، شغلت هذه الأخيرة 43 شخصا من بين 420 بالرباط، و450 من بين ما يزيد عن 2000 بالدار البيضاء حيث أنجز العاطلون أشغالا بلدية قيمتها 335000 فرنك؛ وكان 256 يشتغلون في الأوراش البليدة بمكناس. وفي وجدة، نظم العاطلون أنفسهم وتظاهروا، وبذلك حصلوا على الإسعاف (6).
 
وكانت الأجور تنخفض في جميع القطاعات، ولاحظ مانغو (Mangot)، رئيس مصلحة الشغل في تقريره المقدم في حزيران/يونيو 1934 «بأن جزءا من اليد العاملة المتوفرة قد تخلى عن مزاعمه فيما يخص أجورا مرتفعة، ليقبل أي نوع من العمل بأجور منخفضة».
 
وإذا ما اعتمدنا المعلومات الرسمية، فإن البنَّاء الأوربي كان يحصل على أجر يقل بمرتين في كانون الثاني/يناير 1931: 25 إلى 30 فرنكا مقابل 45 إلى 50 فرنكا. في نفس الوقت انتقل المؤشر الرسمي لكلفة العيش في الدار البيضاء من 490 إلى 340 (مؤشر 100 سنة 1914) مسجلا بهذا انخفاضا بنسبة 30.6% فحسب، مما يدل على انخفاض ملموس للقدرة الشرائية.
      
وقدر إحصاء 1936 عدد الأشخاص الذين يشتغلون بالمصالح العمومية بـ 17000. ويضم هذا العدد، إضافة للموظفين (7)، مستخدمي المصالح ذات الامتياز والضباط والضباط المساعدين الذين يقطنون في المدينة. ونجد أن أقوى الحملات كانت موجهة ضد الموظفين من طرف المزارعين ورجال الصناعة والتجار الصغار. وكانت التهم الموجهة إليهم هي أنهم كثيرون جدا ويفلتون من مضار الأزمة بسبب انتظام رواتبهم، وينفقون جزءا كبيرا من مصارفهم خارج المغرب خلال عطلهم، ويستحوذون على أكثر من نصف الميزانية العادية. غير أن المزارعين ورجال الصناعة والتجار لم يدركوا بأن هذه الآلة الإدارية، الشديدة المركزة وذات القيادات الثقيلة والباهظة الثمن والتي لا تؤطر البلاد إلا تأطيرا إداريا ضعيفا، لا توجد ولا تسير إلا من أجلهم، وبأن القروض التي حصلت عليها استعملت أساسا لانجاز الأشغال الكبرى الضرورية للاستيطان، وبأن المغاربة ودافعي الضرائب الفرنسيين هم الذين يتحملون في نهاية المطاف مصاريفها (8).
 
ومهما يكن من أمر، فقد طبق المقيمون العامون قرارات تُقلِّص عدد المستخدمين والأجور والتعويضات، وهذه القرارات اتخذتها الحكومات الفرنسية بالنسبة للمتروبول.
 
واعتبر المتنبئون الاقتصاديون تلك المرحلة، بأن الانكماش النقدي، أي تقليص المصاريف العمومية وكافة الرواتب، هو السبيل الوحيد للحفاظ على قيمة الفرنك وللخروج من الأزمة. وطُبقت الإجراءات التشريعية الفرنسية مباشرة، على عكس الإجراءات المتعلقة برفع الأجور، التي كانت تطبق بعد شهور طويلة بمبرر أنها تتطلب دراسات دقيقة.
 
وهكذا، أُخبر موظفو المغرب في 22 تشرين الثاني/نونبر 1932 بحذف مختلف التعويضات؛ وفي فاتح كانون الثاني/يناير 1934 بنسبة اقتطاع من الرواتب وبحذف التعويض عن الإقامة الذي حل محله تعويض عن السكن؛ وفي فاتح آذار/مارس وفاتح تموز/يوليو 1934 أُخبروا بتطبيق إجراءات تقليصية جديدة تخص التشغيل والرواتب والتقاعد (انخفاض بين 5 و10%)؛ وأُخبروا في آذار/مارس 1935 بتقليص الزيادة «المغربية» التي تحولت من 50 إلى 35%، أي تقليص متوسط بنسبة 20% إجمالا (9).
 
وتعرضت أجور مستخدمي المصالح ذات الامتياز بدورها إلى تخفيض كبير بنفس النسب. وإذا ما أخذنا الأرقام الخام، فإنه يظهر أن التخفيضات التي مست الرواتب والتعويضات إلى حدود نيسان/ابريل 1935، كانت أضعف من انخفاض كلفة المعيشة. وأن القدرة الشرائية قد ارتفعت نظريا بنسبة 10%. لكن، كيف يمكننا تقييم الخسارات الناتجة عن التأخرات، الحاصلة خلال سيرورة الحياة المهنية، في الترقية، وعن المعاناة المترتبة عن الإحالة على التقاعد تلقائيا، أو عن التسريحات؟
 
وإجمالا، نلاحظ، إذا ما قارنّا تقديرات السكان المأجورين الأوربيين المقدمة من طرف إحصائيات 1931/1936 – 53876 مقابل 49752- انخفاضا بحوالي 4000 وحدة في سنة 1936 عن سنة 1931، أي 8%. ونجد أن العمال هم الذين يتحملون كافة الخسارات. إذ كان عددهم سنة 1931: 21000؛ أما في 1936 فقد أصبحوا 14500 و6500 عاطل.
 
هكذا، كانت البطالة وتوقف الهجرة، وتقليص الرواتب والأجور، وتسريح الأطر، هي الانعكاسات التي لحقت بالشغيلة الأوربيين.
 
-المغاربة: بلترة متسارعة
 
كانت انعكاسات الأزمة على المغاربة أكثر ثقلا.
 
فالسكان استمروا في التزايد. إذ بلغ عددهم حسب إحصاء 1936 –وهو أول إحصاء شمل المنطقة الفرنسية التي استكمل احتلاها وتم بنوع من المنهجية- ما يزيد عن 6 ملايين مغربي (بمن فيهم اليهود)، مما يدل على أن ازدياد السكان بلغ 400000 إلى 500000 شخص بالنسبة لسنة 1931. التي لا يمكن الاعتماد على رقمها الرسمي، المحدد بـ 5200000، وهو تقدير منخفض جدا عن الواقع (10). واستمر القرويون –الأعداد الفائضة من الشبان، والمزارعون والملاكون الصغار المفقرون- في الاتجاه نحو أوراش الأشغال العمومية والمناجم والمراكز الحضرية، وبينما كانت فرنسا تسد أبوابها وقد عاد منها 10000 عامل. غير أن المناجم أوقفت تشغيل عمال جدد أو طردت مستخدميها، فيما أنهت أوراش البادية في معظمها أشغالها سنة 1934. أما البناء، فقد انخفض نشاطه بالمدن كما رأينا ذلك. ونفس الشيء حصل بالنسبة للأنشطة التجارية ولقطاع نقل البضاعة. وحافظت المقاولات الصناعية (وحدها) على نوع من النشاط والحيوية.
 
إلا أن المستوطنين الزراعيين سرّعوا ابتداء من 1930 تنمية زراعات الخضراوات ومزارع الحوامض والكروم، لتنويع إنتاجهم الذي كان مكونا أساسا من الحبوب. وأدى هذا إلى تنامي عدد العمال الزراعيين المشغَّلين: المداومون حوالي 30000 تم تشغيلهم في مناطقهم؛ والموسميون، حوالي 60000 حسب زعم الغرف التجارية ومحرري مقالات «النشرة الاقتصادية» (11)، أي في المجموع 90000 عامل سيكونون قد حصلوا على أجور بملبغ 75 مليون فرنك (12).
 
غير أن التوافد على المناجم والأوراش والأراضي الزراعية خلال مراحل الأشغال الكبرى ظل عبارة عن حركات موسمية مؤقتة. فيما اتخذ التوافد على المدن اتجاها آخر. فإحصائيات 1931 و1936 تعطينا عدد سكان المدن، وهو مقبول أكثر من تقديرات سكان الأرياف وبالتالي يمكن مقارنته.
 
ويُستخلص من ذلك أن عدد سكان الحواضر لم يرتفع خلال الفترة 1931-1936 بنفس النسبة التي ارتفع بها خلال مرحلة الازدهار الاقتصادي الكبير 1926-1930 -180000  وحدة و27% مقابل 148000 وحدة و32%. إذ أن عودة العمال إلى قراهم أعاقت الاستقرار النهائي. هذا فضلا عن إن الأخبار الواردة من المدن عن صعوبات الشغل بها. لم تشجع سكان الأرياف على الهجرة. كما حصل أيضا طرد المهاجرين نحو قبائلهم الأصلية.
 
لقد تغيرت طبعا أعداد المغاربة المشتغلين في الإنتاج الأوربي خلال مرحلة الأزمة هذه. وعمل إحصاء 1936 على تقديم النشاط المهني للمغاربة النشيطين، إلاّ أنه لم يميز بين الأنشطة الجديدة والأنشطة القديمة. الأمر الذي جعل من المتعذر استعمال هذه الأرقام كما هي. لذا يجب انتقاء بعض المعطيات من بين الإحصائيات الواردة في مختلف الدراسات، القيام بتقديرات ستكون بالضرورة جزافية. ويمكننا ربما أن نأخذ رقم 150000 الذي يزيد عن عدد 1931 بحوالي 30000، وذلك نظرا لتزايد عدد العمال الزراعيين (90000).
 
والحال أن العمال الزراعيين الموسميين هم الذين كانوا يشكلون الجزء الأكبر من اليد العاملة المشتغلة بأوراش الأشغال العمومية والبناء إذا ما توفرت أو بمهام الشحن في الموانئ والمدن. يضاف إليهم عمال المصانع والمناجم (وحوالي 30000) والأشغال العمومية والبناء (10000) والنقل عبر الطرق والسكك الحديدة (6000) والمساعدون في الإدارة (5000) والتجارة والأبناك (بضعة آلاف). وقد يكونون حصلوا على 310 مليون فرنك من مُشغِّليهم سنة 1934 (13).
 
-ظروف عيش المغاربة
 
كان أولائك الذين يذهبون إلى المدن يتوجهون نحو المراكز التي قصدها أقرباؤهم الكبار والتي تحركها الأنشطة الاستعمارية: مثل الدار البيضاء، الميناء الكبير الذي أصبح يؤكد تفوقه وأضحى أهم من مراكش وفاس، مع أن هذه الأخيرة ظلت مدينة ذات حيوية، بحكم أنها المنارة الفكرية والدينية المشِعَّة على المغرب؛  والرباط، العاصمة السياسية والإدارية؛ وبور ليوطي (القنيطرة حاليا) منفذ سهل الغرب؛ ومكناس، المتواجدة في قلب منطقة سايس الخصبة زراعيا؛ ووجدة، متروبول المغرب الشرقي، المجاورة لمنطقة وهران ونقطة وصول السكك الحديدية المنجمية.
 
واستكملت الأحياء القديمة في المدن اكتظاظها، بينما بدأت تنشأ خارجها تجمعات سكنية من الخشب والصفيح ومن الخيم وأكواخ القش. هكذا انتقل عدد سكان قرية القنيطرة-بور ليوطي (14) من 500 فرد سنة 1912 إلى 15334 سنة 1936. وفي الرباط، كان دوار الدباغ (الذي ظهر سنة 1911) ودوار الدوم (15) الذي ظهر فيما بعد بكثير، يضمان أكثر من ثلث سُكان المدينة المسلمين. وفي الدار البيضاء، كان يعيش نصف المغاربة تقريبا -وكان عددهم 184000- في «مدن الوحل»- التي ستصبح منذ 1934 مدن الصفيح- وكانت أهمها «كاريير سنطرال» (المحجر المركزي) الذي نشأ ابتداء من 1923 قرب حي الصخور السوداء حيث كانت تستقر المصانع الكبرى، ثم «ابن مسيك» الذي أقيم سنة 1932 لاحتضان المهاجرين الذين لم يعد بإمكان حي «المدينة الجديدة»، المنشأ بين 1919 و1926، أن يستقبلهم.
 
وكان السكان يعيشون في هذه التجمعات السكنية شروطا سيئة أخلاقيا وصحيا. وبلغت هذه التجمعات سنة 1935 مستوى معينا من البؤس أشار إليه البحث الميداني الذي أجراه كل من بارون (Baron) وهِيُو (Huot) وبَاي (Paye) «حول الظروف الاقتصادية ومستويات عيش العمال الأهليين في دوار الدوم». فما عدا حوالي مائة من البقالين والجزارين والسقائين وبائعي البيض والدجاج، والحرفيين، وحوالي عشرة مستخدمين في الإدارة، كانت الغالبية العظمى لسكان دوار الدوم مكوَّنة من العمال اليدويين الذين يشتغلون في الأوراش. كان عملهم غير منتظم، وكان أبناؤهم يقومون بحمل البضائع في السوق، وببيع الجرائد، فيما كانت النساء تبحث عن العمل عند العائلات الأوربية للقيام بالأشغال المنزلية ولغسل الملابس. «ومن المؤلم، يقول أصحاب البحث، ملاحظة النسبة الهائلة من العاطلين التي يحتوي عليها دوار الدوم. إذ حسب المعطيات المحصَّل عليها، يبدو أن ربع أو ثلث السكان فقط هم الذين يمكنهم الاعتماد على مداخل منتظمة. والباقي، يشتغل يوما أو يومين في الأسبوع. فيما يحاول بعضهم الحصول على بعض النقود بقطع بعض الأغصان وتشكيل حزم حطب صغيرة منها. وهناك عدد كبير من الأطفال وحتى النساء يذهبون إلى الأحياء الأوربية ليتسولوا».
 
يعيش سكان الدوار حسب أصحاب البحث «في المتوسط على قاعدة لا تتجاوز 3 فرنكات في اليوم لكل عائلة». بينما نجد الأكرية جد مرتفعة (من 9 إلى 20 فرنكا في الشهر) والمواد الغذائية غالية بالنسبة لثمنها في الأحياء القديمة، بسبب النقل. وإجمالا، يعاني السكان، الذين يلبسون ثيابا رثة، من سوء تغذية خطيرة (16).
 
ونجد وضعية أقل تدهورا عند مستخدمي الإدارة الذين يتقاضون أجرة يومية تبلغ 12 فرنكا، وعند العمال المؤهلين والبنائين والصباغين أو النجارين الذين يتقاضون ما بين 7 و12 فرنكا؛ لكن يجب أن يتوفر لهم الشغل، فالبطالة الجزئية هي القاعدة العامة، أما البطالة الكلية فتمس بقوة المغاربة أكثر من الأوربيين.
 
إن الحديث عن البطالة بالنسبة للمغاربة لا معنى له إذ يتعلق الأمر هنا باستخدام قسم محدود بشكل دائم من كتلة من الرجال والنساء والمراهقين الذين يبحثون عن أشغال مؤقتة يعيشون أو يحافظون على البقاء قدر المستطاع. وليس لمبادئ قانون الشغل المذكورة سابقا أي مفعول في هذا المجال. إذ أن أرْباب العمل في البوادي والمدن يشغلون ويطردونهم بكل حرية. والضغط على الأجور مستمر وبطاقة الشغل لا وجود لها. والوسيط أو رئيس الفرقة يحصل على العشر من أجر العمال الضعيف. ويسمح نظام المقتصديات الذي يوفر في الأوراش والمناجم المواد الضرورية للمقاولين بأن يسترجعوا جزءا من الأجر المقدم إلى العمال. تضاف إلى ذلك الغرامات التي غالبا ما كانت تنتزع من العمال ما يمكن أن يتبقى لهم. وقد نشرت «المغرب الاشتراكي» في عدد 16 شباط/فبراير 1935 «لائحة الغرامات التي فرضها مدير المكتب الشريف للفوسفاط على العمال الأهليين.» «فكان السعر المطبق عادة على أية مخالفة يبلغ 5 فرنكات»، وهو مبلغ كبير إذا ما عرفنا بأن العمال يشتغلون بالقطعة وأجرهم يبلغ 0.5 فرنك مقابل كل عربة منجمية، تبلغ حمولتها حوالي طن [من الفوسفاط].»
 
وقد ولدت هذه المشاكل الاقتصادية والمالية توترات اجتماعية وسياسية في صفوف المغاربة وفي الأوساط الاستعمارية.
 
5-الاستياءات-يمينا ويسارا
 
.اليمين:
 
-أرباب العمل
 
كان الغضب في الأوساط الاستعمارية عاما. إذ كان المستوطنون الذين تضرروا من انخفاض ثمن الحبوب يطالبون بتأجيل دفع دينهم وإعادة ترتيب استحقاقها؛ فيما كان المقاولون يطالبون بقروض جديدة لانجاز الأشغال الكبرى، أما رجال الصناعة فكانوا يطالبون بإنهاء نظام الباب المفتوح وإصدار قوانين حمائية:
 
وكانت الغرف الفلاحية متحدة فيديراليا، ولم تكن راغبة –ولن تكون أبدا راغبة- في مناقشة الأجور ولا القانون الاجتماعي. إذ كانت تعتبر بأن هذه القضايا لا تهم صلاحيتها وبأنه يكفي أن يترك قانون العرض والطلب يقوم بعمله، في مقابل ذلك كانت سلطات الحماية تطالب بمساندة المستوطنين الزراعيين وبتدخلها لإنقاذهم من المأزق الذي وضعتهم الأزمة فيه.
 
قامت تلك الغرف سنة 1934 بعمل تحريضي اتخذ طابعا تمرديا. وفي 5 شباط/فبراير قرر «المستوطنون الحليقو الرؤوس»- إذ قام عدد كبير منهم بحلق رؤوسهم للتعبير عن فقرهم –خلال اجتماع ساخن بالرباط، القيام بمسيرة إلى الإقامة العامة، على اثر نداء رئيسهم مورلو Morlot، وهو مستوطن كبير بالمغرب الشرقي. وقد يكون وقع فيما قبل اتصال هاتفي مع باريس. إلا أن الدركيين والقناصين السينغاليين فرقوا المتظاهرين بنوع من الخشونة (1)
 
أما مقاولو الأشغال العمومية، فكانت الغرفة النقابية للبناء (التي توحدهم) والغرفة التجارية للدار البيضاء (التي كانوا يسيطرون عليها) قلعتين لهم. وكان اثنان من بين رؤساء الغرفة التجارية مقاولين، وهما مارسيل شابون (Marcel  Chapon)، الذي كان نائبا للرئيس ابتداء من 1932، ثم رئيسا سنة 1942، وبحكم أن طبعهما كان متصلبا وعدوانيا، فقد كانت الإقامة العامة تخشاهما، وأمامهما لم يكن لرئيس مصلحة الشغل أي وزن يذكر.
 
وكان هنري كروز (Henri Croze)، رئيس الغرفة بين 1928 و1932، ثم في 1938، هو مؤمِّن بحري كبير يقترب بحكم تكوينه واهتماماته من الوكلاء المعتمدين لدى التجمعات المالية والصناعية الفرنسية، وهم أرباب كبريات المقاولات بالمغرب والمنضوون تحت لواء اللجنة المركزية لرجال الصناعة (2).
 
تشكلت هذه اللجنة في 14 حزيران/يونيو 1933 تحت رعاية المجموعات الفرنسية للصناعة وللأبناك، والشركات البحرية والسككية وكذا تحت رعاية مقاولات المغرب العمومية التالية: شركة سكك المغرب الحديدية، الوكالة المغربية للتبغ والمكتب الشريف للفوسفاط، وترأسها السيد كَريكَوري (Grégory) من شركة «زيوت وصابون المغرب» أعقبه على هذا المنصب كل من كلود فرادان (Claude Fradin) من صناعات الألياف النباتية، وجاك لوفير (Jacques Lefebre)، من مؤسسات ج.ج. كارنو ومصاهر باس-أندر، ثم فيما بعد بيير ساهوك (Pierre Sahuc) من شركة السكر المغربية.
 
طرحت اللجنة المركزية رجال الصناعة، على نفسها كمهمة رئيسية، الدفاع عن «مصالح رجال الصناعة الفرنسيين والمغاربة» الوطيدة الارتباط والمتكاملة، ضد المنافسة الأجنبية، الأمر الذي كان يستدعي مراجعة معاهدة الجزيرة الخضراء ليسترجع المغرب سيادته الجمركية (3). وبوحي من مستشارها، روني هوفير (René Hoffer)  مدير المراكز القانونية بالمغرب، حددت اللجنة لنفسها أهدافها أخرى: «القيام بإحصاء دقيق لصناعات المغرب؛ إنشاء مركز عمل مشترك لدراسة كل القضايا الاقتصادية والتشريعية والجبائية والاجتماعية والجمركية..... التي تهم مجمل الصناعات؛ والبحث عن أسواق داخلية وخارجية ودراستها» (4).
 
وستبدو فيما بعد السياسة الاجتماعية للجنة أكثر تمييزا من سياسة غرف التجارة والصناعة، وأكثرها تأييدا لإجراءات أبوية، مثل بناء «أحياء الأهالي» ومقاولات ستساعد على استقرار اليد العاملة المغربية وستجعلها في نفس الوقت أكثر تبعية. وكانت النظريات التعاضدية التي بلورها هوفير سنة 1932 تصب في نفس الاتجاه. إذ بعدما لاحظ، كما سبق لماسينيون (Massignon) أن قام بذلك خلال بحثه الميداني سنة 1924، ضعف الهيكل التعاضدي القديم، أبدى هوفير رضاه على المساعي الجديدة المبذولة لتدعيم بعض التعاضديات وأضاف قائلا: «إن إحياء الهياكل التعاضدية سوف لن يعيد الشروط السابقة لتوظيف الأهالي فحسب، وإنما سيسمح بالحيلولة دون هيمنة الصيغ النقابية، وبتنظيم المساعدة المتبادلة وبتوفير آلات ملائمة للعمال مع إعطاء القرض الخاص بالصناعة التقليدية لهذه المجموعات التعاضدية» (5).
 
بهذا تدعم انحراف التعاضدية، الذي سبق أن بدأ سنة 1928، من الشكل القديم لتنظيم المهنة، إلى شكل تنظيمي لتأطير العمال المغاربة كفيل بإزاحة خطر «الصيغ التنظيمية النقابية».
 
وكان أرباب العمل، كبارا وصغارا إلى حدود ذلك الوقت متفقين على المطالبة بتقليص كبير للمصاريف بالإدارة: وكانوا يناهضون أي تشريع حول تحديد مدة العمل وحول تقنين الأجور، الذي سيعرقل في نظرهم عمل قانون العرض والطلب، سيمثل مسّا غير مقبول بنظام المقاولة الحرة وسيضخم كلف الإنتاج. أما الحق النقابي، الذي يعتبر ربما صالحا في البلدان المتقدمة، فلا مكانة له هنا، وعلى «الأهالي» أن يظلوا تحت وصاية سلطاتهم الشرعية. هذه المعارضة المتعنتة كانت تبرز في تصريحات رؤساء غرف التجارة والصناعة خلال تجمعاتهم، وفي مجلس الحكومة أو من خلال الأجوبة المقدمة لمصلحة الشغل إذا ما سألتهم عن إجراء معين طرحته للدرس (6). 
     
-أحزاب أقصى اليمين: «صليب النار» و«بائعو الصحف الملكية» (7)
 
لقد ساعد هذا الاستياء المعمم دعاية أحزاب أقصى اليمين: «بائعو الصحف الملكية» (Camelots du roi). وهو حزب يضم عددا قليلا من المنخرطين وصفوفه منقسمة بالرغم من أنه يتوفر على نشرتين أسبوعيتين: «الصوت الفرنسي La voix Française»  و«المستقل» L indépendant؛ وحزب «صليب النار» (Croix du feu)، الذي يحظى بنفوذ أقوى والمنظم عسكريا عبر فروع تشمل أهم مدن المغرب ويضم منخرطين من بين قدماء المحاربين والمستوطنين والتجار الصغار المتأزمين، وكذا الموظفين وأعضاء المهن الحرة. كما كان يحظى بتعاطف فعال أو تواطؤ من طرف بعض السلطات العسكرية والمدنية والهيئات الاقتصادية: الغرف الفلاحية والغرف التجارية والصناعية.
 
وكانت جريدتان يوميتان في الدار البيضاء، هما «الصحافة المغربية» (La presse marocaine) و«المساء المغربي» (Le Soir  marocain)، تعتبران عما يرضون عنه وما ينفرون منه.
 
.اليسار:
 
-الفيديرالية المغربية للفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO):
 
تنوع الاتجاهات
 
كان هم اليسار الأول هو الدفاع عن الحريات، منذ 6 شباط/فبراير 1934، حيث هاجمت منظمات أقصى اليمين- «بائعو الصحف الملكية»، «الشبيبات القومية»، «صليب النار» و«الاتحاد الوطني لقدماء المحاربين»- قصر بوربون بباريس، آملة من ذلك قلب الجمهورية.
 
وفي المغرب كان اليسار يضم رابطة حقوق الإنسان، وقدماء المحاربين الجمهوريين والحزب الراديكالي والحزب الاشتراكي واتحاد النقابات، وكانت تسانده المحافل الماسونية (8). وبما أن الحزب الشيوعي كان ممنوعا، فإنه لم يكن ضمن مجموعة اليسار.
 
أما الفيدرالية المغربية للحزب الراديكالي التي كان يتساكن فيها النقابي فور –موري (Faure-Muret) ورجل الطباعة الكبير بيير ماس (Pierre Mas) الذي يملك مجموعة من الجرائد والذي سيصبح فيما بعد مصرفيا، فان مسارها لم يكن ثابتا.
 
بيد أن الفيديرالية المغربية للحزب الاشتراكي (SFIO) كانت أهم تنظيم سياسي. وقد أضعف من قوتها ذهاب «الاشتراكيين الجدد»، أنصار ديت (Deat) وماركي (marquet) ورونوديل (Renaudel) في تشرين الثاني/نوفمبر 1933 (9). وتضخمت صفوفها من جديد من طرف أولائك –شبابا وكهولا- الذين تأثروا بأحداث 6 شباط/فبراير وأغاظتهم أعمال العنف وحملات الروابط المناهضة للجمهورية وللسامية وذات النزعات الفاشية، والذين كانوا يبحثون عن تجمعات للتعبير والعمل النضالي. وأصبحت لها من جديد جريدتها، «المغرب الاشتراكي» التي عوضت «الشعبي المغربي» (التي اختفت) و«الاشتراكي المغربي» (التي أصبحت لسان حال الاتحاد المغربي للحزب الاشتراكي الفرنسي)، وتولى بول شينيو (Paul Chaignaud) (10) منصب مدير هذه الجريدة الأسبوعية الجديدة، التي صدر عددها الأول يوم 17 آذار/مارس 1934.
 
وتدعمت الفروع القديمة بالدار البيضاء والرباط والقنيطرة ومكناس ووجدة ومراكش؛ وأضيفت إليها فروع جديدة بقصبة تادلة وخريبكَة وتازة. وأنشئت سنة 1934 فروع للشبيبات الاشتراكية بوجدة والرباط ثم بالدار البيضاء. وساعد فرع الرباط على إنشاء مجموعات القنيطرة ومكناس وفاس. وانعقد أول مؤتمر بالقنيطرة يوم 21 نيسان/أبريل 1935 وقرر إنشاء فيدرالية الشبيبات الاشتراكية. التي كان كاتبها الأول هو كَاسطون ديلو (Gaston delos) مساعد بالمصالح المالية بالرباط.
 
وفي الفروع، وأكثر منها في الشبيبات الاشتراكية، قرر العديد من المنخرطين، تلاميذ، طلبة، أساتذة، معلمون، موظفون، محامون، عمال، مستخدمون أو تجار، العمل على كسب تكوين نظري لفهم الاشتراكية. وعلى إثر القراءات التي قاموا بها لكتب ماركس وانجلس ولينين وبفعل المناقشات الجماعية، مالوا نحو الشيوعية. حصل هذا بالنسبة للمحامين ليون –روني سلطان (Lion-René Sultan) وجورج فوشرو (Georges Foucherot) وللمعلم ميشيل مازيلا (Michel Mazella) (11) ولموريس روي (Maurice Rué) وجان دريش (Jean Dresch) بالرباط (12).
 
والتقوا بالشيوعيين الذين ناضلوا خارج المغرب وانخرطوا في الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO) لعدم توافر الأفضل. فكان من بين هؤلاء، بالدار البيضاء المحامي الشيوعي جان بيران (Jean Perrin) الذي أتى من تونس، والمهندس المعماري روني رو (René Roux)، وكلاهما يبلغ من العمر حوالي خمسين سنة؛ وكَزافيي كرانسار (Xavier Gransard) الجزار بسوق الحرية، الذي أتى من فرع فوكليز (Vaucluse) ومكسميليان روميرو (Maximilien Roméro) العامل الكهربائي بوهران؛ وفي الرباط، جان بونس (Jean Pons) الحاصل على شهادة الأستاذية في التاريخ وعضو الحزب الشيوعي منذ 1921؛ وفي وجدة، أميدي أوريوس (Amédée Urios) السككي الذي أعطاه أبوه تكوينا شيوعيا.
 
وكانت الفروع تعرف ظاهرة الفلاسفة-الشيوعيين وتقبلهم على علاتهم وقد احتلوا مواقع المسؤولية. بحكم انعدام وجود أشخاص يحتلونها. فيما ظل شيوعيون آخرون أو أشخاص يميلون إلى الشيوعية خارج الحزب الاشتراكي. وفضل المأجورون منهم، من أمثال شارل دوبوي (Charles Dupuy) وبانتيي (Pantier) من البريد أو بينوا هنري (Benoit  Henri) وميشيل كولونا (Michel Colonna) من الفوسفاط (13)، التواجد في النقابات.
 
إن الجيل الذي انضم إلى الحزب الاشتراكي بعد 6 شباط/فبراير، والذي يمكن أن نسميه جيل الجبهة الشعبية، هو إذن الذي أعطى أكبر عدد من الشيوعيين الذي أكدوا وجودهم علانية عند نهاية 1936.
 
وكان هناك أيضا التروتسكيون الذين ساهموا في الدفع بجزء من الفروع نحو اليسار الثوري. ففي 1934، كان كاتب فرع القنيطرة، كَسطون دلماس (Gaston Delams)، تروتسكيا؛ وكاتب فرع الدار البيضاء، اندري شمبيونا (André Chambionnat) شيوعيا (14).
 
إجمالا، كانت الفيدرالية تضم حوالي 500 منخرط، والشبيبات الاشتراكية ما بين 150 و200، وذلك في نهاية 1935 (15).
 
واستمر المناضلون، كيفما كانت آراؤهم، في تنشيط الجمعيات المهنية والمجموعات أو النقابات المنخرطة في ك.ع.ش. وكانت مهمة مندوبيهم لدى الهيئة الثالثة، تتمثل في طرح المشاكل التي تخص الموظفين والشغيلة، على مجلس الحكومة وأمام المقيم العام، وإرغام هذا الأخير على توضيح نواياه. وهو أمر نادرا ما كان يفعله. إذ عادة ما كان يخلص من الأمر بتأكيده على أهمية القضية المطروحة وبتقديم وعد بدراستها من طرف مصالحه. وأحيانا كانت المصالح المعنية تحرر مشاريع أجوبة، إلا أنها تظل في درج مكاتبها.
 
-الاشتراكية الوطنية
 
اضطر الاشتراكيون أيضا إلى الاهتمام بالمطالب الوطنية التي بلورها المثقفون المغاربة الشباب (16).
 
1-كتلة العمل الوطني
 
لقد سبق لبعضهم –أولائك الذين حمّستهم مآثر عبد الكريم الخطابي بالريف –أن التقوا بالرباط حول أحمد بلافريج- وبفاس حول علال الفاسي (1926)، ثم تجمعوا في جمعية «العصبة المغربية» (1927). وثار غضبهم حين صدر يوم 16 أيار/مايو 1930 الظهير البربري الذي مس وحدة شعبهم الدينية وسيادة سلطانهم (17). انطلقت الحركة الاحتجاجية من الرباط وفاس وبلغت طنجة وتطوان والمنطقة الاسبانية وحتى المداشر البربرية النائية، وجذبت في المدن عالم البقالين والحرفيين. ولم يتأخر القمع إذ تم اعتقال بعض المتظاهرين وسجن «المحرضون» أو احتجزوا. ثم جلد بعضهم أمام العموم، مقيدي الأيدي والأرجل. من ضمنهم كان محمد حسن الوزاني الذي كان عمره إثنين وعشرين سنة وكان حائزا على دبلوم مدرسة اللغات الشرقية والمدرسة الحرة للعلوم السياسية.
 
وكان على أول حزب سياسي مغربي، «كتلة العمل الوطني» أن يخرج من هذه الحركة الاحتجاجية.
 
فيما أسس بعض الطلبة بباريس، صحبة بعض الساسة الفرنسيين من بينهم الاشتراكي روبير جان لونكَي (Robert Jean Longuet)، مجلة «المغرب العربي» (Maghreb)  سنة 1932؛ وحصل آخرون بفاس على رخصة إصدار النشرة الأسبوعية «عمل الشعب» (L action du Peuple).
 
2-ريبة الاشتراكيين
 
منذ عددها الأول الصادر يوم 17 آذار/مارس 1934، هاجمت نشرة «المغرب الاشتراكي» هؤلاء الوطنيين. إذ في مقال يحمل توقيع نيمو (Nemo)، اتهمت لونكَي (Longuet) وموني (Monet) وبيرجي (Bergey)، بأنهم، «... بمناصرتهم للمغاربة الشباب الذين يكتبون في مجلة «المغرب العربي (Maghreb)... [قد نصبوا أنفسهم] كأكبر المدافعين عن وطنية (كذا) لا يمكن تصور أضيق منها وأكثرها حلقية ولا معقولية... كما نصبوا أنفسهم كدعاة لدين سيكونون أول من سيحاربه لو وجد في فرنسا...» نحن أيضا، يضيف المقال، نريد تحرير الأهالي من قبضة مستغليهم لكن عن طريق الاشتراكية» وليس «لرميهم في قبضة الإسلام» أو لـ«وضعهم تحت نير مستبدين من الأهالي...»
 
بهذا تكون لهجة الخطاب قد تحددت. وفي العدد الثاني من «المغرب الاشتراكي» (24 آذار/مارس) صدر نقد لاذع جديد ضد «عمل الشعب» ومجلة «المغرب العربي». فيما استاءت فيدرالية الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO) للمغرب، من مدح هاتين النشرتين للمقيم العام بونسو (Ponsot)، الذي تقدمانه كشخص «مفعم بالنوايا الحسنة» وعلى بينة «من كل الثغرات الكامنة في الإدارة المغربية» والذي «يمكن تعليق آمال كبيرة عليه». وهاجمت الفيدرالية روبير لونكَي الذي «تتساءل عن سبب تسامح الحزب مع تصريحاته».
 
ولم يتوقف الجدل عند هذا الحد. فبحدوث مظاهرات وطنية جديدة في أيار/مايو 1934 ضد إلحاق المغرب بوزارة المستعمرات، ولفائدة السلطان محمد بن يوسف الذي هتف به المتظاهرون بفاس بصفة «السلطان» (8 أيار/مايو)، قرر المكتب الفيدرالي الدعوة إلى مؤتمر في 3 حزيران/يونيو بالقنيطرة. سيعمل على «مناقشة القضايا الأهلية المغربية بشكل حصري». لهذه الغاية، بعث المكتب إلى كافة الفروع استمارة أسئلة، نقطها الأربع الأولى هي التالية:
 
أ-هل يتوافق تواجد فرنسا بالمغرب بصفتها دولة حامية مع المثل الأعلى والمذهب الاشتراكي؟
 
2-هل يجب على الفيديرالية المغربية أن تناضل (باسم الأممية وصراع الطبقات) ضد الوطنية والعنصرية المغربية؟
 
3-كيف يمكن خوض هذا النضال وبأي وسائل؟
 
4-الإسلام والعلمانية.
 
وقدج تميز ريجيس بلاشير (Régis Blachère)، الكاتب الفيديرالي، عن ر.ج لونأكي (R.J.Longuet)، خلال اجتماع بفاس، بضعة أيام قبل المؤتمر وأعلن «مناوأته لأية وطنية بورجوازية إذ أنه يحاربهما في المغرب كما يحاربهما في فرنسا» (حسب التقرير الصادر في «المغرب الاشتراكي»، عدد السبت 2 حزيران/يونيو 1934).
 
إلا أن المؤتمر الفيديرالي المنعقد بتاريخ 3 حزيران/يونيو، قد لاحظ في ملتمسه النهائي بأن الدولة الحامية لم تقم بالمهمة الحضارية التي كان رجال الدولة يدّعونها.
 
لكنه اعتبر بأنه ليس بإمكانه «أن يتضامن باسم الصراع الطبقي والأممية البروليتارية مع الوطنية والعنصرية المغربيتين»؛ وبأن «الجلاء المباشر» سيكون «مضرا بالأهالي أنفسهم» وبأنه من «واجب» الاشتراكية أن تدخل في حياة الشعوب المستعمرة من أجل تحقيق انعتاق الشغيلة. وذكّر المؤتمر بأن الحزب الاشتراكي «لم ينتظر الحركة المغربية الشابة لبلورة ملف مطلبي لفائدة البروليتاريا المستعمرة».
 
3-التراجع
 
خلال سنة 1935 تغير الموقف، وفي نفس الوقت تدعمت اتجاهات جديدة في الحزب.
 
ذلك أن الحزب تعرف على «برنامج الإصلاحات» الذي قدمه الوطنيون المغاربة المنضوون لكتلة العمل الوطني (18) إلى سلطات الرباط وباريس في كانون الأول/ديسمبر 1934، لم تنتقد هذه الوثيقة نظام الحماية في جوهره، بل طالبت بإصلاحات إدارية وثقافية واجتماعية، كما طالبت باحترام معاهدة 1912 التي تحافظ على شخصية وسيادة المغرب الداخلية. وتنقل الخطة الاجتماعية إجمالا البرنامج المطلبي لاتحاد النقابات الذي يضم: قانون 8 ساعات للعمل، الحد الأدنى الحيوي، مساواة الأجور، محاربة البطالة، التعويضات عند وقوع حوادث الشغل، الترخيص بإنشاء «نقابات للدفاع عن مصالح الشغيلة المغاربة»، التطبيق الصارم للقوانين الجاري بها العمل فيما يخص الهجرة، عمل النساء والأطفال؛ توسيع سلطات محكمة الشغل. ولم يتم التعبير، إلا عبر بعض اللمسات، عن الرغبة في أن يكون العنصر المغربي أول مستفيد من الإجراءات الحمائية للشغل مثلا عندما قُدِّم طلب بتخصيص أولوية الشغل «للعمال المغاربة الذين لهم مؤهلات للعمل مماثلة لمؤهلات الأجانب» (النقطة 5)، أو بضمان «مساهمة غلابة للعنصر المغربي في اللجنة الاستشارية للشغل» وفي اللجنة الاستشارية لليد العاملة، وفي المكتب المغربي لليد العاملة وفي اللجنة الاستشارية لحوادث الشغل  (النقطة 10). لقد أنجزت هذه القائمة المتضمنة عشر نقط بطريقة تهدف إلى إزالة جزء من الأحكام المسبقة التي كان اشتراكيو المغرب يحملونها إزاء البورجوازيون الوطنيين.
 
«لا نحس بأي حرج، يقول «المغرب الاشتراكي»، في القول بأن أصحاب الخطة يلتقون، في بعض النقط الأساسية من مشروعهم، مع تصوراتنا الاجتماعية وينقلون المذهب البروليتاري الصرف إلى حيز التطبيق». ولهذا قبلت الجريدة المذكورة نشر بلاغات كتلة العمل الوطني وأصبحت أحيانا منبرا لها (19) لأن جريدتها منعت عاما من قبل على إثر مظاهرة فاس (20).
 
ثم أصبحت المساندة أكثر حزما وأكثر تصميما. عالجت بعض المقالات قضايا الاستعمار والوطنية والاشتراكية، فأدين الاستغلال الاستعماري؛ واعتبرت الطموحات الوطنية مسألة لها ما يبررها؛ وثم التأكيد على دور الطبقة العاملة التي هي وليدة الاقتصاد الجديد، ولأنها الطبقة الوحيدة المتجهة نحو المستقبل والحاملة للثورة.
 
4-هيمنة اليسار الثوري
 
في الحقيقة، لقد تغير شيء ما في صفوف الفيديرالية الاشتراكية: إذ أن الأغلبية كانت تشهد تقلبات معينة. ففي المؤتمر التأسيسي المنعقد يوم 20 كانون الثاني/يناير 1935 بالرباط –بنوع من الاحتجاج لأنه كان قد تقرر عقده في خريبكَة، التي تعد مركزا عماليا (22)- ثم تعويض بلاشير (Blachère)، الذي كان يفكر في الرجوع إلى فرنسا، بلاكومب (Lacombe). وتكوّن المكتب من أطر فرع الرباط الذي كان يضم أقدم المناضلين/ وهم: ليونيتي؛ (Léonetti) وبيو (Biau) وموراتي (Moratti) وطايفير (Taillefer)، وأضيف إليهم الشيوعي دريش (Dresch)، وضمت لجنة النزاعات المنتخبة من طرف المؤتمر أيضا: ليونيتي، بيوطايفير، وكذا شينيو (Chaignaud) من «المغرب الاشتراكي» وج.دلماس (G.Delmas)، كاتب فرع القنيطرة. فكان يبدو إذن أن الاشتراكيين الأرثوذكسيين هم المتحكمون في الحزب.
 
والحال أن التصويت في المؤتمر الاستثنائي المنعقد بخريبكَة يوم 30 أيار/مايو (23) وفي المجلس الفيديرالي يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1935 (24) كشف بأن أنصار «اليسار الثوري»، صحبة «البلاشفة-اللينيين»، يحظون بأغلبية ساحقة داخل الحزب، بدليل أن «المغرب الاشتراكي» أصبحت منذئذ تعبر عن آرائهم، نظرا لتقارب شينيو معهم. وصوّت فرع فاس، يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر، بجميع أعضائه –وهم 41- على الملتمس البلشفي –اللينيني، وهذه إشارة يجب تذكرها إذا ما أردنا فهم علاقة هؤلاء المناضلين، الذين كان يتزعمهم جان برنارديني (Jean Bernardini) وجان موران (Jean Maurin)، مع الوطنيين وموقفهم في الحركة النقابية أو داخل الحزب نفسه (25).
 
وبدون شك، لم يحضر فرعان هامان، يمثلان مراكش ووجدة، في المناقشات التي تمت في خريبكَة والرباط. إلا أنه لم يكن بإمكانهما أن يغيرا ميزان القوى، في حال حضورهما. ففرع مراكش الذي يمثله أوجين بيرافيل (Eugène Puravel)، وهو خطيب مُفَوّه، حاذق ونشيط وفعال، يجد كمواز له فرع وجدة الذي تهيمن عليه شخصية مارسيل فوران Marcel Faurant القوية، وهو أستاذ بالثانوي، وبعد «الشخصية الوقورة» للفرع المحلي، وهو من أنصار بلوم (Blum) بقناعة راسخة، وداعية متحمس –كان تلامذته يشكلون القسط الوافر من المنخرطين في الشبيبات الاشتراكية –ألحق بعض زملائه الوداديين بـ ك.ع.ش. أو بحزبه، وكان مستعدا لمجادلة أي كان ولاسيما مع خصومه «بائعي الصحف الملكية» و«صليب النار» (26). غير أن اهتمامه كما هو شأن معظم الفرنسيين المقيمين في هذه المدينة المتاخمة، كان متجها نحو منطقة وهران وفرنسا بنفس القدر أو أكثر مما كان متجها نحو القضايا المغربية.
 
هكذا، عين في المؤتمر العادي الحادي عشر الذي عقد بفاس في 25 كانون الثاني/يناير 1936، المناضل التروتسكي كَاسطون دلماس (Gaston Delmas) كاتبا فيدراليا، والشيوعي جان بونس (Jean Pons)  كاتبا مساعدا.
 
لكن هذا التعاطف مع الاتجاهات ذات النزعات الشيوعية أو مع اتجاه اليسار الثوري، لا يجب أن يخدعنا لأنه لا يعني أن الأغلبية تبنت الأطروحات المناهضة للاستعمار التي تبلورت في مقالات متعددة بالجريدة. وبما أنهم كانوا أنصار إصلاح إدارة الحماية، ولهم رغبة في مزيد من العدل والحرية والمساواة على الصعيد الاجتماعي –بهذا كانت تتحدد بالخصوص حالة قادة اتحاد النقابات –فإن أعضاء الحزب، من أمثال جان ليونيتي ومارسيل فوران (27)، كانوا يعتبرون أن مدة طويلة ستمكن الجماهير من زعزعة وصاية البورجوازية والإقطاعية المحليتين ومن إزاحة تأثير الإسلام، فما عدا بعض الفوارق الطفيفة، تلتقي هذه المواقف بالمواقف التقليدية للاشتراكية الشمال إفريقية.
 
-اللجان المناهضة للفاشية
 
غير أن القضية الكبرى التي استقطبت اهتمام مناضلي اليسار، بعد هجوم الروابط المناهضة للجمهورية على قصر بوربون بباريس يوم 6 شباط/فبراير 1934، كانتا تتعلق بالدفاع عن الحريات وعن الأجور.
 
وعندما عرف خبر إبرام معاهدة اشتراكية-شيوعية لتوحيد العمل يوم 15 تموز/يوليو 1934 في باريس، عمهم الحماس، فكتبت «المغرب الاشتراكي» تقول: «انه لارتياح عظيم بالنسبة لنا نحن المناضلين، أن لا نساهم من الآن فصاعدا في صراعات أخوية»، فأيدوا جميع محاولات العمل المشترك، وجميع مظاهر التقارب النقابي، والقرار المتخذ يوم 28 أيلول/سبتمبر 1935 من طرف المؤتمرات الكونفيديرالية لـ ك.ع.ش.و.ول: ك.ع.ش والرامي إلى وضع حد للانشقاق وإلى تحرير أنظمة أساسية مشتركة. وكما حدث في فرنسا، أنشئت لجن مناهضة للفاشية في مختلف المناطق، وكانت اللجنة المغربية المناهضة للفاشية، بالدار البيضاء، هي حلقة الوصل بين مختلف اللجان. وكانت تضم الاتحاد الجهوي للنقابات بكل تنظيماته. والفيديرالية المغربية لرابطة حقوق الإنسان والمواطن وفيديرالية المكافحين من أجل السلام، والفيدرالية الاشتراكية (SFIO)، وفيديرالية الشبيبات الاشتراكية، وفيدراليات المكافحين الجمهوريين، وفرع الفكر الحر. وقد دعت اللجنة إلى تجمعات لإفشال نشاط منظمة «صليب النار».
 
ونفس هذه التنظيمات التي التحق بها فرع الإسعاف الأحمر الدولي، الحديث النشأة، دعت بالرباط والدار البيضاء ومكناس إلى سماع خطباء حلقة «دراسات وعمل الرباط»، وأخذ الكلمة كل من باديو (Badiou)  وطايفير الاشتراكيين؛ وفوشرو (Foucherot) من الشبيبات الاشتراكية وهو ذو نزعة شيوعية؛ وريمي بوريو (Rémy Beaurieux)، أستاذ البلاغة العليا بثانوية الرباط، حول موضوع: «منظمة صليب النار، زعيمها وبرنامجها» (28).
 
وكما حدث في فرنسا، كانت لجنة العمل المناهض للفاشية، تجسيدا مسبقا للجبهة الشعبية المغربية، التي تشكلت نهائيا في 5 آذار/مارس 1936 وضمت الفيديرالية المغربية للحزب الراديكالي والحزب الراديكالي الاشتراكي.
 
-بروز الشيوعيين.
 
لم يكن الحزب الشيوعي، الممنوع، من بين الموقعين، طبعا، على المعاهدة. إلا أنه، سبق لبعض المجموعات غير الشرعية أن تشكلت تحت أسماء مختلفة. وكانت المبادرات متنوعة، إلا أن دور الدار البيضاء كان، على ما يبدو حاسما خلال هذه السنوات الأولى.
 
في البدء، كانت قضية ديمون (Dumont)، وهو وكيل بسوق مكناس، ونقيب احتياط موشح بوسامي «صليب الحرب» و«جوقة الشرف»، الذي اعتقل في كانون الأول/ديسمبر 1934، بعد سقوطه في فخ بوليسي (29)، وقُدم للمحكمة العسكرية بمكناس، وأدين لقيامه بعمل دعائي شيوعي في أوساط الأهالي وبتوزيعه جرائد ممنوعة (30)، ثم طرد فورا من المغرب.
 
ولدعمه أنشئ فرع للإسعاف الأحمر. إلا أن العمل الجريء الذي أثار قلق مصالح الشرطة والإقامة العامة، تمثل في تحرير وتوزيع منشورين، الأول بتاريخ فاتح شباط/فبراير والثاني بتاريخ فاتح آذار/مارس، في عددي «المغرب الأحمر» الأول والثاني اللذين طبع من كل منهما أكثر من 500 نسخة، وأرسلا عبر البريد ووزعا.
 
ونشر العدد الأول من تلك النشرة بيانا مطولا، يطرح في بدايته السؤال التالي: «هل بإمكان المرء أن يكون في المغرب، شيوعيا أم لا؟ أو أن العقيد دولا روك (De La Roque) يحتكر وحده الآراء المسموح بها؟»
 
ثم أعلن عن إنشاء حزب شيوعي مغربي وقدم عرضا لمذهبه وأهدافه: «لقد كان للذعر المفاجئ والعنيف الذي أدى إلى محاكمة مكناس، على الأقل هذه النتيجة غير المنتظرة من طرف عملاء الرباط، ألا وهي إعطاء الحياة في نفس الوقت للحزب الشيوعي المغربي، سواء أراد العسكريون المتبجحون ذلك أم لا، فإن حكمهم ولَّد في كافة أنحاء المغرب حركة فضول لطيف إزاء مذاهبنا التي كان العديد من الأفراد ينتظرونها بشكل غير واع... الآن يعلم المرء أن حزبا، في فرنسا وفي باقي العالم، تجرأ صراحة على الدفاع عن الشعوب المضطهدة، وعلى الصياح في وجه الحكام الحاليين قائلا: «ليس لكم الحق في استبعاد شعب ما...»
 
ودعا البيان في الختام إلى التمرد والوحدة قائلا:
 
«إلى الأمام أيها المغرب
ليس هناك أوربيون، ولا أهالي، هناك أغنياء يستغلون الفقراء.
إن الفقراء ملوا ذلك
المستغَلون ضد المستغلين،
طبقة ضد طبقة...»
 
لقد دعا الحزب الشيوعي إذن إلى تحرير البشر والشعوب من الاستغلال (32).
 
وصل هذا العدد الأول من نشرة «المغرب الأحمر» إلى المرسل إليهم حوالي 15 شباط/فبراير، وفي 19 شباط/فبراير صدر أمر من القائد الأعلى للجيش بالمغرب يمنع توزيعه.
 
وفي نهاية آذار/مارس، وصل عدد ثان من هذه النشرة إلى المغرب عن طريق البريد، وهذه المرة تحدثت عنه بعض الجرائد، مثل «الصحافة المغربية» (La Presse Marocaine)، في عددي فاتح و3 نيسان/أبريل وفي عددي 6 و20 نيسان/أبريل من «المغرب الاشتراكي».
 
ويرجع الفضل مع ذلك، إلى مقالات «الصحافة المغربية»، -وهي جد بذيئة- وللمقال الأول على الأقل، في إعطائنا فكرة عن شكل هذا المنشور، الذي لم نعثر على أية نسخة منه إلى حد الآن.
 
وكان ما كتبه رئيس التحرير هاري ميتشال (Harry Mitchell) هو ما يلي: «وصلتني مجددا أمس، في ظرف مختوم، ورقتا تلك النشرة الرديئة والقزمية التي تحمل اسم «المغرب الأحمر» مزينة بالمطرقة والمنجل».
 
وبعد مرور يومين، ندد بـ«الموقف الطائش» لأولئك الذين يتسامحون مع مثل هذه الأفعال بدون أن يقوموا بأي رد فعل.
 
 
واعتقدت مصالح الشرطة، اعتمادا على صدق أحد مخبريها، أنها كشفت عن الذين حرروا المنشورين وطبعوهما ووزعوهما. والواقع، أن معظم المعلومات المحصلة كانت خاطئة (33). إذ تم استنساخ العدد الأول من طرف شارل دو بوي (Charles Dupuy) وصديقيه النقابين-الفوضويين اسطاك (Estaque) وكَاشار (Gachard)، بتاريخ 8 شباط/فبراير 1935، وفي منزل الأول. فيما طبع العدد الثاني في مجزرة كَزافيي كَرانسار (Xavier Gransart)، وبعثت نسخ المنشورين، عبر طرق مختلفة، انطلاقا من الرباط ووجدة ومكناس ومراكش والدار البيضاء (34).
.
فمن هم إذن محررو هذه المناشير؟ لقد توصلنا، فيما يخص المنشور الأول الذي يتضمن بيان أول حزب شيوعي مغربي، إلى قناعة –على اثر نقاش طويل مع أندري شامبيونا (André Championnat)، بأن هذا الأخير هو الذي حرره (35). وعلى أية حال، فقد ترك هذان المنشوران أثرا عميقا في ذلك الوقت، ثم غمرهما النسيان. وباعتبارهما أول تعبير عن فكر شيوعي خاص بالمغرب، فإن لهذين المنشورين قيمة تاريخية.
 
بهذا تأكد وجود الشيوعيين، وقد تطلب توزيع نشرة «المغرب الأحمر» البحث عن اتصالات وعن نقط للربط أقيمت بين الرباط ووجدة ومكناس ومراكش وطنجة، حيث تكونت مجموعات من المناضلين، بعضها اعتبر نفسه بأنه يكون خلايا.
 
وكان يلمس وجود هذه المجموعات بالدار البيضاء، إذ كان يهمين البريديون على إحداها صحبة بانتيي (Pantier)  ودوبوي (Ch.Dupuy). وكانت مجموعات أخرى تضم محامين من أمثال ليون سلطان (Leon Sultan) وهنري بوني (Henri Bonnet) وجورج فوشرو (Georges Foucherot)؛ أو سككيين، مثل كَالفيز (Galvez)، رئيس محطة فضالة. وكانت مجموعة كَ.كَرانسار، وهي أكثر شعبية، تعمل جاهدة لتوزيع مناشير بالعربية، وضمنها تكون ميشال مازيلا (Michel Mazzella)، وكانت على اتصال بالمجموعات الايطالية المناهضة للفاشية وبالشيوعيين الاسبان بواسطة إميل فَيران (Emile Vierin).
 
وكانت توجد أيضا مجموعات بالرباط مع جرما (Germa)، البريدي، وجان بونس (Jean Pons)، وجان دريش (Jean Dresh) والسيدة فريسيني (Fresisnet)، المحامية؛ وفي مكناس، مع بول دوريل (Paul Durel) الرسام بالخط السككي طنجة-فاس، ورامي (Ramé)، الحلاق، ولويس أبشير (Louis Apcher)، أستاذ اللغة العربية؛ وفي مراكش مع كلوديوس كوتيي (Claudius Gautier)، المهندس الطوبوغرافي، وروجي إيشاين (Roger Eicheine) المعلم.
 
ومعظم هؤلاء المناضلين، كانوا شيوعيين بالعاطفة وبالرغبة، بدون أن يتوفروا على أية تجربة سياسية، وكانوا يعملون بشكل مستقل، دون أي تحريض خارجي، متطلعين إلى المنجزات السوفياتية وإلى عمل الحزب الشيوعي الفرنسي. وخلال اجتماعات الحزب الاشتراكي والشبيبات الاشتراكية، أصبحوا يتدخلون جهرا، ويعبرون عن آرائهم، وتلقوا تعاطفا متناميا، لاسيما في فروع الشبيبات الاشتراكية (36).
 
وفي سنة 1935، اعتبر بعضهم الذهاب إلى باريس من أجل المشورة أمرا ضروريا فاستقبلهم اندري فيرا (André Ferrat) وروبير دولوش (Robert Deloche) وهما مسؤولان عن قضايا الاستعمار؛ فيما ذهب البعض الآخر إلى موسكو (37).
 
وتضاعفت المحاولات التنظيمية سنة 1936، في الدار البيضاء، بتشكيل مجموعات للدراسات الماركسية (38)، وفروع امستردام –بلييل (Amsterdam Pleyel) وفرنسا-الاتحاد السوفياتي. وعملت هذه الفروع، التي كانت الشرطة تراقبها بدقة، خلال مدة طويلة إلى هذا الحد أو ذاك. وقد تمكنت مجموعة أمستردام-بلييل، التي ترفض أنظمتها الأساسية، الموضوعة قانونيا، في أجل ثلاثة أشهر، تمكنت من العمل خلال بضعة شهور؛ ثم مُنع نشاطها بقرار من بروتون (Peyrouton).
 
إلا أن الأحداث ستتسارع فيما بعد، فانعقد التجمع الشعبي، وشكل الشيوعيون أو أصحاب النزعة الشيوعية خلايا سرية، وقد أدت انتصارات اليسار في الانتخابات الفرنسية في نيسان/أبريل-أيار/مايو 1936، وإضرابات حزيران/يونيو التي فجرتها بالدار البيضاء الجمعية المهنية للشركة المغربية للسكر بقيادة الشيوعيين، أدت، رغم وجود الرجل القوي بيروتون (Peyrouton) الذي أتى في نهاية أيار/مايو (39)، إلى موجة انخراطات واسعة، كان ينبغي على مجموعات كَرانسار ودويوي وليون سلطان أن تواجهها. وإذا ما صدقنا المناضل الاشتراكي كَاسطون بلاطو (Gaston Plateau) الذي كان يناشد أصدقاءه الشيوعيين بالبقاء في الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO) «الذي يسمح بنشاط جميع الاتجاهات»، فقد كانت الخلايا عديدة في أيلول/سبتمبر 1936 وكانت تضم أكثر من 500 عضو (40).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6.الدفاع عن الأجور وعن شروط المعيشة
 
.الموظفون وسياسة الانكماش النقدي
 
كما حصل في فرنسا وبأوامر من الحكومة الفرنسية، اتُّخذت إجراءات مست مباشرة الموظفين، عدة مرات. إذ كانت الإجراءات القاضية بتقليص نفقات المستخدمين والمعاشات والتقاعدات، تبدو لمختلف الحكومات، سواء كانت راديكالية أو محافظة، ضرورية لإصلاح الاقتصاد. وكانت ردود أفعال الموظفين آنذاك جد قوية.
 
-المعلمون:
 
كانوا يتمتعون دائما بنفس الحماس والعزيمة. وكانت العناصر المحركة ضمنهم هي كاترين فييي Catherine Veieilly، ولوكَولار Le Gaulard، هِيفيرنو Hivernaud بومبي Pompei ، ليونيل كاميليري Lionel Camilleri.
 
وكانت نقابتهم تضم 627 منخرطا سنة 1931؛ ويمثل هذا العدد حوالي ثلثي مجموع المدرسين بالابتدائي (1). وكانت تضم أغلبية من المنضمين إلى ك.ع.ش. وأقلية من الوحدويين، الممثلين في المكتب عادة من طرف ج.بينيستان J.Bénistant.
 
كانوا يأمولون أن تتشكل الوحدة النقابية من جديد، إلا أنهم لم يستسيغوا عدم إرغام الفيدرالية المغربية لمجموعات الموظفين، المنبثقة عن «الجمعية العامة» القديمة، لكل المجموعات المنضوية تحتها –وكان عددها 28- على التحول إلى نقابات وعلى الانضمام إلى الاتحاد الجهوي وإلى ك.ع.ش. واعتبروا أن عملها من أجل الدفاع عن الرواتب والتعويضات كان عملا ضعيفا للغاية، وكانت هذه مهمتها على الصعيد العام. وكانوا يؤاخذونها أيضا على عدم نقل الإضراب الذي دعت إليه الفيديرالية الفرنسية إلى المغرب، مما أدى بهم إلى خوض هذا الإضراب بمفردهم بدعوة من نقابتهم الوطنية. ونتج عن هذا الإضراب المنعزل انهيار في عدد المنخرطين في النقابة الذي كان يبلغ 375 في نيسان/أبريل 1933 (2) إلاّ أن «النوعية عوضت الكمية»، حسب تقييم أحد المناضلين، وقرروا في المؤتمر الاستثنائي المنعقد يوم 14 نيسان/أبريل الانسحاب من الفيديرالية المغربية للموظفين. وقد جعل هذا الانسحاب تشكل تكتل المصالح العمومية من أجل الدفاع عن الأجور، مسألة متعذرة، إذ رفض ممثلو فيديرالية الموظفين الجلوس جنبا إلى جنب مع مندوبي نقابة المعلمين (3).
 
لكن الإجراءات الجديدة المتخذة من طرف حكومة دوميركَ Domergue سنة 1934، والتي مست الأجور ومعاشات التقاعد، وكذا أحداث شباط/فبراير بباريس، عملت على تخفيف العداوات، وأبرزت ضرورة توحيد الجهود والعمل بسرعة (4). وكان المعلمون هم الذين تضرروا أكثر من هذه الإجراءات، والتي أدت إلى حذف التعويض عن الإقامة ووضعت مكانه التعويض عن السكن، الذي كانوا يتقاضونه سابقا. وقد نبههم لذلك المكتب النقابي عن طريق مذكرات دورية. وعُقدت اجتماعات احتجاجية في الدار البيضاء، مكناس، القنيطرة، دُعي إليها الموظفون الآخرون، وكانت بمثابة تمهيد لتجمعات أوسع تمت يوم 4 آذار/مارس بالرباط والدار البيضاء.
 
في الدار البيضاء، السيدة فييي Vieilly، الكاتبة العامة لنقابة المعلمين هي التي قامت، أمام 1500 موظف، بالتنديد بالإقامة العامة فيما يتعلق بإجرائها المفروض، «غير العادل» و«اللامعقول». فالموظفون ليسوا مسؤولين عن المصاعب المالية، وربما هم عديدون في «مكاتب الإقامة العامة»، وليسوا كذلك في مصالح التنفيذ. ثم لماذا صُرف مبلغ 100000 فرنك من أجل نزهة ملكة رومانية؟ ومن زاوية أخرى، فإن تخفيض رواتب الموظفين سيؤدي إلى انخفاض قدرتهم الشرائية وإلى تعميق الأزمة عوض معالجتها. فاللهجة إذن مباشِرة، والدليل واضح وشجاع، كما هي العادة في تصريحات هذه المناضلة (5).
 
وتم التصويت على جداول للأعمال، وتنظيم مسيرات بالدار البيضاء والرباط، وبعث برقيات إلى وزارة الخارجية وإلى لوران Laurent من الفيديرالية الفرنسية للموظفين. وفضلا عن الإلغاء اللامشروط للإجراءات الصادرة في الجريدة الرسمية بتاريخ 27/2/1934، اتخذت جداول الأعمال صبغة سياسية، وطالبت باتخاذ الإجراءات التقويمية «بتعاون مع مجمل السكان الممثلين من طرف أشخاص منتخبين. ووفقا للعهود المقدمة سابقا سيكون على هؤلاء أن يتداولوا ويقرروا بسيادة كاملة في أقرب وقت» (الرباط). الأمر الذي يعني بكل وضوح أن الموظفين يطالبون بأن يصبح مجلس الحكومة- الذي هو مجرد هيئة استشارية- جمعية مُقرِّرة.
 
-تكتل المصالح العمومية
 
وعلى إثر هذه التحركات وعلى إثر اجتماع الموظفين في تكتلات محلية، تم أخيرا، يوم 6 آذار/مارس 1934، تأسيس تكتل المصالح العمومية، مع الفيديرالية المغربية للموظفين وفيديرالية البريد ونقابة التعليم، كما تم انتخاب مكتب مركزي، هذا بالرغم من تحفظات كاتب الفيديرالية المغربية لجموعات الموظفين، السيد كَيطون Guitton. وتركزت النقاشات حول وسائل العمل. فكان ممثلو فيديرالية الموظفين يعارضون أي إضراب، الأمر الذي دفع بالوفود الأخرى إلى الاحتجاج على ذلك، لاعتبارها أن إزاحة هذا الشكل من الضغط بصورة مسبقة أمر «غير مقبول» وتم الاتفاق، مع ذلك، على تحرير منشورات وتوزيعها، وعلى تهيء مشروع مضاد للميزانية سيتم تقدميه خلال الدورة المقبلة لمجلس الحكومة الذي سيسمح بإقامة توازن في مالية الحماية، مع وضع حد لآثار الإجراءات التقليصية على الرواتب الصغرى. وترتب عن توزيع المنشورات في 18 آذار/مارس اعتقال الأهالي الذين تكلفوا بذلك في الدار البيضاء، كما صدرت عقوبات إدارية في حق خمسة موظفين تكلفوا بذلك في الرباط. أما في يتعلق بالمشروع المضاد، الذي هيأه بوفَيدا Poveda وهو موظف بالمالية، فقد التزم عشرة من مندوبي الهيئة الثالثة، ومعظمهم اشتراكيون، يوم 27 آذار/مارس، بتقدميه خلال الجلسات القادمة لمجلس الحكومة: إلاّ أنهم لم يقوموا بذلك، مما أثار غضب مندوبي التكتل.
 
وأمام فشل هذا العمل المحلي، صرح التكتل في أحد جداول أعماله بأنه يعتزم «تطبيق الشعارات التي رفعتها التنظيمات النقابية المتروبولية بصورة تامة، بغية مناهضة الأساليب الديكتاتورية التي تميز على حد سواء حكومة فرنسا وحكومة الحماية...» (6 نيسان/أبريل 1934).
 
-الفيدرالية المغربية للتعليم العمومي (7).
 
لم يكن التكتل يضم سوى التنظيمات الكونفيدرالية (ك.ع.ش.). إلاّ أن الإجراءات التي مست الأجور حثت بعض الفئات، التي لم تكن منظمة، على تشكيل جمعيات مهنية أو على الاتحاد فيما بينها. هكذا تأسست حوالي اثنا عشرة ودادية أو تجمعاً، من بينها ودادية التعليم العالي (1933) وأربع وداديات للثانويات أو الاعداديات، التي شكلت باتحادها، فيديرالية ودادية التعليم الأوربي للسلك الثاني بالمغرب (1934). وقد انخرطت الفيديرالية أيضا في النضال من أجل الدفاع عن الأجور وشاركت في مظاهرات 4 آذار/مارس. وفي 11 آذار/مارس أسست مع ودادية التعليم العالي ونقابة المعلمين، الفيديرالية المغربية للتعليم. وقررت في مؤتمرها، المنعقد في 25 آذار/مارس، الدخول إلى تكتل المصالح العمومية، إلاّ أنها رفضت الانخراط في فيديرالية الموظفين.
 
بهذا تدعم موقف المعلمين إزاء فيديرالية الموظفين. إلاّ أنهم كانوا يأملون أن يقوم الأساتذة بخطوة إضافية وينخرطون في ك.ع.ش. وقد حكم لوكَولار على تصرف الأساتذة كما يلي: «كان تكتل الجامعيين خلال هذه المرحلة المضطربة أمرا ضروريا وقد فهم الأساتذة بأنه ليس في مصلحتهم أن يظلوا معزولين –ونأمل أن يلتحقوا في أقرب وقت بالعائلة النقابية الكبيرة للعمل باتفاق معنا... ومن جهة ثانية بينت النقاشات التي تلت بأن رفاقنا الأساتذة لم يحصلوا بعد –بحكم انغلاقهم في تعاضدية ضيقة- على بعض الإصلاحات مثل: اللجنة الاستشارية، لجنة الترقية، المجلس التأديبي.. التي حصلنا عليها بفضل عمل نقابتنا الفعال والحازم».
 
-النزاعات في صفوف الفيدرالية المغربية للموظفين (8)
 
كانت حركة الموظفين تعاني، مع ذلك، من مناهضة نقابية المعلمين لكَيطون Guitton، الكاتب العام لفيديرالية الموظفين. وفي بداية 1935 تحسنت العلاقات فيما بين الطرفين. إذ عُيّن ماتييي Mattei من الجمارك، كاتبا فيديراليا. وفي 4 شباط/فبراير عاد المعلمون من جديد إلى الفيديرالية المغربية لمجموعات الموظفين، وساعد مندوباهما، السيدة فييي Vieilly وكاميليري Camilleri، ماتييي Mattei «على إعادة ترتب أوضاع الجمعية». «فكانت بعض المجموعات متأخرة بأكثر من سنة فيما يخص تسديد الاشتراكات الفيدرالية؛ وكانت بعض اللجن الجهوية مرؤوسة منذ سنوات من طرف أشخاص غير مُنقَّبين؛ بإيجاز كانت معرفة عدد المشاركين بدقة أمرا مستحيلا.» ومنذ ذلك الوقت «أصبحت بطاقة 1935 المستوفية لشروط ك.ع.ش. والاتحاد الجهوي، مطلوبة من مندوبي مؤتمر كانون الأول/ديسمبر 1935؛ ولن يساهم في التصويت إلاّ الذين سددوا كافة اشتراكاتهم لسنة 1934.» وكان مندوبو المعلمين عازمين على الحصول على إصلاحات هيكلية لتنمية فعالية الفيدرالية. وبهذا استمر المعلمون في إنجاز المهمة التي شرعوا فيها منذ 1923. وقد ختم المكتب النقابي هذا الجزء من تقريره الأدبي بنوع من الافتخار: «لدينا في إطار الفيديرالية المغربية لمجموعات الموظفين انطباع واضح بأن المعلمين، يعدون مناضلين منظمين بصورة جيدة مقارنة ببقية الموظفين لذا، نحن بحاجة مرة أخرى إلى إخراج دعايتنا وعقيدتنا النقابية من دائرة المعلمين.» وسيبين في الشهر الموالي بأن عودة نفوذ المعلمين كانت لها فائدة كبيرة.
 
وبعد محنة السنة الماضية، بدأت سنة 1935 في هدوء تام، وحُددت ميزانية الحماية بدون أن يُتوقع أي تخفيض جديد في الأجور والتعويضات.
 
والحال أن إذاعة المغرب أعلنت يوم 6 آذار/مارس بأن الزيادة المغربية ستخفض من 50 إلى 33%. فكان رد فعل منظمات الموظفين مباشرا. إذ أُنذِر على الفور ماتييي Mattei، الذي كان بباريس (9). وفي اليوم الموالي، أي 8 آذار/مارس، بعث تكتل المصالح العمومية، على إثر اجتماع له، برقية احتجاجية إلى وزير الخارجية لافَالLaval . ويوم السبت 9 آذار/مارس استقبل هذا الأخير كلا من ماتييي والكاتب الكونفيديرالي جوهو ولوران Laurent ونويميير Neumeyer عن الموظفين، وبيرو Perrot وماثيMathé ، من فيدرالية البريد. «وجدنا بحوزة هذا الأخير [أي لافَال] خطة محددة ونهائية تقريبا ستخفض زيادتنا إلى نسبة 25%. نعم، أيها الرفاق، ستخفض زيادتنا المغربية إلى 25%» وعلّل لافَال موقفه بقوله أن المغرب يتوفر على عدد ضخم من الموظفين؛ وله دين عمومي ثقيل، مما يؤدي إلى مصاعب في الميزانية تتفاقم باستمرار. وبعد مناقشة طويلة، ختم قوله بما يلي: «إن حصة التخفيض قابلة للمراجعة، لكني سأظل صارما فيما يخص المبدأ» (10).
 
وفي نفس اليوم، أي 9 آذار/مارس، أصدر في عدد خاص من النشرة الرسمية 7 ظهائر ومرسومان وزيريان حول إعفاء الأطر، والإحالة على التقاعد، ووضع الموظفين الملحقين الذين تتراوح أعمارهم بين 53 و55 سنة، رهن إشارة المتربول، باستثناء الموظفين الذين يُعتبرون ضروريين بالنظر لطاقتهم وتجربتهم؛ وكذا حول خصم 10% من جميع الحسابات المفتوحة لدى «صندوق التعاون»، لفائدة الميزانية العامة، الأمر الذي يعني انخفاض معاشات التقاعد بنسبة 10%. وعمقت رسالة دورية بعثها الكاتب العام للحماية إلى مديري المصالح، روح هذه الإجراءات، وذلك لأنها طالبتهم تحقيق الهدف التالي: تقليص عدد الموظفين بنسبة 10%، ونفقات الرواتب بنسبة 10%، وأمرتهم بتحديد فوري للائحة الموظفين المطروح إعفاؤهم من العمل.
 
-الحركة: التجمعات والمظاهرات
 
كان على الموظفين إذن أن يدافعوا عن أنفسهم على واجهة مزدوجة: من جهة ضد تخفيض الزيادة المغربية الذي يعتبرونه فسخاً من جانب واحد لعقدة تشغيلهم، من جهة ثانية، ضد التمييزات التعسفية التي بإمكان الإدارة العليا أن تقدم على تنفيذها عند تطبيقها لقرارات تقليص الموظفين، إذ أن الأطر العليا ذات الرواتب المرتفعة تحافظ على مراكزها بسبب «أهليتها» وتقوم بتحصيل الاقتصاد المطلوب على حساب الموظفين الصغار والمتوسطين (11).
 
وأقدمت مكاتب النقابات والفيديراليات، واللجان الرابطة بين الفيديرليات، وتكتل المصالح العمومية على تكثيف اجتماعاتها، وبعثت ببرقيات احتجاجية، وهيأت أشكالا للاحتجاج والعمل. وكان همها الأول هو الحصول على تأييد الرأي العام، الأوربي بطبيعة الحال، والبرهنة على أن الاقتطاع الذي طُبق على رواتب الموظفين، يمس مباشرة صغار ومتوسطي المنتجين والتجار، ويهدد الاقتصاد المغربي برمته. وتمت اجتماعات مشتركة مع مندوبي الهيئة الثالثة بكل اتجاهاتهم، ومع ممثلي الغرف التجارية والفلاحية ومنظمات قدماء المحاربين للرباط ومكناس وفاس. ووُزعت عرائض في أوساط التجار، حصَّلت على 548  توقيعا في الدار البيضاء فيما بين 2 و6 نيسان/أبريل. إلاّ أن الغرفة التجارية بالدار البيضاء رفضت الانضمام إلى هذه الحملة. والحقيقة أن هذه الغرفة، كانت توافق، صحبة اللجنة المركزية لرجال الصناعة، على كل الإجراءات الرامية إلى تخفيض نفقات المستخدمين، أي نفقات الميزانية، وهي الوسيلة الوحيدة لتفادي اللجوء إلى الضريبة. لم يكن الموظفون يجهلون هذا الموقف. لذا، لم يكتفوا، كما كانوا يفعلون في 1934، بالمطالبة بعدم اتخاذ أي قرار خاص بالميزانية، بدون أن يكون مجلس الحكومة قد اتخذ قرارا بشأنه من قبل، بل ذهب الناطق باسمهم أبعد من ذلك، ولم يتردد في مهاجمة الحكومة والمجموعات المالية المتحكمة في الاقتصاد. وطالب سانتين Centène كاتب فيديرالية البريد، خلال المجلس الذي تُجتمع فيه الفيديرليات والمنعقد في 10 آذار/مارس 1935، طالب بأن يتحد كل الموظفين ويتم بشكل واسع إعلام السكان الذين «هم أيضا ضحية «الصراع الطبقي» مثلنا ، وهذه العبارة، تم التصريح بها علنيا لأول مرة، على ما يبدو، في اجتماع نقابي بالمغرب. وفي البرقية التي بُعثت في نفس اليوم إلى كل من فلاندان Flandin، رئيس المجلس الحكومي، ولافَال Laval، وزير الخارجية، وبونسو Ponsot، المقيم العام، نددت الفيديرليات الثلاث –فيديراليات الموظفين، والبريد والتعليم- بمساويء الانكماش النقدي «الذي يؤدي منهجيا بافريقيا الشمالية نحو الإفلاس وذلك لفائدة بعض المجموعات المالية القوية فقط. وفي المغرب، أدى عمل المجموعات المالية، وشجعها على ذلك ضعف الحكومة، إلى بؤس الأهالي والأوربيين، وإلى إفلاس المستخدمين والمأجورين والفلاحين، كما سهل سيطرتها على الهيكل الاقتصادي وعلى ممتلكات صغار التجار ورجال الصناعة الذين انتُزعت منهم أملاكهم».
 
وحدث نفس الشيء في التجمعات الموالية، إذ أعلن الخطباء عن استيائهم وأنّبوا السلطات العمومية، ونددوا بمواقف شابونChapon ، رئيس الغرفة التجارية لمدينة الدار البيضاء، وبموقف اللجنة المركزية لرجال الصناعة، التي، حسب زعم لوكَولار Le Goulard، تذرعت بـالواقع البئيس الذي تتخبط فيه البروليتاريا المغربية» لتبرير الإجراءات الحكومية، إلاّ أنها كانت، في الواقع، حسب قول خطيب آخر، هو بينتو Penneteau، تبحث عن احتكار السوق المغربية وإثقال كاهل المستهلكين مجددا.
 
عُقدت التجمعات في أهم المدن المغربية في 13 آذار/مارس وأول أسبوع من شهر نيسان/أبريل. وأهم هذه التجمعات انعقدت بالدار البيضاء، في 13 و25 آذار/مارس ثم في 3 نيسان/أبريل؛ وبالرباط يومي 13 آذار/مارس و4 نيسان/أبريل. وقد جذب «التجمع المركزي» الذي انعقد في 17 آذار/مارس بالملعب الأولمبي بالرباط «5000 فرنسي» من الموظفين «الذين أتوا من جميع الجهات». وكان المناضلون الذين ترددت أسماؤهم طيلة هذا الشهر هم، صحبة السيدة فييي  Vieillyوكاميليري Camillerie ولوكَولار Le Goulard، باديو Badiou من التعليم الثانوي، بينتو Penneteau، وبونيير Pugnère وتروسيل Troussel، وبوفَيدا Poveda وليونيتي Léonetti من الفيديرالية المغربية لمجموعات الموظفين، وبيل Pelle، الذي ترأس التكتل المتحد كنفيديراليا بالرباط. وهي أسماء سنجدها في الحركة النقابية للموظفين بالمغرب إلى حدود 1939-1940، وإلى ما بعد 1943 بالنسبة للبعض منهم.
 
إن إنتاج هذا النشاط التحريضي، الذي بلغ أوجه يوم 17 آذار/مارس ثم بدت عليه علامات الفتور، هي أقل سلبية مما يوحي به التقرير الأدبي الذي قدمه المكتب النقابي للمعلمين. وقد كان هذا المكتب يتوفر على طاقة كبيرة للعمل.
 
إلاّ أنه لم يكن بإمكانه أن يحول دون تخفيض الزيادة الاستعمارية (التي أُخر تطبيقها بثلاثة أشهر وأُجِّلت إلى فاتح تموز/يوليو) ولا دون التقليصات المختلفة التي تمت بموجب سياسة الانكماش النقدي المتروبولية. لكنه دفع فيديرالية مجموعات الموظفين إلى إحداث قطيعة تامة مع الممارسات القديمة وإلى اتخاذ هيكل أكثر صرامة. كما دفع وداديات التعليم الثانوي، الغيورة جدا على استقلالها، إلى الاتحاد فيما بينها في فيديرالية، وإلى قبول الانضمام إلى الفيديرالية المغربية للتعليم العمومي، صحبة المعلمين وودادية التعليم العالي.
 
.الاتحاد الجهوي
 
بينما كانت نقابات الموظفين، منضوية في ك.ع.ش. أم غير منضوية، تناضل من أجل الدفاع عن الأجور وعن شروط العمل وعن الحريات، وهي قضايا مترابطة في اعتقادها، كان الاتحاد الجهوي للنقابات الكونفديرالية بالمغرب، يسلك طريقا غامضا. لقد كانت مهمته صعبة كثيرا، وتتمثل في الدفاع عن الأجور عن مصالح الشغيلة في بلاد تقل مساحتها بالكاد عن مساحة فرنسا. وكان عليه أن يبحث عن وسائل تجميعهم في نقابات، وأن يحفز ويحث الاستعدادات النضالية، وأن يحل مشكلة انضمام المغاربة. وإذا كانت سنة 1930، التي شهدت نشأة الاتحاد الجهوي، وإصدار ظهائر حول محاكم الشغل والعطلة الأسبوعية، سنة إيجابية، فإن السنوات التي تلتها كانت على ما يبدو أقل إيجابية. غير أن الاتحاد الجهوي، المحرك من طرف بعض الموظفين الذين دعمهم بشكل دائم المعلمون والجماركيُّون وشغيلة الدولة والاشتراكيون، وكان يثبت هياكله ويشجع، حيثما أمكنه ذلك، المجهودات الرامية إلى التنظيم، ويطرح نفس المطالب عدة مرات، وانخرط منذ 1934 في النضال المناهض  للفاشية.
 
.تنقيب بطيء وعسير
 
ترأس جوهو Jouhaux المؤتمر الثاني المنعقد يومي 11 و12 كانون الثاني/يناير 1931 ببورصة الشغل بالدار البيضاء، التي كانت عبارة عن كوخين خشبيين للمأوى الشعبي منحتهما البلدية للاتحاد. وثمَّن  هذا المؤتمر نجاحات الاتحاد الجهوي الفتي والفخور بعدد نقاباته الثلاث والعشرين ومنخرطيه الأربعة آلاف.
 
وفي سنة 1932، أصبح الاتحاد يتوفر، بفضل قرض بمبلغ 100000 ف منحته له مدينة الدار البيضاء، على بورصة للشغل واقعة في ساحة صغيرة مُظللة بالمغروسات، قرب البحر، تُدعى ساحة الأميرال فليبير Philibert. وعمل الاتحاد على إعدادها ليوفر مكاتب وقاعات للاجتماعات، وقاعة للأفراح ومكتبة. وعلى إثر ذلك، تمكنت النقابات من عقد تجمعاتها أو مؤتمراتها في هذه البورصة عوض أقبية المقاهي أو المحلات الأخرى المستعارة أو المؤجرة. وأعطيت مسؤولية البورصة والنقابات الفتية النشأة، إلى الكاتب-البواب ماسا Massa وقد اختاره الاتحاد الجهوي إلا أن البليدة هي التي تؤدي راتبه، وكان عضوا في اللجنة المؤقتة لتلك النقابات، وغالبا ما كان يصير أمين صندوقها عندما نتأسس نهائيا.
 
وعمل الاتحاد بطموح على تنظيم مؤتمر للاتحادات الجهوية لنقابات المغرب والجزائر وتونس (14-15 أيار/مايو 1932)، كما جرت العادة على ذلك بالجزائر العاصمة سنة 1930.
 
وقد كانت المبادرة سابقة لأوانها. فكان ألكيي Alquier الذي ترأس المؤتمر يمثل إتحادي الجزائر العاصمة ووهران. بينما اعتذر اتحاد تونس العاصمة. وكان الحاضرون قليلين. ومما يؤسف له أكثر أن الفيديرالية المغربية لمجموعات الموظفين، حوالي عشرون مجموعة وكاتبها كَيطون Guitton –ماعدا المعلمين والجمركِّيين والراقنين- امتنعت عن الحضور «كانت هناك العديد من المجموعات التي اتخذت الطابع النقابي حديثا وبعضها بدافع الانضباط أكثر منه عن اقتناع، تخشى ك.ع.ش. باعتبارها مركزا فوضويا في نظرهم، لذلك لم يتعودوا إلاّ قليلا على الذهاب إلى بورصة الشغل. وكان بعضهم يجهل حتى وجودها.» أما نقابة المعلمين، فكانت في المستوى المطلوب وهُنئت «على المساعدة المادية والمعنوية التي قدمتها للاتحاد الجهوي في مهمته الجسيمة». وأعيد انتخاب المكتب المستقيل للاتحاد الجهوي بالإجماع. إلاّ أن تعيين تيكسيي Texier مديرا لمدرسة، أرغمه على مغادرة الدار البيضاء، مما أدى إلى تعويضه في منصب الكاتب العام، من طرف ماتيي Mattei، من الجمارك؛ فيما انتُخِبَ المعلم هيفيرنو Hivernaud كاتبا عاما مساعدا إلى جانب بومBeaume ، من شغيلة الدولة، والآنسة سييماي Semail، من المختزلين الراقنين (12).
 
وكانت المهمة الكبرى تتمثل في تنمية الاستقطابات في القطاعين الخاص وذي الامتياز، وتأسيس نقابات بهما، وجعلها قادرة على العمل، ولو خارج الدار البيضاء، عن طريق تشكيل اتحادات محلية.
 
واعتمد مسؤولو الاتحاد الجهوي بشكل خاص على النقابيين المعلمين «ليؤسسوا في كل مركز مهم اتحادا محليا. وسوف لن يتعذر على هذه الاتحادات الحصول على بورصات للشغل من طرف السلطات العمومية. وتعد هذه البورصات ضرورية للحياة النقابية الخاصة بالمجموعات المهنية» (13).
 
وفيما بين 1931 و1934، انخرطت عدة مجموعات في الاتحاد الجهوي، مثل العمال الحلاقين بالدار البيضاء والرباط، ونادلو المقاهي والمطاعم، والصيادون البحريون وسائقو سيارات الأجرة والعربات المجرورة بالخيل للدار البيضاء أو مستخدمو المكتب الشريف للفوسفاط لخريبكَة. ولكي يكون لها وجود قانوني، وتتمكن من التفاوض مع المشغلين اتخذت هذه المجموعات تسمية «جمعية مهنية» أو «مجموعة» سلمت للسلطات نظامها الأساسي.
 
-النقابات والمغاربة
 
تبعا للمذهب الصرف، كانت النقابات، بطبيعة الحال مفتوحة أمام كافة الشغيلة، مهما كان أصلهم ودينهم، المسلمين واليهود المغاربة، كما الأوربيين. وفي تقريره أمام المؤتمر الثاني، حول موضوع: «هل يجب قبول المغاربة المسلمين واليهود في النقابات؟»، خلص كاتب الاتحاد الجهوي الفتي، سيزار بوم César Beaume –رغم بعض الاعتبارات التي تمزج بين الحقيقة وبين ما هو قابل للنقاش، ورغم حماسة تبعث اليوم على الضحك- إلى القول: «باسم هذه الصيغ ووراء يافطة الكونفديرالية العامة للشغل التي تضم العمال على صعيد البشرية جمعاء، فإنه يقع على عاتق الكونفديرالية ليس فحسب الحق بل واجب تعليم وضم عمال كل الأديان والأجناس، ولذلك فإن ولادة المغاربة على أرض هذه المملكة السعيدة ليست مبررا لمنعهم من أن يكونوا أجزاء من عائلة البروليتاريا الكبرى».
 
ومهما يكن من أمر، فقد ظلت الوضعية بصفة عامة على الحال الذي أشرنا إليه سنة 1929، وذلك إلى نهاية سنة 1933. إذ ظل عدد المغاربة قليلا في الجمعيات المهنية المنخرطة وغير المنخرطة في ك.ع.ش. وكان الموظفون يقبلون بانضمامهم إلى جمعياتهم حين يرغبون في ذلك، أما مجموعات القطاعين الخاص وذي الامتياز، فلم تكن ترغب في انضمامهم إن لم نقل إنها كانت ترفضهم. إلا انه خلال سنة 1934، تغير موقف المناضلين. إذ على إثر تصلب موقف أرباب العمل وسلطات الحماية، المترتب عن انهيار الاقتصاد والتوجيهات الحكومية، اعتبر المناضلون أن من الضروري تنمية قوة تنظيماتهم باستقطاب المغاربة. وكانت هناك أيضا انشغالات المسؤولين الاشتراكيين بالمغرب، المترتبة عن الانتقادات الشديدة التي تلقوها من بعض رفاقهم الباريسيين وعن تخوفاتهم عن مواقف الوطنيين المغاربة الشباب؛ مما جعلهم يرغبون في البرهنة على أنهم هم المدافعون الحقيقيون عن شغيلة المغرب وشعبه.
 
هكذا، في آذار/مارس 1934، وعلى اثر مبادرة الفرع الاشتراكي الذي أتى بماتييي Mattei، أسس 150 سائقا، بفاس، «جمعية ودادية للسائقين المحترفين»، وعينوا مكتبهم القانوني المكون من 7 أوربيين ويهودي واحد و4 مسلمين (14). وفي حزيران/يونيو شكلت «الجمعية المهنية لشغيلة التغذية والمقاهي والفنادق والمطاعم» مكتبا من 11 عضوا من بينهم 4 مساعدين مغاربة، يهوديان ومسلمان. وبعدما عينت مكتبا يضم 5 أعضاء، أيدت «المجموعة المهنية لسائقي الشاحنات المجرورة بالخيل»، وتضم 300 عضو، ضرورة انتخاب لجنة مراقبة «تتكون من عضوين يهوديين وعضويين من الأهالي» (15).
 
وفي نفس الشهر، اجتمع ببورصة الشغل في الدار البيضاء فرع المغرب لفيديرالية شغيلة الدولة بفرنسا والمستعمرات، الذي يحركه دوكاب Decap وكوو Cowe، وكان هذا الفرع من بين المنظمات المؤسسة للاتحاد الجهوي. وحرر «ملفا مطلبيا» بعثه إلى وزير الحرب يطالب فيه بالمساواة في الأجور حسب مبدأ «أجر مساوٍ، لعمل مساوٍ»، بالإضافة إلى إعادة مستويات الأجور القصوى القديمة بالنسبة للجميع. ونجد في الملف المطلبي ما يلي: «إن تنظيماتنا النقابية، اعتبارا منها أن المبدأ المؤدي إلى تمييز الشغيلة حسب عرقهم أو دينهم، هو مبدأ غير عادل ولاإنساني، تطالبكم بإعطاء العمال والمستخدمين الأهالي نفس الأجر الذي يتقاضاه العمال والمستخدمون ذوو الجنسية الفرنسية عندما تكون المعارف المهنية متماثلة...» (16).
 
وأخيرا، في آذار/مارس 1935، كتبت «اللجنة المؤقتة للدفاع عن مأجوري المكتب الشريف للفوسفاط» في عدد 9 آذار/مارس من «المغرب الاشتراكي»، ما يلي: «هل لدينا اعتراض عليها (الإدارة)؟ لا. فالفرنسيون منقسمون ولا ينخرطون إلا جزئيا في «الجمعية المهنية». بينما لا يأتي إليها الأجانب. وقد أغفلنا بقصد العنصر الأهلي في هذا الترتيب.. وقد نكون ملزمين بالقيام بعمل كثير في هذا الجانب. وسيتوفر المناضلون الجريئون إذ ذاك على سلاح خطير، سيمكنهم من حل مشاكلهم بشكل ايجابي. وستتلقى إدارتنا العامة إنذارا صارما إذا هي واجهت، يوما ما نقابة حقيقية مكونة من كافة العمال بدون تمييز عرقي ولاقومي، لذلك يجب على مناضلي «ج.م.» (17) أن يتشبعوا بهذه الحقيقة الأولية... فالعديد منا لم ينس أن الشغيلة الأهالي امتنعوا عن العمل حين فُرض عليهم الاشتغال يوم العيد...».
 
وتشهد الإشارات الملتقطة من هنا وهناك على نضالية العمال اليدويين المغاربة الحانقين على السرقة التي كانوا ضحية لها عند تأدية أجورهم: «إنه عمل مباشر وعنيف إلاّ أنه كان محدودا وغير منسجم، مثل أحداث القنيطرة في أوراش خط طنجة-فاس، وأحداث قصبة تادلة سنة 1933. وفي 1935، انتفض العمال المغاربة مجددا في قصبة تادلة، وهاجموا بالحجارة مراكز رؤساء الفرق (18).»
 
-في القطاعين الخاص وذي الامتياز
 
كانت ظروف نقابات هذين القطاعين، صعبة، فلم يكن لها وجود عملي إلاّ في الدار البيضاء، يحث كان الاتحاد الجهوي يلعب دور الاتحاد المحلي. وسرعان ما كان المناضلون والمنخرطون المكتشفون يفقدون عملهم، وينضافون إلى عدد العاطلين، أو يُقدَّمون إلى محكمة الباشا الاستعجالية إذا كانوا مغاربة.
 
ولم يعد أي وجود عملي لنقابة الكتاب. وقد كُتب في عدد 14 نيسان/أبريل 1934 من «المغرب الاشتراكي» ما يلي: «سقط أعضاء الفرع «172 من نقابة الكتاب إلى الصفر من جديد. فمتى ستستعيدون النشاط الذي قمتم به منذ 10 سنوات؟» وكانت نقابات التغذية والبناء والتعدين ومستخدمي التجارة، هزيلة.
 
وفيما يخص المصالح ذات الامتياز، فإننا لا نتوفر على أية معلومات حول «الودادية المغربية للشحن والإفراغ»، وهي من بين الوداديات الأولى التي تأسست، ولم تنخرط على ما يبدو في ك.ع.ش؛ ولا حول نقابة الشركة المغربية لتوزيع الماء والكهرباء، التي التحقت ربما بالاتحاد الجهوي منذ 1930، سوى أن شروط عمل وأجور مستخدميها تفاقمت كثيرا سنة 1935. ولا نتوفر إلا على بعض المعلومات الخاصة بالجمعية الودادية والتضامنية لِترامات وحافلات الدار البيضاء TAC فقد تأسست سنة 1932، وجددت مكتبها ولجنتها الإدارية في 24 كانون الثاني/يناير و14 شباط/فبراير. وكان نشاطها جد متواضع، تمثل في تقديم الإعانات، والقيام بتدخلات مختلفة، وتنظيم سهرات راقصة وتوزيع الهدايا (19).
 
وفي المدن الداخلية، كان عدد المجموعات المتحدة كونفديراليا أم لا، باستثناء الموظفين، جد ضئيل إن لم نقل منعدما. لذلك لم يكن بإمكان الاتحاد الجهوي، رغم مجهوداته، أن يؤسس اتحادات محلية تبعا لقرارات مؤتمر 1934. وكان من الممكن طبعا الاكتفاء بمجموعات الموظفين؛ إلاّ أن هؤلاء كانت لهم مشاغلهم الخاصة، فشكلوا لجنا جهوية، تم تكتلات محلية فيما بعد. غير أن ماتيي Mattei، رئيس الاتحاد الجهوي، ترأس يوم الأحد 29 نيسان/أبريل 1934 تأسيس اتحاد محلي كونفديرالي بمكناس؛ لكن المائتي حاضر كانوا موظفين، بريديين، معلمين وشغيلة دولة. إلاّ أن وجود هذا الاتحاد كان عابرا، فقد كان هيفرنو  Hivernau يحث «رفاق مكناس والرباط والقنيطرة...، على تأسيس اتحادات محلية.» ولم يقع نفس الشيء، على ما يبدو، في فاس، حيث نظم الاتحاد المحلي للنقابات، يوم الأحد 10 حزيران/يونيو، لأول مرة اجتماعا مع ماتيي. هنا، كان معظم الموظفين هم الغائبين، بينما كان السائقون وأرباب النقل الصغار هم الذين أسسوا نقابتهم، والعاملون هم الذين حضروا. وقد ترأس الاجتماع دارتيكَناف Dartiguenave من شغيلة الدولة، بمساعدة بيرون Pérone (سائق) وأماتو Amato من البريد. فهل كان هذا الاتحاد المحلي أول اتحاد بدأ بالنشاط؟
 
ومن بين الجمعيات المؤسسة أو التي استعادت نشاطها، يجدر تتبع ثلاث منها عن قرب، وهي جمعية البحارة الصيادين وجمعية المكتب الشريف للفوسفاط، وجمعية السككيين.
 
1-نقابة البحارة الصيادين
 
كانت تسميتها الرسمية هي «الجمعية المهنية للبحارة الصيادين للدار البيضاء ولباقي مدن المغرب». تشكلت في حزيران/يونيو 1934. وضمت 350 منخرطا –(8/10) من المجموع- اسبانيين وبرتغاليين ومغاربة. وكان همهم الأول هو الرفع من سعر قنطار السردين الذي يدفعونه لأصحاب المصانع. وبما أن هؤلاء الأخيرين عارضوا هذا المطلب، فقد شن البحارة الصيادون إضرابا عن العمل. فاندفعت جريدة السيد ماسMas ،  La vigie Marocaine متحدثة عن «نقابة غير شرعية من المحرضين المحترفين، الموجود مقرهم ببورصة الشغل، والعازمين على إثارة حرب أهلية».  وخلال اجتماع أرباب العمل والعمال انعقد يوم 23 تموز/يوليو بمكتب رئيس المنطقة المدنية، أورتلييب Orthlieb، وُضعت أسس اتفاقية لحل المشكل المطروح. وفي اجتماعهم ببورصة الشغل يوم 26 تموز/يوليو قبل البحارة الصيادون الاتفاقية وقرروا استئناف العمل. هكذا، بعد إضراب دام 15 يوما، رُفع سعر السردين المُؤدى من طرف أصحاب المعامل بنسبة 350%، منتقلا من 10 إلى 35 فرنكاً للقنطار. فكان بذلك انتصارا عظيماً (20).
 
«إنها أول مرة أيضا، يقول لنا هيفرنو Hiverneaud، الكاتب المساعد للاتحاد الجهوي آنذاك، رأيت فيها عددا كبيرا من المغاربة ببورصة الشغل. بغضهم ترك لدي انطباعا قويا. ثم، في يوم ما، هجروا البورصة للاجتماع في المدينة القديمة حيث كنت أذهب للالتقاء بهم. ذهبوا لأن الأوربيين كانوا يسرقونهم عند توزيع حصيلة الصيد. سألني ذات مرة أحد ممثليهم، وهو طالب يعرف جيدا النظام الأساسي لِـ.ك.ع.ش، عما إذا كان الاتحاد الجهوي يقر هذه الممارسات. ومنذئذ لم يعودوا أبدا».  فما الذي يجدر الإمساك به من بين هذه الملاحظات؟ مجيء الصيادين المغاربة بكثرة إلى بورصة الشغل؛ عزيمتهم على الدفاع عن حقوقهم؛ دور المرشد الذي لعبه مثقف وطني وانسحابهم من البورصة بدون أن تتوقف اجتماعاتهم. أما ما تبقى، فإن حساب الأنصبة كان معقدا إلى الحد الذي لم يكن يجد فيه الصيادون المغاربة حقهم (21)، ومع ذلك فقد ظل تجمع البحارة الصيادين، بكاتبيه فيروFerro   وماركيس  Marqués ، قوة منظمة.
 
2-الجمعية المهنية لمستخدمي الفوسفاط
 
تمثل الحدث الثاني، ذو النتائج الأكثر غنى فيما يخص الحركة العمالية بالمغرب، في ظهور جنين تنظيمي، خارج الدار البيضاء، في المكتب الشريف للفوسفاط بخريبكَة.
 
كانت مناجم خريبكَة، مناجم اليوسفية (Louis Gentil) الأحدث منها، وهي مراكز تستعمل اليد العاملة بكثرة (آلاف العمال والمستخدمين)، تدفع مبالغ هامة لمقاولات الطاقة الكهربائية والسكك الحديدية، وللموانئ والميزانية المغربية، فكانت تعد ومازالت إحدى الدعائم الأساسية للاقتصاد المغربي (22).
 
اعتُرف بـ«الجمعية المهنية للمستخدمين الفرنسيين للمكتب الشريف للفوسفاط» يوم 18 أيلول/سبتمبر 1933. ويبدو أن حياتها كانت جيدة الانتظام عبر تجمعات عامة دورية ومكتب يجتمع بشكل منتظم، وكان شغلها الشاغل يتمثل في استقرار وضمان الشغل وفي الدفاع عن الأجور. فطالبت إذن بإعداد «نظام أساسي للمستخدمين». وبعثت مندوبا إلى المؤتمر الخامس للاتحاد الجهوي المنعقد يومي 7 و8 نيسان/ابريل 1934. وتبنى المؤتمر مطالب الجمعية واحتج ضد طرد خمس مستخدمات بشكل تعسفي؛ وضد أساليب المكتب الشريف للفوسفاط، «المؤسسة العمومية»؛ وضد انعدام أية ضمانة لمستخدمي هذا المكتب. وقرر المؤتمر بعث وفد إلى الإقامة العامة. وبغية توسيع المشكل، كلف المؤتمر مكاتب الاتحاد الجهوي بعقد اجتماعات في الدار البيضاء والرباط قصد طرح «وضعية مستخدمي مختلف المقاولات ذات الامتياز وحيث سيكون من المنتظر بلورة نظام أساسي يعطي كافة الضمانات لمستخدمي المقاولات المذكورة».
 
وكانت جريدة «المغرب الاشتراكي» منبراً للجمعية. فكان شينيو  Chaignauudيحرر بنفسه الأبواب التي تم فيها التنديد بالأساليب الديكتاتورية للإدارة: وبالنظام الذي فُرض على الشغيلة الأهليين، وبالغرامات التعسفية، التي كان بعضها مسعَّراً وبعضها الآخر غير معترف بها تماما، مثل غرامات الفحم المتمثلة في أخذ ثمن حصة الفحم من العمال المنجميين المغاربة بدون أن تُعطي لهم هذه الحصة؛ وتجريبهم في وقت تشغيلهم مدة يوم أو عدة أيام مع احتمال طردهم بدون أن يحصلوا على أية أجر (23).
 
وكان المكتب (24) ينشر بتلك الجريدة بياناته،  ومعلومات حول حياة الجمعية، ويعرض المطالب، ويندد بتجاوزات بعض رؤساء المصالح، ويحتج ضد فواتير الماء التعسفية المقدمة للمستخدمين، الأمر الذي كان يشكل «مصدر غضب وتور».
 
ولتحقيق مطلب النظام الأساسي ومناهضة تخفيضات جديدة للأجور، وجه المكتب نداء إلى مستخدمي مكتب الفوسفاط للالتحاق بصفوف الجمعية المهنية. لُبِّي النداء في اليوسفية ولم يُلبَّ في مينائي الشحن بآسفي والدار البيضاء، ولا في المصالح الإدارة المركزية بالرباط، ولم يكن مكتب الاتحاد الجهوي يوجه نداءه إلاّ للمستخدمين الأوربيين. ففكر إذ ذاك في المغاربة، وهكذا عزم، في آذار/مارس 1935، كما رأينا ذلك، على دعم عمله باستقطاب المغاربة.
 
إضافة إلى هذا، أصبحت خريبكَة مركز تحريض سياسي. إذ تأسس فيها فرع اشتراكي سنة 1934، وعقدت بها في فاتح حزيران/يونيو 1935 الفيديرالية الاشتراكية مؤتمرا استثنائيا لتبيان الأهمية التي توليها لهذا المركز العمالي. وكان الفرع المحلي «لصليب النار والمتطوعين الوطنيين» بمثابة «مجموعة تعاضدية». وقد اتهمت الجمعية المهنية الإدارة العامة لمكتب الفوسفاط بأنها هي التي كانت وراء تأسيس هذه «النقابة الصفراء» الموجهة ضدها (25).
 
كانت هذه المطالب والانتقادات تتجاوز الحد الذي يمكن أن تقبله مديرية مكتب الفوسفاط. لذا طُرد كازالونكَا Casalonga، الكاتب المساعد، وكان اشتراكيا، لتهدئة العناصر المنفعلة. فقام كَورياس Gorrias ، كاتب الفرع الفتي، بالدفاع عنه بحرارة. وفعل نفس الشيء عندما طرد هرمان Herrmann، الممرض بمكتب الفوسفاط، الذي توفي على اثر الجروح التي أصابته في الحرب، بعد ثلاثة أشهر من طرده وثلاثة أيام على إرغامه من طرف السلطات المنجمية على مغادرة الفيلا التي كان يسكن بها. فاتهم كَورياس، على صفحات «المغرب الاشتراكي»، مكتب الفوسفاط بأنه عجل وفاة هرمان واعتبره مسؤولا معنويا عن وفاته» (26).
 
وبعد مرور خمسة أيام على صدور مقاله، أنهت الإدارة إلى عمله يوم 27 حزيران/يونيو بأنه مطرود من العمل ورغم الاحتجاجات والوفود المبعوثة، لم تتراجع الإدارة وعبر المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط عن استعداده لإيجاد عمل آخر لكورياس، إلاّ أنه أعلن عن رفضه إرجاعه لوظيفته ولو أمره بذلك المقيم العام». وكان جواب كَورياس أن المستهدف من ورائه هو «المناضل، الاشتراكي والنقابي» (37).
 
3-حياة ومماة ودادية السككيين
 
منذ تفكك فيديراليتهم، في آذار/مارس 1930، لم يكن لسككيي المغرب أي تنظيم نقابي. ولم يكن بإمكان الاتحاد الجهوي الفتي أن يقبل بهذا الغياب. «يجب القيام، يقول تيكسيي Texier 5 نشرة «الشعب» Peuple، عدد 14 كانون الثاني/يناير 1931)، بدعاية نشطة في مراكز السككيين، حيث يطالب العديد من الرفاق بإعادة تأسيس الفروع النقابية وكذا اتحاد نقابات سككيي المغرب».
 
وباءت بالفشل عدة محاولات لإعادة تأسيسي هذه التنظيمات، وسنة 1934 أنشئت بتازة نقابة منضوية في ك.ع.ش. وبدأتا نشاطها، «إلا أن ضعف دعم المراكز الأخرى لها، سرعان ما أدى بها، هي أيضا، إلى الاختفاء» (28).
 
ذلك أن ضغوطات ومناورات مديرية السكك الحديدية بالمغرب كانت قوية وذكية، فأخذت مجموعة ودادية السككيين الفرنسيين بالمغرب مكان الفيديرالية المختفية. وكان يرأسها كازانوفَا Casanova، الرئيس السابق لودادية الخط السككي طنجة-فاس، الذي عارض بعناد تأسيسي فيديرالية السككيين سنة 1929، والذي هاجمهه شامبيون بشدة، بهذا الصدد، في مقالات «منبر السككي المغربي» Tribune du cheminot marocain. وكانت نشرة فصلية فاخرة، صدرت ابتداء من الفصل الثاني لسنة 1934، تحمل عنوان «السككي المغربي» Le cheminot marocain، تقوم بتغطية التجمعات العامة للمجموعة ، ونشاط الفروع، ومساعي المكتب لدى المديرية. وكانت المطالب المقدمة هي نفسها دائما، أي ثماني ساعات للعمل اليومي وتحسين نظام التقاعد، التي لم تتم تلبيتها، إلا أن الحالات الفردية دُرست بعناية فائقة و«ذهب الأمر بالمدير إلى الاعتراف بالحياد الصارم للودادية في المجال السياسي.» (29) وكانت هناك أيضا مطالب تتعلق بمشاكل تخفيض الأجور (الفصل الثاني من سنة 1934) وحذف خط 0.60 وطرد المستخدمين.
 
وطالبت المجموعة بالانخراط في تكتل المصالح العمومية، إلاّ أن هذا الأخير رفض ذلك. ودعا مع ذلك منخرطيه إلى الحضور في تجمع الملعب الأولمبي بالرباط المنعقد يوم 17 آذار/مارس 1935 (30). وتعلن نشرة الفصل الرابع في مقال بعنوان «في منعطف الطريق» عن حدوث انشقاق في صفوف المجموعة قائلة: «غادرنا حوالي 100 عضو».
 
ذلك أن التدخلات، في صفوف الفروع، لم تتوقف قط قصد دفع الأعضاء إلى الانخراط في إحدى المركزيتين النقابتين، الكونفديرالية العامة للشغل أو الكونفيديرالية العامة الموحدة للشغل، وفي التجمع العام المنعقد بالرباط بتاريخ 2 آذار/مارس 1933، اعتبر نيكولا بوسير Nicolas Bousser «أن عمل اللجنة ليس قويا بما يكفي في شكله، وإن كان ليس هناك أي مأخذ على مبادئه». وانتقد الانعزال الذي انحصرت فيه المجموعة. وفي اعتباره، «لن تحصل المطالب، مهما كانت عادلة، على أية استجابة ما لم تكن مدعمة من طرف منظمة قوية، وإن كانت هذه المنظمة، منظمة سياسية». ولذلك طالب بانخراط المجموعة في الكونفديرالية العامة للشغل. كما طالبت، في بداية 1935، رسالة موقعة من طرف ثلاثة سككيين، هم برينو Bruneau، كباروس Caparros، وفرانسوا François، بالانضمام إلى الكونفديرالية العامة للشغل أو إلى الكونفيدرالية العامة الموحدة للشغل. وأُجلت المسألة نظرا لغياب أصحاب الطلب (37).
 
وابتداء من نيسان/أبريل، سارت قوى المجموعة نحو التدهور ففقدت حوالي نصف منخرطيها سنة 1936. وفي 1937، لم يبق إلى جانب أعضاء اللجنة إلا عدد قليل من المنخرطين. ولم تحصل على أي اشتراك، ولم يترشح أحد لتجديد اللجنة. وعند نهاية السنة، استقبال رئيس المجموعة، وتبعه في ذلك كافة أعضاء فرع الدار البيضاء. وكانت نشرة عيد الميلاد في 1937 آخر عدد من «السككي المغربي». بهذا، كان اتحاد الشبكات السككية هو الذي حظي بالغلبة.
 
4-تأسيس اتحاد الشبكات (السككية)
 
في 5 نيسان/أبريل 1935، كشف مستخدمو خط 0.60 مع شابان Chaban، لقادة الودادية، عن عزمهم على الانضمام إلى الفيديرالية الوطنية الفرنسية المنخرطة في الكونفيدرالية العامة للشغل. وسُمح لمندوبي التنظيم النقابي المؤسس حديثا بمتابعة أشغال المؤتمر السادس للاتحاد الجهوي.
 
وعلى إثر عقد اجتماعات بأهم المراكز، وتوزيع المناشير، نُظمت الفروع. في المؤتمر الفيديرالي المنعقد يومي 2 و3 تشرين الثاني/نوفمبر 1935، كانت فيديرالية سككيي المغربي تضم 450 منخرطا من بينهم 285 بالدار البيضاء و96 بالرباط و90 بوجدة. «ثمة 450 سككيا في المجموع، يشكلون من الآن كتلة متماسكة واعية بواجباتها وبحقوقها أيضا». كانت تسميتها الرسمية هي «فيدرالية سككيي المغرب» وكان مطروحا على المؤتمر أن يتبنى أنظمتها الأساسية وأن يهيئ أيضا «بصورة شبه رسمية»، الأنظمة السياسية للاتحاد نقابات شبكات المغرب المنخرطة في الفيديرالية الوطنية المتحدة كونفيديراليا. كانت هذه فرصة أمام المؤتمر لمطالبة بالاعتراف الرسمي بالنقابات. «ليفعل المغرب كما فعلت تونس» التي طبق فيها مرسوم الباي بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1936 مقتضيات القوانين الفرنسية الصادرة بتاريخ 21 آذار/مارس 1884 و12 آذار/مارس 1920... فليس ثمة أي سبب معقول إذن، صاح شابان Chaban، الذي كان يترأس المؤتمر، لِألاّ تمنح حكومة الحماية في المغرب نفس الامتيازات للمواطنين الفرنسيين». ويكتسي هذا التحديد أهمية معينة، لأن الاتحاد الجهوي كان يطالب إلى هذا الحين بالحق النقابي للجميع. ومن المحتمل أن ذلك بدافع تكتيكي. وأنهي المؤتمر أشغاله بملتمس تهنئة بُعث إلى الكونفديرالية  العامة للشغل والكونفيديرالية العامة الوحدوية للشغل «بمناسبة تحقيها الوحدة النقابية بفرنسا، هذه المسألة ليست مطروحة في المغرب لأنه لا توجد به لا نقابات الوحدوية ولا الكونفديرالية العامة الوحدوية للشغل» (32).
 
.الدور المتنامي للاتحاد الجهوي
 
هكذا، أدى الدفاع عن الأجور وعن الشغل بالموظفين إلى القيام بأعمال احتجاجية مباشرة وإلى تقوية هياكلهم.
 
وقرر شغيلة القطاع الخاص من أمثال سائقي سيارات الأجرة، وسائقي الشاحنات المجرورة بالخيل، والبحارة الصيادين؛ وشغيلة آخرين من المصالح ذات الامتياز، ومستخدمي الفوسفاط والسككيين، قرروا جميعا ضم «جمعياتهم» إلى الكونفديرالية العامة للشغل. وأدخلوا بذلك إلى الاتحاد الجهوي، عنصر العامل/المستخدم الأكثر انسجاما وعزما، والأقل هشاشة من بعض النقابات التي انضمت إلى الاتحاد حوالي سنة 1930، مثل نقابات الكِتاب والبناء والتعدين والمختزلين الراقنين أو العمال الحلاقين. وقد انعكس هذا التوسع على تشكيلة الهيئات القيادية وعلى انشغالات الاتحاد الجهوي. فأعاد المؤتمر الرابع المنعقد في 1933 المكتب المنتخب في السنة السابقة والمكون من ماتيي Mattei، هيفيرنو Hivernaud بوم Beaume والآنسة سماي Semail. وتعزز المكتب المنتخب سنة 1934 فإذا كان كو Cowe قد عوض بوم Beaume باسم شغيلة الدولة، فإن ماسا Massa (مساعد) وكومبيت Combettes (من البريد) قد جاءا لتقوية هذا المكتب. ومن ضمن المهام التي كانت مطروحة عليه، العمل على إنشاء اتحادات محلية في أهم المراكز، لاسيما بوجدة والرباط. وجاء المؤتمر السادس (18 و19 أيار/مايو 1935) بتعديلات أكثر عمقا، إذ أصبح هيفيرنو Hivernaud كاتبا عاما، وسيحتفظ بهذا المنصب إلى حين التعبئة العسكرية في آب/أغسطس 1939؛ وأصبح ماتيي Mattei وكو Cowe كاتبين مساعدين؛ فيما تم تعويض الآنسة سماي  Semailوكومبيت Combettes وماسا Massa من طرف كَاليانا Galiana من فيدرالية البريد وكَوليم Gouleme من السككيين. وقُرر تشكيل لجنة إدارية تضم المكتب وسبعة أعضاء منتخبين يمثلون القوى الجديدة للاتحاد الجهوي، ستتكلف بتسيير المنظمة. كان الأعضاء المنتخبون سنة 1935 هم: بوسير Bousser (خط طنجة-فاس)، لياندري Léandri (الفوسفاط) باسكوي Pascouet (سككي) كولاس وماسا Massa (عن المساعدين)، بلانكو Blanco (عن أصحاب سيارات الأجرة) وفرانسيسكو Francesco (عن البحارة الصيادين).
 
ومنذ اعتراف سلطات الإقامة عمليا بمجموعات الموظفين وبالاتحاد الجهوي، أصبح مطلب الحق النقابي يُطرح بحدة أقل من التي كان يطرح بها منذ 1928. إلاّ أنه طُرح من جديد سنة 1935 بقوة. واُثيرت السابقة التونسية بإلحاح. لماذا لا يعطي الحق النقابي للمغرب في حين مُنح لتونس سن 1932 (33)؟
 
غير أن البطالة وانهيار الأجور كانا أكثر المشكلات استعصاء على الحل. فطالب الاتحاد بمنح إسعافات استثنائية للعاطلين. وفتح أوراش من طرف السلطات؛ وتحقق له ذلك. وانشأ لجنة الإسعاف؛ ثم لجنة البطالة التي كُلفت بجمع الأموال ومواد التغذية وبتنظيم جمع التبرعات وتقديم بعض الإسعافات لأكثر الناس احتياجا. فجمع المعلمون وحدهم قرابة 17000 ف. سنة 1932. وتمت المطالبة بانجاز الأشغال الكبرى وبناء مساكن للشغيلة الأهليين.
 
ولمحاربة البطالة دائما، كانت المراقبة الصارمة للظهير المحدد للهجرة وللظهير المحدد للعطلة الأسبوعية، من بين الإجراءات المطلوبة باستمرار. وهذه الإجراءات، انتزعها مناضلو الاتحاد الجهوي بفضل مساعيهم العديدة، إلا أن أرباب العمل كانوا يراوغونها بكل سهولة. وكانت عمليات المراقبة المتجددة وحدها هي القادرة على فرض تطبيق تلك الإجراءات، لكن وجود مفتشين إثنين فقط لم يكن كافيا لهذه المهمة. فكان من الضروري تدعيم هيئة مفتشي الشغل وكذا توسيع محاكم الشغل المقتصرة إلى هذا الحين على الدار البيضاء.
 
وما كان يردده بإلحاح المناضلون ومؤتمرات الاتحاد الجهوي، هو تطبيق قانون ثماني ساعات للعمل، أي تحديد يوم العمل، الذي يتراوح بين تسع وثلاث عشرة ساعة بالنسبة للراشدين، وقرار الأجر الأدنى الحيوي. وقد نُظمت اجتماعات ومناقشات عمومية لتبرير هذا المطلب وتبيان مساهمته الكبيرة في القضاء على البطالة والرفع من موارد الشغيلة وإنعاش الاقتصاد. ونُدد بشدة خلال هذه الاجتماعات بالمعارضة المتصلبة لأرباب الغرف التجارية والصناعية والفلاحية. وتم التذكير بأن التشريع الاجتماعي الجاري به العمل في الدول الصناعية يجب أن يطبق وفقا لنصوص معاهدة فرساي Versailles  التي وقع عليها المغرب، ووفقا لنصوص اتفاقية واشنطن.
 
هكذا، كانت تتردد كل سنة في مؤتمرات الاتحاد الجهوي نفس المطالب: الاعتراف بالحق النقابي، مكافحة البطالة، منح الإسعافات، مراقبة الهجرة، تطبيق قانون ثماني ساعات للعمل، الأجر الأدنى، تثبيت طرق تأدية الأجور، منح بطاقة الشغل وحذف نظام الغرامات.
 
وكانت هذه المطالب تقدم عبر كتابات أو عبر وفود تُبعث إلى مختلف السلطات: المراقب رئيس المنطقة المدنية، الكاتب العام للحماية، المقيم العام، وبفضل تدخلات مندوبي الهيئة الثالثة في مجلس الحكومة، كانت تصل هذه المطالب إلى الرأي العام عن طريق التقارير التي تقدمها الصحافة، وإن كانت مبتورة. وعلى إثر مسألة اجتماعية، وقعت قطيعة بين المندوبين الاشتراكيين والمقيم العام بونسو Ponsot. فقد انسحبوا بطريقة مثيرة من مجلس الحكومة، خلال جلسة 27 حزيران/يونيو 1934، ثم بعثوا إلى المقيم رسالة احتجاجية «يشيرون فيها إلى قصور الحكومة التي قدمت وعدا قاطعا منذ 1927 وبالخصوص سنة 1932، بتطبيق قانون ثماني ساعات وقانون الأجر الأدنى المترتب عنه، في المغرب... ويعتبرون أن الدراسة دامت بما فيه الكفاية ويحتجون بقوة على التأجيل المنهجي لهذا الإصلاح الاجتماعي الذي من شأنه أن يقلص البطالة. وفي الخلاصة، «يرفضون التعاون مؤقتا مع الحكومة، ويحجبون عنها السلطة المعنوية التي يستمدونها من ناخبيهم».
 
وبعد أربعة أشهر، أعلن المقيم العام في جوابه المؤرخ بـ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 1934، عن «مشاورات جديدة» خاصة بقانون الثماني ساعات وعن بحث المجلس الأعلى للشغل لأربعة مشاريع ظهائر «لضمان أجور الشغيلة».
 
وقد ساهم الانحسار الاقتصادي، وركود الأعمال، والبطالة وكذا تعاطف المقيم مع مطالب الوطنيين في تأجيج الغضب (34). فقرر مندوبو الغرف التجارية والصناعية لدى مجلس الحكومة مقاطعة جلسات هذا الأخير يوم 2 كانون الأول/ديسمبر 1935. والتحق بهم مندوبو الهيئتين الأخيرين الذين، وإن كانت دوافعهم مختلفة، فإنهم كانوا جميعا متفقين على المطالبة بـ«منحهم حق التصويت في مداولات المجلس الحكومي الخاصة بالميزانية». وبعد تأسيسها كشفت «لجنة التنسيق» بقيادة شابون Chapon من الغرفة التجارية للدار البيضاء، عن رفضها للحضور في جلسات مجلس الحكومة والتعاون معه، طالما لم يقبل طلبها. أما اللجنة المركزية لرجال الصناعة، فإنها لم تتفق مع هذا المطلب، وكانت تفضل تأسيس مجلس اقتصادي يتعين عليه رسم الخطوط العريضة لعمل الحماية الاقتصادي، ورفض بونسو Ponsot الاستجابة لهذه المطالب. فعُزل وعوضه مارسيل بيرتون Marcel Peyrouton الذي كان مقيما عاما بتونس (21 آذار/مارس 1936).
 
وفي اليوم الموالي، 22 آذار/مارس، نشب نزاع في القنيطرة بين حوالي 1200 عضو من «صليب النار»، الذين تذرعوا بنزهة حقلية للقيام بتظاهرات كبرى، و300 عضو من «الجبهة الشعبية» جاءوا للاعتراض على ذلك وأدى هذا الاشتباك إلى إلحاق جروح خفيفة بعض أعضاء الفرقين. ولم تترك الإدارة الفرصة تفلت، إذ اتخذت إجراء عقابيا في حق مسؤولين في الجبهة الشعبية، هما الكاتب الفيدرالي للحزب الاشتراكي كَاسطون دلماس Gaston Delmas، الذي نُقل فورا إلى الصويرة، والكاتب الفيديرالي المساعد جان بون Jean Pons الذي أوقف من وظيفته (36).
 
لم يتمكن بيروتون Peyrouton مع ذلك من ضبط الأوضاع، فانفجر من باريس مهددا: «إني أعطي أول وآخر إنذار للمحرَّضين والمحرِّضين، لأن مستقبل المغرب نفسه مهدد أكثر من اللازم، لكي يُسمح لسكانه بخوض صراعات حزبية. إني عازم على إحلال النظام العام، خدمة للمصلحة العليا لكل الذين يرغبون في العيش والعمل في سلام وللحفاظ لفرنسا على سمعتها الطيبة (37).
 
وعقد الاتحاد الجهوي مؤتمره السابع يومي 26 و27 نيسان/أبريل وأعيد انتخاب المكتب بكامله تقريبا مع استثناء واحد، ذلك أن البريدي لوفي Louvet، عوض كو Cowe  من شغيلة الدولة، في منصب الكاتب العام المساعد.
 
«كان مؤتمرا رائعا»، حسب قول أبرار Abrad، الكاتب العام للمعلمين (38). وقد اشتكى بعض المؤتمرين بشدة من الطريقة التي اتبعتها «المغرب الاشتراكي» في تغطية الاجتماعات النقابية. ودار نقاش حول تنظيم «التجمع الشعبي» المؤسس حديثا. لكن تدورست على الخصوص المشاكل التي تهم الشغيلة. وتم التأكيد من جيد على كافة المطالب القديمة، لاسيما مطلب الحق النقابي. «اعتبارا منه... لتصلب الحكومة الشريفة» و«النتائج الوخيمة لانعدام الإمكانية لدى نقابات المغرب في «الدفاع رسميا عن مطالبها المشروعة»،  فإن المؤتمر «يطالب من الكونفديرالية العامة للشغل بـأن تقوم فورا بمساعي حازمة لدى وزارة الخارجية وحكومة الحماية لكي تطبق في المغرب القوانين المنظمة للنقابات بفرنسا والجزائر وتونس» (39).
 
كان النداء ملحا ووجه إلى الكونفديرالية العامة للشغل بعدما استعادت وحدتها (40)، في اسم كاتبها العام، ليون جوهو Leon Jouhaux، الذي يعرف القضية جيدا ويتتبعها منذ 1930. وامتدت فترة شغور منصب المقيم العام. إذ كان بيرتون Peyrouton ينتظر بدون شك نتائج الانتخابات الفرنسية التي جرت يومي 26 نيسان/أبريل و3 أيار/مايو، وأخيرا، نزل في الدار البيضاء، وكانت كلماته الأولى متواضعة أكثر حيث قال: «إني رجل حسن النية...» (41).
 
فاستقبلته بحفاوة أوساط كبار المستوطنين الذين علموا بأية شدة واجه «الدستور»، الحزب الوطني التونسي، والنقابات (42) والفرنسيين الليبراليين، أنصار الإصلاحات. في حين اصطدم بمناوءة تنظيمات الجبهة الشعبية التي طالبت بذهابه الفوري (43).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7-بيرتون وإضرابات حزيران/يونيو 1936
 
كان المقيم العام بيرتون Peyrouton، المدعم من طرف أرباب العمل وكبار المستوطنين والإدارة العليا، يأمل في البقاء في منصبه والحيلولة دون اي تغيير.
 
إلاّ أن إضرابات حزيران/يونيو 1936 ومعارضة تنظيمات اليسار أفشلت مشاريعه وجعلت ذهابه أمرا محتوما.
 
.سياسة المقيم العام الجديد
 
تبعا لطبعه وقناعته عمل المقيم على استباق الأحداث وعلى الاستفادة من الأسابيع القليلة قبل تشكيل حكومة الجبهة الشعبية.
 
ولتفادي المعارضة الصريحة لأعضاء الهيئة الثالثة حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية، قرر حصر جلسات مجلس الحكومة في مناقشة قضايا الميزانية فقط. وانشأ اللجنة الدائمة للدفاع الاقتصادي المكلفة بإعداد «برنامج للإنقاذ»، ملبيا بذلك أماني اللجنة المركزية. وكانت تلك اللجنة الدائمة تضم، إضافة إلى ممثلي الإدارة والغرف الفرنسية للتجارة والفلاحة والصناعة ومندوبي الهيئة الثالثة، الممثلين المباشرين عن الشركات المنجمية، والسكك الحديدة وشركات الملاحة والأبناك. وكان مندوب المقيم العام يعين أربعة أعضاء مغاربة. ولم يكن التمثيل العمالي مُقررا. ومع ذلك، كان من صلاحيات اللجنة الدائمة دراسة القضايا المتعلقة بالحياة الاقتصادية واليد العاملة (المادة 4).
 
واستقبل بيرتون Peyrouton، يوم 3 حزيران/يونيو، وفدا عن السككيين بالرباط وعبَّر له عن معارضته للاعتراف بالحق النقابي. فصرح قائلاّ: «إن النقطة العصيبة، هي قضية الأهالي. إذ سيؤدي فعلا تطبيق هذا القانون [القانون الفرنسي لسنة 1884] في المغرب إلى إبعاد (كذا)... العنصر الأوربي من النقابات ولاسيما من اللجن، لفائدة العنصر المغربي الأكثر عددا.» (1)
 
إلاّ أن حجم الإضرابات بفرنسا، وتشكيل وزارة بلوم Blum يوم 5 حزيران/يونيو، واتفاقيات ماتينيون Matignon يوم 7 حزيران/يونيو بين ممثلي أرباب العمل وممثلي الكونفديرالية العامة للشغل، دفع في المغرب شغيلة القطاع الخاص والمنجميين إلى التحرك للحصول ولو على جزء من الامتيازات التي انتزعتها الطبقة العاملة الفرنسية.
 
فوقعت تحركات في مناجم الفوسفاط وفي الدار البيضاء، يحث تحقق تمركز عمالي وتأسست هياكل نقابية، عقب التطور الصناعي الذي تحقق بها. وساهم في هذه التحركات المغاربة الذين كانوا بالأمس القريب قرويين، وقرروا أحيانا لوحدهم خوض هذه التحركات.
 
.الاضرابات
 
بدأت الحركة الاضرابية يوم 11 حزيران/يونيو بالدار البيضاء، في معمل «الشركة المغربية للسكر» (كوزيما Cosuma) وفي مقاولة الصباغة كوييرون Cueilleron. واندلعت الإضرابات في خريبكَة يوم 12 حزيران/يونيو في لوي جانتي يوم 13. فتدخلت السلطات بسرعة: إذ في مساء 13 حزيران/يونيو حُسم النزاع بمركزي الفوسفاط وبمعمل السكر. ومع ذلك امتد الإضراب في الدار البيضاء واستمر إلى حدود6 تموز/يوليو. وفي باقي البلاد، عم الإضراب فقط مدينتي فاس، فيما بين 16 و23 تموز/يوليو، والرباط، حيث أضرب عن العمل حوالي عشرة عمال يوم 18 حزيران/يونيو.
 
-شركة السكر ومركزا الفوسفاط (11-13 حزيران/يونيو 1936)
 
كانت «الشركة المغربية للسكر»  تشكل، بفضل عمالها ومستخدميها الـ 750، معملا نموذجيا للصناعة الاستعمارية الفتية. وكان سبب النزاع هو قرار الشغيلة بتشكيل نقابة تحت غطاء جمعية مهنية، وهي الشكل التنظيمي العمالي الوحيد الذي تتحمله نوعا ما القامة العامة، ومعارضة ذلك من طرف الإدارة التي كانت تخشى أن يُقبل المغاربة ضمن هذه الجمعية، وطردها لعاملين اعتبرتهما محركين لهذا العمل. وتشكل يوم 9 حزيران/يونيو، المكتب المؤقت لجمعية المهنية، وتقدم يوم 10 بملف مطلبي، رفضت الإدارة مناقشته، واعترضت على حق تمثيل المندوبين لشغيلة المعمل. وفي ليلة 10 حزيران في بورصة الشغل وبحضور الكاتب العام للاتحاد الجهوي، خوض إضراب عن العمل مع احتلال المعمل. وأصبح هذا الإضراب نافذ المفعول يوم الخميس 11 حزيران/يونيو على الساعة السادسة صباحا عند تغيير فرق الليل، إذ بقي الست مائة عامل مغربي وأوربي جميعهم بالمصنع. ومع علمها بأن سلطات المنطقة قررت إفراغ المصنع، طالبت لجنة الإضراب من العمال المغاربة أن يغادروا المعمل، وأشعرت السلطات بأنها لن تضمن سلامة الآلات في حال تدخل عسكري أو بوليسي.
      
ويوم السبت 13 حزيران/يونيو، قدم المقيم العام إلى الدار البيضاء للتحكيم في الخلاف، ولم يقبل بوجود الكاتب العام للاتحاد الجهوي ضمن الوفد العمالي، فطالب هاتفيا من مكتب الرئيس بلوم Blum  أن يُرخص له بطرده، فرُفِض طلبه. وأدى التحكيم إلى  توقيع اتفاقية بين الطرفين: إدارة شركة السكر Cosuma والجمعية المهنية، و«بمصادقة المقيم العام على صحتها وتنفيذها» (2) وتكتسي هذه الاتفاقية أهمية خاصة: إذ مقابل «احترام الجمعية المهنية للمِلكية» (المادة 1)، اعترفت شركة السكر «بحق الإضراب وبممثلي العمال (المادة 2)، وقبلت أداء الأجور عن أيام الإضراب وزيادة عامة في الأجور وفي نسبة الساعات الإضافية وفي التعويضات العائلية «بالنسبة للمستخدمين الأوربيين وحدهم» (المادة 11)»، كما قبلت الحق في عطلة خمسة عشر يوما مؤدى عنها بعد سنة من الحضور (المادة 7). أما المواد من 8 إلى 13 المتعلقة بالأجور فتستحق دراسة متأنية. فهناك تمييز بين أجور الأوربيين، وتتطرق لها المواد من 8 إلى 12، وأجور العمال الأهليين (المادة 13). وحُدد الأجر الأدنى للعامل الأوربي غير المتخصص في خمسة فرنكات للساعة، وبالنسبة للعامل المتخصص في ستة فرنكات، أي أجر يومي يتراوح بين 40 و48 فرنكاً. وفيما يخص العمال الأهليين، حُدد الأجر اليومي الأساس في تسعة فرنكات، ويرتفع بالنسبة للمؤهلين إلى 20 فرنكاً: فالزيادة بلغت 35% إذن، مقابل 20% بالنسبة للأوربيين.
 
إن ما دفع بدون شك المقيم العام إلى التدخل في هذه القضية هي رغبته في وضع الحد وبسرعة لإضراب مُقلق –لأنه كان يجر المغاربة مع الأوربيين- ولإضراب سهل الانتقال، لأن عمال خريبكَة توقفوا عن العمل يوم الجمعة 12 حزيران/يونيو، إذ بعد رفض ملفهم المطلبي المُقدَّم إلى الإدارة، بدأوا حركتهم على الساعة التاسعة والنصف مساء بـ«احتلال المحطة الكهربائية، التي تعد نقطة إستراتيجية تتحكم في المركز بأكمله، ثم المرأب، والورشات والمستودع.» (3). وفي اليوم التالي، بعدما حاصرتهم قوات الشرطة ووحدات اللفيف الأجنبي، غادروا مقر عملهم بنصيحة من ممثلي اتحاد النقابات الذين أتوا إلى عين المكان في الصباح. وفي ظهيرة يوم السبت، التحق عمال لوي جانتي بالحركة الاضرابية، التي وُضع لها حد على إثر تطمينات الإقامة العامة بقبولها مناقشة الملف المطلبي الذي تضمن كنقط أساسية: الاعتراف بالجمعية المهنية وإقرار نظام أساسي للمستخدمين وقانون الثماني ساعات عمل. ولقد خاض إضرابات الفوسفاط القصيرة هذه 12-13 حزيران/يونيو المستخدمون الأوربيون والمغاربة في لوي جانتي بالإجماع (4)، ومجمل الشغيلة المغاربة وجزء من الأوربيين في خريبكَة، أي في المجموع، حوالي 4000 شغيل.
 
-الحركة الاضرابية بالدار البيضاء.
 
لقد توقفت إذن مساء يوم السبت 13 حزيران/يونيو، الإضرابات في أهم مقاولات الحماية. غير أن مثال شركة السكر ومركزي الفوسفاط سَيُقتدى به، فالحركة الاضرابية، التي بدأت في القطاع الخاص، يوم 11 حزيران/يونيو، انتشرت يومي 12 و13 وتعممت يومي الاثنين 15 والثلاثاء حزيران/يونيو في مقاولات الصباغة، والبناءات المعدنية وأوراش البناء (وعددها 70)، والتأثيث، والتعدين الصغير، وأوراش الإصلاح التابعة لشركات النقل. «لقد شن الجميع الإضراب، ولم تحدد الملفات المطلبية إلاّ فيما بعد. وتضمنت المطالبة بتطبيق قانون الثماني ساعات ورفع الأجور وتحديد أجر أدني، والاعتراف بالحق النقابي...، وكذا المطالبة بمختلف الامتيازات الخاصة بكل مهنة (إلغاء العمل بالقطع، والتعويض عن القفة في قطاع البناء...»(5).
 
وتم بشكل مباشر تكسير إضراب مصالح النظافة بالدار البيضاء حيث كان يشتغل المغاربة وحدهم. واتخذت «إجراءات خاصة» .(6) إذ طرد رئيس المصالح البلدية 240 كنَّاسا وقدم 17 رئيس فرقة إلى محكمة الباشا التي أصدرت في حقهم أحكاما بالسجن تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر (7).
 
وبلغت الحركة ذروتها يومي 18 و19 حزيران/يونيو، إذ وصل عدد المضربين في الدار البيضاء إلى 2000: 2118 من بينهم 672 أوربيا و1446 مغربيا، حسب «جُذاذة التموين» للجنة الإضراب للاتحاد الجهوي؛ و1853 حسب معلومات نشرة «افريقيا الفرنسية» L Afrique française (8). ويضاف إلى هؤلاء، مستخدمو الحافلات، وسائقو الطاكسيات، والعمال اليدويون المكلفون بإفراغ عربات القطار بفاس وحوالي عشرة عمال بالشركة العامة لسيارات الرباط  La Générale Automobile de Rabat.
 
وقد احتُلت الأوراش والمصانع والمكاتب والمعامل من طرف المضربين. ونظم التضامن من طرف العائلات وتجار الحي، إلاّ أن الاتحاد الجهوي هو الذي لعب الدور الحاسم في ذلك، بمساعدة «الإسعاف الأحمر» Secours Rouge، إذ جمعا التبرعات المالية والغذائية وزودا بها المقاولات، ثم جددا هذه العملية مرة أخرى. وتم كل هذا في هدوء تام دون أن يقع أي حادث، بالرغم من قرار السلطات القاضي بإرغام المغاربة على مغادرة أماكن الشغل.
 
-ظهائر 18 حزيران/يونيو 1936.
 
على ثار هذا الضغط، أخرجت الإقامة من زاوية النسيان المشاريع التي نوقشتا منذ مدة طويلة، وجمعت بسرعة «اللجنة الدائمة للدفاع الاقتصادي» يوم 16 حزيران/يونيو، ثم أصدرت في «الجريدة الرسمية للمغرب» بتاريخ 19 حزيران/يونيو 1936، ثلاثة ظهائر مؤرخة بـ 18 حزيران/يونيو، تتناول مدة يوم الشغل، والأجر الأدنى، وأسلوب أداء الأجور، وكذا الغرامات والمقتصديات.
 
هكذا، حُدد في المغرب، بالنسبة لأي عامل مهما كان جنسه وسنه، مبدأ ثماني ساعات عمل في اليوم، كما حدده قانون 23 نيسان/أبريل 1919 في فرنسا. وكان على المراسيم الوزارية المتخذة بعد استشارة اللجن الثلاثية (الإدارة، أرباب العمل، المأجورون) أن تحدد بالنسبة لكل مهنة طرق وآجال تطبيقها؛ مع الإشارة إلى أن انخفاض ساعات الشغل لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يؤدي إلى تقليص للأجور، «لا يمكن للأجر الأدنى للعمال والمستخدمين من الجنسين، أن ينخفض عن أربعة فرنكات في اليوم الواحد للعمل». وقد قُنن أداء الأجور وفقا لمقتضيات قانون الشغل الفرنسي، فأصبح من الواجب أداؤه بالعملة النقدية الشرعية، وخارج أيام العطلة الشرعية، ومرتين في الشهر على الأقل. كما أصبح المشغلون ملزمين بإعطاء بطاقة للشغل للعمال والمستخدمين عند تشغيلهم. ومنعت الغرامات، ماعدا في حالة مخالفة الانضباط وقواعد الأمن؛ ولا يمكن أن تتعدى نسبتها القصوى ربع الأجر اليومي. ولا يمكن لمقاولة أن تتوفر على مقتصدية يتمون منها المأجورون إلا بإذن من الإدارة.
 
غير أن هذه الإجراءات التي تستجيب لآمال المنظمات العمالية المقدمة منذ سنين طويلة، لم تلب أي مطلب مباشر للمضربين إذ أن ظهير الثماني ساعات، لم يكن في الواقع سوى إعلان عن النوايا، ومن جهة أخرى، لم يكن الأجر الأدنى المحدد في أربعة فرنكات يخص سوى العمال المغاربة الحفارين، إذ كان باقي العمال يتقاضون أجورا أعلى من ذلك.
 
-نهاية الإضراب.
 
لم تهدأ إذن حركة الإضراب. وتطلب الأمر مفاوضات طويلة وعسيرة –كانت الزيادة في الأجور حجر عثرة أمامها –للوصول إلى اتفاقيات خاصة بين أرباب العمل والعمال. ففي فاس، عاد مستخدمو الحافلات إلى عملهم يوم 23 حزيران/يونيو. وفي الدار البيضاء، تم ابتداء من 25 حزيران/يونيو، توقيع عدة عقود في قطاعي التعدين والسيارات: أوطوهول، فرانس-أوطو ، الشركة العامة لسيارات المغرب (GAM)؛ كما وقعت بعض ورشات البناء وفي مصنع للرخام. إلا أن النزاع استمر في الورشات الكبرى للبناء الميكانيكي وفي أهم ورشات البناء وفي مصنع للشوكولاتة المحتل من طرف النساء؛ وفي مقاولتين للصباغة، أي في الشركات التي كانت أول من خاض الإضراب.
 
وبعد مقابلات محمومة، حصل اتفاق في قطاع البناء يوم الخميس 2 تموز/يوليو بين الغرفة النقابية لمقاولين الفرنسيين بالمغرب ومندوبي الأوراش. ويوم السبت 4 تموز/يوليو، وُقعت اتفاقية بين أرباب العمل وعمال التعدين بحضور المقيم العام؛ ويوم الاثنين 6 تموز/يوليو كان استئناف العمل عاما في الدار البيضاء. لا نعرف مضمون الاتفاقية المبرمة في قطاع التعدين، غير أن أهم البنود كانت تتعلق ربما بالاعتراف بمندوبي العمال وبتطبيق «قانون الثماني ساعات» وبالزيادة في الأجور. وعلى عكس ذلك، حظيت اتفاقية قطاع البناء بانتشار واسع ويعد الاطلاع عليها جد مفيد؛ إذ اعترف أرباب العمل بالشخصية العمالية واعربوا عن استعدادهم للاتصال بها: «يلتزم المقاول الموقع أسفله، حسب المادة الأولى، بالاعتراف في المجال التعاضدي بتعاون عماله للمساهمة في تحقيق الانضباط، وحفظ الصحة وتطبيق القوانين التنظيمية في الورشات»، تخفيض مدة يوم العمل إلى ثماني ساعات ابتداء من فاتح تشرين الثاني/نوفمبر (المادة 2)؛ إلغاء العمل بالقطعة (المادة 3) والساعات الإضافية ماعدا في الظروف الاستثنائية (المادة 4). وتمت زيادة في الأجور، وأدخلت مقتضيات ظهائر 18 حزيران/يونيو ضمن الاتفاقية: فالتزم المقاول «بتطبيق زيادة 10% على جميع الأجور، علما بأنه لا يمكن لأي أجر أن ينخفض عن 30 فرنكا بالنسبة للعمال الأوربيين، وعن 10 فرنكات بالنسبة للأهالي، وعن 4 فرنكات بالنسبة للعمال اليدويين الأهليين. وتم التذكير بأن «الأجور اليومية سوف لن تتعرض لأي تخفيض» (المادة 5)، عند تطبيق أسبوع 48 ساعة عمل. والتزم المقاول أخيرا «بتأدية الأجور في الأوراش خلال ساعات الشغل العادية» (المادة 6)، و«بعدم اتخاذه أية عضوية في حق العمال الذين اضربوا عن العمل» (المادة 7).
 
-شغيلة مغاربة في النضال.
 
هكذا، شجعت التغيرات في ميزان القوى الاجتماعي والسياسي بفرنسا، العمل النضالي العمالي بالمغرب، وسمحت بالحصول على ضمانات أولية –قانون الثماني ساعات، بطاقة الشغل، طرق أداء الأجور التي كانت بصورة عامة مطبقة على الأوربيين، وغالبا ما يُتلافى تطبيقها في حق المغاربة. ورفعت الأجور على ما يبدو بـ 10 إلى 30% - بدون أن تكون هذه الزيادة عامة. ولم تطرح قضية الحق النقابي. إذ وفقا لأطروحة الإقامة العامة، لم يتم الاعتراف إلا بالجمعيات المهنية أو بممثلي العمال بالمقاولات. وإذا كان ممثلو الاتحاد الجهوي التابعون للكونفديرالية العامة للشغل من بين الموقعين على بعض الاتفاقيات الخاصة، فإنهم أُبعدوا قطعا عن الاتفاقيات الإجمالية (شركة السكر، قطاع البناء، التعدين) من طرف غرف أرباب الأعمال والمراقب المدني رئيس منطقة الدار البيضاء والمقيم العام، الذين كانوا يتصرفون بشكل منسجم. ومع ذلك ظلت قضية الحق النقابي مطروحة بإلحاح وسيكون على باريس والرباط أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار.
 
وقد كانت مساهمة العمال المغاربة في الإضرابات حدثا مدهشا. إذ غالبا ما انخرطوا في هذه الحركة إلى جانب رفقائهم... الأوربيين. لكنهم تحركوا لوحدهم في بعض أوراش البناء، وفي مصلحة النظافة لمدينة الدار البيضاء وفي أرصفة التفريغ بمحطة فاس، ولقي تحركهم هذا تأويلات مختلفة. فكتبت الفيدرالية الاشتراكية للمغرب (23 حزيران/يونيو 1936) في مقال بعنوان « دروس النضال الاضرابي» ما يلي: «بينت الجماهير المغربية باندفاعها القوي في النضال، أن البروليتاريا والصراع الطبقي موجودان في المغرب كما في باقي الدول». وثلاثة أيام فيما قبل، اغتاظت الأسبوعية «البيضاوي الصغير» Le Petit Casablancais: «ألم تُعطوا لهؤلاء الأهالي، الذين علمتموهم التمرد، سلاحا خطيرا؟ هل بإمكانكم أن تقولوا، ضد من سيستعملونهم؟» وكتبت في نفس الاتجاه نشرة «افريقية الفرنسية» ما يلي: «لا يجب أن ننسى فعلا أن تواطؤ المضربين الأوربيين والأهليين اتخذ طابعا مخيفا أكثر نظرا لحداثة التهدئة ولكون عديد من الشغيلة الذين أتوا من الجنوب لم يتخلوا عن البارود إلا منذ بضعة شهور».
 
لكن، هل كان هؤلاء الشغيلة الذين تحركوا مجرد قرويين بدون أية تجربة؟ ألم يكن في الدار البيضاء وخريبكَة ولوي جانتي وكذا في أوراش قصبة تادلة، عمال عادوا من فرنسا منذ 1931؟ حقا، لقد تم استيعاب العديد منهم من جديد من طرف قبائلهم الأصلية، مع محافظتهم على روح المجادلة والاحتجاج، الأمر الذي لم يفت السلطات المحلية أن تلاحظه (10). وبحث بدون شك، آخرون عن شغل في الأوراش والمقاولات ووجدوا ولاسيما العمال «السوسيين» الذين كان المكتب الشريف للفوسفاط يفضل تشغيلهم في الآبار المنجمية، والذين عاد بعضهم من مناجم لالوار La Loire ومناجم الشمال (الفرنسي) ومعهم عادات التنظيم النقابي والنضال.
 
ومهما يكن من أمر، فقد عاش المغرب الجديد، خلال 25 يوما أول أزمته الاجتماعية الكبرى. وكانت أزمة قصيرة ومخيفة بالنسبة للسلطات العمومية ولكبار المستوطنين؛ فيما كانت على عكس ذلك أزمة مفيدة، نظرا لأهمية النتائج المحصلة، وكانت بخاصة أزمة غنية بالدروس بالنسبة للشغيلة ولتنظيماتهم المهنية.
 
 
 
إحالات الباب الثاني
 
 
 
*راجع: جان دريش (Jean Dresch)، «المنحنيات التي تبرز ظهور الأزمة المغربية وقفزاتها الفجائية»ـ «النشرة الاقتصادية للمغرب»، عدد كانون الثاني/يناير 1936، ص ص 3 وما يليها –يرسم جان دريش في هذا المقال المهم منحنياته انطلاقا من الإحصاءات الرسمية بعد أن انتقدها؛ وكتاب كَي إيفان (Guy Evin): «الصناعة بالمغرب ومشاكلها»، باريس 1933، 181 ص –الذي يحلل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يطرحها تطور القطاعات الاقتصادية العصرية بعد إقامة الحماية (ترجع آخر الإحصاءات المستعملة إلى سنة 1932)؛  وروني هوفير (René Hoffherr) وروجي موريس (Roger Morris): «المداخيل ومستويات عيش الأهالي بالمغرب» وهو كتاب سبق ذكره، ويحتوي على أربع خرائط، كرسوم إضافية أنجزها جان دريش اعتمادا على أرقام سنة 1933، إحداها تخص هجرة الشغيلة؛ وروني هوفير: «أساليب قياس مستويات عيش الأهالي بالمغرب»، مقال صدر في «المجلة الافريقية»، عدد النصف الأول من سنة 1935 –وهو عبارة عن عرض سبق للكاتب أن قدمه في المؤتمر الأول للشركات الفرنسية لافريقيا الشمالية، حول الأساليب المستعملة والنتائج التي حصل عليها هو وباحثون آخرون، هنري مازواي (Henri Mazoyer)، وجان سيليريي (Jean Célerier) وجان مِيكَو (Jean Migaux) وألبير عياش: «إضرابات حزيران/يونيو 1936 بالمغرب»، «الحوليات: إقتصاديات، مجتمعيات، حضارات»، عدد تموز/يوليو-أيلول/سبتمبر 1957- وهي دراسة شاملة عن الأزمة الاقتصادية ومنعكساتها السياسية والاجتماعية.
 
إحالات الفصل الرابع
تغيرات الأسعار المتوسطة، بالدار البيضاء بين 1930 و1935، للقمح الصلب والشعير والذرة –وهي حبوب مغربية بشكل خاص- والقمح الطري الذي يزرعه الأوربيون على الخصوص حسب المنحنيات التي رسمها «الدليل السنوي الإحصائي العام للمغرب» لسنة 1936، ص 44:
 
سعر القنطار بالفرنكات الثابتة
 
القمح الصلب
133.2
128.2
82.2
82
70
60
الشعير
60
46.7
42.3
33
30
23.3
الذرة
64
58
58
55
50
40
القمح الطري
120.6
148.2
116.6
60
63
70
 
2) جاك بيرك: «المغرب العربي بين حربين»، باريس، الطبعة الأولى 1962، ص 439، راجع التحليل الدقيق، المعاش، للتقلبات التي مست سكان فاس، البورجوازيين والحرفيين (11000 شغيل)، وطلبة القرويين (700-800)، والغضب الذي ولّدته، انظر ص ص .176، 180 وما يليها.
 
3)حسب «المغرب، الموسوعة البرية والاستعمارية»، باريس، 1940، ص 216؛ لا توجد هذه الإشارة في طبعة 1947.
 
4)أخذت هذه الأرقام من كتاب ر.مارشال، السابق الذكر، ص ص. 242 وما يليها و262 وما يليها. ويبلغ المبلغ الإجمالي الاسمي للقروض المباشرة للدولة الشريفة ولقروض الشركات ذات الامتياز، خلال المرحلة 1931-1935، 2432.5 مليون، وهو ما يعادل 117.5 مليار بفرنكات سنة 1955 الثابتة.
 
5) فيما يخص نتائج إحصاء 1936 والمقارنة مع نتائج إحصاء 1931، انظر «دليل المغرب» لسنة 1936، وخاصة مقال جان لومور (Jean Lemeur)، «نظرة حول النتائج الإحصائية لآخر إحصاء»، «النشرة الاقتصادية للمغرب» عدد 24، 1939، ص ص .111 وما يليها.
 
6)شهادة أميدي أوريوس (Amédée Urios)، الذي كان المنظم وكاتب لجنة عاطلي وجدة. وُلد بوهران سنة 1909 ودخل إلى المغرب سنة 1917. وكإجابة على أسئلتي، حرر سيرة ذاتية أعطاها عنوان «في الطريق»، أكتوبر 1976.
 
7)كان تعداد الموظفين يبلغ حوالي 8400 والمساعدين 3600.
 
8)ألبير عياش: «المغرب والاستعمار» ص ص. 120 وما يليها، فصل «الرسائل المالية».
 
9)تشير هيئة تحرير «النشرة الاقتصادية للمغرب»، عدد تشرين الأول/أكتوبر 1935، ص ص .265-266، إلى أن تقليص التعويض والرواتب والأطر بواسطة المركزة الإدارية، سمح بتقليص مصاريف ميزانية المستخدمين بنسبة 24%.
 
10)راجع «الدليلين الإحصائيين» لسنتي 1931 و1936، السابقي الذكر، ودراسات د.نوان D.Noin: «سكان المغرب القرويون»، المنشورات الجامعية الفرنسية 1971، جزءان.
 
11)«الدليل الإحصائي» لسنة 1937، ص 64 وروني مازويي René Mazoyer: «النتائج الاقتصادية لتحركات السكان الأهليين بالمغرب»، «النشرة الاقتصادية للمغرب»، تموز/يوليو 1935 كان في صالح الاستعمار أن يضخم من أهميته ومن دوره في حياة الأهالي الاقتصادية والاجتماعية.
 
12)أي ما يعادل أقل من 850 فرنكما لكل شخص سنويا.
 
13)جان ميكَو Jean Migou: «المغرب أمام الأزمة»، «النشرة الاقتصادية للمغرب»، الفصل الأول لسنة 1935، ص 91. عمل ميكَو على تحديد مداخيل المجموعتين البشريتين المتواجدتين بالمغرب وسيل مبادلاتهما. ويخلص إلى أن التبادل بينهما بلغ من الجانبين حوالي مليار من الفرنكات ضمن هذا المليار الذي أداه الأوربيون، تمثل الأجور 310 مليون. فيما تمثل الضرائب 390 مليون من المليار الذي أداه المغاربة، أي 40% من المبالغ النقدية المتوفرة لديهم وأكثر من مبلغ الأجور التي حصلوا عليها.
 
14)أعطي اسم بور ليوطي Port-Lyautey  للقنيطرة سنة، 1932.
 
15)حول نشأة وتطور «الكاريير سنطرال» و«بنمسيك»، وظهور كلمة «مدينة الصفيح» أندري أدامAndré Adam  : «الدار البيضاء، بحث في تحول المجتمع المغربي عند احتكاكه بالغرب»، منشورات «المركز الوطني للبحث العلمي»CNRS  1969، جزءان.
 
16)«النشرة الاقتصادية للمغرب» تموز/يوليو 1936، ص ص 117 وما يليها، أجرى البحث الميداني في أواخر كانون الأول/ديسمبر 1935. راجع أيضا إحصاءات مدن الصفيح بالدار البيضاء، «المغربي الصغير» Le Petit Marocain، عدد 2 تموز/يوليو 1936.
 
إحالات الفصل 5
 
1)انظر جاك بيرك، المصدر السابق، ص ص 267-268.
 
2)فيما يخص المظهر العام والمزاج والتجربة المهنية لأهم أعضاء الغرفة التجارية لمدينة الدار البيضاء واللجنة المركزية لرجال الصناعة (CCI)، راجع ر.كَاليسو، المصدر السابق ص.ص 46 وما يليها.
 
3)كانت معاهدة الجزيرة الخضراء التي فرضتها القوى العظمى على المغرب سنة 1906، تسمح بدخول كل البضائع للبلاد مقابل تأدية رسم موحد للدخول محدد بقيمتها. كانت إحدى أهداف الجنة إذن، العمل على تنمية ما تسميه بـ«نظام المساهمات المتبادلة والتداخل المتزايد للمصالح الفرنسية-المغربية»، والاحتفاظ بالسوق المحلي لإنتاجها ولإنتاج رجال الصناعة الفرنسيين.
 
4)فيما يتعلق باللجنة المركزية لرجال الصناعة، تشكلها وأهدافها، وأعضاؤها الأوائل، راجع الوثيقة رقم 1 للجنة المركزية لرجال الصناعة (موجودة بالمكتبة الوطنية بباريس، حيث توجد أيضا الوثائق رقم 3، 4، 5، 6، ما عدا الوثيقة رقم 2).
 
5)ر.هوفير (R.Hofferr): الاقتصاد المغربي، ص. 53.
 
6)انظر في كتاب ر.كاليسو، السابق الذكر ص ص 88-93 أجوبة الغرف التجارية على التحقيقات التي قامت بها مصلحة الشغل في 32-1933 (تموز/يوليو-شباط/فبراير)، ثم في (34-1935)، حول تحديد يوم العمل. وكان جواب الغرفة التجارية لمدينة الدار البيضاء في تشرين الثاني/نوفمبر 1932 بحق نصا بارع الأسلوب، إذ كتب السيد باي (Baille) ما يلي : «بدون تبجح، وليس من باب المبالغة أن نزعم بأن العمل الكامن بالمغرب يفوق ما هو موجود في الميتروبول وفي أي مستعمرة أو حماية فرنسية، لذا، فإن تقليصه بصورة إرادية سيؤدي إلى ضياع فائدة الدفعة التي أعطيت لهذا البلد وإرجاعه إلى مستوى الدول الأخرى،» الرفض قطعي إذن وسيظل كذلك في المستقبل. إلا أن الغرفة النقابية للبناء، التي كان رفضها أيضا قطعا، لطفت من موقفها سنة 1935 تحت تأثير الأزمة. إذ قبلت بيوم للعمل بتسع ساعات شريطة أن تنمي الدولة من حجم أشغالها. وبرفض مماثل قوبلت جميع مشاريع تحديد الأجور وتقنينها؛ راجع. ر.كَاليسو، المصدر السابق، ص ص 80-84.
 
7)مقال «التنظيمات الفاشية للرأسمال الفرنسي الكبير» صدر في عدد 2 كانون الثاني/يناير 1935 من «المغرب الاشتراكي».
 
8)كانت المحافل الماسونية للمغرب مرتبطة بـ«الشرق الكبير» وبـ«محفل فرنسا الكبير».
 
9)إن أسباب الانشقاق مركبة. وأصبح هذا الانشقاق نهائيا بعد قرار الطرد «بسبب عدم الانضباط» الذي اتخذه المجلس الوطني للفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO) في حق أدريان ماركي (Adrien Marquet) ومارسيل ديت (Marcel Deat)، وبيير رنوديل (Pierre renaudel)، في 4 و5 تشرين الثاني/نوفمبر 1930. وقد وافقت أغلبية اشتراكيي المغرب على قرار الطرد في الأسبوعين المواليين. فيما انسحبت الأقلية وكان من بينها مدير الجريدة، جان لونابيك (Jean Le Nabec)، الذي احتفظ بـ«الاشتراكي المغربي».
 
10)ولد بول شينيو (Paul Chaignaud) في حزيران/يونيو 1887 بمدينة ديجون (Dijon) في وسط عائلي متواضع يشتغل بنحت الرخام وذي قناعة ثورية راسخة، وانضم إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي سنة 1904، وساهم في الإضرابات والمظاهرات العمالية لسنة 1906 بباريس، وشارك في حرب 14-1918، في جميع جبهات القتال بفرنسا والشرق. وفي 1921، كان في المغرب، حيث سيصبح رئيس قسم شحن الفوسفاط بميناء الدار البيضاء، لحساب المكتب الشريف للفوسفاط، ثم سيغادر هذا العمل سنة 1929 ليتخصص في الصحافة السياسية.
 
11)تعرف ميشال مازيلا على ليون سلطان في الشبيبات الاشتراكية بالدار البيضاء سنة 1934.
 
12)جذب جان دريش زميله ريجيس بلاشير (Régis Blachère) ولوسيان باي (Lucien Paye) إلى الحزب الاشتراكي.
 
13)منجمي، نقابي، ولد كولونا ميشال (Colonna Michel) يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر 1901 بكاستيرلا (Castrila) (كورسيكا) في وسط عائلي من الفلاحين الصغار، بعد دخوله إلى المكتب الشريف للفوسفاط في شباط/فبراير 1928، اشتغل في مركز اليوسفية، ثم في مركز خريبكَة. كان يتكلم العربية وكان له تأثير كبير على زملائه في العمل.
 
14)قرر التروتسكيون الانخراط في الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO) في 27 آب/أغسطس 1934، حيث شكلوا المجموعة «البلشفية-اللينينية»؛ وكان اسم جريدتهم هو «الحقيقة» (La vérité) التي تقدم نفسها كـ«لسان حال المجموعة البلشفية-اللينينية لـ(SFIO)(الرابطة الشيوعية، سابقا)».
 
15)كان الحزب الاشتراكي يضم، في المؤتمر الفيديرالي المنعقد في 20/1/1935 477 منخرطا أدوا اشتراكهم، «المغرب الاشتراكي»، ع 40، 23 شباط/فبراير 1935.
 
16)فيما يتعلق بتكون الحركة الوطنية المغربية وبالظهير البربري وانعكاساته، راجع: ش.أ.جوليان: «المغرب في مواجهة الامبرياليات: 1915-1956»، مطبوعات «جون أفريك»، 1978، ص 153-162؛ وش.ر.اجيرون (Ch.R.Ageron) «السياسة البربرية للحماية المغربية: 1913-1934»، «مجلة التاريخ الحديث والمعاصر» عدد كانون الثاني/يناير-شباط/فبراير 1971، ص ص 51 وما يليها؛ وجولييت بيسيس (Juliette Bessis) «شكيب أرسلان والحركات الوطنية بالمغرب العربي»، المجلة التاريخية، (CLIX/2)، 1978، ص ص 479-489؛ ألبير عياش: «المغرب والاستعمار» ص ص 388 وما يليها؛ وجورج أوفيد (Georges Oved): «اليسار الفرنسي والمغاربة الشباب، 1930-1935»، «دفاتر الحركة الاجتماعية»، عدد 3، 1978، ص ص 91 وما يليها.
 
17)قرر ظهير 16 أيار/مايو 1930 بأن القبائل المصنفة بأنها بربرية، كما لو أنها ليست لا مسلمة ولا مغربية، ستصبح خارج حكم السلطان فيما يخص القضايا الجنائية، وستخضع للقضاء الفرنسي. ونظرا لقوة الاحتجاجات التي ولدها صدور هذا الظهير، ألغي بظهير 8 نيسان/أبريل 1934؛ وكان بونسو (Ponsot ) إذ ذاك مقيما عاما..
 
18)إن العشرة الموقعين على «برنامج الإصلاحات» هم : عمر بن عبد الجليل، مهندس زراعي بفاس، محمد الديوري، رجل صناعة بالقنيطرة، محمد اليازيدي، ترجمان سابق بالرباط، محمد بن الحسن الوزاني من فاس، عبد العزيز بن إدريس وعلال الفاسي من القرويين بفاس، أحمد الشرقاوي من الرباط، محمد الغازي، صاحب مكتبة بسلا، المكي الناصري، طالب بالقاهرة، وهو من الرباط، وأبو بكر القادري. لقد تلقى الأربعة الأوائل تعليمهم بالفرنسية، أما الباقون فكانت لهم ثقافة عربية.
 
19)صدر برنامج الإصلاحات وتمهيده مصحوبا بتعليق يحمل توقيع ب.سي. (P.Cey)، (شينيو Chaignaud) في العدد 9 من «المغرب الاشتراكي» الصادر بتاريخ 16 و23 تشرين الأول/أكتوبر 1935.
 
20)راجع ش.أندري جوليان، المصدر السابق، ص. 134.
 
21)مقال متانزاناريس (Manzanares): «القضية الوطنية والاشتراكية» «المغرب الاشتراكي» العددان 5 و12 تشرين الأول/أكتوبر 1935.
 
22)رفضت الدار البيضاء وفاس الحضور فيه، تعبيرا عن احتجاجاهما. انظر التقرير عن المؤتمر في «المغرب الاشتراكي»، عدد 40، بتاريخ 24 شباط/فبراير 1935.
 
23)«مؤتمرنا الفيديرالي بخريبكَة» «المغرب الاشتراكي»، عدد 53 بتاريخ فاتح حزيران/يونيو 1935.
 
24)«المجلس الفيديرالي المجتمع في 10 تشرين الثاني/نوفمبر»، «المغرب الاشتراكي»، عدد 71، بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر 1937.
 
25)تم التصويت في المؤتمر الفيديرالي المنعقد يوم 30 أيار/مايو، على ملتمسين: ملتمس «المعركة الاشتراكية»، وكان يضم، كما هو الحال في فرنسا الزيرومسكيين والبنيترتيين وقد حظي هذا الملتمس الثاني البلشفي-اللينيني بـ 117 صوتا، فيما حصل الملتمس الثاني البلشفي-اللينيني على 175 صوتا، ولم تفت المجموعة الباريسية فرصة هذا الانتصار دون الاستفادة منه.
 
اجتمع المجلس الفيدرالي بتاريخ 10 تشرين الثامن/نوفمبر، بطلب من المجلس الوطني، كما هو الشأن بالنسبة لباقي فيديراليات فرنسا، للبث في موقف المجموعة البلشفية-اللينينية في الحزب، ولاسيما الانتقادات الموجهة للقادة من طرف ليون تروتسكي والتي صدرت في «الحقيقية». في أثناء ذلك في تشرين الأول/أكتوبر 1935، أسس البيفيريون، بعد أن انفصلوا عن الزيرومسكيين، جريدة «اليسار الثوري»، وبذلك أصبحت ثلاثة ملتمسات في المجلس الفيديرالي، الأول كان يطالب بطرد البلاشفة-اللينينيين، وحصل على 16 صوتا، والثاني الصادر عن اليسار الثوري طالب باحترام الانضباط داخل الحزب، إلا أنه رفض الطرد وحصل على 204 أصوات، فيما حصل ملتمس البلاشفة-اللينينيين على 73 صوتا، كانت فيدرالية المغرب إذن ضد الطرد.
 
لكن،  في فرنسا صوتت أغلبية الفيديراليات، لصالح الطرد. فقرر المجلس الوطني المنعقد في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1935، رغم احتجاجات مارسيل بيفير (Marcel Pivert)، طرد تلك المجموعة نظرا «لعدم انضباطها» و«لاستعمالها عبارات شائنة» في حق القادة («الحقيقة»، عدد 252، بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1935 و«الشعبي المغربي»، عدد 18 تشرين الثاني/نوفمبر). وناضل التروتسكيون من أجل اندماجهم من جديد ضمن الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO). إلا أن قطيعتهم مع البيفيريين أفقدتهم كل أمال في ذلك. لهذا، شكلوا في 7 أيار/مايو 1936، «الأممية الشيوعية»: الفرع الفرنسي للأممية (IV)»، التي اتخذت موقفا معارضا للجبهة الشعبية، كانت تضم حوالي 400 إلى 500 عضو. راجع بهذا الصدد كريسطوف ميلينان (Christophe Mélinand): «التروتسكيون والبيفيريون، 1934-1936»، رسالة ميتريز.
 
أما في المغرب، فقد بقي التروتسكيون ضمن الفيدرالية الاشتراكية. كل هذه العناصر، تعطي فكرة معينة عن تنوع التيارات الفاعلة في الاشتراكية المغربية، والتي تجعل في المقاربة الأولى، فهمها محيرا.
 
26)شهادة ادمون كوهن (Edmon Cohen) وذكريات المؤلف.
 
27)ولد مارسيل فوران (Marcel Faurant)، يوم 6 أيار/مايو 1899 في سانت (Saintes)، ووصل إلى المغرب في 1923. كان معلما، ثم مندوبا لمدرسة ابتدائية عليا بثانوية وجدة، وبعد طرده من عمله واعتقاله، وحبسه في بودنيب يوم 24 كانون الأول/ديسمبر 1940، أطلق سراحه يوم 6 أيلول/سبتمبر 1941، ثم طرد من المغرب. اختبأ في منطقة كَارون العليا (Haute-Garonne)، حيث التحق بالمقاومة، وتوفي في تولوز في الستينيات.
 
28)«المغرب الاشتراكي»، عدد 15 حزيران/يونيو 1936.
 
29)«السلوك البوليسي: دائما المكائد المناهضة لفرنسا»، «المغرب الاشتراكي» عدد 33، بتاريخ 5 كانون الثاني/يناير 1935، ولد جيل جوزيف ديمون (Jules Joseph Dumont) ضمن عائلة عديدة الأولاد وفقيرة في روبي Roubaix، في فاتح كانون الثاني/يناير 1888، وشارك خلال خدمته العسكرية، في حرب المغرب حيث أصبح رقيبا، وخلال الحرب الكبرى، حارب في جبهات فرنسا والشرق. وقد تعرض للغاز السام قبيل الهدنة ثم عاد إلى المغرب بعد تسريح الجيوش، واستقر في عين تاوجطات واشتغل بتربية النحل. وتزوج هناك،/ وخلف ابنين وبنتا. وعاش في وسط المغاربة، وحرر لهم عرائض قدمت للسلطات وقد دافع عنهم. وكم كان يغضبه بؤسهم المادي والفكري والمعنوي. ومع اقتناعاته بالأفكار المناهضة للاستعمار، دخل في اتصال مع جريدة «العالم» (Monde) ، وتوصل بالأدبيات الدعائية وخلال صيف 1934، غادر عين تاوجطات وذهب إلى مكناس حيث حصل على مهمة وكيل.
 
30)أدانته المحكمة يوم 15 كانون الثاني/يناير 1935. انظر «قضية دعاية مناهضة لفرنسا»، «المغربي الصغير» (Le Petit Marocain)، عدد 16 كانون الثاني/يناير 1935.
 
31)شُطب عليه من إطار الضباط الاحتياطيين ومن إطار جوقة الشرف. وسنجده في أركان حرب نيكَوس (Negus) سنة 1935، ثم على رأس أحد الألوية الدولية بمدريد (6 تشرين الثاني/نوفمبر 1936).
 
32)عثرنا على نص بيان «الحزب الشيوعي المغربي« في نشرة «افريقيا الفرنسية»، عدد أيار/مايو 1935، ص. 292. وكانت تنقص النص بعض الجمل إلا أن السيد أوفيد (Oved) استطاع أن يكملها، ونشكره على ذلك.
 
33)نجد جوهر إشارات الشرطة هذه في كتاب «الحزب الشيوعي الفرنسي والمغرب» ج. 2 ص.ص 332 وما يليها لمؤلفه ج. كريماديلس (J.Cremadeills)، إلا أنه يجب التعامل بحذر ونقد صارم مع هذه الإشارات، التي لها أهمية كبيرة.
 
34)تؤكد مصالح الشرطة بأن تحرير الجريدة «تم عند السيد دوبوي (Dupuis) والسحب عند كانطون (Canton)» (ص. 332) وبأن التوزيع قام به مستخدمو البريد المتجولون تحت مسؤولية بانتيي (Pantier) في الدار البيضاء، وفالي (Vallet) بفاس وأوبير (Aubert) بمكناس» (ص 334)؛ وبأن العدد الأول سحبت منه 5000 نسخة. إلا أن هذه المعلومات كلها خاطئة، كما يؤكد بذلك بصورة قاطعة أحد العناصر الفعالة في القضية، وهو ش.دوبوي (Ch.Dupuy).
 
35)خلال مناقشة في باريس سنة 1977، قال لي ش.دوبوي بأن شامبيونا (Chambionnat) حمل إليه مواد العدد الأول، لكنه لم يكن يعلم من الذي حررها.
 
36)شهادة كل من ا.كوهن (E.Kohen) وموريس ريي (Maurice Rué).
 
37)شهادة ش.دوبوي.
 
38)نعرف مجموعتين: الأولى كانت تضم ليون سلطان وفوشر وجان وش.دوبوي وشينيو وزوجته؛ هذان الأخيران كانا من أنصار بيفير (Pivert) أما المجموعة الثانية فضمت هنري بوني (محامي) وموريس كوهن (تاجر) وجاك بيلون (أب الممثلة لوله بيلون Loleh Bellon ، وهو قاضي) وفرنان شاسيو (Fernard Chassiot) (معلم).
 
39)فيما يخص إضرابات حزيران/يونيو 1936 وبيروتون (Peyrouton). انظر الفصل 10.
 
40)ج.بلاتو (G.Plateau) «إلى إخواننا الشيوعيين»، «المغرب الاشتراكي» عدد 104 بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 1936.
 
إحالات الفصل 6
 
1)«نشرة معلمي المغرب»، حزيران/يونيو 1931، العدد: 34. انظر التقرير عن مؤتمر عيد القيامة Pâques بتاريخ 8 و9 نيسان/أبريل 1935. تعطي لجنة التحقيق في التفويضات، في الصفحة 5، عدد المنقبين في كل فرع: الدار البيضاء: 181؛ مكناس: 52؛ الصويرة: 10؛ الجديدة: 19؛ فاس: 74؛ آسفي: 12؛ مراكش: 41؛ الرباط: 75؛ وجدة: 64؛ خريبكَة: 22؛ القنيطرة: 19.
 
2)نجد في المؤتمر الاستثنائي المنعقد بتاريخ 14 نيسان/أبريل 1933 ما يلي:
 
الدار البيضاء: 138؛ مكناس: 72؛ فاس: 55؛ الرباط: 47؛ القنيطرة: 19؛ مراكش: 18؛ سطات: 15؛ طنجة 4؛ و7 معزولين؛ ولم تكن كل من وجدة والجديدة والصويرة ممثلة («نشرة معلمي المغرب» أيار/مايو 1933).
 
3)انظر في «نشرة معلمي المغرب» عدد أيار/مايو 1933، ص ص 10 وما يليها، الموجز التاريخي عن الحركة الاضرابية ليوم 20 شباط/فبراير التي كانت السبب في النزاع مع الفيديرالية المغربية لمجموعات الموظفين» وفي القطيعة معها. وانظر في ن.م.م. (نشرة معلمي المغرب) عدد كانون الأول/ديسمبر 1933، ص 7 وص 37، مقال أ.بومبي A.Pompei: «لم تمت النقابة العامة»، الذي يقدم عرضا لعمل نقابته الشجاع يوم 20 شباط/فبراير، ويجيب على هجوماته كَيطون Guitton في «منبر الموظفين» ويُذكر بالدور الذي لعبه المعلمون في الحركة النقابية المغربية.
 
4)فيما يخص هذه الأحداث كافة: مظاهرات الموظفين والخطابات، راجع ن.م.م.، نيسان/أبريل 1934، العدد: 45، ص ص. 3إلى 17.
 
5)ولدت كاترين كَرا Catherine Gras، زوجة فيييVieilly  سنة 1896 في سان-جوست-ماليفو Saint-Just.Malifaux، بمنطقة لوار Loire، قرب سانت-إيتيان Saint-Etienne. في المغرب، كانت معلمة فيما بين 1914-1919، ثم بعد 1926، وفيما بعد أصبحت مكلفة بالدروس في ثانوية معينة. تحمست مبكرا للعمل النقابي، الذي لم تتخل عنه إلا سنة 1950.
 
7)انظر دائما ن.م.م. نيسان/أبريل 1935.
 
8)راجع ن.م.م عدد 15 كانون الأول/ديسمبر 1935. ص ص 8 و9.
 
9)انظر ن.م.م. عدد 15 آذار/مارس 1935. ص ص 8 و9.
 
10) «جريدة موظفي المغرب»، 20 آذار/مارس 1935، العدد 90، مقال ماتيي Mattei: «يجب علينا أن نتحرك».
 
11) «جريدة موظفي المغرب»، 20 آذار/مارس و5 نيسان/أبريل 1935.
 
12) ن.م.م يونيو 1932.
 
13) تصريح تيكسيي Texier، ن.م.م، حزيران/يونيو 1931، ص 19.
 
14) «المغرب الاشتراكي»، العدد 2، 24 آذار/مارس 1934.
 
15) «المغرب الاشتراكي»، العدد 16، 14 تموز/يوليو 1934.
 
16) «المغرب الاشتراكي»، العدد 14، 23 حزيران/يونيو 1934.
 
17) «الجمعية المهنية».
 
18) روني كَاليسو René Gallissot، «المسألة العمالية بالمغرب»، «دفاتر تونس»، الفصل الثالث من سنة 1963
 
19) Le Petit Marocain (المغربي الصغير)، عدد 16 آذار/مارس 1935.
 
20) «المغرب الاشتراكي»، العدد 16، 14 تموز/يوليو 1934، ص 3. والعدد 18، 11 آب/أغسطس 1934، ص 3.
 
21)يمكننا في نفس السنة ملاحظة مجهودات الطلبة المغربة بباريس أعضاء «جمعية الطلبة المسلمين لشمال افريقيا»، الرامية إلى التسرب إلى الأوساط العمالية بمنطقة باريس بهدف تنظيمها. هكذا، أنشأ «بعض المثقفين المغاربة، من ضمنهم الخلطي، الوزاني أحمد وبوهلال أحمد» جمعية تدعى «جمعية الأعمال الخيرية لفائدة العامل المغربي» (8 أيار/مايو 1935). فوصل الخبر مباشرة إلى مصلحة الشؤون الأهلية بإدارة الشرطة. لم يكن العمال المنظمون، بهذه الطريقة، مُسيّسين ولم تكن مصالح الشرطة تعرفهم. ويبدو، حسب المعلومات المعطاة حول أعضاء المكتب، أن هؤلاء العمال مُسنّون نسبيا، إذ تتراوح أعمارهم بين 35 و40 سنة، جاءوا إلى فرنسا بين 1920 و1925، ويتوفرون على شغل وأصلهم من منطقة سوس الغربية (دائرة تزنيت). وسرعان ما توقف نشاط هذه الجمعية، التي كان البرلمان الاشتراكي جان لونكَي Jean Longuet  مستشارا لها حسب أرشيفات إدارة الشرطة بباريس، ملف رقم 400.043).
 
22)كانت النتائج المالية للمكتب الشريف للفوسفاط، حسب مديره ا. لينهارد E.Lenhardt، كما يلي بين 1922 و1935: برأسمال أصلي يبلغ 36 مليون، أضيف إليه قرض بمبلغ 59.5 مليون، تمكن المكتب بفضل أرباحه من تخصيص 345 مليون لبنياته الأولى من ظرف 13 سنة؛ وتوفير 714 مليون من الموارد الصافية للدولة؛ ثم بين 1925 و1933 (أي في ظرف تسع سنوات) تمكن من أداء 212 مليون للسكك الحديدية؛ 23 مليون للطاقة الكهربائية؛ 213 للتجارة. وأدى، إضافة إلى هذا، 125 مليون كأجور منذ نشاطه («النشرة الاقتصادية للمغرب»، العدد 10 تشرين الأول/أكتوبر 1935، ص 292)، أي حوالي 7% من المنتوج الإجمالي الموزع (لم يتم التمييز بين أجور الأوربيين وأجور المغاربة).
 
23)«في سجن لوي جانتي» (اليوسفية)، «المغرب الاشتراكي»، عدد 8 حزيران/يونيو 1934.
 
24)كان المكتب المنتخب يوم 10 أيار/مايو 1934 يتكون من لياندري Léandri، ككاتب عام، وكازالونكَا Casalonga. ككاتب مساعد، ورو Roux، كأمين للصندوق؛ وكَورياس Gorrias، كأمين مساعد؛ ودوبوا Dubois، ودوران Durand، وبيرو Beraud؛ كمساعدين.
 
25)«خطر جديد يهدد مكتب الفوسفاط بخريبكَة؛ التجمع التعاضدي «صليب النار»، «المغرب الاشتراكي»، عدد 15 حزيران/يونيو 1935.
 
26)«المغرب الاشتراكي»، عددا 22 حزيران/يونيو 1935 وتموز/يوليو 1935.
 
27)«المغرب الاشتراكي»، عدد 10 آب/أغسطس 1935.
 
28)كلمة قاضي الشغل، «مستقبل السكة»، العدد 9، نيسان/أبريل 1937.
 
29)تقرير صدر في «السككي المغربي»، العدد 3، 1933.
 
30)انظر أعلاه، الصفحة (119 الفرنسية مقابلها بالعربية):؟
 
31)تقرير عن التجمع العام المنعقد يوم 4 شباط/فبراير 1935 في «السككي المغربي»، الفصل الأول من سنة 1935.
 
32)نجد رواية الحدث في نشرة صدرت في تشرين الثاني/نوفمبر 1935 تحت عنوان «المغرب، فيديرالية سككيي المغرب، المؤتمر الفيديرالي المنعقد في 2 و3 تشرين الثاني/نوفمبر 1935.»
 
33)تساءل بعض الباحثين عن الأسباب التي أدت بالحكومة الفرنسية إلى منح الحق النقابي للشغيلة الفرنسيين والتونسيين في المحمية التونسية، رغم معارضة مصالح الإقامة ووزارة الخارجية. هذه الأسباب نجدها جزئيا في مقال لليون جوهو Léon Jouhaux، يحمل عنوان: «يجب أخيرا منح الحق النقابي لشغيلة تونس» والصادر في «الشعب»، عدد 19 آذار/مارس 1931. وهي: قدم المطلب، معاهدة فَرساي Versailles التي تلزم الحكومة الموقعة عليها بتطبيق وضمان الحريات النقابية في البلاد الخاضعة للحماية وللاستعمار وللانتداب؛ المطالبة المتجددة عدة مرات من طرف التنظيمات المتحدة فيديراليا لباريس وافريقيا الشمالية بمنح هذا الحق لتونس والمغرب. وأخيرا، كيف يمكن تبرير، أن تونس قبيل الاحتفال بالذكرى الخمسينية للحماية، في نيسان/أبريل 1931، أي بعد نصف قرن من الاستعمار، لم يصل شغيلتها إلى مستوى كاف من التطور للتمتع بالحريات النقابية؟ هذه النداءات، كانت ستظل لا ريب بدون جدوى، لولا انتصار تكتل اليسار في الانتخابات سنة 1932، ولولا حلول إدوارد هيريو Edouard Herriot، المؤيد سلفا لهذا الانفتاح سنة 1924، في منصبي رئيس المجلس الحكومي، ووزير الخارجية، هذه عناصر للإجابة، وتقتضي المسألة مزيدا من التنقيب والتعميق.
 
34)انظر أعلاه، ص:
 
35)انظر «رواية النزاع» في أعداد شباط/فبراير وآذار/مارس لسنة 1936 من «نشرة الغرفة التجارية والصناعية لمدينة الرباط».
 
36)توجد رواية للأحداث في «المغرب الاشتراكي»، عدد 4 نيسان/أبريل وفي نشرة «افريقيا الفرنسية» لشهر نيسان/أبريل 1936، ص. 244.
 
37)«نداء السيد بيرتون Peyrouton للسكان المغاربة»، جريدة «المغربي-الصغير»، عدد 17 نيسان/ابريل 1936.
 
38)ن.م.م العدد 61، 15 أيار/مايو 1936، ص. 30.
 
39) نشرة «مستقبل السكة»، العدد 1، حزيران/يونيو 1936 ص. 4 مقال «إعادة نظر نقابية».
 
40)عُقد مؤتمر إعادة توحيد الكونفديرالية العامة للشغل في تولوز بين 2، 5 آذار/مارس 1936. وعلى إثره، عُقدت مؤتمرات توحيدية في جميع الاتحادات الجهوية، ما عدا في اتحادي المغرب وتونس، اللذين لم تكن بهما نقابة وحدوية.
 
41)«المغربي-الصغير»، عدد 19 أيار/مايو 1936.
 
42)طرد من تونس، بتاريخ 1934، كل من جواكيم دورويل Joachim Durel، الكاتب العام الجهوي (الكونفيديرالية العامة للشغل) لتونس، ولوبي Loubet، الكاتب العام لنقابة التعليم. راجع، ألين نورا Aline Noura، «اشتراكيو تونس أمام الأزمة»، نشرة «الحركة الاجتماعية»، العدد 78 كانون الثاني/يناير-آذار/مارس 1972، ص ص 77 وما يليها.
 
43)راجع العناوين البارزة في «المغرب الاشتراكي» عدد أيار/مايو 1936 «لا نريد بيروتون»، وعدد 30 أيار/مايو: «لا نريد أبدا بيروتون»، إلا أن فيديرالية المغرب للحزب الراديكالي، لم تؤيد هذا المطلب، ورفضت إدانة المقيم الجديد.
 
إحالات الفصل 7
 
1)راجع «وفد عن الاتحاد يُستقبل من طرف المقيم العام»، نشرة «مستقبل السكة»، حزيران/يونيو 1936؛ وكذا أ.عياش: «إضرابات حزيران/يونيو 1936 بالمغرب»، مقال سبق أن ذكر أعلاه ص. 78 بالفرنسية.
 
2)بلاغ رسمي، جريدة «المغرب الصغير» عدد 14 حزيران/يونيو 1936.
 
3)«المغرب الاشتراكي»، عدد 23 حزيران/يونيو 1936، عدد خاص حول الحركة الاضرابية.
 
4)شهادة ميشال كولونا Michel Colonna.
 
5)جواب هيفيرنو Hivernaud كاتب الاتحاد الجهوي (ك.ع.ش.) لسنة 1936، على استمارة المؤلف.
 
6)« المغرب الصغير»، عدد 16 حزيران/يونيو.
 
7)راجع «مذكرة حول الحركة العمالية الحديثة بالمغرب» لكتلة العمل الوطني، الصادرة في «المغرب الاشتراكي»، عدد 19 أيلول/سبتمبر 1936.
 
8)صدر في نشرة «افريقيا الفرنسية»، عدد تموز/يوليو 1936، مقال بتوقيع ج.ل.ل.  تعرض لحركات الإضراب بافريقيا الشمالية، وبالمغرب بصورة خاصة.
 
9)إقرأ الرواية المفصلة لوقائع هذه الجلسة في كتاب ر.كَاليسو، المذكور سابقا، ص ص. 133-135.
 
10)ج.راي J.Ray، ص 282.
=============================
 
الباب الثالث
المد
حزيران/يونيو 1936- أيار/مايو 1938
 
أصبح العمل النقابي أشد تكثيفا، بفضل انتصار الجبهة الشعبية في فرنسا، ونجاح إضرابات شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو 1936. وطالب مناضلون وعمال، أيقظهم أمل كبير، برحيل بيروتون. ولعب استبداله بالجنيرال نوغيس دورا منشطا.
 
وبعد الاعتراف بالحق النقابي للأوربيين اغتنى التنظيم النقابي وتنوع، وتمكنت حركات مطلبية قوية من هزم مقاولة أرباب العمل. وكانت المكتسبات على مستوى التشريع الاجتماعي هامة، رغم أن الفارق في هذا المجال بين المغرب، وكل من الجزائر وتونس، ظل هاما.
 
إلا أن الشروط المادية للعمال المغاربة لم تتحسن، والحق النقابي لم يمنح لهم.
 
 
8-الشروط الاقتصادية والانسانية
 
 ان مد الحركة النقابية ، بعد تموز/يوليو 1936 هو نتيجة الظروف السياسية أكثر مما هو نتيجة للظروف الاقتصادية .
 
. تحسن الوضعية الاقتصادية للمستعمر
 
 كانت السنوات الثلاث، 37-38-1939، بطبيعة الحال ، أقل سوادا بكثير، بالنسبة للاستيطان، من السنوات السابقة. فقد كانت المحاصيل حسنة. ومكنه موقع ممتلكاته في الاراضي الغنية للشمال المغربي، واتساع المناطق المروية، التي كان وحدُه يستفيد منها، من الافلات من التقلبات المناخية التي أضرت بشكل قوي بالمغاربة سنتي 37-38. وبفضل تاسيس مكتب مختص، أمكن تثبيت أسعار الحبوب، وسمح ارتفاع أسعار القمح، والبواكير، والخمر، للمستوطنين المَدَنيين ببدء التسديد. وحسب الاحصاءات الرسمية، كان هناك 90000 أهلي و9000 أوربي يشتغلون اجراء في أراضي الاستيطان.
 
وكان النشاط المنجمي كذلك قد استعاد حركته؛ الفوسفاط يباع بشكل أحسن وكانت مناجم القصدير والحديد قد أعيد فتحها. وكانت الطلبات على المعادن الاستراتيجية من قبل الدول التي كانت الحرب فيها تتهيأ، تحفز استخراج الكوبالت والمنغنيز. وكان المستخدمون يعدون بحوالي 16000 شخص، أكثر من 1000 منهم كانوا أوروبيين .
 
 وضمن الصناعات التحويلية، كانت تنمو تلك التي تشتغل لتلبية حاجيات السوق الداخلية في التغذية والبناء ومعالجة الاصواف... أو في فروع أخرى مثل الزيوت والصابون والشموع. وأثناء ذلك كان هناك قطاع موجه نحو التصدير يعرف ازدهارا كبيرا، وهو قطاع المصبرات. لقد انتقل عدد المعامل في ظرف ثلاث سنوات، من 24 الى 56 معملا كانت تشغل حوالي 10000 أهلي، تتكون غالبيتهم من النساء، و500 أوربي. وضمن هذه المعامل كان هناك 37 تصبر الاسماك، 8 تصبر الخضروات و9 أخرى تصنع المربى. وأصبحت آسفي، ميناء شحن فوسفاط لوي جانتي(اليوسفية فيما بعد)، في مجرى بضع سنوات، واحدا من أوائل موانئ السردين في العالم. لقد كانت تمون معامل الشمال الغربي و المعامل التي خلقت في حيها الصناعي بالأسماك. و كان تصبير الأسماك قد أصبح يحتل الرتبة الثانية أو الثالثة ضمن صادرات المغرب متقدما كثيرا عن المصبرات النباتية. وارتفعت مداخيل الموظفين بعد أن تم الالغاء التدريجي للاقتطاعات من المرتبات و التعويضات، الذي كان قد تقرر سنة 1935. لكن طرح بحدة بالنسبة اليهم، و بالنسبة لكافة الأجراء، مشكل ارتفاع الاسعار الناتج عن التخفيض المتتابع للعملة. و الذي كان، على عكس ذلك، ينشط البيعات الى الخارج». ولقد اعتبر، كذلك، بنك دولة المغرب، في تقرير له سنة 1937 و1938 أن «المستوطنين والصناعيين والتجار استفادوا من الظروف الاستثنائية و المواتية».
 
لكن الانتعاش الاقتصادي لسنوات 37، 38، 1939 كان ضيق الحدود، فاستثمارات الشركات التي كانت قد سقطت إلى الصفر في 1936، عادت الى الانتعاش بصورة متواضعة بثلاثة مليارات فرنك في 1937، و أربعة في 1938، و مليارين فقط في 1939، و ظلت بعيدة كثيرا عن 11 مليار التي سجلت في 1930 وحدها. واستمرت حركة البناء في تراجع حتى إلى ما دون مستواها في مرحلة الأزمة. لقد بلغت قيمة بناءات في الدار البيضاء 2430  مليون في 1936 و1890 في 1937 و2158  في 1938 مقابل 11 مليار في 1931 و5 مليارات في 1933 .
 
لقد افتقد انتعاش ما بعد 1936 عاملي الجذب الذين حركا النشاط الاستعماري ما بين 1926 و1930 و دعماه أثناء اللازمة، وهما: النفقات العسكرية وزرع الرساميل من أجل تنفيذ الأشغال الكبرى. فلم تكن هناك عمليا أية أوراش كبرى و لا شبكة طرق ولا سكك حديد ولا سدود ولا محطات كهربائية. و كانت الموانئ قد اكتملت تقريبا. و كانت الأموال التي توفرت عن طريق الاقتراض أثناء السنوات الثلاث قد ارتفعت إلى حوالي 13 مليار مقابل 17 مليار ما بين 1932 و1935. و استمرت وحدها أشغال الصيانة، و أشغال انجاز الطرق الاستراتيجية في منطقة فاس التي تم تمويلها من طرف وزارة الحرب، وكذا الأشغال الموجهة لمحاربة البطالة التي انطلقت بفضل مساعدة قابلة للاسترداد موافق عليها من قبل فرنسا. و هكذا فان ما كان مهددا هو تشغيل حوالي 20 الى 30 ألف مغربي .
 
 ان هذا الانكماش هو ما يبينه فحص الميزان التجاري و حساب العمليات: فقد وصل العجز التجاري الى أدنى مستوى عرفه المغرب منذ 1919 بسبب انخفاض للواردات و نمو لكل الصادرات. لكن ميزان الأداءات واصل الانحدار لأن دخول الرساميل الأجنبية كان يتضاءل، و كان ينبغي تسديد فوائد دين عمومي ثقيل كان يبتلع حوالي ثلث ميزانية الدولة: 318 مليون من 1068 مليون من الفرنكات الجارية في 1938 .
 
 .بؤس المغاربة الكبير
 
اذا كانت غالبية مكونات الجالية الأوربية : مقاولون صغار، حرفيون، تجار، مستخدمون و موظفون تتمتع بنوع من اليسر –ورب عمل الكبير لم يعان أبدا من التقلبات الاقتصادية –  فان وضعية الشعب المغربي في مجموعه أصبحت أكثر درامية .
 
 فقد دمر بفعل انهيار الاسعار أثناء فترة الأزمة، و هو ريفي في 90 في المئة منه، لكنه في هذه الفترة التي استقامت فيها الأسعار، أصيب في معاشه نفسه بسبب نقص المحاصيل وارتفاع أسعار المواد التي يتغدى منها. لقد كانت سنة 1935 صعبة، وفي 1936 عم الجفاف في الشمال المغربي. وفي 1937 لم يحصل فلاحون حتى على ما زرعوه من بذور في المغرب الشرقي وفي كل مناطق جنوب مراكش: الحوز، سوس، درعة، تافلالت. و كانت سنة 1938 سيئة. و بسبب الجفاف هلكت الماشية. و ظهر التيفوس. و كانت الحالات التي تم احصائها – 1844 حالة في 1937 و7437 في 1938 –بعيدة عن أن تعطي صورة عن و باء، فإنها كانت تبين توسعه.
 
وكانت الحملات في المدن، وعروض الغلي العنيفة، و التلقيحات الاجبارية باستخدام لقاح بلان- وهو اسم دكتور، مدير معهد باستور بالرباط، اكتشف سنة 1937، لقاحا ضد التيفوس، تسبب، في بعض حالات عدم التحمل، في حوادث قاتلة، وكان الأوربيون في اعفاء منه – قد اثارت استياء قويا في الأوساط المغربية .
 
وكان لتفقير الأرياف عواقب متعددة. فقد قوى صعوبات صغار تجار وحرفيي المدن الذين فقدوا زبناءهم التقليديين و تحول استياؤهم لصالح التظاهرات الوطنية .
 
 وانتقلت مجموعات المعوزين نحو الشمال الذي استثناه الجفاف والذي توجد فيه المدن وغالبية اراضي الاستيطان التي تتيح امكانيات الشغل. وكانت هذه المجموعات الحاملة للوباء، التي تشحذ أو تسرق لتعيش، تعلم بالجثث الطريق التي كانت تسلكها. وتضخمت الاحياء المحيطة بالمدن واتسعت رغم جهود السلطات في محاصرة هذا المد. وكان الكل يتفاقم في الخريف: استنفاذ احتياطات الشعير وموت المواشي. وقد طبعت سنوات المجاعة هذه، مع سنوات 1945، الذكريات. وإليها يحيل عدد كبير من سكان مدن الصفيح عندما يسألون عن الفترة التي غادروا فيها الريف في اتجاه المدينة. وقد بينت هذا العوز الدراسات والتحقيقات التي واصلت نشرها المجلة الاقتصادية للمغرب، شبه الرسمية.
 
لقد قاد ر. بارون (R. Baron) والدكتور ج .ماثيو (J. Mathieu) تحقيقا في الرباط في شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو من سنة 1937، ونشرا سبع موازنات تهمنا منها على الخصوص أربع لأنها موازنات شغيلة: عامل يدوي، مستخدم في ادارة، عامل غير ماهر، عامل زراعي. العامل اليدوي في الادارة، يتمتع ببعض الامتياز. فعمله مضمون تقريبا ويتقاضى 15.50 فرنكا في اليوم. وهو متزوج من دون أطفال. الثلاثة الآخرون يتراوح دخلهم الأسبوعي بين 40 و50 فرنكا. وهذه الميزانيات غير مرتبة، حيث تلتهم النفقات الغذائية 66 الى 91 من المداخل. وبالإضافة الى ذلك فالتغذية غير كافية، وسيئة التوازن، قائمة أساسا على استهلاك الحبوب من شعير وقمح وذرة، مصحوبة بقليل من الخضر، والزيت والشاي والسكر. وبالنسبة لأولئك الذين يتقاضون أقل من 4 فرنكات، ليست هناك موازنة ممكنة، ووجباتهم الغذائية غير انسانية بالمرة.
 
 خلاصات التحقيق قاسية. باستثناء أقلية من الموظفين والعمال والمختصين، يكتب صاحبا التحقيق، فان الوضعية المادية للعمال الأهليين، التي لم تكن تشتهى في سنة 1936، أصبحت صراحة سيئة بسبب الارتفاع المستمر في أسعار المعيشة ويخشى أن يؤدي تخفيض العملة الجديدة لسنة 1937 الى مفاقمة الوضع. لقد انتقلت الان التقليصات التي مست في البداية اللحم والسكن واللباس والنفقات ذات الطابع الاجتماعي، الى المواد ذات الضرورة الأولى ...».
 
وبعد أن حسبا أن «الأجر الأدنى اليومي الضروري ينبغي ان يكون 7.25 ف» صرح بارون وماثيو «لكن تحديد الأجر الأدنى لا يكفي .واذا أريد تجنب تحول هذا الأجر الأدنى الى أجر عادي، فانه من اللازم ان تقوم لجن مكلفة بإعداد سجلات اقليمية بمراجعة الأجور كل ثلاثة اشهر على ضوء ارتفاع كلفة المعيشة. ونضيف أن سن القوانين حسن، ولكن العمل على احترام القوانين أحسن وأن العاملين في تفتيش الشغل في حاجة كبيرة الى التدعيم».
 
 وفي كانون الثاني/يناير 1938، ينشر باحنيني في المجلة الاقتصادية دراسة كان قد انجزها، ويتعلق الأمر بموازنات حضرية في فاس. الموازنتان الأوليان لموظفين، ربي أسرة من ستة أفراد. الأول موظف متوسط ذو مرتب سنوي يبلغ 26000 فرنك يغطي موازنته. الثاني موظف صغير يضاف الى مُرتبه السنوي البالغ 11600 فرنك 3600 فرنك التي يدرها أحد الأبناء. وسواء لدى الأول أو الثاني فان نفقات المظهر والسكن هامة، تمثل 50% تقريبا  لدى الثاني، وأكثر من الثلثين لدى الأول .
 
وعلى خلاف ذلك، فان موازنات العمال مقلقة.اذ يتقاضى عامل حداد، شبه مختص، أجر 10 فرنكات يوميا، أي 3000 فرنك سنويا. ويتقاضى عامل يدوي في أحد الأوراش 6 فرنكات يوميا، اي 1800 فرنك سنويا. والاثنان ربا أسرة من ثلاثة أفراد. والاثنان يسكنان غرفة يبلغ كراءها الشهري 40 فرنكا بالنسبة للحداد و25 فرنكا بالنسبة للعامل اليدوي، ويستخدمان الفحم والبترول والصابون، وأحيانا الحافلة، ويشتريان، عندما يستطيعان، الألبسة والأحذية المستعملة. والاثنان معا في حالة عجز. وها هي القيمة الغذائية، بالكالوريات، للوجبة اليومية لكل واحد من افراد العائلة. بالنسبة للأول 1600 كلوري، وبالنسبة للثاني 1460 كلوري. إن الحياة الحضرية تفرض تقليص النفقات الغذائية. وبذلك يصل الامر قمة البؤس الفيزيولوجي.
 
 في السنة اللاحقة، في كانون الثاني/يناير 1939، كانت موازنات قروية من اقليم فاس هي التي عولجت في المجلة الاقتصادية. يحصل عامل زراعي على أجر يومي يبلغ 6 فرنكات عوض 3 أو 4 فرنكات الجاري بها العمل، و ذلك بسبب أقدميته. لديه زوجة و ثلاثة أطفال. ولا يدفع ثمن الكراء. تلتهم التغذية 90% تقريبا من مداخيله. وتقدم الوجبة اليومية، المكونة دائما من الحبوب و المصحوبة بالسكر والشاي والزيت، الى كل فرد من أفراد العائلة 1570 كالوري .
 
وهناك حدث درامي آخر يتمثل في قيام الحكومة العامة في آب/أغسطس 1937، بشكل مؤقت، بمنع توجه العمال الموسميين الى الجزائر، و ذلك بسبب العدد الكثيف للمغاربة المدفوعين بالمجاعة، الذين تدفقوا من الأقاليم الجافة نحو وهران. و لقد أدخلت بعض التلطيفات على هذا المنع سنة 1938 وسمح لـ 20000 موسمي بالدخول، لكن عدة آلاف لم يتمكنوا من السفر، و لم يجدوا بديلا للمداخيل المساعدة التي حجبتها عنهم الجزائر، غير اثقال سوق العمل .
 
لقد كانت اليد العاملة وفيرة الى حد أن التشريع الجديد المتعلق بالعطل الاسبوعية، و بالأجر الأدنى، و مدة العمل و اجراءات دفع الاجور.. وبقي في غالبية المقاولات حبرا على ورق. ولم تتخذ مصلحة الشغل، المستنفرة من قبل اتحاد النقابات ومفتشي الشغل إلا اجراءات خجولة لتحسين القوانين الموجودة أو لاحترامها فقط. فقد اصطدمت بالتماطلات أو بالرفض القاطع لغرف التجارة و اللجنة المركزية للصناعيين.
 
 لم يكن العمال المغاربة في المدن كما في الأوراش و المراكز المنجمية يستطيعون الاحتجاج رغم سلب جزء من أجرهم من قبل العرفاء الذين كانوا يشرفون على التشغيل و من قبل الذعائر التي كان ما يزال يقرها ظهير 18 حزيران/يونيو 1936 في عدة حالات، ورغم اخضاعها لأيام عمل طويلة، وتسريحهم بدون تبرير، و التخلص منهم غالبا دون تعويض بعد حادثة شغل ...وذلك مخافة الطرد أو السجن .
 
 ومع ذلك فقد كان بعض منهم قد اقتنعوا من خلال اضطرابات حزيران/يونيو 1936، أن المطالب يمكن انتزاعها من خلال حركة منسقة. يقودونها وحدهم أو باتفاق مع رفقائهم الأوربيين في العمل. وكانوا جميعا يعرفون أنهم لن يجدوا المساندة الفعالة إلا في النقابات ولدى المناضلين الذين لا يمكن أن يكونوا، بسبب الالتزامات التشريعية، إلا فرنسيين .
 
 
9-التوترات السياسية والاجتماعية
 
 
لم تخف الضغوطات النقابية. وكان المقيم العام «بيروتون» Peyrouton ورجال الأعمال، الذين اضطروا للتنازل نظرا لحجم الحركة ولطابعها المباغث الذي فاجأهم، عازمين على وضع حد لمداها. وقد فاجأ كلاّ من أنصار الجبهة الشعبية في فرنسا والمغرب، وكذا الوطنيين المغاربة، استمرار هذا المتشبث بسياسة صارمة تجاه كل ما من شأنه تهديد الامتيازات الاستعمارية مستقراً في من منصبه بعد وصول حكومة ذات قيادة اشتراكية إلى السلطة.
 
.ذهاب «بيروتون».
 
غير أن الامور لم تكن بسيطة. إذ لم يكن ليون بلوم Léon Blum يعرف جيدا المشاكل الاستعمارية وكان يخشاها. بينما كان بيروتون Peyrouton، صهر مالفي Malvy يحظى بدعم فوي في داخل الحزب الراديكالي، وهو مكون نافذ ضمن مكونات الائتلاف الحكومي. ونُظمت في المحمية، في حزيران/يونيو هذا الشهر الساخن بالإضرابات، مظاهرات، مظاهرات مدهشة، تطالب ببقاء المقيم العام: عريضة الغرفة التجارية لمدينة الدار البيضاء جمعت في يوم واحد 10000 توقيع، وهو أمر لم يمر بدون بعض المشاجرات (1) وهتاف 30000 شخص حين ظهر بيروتون في «معسكر بولهو» Camp Boulhaut لحضور اختتام المناورات الكبرى التاي كانت تجري هناك (2).
 
وتوالت على باريس وفود أرباب العمل وقدماء المحاربين وأحزاب اليمين موحية باحتمال وقوع أفظع الأحداث إذا ما تم التجزؤ على تنحية بيروتون (3).
 
وعلى عكس ذلك، عبر الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي عن «دهشتهما»، ولم يفهما تجرؤ «بيروتون» على العودة إلى منصبه بعد الانتصار الانتخابي للتجمع الشعبي (4). وللرد على الأعمال التحريضية البيروتونية، قررت لجنة تنسيق الجبهة الشعبية بالمغرب، إرسال وفد إلى باريس، ضم كلا من فرانسوا ماتييي F.Mattei وليون سلطان Léon Sultan وويكر Wickers وهنري بوني H.Bonnet . إلاّ أنه لم يتمكن من الالتقاء بليون بلوم Léon Blum إلاّ بعد عدة أيام، بفضل تدخل ليون جوهو Léon Jouhaux الذي تمكن، بعد عودته من جنيف، من تحقيق مقابلة مع الرئيس، وأصر على الحضور فيها (5). وأبرز الوفد الطابع التمردي لمظاهرات أصدقاء بيروتون وضرورة وضع حد لها باستعجال، اتفق رئيس المجلس على ذلك. وطالب من محاوريه بعض الصبر وترك الأمر للحكومة لتختار، في هذه الحالة الصعبة، الوقت المناسب والوسائل لمواجهة المشكل. وتحدثت «المغرب الاشتراكي» ليوم «11 تموز/يوليو، في مقال بعنوان «سيذهب بيروتون»، عن الضمانات المحصلة، وذلك بدون أي تدقيق.
 
ومع ذلك لم تتوقف الأمور. إذ جددت مجموعات مناهضة للفاشية مطالبها خلال استعراض 14 تموز/يوليو بباريس شعار «ارحل يا بيروتون» (6). واغتنم المناضلون الاشتراكيون فرصة مجيئهم إلى العاصمة خلال الصيف، لزيارة رفاقهم الوزراء الذين أكدوا لهم بأن ذهاب بيروتون لن يتأخر.
 
وفي أيلول/سبتمبر قررت الحكومة إنهاء المشكل، لأن الوضعية في الحوض الغربي للبحر الابيض المتوسط تدهورت بشكل كبير منذ الانتفاضة الفرانكوية (19 تموز/يوليو) واصبح بيروتون بذلك يبعث على القلق. فاستُدْعِيت فجأة اللجنة المتوسطية العُليا يوم 11 أيلول/سبتمبر 1936، بدجون أن يُحدد لها أي جدول للأعمال. ودُعي جميع حكام الاقاليم والمقيمون العامون، الذين قدموا، خلال الاجتماع المنعقد في فندق ماتينيون Matignon، عروضا حول وضعية المناطق التي يتكلفون بإدارتها واستمعوا إلى عرض ب. فيينو P. Viennot حول الاتفاقية الفرنسية-السورية. وقد تم التوقيع على هذه الاتفاقية في 9 أيلول/سبتمبر، وتنص على استقلال سوريا وتعويض الانتداب بتحالف معين. وتلا هذا العرض تبادل واسع لوجهات النظر، تم خلاله تحليل أحداث إسبانيا (7).
 
ونظرا لعزلته في هذه المناقشات، فهم بيروتون بأن منصبه أصبح في مهب الريح (8).
 
وخلال المجلس الوزاري المنعقد يوم 16 أيلول/سبتمبر، عُيِّن بيروتون سفيرا في بوينس إيريس، وعوَّضه في الرباط الجنيرال نوكَيس Nognès، قائدا الفرقة العسكرية رقم 19 بالجزائر العاصمة، وعضو المجلس الأعلى للحرب، والمفتش العام للجيوش الفرنسية بافريقيا الشمالية. وعلى اثر اقتراح دالاديي Daladier، احتفظ نفس المجلس بالجنيرال نوكًيس ضمن المجلس الأعلى للحرب وأعطاه قيادة الجيوش الفرنسية بالمغرب، وهي سلطة كان ليوطي وحده الذي تمتع بها قبله.
 
.اختيار الجنيرال نوكَيس
 
إن اختيار جنيرال معين من طرف حكومة الجبهة الشعبية فاجأ الجميع.
 
فقد أثار غيظ الوطنيين المغاربة، الذين لم يغفروا للمقيم العام الجديد مساهمته، عدة مرات خلال حياته المهنية، في أعمال حربية ضد شعبهم، صحبة ليوطي في 1912 و1913، وضد عبد الكريم في 1924 و1925، وحين كان، فيما بين 1929 و1931، «مديرا عاما للديوان العسكري للمقيم العام ولمصلحة الشؤون الأهلية، حيث كان وراء الظهير البربري الشهير ومهَّد سياسيا لعمليات الغزو الأخيرة في جبال الأطلس وفي الجنوب المغربي.
 
كان هذا التعيين بدون شك نتيجة عمل بين بيير فيينو ، الذي كان من مقربي ليوطي بين 1921 1923 ، وإدوارد دلاديي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الوطني والذي كان صديقا له، وليون بلوم، الذي ذَكَّر، بعد سنتين، بأنه كان له في ذلك «الدور الغالب» واعتبر ذلك «مشرفا» له.
 
وقد انقاذ هؤلاء إلى هذا الاختيار بناء على رغبتهم في تعيين رجل قادر، حسب اعتقادهم، على طمأنة المستوطنين الكبار الذين كانوا يخشون ردود أفعالهم، وعلى فرض نفسه على المغاربة، وعلى التأثير على الخارج في وقت كان يوجد فيه المغرب والتوازن المتوسطي مهددين على اثر تمرد الجنيرال فرانكو وعمليات قوى المحور (11).
 
وليس هناك مجال للشك أيضا في أن نوكَيس لم يقبل المنصب المقترح عليه إلاّ بعدما اعطاه رئيس الحكومة الضمانة بأنه بإمكانهم البقاء «خارج وفوق الأحزاب» ونهج سياسته الأهلية بكل حرية (12). ولم يلبث الوطنيون الشباب أن أدركوا ذلك، هم الذين أيدوا انتخاب «الرفيق ليون بلوم» وكانوا يأملون أن تتم تلبية مطالبهم حول الاصلاحات الضرورية بطريقة سريعة، خاصة بعدما أُعطيت وعود بالاستقلال لسوريا من طرف فرنسا ولمغاربة المنطقة الاسبانية من طرف الجنيرال فرانكو. وقد رفض فيينو في 16 تشرين الأول/أكتوبر استقبال وفد عن الوطنيين.
 
وباستثناء الوطنيين وأحزاب أقصى اليمين، قوبل تعيين نوكَس بدون مناوءة، وغالبا ما قوبل بنوع من الارتياح والفرح.
 
وقد أعلنت جريدة «الانسانية» L’Humanité نبأ التعيين كما يلي: «كما توقعنا ذلك، فإن الجنرال نوكَيس هو الذي خلفَ بيروتون. وتنتظره مهمة شاقة بعد العمل السلبي الذي تركه سلفه... وعليه أن يضع حدا للدعم شبه المكشوف الذي لقيه إلى يومنا هذا أمثال فرانكو ومولا Mola... وأن يلبي المطالب المشروعة للجماهير الأوروبية والأهلية، وأن يوقف قلاقل المتمردين... عن طريق تطهير... أطر الجيش والادارة.» وبعد مجيء نوكَيس إلى المغرب، أكد ر.دولوش R.Deloche يوم 7 تشرين الثاني/أكتوبر، على الضرورة الملحة لمحاربة المناورات الفرانكفوية ومنح «الشعب المغربي في المنطقة الفرنسية نفس حقوق الصحافة والتجمع» التي حصل عليها الوطنيون في منطقة الشمال (13).
 
وأيدت بحذر جريدة «الوقت» «Le temps» تعيين نوكَيس بإدراجها في بلاغ المجلس الوزاري معلومات شاملة ودقيقة جدا عن الحياة المهنية للمقيم الجديد (14).
 
اما الجريدة «إفريقيا الفرنسية» L’Afrique française  فقد أشادت بالحدث قائلة: «إن الاختيار ليس جيدا فحسب بل إنه ممتاز». وذكرت بالتنويه الذي حظي به نوكَيس على عمله في «التهدئة» بين 1929 و1931؛ وبالتقدجير الذي كان يخص به المارشال ليوطي رفيقه وتلميذه، حيث كان يأمل أن يُعيَّن سنة 1933 في مكان لوسيان سان Lucien Saint (15).
 
فيما اختارت «المغرب الاشتراكي» العنوان التالي للتعبير عن الحدث: «لدينا مقيم جمهوري».
 
هكذا جاء نوكَيس يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر إلى الدار البيضاء، في وقت أضفى عليه البعض هالة ليوطي، ومنحه البعض الآخر امتياز مبعوث الجبهة الشعبية.
 
.ليبرالية التصريحات والمواقف
 
وقد عبر كل من الناطق الرسمي باسم الغرف التجارية، السيد شابون Chapon وباسم الغرف الفلاحية، السيد لوبو Lebault، عن مدحهما لبيرتون، وتأسفا لذهابه، وبعد تعبيرهما عن القلق الذي كان يساورهما، قالا بأنهما الآن مطمئنان. وطالبا من المقيم الجديد الاستمرار في الطريق الذي سلكه سلفه وتمنيا له «الدوام» الذي لم يتمتع به هذا الأخير.
 
وعبر الفرنسيون الليبراليون عن حماس أكبر. وكانت التنظيمات التي أبدت استياءها من مجيء بيروتون كلها حاضرة: لجنة التنسيق للتجمع الشعبي، الاتحاد الجهوي، الكونفدرالية العامة للشغل صحبة كاتبه العام، الحزب الاشتراكي (SFIO)، ممثلا بـ«بييي  Pellet، يتيم الحرب، وكَالوسي Gallucci وبيلتيي Peltier، ضابطي الاحتياط، الموشحين بوِسام الشرف»، قدماء المحاربين الجمهوريين، لجنة «السلم والحرية» (أمستردام-بلييل Amsterdam-Peleyel)»، الاسعاف الأحمر وشيوعيو الدار البيضاء، ممثلين بـ كَزافيي كَرانسار Xavier Gransart، شارل دوبوي Charles Dupuy، جان دوبوي Jean Dupuis، المحامي، الذين قرروا عدم انتظار رخصة شرعية للتحرك.
 
وَبدَت التصريحات والمواقف والاجراءات الأولى المتخذة مُشجعة. وعند وصوله، قبل نوكَيس استقبال وفد عن الحزب الشيوعي المحظور، إلى جانب وفود أخرى، الأمر الذي أزعج كثيرا المراقب المدني، قائد منطقة الدار البيضاء. واُخبر الحزب الاشتراكي بذلك، وكتبت عنه «المغرب الاشتراكي» ما يلي: «استُقْبِل الحزب الشيوعي من طرف المقيم. ومنذ الآن لم يعد الحزب الشيوعي سريا في المغرب، بل أصبح مثله مثل الأحزاب الموجودة سابقا امتدادا للحزب الشيوعي الفرنسي. سيغادر عدد من رفاقنا الفروع للالتحاق بالخلايا. وإننا نتأسف لهذا ونأمل أن نجتمع من جديد في حزب وحيد للبروليتاريا» (16)
 
وقابل المقيم فيما بعد جميع المنظمات النقابية الكبرى التي طالبت بذلك، أو استقبلها نيابة عنه موريز Morize، الوزير المفوض كامل الصلاحية المنتدب لدى الاقامة، الذي كان يشغل بالإضافة إلى ذلك منصب كاتب عام للحماية، وكان المناضلون يخرجون من هه الاجتماعات بانطباع بأن كلامهم سُمع. وبأن سلطات الاقامة بجانبهم، إلا أن نيتها الحسنة معرقلة من طرف الموظفين المدنيين والعسكريين الذين ظلوا رجعيين متصلبين.
 
والواقع، أن هؤلاء المناضلين كانوا أمام طرف قوي، إذ أن متوسط سنهم لا يتجاوز ثلاثين سنة، وتكوينهم النضالي محدود، باستثناء عدد قليل منهم. وفي المقابل كان الثنائي نوكَيس-موريز يتميز بمؤهلات فريدة.
 
فرغم الفوارق الجسدية بينهما –إذ كان نوكَيس (17) البالغ 60 سنة ذا جسم هزيل وعينين زرقاوين وابتسامة اضطرارية بعض الشيء، بينما كان موريز (18) البالغ 50 سنة ذا قامة طويلة وقوية –فقد كانا معا يتمتعان بثقافة واسعة وبتجربة مهمة، كما كانا مرنين ومقنعين، وعند الضرورة مباشرين وعنيفين. وكانت لهما أيضا معرفة واسعة وموثوقة، الأول بالمسرح السياسي المتوسطي وبعالم القبائل والمدن المغربية؛ والثاني بجميع الملفات الاقتصادية والاجتماعية والادارية للمحمية.
 
وكان جورج هوتان Georges Hutin، رئيس الديوان المدني، الذي قضى حياته المهنية بكاملها في المغرب (19)، مفيدا بالنسبة لنوكَيس وموريز بفضل العلاقات التي أقامها وتمكن من الحفاظ عليها مع موظفين كان بعضهم يوجد قيادة أحزاب سياسية أو تنظيمات نقابية.
 
.حق نقابي محدود: ظهير 24 كانون الأول/ديسمبر 1936
 
كان يهم مسؤولي الاتحاد الجهوي كثيرا الحصول على الحق النقابي الذي استمرت المطالبة به منذ 1928.
 
-جذور الظهير
 
على إثر الانتصارات النقابية لحزيران/يونيو وتموز/يوليو 1936 وبعد تدخل ليون جوهو لدى ليون بلوم (20)، كان لـ.ب. فيينو P.Vienot قد بعث إلى بيروتون ببرقية يوم 7 آب/أغسطس يأمره فيها بـ «القيام، في أقرب الآجال، بدراسة امكانية اصدار تشريع نقابي في المغرب مماثل للتشريع الموجود في تونس منذ مرسوم الباي الصادر يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1932»، ورجاه «أن يبعث له باستعجال مقترحات بهذا الصدد» (21).
 
وحمل بيروتون بنفسه إلى فيينو يوم 14 أيلول/سبتمبر، مشروع الظهير المُحَرَّر من طرف مصالحه، بناء على التعليمات المتلقاة (22). وإجمالا أخذ محرر هذا الظهير، السيد مانكَو Mangot، رئيس قسم الشغل –إذ يسمح الاسلوب والبنود الأساسية المتخذة بالكشف عن هويته –بالحل المقترح على لوسيان سان سنة 1930: أي الحفاظ على الترخيص المسبق، عدم الانخراط في الاتحادات الفرنسية، بالإضافة إلى عدم استفادة المغاربة من القانون واقرار عقوبات قاسية في حالة خرق بعض البنود.
 
لم يكن المناضلون يعلمون أي شيء عن وجود هذا المشروع. إلا أنهم علموا بتدخل نائب كاتب الدولة بدون أن يعرفوا مضمونه بالضبط، وكانوا يأملون أن الحصول على الحق النقابي سيتحقق لهم بمجيء المقيم الجديد. هكذا، تحدث شابان Chaban في تقريره الأدبي أمام مؤتمر اتحاد الشبكات، عن التعليمات التي أعطاها السيد فيينو، وأمكن لـ هيفيرنو أن يكتب يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر في «جريدة الموظفين» (Journal des fonctionnaires): «إن الاعتراف الرسمي بالنقابات الذي سيكون إحدى القرارات التشريعية الأولى للمقيم العام الجديد... ستكون له بسماحه لرفاقنا الأهليين، يهودا ومسلمين، بولوج المنظمات العمالية –انعكاسات لا حصر لها على الحركة النقابية بالمغرب التي ظلت إلى حدود الآن مسموحا لها بالعمل حسب أهواء المقيمين وشريطة أن تظل مقتصرة على الأوربيين».
 
إلا أن المناضلين أخبروا –بعد ابلاغهم بمشروع الظهير الملبور من طرف بيروتون- بأن هذا لن يُمنح إلا للأوربيين وحدهم، وبأنهم لن يتمكنوا من تنظيم اتحادات نقابية (23). فاحتجوا بقوة على ذلك، وحصلوا على حق تشكيل الاتحادات، ورُفض لهم الباقي. وتناقشوا حول هذه النقطة في اللجنة الادارية للاتحاد الجهوي يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر (24) واعتبروا بأن المسألة الملحة أكثر تكمن في التوفر على تنظيمات نقابية مؤسسة بطريقة شرعية، تلزم ادارات أرباب العمل وجميع السلطات المحلية بالاعتراف بها، ولا تستطيع رفض التفاوض معها. وكانوا يعتقدون بأنهم سينتزعون بسرعة الحق النقابي لصالح المغاربة بإبرازهم السابقتين الجزائرية والتونسية. وقد كانوا مخطئين بهذا الصدد.
 
فقد كان الجنرال نوكَيس ومصالح الاقامة يعارضون ذلك عمدا. ولتجاوز مقاومتهم، كان الأمر يتطلب توفر ارادة سياسية، اي قرار مفروض من طرف الحكومة الفرنسية. ودارت نقاشات ساخنة وسط بيير فيينو (25).  فكانت أندري فيينو، وزوجته، وش. أندري جوليان مع منح الحق النقابي للمغاربة. إلا أن روني هوفرRené Hoffer  وروبير مونطاي Robert Montagne، مستشاري نوكَيس في القضايا المغربية، كانا يعارضان ذلك بعزم (26)، ويحبذان تجميع المغاربة في تعاضديات العمال الأهليين، وهو الحل الذي كانا يدافعان عنه (27).
 
-نص الظهير
 
في 31 تشرين الأول/أكتوبر «بعد تدارس جديد لهذه القضية المهمة (المتعلقة بالنقابات المهنية) والمحادثات مع ممثلي مختلف التجمعات» أعادت الاقامة إلى باريس المشروع الذي عُدلت فيه نقطة واحدة تتعلق بتأسيس اتحادات النقابات.
 
غير أن الظهير لم يُوقع إلا يوم 24 كانون الأول/ديسمبر: فما هو السبب في هذا التأخير؟ هل ديوان فيينو هو الذي ارتأى مراجعة النص بدقة؟ مها يكن من أمر، فإنه يبدو أن التحرير النهائي للنص، المتميز بصرامة وموثوقية اكثر، هو أقل ازعاجا من الصيغة التي قدمتها الرباط يومي 14 أيلول/سبتمبر و31 تشرين الأول/أكتوبر، كما أنه يخلّص رئيس قسم الشغل والقضايا الاجتماعية من السلط التي منحها لنفسه في الترخيص او عدم الترخيص لتأسيس نقابة معينة «في أجل ثلاثة أشهر ابتداء من التاريخ المتأخر للتصريحين المقدمين تنفيذا للبند السابق». ويكتمل هذا النص بعرض للدوافع يبدو لنا أنه بقلم هوفو.
 
ويحدد عرض دوافع ظهير 24 كانون الاول/ديسمبر 1936 الأسباب التي أدت بـ«حكومة الحماية بموافقة جلالة السلطان وبعد ما تأكدت من قبول الحكومة الفرنسية» إلى السماح للأوربيين وحدهم بالانتفاع بتشريع عصري للشغل مستوحى من القانون الفرنسي لسنة 1884.
 
فتطور الانشطة العصرية والدور المهم الذي يلعبه فيها الشغيلة الاوربيون يبرران لهم أن يشكلوا «في إطار نظام ملائم، تجمعات ذات طبيعة خاصة».
 
وإذن فالظهير يرخص لأوربي المنطقة الفرنسية «الذين يزاولون عملا منذ سنة على الأقل... في نفس المهنة، أو في الحرف المماثلة او في المهن التابعة» بتأسيس نقابات أو جمعيات مهنية للأشخاص «لدراسة المصالح الاقتصادية للمنخرطين فيها والدفاع عنها» (المادتان 1 و2). ورغبة منها في الحفاظ على نوع من المراقبة على تأسيس النقابات، احتفظت الادارة لنفسها بشهر بعد وضع الانظمة الأساسية للتعبير عن معارضتها (المادة 4)، وهذا البند لم يُطبق أبدا. كما احتفظت الادارة بإمكانية حل النقابات عن طريق القضاء، إذا ما انحرفت «عن دورها التعاضدي أو المهني»، وبمجرد مرسوم وزاري «إذا تعلق الأمر بالأمن العام» (المادة 23)، وبإمكان النقابات المهنية المؤسسة بطريقة عادية أن تتحاور قصد تدارس مصالحها الاقتصادية والدفاع عنها وقصد تأسيس اتحادات فيما بينها (المادة 20).
 
ونص الظهير فيما نص عليه على ضرورة تشكيل المكاتب النقابية من الفرنسيين وحدهم (الماجدة 3)، مقلدا بذلك القانون الفرنسي لسنة 1884. وهكذا لم يكن إذن هذا الظهير يتعلق بالمغاربة (28). غير أن هذه البنود لا تمنع استقطابهم ولم تتوقع عقوبات بهذا الشأن.
 
وكان النقاش حول الحق النقابي صاخبا، خاصة بارتباط مع اتساع الحركة النقابية في المغرب خلال الثلاثة أشهر الاخيرة لسنة 1936.
 
.حمى نقابية
 
 تدعمت هذه الحركة النقابية في اوساط الموظفين، فأصبح ثلثا المنخرطين في فيدرالية التعليم الثانوي من المنتمين إلى الكونفديرالية العامة للشغل من ضمن حوالي 210، وأصبحت نقابة المعلمين تضم ضعف عدد الاعضاء المنخرطين سنة 1933، وهي فترة أزمة في الحقيقة (602 مقابل 347)، وأنشأت فروعاً جديدة في تازة والجديدة وأعادت تأسيس فرع وجدة الذي قضت عليه الصراعات بين أنصار ك.ع.ش. (الكونفدرالية العامة للشغل) والوحدويين (26).
 
واكتسبت مجموعات فيدرالية الموظفين ذهنية نقابية معمقة أكثر وأُعيد تأسيس التكتل المتحد كونفديراليا للمصالح العمومية في تشرين الثاني/نوفمبر 1936 مدعماً بقوى جديدة. ومعلوم أن هذا التكتل هو الذي أثار الحركة المناهضة لظهائر الانكماش الصادرة في آذار/مارس 1935، ثم تفكك على إثر فشله في مسألة الزيادة المغربية في تموز/يوليو من نفس السنة والتحق اتحاد السككيين ونقابات الفوسفاط وشغيلة الدولة بالفيديراليات المؤسِّسة، أي فيديراليات الموظفين والبريديين والتعليم وأسس التكتل مكتبه يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر. وفي 25 تقرر بأن تدفع المجموعات المنخرطة 0.50 فرنك بالنسبة لكل عضو لتزويد الصندوق بالمال، وبأن تتم المطالبة بإنشاء لجنة دائمة للإصلاح الاداري، وأخيراً تقرر القيام بحركة قوة لـ«تحسين الوضع المادي للأهالي المستخدمين وشغيلة الدولة والمصالح ذات الامتياز» (30).
 
كان التطور سريعا في المصالح ذات الامتياز. فعلى إثر تشجيعات مناضلي خريبكَة، جاءت نقابات لوي جانتي (اليوسفية) وآسفي لتدعم قوة شغيلة الفوسفاط.
 
وفي قطاع الكهرباء، ظهرت إلى جانب النقابة القديمة للشركة المغربية للتوزيع (SMD) نقابات الطاقة الكهربائية للدار البيضاء، والرباط ومكناس. وأسست جميعها في مؤتمر الدار البيضاء المنعقد يوم 10 كانون الثاني/يناير 1937، الاتحاد المغربي لنقابات الانارة والقوى المحركة (31).
 
ولم يخفض السككيون من وتيرة انطلاقاتهم، إذ كانت نقابات الدار البيضاء، والرباط ومكناس ووجدة قوية ونشيطة، فيما كانت نقابات تازة وفاس أقل حيوية، وكان اشعاع الدار البيضاء يشمل الجنوب بأكمله، حيث أنها كانت تحظى بانخراط آسفي، مراكش، خريبكَة وواد زم. ويوم 6 كانون الأول/ديسمبر أنشأ مناضلوه نقابة آسفي، وتسع أيضا نفوذ الرباط، حيث أنشأ مناضلوه في تشرين الأول/أكتوبر نقابة القنيطرة. وإجمالا، ضاعف اتحاد السككيين عدد منخرطيه الذي انتقل في ظرف سنة، من تشرين الثاني/نوفمبر 1935 إلى تشرين الثاني/نوفمبر 1936، من 450 إلى 985، وكان يضم سبع نقابات وبإمكانه أن يفتخر بأنه «أقوى تجمع عمالي في المغرب».
 
وطُرحت مطالب السككيين على الجنرال نوكَيس يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر، أي 20 يوماً بعد وصوله إلى المغرب. وتمت بلورتها في التقرير الأدبي الذي قدمه المكتب للفروع. واعيد طرحها وتكميلها في المؤتمر الفيديرالي، المنعقد بمكناس يومي 7 و8 تشرين الثاني 1936، والذي كان عبارة عن تجمع هام حضر فيه كريبيي Crapier، أحد كتاب الفيديرالية الوطنية للسككيين، المكلف بقضايا افريقيا الشمالية، وألكيي عن اتحاد شبكات الجزائر وهيفيرنو Hivernaud، كاتب الاتحاد الجهوي، ماثيي  Matteiعن الموظفين.
 
كانت أهم المطالب هي الزيادة الضرورية في الأجور على إثر ارتفاع الاسعار، ودمج الزيادة «الاستعمارية» في حساب التقاعد وحضور ممثل منتخب عن المستخدمين في لجنة تدبير صندوق التقاعد، وعطلة 30 يوم عمل سنوياً، ومساواة أجور النساء مع أجور الرجال، والترسيم بعد فترة للشغيلة المدمجين في العمل كمياومين والذين كانت وضعيتهم الدنيا وغير الثابتة تستمر خلال سنوات عديدة.
 
إلا أن المسألة النقابية ظلت محور الاهتمامات. فالظهير الذي يمنح الحق النقابي لكم يكن قد صدر بعد. مع أن مشروعه كان معروفاً، وتمت مناقشته من طرف اللجنة الادارية للاتحاد في 25 تشرين الأول/أكتوبر 1936، وقُدمت عدة تحفظات بشأنه. وخلال المؤتمر، ناقش المندوبون وتبنوا الأنظمة الأساسية للاتحاد «التي ستُصدر وقتما يُمنح الحق النقابي».
 
في فاتح كانون الثاني/يناير 1937 إذن، يوم صدر ظهير 24 كانون الأول/ديسمبر بـ«الجريدة الرسمية»، أخذت فيدرالية سككيي المغرب، التي أعيد إحياؤها خلال المؤتمر الفيديرالي الأول المنعقد تشرين الثاني/نوفمبر 1935، تسميتها النهائية: «اتحاد نقابات شبكات المغرب».
 
وبعد مداخلات شابان، الكاتب العام للاتحاد ومندوبي السككيين لدى المؤتمر، راق لهيفيرنو وماتييي وألكيي وكريبيي، أن يشيروا إلى التقدم السريع المنجز. وذكَّر هيفيررنو بالمكانة التي اكتسبها السككيون في الحركة النقابية المغربية إذ أعطوا أمين المال العام للاتحاد الجهوي وثلاثة كتاب للاتحادات المحلية، وتحدث فيما بعد عن الحق النقابي وتأسف للقيود التي أدخلتها الحكومة عند تطبيقه، وتدخل كارتيي بدوره ليؤكد: «على الأهالي أن يتمتعوا بالحق النقابي مثل ما هو حاصل في الجزائر وتونس، وبهذا تتم عرقلة أية مغامرة من طرف شخص مثل فرانكو يعتمد على المغاربة ضد حكومة الجمهورية».
 
وشجع نجاح اضرابات حزيران/يونيو 1936 شغيلة القطاع الخاص على التجمع فيما بينهم. فانتعشت بعض النقابات القديمة الهزيلة ورزت نقابات جديدة في قطاعات التغذية والبناء والمعادن والتجارة والبنك والنقل، بالخصوص في الدار البيضاء والرباط، وأيضا في مكناس وفاس ومراكش ووجدة. وكانت تحتل «الجمعية المهنية للشركة المغربية للسكر» التي فجرت حركة حزيران/يونيو، المكانة الأولى بما يزيد عن 200 منخرط، وكانا كاتباها هما بيلي Pellet وهيت Heyette.
 
ولتنظيم ومساعدة ودعم هذه التنظيمات الفنية التي غالبا ما كانت تفتقر إلى المناضلين وإلى التجربة، كان من اللازم إنشاء اتحادات محلية بسرعة. ووظف مسؤولو الاتحاد الجهوي مجهوداتهم لهذه الغاية. واستأنفت شغيلة الدولة والبريديون والمعلون والسككيون النشيطون، المهة المهملة. فتأسست أولا الاتحادات المحلية لمدينة الرباط (نيسان/أبريل 1936) مع شابان ووجدة (5 أيار/مايو) وبيسو Bessaud، المعلم، ومارشال Marchal، السككي. وتبعتها مكناس وفاس ومراكش، فيما ظلت الدار البيضاء تمتزج بالاتحاد الجهوي. لكن، عند نهاية هذه السنة كان العمال المغاربة المنخرطون قليلي العدد، هذا رغم الاتصالات التي تمت والاعمال المشتركة التي أنجزت. لقد أصبح إذن النسيج النقابي حول المغرب أكثر كثافة، فكان المعلمون في البوادي ومستخدمو سجل المساحة المرسلون في مهمة ومجموعات السككيين على امتداد السكك الحديدية والكهربائيون في المحطات والمراكز، ينذرون، وأحيانا يتخلون وينظمون.
 
.المؤتمر الثامن: أصبح الاتحاد الجهوي اتحاد النقابات الكونفدرالية للمغرب.
 
ظهرت قوة ومطامح الشغيلة التابعين للكونفدرالية العامة للشغل في المؤتمر الثامن للاتحاد الجهوي المنعقد بالدار البيضاء يومي 16 و17 كانون الثاني/يناير 1937 (32).
 
ضم المؤتمر اثنين وثمانين مندوبا يمثلون خمسة اتحادات محلية وثمانية واربعين منظمة نقابية تضم حوالي 7000 منخرط. استمرت أولوية القطاع العمومي تتأكد، حيث مثل 60% من مجموع الحاضرين. ثم تبعته المصالح ذات الامتياز (21%) والقطاع الخاص (19%). وكانت التجمعات الأكثر عددا هي على التوالي: البريديون (1200) والسككيون (1000) وشغيلة الدولة (900) والمعلمون (600). انعقد المؤتمر أربعة أشهر قبل موعده، لأنه كان من الضروري تحديد معالم وضع تغير بسرعة.
 
وكتب في تقريره مُدوِّن أخبار، «الوضوح» Clarté، وهي جريدة المنطقة المغربية للحزب الشيوعي، ما يلي: «كم شاهدنا من أحداث منذ سنة... وللتحدث عن المغرب وحده، عرفنا اضرابات حزيران/يونيو التي خلفت حركة نقابية جماهيرية حقيقية في البلاد، وأخيرا، عرفنا الظهير الذي يعترف بالنقابات. وهو نص قانوني مبتور ومشوه لا يلبي مطامح السكان المشتغلين بالمحمية». ثم اشار إلى الجو المفعم بـ«التفاؤل والاتحاد والكفاحية الذي دارت فيه النقاشات واتخذت فيه المقررات» (33).
 
واحتج المؤتمر بالإجماع على عدم الاعتراف للأهالي بالحق النقابي و«اعتبارا منه بأن لا مجال داخل الكونفيديرالية العامة للشغل لأي تمييز بين مأجوري نفس الصناعة، فإنه يؤكد تضامنه التام مع هؤلاء الشغيلة». كما احتج على الأجر الأدنى المشين المحدد بأربعة فرنكات في اليوم الواحد؛ وعلى غلاء المعيشة؛ وعلى مناورات أرابا العمل وتسريحات المناضلين النقابيين. وطالب بالتطبيق الصارم لقانون الثماني ساعات عمل، وتدعيم هيئة مفتشي الشغل المكونة من ثلاثة أطر فقط، وتوسيع تطبيق التشريع الفرنسي الحديث بمجمله في المغرب. والمتعلق بالاتفاقيات الجماعية والعطل السنوية المؤداة الأجر وأسبوع أربعين ساعة عمل.
 
وكان على المؤتمرين أيضا أن يناقشوا بنود مشروع الأنظمة الأساسية التي حررها هيفيرنو وقدمها المكتب، وأحيانا قاموا بتعديلها قبل تبنيها. وينص البند الأول على ما يلي: «أنشئت فيما بين النقابات الكونفيدرالية للمغرب جمعية تحمل اسم اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب»، وبحذفه لكلمة «جهوي» كان المكتب يرمي إلى تأكيد خصوصية الحركة النقابية بالمغرب، هذا الطابع الذي لمسه تيكسي Texier، محرر الأنظمة الاساسية للاتحاد المغربي للتنظيمات النقابية الكونفديرالية، سنة 1930، وهي تسمية لم تكن مستعملة نهائيا كما سبق أن رأينا ذلك، وكان هيفيرنو يجهلها.
 
وكشفت انتخابات هيئات القيادة، المكتب واللجنة الادارية، عن إرادة المندوبين في اعطاء طابع عمالي بارز اكثر لحياة الاتحاد، إذ باستثناء الكاتب العام هيفيرنو، الذي أعيد انتخابه بالأجماع، تم تجديد المكتب بشكل تام، وضم ككتاب عامين مساعدين، بيييPellet  من الشركة المغربية للسكر وفرلاندان Ferlandin، من شغيلة الدولة؛ وكارو Carreau، الكهربائي، كأمين عام للصندوق، وشارل دوبوي Ch.Dupuy  من البريد، كأمين مساعد وكمسؤول في المستقبل عن جريدة «عمل»Travail . إذ طرح المكتب على نفسه مهمة إصدار جريدة نقابية في أقرب وقت، بغية إسماع صوت كافة الشغيلة.
 
وتألفت اللجنة الادارية من اثني عشر عضوا رسميا وعضوين احتياطين، وهم: كاريو Carrillo (الشركة المغربية للتوزيع SMD)، طونيا Togna (مستخدم) فيري  Very (عامل بالبريد)، أبرارAbrard  (معلم)، أورانج  Aurange(من البريد)، لياندري Léandri (الفوسفاط)، إيدو Eydoux (سككي)، ركَو (من شغيلة الدولة)، هييت  Hyette (الشركة المغربية للسكر)، روميرو  Roméro(البناء)، كوسيط Costes  (المعادن)، إسكاط Estaque (مهيء في الصيدلية)، كونسولو  Consolo (قطاع الكتاب) وروفاس Rouffas (فيديرالية المستخدمين المدنيين في الحرب).
 
وللمرة الأولى منذ 1930، يتم إبعاد ماتييي عن الهيئات القيادية بينما صعد إليها خمسة شيوعيين على الأقل –بييي، س.دوبوي (34)، هيييت، كاريو وروميرو- إلى جانب الاشتراكيين الذين ظلوا هم المهيمنين.
 
وإذا كانت علاقات القادة النقابيين الاشتراكيين مع فيديراليتهم وجريدتهم، التي يسيطر عليها اليسار الثوري، صاخبة أحيانا، وهذه ظاهرة فريدة، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للشيوعيين الذين كانوا قد عبروا عن عزمهم على مساندتهم القوية لمطالب الشغيلة والاتحاد الذي يعبر عنها.
 
.ظهور النقابات المسيحية: الكونفيديرالية الفرنسية للعمال المسيحيين (CFTC) (ك.ف.ع.م.)
 
في نفس الوقت، عملت النقابات المسيحية على تنظيم نفسها. فكانت النقابة المهنية المسيحية لمستخدمي التجارة والصناعة، المرتبطة مباشرة بالمقر المركزي، الواقع في الرقم 5، زنقة كادي Cadet بباريس، أول نقابة تأسست وذلك يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر 1936 (35).
 
غير أنه، في كانون الثاني/يناير 1937، برزت لدى المسيحيين عزيمة قوية للدعاية والتنظيم، إلا أن نتائجها ظلت جد محدودة. فعمل الاتحاد المغربي للنقابات المهنية المسيحية، برئاسة «الرفيق» شوميان Chomienne، على إنشاء نقابات.
 
وخلال تجمع عام تأسيسي عقده مستخدمو شركة النقل المستقل للدار البيضاء، (TAC) يوم 13 كانون الثاني/يناير تحدث شوميان «عن الضرورة القصوى لتكثيف إنشاء فروع بالمغرب، للدفاع الموحد عن المصالح المهنية للمستخدم والعامل»، ثم قدم عرضا لأهداف الحركة النقابية المسيحية، وهي:
 
1)إلغاء كل سياسية مضرة...؛
 
2)دراسة أساسية للنقابة المهنية فيما يخص العلاقات المتزاوجة (كذا) بين أرباب العمل والطبقة العاملة؛
 
3)استقرار الوضع المادي للعامل والمستخدم، مع الحياد التام فيما يخص النزاعات» (36).
 
وبعد ثلاثة أيام، أي يوم 16 كانون الثاني/يناير، حين كانت تتأسس النقابة العامة للبناء بالمغرب (ك.ف.ع.م.) ذكّر شوميان بهذه المبادئ (37). وساهم يوم 24 كانون الثاني/يناير بالجزائر العاصمة في اجتماع لممثلي كافة النقابات المسيحية بافريقيا الشمالية. وعلى اثره تأسس اتحاد لشمال افريقيا (ك.ف.ع.م.) وبُلورت أنظمته الاساسية، ضم هذا الاتحاد خمسة اتحادات جهوية: اتحادات المغرب، الجزائر العاصمة، قسطنطينة، وتونس، وضم اجمالا سبعا وعشرين نقابة، وهذا عدد جد متواضع، إذ كان اتحاد الكونفيديرالية العامة للشغل بالمغرب لوحده، يضم خمسة اتحادات محلية وثمانا وأربعين نقابة (38).
 
ولم يفت الكاتب العام لاتحاد الكونفديرالية العامة للشغل (ك.ع.ش.) للمغرب أن يشير بضعة أشهر فيما بعد، بمناسبة انتخابات مجالس العمال وأرباب العمل، إلى أن النقابات المسيحية «قد انتظرت، لكي تتأسس، أن تنتزع تنظيمات ك.ع.ش، التي كانت تناضل منذ عدة سنين، من حكومة الحماية ظهير 24 كانون الأول/ديسمبر 1936». وعبّر عن شكوكه بخصوص نجاعة العمل الدفاعي للمناضلين، الذين يحكم «حيادهم» صرحوا «بأنهم ضد أرباب العمل» وأنكروا الصراع الطبقي (39).
 
 
10-سنة 1937
 
 
تميزت هذه الفترة، التي دشنتها نضالات اجتماعية قوية شيئا ما، بنشاط كثيف فيما يتعلق بالاستقطاب والتنظيم، وببعض المكتسبات الاجتماعية الهامة.
 
وقد دعَّمت التحركات الوطنية، التي انفجرت في فصل الخريف، تعنت السلطات في عدم منح الحق النقابي للمغاربة.
 
.تحريض وإضرابات
 
-الاشتراكيون والشيوعيون والوطنيون:
 
صادف انعقاد المؤتمر الثامن لاتحاد النقابات الكونفدرالية للمغرب اضطرابا عماليا على اثر الارتفاع السريع لكلفة المعيشة. زد على ذلك أن الشيوعيين والاشتراكيين، احتجوا في مهرجانات مشتركة ضد الضرائب الجديدة حول الاستهلاك، «ضرائب البؤس»، التي شملت السكر والشاي والشموع والتوابل وعود الثقاب والأحذية المطاطية، و«التي اثقلت كاهل جماهير الشغيلة بالمغرب، وبالخصوص العمال والفلاحين المغاربة». وقد بعثت لهم كتلة العمل الوطني برقية شكر على مبادرتهم وانضمت إليها (1).
 
وكانت لفيدرالية الحزب الاشتراكي الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO) –حيث يُهيمن اليسار الثوري- اتصالات منتظمة مع المناضلين الوطنيين وفقا لقرارات مؤتمرها الذي انعقد بتاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر 1936. وكانت ترغب في التعرف على المطالب التي بإمكانها تبنيها ودَعمها (2). وباتفاق مع كتلة العمل الوطني، قررت عقد اجتماعات حيث سيقوم الدعاة الاشتراكيون بـ«التربية السياسية للعنصر المغربي وبإخبار العنصر الأوربي».
 
وقد عمل الشيوعيون، الذين خرجوا من الظل بعد مجيء نوكَيس، على مضاعفة عملهم التنظيمي والاستقطابي. وتأسسوا كتنظيم جهوي للحزب الشيوعي، الفرع الفرنسية للأممية الشيوعية (SFIC)، المُقسّم حسب الخطاطة الفرنسية إلى دوائر وخلايا. وتأسست ايضا الشبيبات الشيوعية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر، التحق بهم اعضاء من الحزب الاشتراكي والشبيبات الاشتراكية، وأحيانا فروع بأكملها، مثل مكناس. وقد يكون الحزب اصبح يضم 800 منخرط (3) في بداية 1937.
 
كانت اللجنة الجهوية، وهي لجنة فرضت نفسها بحكم الواقع، تتكون من أولئك الذين قرروا يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر أن يتقدموا للمقيم العام. فإلى جانب كْزافيي كَرانسار، الكاتب، وشارل دوبوي، امين الصندوق، ضمت ألبير بييي، جان دوبوي، ليون سلطان وروميرو الذي أوكلت له، صحبة ش.دوبوي، مهمة الجريدة المطروح اصدارها. وبحكم نشاطه المحتدم وجدليته الصارمة، كان لِليون سلطان –الذي توسع تكوينه النظري بدون انقطاع- نفوذ متنام. فهو الذي كُلِّف بشكل خاص بالشؤون المغربية وبالدعاية في أوساط الدار البيضاء اليهودية والمسلمة (4).
 
وفي 19 كانون الأول/ديسمبر 1936، صدر العدد الأول من جريدة «كلارتي» (الوضوح) «Clarté»، لسان حال جهوي للحزب الشيوعي (الفرع الفرنسي للأممية الشيوعية SFIC). ويوم 20 كانون الأول/ديسمبر عرض خطباء الحزب، في ثلاثة اجتماعات كبرى، بالدار البيضاء والرباط ومكناس، أهداف وبرنامج الشيوعيين المدافعين عن البروليتاريين، وكذا مواقفهم في القضايا المغربية والدولية (5). وفي القضية المغربية أعادوا ما قاله بالأمس ليون سلطان، الذي استعار اسم مارك فوركلود M.Forclaude، في باب «السياسة المغربية» بجريدة «كلارتي»، وهو باب سيتكلف به منذئذٍ.
 
فكتب يقول: «إن حزبنا الشيوعي سيساعد بكل قواه انعتاق الشعب المغربي تحت القيادة السخية والأخوية للجمهورية الفرنسية. وسبق له أن تبنى برنامج المطالب المباشرة للبروليتاريا المغربية: حرية الاجتماع والتنظيم، حرية التعبير او الصحافة، اصلاح القضاء الشريفي باستعجال، النضال ضد البؤس (الرفع من الأجر الأدنى، إصلاح التشريع الخاص بحوادث الشغل... الخ)، توسيع انتشار التعليم...»
 
ينعكس هذا الموقف التغيرات التي أدخلها الحزب الشيوعي الفرنسي على التعبير عن مناهضته للاستعمار. فأمام تنامي المخاطر الخارجية والداخلية، اعتبر من الضروري أن يضع في المرتبة الدفاع عن الديمقراطية والنضال ضد الفاشية التي سيؤدي انتصارها إلى استبعاد الشعوب وإلى تبخر آمال الانعتاق التي ولَّدتها الجبهة الشعبية في المستعمرات.
 
-إضرابات كانون الثاني/يناير 1937
 
كان أرباب العمل –الذين لم يستسلموا للفشل الذي لحق بهم –مصممي العزم عن المقاومة والمناورة لاسترجاع أو إبطال الامتيازات التي اضطروا إلى التنازل عنها. وكانوا يعتمدون على السلطات المحلية، التي كانت مناوئة في مجملها لروح التجمع الشعبي.
 
فقد كانت فاس نقطة انطلاق حركة الاضراب يوم الاثنين 11 كانون الثاني/يناير على إثر رفض «الغرفة النقابية لمقاولي المدينة» تلبية المطالب التي قدمتها نقابة البناء. فكتب مراسل «لوبوتي-ماروكان» يقول «إنها تهم حوالي 600 عامل، أربعة أخماسهم من الأهالي الذين انخرطوا منذ فترة حديثة في ك.ع.ش. وإلى جانب ورشات البناء التي تعطلت كلها، باستثناء ثلاث، فإن ورشات الحدادة والمنشآت المعدنية قد أضربت هي الأخرى بدورها.» (6).
 
لقد انتهى النزاع في التعدين منذ 15 كانون الأول/يناير بعد إبرام معاهدة بين ارباب العمل والعمال حول سُلَّم الأجور، لكن المفاوضات على العكس من ذلك كانت صعبة في قطاع البناء. واضطرت السلطات الجهوية والبلدية إلى التدخل. واعتقد الجنيرال نوكَيس، الذي مر بفاس يوم 13 كانون الثاني/يناير، بأنه وفَّق بين وجهات النظر المتعارضة؛ لكن أُعيد النظر في كل شيء. وأخيرا، قبل ممثلو أرباب العمل، يوم 17، زيادة الأجور بنسبة 17.5%، شريطة أن تُعمم الزيادة على البلاد بمجملها، وأن تُعدّل بالنتيجة بنود الالتزامات العمومية. وأقرُّوا أيضا بـ«مبدأ مساهمة العمال في الانضباط وحفظ الصحة».  إلاَّ أنهم رفضوا أداء أجور أيام الاضراب. وقد قبل العمال الغاضبون، نص الاتفاقية في النهاية (7).
 
ورفضت أغلبية المُشَغِّلين تزكية الاتفاق الذي ناقشه مفوضوهم. فأثير النزاع من جديد. واُعيد المناضلون الساهرون على تنفيذ الاضراب يوم 18 كانون الثاني/يناير إلى أماكنهم، وبهذا توقف الشغل كليا. ولإنهاء النزاع، أرسلت السلطات رجال الشرطة إلى كل رب عمل، وفي الثانية زوالا وقع كل واحد منهم على الاتفاقية (8).
 

واندلعت في اليوم نفسه (اي الاثنين 18) اضرابات بالدار البيضاء في شركة نقل المغرب (CTM)، المكلفة بالبريد وبنقل المسافرين؛ وفي شركة كاطالا Cathala للنقل؛ ويوم الأربعاء 20 كانون الثاني/يناير اندلعت الاضرابات في حافلات فاس، وفي المركز المنجمي بخريبكَة. وعم الاضراب في الاسبوعين الموالين مقاولات الدار البيضاء التالية: «الجير والاسمنت»، مقلع طاسو Tasso ثم الشركة المغربية للسكر.
 
ورغم التفاوت في حجمها ومدتها، فقد اتخذت هذه الاضرابات أحيانا وجها مأساويا، لاسيما في حافلات فاس وفي خريبكَة. ففي فاس كان مستخدمو الحافلات قد طالبوا، في ملف مطلبي، بإعادة تقويم للأجور تبعا لتكاليف المعيشة، وبالتوقيع على العقد الجماعي الذي أُعطيت بشأنه وعود في حزيران/يونيو 1936. وبعد لقاء مطول في المصالح البلدية يوم 19 كانون الثاني/يناير، رفضت الادارة المطالب. ومباشرة بعد ذلك، في التاسعة مساء تقريبا، «نزلت الحافلات الفارغة في صف واحد نحو مرأب ساحة التجارة، الذي احتُلَّ مباشرة، لألاّ يُشَغِّل مستخدمون جدد الحافلات في اليوم الموالي. تم هذا بدون أن يحصل أي اخلال بالنظام». وصباح اليوم الموالي، منذ السادسة، توافدت قوات الشرطة والدرك، واصدر رئيس المحكمة قرارا في جلسة مستعجلة يأمر فيه اخلاء أماكن الشغل. وبقاء المستخدمين في عين المكان، دخل رجال الدرك إلى المرأب بالقوة، وطردوا المضربين مستعملين في ذلك أعقاب البنادق: فجرح تسعة مضربين واعتُقِل ممثلان نقابيان (9). هذا لم يمنع المستخدمين المائة الذين تمت استشارتهم من تقرير الاستمرار في الاضراب (10). وفي 29 كانون الأول/يناير، حصل اتفاق على إثر مفاوضات جديدة، فكتب بهذا الصدد مراسل «لوبوتي-ماروكان» (11): «حصل ممثلو المستخدمين على توقيع معاهدة جماعية تؤكد الامتيازات المحصلة خلال اضراب السنة الماضية. وحصل المستخدمون المغاربة على زيادة فرنك واحد في اليوم بالنسبة لكافة الأجور. مقابل هذا، حصل السيد أوديبير [صاحب الامتياز] على تخلي المستخدمين عن نصف مبلغ 3000 فرنك الخاص بالتذاكر المجانية التي كان يمنحها كل شهر لهم لدى البلدية».
 
وصباح يوم 20 كانون الثاني/يناير توقف عن العمل في خريبكَة، المستخدمون الأهليون الذين اعتبروا الزيادة الضعيفة في أجرهم (فرنك إلى فرنك ونصف في اليوم)، غير كافية؛ ووضعوا في مقر العمل مناضلين للسهر على تنفيذ الاضراب. «أمام هذا العمل المتميز الذي يعيق العمل، اضطرت الشرطة إلى التدخل، وطلبت وحدات اضافية –كما قيل في بلاغ رسمي. (12). فجاءت فرقة من تادلة وأخرى من وادزم وغادرا فرق من الدرك الدار البيضاء. فأُعيد النظام مباشرة وتم اعتقال ثلاثين شخصيا من بين الأهليين». على إثر ذلك اجتمعت نقابة الفوسفاط، التي كانت تضم آنذاك الأوربيين فحسب فأكدت للمضربين «تضامنها المعنوي» معهم، وصرحت بأنها لن تسمح بطرد العمال، وبعثت وفدا إلى الرباط بقيادة لياندري Leandri، كاتبها العام (13). ويوم 21 كانون الثاني/يناير، جاء مندوب الاقامة شخصيا إلى خريبكَة. وعلى إثر تدخل لِياندري، قبل المنجميون المغاربة استئناف العمل، وهم الذين ظلوا مستميتين رغم تدخلات وتهديدات المراقب المدني، والقواد وعملائهم، ورغم قمع اللفيف الأجنبي. لكن، تم طرد عشرة منهم باعتبارهم متزعمي الحركة، رغم احتجاج رفاقهم (14).
 
فقد تسبب ضعف الاجور أيضا في اندلاع الاضرابات بالدار البيضاء في مقاولات النقل. فتوقف عن العمل ميكانيكيو وسائقو شركة النقل المغربية (CTM) بعدما قدَّموا، ثلاث مرات على التوالي في ظرف عشرة أيام، ملفا مطلبيا «متواضعا، ومرفوضا باستمرار». انتهى النزاع يوم 2 شباط/فبراير بدون أن نعرف مضمون الاتفاق المبرم بهذا الصدد وقدمت لجنة الاضراب، في بلاغ صحفي، «تشكراتها الحارة إلى السكان الذين، بفضل سخائهم، أعانوا طيلة الاضراب».
 
أما اضراب مستخدمي شركة كاطالا للنقل فقد انتهى بالفشل، إذ كسر رب الشركة الاضراب بتشغيله لمستخدمين آخرين. وتم طرد المضربين و«إغراقهم في البؤس» (15).
 
-اضرابات شباط/فبراير وآذار/مارس 1937.
 
مع بداية شباط/فبراير، انضافت حركات أخرى إلى الحركات التي كانت جارية. هكذا توقفت كليا يوم الأحد 31 كانون الثاني/شباط حركة حافلات الدار البيضاء، وبقيت كافة الحافلات بالمستودع (16). إذ احتج المستخدمون على عدم منحهم النظام الأساسي النهائي الذي تلقوا وعودا بشأنه بعد سبعة أشهر من الاجراءات. وعمل ممثلو المستخدمين، عبر رسالتين مفتوحتين «إلى سكان الدار البيضاء»، على تعريفهم بأسباب النزاع وتطمينهم بأن نقل التلاميذ سيستمر. لم يدم الاضراب إلاّ مدة قصيرة، نظرا لتعهد البلدية بدراسة عاجلة لبنود النظام الأساسي من طرف لجنة مختصة (17).
 
ويوم الجمعة 24 شباط/فبراير تكهرب الجو. إذ توقف عمال الشركة المغربية للسكر (COSUMA) عن العمل، وقد كان لهم دور مهم في اندلاع اضرابات حزيران/يونيو (18). فتصرفوا مثلما فعلوا سنة 1936، إذ احتلوا المصانع ومقر الادارة، غير أن بقية الأحداث كانت مختلفة. ذلك أن العمال الأوربيين رفضوا خوض الاضراب، مؤكدين أنه (أي الاضراب) بدافع من بعض «المحرضين»، وبأنه إضراب «سياسي محض»، وبأن «الأهليين المجرورين... خاضوا الاضراب دون أن يفهموا ذلك أو أن يكونا على علم بالوضعية». وردت لجنة الاضراب على ذلك قائلة بأن المضربين يضعون بانتظام ثقتهم فيها خلال التجمعات العامة، وبأنها تريد التفاوض مباشرة مع أعضاء مجلس الادارة القادمين من فرنسا. وبعد أن طُلب منه ذلك، قبل المقيم العام استقبال وفد عن المضربين ووفد عن غير المضربين. فقبل الوفد الأول أن يتم «تحييد» المعمل خلال فترة النزاع، لِذا تم افراغه (19). واستمع المقيم العام إلى الوفد الثاني الذي أصدر بلاغا. حصل هذا يومي 6 و7 شباط/فبراير. بعد هذا، لم تتحدث نهائيا الصحافة الاخبارية وغيرها عن هذا الموضوع. والواقع أن الحركة فشلت، إذ لم يحصل المضربون على أي شيء، وتشتت النقابة؛ وحصل كاتبها ألبير بييي على تعويضات وفُصِل من عمله؛ ومنذ 12 حزيران/يونيو 1937 لم يحضر في اجتماعات مكتب اتحاد النقابات، حيث كان يشغل منصب كاتب عام مساعد (20). ذلك أن إدارة الشركة المغربية التي فوجئت في حزيران/يونيو 1937 واضطرت إلى التنازل، تعنتت هذه المرة وكسبت المعركة. وستظل إلى حدود الاستقلال (1956) درع معارضة أرباب العمل للنقابية العمالية.
 
واندلعت خلال السنوات الموالية اضرابات في شركة «الجير والاسمنت» بالدار البيضاء، ولدجى عمال مطاحن فاس. وقد رفضت السلطات القيام بالتحكيم في هذه النزاعات، «لأن المضربين مغاربة»، حسب زعم جريدة «المغرب الاشتراكي»، عدد آذار/مارس 1937.
 
-سمات الاضرابات ونتائجها- الصحافة وتعليقاتها.
 
بلغت الاضطرابات إذن قمتها ما بين 11 كانون الثاني/يناير ومنتصف شباط/فبراير. وشهدت فاس أكثر واطول الاضطرابات في البناء والتعدين والحافلات، ثم في المطاحن حيث أضرب ما بين 1200 و1500 مأجور، جلهم مغاربة.
 
وكانت الأزمة جد قصيرة في خريبكَة، إلا أنها أقلقت السلطات. وفي الدار البيضاء أضرب مستخدمو الحافلات (الشركة المستقلة للنقل بالدار البيضاء TAC) والنقل (الشركة المغربية للنقل CTM، وشركة كاطالا) والشركة المغربية للسكرCOSUMA ، أي حوالي ألف مستخدم.
 
وإجمالا، دخل 3500 شغيل على التوالي في حركة متفق عليها لتوقيف العمل. وكان يوم 20 كانون الثاني/يناير أصعب يوم، بحوالي 1700 مضرب عن العمل.
 
وكانت النتائج المحصلة غير متساوية. فتحققت زيادة في الأجور في البناء والتعدين وحافلات فاس والشركة المغربية للنقل (CTM) بالدار البيضاء؛ ووقعت اتفاقيات جماعية مؤقتة بفاس ونهائية بالنسبة لحافلات الدار البيضاء وفاس. وبعد مرور العاصفة قام بعض المشغلين الذين قدموا وعودا أو وقعوا اتفاقيات، بمناورات ورفضوا احترامها، وطردوا المناضلين النقابيين لتشتيت التنظيمات النقابية الفتية. وتدخلت السلطات العمومية للقيام بالتحكيم. وغالبا ما بعثت قوات الشرطة. وفي فاس اعتقل مناضلون وقدموا إلى المحاكم وأدينوا؛ وفي خريبكَة سجن «المحرضون».
 
ظلت هذه الحركات، وإن لم يكن لها فعلا حجم مماثل لحجم حركة حزيران/يونيو 1936، تشهد على الحماس المطلبي لشغيلة القطاع الخاص، ولاسيما المغاربة، العازمين على الحصول على رفع أجورهم الهزيلة.
 
ووقعت تقييمات مختلفة لهذه الحركات، فالاشتراكيون والشيوعيون شجعوا هذه الأعمال التي تجلى من خلالها تضامن الشغيلة بكافة أصولها، لاحظوا بزوغ وعي طبقي لدى المغاربة الذين نهضوا لمواجهة الاستغلال الذي وقعوا ضحية له. فكتب أوكَوستين براديي A.Pradier في «المغرب الاشتراكي» يقول: «أصبح البروليتاريون المغاربة واعين بكرامتهم، ولم يعودوا يقبلون أن يعاملوا مثل «الأقنان» أو مثل «الدواب». كان ألف من بينهم مجتمعين قرب مصالح البلدية ينتظرون في هدوء، ممثليهم المجتمعين مع أرباب العمل، من الثانية إلى الثامنة مساء، وقاموا بنفس الشيء في اليوم التالي، وقال أحدهم الذي يتكلم اللغة الفرنسية: «أنا أريد الثورة» وحين أبلغهم ممثلوهم بالنتائج الجيدة المحصلة، هتفوا «لتحي النقابات» (21). 
 
وبعد ما قدمت هي أيضا رواية لإضرابات فاس وخريبكَة، انتهت جريدة «كلارتي» مقالها بهذه السطور: «بإبطالها للكليشيهات القديمة لرجال الادارة المنهكين، بينت البروليتاريا المغربية بأنها كسبت أخيرا الوعي الطبقي الذي يجعلها بلا هوادة في صفوف البروليتاريين الأوربيين للدفاع عن حقها في الشغل وفي القوت اليومي».
 
وعلى عكس هذا، قررت الصحافة الواسعة الانتشار عدم الحديث عن هذه الحركات أو التحدث باقل ما يمكن. وكانت جريدة «لوبوتي ماروكان»، حرصا منها على مراعاة جانب زبنائها الموظفين والعمال، تعطي تقارير سريعة ودقيقة في تسلسها الزمني، وبدون تعليق، أما «لابريس ماروكان» Presse marocaine، وهي لسان حال فرعي الحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الشعبي الفرنسي، فبعد سكوتها «لكي لا تحيط السياح»، انفجرت، معتبرة أن هذه الاضطرابات هي من تدبير مؤامرة شيوعية، واتهم الجنرال نوكَيس بالضعف وتعرض لانتقاد عنيف.
 
ففي عددها ليوم 27 كانون الثاني/يناير 1937 نشرت «لابريس ماروكان» رسالة أحد القراء، هذه بعض مقتطفاتها.
 
«منذ صباح يوم أمس، 20 كانون الثاني/يناير، ومستخدمو الشركة المغربية للنقل CTM يخوضون  إضرابا عن العمل، لماذا لا تتحدثون عنه في جرائدكم في الوقت الذي يشل حياة البلاد الاقتصادية؟ إن التحريض الثوري الذي أشرتم إليه بشجاعة هو أوسع مما بينتم».
 
«وقد أدى التدخل المؤسف للجنيرال نوكَيس في اضرابات البناء الأخيرة بفاس إلى اندلاع الاضراب في حافلات هذه المدينة وفي مراكز الفوسفاط بخريبكَة».
 
«في قطاع البناء حصل محرضو ك.ع.ش. بفاس على رفع الأجر الأنى من 4 إلى 5 فرنكات ويريدون أن يدفعوا العمال المغاربة للحصول على زيادة مماثلة... الامر الذي سيؤدي إلى تعميم غلاء المعيشة وسيقودنها إلى البؤس».
 
وفي اليوم الموالي، 22 شباط/يناير، كتب مراسل الجريدة، وهو بدون شك مستخدم في المكتب الشريف للفوسفاط ومنخرط في الحزب الشعبي الفرنسي، في مقال بعنوان «القلاقل في خريبكَة» ما يلي:
 
«منذ ذهاب بيروتون، يبدو أن المحرضين اختاروا خريبكَة كمركز لنشاطهم. فالانتفاضة المستقبلية تتهيأ ضمن صفوف مستخدمي المكتب الشريف للفوسفاط (م.ش.ف.) (500 أوربي و12000 أهلي)...
 
«بمبرر النقابية، تعمل جمعية نقابية معينة، مركزها بدار «الشعب» بخريبكَة، وهي أيضا مركز فرع الحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO)، تعمل على دفع الأهالي إلى الانتفاض ضد السلطة؛ وتجمع هذه الجمعية المهنية المزعومة مرارا الأهالي، وتحثهم على التنظيم، كبررة لهم ايجابيات اتحادهم للحصول على كافة أنواع الامتيازات المادية والمعنوية، عن طريق عمل مشترك».
 
هذه معلومات مهمة حول الشغيلة المغاربة. إلا أن «لابريس ماروكان» التي لمن تجد الكلمات الكافية للتنديد ب ك.ع.ش. التي تقود الأوربيين إلى البؤس، لأنها حصلت على أجر يومي لشغيلة البناء الأهليين يبلغ 5.60 أو لأنها تدفعهم إلى مناهضة السلطة، لم تكف عن مدح فرانكو، الذي يضمن برفق «راحة الأهالي وتطوير المؤسسات الاسلامية».
 
هل أثر المناضلون الوطنيون على الشغيلة المغاربة وساهموا في اندلاع حركات الاضراب عن العمل؟ تتعذر الاجابة. إلا أنه من البديهي أنهم لم يكونوا غير مبالين بهذه الأحداث الاجتماعية، بل تتبعوها عن كثب، كما حصل في حزيران/يونيو 1936 (2). ذلك لأنهم كانت لهم اتصالات منتظمة مع المناضلين الاشتراكيين، وكان بعضهم مسؤولين نقابيين في الدار البيضاء، وفي فاس خاصة، حيث كان جان برنارديني (J.Bernardini)، كاتب فرع الحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية، وأندري دراتيكَناف (A.Dartigenave)، كاتب عام للاتحاد المحلي وجان موران J.Maurin، مداوم، كاتب نقابة البناء وكاتب إداري للاتحاد الجهوي، كانوا متفقين معهم ويؤيدون بعزم برنامجهم الاصلاحي، وقد اعتبرت السلطات الاقليمية أن هؤلاء النقابيين، بمساعدة اشتراكيين مغربيين هما ادريس بنزاكور والوزاني، بريدي، هما المسؤولين عن إضرابات كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 1937 (23). وكما حصل في 1936، فإن مناضلي ك.ع.ش. هم الذين لعبوا دور القيادة في هذه الحركة، رغم تصرف الاهالي لوحدهم في خريبكَة، فقد كانت لهم علاقات وطيدة بالنقابة التي قامت بعمل دعائي وتنظيمي في صفوفهم ثم سرعان ما تدخلت كوسيط.
 
-تخوفات الاقامة: التعاضدية شكل مرغوب فيه للتنظيم العمالي بالنسبة للمغاربة.
 
كانت مصالح الاقامة المكلفة بمراقبة العقول وبإدارة الأهالي مشغولة البال. وفي «النشرة الاقتصادية» للمغرب. شبه الرسمية، عبّر مقال أدريان ماسونو Adrien Massonaud، وهو مراقب مدني احتياطي، عن وجهات النظر الرسمية.
 
فبعد استعراض لمشاكل الصناعة التقليدية والتعاضديات، والأزمات التي مرت بها والمخاطر الناجمة عنها، أبرز الكاتب ظهور «كهربائيين، سائقين، ميكانيكيين، عمال يدويين وعمال مصنع... الخ، أصبحوا يشكلون طبقة جديدة من الشغيلة، طبقة عاملة وذلك خارج تعاضديات العمال التي يتنامى عددها سنة بعد سنة. ولم يعد من الممكن تجاهل تطور هؤلاء العمال إذ بمشاركتهم في عمل العمال الأوربيين، سيريدون عما قريب التمتع بحقوقهم. وسبق لبعضهم، في مراكز بالرباط والدار البيضاء، أن انخرط في تجمعات مهنية وتضامن مع العمال الأوربيين في اضراباتهم. وقد اكتسبت الحركة أهمية كافية لإثارة انتباه الأحزاب السياسية. وفي مؤتمرها المنعقد يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر (كذا) (24) ، طالبت الفيدرالية المغربية للفرع الفرنسي للأممية الاشتراكية (SFIO) بالسماح للمغاربة بالمساهمة في النقابات المهنية...
 
«وقد سبق أن اشرنا إلى المخاطر الناجمة عن تمكين هذه الكتلة البشرية الجاهلة والمتنامية باستمرار من الدخول إلى النقابات الأوربية لتتعاطى لنضالاتنا السياسية.
 
«وعلى عكس هذا، من المستحيل الوقوف عند حل كسول، سيمنع على الأهالي الانخراط في النقابات ليتركهم بدون دفاع أمام أرباب العمل الأوربيين أو المغاربة».
 
انطلاقا من هذه الملاحظات، لا يرى أدريان ماسونو  A.Massounaudكحل سوى تعميق سياسة الدعم المالي والتقني في إطار تعاضديات موطدة ومجددة بغية انقاذ الحرفيين من الافلاس وتوسيع مبدأ التعاضدية ليشمل الشغيلة.
 
ويضيف قائلا: «إن هذا الشكل التنظيمي الموافق لتقاليده، مألوف من طرفه، سيعلم بأنه لكي يصبح عاملا، يجب عليه أن يتسجل في تعاضدية معينة كما هو الشأن بالنسبة للحرفي...
 
«وفي الوقت الذي ستصبح فيه التعاضدية بالنسبة للعامل المغربي في ذات الآن، مكتبا للتوظيف، وشركة للإسعاف المتبادل ومجموعة دفاعية سوف تفقد النقابة أية جاذبية بالنسبة إليه.
 
«بهذا المعنى، سيسمح تنظيم التعاضدية بمد حكومة الحماية بالوسائل الكفيلة بالتحكم في توجيه ونشاط محميينا. ومن الزاوية الاجتماعية والسياسية، فإن على هذا التنظيم أن يقلص النزاعات الاجتماعية بين أرباب العمل والعمال إلى أدنى حد. وسيتمتع العمال بفضل متانة تأطيرهم وتعليمهم وإسعافهم في إطار التعاضديات، باستقرار اجتماعي سيكون أفضل ضمانة بالنسبة لنا ضد المحرضين خلال مراحل الأزمة الاقتصادية والسياسية....»
 
فالأمور واضحة للغاية. لم يخش هذا المقال، الصادر في عهد حكومة الجبهة الشعبية، من الاستناد إلى نظام التعاضدية الذي «اعتمدت عليه بعض الدول الأوربية... لإنجاز إعادة تنظيم قومي شامل». وكان يعبر عن الفلسفة المشتركة لأرباب العمل والاقامة العامة. وكانت هذه الفلسفة، المقترحة سنة 1928 من طرف اللجنة الفرعية للشؤون الاسلامية، والمتبناة من طرف روني هوفر René Hoffer سنة 1932 (25)، تطرح على نفسها كهدف، حصر طبقة الشغيلة المغاربة الجديدة في إطارات قديمة يؤكد المسؤولون على الرغبة في تحديثها.
 
واستند الجنيرال نوكَيس يوم 25 حزيران/يونيو 1937، أمام مجلس الحكومة على هذه الفلسفة لتبرير رفضه للحق النقابي للمغاربة: «لم يسمح للأهليين بالتمتع بهذا القانون، لأنه لتحسين مصير الطبقة العاملة المغربية، يجب في نظري أن نتجه وجهة أخرى، أي إحياء التعاضديات وتجديد الصناعة التقليدية».
 
إن هذا مؤشر توجيهي كان كفيلا بتلبية رغبات كبار أرباب العمل الذين كانوا يحشون فكرة الشيوعية والصراع الطبقي. غير أن التجمع الشعبي كان ما يزال قائما، إذ لم يكن بإمكان ولا في نية القامة العامة أن تذهب أبعد من هذا، كان يكفيها آنذاك ان غياب الحق النقابي لن يسمح للمناضلين الوطنيين بأن يجعلوا من النقابات العمالية وسيلة إضافية للضغط.
 
.المواقف النقابية
 
-التضامن والاستقطاب
 
لم يستسلم مناضلو اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، إذ أكدوا باستمرار تضامنهم مع الشعب المغربي في محنته. وعلى إثر الجفاف، اشتد ضيق سكان جنوب المغرب فأنشأ تكتل المصالح العمومية لجنة لإسعاف جائعي ومعدمي الجنوب المغربي، وافتتح اكتتابات في صفوف منخرطيه، الموظفين وشغيلة الدولة ومستخدمي التجارة والأبناك. وفعلت الغرفة التجارية والصناعية نفس الشيء، لكي لا تظل مهمشة . وتبعت ذلك مبادرات أخرى. وفرض التكتل وجهات نظره في 11 أيار/مايو 1937 على لجنة التنسيق التي انشئت. كما حصل على إمكانية تدبيره بنفسه للأموال التي سيجمعها، وشرائه للمواد الغذائية الضرورية مباشرة، وتنظيمه لتوزيع الاسعافات وقد تكلف بمدينة مراكش، فتم خلال عدة أسابيع توزيع ربع خبزة من الشعير وشربة يوميا على كل فرد من آلاف المعدمين –كانوا ما بين 4000 و6000- الذين تقدموا (26). وقد برهن الموظفون والبريديون والسككيون على مهارة وتفان وشجاعة في عملهم. وقد أدى أحدهم، وهو كاسولا Cassola، مستخدم بالمصالح البلدية لمراكش، المصاب بالتيفوس، حياته ثمنا لهذه المجهودات (27).
 
وقد كشف المناضلون أيضا عملية استقطاب المغاربة التي بدأت بعد إضرابات حزيران/يونيو 1936. وتعاظم عددهم، إلا أننا لا نستطيع تحديده ولو بصورة تقريبية، شملت الاستقطابات قطاعات البناء ومناجم الرصاص والفوسفاط، والنقل، المستخدمين (حيث كان اليهود المغاربة كثيرين)، والسكك، وشغيلة الدولة، والبريد، والمعلمين والموظفين الآخرين. وظلت أبواب بعض النقابات موصدة أمامهم. كم كان عددهم الاجمالي؟ بعض الآلاف ربما (28). إلا أن الشغيلة المغاربة، سواء كانوا منخرطين في النقابة أم لا، كانوا يتجهون نحو تنظيمات اتحاد النقابات الكونفدرالية للمغرب، وهي التي كانوا يتبعونها حين يريدون تقديم مطالبهم أو الدفاع عن أنفسهم. ولا يبدو ان المناضلين الوطنيين الذين كان من بين مطالبهم الحق النقابي وحق التجمع، والذين كانت علاقتهم جيدة مع الاشتراكيين والشيوعيين –قد فكروا إذ ذاك في معاكسة هذا التأثير (29). ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة لأرباب العمل ولرجال السلطة والشرطة الذين كانوا يحاربونه ويطاردون النقابيين المغاربة.
 
ولحمايتهم من الحملات الانتقامية، غالبا ما كان المسؤولين النقابيون لا يعطونهم بطاقة العضوية (30). وأكثر من ذلك لم يفكروا في اعطائهم مسؤوليات، كما هو الشأن بالنسبة للأجانب، لأن الظهير يمنع ذلك. وبتطبيقهم الحرفي للقانون –لأنهم لم يرغبوا بدون شك في المجازفة بحق كانوا يعتبرونه وشيك التحقيق –أوقف هؤلاء المسؤولون التكوين العمالي. كان هذا حدثا خطيرا أدى غلى تراجع في الممارسات التي بدأت تسود الجمعيات المهنية. مع انتخاب المغاربة في المكاتب.
 
وبحكم الواقع أصبحت المكاتب النقابية، المكونة من الفرنسيين فحسب، تعتبر نفسها المدافع الطبيعي عن المأجورين المغاربة، وليس ناطقا مؤقتا باسم شغيلة مُنعوا من التعبير، وترتب على ذلك نوع من الأبوة تجلت في تصرفات وتصريحات العديد من المسؤولين –إلا أنه كانت هناك استثناءات.
 
-المطالبة المجددة بالحق النقابي
 
وظلت مع ذلك المطالبة بالحق النقابي لفائدة المغاربة في مقدمة اهتمامات الاتحاد الجهوي. إذ كانت تتردد بإلحاح من خلال النقاشات وملتمسات التجمعات العامة أو مؤتمرات كافة التنظيمات النقابية. وكانت تُعرض على السلطات الاقليمية والمقيمية كلما سنحت الفرصة لذلك. ومنذ أن اصبح للاتحاد جريدته، «طرافاي» Travail، لم يصدر أي عدد منها بدون أن تكون القضية مطروحة فيه. فكتب شارل دوبوي، في العدد الأول الصادر يوم 15 تموز/يوليو 1937، في مقاله «النقابية والمغرب»، بأن كافة الشغيلة مستغلون، كيف ما كانت أصولهم، وهم بحاجة إلى الاتحاد في مواجهة «كبار رجال الأعمال المتيني التنظيم». وأضاف: «لا يجب منح الحق النقابي فقط للأوربيين الذين لا يمثلون إلاّ حفنة متواضعة، بل للطبقة العاملة برمتها. هذا الحق علينا أن نحصل عليه، لأنه يستحيل على حكومة الجبهة الشعبية المرتكزة على جماهير الشغيلة أن ترفض الحق النقابي لشغيلة آخرين».
 
ثم، بعد إشارة لمقال أدريان ماسونو ولمشروعه («التنظيم التعاضدي») يستنكر قائلا: «هُوَّذا إذن مخطط مفهوم... لتقسيم الطبقة العاملة... لا، يا سادتي أرباب العمل، لقد فهم المأجورون ما تقصدون، ورغم مناوراتكم سيتحد الشغيلة المغاربة مع الطبقة العاملة في  ك.ع.ش.... إننا جميعا، مستغلون نناضل ضد أرباب العمل وضد الرأسمال وضد الفاشية... إنكم تريدون أن تفعلوا ما فعل فرانكو، تريدون استعمال المغاربة للإطلاق النار على إخوانكم الفرنسيين، وتريدون استخدامهم ذخيرة لمدافعكم من أجل تكسير اتحاد الطبقة العاملة. لا، إن الشغيلة لن يقبلوا هذا مطلقا».
 
ثم أتى دور أفريد بنايون A.Benayoun، عضو اللجنة الادارية الذي، ذكر بالدلائل المقدمة لرفض الحق النقابي للمغاربة –معارضة السلطان لقرار يضع جزءا من رعيته خارج سلطته، إمكانية استغلال ذلك من طرف الوطنيين المغاربة ضد سلطة فرنسا –وأكد، على عكس ذلك، بأن النقابة بسماحها للتقارب بين الفرنسيين والمغاربة «ستشكل ربما حاجزا قويا ضد أية فكرة للحكم الذاتي» و«هذا سيعود بأكبر النفع على الحماية وسيمدد عمرها» (31).
 
تعرضت هذه التصريحات، التي تتجاوز الاعتبارات النقابية المحضة، لانتقادات شديدة من طرف جان مينار J.Minnar  -اسم مستعار بدون شك- في مقال بعنوان: «لا يجب أن تكون النقابية عاملا مساعدا للاستعمار»، نشره في «المغرب الاشتراكي»، عدد 26 أيلول/سبتمبر. وأنهى الكاتب –الذي كان يفترض بأن هذه التصريحات تعكس أفكار معظم مسؤولي اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب- مقاله بهذه الكلمات: «إن المغاربة في بلادهم. لهم الحق في تبني الأفكار التي يعتبرونها صحيحة. وهذه القضية بينهم وبين القوة المتكلفة بالحماية وعلى البروليتاريين الأوربيين أن يدعموهم فقط».
 
-الشيوعيون والاشتراكيون والنقابيون أمام مطالب الوطنيين.
 
كان هذا النقاش يعكس تقييمات المناضلين المختلفة للأحداث التي كانت تهز المغرب في أيلول/سبتمبر 1937 والتي ستتفاقم في الشهر الموالي.
 
إذ قرر «الشبان المغاربة»، الين اصيبوا بالخيبة على إثر رفض حكومة الجبهة الشعبية تلبية مطالبهم، العدول عن المعارضة المعتدلة التي مارسوها لحد الآن، وعملوا على توسيع قاعدتهم الشعبية، والنفاذ إلى شعب المدن والبوادي، ونشر برنامج الاصلاحات.
 
إلاّ أنهم انقسموا إلى اتجاهين (شباط/فبراير 1937). اجتمع الاتجاه الأول حول الوزاني في الحركة الشعبية؛ فيما شكل الاتجاه الثاني، وهو الأكثر عددا، بقيادة علال الفاسي وبلفريج ومحمد اليازدي وعمر عبد الجليل، الحزب الوطني لتحقيق الاصلاحات، وأنشأ الحزب الوطني فروعا له في مختلف مدن المغرب ومداشيره، وبذل جهده لاستعمال تنظيمات الكشفية والكتاتيب القرآنية المجددة للتأثير على السباب وتنويره، إلاّ لم يهمل الحفاظ على اتصالات مع الاشتراكيين والشيوعيين والنقابيين.
 
واستمر الشيوعيون، بقلم مارك فوركلود M.Forclaude (ليون سلطان) في القيام بحملة في جريدة «كلارتي» Clarté «لمنح الحريات الديمقراطية الأولية للشعب المغربي، وإنشاء مدارس جديدة ومنح حرية الصحافة المسلمة (32)، وتوفير عدالة نزيهة ولا متحيزة ومستقلة» (33). واكدوا اعترافهم بحق الشعوب المستعمرة في الاستقلال، غير أنهم أوصوا بأخذ امكانيات الظرف بالاعتبار وبعدم الانفصال عن فرنسا وعن الجبهة الشعبية (34).
 
وظل الاشتراكيون منقسمين حول حجم ووتيرة هذه الاصلاحات وحول طبيعة العلاقات الواجب اقامتها مع التنظيمات الوطنية، وليس فيما يتعلق بضرورة محاربة التجاوزات والقيام بإصلاحات. وكان يبرز باستمرار تعارض بين الاشتراكيين المعتدلين و«اليسار الثوري»، وبين الناطقين باسمهما، لِيونيتي وشينيو. وبقراءتنا للتقرير الصادر في جريدة «لوبوتي ماروكان» Le Petit Marocain، عدد 21 حزيران/يونيو 1937، قد يكون بإمكاننا الاعتقاد بأن اتفاقا أُبرم بين الطرفين في المؤتمر الفيديرالي المنعقد يوم 20 حزيران/يونيو 1937، وبأن تقريرا مشتركا حول القضية المغربية سيقدمه لوسيان باي L.Paye في المؤتمر الاشتراكي لمرسيليا في تموز/يوليو. لكن لم يحصل ذلك. إذ قدم شينيو تقريره الذي تضمَّن نقدا حادا لنظام الحماية وللاستغلال الذي يخفيه وطالب بالوفاء بالوعود التي قدمها المؤتمر الاشتراكي خلال السنة الفارطة (35). أما ليونيتي فلم يتمكن من التدخل، مما سرّ القادة الوطنيين. لكن، في مؤتمر الرباط المنعقد في تشرين الثاني/نوفمبر 1937، انتُخب لٍيونيتي كاتبا فيديراليا وأخذ بقيادة الحزب. غير أن شينيو ظل في قيادة الجريدة. وكانت هذه الازدواجية بشكل ما منبع توتر.
 
وأدى تحويل مياه نهر كان يزود أحياء مغربية بمكناس لفائدة الاستيطان، في أيار/مايو-حزيران/يونيو 1937، إلى انفجار سخط المغاربة من وجدة إلى مراكش. فتوالت الاحتجاجات الجماهيرية، وتدخلت الشرطة والجيش؛ ومات من مات وجرح من جرح، ووقعت اعتقالات ومظاهرات جديدة. وفي النهاية، تم احتلال الأحياء الشعبية بفاس يومي 27 و28 تشرين الأول/أكتوبر، واعتقال أو نفي القادة الوطنيين التالين: عبد الجليل ومحمد اليزيدي، ومحمد ديوري وعلال الفاسي والوزاني. كما تم حل الأحزاب الوطنية ومنع جرائدها. ومنذ 9 تشرين الأول/أكتوبر، أخبر نوكَيس باريس بأنه لن يتردد عند «أول مظاهرة مدبَّرة» باتخاذ اجراءات لاعتقال المحرضين مهما كانت ردود الافعال المرتقبة (36).
 
لم تتلاش الوطنية على إثر هذه الاجراءات، وإن ضعفت كثيرا. واستطاع المقيم العام، بفضل بعض الاصلاحات وبسياسة معينة قوامها الرأفة والمراعاة والتقدير، أن يكسب جزءا من الشبيبة وأن يغري القصر.
 
وقد ولَّدت أحداث أيلول/سبتمبر-تشرين الأول/أكتوبر 1937 انفعالا قويا في أوساط اليسار. فعبَّر أُورانج Aurange، في جريدة «طرافاي» Travail عن مشاعر النقابيين (37)، منددا بالبؤس والمجاعة والحملات الدعائية الفاشية الاسبانية والايطالية والألمانية، وبغياب اجراءات تحسين أوضاع السكان: «يجب توفير المدارس، يجب توفير الماء... يجب توفير شيء من الحرية... يجب منع اللجوء إلى القوة مطلقا، فالتهديد لن يدوم طويلا.» وأدان أيضا رفض الاقامة المتعنت لمنح الحق النقابي: «لو استمتعت إلينا الحكومة، التي غلّطها بعض الموظفين السامين الرجعيين، لما أخللنا بالتزاماتنا. كنا سنتكفل بتعليم أصدقائنا المسلمين. لِم إخفاء ذلك؟ كانت لهم ثقة فينا، بل لم يثقوا إلاّ بنا. لكونهم شغيلة، لم يرغبوا في الركون إلاّ إلى رفاقهم بالمصانع والورشات والمكاتب...»
 
فيما راق لمناضلين آخرين أن يشيروا إلى أن العمال المغاربة المنقبين لم يساهموا في هذه التحركات؛ وبذلك يعطون الدليل على أن الجمعيات المهنية كانت مجالا للالتقاء والتفاهم، وليست بؤرة للقلاقل، وعلى أن رفض الحق النقابي كان خطأً.
 
لم تتأثر سلطات الاقامة بهذه المواقف. وكان مثال تونس، المشار إليه بكثرة، يبدو على أنه المثال الذي لا يجب أن يُحتذى في وقت كان فيه الشغيلة التونسيون يستعملون الحرية النقابية لا عادة تأسيس الكونفديرالية العامة للشغيلة التونسيين (ك.ع.ش.ت. C.G.T.T) لمواجهة ك.ع.ش. المختلطة (38). وقد أدت ضغوطات ارباب العمل الاستعماريين وأحداث أيلول/سبتمبر-تشرين الأول/أكتوبر، إلى تصلب الجنيرال نوكَيس في موقفه.
 
 
 
 
11- تطور النقابية : يونيو 1937 . أبريل 1938
 
.الاستقطاب والتنظيم
 
ومهما يكن من أمر، فقد استمر عدد المنقبين في الارتفاع، وتنامى التأسيس النقابي. واكتمل هذا الأخير بهياكل أفقية  جمعت نقابات بلدة أو إقليم في اتحادات محلية، وبهياكل عمودية: أي الفيديراليات أو الاتحادات الرابطة بين النقابات أو فروع شغيلة نفس المهنة – أو نفس الصناعة «كما كان يقال آنداك».
 
إن عدد المنخرطين في اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب الذي كان يقدر بـ 7 أو 8000 في نهاية 1936، قد يكون بلغ حوالي 12000 في تموز/يوليو 1937 وقرابة 20000 في نهاية السنة. انها قفزة ذات أهمية، حتى لو اعتبرنا أن الأرقام التي قدمها الكاتب العام لاتحاد النقابات مرتفعة شيئا ما (1).
 
ويلاحظ هذا التوسع في جميع القطاعات. ومن المفيد في هذا الصدد مقارنة لوائح النقابات الممثلة في مؤتمري كانون الثاني/يناير 1937 و شباط/فبراير 1938، كما قدمتها لجن التحقق من الانتدابات، اذ يستخلص منها أن 48 نقابة تأسست خلال سنة 1937: 26 نقابة للموظفين بثمانية وثلاثين تفويضا؛ و 5 في المصالح ذات الامتياز بستة تفويضات؛ و17 في القطاع الخاص بسبعة عشر تفويضا، أي 61 تفويضا في المجموع من ضمن عدد إجمالي يبلغ 204، وهذه نقابات ذات أهمية صغيرة أو متوسطة. وقد انضم المنخرطون الجدد الى التنظيمات الموجودة سابقا والمؤسسة في القطاعات الكبرى للحياة الادارية والاقتصادية.
 
وكانت نقابات القطاع العام تضم 45% من التفويضات؛ ونقابات المصالح ذات الامتياز 20.5% والقطاع الخاص 34.5%.  وكان الموظفون والبريديون وشغيلة الدولة يشكلون الأعداد الكبرى. وبفضل عددهم وانتظام مواردهم المالية، كانوا بمثابة قاعدة الاتحاد الأساسية. غير أن وزنهم النسبي تقلص. إذ أصبح السككيون الذين أكدوا أكثر فأكثر أنهم أقوى مجموعة عمالية، والكهربائيون ومستخدمو الفوسفاط والأبناك، الذين لهم نفوذ مباشر على الحياة الاستعمارية، أصبحوا يعاملون بنوع من المراعاة. وتنامى عدد الشغيلة المنظمين في قطاعات التغذية والتعدين والبناء والنقل الحضري والنقل البري.
 
بهذا تتأكد ملاحظة المناضلين القائلة بالأهمية المتنامية للعنصر العمالي في القطاعات ذات الامتياز وفي القطاعات الخاصة، مما طرح على مسؤولي اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب مشاكل عويصة على إثر غياب أو قلة الاطر وكان القانون النقابي بسماحه للفرنسيين وحدهم باحتلال مناصب القيادة يعرض المناضلين المغاربة لقمع أرباب العمل ويسهل تفكيك النقابة.
 
في هذه الظروف، أصبح دور الاتحادات المحلية حاسما. اذ كان عليها أن توجه وتوعي الشغيلة، وتنظمهم وتساعدهم على التعبير عن مطالبهم وتدعمهم في نشاطهم. إلى جانب الاتحادات المحلية الخمسة المؤسسة سابقا، تأسست خمسة أخرى في شباط/فبراير وآذار/مارس 1937، وكانت مراكزها: الدار البيضاء وآسفي والقنيطرة وتازة والجديدة. وكان على البلديات أن تعطيها بورصات للشغل ستتكفل هي بصيانتها. وفي النهاية، امتثلت البلديات راضية إلى هذا الحد أو ذاك. لقرارات الإقامة، باستثناء بلدية مدينة وجدة. التي لم تكن لها بورصة بَعْدُ سنة 1939. في الدار البيضاء أصبحت مقرات ساحة فليبير  Philibert، التي كانت سنة 1931 مفخرة الاتحاد الجهوي الناشئ، جد ضيقة، وحصل اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب، بعد عدة مساع، على مجموعة سكنية واسعة بشارع باستور، بإمكانها احتواء مكاتبها ومكاتب الاتحاد المحلي، والفيديراليات والنقابات التي كان مقرها المركزي بالعاصمة الاقتصادية.
 
وقد اهتمت مكاتب الاتحادات المحلية، المنشطة من طرف السككيين والمعلمين والبريديين وشغيلة الدولة، بتكوين وتعليم المناضلين في معاهد للشغل، على غرار ما كان يجري في فرنسا، وكان يشرف عليها مركز دائم للتربية العمالية (2). وكان يضرب المثل بمعهدي الرباط والدار البيضاء. وكانت الرباط تفتخر بأساتذتها الاثنين و الأربعين وكان من بينهم جان دريش، لوي باي  Louis Paye  والسيدة لاكَارس  Lagarce و.كان نقابيو المصالح العمومية ولمصالح ذات الامتياز هم الذين يترددون بخاصة على هذه الدروس التي ساهمت في تسليحهم بشكل أفضل. بينما لم تشمل إلا قليلا نقابيي القطاع الخاص الذين كانوا في أمس الحاجة إليها.
 
.المطالب والضغوطات النقابية :
 
لقد كان نمو الحركة النقابية هذه في ذات الآن، سببا ونتيجة للضغوطات النقابية القوية التي مورست من أجل تلبية المطالب الأساسية للشغيلة كما عبرت عنها مختلف مؤتمرات اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب، والفيديراليات و النقابات. تتألف هذه المطالب من ثلاث مستويات : الدفاع عن جميع الأجور في هذه المرحلة المتميزة بتدهور قيمة العملة وبارتفاع عام لكافة الأسعار، التطبيق الصارم للتشريع الهزيل الموجود و الخاص بحوادث الشغل وبالعطلة الأسبوعية، وبثماني ساعات عمل في اليوم وبكيفية أداء الأجور، توسيع التشريع الفرنسي الجديد الخاص بأسبوع الأربعين ساعة عمل، العطلة المؤدى عنها وبالاتفاقيات الجماعية، ليشمل المغرب.
 
- علاقة الاتحاد مع السلطات
 
كان قادة اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب وقادة أكبر الفيديراليات يتصدون لهذه المهام بتفاؤل، ليقينهم من تعاطف الاقامة معهم، هذا رغم اصطدامهم بمقاومة متظافرة لبعض مدراء الشؤون الاقتصادية والمالية والأشغال العمومية ولمعظم السلطات الجهوية وأرباب العمل، فوقعت مطالبة قوية بتطهير الدوائر العليا للإدارة المتهمة علاوة على هذا، بتأييدها للفرانكوية.
 
وظلت مكاتب المقيم العام، التي يسيرها جورج هوتان G .hotin، ومكاتب موريز Morize التي كانت المصالح المدنية للحماية ولاسيما مصلحة الشغل والقضايا الاجتماعية، تابعة لها، ظلت مفتوحة أمام كافة المتوافدين عليها. وكما هو الشأن في فرنسا – وتبعا للتوجيهات الحكومية – قبلت تلك المكاتب أن يكون لاتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب ممثلون في مختلف اللجن الاقتصادية والاجتماعية: مكتب الحبوب، لجن مراقبة الأسعار، اللجنة العليا للشغل (التي لم تجتمع قط) ، اللجن الثلاثية حيث كانت تناقش كافة مشاريع النصوص المتعلقة بالتقنين الاجتماعي، والتي كانت فيما قبل تخضع للدراسة من طرف تنظيمات العمال وأرباب العمل.
 
ورغم مجهودات الاتحاد المغربي للشغيلة المسيحيين، الذي أكثر من إصدار البلاغات  الصحفية ومن التطبيل للمنظمات التابعة له، فقد ظل اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب المنظمة الوحيدة ذات التمثيلية الفعلية للعمال. فكانت انتخابات مجالس العمال و أرباب العمل، والانتخابات المهنية في مختلف الفئات: (الموظفون، السككيون، شغيلة الفوسفاط، الكهربائيون، شغيلة الأبناك) لصالحه دائما -بينما لم تكن تحصل لوائح الكونفيديرالية الفرنسية للشغيلة المسيحيين إذا ما وجدت إلا على 20% من الأصوات في أحسن الأحوال. وظلت بورصات الشغل مخصصة له، وحين كانت تطرح المطالب أو تتفجر نزاعات، كان مناضلو الاتحاد هم الذين يتفاوضون ويبرمون الاتفاقيات مع السلطات الجهوية أو البلدية أو المقيمية التي كانت تقوم بدور الحكم أو الوسيط بين الشغيلة ومشغليهم.
 
وأبدى كل من شابان، في عدد من ( لافَنير دي راي) ، نيسان/أبريل 1937، وأورانج، في أول عدد من «طرافَاي»، وهيفيرنو في تقريره الأدبي إلى مؤتمر شبااط/فبراير 1938، أبدوا ارتياحهم لهذه الروح الجديدة في التعامل. ومع ذلك أشار بعض المناضلين خلال المؤتمر إلى أن تصرفات المقيم لم تعد كما كانت، إذ أصبح نوكَيس مسؤولا إلى حد كبير عن مواقف أرباب العمل والمدراء. فنادوا إذن بمزيد من الحذر.
 
- في المصالح العمومية
 
كانت مسألة الأجور تهم جميع فئات الشغيلة. وإذا تمعنا في الأقرب تبين لنا أن الاقامة لم تكن تتخذ أي موقف، في المجالات التابعة لاختصاصها، إلا بعد اتخاذ المتروبول قرارا لفائدة مستخدميه. فقد كانت للموظفين والبريديين وشغيلة الدولة مطالب خاصة بهم، جرت بصددها مناقشات طويلة وعسيرة بين المندوبين ورؤساء المصالح. إلا أنهم كانوا جميعا منشغلين بقضايا الرواتب والتعويضات.
 
واستمرت الاقامة عزما منها على تفادي النزاعات المباشرة مع موظفيها في نهج نفس الممارسة المتبعة في المرحلة السابقة، والرامية إلى تطبيق بطئ للقوانين والمراسيم المقررة في الوظيفة العمومية بفرنسا. هكذا، ألغيت تدريجيا الاقتطاعات التي كانت تمس الرواتب والنفقات والمعاشات؛ ثم تقررت تعويضات بخصوص غلاء المعيشة مقابل ارتفاع الأسعار الناتج عن التدهور المتتالي لقيمة العملة.
 
واستمر المعلمون في المطالبة باسترجاع كلي، للتعويض عن السكن الذي حذف و الذي كان يشكل كما رأينا، جزءا من رواتبهم و ذلك إلى جانب التعويض عن غلاء المعيشة. وكانوا يطالبون أيضا صحبة كافة الموظفين باستعادة الزيادة المغربية البالغة 50%.
 
وكان المساعدون في المصالح العمومية للحماية يشتكون من وضعيتهم ذات الآفاق الغامضة وكانوا يهدفون إلى القضاء التدريجي على هذه الفئة بترسيمها بعد مدة معينة من العمل وتوقيف أي توظيف جديد ضمن هذا الاطار وفي انتظار ذلك، كانوا يطالبون بامتيازات  وبضمانات مماثلة لتلك التي يتمتع بها الموظفون والمتعلقة بمدة العطلة السنوية والاجازة المرضية وكذا بالمكافآت والتعويضات. وتم الحصول على نتائج محدودة بهذا القدر أو ذاك فيما يخص هذه النقط كافة، ماعدا، طبعا، إلغاء إطار المساعدين. ولم يحل هذا المشكل في فرنسا رغم النضالات المتعددة التي خيضت بشأنه.
 
وتوجد أهم وجهات نظر الفيديراليات الكبرى ومطامحها مطروحة في المذكرة التي قدمها التكتل الكونفيديرالي للمصالح العمومية إلى فرانسوا دوتيسان  F.de tessan   (3) بتاريخ 12 شباط/فبراير 1938 خلال زيارته للمغرب (4). فاعتبارا منهم لأنفسهم «كامتداد للجماعة الفرنسية»، طالب الموظفون الفرنسيون بأن تطبق عليهم تلقائيا القوانين الفرنسية. «حقا إن المبدأ مكتسب، إلا أننا نشكو من التأخر الكبير في التنفيذ ومن تحريضات مؤسفة». وبهذا الصدد يعطون مثال القانون المالي بتاريخ 31 كانون الأول/ديسمبر 1936 الخاص بتعديل المعاشات والتقاعد الذي  لم يطبق بعد. وبعدما طالبوا بالرجوع إلى التعويض القديم عن الاقامة وإلى الزيادة المغربية البالغة 50%، وبحصول المساعدين على نفس الضمانات المعطاة في فر نسا، تعرضوا لمسألة الشغيلة الأهلية.
 
فقالوا بشأنها: «إننا اعتبرنا دائما بأن رفاقنا المحميين متساوون معنا ويجب من الآن إيجاد مكان للأطر الأهليين في الإدارة، قبل أن يطالبوا بذلك ونددوا بأجور العمال الأهليين الهزيلة. «في وجدة، يقومون بالمقارنة. في نفس المحطة، يتقاضى العامل المغربي بالسكك الحديدية للمغرب يوميا 6.50 فرنكا، فيما يتقاضى العامل الجزائري بالسكك الحديدية للجزائر 15 فرنكا على الأقل».
 
وتنتهي المذكرة بهذه «الفكرة العامة»  التي  تدقق موقفهم: «نعتقد أن الإدماج الاقتصادي والاجتماعي التدريجي والسلمي، يجب أن يكون الانشغال الرئيسي فيما يخص السياسة العمالية الأهلية «على النقابية أن تلعب دورا كبيرا [في ذلك، لكن في صيغة فرنسية – أهلية، وليس في صيغة أهلية محلية لن تؤدي إلا إلى سوء التفاهم وانزعاج كبيرين» وهنا تلميح لمطامح الاقامة في إنشاء تعاضديات عمالية، وليس لإمكانية تأسيس نقابات مغربية صرفة، وهو احتمال لم يكن واردا بالنسبة لمناضلي اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب، إذ كان في نظرهم، من البديهي أن يلتحق الشغيلة المغاربة بنقابات ك.ع.ش. إلى جانب رفاقهم الأوربيين.
 
-في المصالح ذات الامتياز: معركة «النظام الأساسي».
 
كان التكتل يضم إلى جانب شغيلة المصالح العمومية، شغيلة ذات الامتياز والمكاتب، والسككيين، والكهربائيين، وشغيلة الفوسفاط، هنا تحققت نتائج مهمة، على إثر تقديم متكرر للمطالب، المدعمة أحيانا بتهديدات بالإضراب. وكان للإدارات، سواء المنبثقة عن بنك باريس والبلاد المنخفضة في السكك الحديدية والطاقة الكهربائية، أو الرجعية بوضوح كما هو الشأن بالنسبة للمكتب الشريف للفوسفاط، كان لها نزوع نحو رفض المطالب الاساسية المتعلقة بضمان استقرار الشغل، وبالترتيب المهني والترقيات، وبالضمانات ضد التعسفات.
 
ووعيا منها بالدور الذي يلعبه هؤلاء المستخدمُون في الحياة الاقتصادية للحماية، ورغبة منها في تفادي اضطرابات إضافية في مغرب يعيش وضعية مقلقة بسبب مطالب الوطنيين، كانت الإقامة تتدخل للقيام بالتحكيم.
 
1- السككيون.
 
قدمت أعداد «لا فنير دي راي» فيما بين كانون الثاني/يناير 1937 و أيار/مايو 1938، تعدادا للمطالب المطروحة وللنشاط المبذول وللنتائج المحصلة. وظلت قضايا الأجر، والتعويضات والعطلة السنوية، ومدة الشغل وتنظيمه، والتقاعد والمعاش في مقدمة الانشغالات. وكانت النقابات والفروع التقنية تناقشها. وكانت اللجن الادارية ومؤتمرات الاتحاد تصوغها، بينما كان المكتب مكلفا بتحقيقها، وكانت الوفود تدافع عنها خلال لقاءات مع مديري الشبكات، ومدير الأشغال العمومية، ومندوب الاقامة أو مع المقيم بنفسه.
 
وكانت المطالب الملباة عديدة.
 
وقد فكرت السكك الحديدية للمغرب في وضع المستخدمين الملحقين، ذوي الرواتب العالية، رهن إشارة شبكاتهم الأصلية. وقد تمكن الاتحاد من جعل إعادة الإدماج هذه اختيارية وإرادية، (مما أدى –تقول الجريدة في عدد أبريل 1937 – إلى توافد المنخرطين علينا، ومن بينهم ذوو الرواتب العليا). وتمكن أيضا من أن يصبح له ممثل في المجلس الأعلى للنقل المكلف بدراسة قضايا التنسيق بين السكة والطريق. وتم منح زيادة جزئية في الرواتب والتعويضات، كما طبق الاجراءات المتخذة لفائدة الموظفين على السككيين (5).
 
غير أن وضعية المياومين الأوربيين والمغاربة هي التي أثارت بالخصوص أقوى التدخلات في السكك الحديدية للمغرب، وفي خط طنجة – فاس على الأخص، حيث كانت شروط العمل والأجور سيئة للغاية، وكان دوريل Durel، كاتب نقابة خط طنجة – فاس عضو مكتب الاتحاد، قانونيا يتحمل المهمة الشاقة المتمثلة في الدفاع عن مستخدمي هذه الشبكة، هكذا تم الحصول على تحسينات في الشغل بالنسبة لمستخدمي مصالح العربات الفرنسيين، وعلى توسيع الزيادة في الأجور المحصل عليها من طرف مجندي ومساعدي السكك الحديدية للمغرب ليشمل مستخدمي خط طنجة – فاس، و أخيرا ترسيم كافة المستخدمين ذوي الجنسية الفرنسية الذين اشتغلوا بالشركة مدة ثلاث سنوات على الأقل، ابتداء من فاتح كانون الثاني/يناير 1938.
 
2- الكهربائيون :
 
إذا كان مستخدمو شبكات السكك تمكنوا من الحصول على نظام أساسي بفضل تحركاتهم فيما بين 1926 و1929، وإذا كان انشغالهم الحالي يتعلق باستكماله وتوسيع فوائده إلى فئة المجندين والمرسمين، فإن وضع مستخدمي توزيع وإنتاج الكهرباء مختلف تماما. فقد كانت تنظيماتهم فتية، إذا تأسست بعد 1936، ومنذ تأسيسها وتجمعها في إطار اتحاد النقابات المغربية للإنارة والقوى المحركة، عملت هذه التنظيمات على تحسين الأجور والحصول على نظام أساسي، وبعد مفاوضات صعبة دامت ستة أشهر، تم الحصول على نظام الأساسي بعد مناقشته. وتشبثت بأن يصبح منح هذا النظام الأساسي واجبا قانونيا على كل شركة ذات امتياز. وبفضل دعم المؤتمر وعمل مكتب الاتحاد الجهوي، حصلت على إصدار ظهير 6 شباط/فبراير 1938 الذي ينص على أن كل عمل لمنح الامتياز يجب أن يصاحب بنظام أساسي للمستخدمين المشغلين.
 
ووضع، في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1937، طلب بالتعويض يبلغ 150 فرنكا شهريا بالنسبة للأوربيين وفرنكين اثنين يوميا للمغاربة. وتظاهرت إدارتا الشركة المغربية لتوزيع الماء والكهرباء (SMD) وشركة الطاقة الكهربائية للمغرب (EEM) (6) عدم قبولها التفاوض مع التنظيمات النقابية نظرا لاعتراضهما على تم على تمثيليتها.
 
إلا أنهما اضطرتا الى التنازل، وقبلتا إخضاع النزاع للتحكيم. وقد التجأ الحكمان المعينان، هيفيرنو كاتب اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب، وشابون، رئيس  الغرفة التجارية للدار البيضاء، إلى حكم أعلى، هو القاضي كوردييCordier ، رئيس محكمة الاستئناف، في 18 كانون الأول/دجنبر أصدرت لجنة التحكيم حكمها الذي قرر بأن شركات الطاقة «ستدفع لمستخدميها الأوربيين تعويضا مؤقتا ثابتا وجزافيا يبلغ 150 فـ، شهريا وذلك ابتداء من فاتح تشرين الأول/أكتوبر 1937»، واستندت اللجنة فيما استندت عليه، على كون الحكومة قد رفعت قيمة الرواتب إثر الزيادة في الأسعار المترتبة عن التخفيض الثاني للعملة، الذي قام به شوتونChautemps ، هذا مع العلم «أنه لا يجب الافراط في التماثل بين الرواتب والأجور».
 
لم يكن النظام الأساسي والتعويضات يخصان المغاربة وأبرز المكتب في تقريره الأدبي إلى مؤتمر الاتحاد المغربي، وفي تقاريره إلى الفروع، الصعوبات التي تعترضه «حين كان يطرح مصير الرفاق الأهليين». وكان يُقال: «حذار. إننا هنا نمس مسألة تتعلق بالسياسة الأهلية في مجملها وبإمكان الإدارة وحدها التدخل في هذه القضية». غير أنه أعطي لهم وعدا بأخذ مطالبهم المقدمة بعين الاعتبار .
 
هكذا، حددت مذكرة إدارية بتاريخ فاتح تشرين الأول/أكتوبر 1937 شروط تشغيل المستخدمين الأهليين. ولم تقم هذه المذكرة سوى باستعادة وتجميع الاجراءات الجاري بها العمل. إلا أنها استغلت ذلك لحذف بعض الامتيازات العينية التي كانت تمنح للمستخدمين بعد خمس سنوات من الاشتغال.
 
وفي كانون الأول/ديسمبر 1937، لم يعد مكتب الاتحاد يقبل أن يحرم المستخدمون المغاربة من التعويض عن غلاء المعيشة، في الوقت الذي كان الأوربيون يتمتعون به. وطالب من الكاتب العام للفيديرالية الفرنسية، مارسيل بول، أن يتدخل لدى المقيم العام ووزير الخارجية، واحتجت أيضا بعض الفروع النقابية. وفي 29 كانون الأول/ديسمبر، حصل العمال المغاربة على تعويض بفرنكين في اليوم، وكانت قد تمت المطالبة به في 23 تشرين الأول/أكتوبر.
 
3- في المكتب الشريف للفوسفاط
 
 
في المكتب الشريف للفوسفاط كانت العلاقات بين الادارة والتنظيمات النقابية التابعة لـ: ك.ع.ش. سيئة بشكل واضح. فقد كانت الادارة حانقة على أولئك المناضلين الذين كانوا يقومون بتنقيب الأهالي، ويطالبون بتحسين الأجور ويفضحون نظام العنف والتعسف الذي كان مفروضا على الأهالي في المناجم و«القرى» التي كانوا يقطنون بها. وكانت تعطيهم نقطا سيئة وتعطل ترقيتهم وتشجع المستخدمين الواثقة منهم، غير المنقبين أو الذين كانوا أعضاء في التنظيمات اليمينية، دون أن تأخذ بعين الاعتبار كفاءتهم المهنية، وكانت تعطي الأسبقية في التشغيل للأجانب ولاسيما الإيطاليين المشتبه في كونهم فاشيين. وكان هذا التصرف يثير السخط كما كان محط تنديد شديد من طرف مسؤولي نقابات لوي جانتي (اليوسفية) وآسفي وخريبكة في بلاغات ومقالات نُشرت في «طرفآي» و «ماروك سوسياليست». وكان هذا التصرف أيضا موضوع مداخلاتهم في اللجن الادارية وفي مؤتمرات اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب. وهكذا أصبحوا يطالبون – فضلا عن تعديل الأجور أو التعويضات الذي أصبح ضروريا على إثر ارتفاع الأسعار- بإقامة سلم للتنقيط وإبلاغ المعنيين بنقطهم، وبتشكيل لجنة تعادلية التمثيل للترقية، وبتشغيل كافة المستخدمين عن طريق المباراة، وبتوسيع سلطات المندوبين لتشمل السلامة وحفظ الصحة، وبنشر النظام الأساسي للمستخدمين في الجريدة الرسمية لكي تصبح له قيمة شرعية؛ وأيضا بتحرير نظام أساسي للشغيلة المغاربة؛ و أخيرا بإرجاع كَورياس  Gorias وكازالونكَا Casalonga إلى شغلهما الذي فُصلا منه بسبب نشاطهما النقابي سنة 1934(7).
 
لم تتحسن الوضعية خلال الفصل الأول من سنة 1938. وفي 29 آذار/مارس، حرر المستخدمون الأوربيون بخريبكَة ملفا للمطالب المباشرة وقرروا بالإجماع مبدأ الإضراب إذا لم تُلَبَّ مطالبهم، وذلك على إثر تذمرهم من تباطؤ إدارة المكتب في خريبكَة في الوفاء بوعودها المقدمة في كانون الثاني/يناير، ولاسيما على إثر استيائهم من موقف بعض المهندسين إزاء الأهالي. وفي يوم السبت 2 نيسان/أبريل استُدعي المكتب النقابي من طرف مدير المركز الذي رفض استقبال الوفد المتقدم لضمه شخصا أجنبيا في نظره، هو هيفيرنو كاتب اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب. وفي الخامسة بعد الزوال، اتصل المدير، بأمر من الاقامة، بالمندوبين المصحوبين بهفيرنو. كان اللقاء سلبيا، وبعد أن وصلهما الخبر بذلك. تضامنت لوي جانتي (اليوسفية) وآسفي معهم. فكان الإضراب العام بالمراكز الفوسفاطية وشيك الوقوع.
 
ويوم الاثنين 4 نيسان/أبريل، لقيت المشكلة حلها في الرباط إذ أعطى موريز Morize، مندوب الإقامة، ورئيس المجلس الإداري للمكتب الشريف للفوسفاط، ضمانات قطعية، أكد توكَيس في اليوم الموالي، بأن اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب يتمتع بحق تقديم مطالب الشغيلة الأهليين. ولإنقاذهم من تعسفات رؤساء القرى، وهم مستخدمو المكتب الشريف للفوسفاط، سيتم وضع مراقب مدني، وسيتم تقنين المذكرات الادارية الخاصة بالأهالي.
 
أما فيما يخص المستخدمين الأوربيين، فقد لبيت جميع مطالبهم تقريبا: إذ تم نشر النظام الأساسي في الجريدة الرسمية، وتوسيع سلطات المندوبين لتشمل حفظ الصحة والسلامة، وإرجاع كَورياس لعمله. وأعطى وعد بأن تدبير صندوق التعاون سيقدم للمجلس الإداري للمكتب الشريف للفوسفاط خلال الشهر الجاري وبأن صندوق التعاون للعمال سيتم إنشاؤه. لقد كان هذا انتصارا كبيرا، فكيف يفسر ذلك؟  هل بسبب حرص المسؤولين على ألا تقع اضطرابات في مصلحة يخضع لها التوازن الاقتصادي للحماية؟ أو بدون شك، بسبب حدث سياسي عابر هو عودة بلوم إلى السلطة (13 آذار/مارس – 18 نيسان/أبريل 1938).
 
-البنك والتجارة: الاتفاقيات الجماعية
 
إن الانشغال بالأمن وبضمان الشغل وبالأجور هو الذي دفع إلى الحركة تعاضدية من القطاع الخاص جد هادئة وصبورة، إلا أنها كانت تعتبر أنها تلعب دور مصلحة عمومية، إذ هي التي تتحكم في انتظام القروض والأداءات. لقد كان الأمر يتعلق بمستخدمي الأبناك.
 
لقد أسس مستخدمو الأبناك لوحدهم أو باشتراك مع مستخدمي التجارة وداديات في الدار البيضاء ومكناس ومراكش، وأسسوا سنة 1921 مؤسسة تضامنية، اعتُرف لها بالمنفعة العمومية سنة 1926. هل اشتغلت هذه المؤسسة، أو وُجدت فعلا؟ لا ندري ذلك. إن مستخدمي الأبناك لم يشاركوا في إضرابات حزيران/يونيو 1936، إلا أن حركة التنقيب المترتبة عنها قد بلغتهم.
 
وفي آب/أغسطس 1936 تأسست فعليا نقابة مستخدمي الأبناك. وفي كانون الثني/يناير 1937، طالبت تطبيق الاتفاقية الجماعية الموقعة في 3 تموز/يوليو 1936 بفرنسا. على المغرب: وقد التزم الاتحاد النقابي لرجال الأبناك بذلك. كانت هذه المطالبة تتسم بلهجة مُهَدِّدة. لكن ظلت الأمور عند هذا الحد(8).
 
ذلك أن القوى لم تكن كافية كما أن عقول هؤلاء «الضعفاء دوي الياقات الوهمية» لم تكن مهيأة بشكل كافٍ. فالنقابة الوحيدة لمستخدمي الأبناك والتجارة والمكاتب التي ظهرت في المؤتمر الجهوي المنعقد في كانون الثاني/يناير 1937، لم تكن تضم سوى 350 إلى 400 منخرط يتوزعون بين الدار البيضاء والرباط ومكناس. إلا أن الوضع كان مختلفا في منتصف حزيران/يونيو، فالتنظيم النقابي كان أكثر عددا – إذ كان يضم حوالي 700 منخرط، أكثر من نصفهم كانوا مستخدمين في الأبناك- وكان يشمل مناطق أخرى: فاس و القنيطرة ووجدة. وكان القادة نشيطين وذوي تجربة، ريفستيك REIFSTEK بالنسبة لمستخدمي الرباط وطونيا Togna، مستخدم في البنك وكاتب عام للنقابة بالدار البيضاء. ونجحت النقابة في فتح المفاوضات من أجل إقامة عقدة جماعية، إلا أن هذه المفاوضات فشلت.
 
فانفجرت إضرابات في حزيران/يونيو وتوقفت ثم عادت في تموز/يوليو، ومكناس(2 تموز/يوليو) وفاس ( 3 تموز/يوليو) والقنيطرة(7 تموز/يوليو) ثم وجدة (9). كان التوقف عن العمل في بعض المناطق غير تام. إذ جاء بعض المستخدمين إلى الشغل، مما أدى برفاقهم المضربين إلى الاستهزاء بهم عند دخولهم أو حين كانوا خارجين من العمل (10). وعلى عكس هذا ، تضامن عدد كبير من رؤساء المصالح مع مستخدميهم.
 
 وعلى إثر نداء اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب من أجل التضامن، صوتت التنظيمات النقابية على ملتمسات تضامنية ونظمت تظاهرات – عُقد بالدار البيضاء تجمع شعبي يوم 16 تموز/يوليو (11)-  وفتحت اكتتابات لإعانة الشغيلة الذين كانوا يواجهون «جدار المال».
 
تم فَكُّ النزاع بعد مفاوضات مريرة. ويوم السبت 24 تموز/يوليو أعلن بلاغ من «الكي دورسي» (وزارة الخارجية الفرنسية) بأن «السيد دوتيسان  DE TESSAN، كاتب مساعد بالشؤن الخارجية، الذي كان يسعى جاهدا منذ عدة أيام إلى القيام بالتحكيم في النزاع قد تمكن من تحقيق الاتفاق اليوم» (12).
 
وكانت بنود الاتفاق الذي نوقش من طرف ممثلي اتحاد أرباب الأبناك وممثلي مستخدمي أبناك المغرب، طونيا Togna  وهيفرنو وكابوشي  Capocci  كما يلي: لا عقاب على الإضرابP إرجاع كافة رؤساء المصالح الذين سرحتهم المديريات لأنهما لم يكن بإمكانها أن تقبل بمساهمة الأطر في حركة مماثلة؛ الأداء الكامل لأجر أيام الإضراب وللمكافأة السنوية؛ وعد صارم من طرف الحكومة الفرنسية بإعلان حكمها التحكيمي بصدد الأجور قبل 15 آب/أغسطس. وتحدد استئناف العمل في يوم الاثنين 26 تموز/يوليو.
 
في روايته لهذه الأحداث (13). قال طونيا «حقق مستخدمو أبناك المغرب انتصارا نقابيا حقيقيا سيكون له مفعول القانون (كذا) في سجل الأبناك؛ هذه النتيجة تحققت بفضل انضباط الجميع واتحاد رفاق من كافة الاتجاهات».
 
وأعلن عن الحكم التحكيمي، ووُقعت الاتفاقية الجماعية في 30 أيلول/سبتمبر بباريس ويوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر بالدار البيضاء (14). وجاءت بضمانة مهمة. إذ تم تأسيس مجلس تأديبي أصبحت معه التسريحات التعسفية صعبة. وحدد أجر أدنى عند التشغيل كما حُددت قواعد وتعويضات خاصة بالطرد التعسفي. وتوقعت الاتفاقية كذلك الإجازات المرضية والإجازات الخاصة «لفائدة الرفيقات الحوامل»، وضمانات للشغل لفائدة المستخدمين الذين ذهبوا إلى الجيش ...إلخ.
 
وعلى عكس هذا، لم تكن البنود الخاصة بالأجور والتي حددها الحكم دوتيسان، مُرضية. مع ذلك رُفعت الأجور الدنيا «بِنِسَبٍ كبيرة»، وحصل نفس الشيء بالنسبة للمستخدمين المكلفين بعائلاتهم. لكن الزيادة العامة في الأجور لم تُمنح ولذلك لم يكن ينبغي تخفيف الضغط (15).
 
هذا العمل ظل مع ذلك نموذجيا بقوته ومدته ونتائجه. فدعا فرع مستخدمي التجارة للنقابة العامة، منخرطيه إلى تقليد رفاقهم في الأبناك، وإلى تنظيم أنفسهم في المقاولة وإلى النضال من أجل تحسين أجورهم التي تعد من ضمن أدنى الأجور. ولإرغام أرباب العمل على احترام أسبوع أربعين ساعة للشغل والإجازات المؤدى عنها.
 
سمعت هذه النصائح من طرف مستخدمي «كَاليري لافاييت» «Galeries La Fayette» و«ميساجري هاشيت»   Messageries Hachette  الذين خاضوا مفاوضات بشأن اتفاقية جماعية. هُيئت اتفاقية  «كاليري لافَاييت» بالدار البيضاء من طرف هيفيرنو و طونيا، ووُقعت بباريس من طرف كابوشي والمدير العام. وأبرمت اتفاقية «ميساجري هاشيت» يوم 10 آذار/مارس 1938 بالدار البيضاء، وقام طونيا بتمثيل المستخدمين(16).
 
كانت لهذه الاتفاقية الجماعية التي انتزعتها نقابات المستخدمين التابعة لـ: ك.ع.ش. عدد معين من السمات المشتركة والمتفردة.  إذ نُوقشت وأُبْرِمت قبل صدور النصوص التشريعية التي وعدت بها الإقامة، وتعترف بالحرية النقابية وبحرية الرأي وبانتخاب مندوبي المستخدمين، وبالتوفيق والتحكيم الضروري. وقانونيا، لم تكن هذه الاتفاقيات قابلة للتطبيق إلاّ على المستخدمين المتمتعين بالحق النقابي؛ وقد حرصت على ذلك سلطات الحماية التي عُرضت عليها المشاريع (17). غير أنه سُمع وسُجل في اتفاقية ملحقة بأن جميع بنود الاتفاقية الجماعية غير المنافية للقوانين، قابلة للتطبيق على المغاربة. لقد كانت هذه خطوة هامة على طريق المساوات.
 
-الشروط الصعبة لشغيلة القطاع الخاص
 
إذا كانت شروط شغيلة القطاع الخاص الأربيين صعبة، فإن شروط المغاربة كانت مأساوية.
 
وقد أدى الانفراج النسبي الذي أعقب وصول الجبهة الشعبية إلى الحكم وتعيين نوكَيس، وكذا الانتصارات المؤقتة لإضرابات حزيران/يونيو 1936 وبداية 1937، إلى توافد المنخرطين الجدد وتأسيس نقابات جديدة. وكانت هذه التنظيمات هشة وضعيفة، فيما عدا بعض الاستثناءات. فكانت أعداد منخرطيها متحركة وغير قارة؛ وكان المغاربة يدخلون إليها ويخرجون منها إذا ما أحسوا بأنهم خدعوا ثم يعودون ويطالبون بتصحيحات. وكانت أبواب بورصات الشغل مفتوحة أمامهم، سواء كانوا منقبين أولا؛ وهذه كانت حالة معظمهم. وكان الأوربيون المنقبون يكشف عنهم بسرعة وإذا ما أبدوا نوعا من الجرأة في طرح المطالب، كانوا يتعرضون للطرد بأي مبرر. وكان الفرنسيون، الذين بإمكانهم وحدهم أن يؤسسوا نقابة معينة، أكثر عرضة للطرد، ولا يجدون تقريبا أي شغل آخر. بعضهم كان يعود لفرنسا، وآخرون كانوا يتسجلون في لوائح البطالة؛ وبعضهم، مثل كانديلا Candella في النقل أو سيلفيستر في البناء، عينوا في قيادة تنظيمهم النقابي. وكان أرباب العمال يرغبون في إفزاع العمال. فأصبحوا يشتغلون أكثر فأكثر المغاربة ذوي الأجور الدنيا والذين يسهل طردهم أو المستخدمين ذوي الأفكار المضمونة، فرنسيين أعضاء الجزب الشعبي الفرنسي PPF والحزب الاجتماعي الفرنسي PSF أو الإيطاليين ذوي الميولات الفاشية (18).
 
ويعود الفضل، كما رأينا، لاتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب وللاتحاد المحلي، في تنظيم شغيلة القطاع الخاص ومساعدتهم. وعلى هذه الأصعدة المختلفة لعب هيفيرنو وشارل هومبير Ch. Humbert  بالدار البيضاء، وشابان بالرباط، ونافَاي Navailles بالقنيطرة ودوريل Durel بمكناس، ومارشال بوجدة وفور ب Fourالجديدة ودارتيكَنافَ  Dartiguenave   وموران Murin بفاس، ولعب أعضاء مكاتبهم دورا كبيرا. إذ كانوا يتلقون الشكايات وينذرون مفتشي الشغل الذين يذهبون مباشرة إلى الشركة المتهمة: وكانوا يحضرون في اللجن الجهوية حيث كانت تحدد أجور عمال المقاولات التي تشتغل لفائدة الجماعات العمومية، وكانوا يسعون إلى الحصول على أجور تفوق الحد الأدنى. وكانوا يقودون الوفود العمالية لدى السلطات المحلية ويتدخلون في النزاعات. وإذا كانت جملة الإضرابات، التي بلغت أوجها على يد مستخدمي الأبناك في حزيران/يونيو – تموز/يوليو 1937، قد هدأت هزتين قصيرتين إلا أنهما ذاتا دلالة.
 
وفي مناجم أحولي للرصاص، قرب ميدلت التي كانت تشغل 60 أوربيا و 400 مغربي، تأسست نقابة وطالبت برفع الأجور وبتطبيق الجد الأدنى المحدد في 5.50 فرنك بالنسبة للمغاربة، وبتحسين شروط العمل وبالوقاية من المرض المهني «مغص الرصاص»، وبتوزيع الحليب. وانتظر العمال الجواب عدة شهور ثم قرروا في 4 شباط/فبراير الدخول في إضراب عن الشغل إذا لم تُلَبَّ مطالبهم بعد أجل أسبوعين. رفضت الادارة بشكل صارمٍ أية زيادة في الأجور. ثم ناورت من أجل تفرقة الشغيلة، فقبلت بالزيادة في التعويضات العائلية للأوربيين وحدهم، وبدراسة إنشاء صندوق التعاون بـ «التي هي أحسن». فقرر أغلب الأوربيين بناء على هذا أن يضعوا «ثقتهم» في الإدارة وألاّ يضربوا عن العمل. وبعلمهم بهذا، ثار سخط العمال «الأهليين»، وتوقفوا عن العمل غداة ذلك أي في 20 شباط/فبراير (19). فكان رد فعل السلطات سريعا. إذ هرع إلى القرية «المخزنيون» وقوات الشرطة الإضافية. فاعتُقل خمسة عشر مضربا ونقلوا إلى ميدلت، وبعضهم خضعوا لاستنطاق «مُشدد» والقيود في أيديهم؛ وذلك لدفعهم إلى القول بأن المسؤولين النقابيين هم الذين دفعوهم إلى الإضراب، إلا أن العمال سكتوا.
 
كانت فرصة جيدة لم يتركها أرباب العمل تمر، إذ طردوا ستة منجميين أوربيين، فرنسيين وجمهوريين إسبانيين. كلهم أعضاء في ك.ع.ش. من ضمنهم كاتب وأمين صندوق النقابة ومندوبان لدى اللجنة الثلاثية للمناجم. وبعد اخبارها بذلك من طرف الاتحاد الجهوي لمكناس، لم تقدم الرباط أي جواب(20).
 
وبعد بضعة أسابيع، اندلع، في الجنوب، بمناجم جبل سلغف التابعة للاتحاد المحلي لمراكش، إضراب عن العمل يوم 26 آذار/مارس، ستكون نهايته أكثر ايجابية. جاء هذا الإضراب على إثر طرد مندوب المستخدمين جان لانجوانJean Lanjuin ، الذي أبدى ملاحظاته باستمرار حول قضايا حفض الصحة، والسلامة والتموين والأجور... وفي 25 آذار/مارس، استُدعي المستخدمون المغاربة من طرف مصلحة حفظ الصحة لتلقي التلقيح ضد التيفوس. ولم يرخص لهم بالاستجابة إلى ذلك. فكان غضب المنجميين شديدا مما أدى بلانجوان إلى مطالبة الاتحاد المحلي لمراكش بالتدخل مباشرة لدى السلطات المحلية  للحيلولة دون وقوع نزاع وشيك الوقوع. وأراد مدير المنجم أن يضع حدا للمشكل فطلب من المندوب أن ينسحب. وكان الرد على هذا الموقف التهديدي هو إجماع المستخدمين الأوربيين والمغاربة على توقيف العمل مباشرة واحتلال المنجم.
 
وفي يوم الاثنين 28 آذار/مارس، بلغت المفاوضات من أجل استئناف العمل نتائج إيجابية في اليوم نفسه. إذ قبل المدير اتفاقية مؤقتة، صادقت عليها فيما بعد الإدارة العامة بباريس. أكدت هذه الاتفاقية التي تعد انتصارا عماليا، على أن الإدارة ستحترم بشكل صارم التشريع الموجود الخاص باستعمال المتفجرات وبحفض السلامة في المنجم، وبالعطلة الأسبوعية يوم الأحد، وبالإجازة المؤداة وبالساعات الإضافية وبتطبيق الظهير الخاص بالأجر الأدنى وبالأداء عن وقت تأدية الأجور التي يجب أن تتم خلال ساعات العمل. هذه النصوص تَهُم بالخصوص الأهالي. فيما اعترفت الإدارة للأوربيين بحق الانخراط الحر في نقابة مهنية مؤسسة بشكل قانوني، وتعهدت بتقديم مطالبهم حول الأجور، أي 45 فرنكا يوميا بالنسبة لشغيلة السطح و 50 فرنكا لمنجميي القعر. وتم التنصيص أخيرا، على عدم اتخاد أية عقوبة في حق الجميع، وعلى تأدية 50% من أجر يومي الإضراب.
 
كان الأمر يتطلب إذن إضرابا ناجحا لإرغام الشركة المنجمية على الخضوع إلى التشريع الإجتماعي الجاري به العمل.
 
.مصلحة الشغل والتشريع الاجتماعي
 
هكذا تفهم إذن المكانة التي احتلتها دائما قضايا التشريع الاجتماعي ضمن انشغالات اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب. فأهمية الدراسات حول الميزانيات العمالية والأجور المنجزة من طرف دوريل Durel، كاتب الاتحاد المحلي لمكناس، ومن طرف لياندري Léandri حول الأمراض المهنية، وخاصة من طرف هفيرنو، حول كل القضايا التي تهم القانون المغربي للشغل كلها تشهد على تلك المكانة (21)، كما يشهد عليها أيضا حجم النقاشات في مختلف المؤتمرات (22). كل هذا كان يتجلى في مقالات مطولة وقوية اللهجة أحيانا، في جريدة «طرافَاي»؛ وفي تدخلات لدى كافة السلطات المحلية و الجهوية والمقيمية؛ تضاف إليهما مساع لدى وزير الشؤون الخارجية أو لدى الوزير المكلف بتنسيق شؤون إفريقيا الشمالية (23).
 
في آذار/مارس 1937 وُضعت مصلحة الشغل والقضايا الاجتماعية التي كانت تابعة لمديرية الشؤون الاقتصادية، تحت السلطة المباشرة لِموريز  Morize،  الوزير المنتدب لدى الإقامة العامة والكاتب العام للحماية. وكانت تلك المصالح دائما مُسَيَّرة من طرف مانكَو Mangot  ولانكر  .Lancre وتمت الزيادة في الميزانية.
 
ومع ذلك تم التوصل إلى نتائج إيجابية. إذ تحددت البنود المتعلقة بالعطلة الأسبوعية. كما صدرت مراسيم وزارية جديدة تتعلق بتطبيق ظهير 18 حزيران/يونيو 1936 الخاص بأسبوع الثماني وأربعين ساعة، في قطاعات جديدة لم تكن تطبقه. كان هناك نوع من التباطؤ، وفي اللجن الثلاثية، وكان تخطي معارضات أو أساليب المماطلة لممثلي المشغِّلين، أمرا ضروريا. وكان القيام بالتحريات، والمناقشات والتحرير يستغرق معظم نشاط المصلحة.
 
وتمت إقامة نظام الإجازات المؤدى عنها في أيار/مايو 1937؛ غير أن المأجورين الذين قضوا ستة أشهر في خدمة الشركة بدون انقطاع وحدهم الذين كان بإمكانهم أن يتمتعوا به. كان الأجر الأدنى، المنخفض بشكل مشين، قد حدد في حزيران/يونيو 1936 بـ 4 ف. يوميا على مجمل التراب الوطني. ورغم الارتفاع المستمر في المعيشة، لم تتم الزيادة فيه إلّا في فاتح تشرين الثاني/نونبر 1937، حيث بلغ 5.20 أو 5.60  ف. حسب المناطق، لأن البلاد قسمت إلى ثلاث مناطق فيما يخص الأجور(24). إضافة إلى ذلك، حددت دورية مقيمية أن «الأجر الأدنى لا يطبق عل النساء والأطفال والشغيلة الزراعيين». وهذا تراجع بيِّن على ظهير 18 حزيران/يونيو 1936 الذي عمم الأجر الأدنى على كافة شغيلة المغرب دون تمييز بين الجنسين، وسواء اشتغلوا في الصناعة أو التجارة أو الفلاحة.
 
وعلى إثر إلحاحه، حصل اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب على رفع عدد مستخدمي المفتشية للشغل، القادرين وحدهم على دفع أرباب الشركات غير المبالين، إلى احترام التشريع الاجتماعي البسيط الذي استطاع أن ينتزعه. هكذا انتقل عددهم من ثلاثة سنة 1936 إلى تسعة في كانون الثاني/يناير 1938: خمسة مفتشين يساعدهم أربعة مراقبين. كان هذا العدد مع ذلك قليلا لمراقبة عدة آلاف من الشركات المشتتة في المغرب الذي تبلغ مساحته حوالي ثلثي مساحة فرنسا، لذا ظل الاتحاد يطالب بالزيادة في عددهم وبتوسيع مجال تدخلهم(25).
 
في 30 أيار/مايو 1930 مدت صلاحيتهم إلى الموانئ وملحقاتها، وبتنافس مع مهندسي الأشغال العمومية، إلى المقالع المكشوفة و إلى مستخدمي النقل عبر الطرق.
 
ووسعت محاكم الشغل المنشأة سنة 1930 في الدار البيضاء لتشمل فاس و مراكش ووجدة والرباط في 1937 و 1938. ولم تتمتع بها في مكناس. وضمت المحاكم رجلي أعمال انتخبتهما الغرف التجارية والصناعية وعاملين فرنسيين انتخبهما الشغيلة الفرنسيون وحدهم: وكان يترأس هذه المحاكم أقدم قاضي صلح في المدينة، كان يسعى إلى حل النزاعات الفردية بين المأجورين و شركاتهم. وكان المغاربة يلجأون أحيانا إليها، إلّا أنه كان عليهم أن يؤدوا واجبا لإقامة دعوى بها. حين كانوا يقررون ذلك، كانوا يتخلون عن الدعوى، عندما يستأنف رب العمل الحكم، ولعدم توفرهم على الإمكانيات.
 
ورغم تواضعها، كانت هذه المكاسب الاجتماعية تحسن من وضعية المياومين المغاربة بالمصاح العمومية والمصالح ذات الامتياز. حيث كان التشريع محترما أكثر بفضل يقظة النقابات التي كانت تحصل لهم على أجور غالبا ما تفوق الأجور التي حددتها النصوص. وكانت كفاحية هؤلاء الشغيلة وتضامنهم مع رفاقهم الأوربيين يُساعدانهم على ذلك. أما الشركات الخاصة، فالأمر كان مختلفا. فالتشريع كان محترما إلى هذا الحد أو ذاك في حالة الأوربيين، فيما كان يخرق بشتى الطرق فيما يخص المغاربة. وكانت براعة المناورات المستعملة مذهلة أحيانا. وكان يتم التلاعب بيد عاملة مغفلة وجاهلة ومحرومة من حق التنظيم.
 
وبدون كلل كانت تقدم الحجج على صفحات جريدة «طرفَاي»، وكان يتم التشهير بأرباب العمل «قراصنة اليد العاملة». ففي مقال «الفضيحة» كتب هيفيرنو: «إن الأجر الأدنى مُشين بنسبته: إذ لا يمثل 5.50 ف.. حتى 20 قرشا لما قبل الحرب» فقيمته الشرائية هي «دون قيمة أجر المجاعة الذي حدده ظهير بيروتون ب 4 ف ... هذا فضلا عن أنه ليس مطبقا، ويتم ذلك بتواطؤ الحكومة». ثم يعطي الكاتب أمثلة عن ذلك.
 
كان العمال الزراعيون قرب الدار البيضاء يتقاضون 2.5 إلى 3 ف. كأجر يومي مقابل 10 إلى 12 ساعة من العمل، وفي آسفي كانوا يحصلون على 1.50 ف؛ فيما كانت تتقاضى النساء 0.75 ف،. إزالة الأعشاب؛ والعمال اليدويون المشتغلون في ملّاحات بحيرة زيما كانوا يتقاضون 2 إلى 4 ف. وكان على شغيلات مصبرات السمك بآسفي أن يبقين بالمعمل طيلة المساء، إلا أنهن لا يتقاضين سوى أجر ساعات العمل الفعلية، على أساس 0.60 إلى 0.90 ف في الساعة.
 
ويضيف هيفيرنو قائلا: «في الدار البيضاء، رأينا شركة معينة تسجل بكل برودة في بطاقات الشغل: سعر الساعة: 0.50 أي 4 ف. في اليوم؛ كما رأينا شركة صناعية أخرى، لا يُطبق فيها قانون الثماني ساعات، تعطي صفة المتمرن لشغيلة أهليين يبلغ سنهم 40 إلى 45 سنة، لكي لا تعطيهم سوى 3050 ف. مقابل 10 إلى 12 ساعة عملٍ» (26).
 
وليست هناك أية ضمانة على الشغل ايضا. إذ تم الطرد بدون إشعار، وفي حين يقتضي العرف أسبوعا أو شهرا للأشعار، يفرض أرباب العمل على المأجورين أن يوقعوا عقدا –يَعترف التشريع بصلاحيته- يَعفيهم من ذلك.
 
وكانت مؤسسة للتأثيث بالدار البيضاء تضع على عقد الشغل طابعا مختوما ينص على أن  «الإدارة والعامل يحتفظان بحق إيقاف العقد الحالي في أي وقت وبدون أي إشعار أو تعويض». فيما كانت الشركة الصناعية، وهي مصنع الشموع الذي كان لديه متمرنون في سن 45 عاما، ترغم العمال على التوقيع، بعلامة في غالب الأحيان، على عقد للتشغيل يضم كبند أول ما يلي: «العقد الحالي يتعلق بيوم واحد للعمل»، رغم أن الأجر يؤدي في نهاية كل «أسبوع» (البند 2) (27).
 
للتلطيف من هذه التجاوزات.. كثف مكتب اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب احتجاجاته، وتقاريره ومساعيه التي كانت مفتشية الشغل تدعمها. فطالب بأن تسلم بطاقة أو ورقة للتعريف لكل مشتغل (28)؛  وبألّا تؤدى  الأجور خارج أوقات العمل؛ وبأن تحدد، في المقاولات كما في الأوراش، أيام وساعات أداء الأجور ليتسنى لمفتشي الشغل القيام بمراقبة فجائية لبطاقات الشغل ولساعات العمل ولمبلغ الأجور؛ وبأن يحدد سن التمرن؛ وبأن يفرض نص تشريعي إجبارية مدة الإجازة في القطاعات التي ساد فيها العرف بهذا الصدد.
 
وقد تركز أقوى النشاط حول الأجر الأدنى والاتفاقيات الجماعية والحق النقابي للمغاربة. وبعد دراسات عديدة، اتخذت التنظيمات النقابية 9 فرنكات كأجر أدنى سيسمح للعامل بالعيش وبتجديد قوة عمله (29). وأكدت أن تطبيق التشريع الفرنسي حول الاتفاقيات الجماعية من شأنه أن يسهل إقامة واحترام قواعد التشغيل والأجور والإجازات. وكانت الإقامة العامة ومصالح الحماية تؤكد باستمرار، وشوك اصدار الظهير الخاص بالاتفاقيات الجماعية، وللإسراع بذلك فإنها أتت بعضو لمجلس الدولة، إيفان مارتانIvan martin، مختص في هذه المسألة. إلا أن اللازمة كانت هي المطالبة بمنح الحق النقابي للمغاربة : هذه التفرقة غير مقبولة، لأنه يجب السماح للمغاربة بالدخول إلى النقابات وبتنظيم أنفسهم وبالمساهمة في الدفاع عن مصالحهم المهنية. وكان البعض يضيف بأن ذلك سيكون عملا سياسيا ذكيا بفضله سينجو الشغيلة من الدعايات الخطيرة التي يقوم بها الأجانب أو الوطنيون.
 
في فاتح أيار/مايو 1938، لم يلبَّ أي مطلب من هذه المطالب، إذ طالب اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب في ندائه، بأن يتظاهر الشغيلة من أجل الزيادة في الأجر الأدنى؛ والمراقبة الصارمة لأداء الأجور؛ وتدعيم مفتشية الشغل؛ وتطبيق الثماني ساعات على قطاعات الكيمياء والزجاج والنسيج...؛ وتحسين الظهير الخاص بحوادث الشغل وبحماية الشغيل؛ والاتفاقيات العامة، والحق النقابي للجميع.
 
 
12-قوى اتحاد النقابات في أيار/مايو 1938
 
.المؤتمر التاسع
 
في منتصف سنة 1938 كان اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب منظمة قوية، وتجلى ذلك في المؤتمر التاسع المنعقد في الرباط يومي 5 و 6 شباط/فبراير. ضم هذا المؤتمر، الذي ترأسه روني بيلي (René Belin)، الكاتب الكونفيديرالي ل ك.ع.ش.، مائة وثلاثة مندوبين يتوفرون على مائتي تفويض ويمثلون ما بين 15 و20000 منخرط.
 
وبعد التصويت على التقرير الأدبي الذي تحدث عن المنجزات المحققة خلال السنة المنصرمة، ومناقشة قضايا الشغل اعتمادا على الدراسات التي نشرها هيفيرنو ولياندري، والتصويت على المقررات، تطرق  المؤتمر يوم 5 شباط/فبراير في جلسة المساء الى مناقشة «موقف النقابات من الحرب».

فأخد الكلمة أورانج الذي نشر تقريرا مطولا حول هذا الموضوع. كان موقفه واضحا: على النقابات أن تقف ضد كل الحروب الرأسمالية، مهما كان المعتدي، لأن الشغيلة هم الذين يؤدون ثمنها. ولا يمكن لهم أن يساهموا في الدفاع الوطني إلا إذا كانت البروليتاريا في السلطة.
 
وصرح بعض المؤتمرين بأن هذا النقاش السياسي لم يكن ضروريا، إلا أن رأيهم لم يتبع، أما ريفستيك (Reifsteck)، وهو من قدماء المحاربين، فقد أدان تصريحات المقرر قائلا: إن عدم التصدي لهجوم موسيليني وهيتلر لا يعني انقاذ النفس وإنما السعي إلى العبودية بل وإلى الموت بـ«إثني عشرة رصاصة في الجسم».
 
لكن الأغلبية تبعت أورانج. إذ حضي ملتمسه الذي يدين كل الحروب ويطالب ك.ع.ش.، «بتحديد موقفها بأكبر دقة ممكنة» بستة وخمسين صوتا، مقابل 34 امتناعا عن التصويت. إن النزعة السلمية الكاملة هي إذن، الاتجاه السائد ضمن صفوف مناضلي اتحاد النقابات الكونفيدرالية للمغرب، ولاسيما عند البريديين والأساتذة والمعلمين. فكانوا بذلك متفقين مع كتابهم الوطنيين، بيرو Perrot  من (البريد) وديلماس Delmas   (من المعلمين) وزوريتي Zoretti   (من الأساتذة)، أنصار بيلين، المدافع القوي عن الاتجاه السلمي في المكتب الكونفيديرالي، بدافع مناهضته للشيوعية. غير أن بيلين سيّر المناقشة بدون أن يتدخل ولا أن يدعم أورانج، الأمر الذي انتقدته عليه بعنف كاترين فَييي C.Vieilly في «نشرة معلمي المغرب»، ومع ذلك، بدا القلق على أقلية قوية في صفوف اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب، التي كانت تأمل أن يتمكن نفوذ بعض كتاب الفيديراليات الفرنسية ونفوذ جوهو من تعديل الاتجاه.
 
وهناك أيضا حدثان في هذا المؤتمر يستحقان الذكر.
 
فبدون أية مناقشة، صوت المؤتمر بالإجماع على ملتمس حول أحداث تشرين الأول/أكتوبر. حقا، إنه لم  يزكّ الوطنيين، وإنما طالب «بإصدار عفو بسرعة على المدانين الذين لم يثبت جرمهم». إلا أنه استغل هذا للتذكير بإجراءات العدل الكفيلة، في نظره، بعودة الهدوء، والتي يعارضها الموظفون الفاشيون الذين يجب تطهيرهم ومعاقبتهم. وبهذا الصدد:
 
« يعلن مرة أخرى عن ايمانه الثابت بسياسة التضامن الفعلي مع الشغيلة المغاربة الذين يطالبون بالحق في العيش وبالحق النقابي وبحرية الفكر والكتابة؛
 
« ويتأسف للإجراءات العنيفة جدا التي أصابت جزءا من السكان؛
 
«ويطالب بأن... تجد الإصلاحات الاجتماعية والسياسية التي ارتآها التجمع الشعبي، طريقها إلى الإنجاز بالمساهمة الضرورية للشغيلة المغاربة الذين يجب اشراكهم بقوة في كافة أشكال الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد».
 
وأخيرا هناك نتيجة أخرى، تتعلق بالتغييرات التي طرأت على الهيئات القيادية، إذ اختفى الشيوعيون، ماعدا واحد هو دوريل، عضو اللجنة الادارية قانونيا بصفته كاتبا عاما للاتحاد المحلي، بينما أصبحت للاشتراكيين من جديد كل المناصب. فعاد ماتيي إلى اللجنة الادارية، إن لم يكن عاد إلى المكتب، فهل كان هذا نتيجة مناورة مقصودة؟ لا يبدو أن الأمر كذلك، لقد غادر بييي المغرب؛ فيما نُقل دوبي إلى سوق أربعاء الغرب، كعقاب له على نشاطه النقابي.
 
.الأزمة والتقويم عند شيوعيي واشتراكيي المغرب
(نيسان/أبريل 1937، كانون الثاني/يناير 1939).
 
كان اختفاء الشيوعيين من الساحة النقابية نتيجة تشتت تنظيم المنطقة المغربية للحزب، يوم 4 نيسان/أبريل 1937، على اثر المنافسة بين جزء من شيوعيي الدار البيضاء ولجنة المنطقة.
 
لقد سبق للجنة أن قامت بأعمال كثيرة، إذ أنجزت المهام التنظيمية والدعائية والنضالية التي كانت مطروحة بعد تشرين الأول/أكتوبر 1936، ودعمت مطالب الشغيلة ونضالاتهم، وفتحت صفوف الحزب أمام المغاربة وإن كانت نتائج ذلك جد محدودة، إلا أنها ملموسة في الدار البيضاء وفاس وطنجة.
 
في الدار البيضاء اهتم بذلك ليون سلطان. وقد ساعده في الدعاية ضمن أوساط اليهود المغاربة تاجر صغير يدعى سامويل بنشيمول (S.Benchimol). وكانت له اتصالات مع الوطنيين، كما أنه يعرف جيدا بلفريج، وتشير الشرطة في تقاريرها إلى مغربيين، هما حموز، يهودي، والصديق بن داود، مسلم، ككاتبين للخلية، وكذا الى بعض المغاربة الشباب ضمن صفوف الشبيبات الشيوعية.
 
وكانت الأمور أكثر تعقيدا في فاس، المدينة الهائجة والصاخبة، لم تكن الحركة الوطنية الفتية تنتظر شيئا ايجابيا من المستوطنين الكبار الجشعين، الذين تجمعوا في فروع الحزب الشعبي الفرنسي والحزب الاجتماعي الفرنسي، وعلى عكس ذلك سرعان ما أصبحت علاقاتها مع اليسار الفرنسي المحلي مبنية على الثقة، مع فرانسيس دوبار (F.Debare)، راديكالي وماسوني، مدير جريدة محلية تحمل عنوان «لاديبيش دوفاس» (La Dépêche de Fès)، الذي غالبا ما فتح لها صفحات جريدته؛ ولاسيما مع المسؤولين ذوي النزعة التروتسكية والبيفَيرية في فرع الحزب الاشتراكي الفرنسي للأممية العمالية  (SFIO)، ج. موران وج. برنارديني، اللذين دعما دائما مطالبها لدى فيديرالية حزبهما. وحين تمكن الشيوعيون من تنظيم أنفسهم بشكل علني، التحق بهم بعض المغاربة في خلايا المدينة القديمة. وكانت الشخصيتان البارزتان ضمنهم هما المعلم محي الدين والمسرحي والصحفي المهدي لمنيعي.
 
والحال أن المهدي لمنيعي سبق له أن كان رئيسا لجمعية قدماء تلامذة ثانوية مولاي ادريس وكان منتميا إلى مجموعة من الوطنيين الشباب. وفيما بين 1933 و 1935 قام بنشاط كبير، مما أدى بالشرطة الى مراقبته باستمرار (1). ويمكن لنا، إذن، أن نتساءل عن الأسباب التي دفعته الى الانخراط في الحزب الشيوعي.
 
ربما لقي في تأكيدات ونشاط الشيوعيين، الذين كانوا آنذاك ينظمون أنفسهم، جوابا على مطامحه الوطنية والاجتماعية؛ ووجد في انخراطه وسيلة لتأكيد ذاته إزاء كتلة العمل الوطني، حيث لم يجد المكانة التي بدون شك يطمح إليها، لأن عائلته لا تتوفر على سمعة مماثلة لسمعة رفاقه. ومازال بعض الفاسيين إلى اليوم يحتفظون بذكرى نزاع حاد نشب بينه وبين علال الفاسي، ولم يفت مصالح الشرطة أن تسجل تنافسه مع كثلة العمل الوطني في المدينة القديمة، لاسيما فيما يخص تنقيب سائقي حافلات النقل وأعوانهم الذي فشل (الفصل الأول 1937) (2).
 
وقد مثل المهدي المنيعي شيوعيي فاس في الندوة الاقليمية للدار البيضاء المنعقدة في 4 نيسان/أبريل 1937. ثم بضعة أشهر انسحب من الحزب الذي خيب آماله (أيلول/سبتمبر 1937). إلا أن آماله ظلت معلقة على فرنسا بقيادة الجبهة الشعبية «لتحقيق مخطط الاصلاحات المغربية وتوسيعه الى أن يصل الى الاستقلال على غرار ما حصل في سوريا» (3).
 
وكان هناك أيضا شيوعيون مغاربة في طنجة، بعثوا أحدهم الى الندوة الاقليمية للدار البيضاء.
 
وكان على التنظيم الفتي أيضا أن يجد حلا لقضايا التوجيه والتسمية، هل سيظل تنظيما جهويا للحزب الفرنسي ؟ أم عليه أن يصبح حزبا مغربيا، الأمر الذي لن يتأتى إلا بمنخرطين مغاربة وبقيادة مكونة من المغاربة ؟ أم عليه أن يُكوّن، ولو بدون المغاربة، حزبا مستقلا، منخرطا مباشرة في الأممية الشيوعية؟
 
ويبدو أن الجواب عن هذه التساؤلات أتى من باريس. فعلى إثر دعوته من سفر حيث حضر في ندوة وطنية للحزب، طالب كَزافيي كَرانسار من روميرو وش. دوبوي، المسؤولين عن «كلارتي»، أن يعدلا مباشرة صفة الجريدة، التي أصبحت ابتداء من 20 شباط/فبراير 1937، «لسان حال جهوي للحزب الشيوعي بالمغرب» (4). فقد اضطر مسؤولو الجزب بفرنسا، الذين أقدموا إذ ذاك على تأسيس الحزب الشيوعي للجزائر في تشرين الثاني/أكتوبر 1936 (5)، أن يبزوا استحالة اعتبار الحزب الشيوعي بالمغرب – وهذا الأخير بلد دو سيادة نظريا- كفرع للحزب الفرنسي، وبعد ثلاثة أشهر، قدم التنظيم الفرعي لمكناس، وفي نداء موجه الى الشغيلة المثقفين واليدويين  بمناسبة انتخابات الهيئة الثالثة، حيث تقدم لأول مرة مرشح شيوعي، قدم فرع التنظيم بمكناس التحديد التالي: «ان الحزب الشيوعي للمغرب باعتباره أخا بالتبني للحزب الشيوعي الفرنسي الكبير الذي يعد مفخرة البروليتاريا الفرنسية، قد اتخذ التشكيلة وحدد لنفسه نفس النهج» (6).
 
غير أن نزاعات داخلية كانت تهدد الحزب الفتي -إذ كانت مجموعة بيضاوية يقودها كَروندان  (Groundin)، وهو مقاول في النقل، تنتقد اللجنة الجهوية العاملة آنذاك لكونها عينت نفسها بنفسها ولكونها تقوم بأعمال دون أي تفويض. لذا استدعيت ندوة جهوية في شباط/فبراير 1937. فكان المناضلون الأوائل يشعرون بنوع من المرارة إزاء الانتقادات والشتائم الموجهة إليهم. وفي ندائه «للرفاق المخلصين» للح
ضور في «أول ندوة للحزب الشيوعي بالمغرب، كتب شارل دوبوي ما يلي:
 
« كان على الرفاق القلائل، الذين تحملوا المهمة الجسيمة في قيادة الحزب إلى يومنا هذا، أن يتخطوا كل الصعاب التي اعترضت طريقهم.
(«اذ دخلت عناصر الى الحزب وقامت بتخريب نشاطه...
 
« ان مهمتنا في المغرب جسيمة؛ نحن حزب فتي؛ فمهمتنا تقتضي إذن أن نكوّن المناضلين، وأن نعلم جماهير المنخرطين العديدين روح الانضباط والتنظيم والصرامة. فالشيوعي لا يجب أن يكون مهيجا ولا مهيَّجا.
 
« وحين يصرح البعض الى من يريد أن يسمعهم بأنهم أعضاء في الحزب، وبأن قادة الحزب ليس لهم أي تفويض، فالأجدر بهم أن يؤدوا اكتتاباتهم وأن يقدموا مزيدا من العمل في إطار الحزب والجريدة...» (7).
 
ومع ذلك دارت ندوة 28 شباط/فبراير بدون مشادات عنيفة كثيرة اذ كتبت «كلارتي» ما يلي: «لم يكن فيها أي صراع للاتجاهات» (8). وأجل انتخاب اللجنة الى يوم الأحد 4 نيسان/أبريل.
 
وإذ ذاك حدث التصادم الكبير(9). فالمندوبون الذين سُئلو حافظوا على ذكرى نزاعات حادة، وللإحراز على الأغلبية طالب أنصار كَروندان بأن يتم الانتخاب عن طريق الخلايا، وقدموا في الدار البيضاء عددا كبيرا من الخلايا بحيث أصبح في إمكانهم الحصول على الأغلبية
.
واقترحت بدون جدوى وفود التنظيمات المحلية للرباط والقنيطرة ومكناس ووجدة، أن يتم التصويت على مستوى التنظيم المحلي الذي سيُمنح عددا من الأصوات متناسبا مع عدد أعضائه. فحدث الشقاق بهذا الصدد. اذ انسحب مندوبو التنظيمات  المحلية. فيما انتخب أصدقاء كَروندان لجنة جهوية، يبدوا أنها لم تحصل على أغلبية هامة. واحتفظت مجموعة كَرانسار – دوبوي بالتحكم في «كلارتي» واستمرت في توزيعها على المغرب بمساعدة التنظيمات المحلية الأخرى، خلال بضعة شهور.
 
وامتنع ليون سلطان عن اتخاد أي موقف وصرح بأن كافة المشاكل ستجد حلا لها في النهاية؛ هذا وقد استمر في القيام بنفس النشاط الكثيف والتعاون مع «كلارتي». وبعد إخطاره من الطرفين، اتخذ الحزب الشيوعي لفرنسي نفس الموقف، على إثر استجواب هنري  لوزري (H. lozeray) لأهم مناضلي بعض المدن التي جاء اليها فجأة (10).
 
وفي نهاية 1937 وبداية 1938، عاشت الفروع منطوية على ذاتها بدون أية اتصالات عضوية وأي انخراط خارجي. كان فرع مكناس أقوى فرع بدون منازع. وكانت  الدار البيضاء، المنقسمة إلى مجموعتين، هي مقر التنظيم المحلي المغربي للشبيبة الشيوعية الملحقة بانتظام بالشبيبة الشيوعية الفرنسية. وكان كاتبها العام، جيرمان عياش – الذي لم يكن له أي نشاط آخر – يقوم بمحاضرات نظرية حول الماركسية وحول تاريخ الحزب البلشفي،  وكان أعضاء المجموعتين يحضرون في هذه الندوات (11). تم تليها فروع وجدة مع أنطوان نافَارو، والرباط مع دريش . ورويي (Rue)، والقنيطرة مع بَيرارنو (Perarnaud) ومنكَوال (Mengual)، وخريبكة حيث كان كولونا وبونوا.
 
وقرر فرع الرباط بقيادة المثقفين ملء الفراغ المترتب عن اختفاء التنظيم المحلي المغربي وجريدته «كلارتي». فبعث استدعاءات الى كافة المراكز وعقد مؤتمرا في نيسان/أبريل 1938. فجاء مندوبون عن القنيطرة مكناس وفاس وخريبكَة ومراكش ومجموعة كَروندان القديمة من الدار البيضاء، بينما امتنعت مجموعة «كلارتي» كما امتنع ليون سلطان عن الحضور(12).
 
واتخد مؤتمر الرباط قرارين: اعادة انشاء منظمة مشتركة؛ وإصدار جريدة. ورغم تأكيده على دعمه الذي كان فعليا وفعالا، فإن فرع مكناس قد علق موقفه. فتكلف مكتب فرع الرباط بتنسيق وتنشيط مجمل الأعمال وبتأسيس الجريدة.
 
لم يعترف الحزب الشيوعي الفرنسي رسميا بهذه المنظمة الجديدة. وهو الذي ربما نصح باتخاذ هذه التسمية المحايدة والحدرة «شيوعيو المغرب»، بعد تبادل مراسلات بين دريش ولوزراي.
 
وكانت الجريدة التي اسست بسرعة، «لسيبوار» L’espoir)) (الأمل) – أخد عنوانها عن رواية أتدري مارلو- لسان الحال «نصف الأسبوعي لشيوعي المغرب»، صدر عددها الأول في فاتح أيار/مايو 1938، وطرحت على نفسها هدف تقريب شيوعيي مختلف الفروع؛ ومدهم بالأخبار عن الشيوعية وعن أحداث فرنسا والعالم، نظرا لاستمرار منع جريدة «لومانيتي»، ولاسيما التعبير عن آرائهم حول المغرب ومشاكله (13).
 
وإذا كان رويي مكلفا بالخصوص بالتنظيم والدعاية والتسيير، فان دريش أخد مسؤولية الجريدة وتكلف ببابها «المغرب ونحن»، فإضافة إلى دراساته حول شروط الفلاحين والشغيلة، فقد كتب عن القضية الوطنية التي كان يتحدث بصددها مع الوطنيين الشباب الذي سبق لهم أن كانوا تلامذته في المعهد الإسلامي أو الذين لازالوا كذلك في ثانوية كَورو (Gouraud) بالرباط، مثل المهدي بن بركة.
 
وكان الموقف المعبَّر عنه بهذا الصدد هو نفس الموقف الذي أعلنه ليون سلطان في جريدة  «كلارتي» والذي كان يعكس، كما رأينا، موقف الحزب الشيوعي الفرنسي: أي إدانة جميع الالحاقات الماضية والمستقبلية؛ الحق في الاستقلال ولكن مع الأخذ بالاعتبار الواقع الذي يجعل من الواجب أولا النضال ضد الفاشية الإمبريالية والرفع من المستوى الاقتصادي والثقافي للجماهير (14). تم سرعان ما تقوت اللهجة الوطنية وأصبحت الصيغ المستعملة لطرح المسألة أكثر حزما ودقة. ففي مقال «الشيوعيون والوطنيون المغاربة» نشر في عدد 25  أيار/مايو 1938 من «ليسبوار»، يمكن لنا أن نقرأ التحليل التالي المعتمد على دراسات ستالين حول المسألة الوطنية (15).
 
« ما هي الوسائل الكفيلة حاليا بالحصول على الانعتاق الوطني للشعوب المضطهدة، مادام النضال الرأسمالي مازال قائما، على جزء كبير من الكرة الأرضية على الأقل؟ لا يمكن للنضال أن يتخذ نفس السمات في جميع البلدان. في بلد مثل المغرب، نلاحظ وجود حركة وطنية بورجوازية قوية لها علاقات قوية مع حركات وطنية لبلدان اسلامية أكثر تطورا؛ ونشهد من جهة أخرى ، تشكل البروليتاريا باحتكاك مع المقاولات الرأسمالية الكبرى، وبداية وعيها بمصالحها الطبقية تدريجيا، ليس هناك لحد الساعة أي تعارض بين الحركتين، كما لا وجود لاتجاهات متضاربة بوضوح ضمن الحركة الوطنية البورجوازية، فليس هناك لا توفيقيون يدعمون القوة الامبريالية، ولا برجوازيون صغار أو بروليتاريون، يشكلون حزبا ثوريا حقيقيا.
 
« فدور الشيوعيون إذن مزدوج؛ إذ عليهم:
 
1-أن يساندوا مطالب الوطنيين البرجوازيين، ويحتجوا ضد الأساليب المستعملة لحد الساعة والقائمة على تقديم الوعود دون الوفاء بها وعلى التنازل في آخر لحظة دون اقتراح إصلاحات عميقة، وعلى اعتماد سياسة الاعتقال والقمع في غالب الأحيان.
 
2- أن يسرعوا بالتربية والثقافية للبروليتاريا التي تجهل ذاتها.
 
« بهذا يمد الحزب الشيوعي يده إلى الوطنيين المغاربة ..»
 
وبعد تذكيره بأن الشيوعيين لا يمكنهم أن يدعموا سوى الحركات الوطنية التي تسعى إلى إضعاف الامبرياليات، يضيف المقال، مدينا موقف الوطنيين بالمنطقة الشمالية المؤيدين لفرانكو: «إنه لأمر طبيعي أن نناضل ضد حركة وطنية ترتكز على الفاشية التي تدافع عن الرأسمال، وتعد ألد عدو لكافة الشعوب والبلدان».
 
وكان باب الجريدة الدي كان يحمل عنوان «عالم الشغل» مزودا بمعلومات كثيرة ودقيقة. فأصبح بالنسبة للباحث مصدرا مفيدا للمعلومات، خاصة بعد اختفاء جريدة «لوماروك سوسياليست» بعد عددها الصادر بتاريخ 18 حزيران/يونيو 1938 (16).
 
ذلك أن زوبعة جديدة كانت تزعزع الفيديرالية المغربية للحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية ( SFIO)، بعد أن قرر مؤتمر رويان (Royan) الوطني ( 4- 8 حزيران/يونيو 1938) طرد مارسو بيفَير وقبول العودة إلى سياسة الوحدة الوطنية في حالة وقوع الحرب، ورفض شينيو وجزء من «اليسار الثوري» في المنظمات الفيديرالية وفي الفروع، هذين القرارين. فجاءت افتتاحية «لوماروك سوسياليست» (17) شديدة العنف:
 
«نزع الحزب الاشتراكي، للفرع الفرنسي للأممية العمالية، القناع عن وجهه؛ إذ اختار طريق الوحدة الوطنية لكي يهيئ الحرب الامبريالية الآتية بشكل أفضل.
 
« لا نريد أن ننضم إلى هذا العمل الخياني. ولهذا السبب انسحبنا...»
 
بهذا توقفت الجريدة عن الصدور. وتبين فيما بعد أن المنشقين كانوا أقل مما كان يظن الجميع، واستعادت الفيديرالية نشاطها، إذ أن مندوبي الهيئة الثالثة وأهم القادة النقابيين المنخرطين بها أكدوا تشبتهم بها، وبهذا تمكن جان ليونيتي، الكاتب الفيديرالي من إصدار «لوماروك سوسياليست» من جديد في فاتح كانون الثاني/يناير 1939، وقد عوض كانيفَان (Canivenc) شينيو في رئاسة الجريدة الأسبوعية.
 
هناك مفارقة بين انسجام اتحاد النقابات والاضطرابات التي لم يكن ليفلت منها نهائيا. لقد كانت بنيته صلبة، كما أن مناضلي الحزبين العماليين كانوا، رغم بعض نقط الضعف، يخصصون أفضل مجهوداتهم للاتحاد.
 
.تركيبة اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب
 
يقدم الجدول الصادر في جريدة «طرافَاي» (عدد 15) قوى المنظمة النقابية في فاتح ماي 1938.
 
وحسبه يضم 20000 منخرط (18) و118 منظمة -أكثر من 20 أنشئت إذن مند شباط/فبراير 1938- و10 اتحادات محلية و 10 فيديراليات أو اتحادات، و22 نقابة معزولة
.
وكانت المصالح العمومية تضم 4 فيديراليات، كما كان للفيديرالية المغربية لمجموعات الموظفين ما يزيد عن 4500 منخرط موزعين بين نقابات (35) وفروع وفروع صغيرة على مجمل التراب المغربي. وكانت تتوفر على نشرة نصف شهرية تدعى: «لاتريبون دي فونكسيونير» وكان كاتبها العام هو ماتيي.
 
فيما كانت فيديرالية البريد تتكون من 3 نقابات –واحدة للأعوان وأخرى للمستخدمين وثالثة للمستخدمين التقنيين -وتضم 1400 منخرط. وكان أورانج هو كاتبها العام.
 
وكان شغيلة الدولة، بعددهم الهام، 1800 عضو، يكونون نقابة وحيدة ذات فروع متعددة فيرلاندان وسانتاريلي.
 
وكانت فيديرالية المستخدمين المدنيين لوزارات الحرب والطيران والبحرية، المدعاة أيضا فيديرالية زينو (Zenou) حسب كاتبها، تضم بضع مئات من الأعضاء.
 
فالمصالح العمومية كانت تضم إذن 8200 منقَّب، أي 41% من العدد الاجمالي
.
وفي المصالح ذات الامتياز، يعلن اتحاد نقابات الشبكات عن 1500 منخرط؛ وتضم فيديرالية مستخدمي المكتب الشريف للفوسفاط ربما 1000 منخرط؛ واتحاد نقابات الانارة والقوى المحركة حوالي 500، أي 3000 منقب في المجموع و15% من العدد الإجمالي
.
وفي القطاع الخاص، تمثل النقابات  الثماني عشر للفيديرالية المغربية للنقل؛ والنقابات السبع للفيديرالية المغربية  لمستخدمي التجارة والبنك (حوالي 1000) والمنطقة الفيديرالية الـ 47 للبناء والخشب (عدة آلاف من المنخرطين) والاثنين وعشرين نقابة الأخرى تمثل أقل من 9000 منقب، أي 44%.
 
منذ كانون الثاني/يناير 1938، تعاظمت إذن  مكانة القطاع الخاص ضمن الاتحاد، غير أن أعداد المنخرطين غير ثابتة والمكتتبون كانوا غير منتظمين.
 
.المناضلون.
 
وقد استمر مع ذلك مستخدمو المصالح العمومية ولاسيما الموظفون في القيام بدور هام بفضل انتظام مساهمتهم المالية، وخاصة دورهم التأطيري في الاتحادات المحلية وفي مكتب اتحاد النقابات الكونفيديرالية حيث جاء شغيلة القطاع ذي الامتياز والقطاع الخاص ليعززوهم تدريجيا.
 
يتعلق الأمر بجيل ثان من المناضلين، جيل الثلاثينات الذي جاء ليضاف لا ليُعوض جيل العشرينيات الذي مازال يقوم بمهامه في النقابات والفيديراليات.
 
وماعدا بعض الاستثناءات، كان كافة المسؤولين النقابيين من وسط متواضع، إذ كانوا أبناء فلاحين أو حرفيين قرويين ومدنيين، أو عمالا أو مستخدمين أو موظفين صغارا.
 
لقد كانوا تلامذة في المدرسة الابتدائية التي غادروها بعد الشهادة الابتدائية، أو الشهادة الثانوية أو الدخول إلى مدرسة المعلمين، ونجدهم مستخدمين في التجارة أو الأبناك، سككيين أو كهربائيين، في البناء أو النقل، شغيلة الدولة، جمركيين، بريديين، معلمين. بعضهم، وصلوا بفضل عملهم واجتيازهم لامتحانات ومباريات، إلى مراتب عليا في مصالحهم، ملتحقين بذلك بأولئك الذين مروا عبر الإعدادية والثانوية وأحيانا الكليات وحصلوا علة وضعية الأطر العليا حسب تعبير اليوم، مثل محرري المديريات الكبرى بالرباط، ومهندسي مصلحة الطبوغرافيا أو الأساتذة الذين تعاظم دورهم ابتداء من 1934.
 
حصلوا على تكوينهم النقابي والسياسي عن طريق تأثير بعض أصدقائهم، وفي غالب الأحيان بفضل مجهوداتهم الخاصة، وقراءاتهم، وتجربتهم المكتسبة في النضال النقابي والسياسي، ورصدهم الكامل إلى هذا الحد أو ذاك للواقع المغربي. وكان شغلهم، ونمط عيشهم الاستعماري والظروف السياسية -لأن وهم الجبهة الشعبية مازال حاضرا- كل ذلك كان يدفعهم إلى النزوع نحو الإصلاحية ولو أن التشدق الكلامي ثوري أحيانا.
 
كان عليهم أن يأخذوا  الاعتبار قاعدة مرتجفة من الشغيلة المغاربة الذين ظلوا من الشغيلة المغاربة الذين ظلوا محصورين في شروط بئيسة، ومن «صغار البيض» الذين كانت وضعيتهم دون وضعية أمثالهم في الجزائر وفرنسا على عدة أصعدة. هذا بدون اعتبار الانفجارات المحتملة الوقوع في عالم المنجميين القاسي والخاص.
 
وبطبيعة الحال فقد كانت مشاكل «الرفاق الأهليين»  كانوا يسعون إلى ربطها بمشاكلهم، تحظى باهتمامهم. فكانوا يستنكرون كون الحق النقابي لم يمنح لهم بعد؛ وكانوا يرغبون في التحقيق الفعلي لشعارهم: «نفس الأجر لنفس العمل»؛ وخلاصة القول أنهم كانوا يطالبون بتطبيق التشريع الاجتماعي الفرنسي -الذي كان يتمتع به شغيلة الجزائر وتونس-  على المغرب حيث كان الشغيلة الفرنسيون أنفسهم محرومين منه.
 
من أبرز المسؤولين تجد آنذاك ماتيي وهيفرنو وشابان وأورانج. لقد كان بإمكانهم، بصفتهم متفرغين من طرف إدارتهم الخاصة، منذ أن تم الاعتراف للأوربيين بالحق النقابي، أن يخصصوا كل وقتهم للعمل النقابي. فكان الثلاثة الأولون ماسونيين (19). وكانوا بأجمعهم اشتراكيين، إلا أن طبائعهم كانت مختلفة وتقييماتهم للأحداث لم تكن دائما متماثلة
.
كان ماتيي أكبرهم سنا. وكانت له أوسع العلاقات الشخصية لأنه كان كاتبا سابقا للاتحاد الجهوي، ثم كاتبا لفيديرالية مجموعات الموظفين. فكانت مكانته النقابية ومكانته كرئيس محفل ماسوني بالدار البيضاء تفتح له العديد من الأبواب ولاسيما في الإقامة العامة حيث كان بعض الموظفين السامين ينتمون إلى التنظيمات الماسونية (20).
 
وكان هيفيرنو (21)، وهو العقل المفكر للتنظيمات العمالية ، يعرف جيدا تاريخ الحركة النقابية وقواعد التنظيم وقانون الشغل، وكان يتدخل في كافة النزاعات الهامة. ورغم امتناعه عن التصريح بذلك، بسبب صفته ككاتب عام للاتحاد، فإنه كان يشاطر قناعات نقابته التي كانت تتبنى أطروحات أندري ديلماس وأوجين بيلان E .Belin حول السلم والحرب.
 
وقد ساهم شابان، الذي ظهر في قيادة السككيين سنة 1935، بعمله المنهجي ومهارته، في جعل اتحاد الشبكات والاتحاد المحلي للرباط تنظيمين نشيطين وعديدي المنخرطين (22).
 
وإذا كان هيفيرنو وماتيي صديقين يلتقيان يوميا تقريبا في مكاتب بورصة الشغل بالدار البيضاء، ويتفاهمان جيدا مع شابان، فإن الأمر كان مخالفا مع أورانج، كاتب فيديرالية البريد.
 
لقد كان أورانج، وهو طويل القامة وعصبي ونحيل الوجه وذو كلام متقطع، أكثر عنفا وأكثر انتقادا في أقواله وفي كتاباته . إنه اشتراكي من اليسار الثوري، ومن أتباع بيلان أيضا -تطور نحو الشيوعية بعد 1941- وكانت تدفعه نزعة مسيحية إنسانية. إنه أحد المناضلين الذي نعرف جيدا فكره المطروح بشكل منسجم في التقرير الذي قدمه «حول المسألة الأهلية في إفريقيا الشمالية» أمام مؤتمر فيديرالية البريدج في فَيشي سنة 1938 (8-9-10 أيار/مايو). فهو يدين الاستغلال الرأسمالي والاستعماري؛ ويتفهم الوطنيين الذين يرغبون في الحفاظ على هويتهم الوطنية وعلى شخصية شعبهم؛ ويناشد المسؤولين بمنحهم الاصلاحات المعتدلة التي طالبون بها. أما فيما يخص النقابية، فقد كان يرى أنه يجب أولا تكوين «الأهليين» ضمن النقابات الكونفيديرالية الفرنسية. و«حين سيتطور المعنيون بشكل كاف، فسيكون بإمكانهم أن يؤسسوا ك.ع.ش. مغربية» (23). وهذه الأفكار تتعارض مع الأفكار التي نشرها كاتب نقابة الكتاب بضعة شهور من قبل في جريدة «طرافَاي».
 
.التوزيع الجغرافي للقوى النقابية.
 
تسمح مقرات الاتحاد المحلية بالكشف عن ذلك التوزيع. فهو يشمل مراكز النشاط العصرية، الموانئ، والمدن التي تشكل ملتقى الطرق، والمراكز المنجمية. ومن السهل إقامة ترتيب أماكن التنقيب ولكن الأمر ليس كذلك فيما يخص الأهمية العددية والبنية المهنية. وستساعدنا في ذلك دراسة التفويضات الممنوحة في مؤتمر 1938 والمعلومات حول التواجد النقابي التي يقدمها جدول فاتح أيار/مايو؛ إلاّ أن النتائج المحصلة يجب أن تعبر مجرد مقاربة جد نسبية، خاصة وأن التفويضات الممنوحة لنقابات المصالح العمومية كانت عامة ولا تضم إشارات إلى أماكنها.
 
كانت الدار البيضاء، عاصمة المغرب الاقتصادية، تأتي طبعا في الصف الأول بـِ 18 منظمة للمأجورين وحوالي 12 فرعا للمصالح العمومية: مدرسون، جمركيون؛ مستخدمو سجل المساحة والقباضة ومصالح السجن؛ بريديون؛ شغيلة الدولة؛ الشحن والافراغ؛ بحارة صيادون، مستخدمو الأبناك والتجارة والمكاتب والكتاب والسكك الحديدية، والنقل البري والحضري؛ حلاقون؛ بائعو العقاقير؛ موسيقيون، مستخدمو البناء والخشب؛ عمال المعادن والتغذية والمنتوجات الكيماوية، أي حوالي 5 إلى 6000 منقب إجمالا.
 
ويوجد في الرباط، العاصمة السياسية والادارية، تمركز قوي للموظفين والبريديين؛ يضاف إليهم السككيون ومستخدمو النقل الطرقي، وشغيلة البناء والخشب، والمستخدمون. وكانت تنظيمات المأجورين (14) أقل عددا من تنظيمات الموظفين والبريديين وشغيلة الدولة (19). وكان العدد الاجمالي للمجموعات يفوق عددها في الدار البيضاء، إلاّ أن عدد المنخرطين (3000)، المتساوي تقريبا في القطاع العام، أضعف بكثير من مثيله في قطاع الأجراء.
 
ثم تأتي مكناس (1400 منقب) ووجدة (1350)، وهما مركزان سككيان وعماليان في ازدهار، توجد بهما أنشطة إدارية مهمة؛ وفاس (750) ومراكش (1000)، وهما عاصمتان سلطانيتان قديمتان غالبا ما كانتا عرضة للقلاقل؛ ثم القنيطرة، وهي ميناء يتنامى بفضل سهل الغرب الغني (650)؛ وتازة (550)، والجديدة (250) وآسفي (300) التي تضم سككيين وبحارة صيادين وشغيلة الفوسفاط وبضع عشرات من الموظفين. ويجب أن نضيف مركزي خريبكَة (700) ولوي جانتي (اليوسفية) (150)، إضافة إلى بعض المراكز الصغيرة حيث نجد الموظفين والبريديين ومستخدمين آخرين مشتتين بها.
 
وكان بإمكان محرر نداء فاتح، وهو بدون شك هيفيرنو، أن يخلص عن حق إلى ما يلي: «إن المنظمات الكونفديرالية هي أقوى التنظيمات المهنية، بدون استثناء، وقوة إشعاعها... هائلة حتى على الجماهير غير المنقبة.»
 
«يُعد اتحاد النقابات الكونفديرالية (ك.ع.ش.) بحق المنظمة النقابية الأكثر تمثيلية للمغرب بدون منازع.»
 
ونفس الراي نجده عند رئيس مصلحة الشغل، مانكَو، الذي كتب بضعة أشهر فيما بعد، في 4 آب/أغسطس 1938، إلى موزير حول تمثيل النقابات المسيحية ضمن الهيئات الاستشارية غير المنتخبة، ما يلي «... هذه المسألة ليست بجديدة، إذ طُرحت رسميا منذ سنة بصدد تعيين أعضاء اللجنة المتساوية التمثيل المكلفة بمراقبة مكتب التشغيل بالدار البيضاء. وقد بين البحث الميداني الذي قامت به آنذاك منطقة الدار البيضاء، بناء على طلبنا، أن النقابات المنخرطة في ك.ع.ش. تضم 5641 عاملا ومستخدما أوربيا، بينما لا تضم النقابات المسيحية سوى 445. في ظل هذه الشروط، دعوتم السيد كورتان Courtin إلى اختيار ثلاثة أعضاء من العمال في اللجنة من بين المنخرطين في ك.ع.ش...»
 
يتعلق الأمر إذن ببحث ميداني أجري في شهر آب/اغسطس 1937، وهي فترة كانت فيها أعداد المنخرطين في اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب تتراوح بين 10 و12000، أخذا بالاعتبار للمغاربة وشغيلة القطاع العمومي الذي لم تتم الاشارة إليه في الارقام المقدمة سابقا. والحال أن النقابات المسيحية لم تكن تستقطب المغاربة ويبدو أن تواجدها في القطاع العمومي كان جد ضعيف. فيجب أن تحدد النسبية بين النقابات المسيحية والنقابات التابعة لـ: ك.ع.ش. ما بين 1 إلى 15 أو إلى 20.
 
وقد تجلى نفوذ اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب أيضا في انتخاب النقابيين لدى مجلس الحكومة كمندوبين في الهيئة الثالثة. فتم تقديمهم ضمن اللوائح الاشتراكية، ما عدا دوريل. ويتعلق الأمر ب: جورج باكمان G.Backmann، سككي بالدار البيضاء؛ وجان نافَاي J.Navailles  بالقنيطرة، سككي وكات عام للاتحاد المحلي؛ بَول دوريل، سككي وكات عام للاتحاد المحلي بمكناس؛ فرانسوا، سككي هو أيضا، بالرباط؛ جان-مارسيل جورج كاتب سابق لنقابة المكتب الشريف للفوسفاط بآسفي، وريفستيك من مستخدمي الرباط. وسيقدمون بشكل مباشر أكثر من سابقيهم مطالب اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب أمام مجلس الحكومة، ما جعل مندوبي الغرف الفلاحية والصناعية والتجارية لا تحملون ذلك إلاّ بصعوبة.
 
وفي منتصف سنة 1938 كان اتحاد نقابات المغرب يتمتع بوضعية جيدة بالمقارنة مع وضعيته في نهاية 1935. وكانت أعدا منخرطيه –من 15000 إلى 20000- متواضعة مع ذلك ويحتل الاتحاد بناء عليها وسط سلم ترتيب الاتحادات الجهوية لِـ: ك.ع.ش. الخمسة والثمانين (24)، والمرتبة الرابعة ضمن اتحادات شمال افريقيا الخمسة، قبل قسطنطينة (13000 عضو)، لكن بعيدا وراء الجزائر العاصمة (60000) وتونس العاصمة (55000) ووهران (45000). إلا أن هذا الاتحاد كان يشمل تصل مساحته إلى ثلثي مساحة فرنسا وكان له بعد وطني.
 
احالات الباب الثالث
 
إحالات الفصل 9
 
(1)جاك لادريت دولا شاريير  J.Laadreit de La Charrière، «في المغرب» مقال نُشر في (افريقيا الفرنسية Afrique française، عدد تموز/يوليو 1936، ص ص. 416 وما يليها.
 
راجع أيضا ب.شينيو P.Chaignaud، «الاستفتاء العام البيروتوني. نظم المتمردون أمام أنظار السلطات المتواطئة، القلاقل وحاولوا أن يخلقوا اضطرابات مناهضة للسامية» (المغرب الاشتراكي «ماروك سوسياليست»)، عدد 27 حزيران/يونيو 1936.
 
(2)(المغرب الاشتراكي)، عدد 27 حزيران/يونيو 1936.
 
(3)(افريقيا الفرنسية)، المقال المذكور، وروبير جان لونكَي R.Longuet؛ «بيروتون يتجزأ على التهديد»، جريدة (السلم والحرية) Paix et Liberté، عدد رقم 23، 12 تموز/يوليو 1936.
 
(4)«إلى الشربة، بيروتون»، (الانسانية) L’Humanité، عدد 13 أيار/مايو 1936.
 
(5)شهادة فرانسوا ماتيي Mattei الذي كان يترأس الوفد، نظرا لكونه كاتبا للاتحاد الجهوي للمغرب فقد كان يعرف جيدا جوهو، وطلب منه التدخل للحصول على مقابلة مع السلطات، كان عليها أن تتم في أول أسبوع من تموز/يوليو، إذ يشير إليها شيينيو في مقال صدر يوم 11 تموز/يوليو، وفيها يتحدث ج.لونكَي في جريدة «السلم والحرية» عدد 12 تموز/يوليو، عن محادثة أجراها في باريس مع ليون سلطان.
 
(6)ذكريات المؤلف.
 
(7)نجد تقريرا منفصلا ولائحة للوزراء والموظفين في نشرة «شعبي باريس» باري Le Populaire de Paris، عدد 12 أيلول/سبتمبر 1936.
 
(8)أخبره كاميي شوتون C.Chautemps، بذلك في آخر الجلسة.
 
وفيما يخص أسباب الدعوة المفاجئة للجنة العليا المتوسطية –كان الغرض من ذلك مفاجأة بيروتون وأنصاره- والجو الذي درات فيه الجلسة، وبخصوص موقف شوتون، تتطابق التصريحات التي أدلى بها كل من -.أ.جوليان وج.هوتان.
 
(9)دخل بيير فيينو P.Viennot (1897-1944) غداة الحرب، حيث أصيب بجروح بليغة، إلى ديوان الماريشال ليوطي بفضل تدخل فاتان-بيرينيون Vatin-Pérignon، صديق عائلته. كان كاتبا وصحفيا، وعضوا في الاتحاد الاشتراكي والجمهوري، ونائبا عن منطقة الواز L’Oise، فيما بين 1932 و1936، وأصبح كاتبا للدولة في الشؤون الخارجية، مكلفا بشؤون الشرق وافريقيا الشمالية، في وزارة بلوم. انخرط في الحزب الاشتراكي بعد سقوط حكومة بلوم. وفي سنة 1940، بعد أن أدانه مجلس حربي، هرب، انخرط في المقاومة، وانتقل إلى لندن في آذار/مارس 1943، وعُين مندوبا للحكومة المؤقتة لدى الحكومة البريطانية، وتوفي في لندن يوم 20 تموز/يوليو 1944، (اعتمادا على ب.فيينو «خُطب ورسائل»، ليون بلوم، الأعمال الكاملة، ج V، ص ص. 451-452، أندري فيينو (أخ ب.فيينو) «بيير فيينو، 1897-1944»).
 
(10)في معرض حديثه في جريدة «الشعبي» عدد 17 تموز/يوليو 1938، عن الشؤون التونسية وعن القيم العام كَيون Guillon الذي طالب، رغم التقدير الذي كان يكنه له بذهابه بسبب الاجراءات الاستثنائية التي اتخذها ضده الشعب التونسي، صاح ليون بلوم قائلا: «لا تختاروا جنيرالا» ويضيف مفسرا: «ستتفقون معي، أعتقد على أن رأيي بهذا الصدد لا يطبعه أي حقد شخصي، بحيث أن الوزارة التي كنت أترأسها عينت جنيرالا كمقيم عام للمغرب، وقد ساهمت بشكل وافر في اتخاذ هذا القرار، ولا زلت اليوم فخورا بذلك. إلا أن الوضعيتين لا مجال للمقارنة بينهما، هذا بدون الاشارة إلى مقدرة الجنيرال نوكَيست الاستثنائية. إذ أن المغرب لم يلبث أن خرج من إطار حكومة عسكرية؛ بينما لم تعرف ذلك تونس منذ ما يزيد عن نصف قرن» وخلص إلى القول بأنه لا يجب تكرار ما حدث مرة واحدة لتكريسه كنظام. «لا تتذرعوا بالضرورات الحربية»، ليس هناك دفاع ناجع «بدون هذه الصداقة الأهلية».
 
(11)هكذا، عند تحديد أسباب اختياره الخاص بالمغرب، لم يشر بلوم في أية لحظة إلى الوضعية الخطيرة الناجمة عن التمرد الفرانكوي وعن الحرب الأهلية الاسبانية. مع أنها كانت حاسمة، لأنه، منذ شهر حزيران/يونيو، كانت أنظار أركان الحرب متجهة نحو المغرب الاسباني، حيث كانت تأتي إشاعات منذرة بالخطر ينقلها موظفون قنصليون بمليلية وتطوان. وعمل القائد الأعلى لجيوش المغرب، منذ نهاية حزيران/يونيو، على بلورة «مشروع مخطط للعمل» كـ«احتمال لفشل اسبانيا أو قصورها في مناطق حمايتها» وباعتماده على مشروع قديم لليوطي، ارتقب الاحتلال السريع لقمم الريف وكذا لخط شفشاون-تركَيست» مما سيسمح عند الضرورة بتدخل أعمق. هذا هو المشروع الذي بعثه إلى دالاديي Daladier، يوم 18 تموز/يوليو 1936، كرد على برقية هذا الأخير من باريس المؤرخة بـ 11 تموز/يوليو، وبعد التمرد، لم تعد الحكومة مهتمة سوى بالخطة الدفاعية، وارتقبت في منتصف شهر آب/أغسطس «بعث عضو من المجلس الأعلى للحرب مُلم شخصيا بالشؤون المغربية» (رسالة إيفون ديلبو Yvon delbos، وزير الخارجية، إلى دالاديي، بتاريخ 14 آب/أغسطس)، وكان الأمر يتعلق طبعا بالجنيرال نوكَيس. وعشية تعيين نوكَيس، تلقى الوزير المنتدب لدى الاقامة بالرباط الأمر بإخبار السلطات وتبيان «أن أحداث اسبانيا وانعكاساتها الممكنة على المغرب، دفعت الحكومة المسؤولة عن الحفاظ على أمن المنطقة الفرنسية من المملكة الشريفة، إلى تعيين ضابط برتبة جنيرال، يؤهله ماضيه للسهر على طمأنينة الحماية» (من الشؤون الخارجية، إلى مندوب الاقامة بالرباط، 15 أيلول/سبتمبر 1936). ارشيف الخارجية، باريس، سلسلة المغرب، 1919 إلى 1938.
 
12)كلمة ليون باريتي Léon Baréty أمام حلقة المتحالفين في باريس، يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1936 خلال غذاء على شرف نوكَيس «أعلم، يا جنيرال، بأنكم... قبل قبولكم لمهمتكم أصررتم على وضع أنفسكم خارج وفوق الأحزاب، وإننا نهنئكم على ذلك» جريدة «لوبوتي ماروكان le Petit Marocain، عدد 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1936؛ وشهادة ش.أ.جوليان
 
(13)ر. دولوش؛ «في المغرب»، «لومانيتي»، عدد 17 أيلول/سبتمبر و9 تشرين الأول/أكتوبر 1936.
 
(14)«الوقت» Le Temps، عدد 17 أيلول/سبتمبر 1937.
 
(15)ج.ل.ل. «في المغرب: إقالة بيروتون»، نشرة «افريقيا الفرنسية» 1936؛ ص 504؛ و«الجنيرال نوكَيس، مقيما عاما بالمغرب»، نفس المصدر السابق، ص. 508.
 
(16)«المغرب الاشتراكي»، عدد 10 تشرين الأول/أكتوبر 1936.
 
(17)فيما يخص نوكَيس، راجع الزمن Le Temps، عدد 17 أيلول/سبتمبر 1936 والهوامش الخاصة بالموتي لـ ج.بلانشي J.Planchais  وج.لاكوتير  J.Lacouture، جريدة «لوموند» Le Monde، عدد 23 نيسان/أبريل 1971، ولد نوكَيس سنة 1876، وتوفي يوم 23 نيسان/أبريل 1971.
 
(18)كان جان فريديريك موريز Morize (1886-1966)، طالبا بالمدرسة العليا للأساتذة، وأستاذا مبرزا، وعضوا في لجنة حكومة لاسار La Sarre (1930-1932)، ثم ممثلا لفرنسا في لجنة مراقبة مالية سويسرا (1932-1935). هذا حسب «الدليل الديبلوماسي والقنصلي للجمهورية الفرنسية لسنة 1936»، المطبعة الوطنية.
 
(19)جورج هوتان G.Hutin؛ وُلد في باريس سنة 1889؛ كان طالبا في المدرسة الابتدائية العليا توركَو Turgot؛ جاء إلى المغرب سنة 1916؛ دخل إلى المدرسة التطبيقية للدار البيضاء، التي كان يترأسها كاندي Candille وأنشئت لتكوين المعلمين خلال الحرب، دخل سنة 1918 إلى الديوان المدني لليوطي، وظل في الديوان المدني للمقيمين العامين إلى حدود تموز/يوليو 1940، وفيما يخص بقية تاريخه المهني، راجع «دليل أطر البلديات والادارة المركزية»، باريس 1960.
 
(20)«المغرب الاشتراكي» عدد 5 أيلول/سبتمبر 1936، مقال بعنوان «هل ستخون الشجاعة بيروتون؟»
 
(21)برقية رقم 538539؛ مصلحة الأرشيف، وزارة الخارجية، باريس.
 
(22)المعلومات والمشروع، أبلغتا بها مصلحة الأرشيف، وزارة الخارجية، باريس
 
(23)هيفرنو، رسالة بتاريخ 26 كانون الثاني/يناير 1973.
 
(24)تقرير قدمه دوريل Durel أمام نقابات فاس، نشرة «مستقبل السكة»، عدد 4، تشرين الأول/أكتوبر 1936.
 
(25)ش.أ.جوليان المصدر السابق، ص. 393.
 
(26)دخل روني هوفر R.Hoffer إلى دويان ب.فينو في منتصف حزيران/يونيو 1936. ونشّط ر.مونطاني، وهو مكلف بالتدريس في «السوربون» المجموعة الدراسية حول الاسلام بمركز السياسية الخارجية لأكاديمية باريس (راجع ج.بيرك، المصدر السابق، ص 279). وسيدفع وسيظل متشبثا بشكل تنظيمي تعاضدي يسمح بمراقبة تطور البروليتاريا المغربية. راجع «ولادة البروليتاريا المغربية»، بيروني  Peyronnet، 1950، ص ص. 220-223، و«ثورة في المغرب»، ص ص. 277 وما يليها.
 
(27)أنشئت اللجنة العليا المتوسطية في شباط/فبراير 1935، وخلفت اللجنة الوزارية للشؤون الاسلامية، التي كانت تجتمع منذ 1911 في وزارة الخارجية عدة مرات في السنة. خلال سنوات طويلة، تولى كتابتها أوكَستان برنار Augustin Bernard، استاذ في السوروبون، وترأسها، السيد كَو، الوزير المفوض كامل الصلاحية. وكانت اللجنة العليا تابعة مباشرة لرئاسة المجلس. وبفضل مرسومي 27 و28 نيسان/أبريل 1937، أكملت هذه الأخيرة إعادة تنظيم اللجنة العليا. هذان المرسومان، لم يعملا في الحقيقة إلا على تزكية وضع قائم. إذ أعطيت الكتابة الدائمة ل، ش.أ.جوليان، وتكونت لجنة دراسية من جان كَو وروني هوفر، وهو أستاذ بالمدرسة الحرة للعلوم السياسية ومدير المراكز القانونية لمعهد الدراسات العليا بالرباط، ولويس ماسينيون، أستاذ في «كوليج دو فرانس»، وروبير مونطاي، مدير المعهد الفرنسي بدمشق.
 
وعبرت عن رضاها «افريقيا الفرنسية» (سنة 1937، ص ص 287 وما يليها)، التي قدمت تقريرا عن ذلك، مع أنها أشارت إلى رد الفعل العنيف لنشرة «عمل الشعب» « Action du Peuple »، ضد لجنة المراقبة هذه التي بلغ بها الأمر إلى تعتيم القناعات السليمة أكثر للقادة السياسيين المتحكمين في السلطة»، وكان الوطنيون المغاربة على علم نوعا ما بمواقف هوفر ومونطاني وقد سهر على استمرارية اللجنة الوزارية القديمة كل من كَو وماسينيون.
 
 وأكد جان كولان  J.Goulandميل الدولة المنتدبة نحو النظام التعاضدي ومناوءتها للاعتراف بالنقابات. إن نفس الاشخاص –ر.مونطاني كان مدير المعهد الفرنسي بدمشق- هم الذين كانوا وراء نفس السياسية في المغرب كما في لبنان. راجع ج. كولان: «الحركة النقابية في لبنان، 1919-1946، باريس 1970، ص ص 249-250.»
 
(28)كان مرسوم الباي المؤرخ بـ 16 تشرين الثاني/يناير 1932 (تونس) سريعا ودقيقا إذ لا يتضمن أية ديباجة ويتكون من عشرة بنود عوض ستة وعشرين. وينص بنده الأول على أن النقابات بإمكانها أن تتأسس بدون ترخيص من الحكومة؛ ويقول بنده السادس بأن أعضاء المكتب يجب أن يكونوا فرنسيين أو تونسيين
 
(29)تقرير عن مؤتمر المعلمين بالرباط، 29 و30 كانون الأول/ديسمبر 1936، «نشرة المعلمين بالمغرب»، عدد 65، 15 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(30)«مستقبل السكة»، تشرين الثاني/نوفمبر 1936.
 
(31)«كلارتي»، 30 كانون الثاني/يناير، و«طرافَاي» Travail، عدد خاص، كانون الثاني/يناير 1938.
 
(32) «طرافَاي» العدد الأول 15 تموز/يوليو 1937، ص.2.
 
(33)«كلارتي»، عدد 7، 30 كانون الثاني 1937.
 
(34)شارل دوبوي ابن لصاحب مخبزة قروية صغيرة، ولد في سان اوست Saint-Ost (قرب ميراند Mirande في جير Gers، يوم نيسان/أبريل 1908، بعد دراسته الابتدائية والابتدائية العليا تقدم إلى مباراة البريد، وعُينت في المغرب، وأرسل إلى مراكش. انخرط في ك.ع.ش. (الكونفديرالية العامة الوحدوية للشغل). (1930) وانضم إلى «التجمع الودادي لكافة مستخدمي البريدج بالمغرب») وإلى يومنا هذا لم يتوقف نشاطه النضالي النقابي والسياسي الذي بدأ مبكرا.
 
(35)«لوبوتي ماروكان»، 17 كانون الثاني/يناير 1937، ضمن باب «الحياة الاجتماعية»
 
(36)«لوبوتي ماروكان»، 27 كانون الثاني/يناير 1937
 
(37)«لوبوتي ماروكان»، 20 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(38)«لوبوتي ماروكان»، 27 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(39)ألبير هيفرنو A.Hivernaud: «النقابية المسيحية وأرباب العمل»، نشرة «طرافَاي»، عدد 6؛ 20 شباط/نوفمبر 1937.
 
إحالات الفصل 10
 
(1)«مهرجاناتنا الاحتجاجية»، «ماروك سوسياليست»، عدد 2 شباط/يناير 37.
 
(2)«مؤتمرنا الفيديرالي بالدار البيضاء»، «ماروك سوسياليست»، عدد 9 كانون الثاني/شباط 1937.
 
(3)هذا حسب ش.دوبوي الذي كان أمين الصندوق، استغلت مصالح الشرطة توافد الناس لتسريب مخبرين لها كما فعلت سابقا في بعض فروع «الشبيبة الاشتراكية»، «كل الرفاق يعرفون ذلك، لن يأخذوا أبدا الاحتياطات الكافية»، هذا ما كتبته بصدد عمل المخابرات، جريدة «كلارتي» Clarté، عدد رقم 6، 16 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(4)كان ليون روني سلطان، المزداد بقسطنطينة (الجزائر) بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1905 من أب مستخدم في المؤسسات العسكرية، الابن البكر ضمن عائلة تضم 8 أبناء. بعد تخرجه من كلية الحقوق بالجزائر العاصمة، اشتغل كمحام بقسنطينة (1929-1927) وبسوق أحراس (1928) ثم بالمغرب في الدار البيضاء (1929). انخرط سنة 1934 في «الشبيبة الاشتراكية»، وكان كاتبها. ولم يكن له أي التزام سياسي آنذاك. وسيكون أول كاتب عام للحزب الشيوعي المغربي (16 تشرين الثاني/نوفمبر 1943). وكضابط احتياطي، طالب سنة 1944 بأن يُرسل إلى جبهة القتال. فأصيب بجراح بليغة في ألمانيا حين كان يقود فصيلة القناصة المغاربة، ومات في الدار البيضاء في 23 حزيران/يونيو 1945 على إثر هذه الجراح.
 
(5)أخذ الكلمة كل من: ويكر وإستيببان وبَييي وكَرانسار في الدار البيضاء؛ وبولار وهييت وش. دجوبوي، والسيدة فريسيني بالرباط؛ ودوريل وروميرو، وليون سلطان، وتوايي ومجددا دوبوي وإستيبان وكَرانسار بمكناس، «كلارتي» «Clarté»، 19 كانون الأول/ديسمبر 1936.
 
(6)«لوبوتي ماروكان»، 12 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(7)«لوبوتي ماروكان»، 18 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(8) «ماروك سوسياليست»، 23 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(9) « ماروك سوسياليست»، 30 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(10) « ماروك سوسياليست»، 6 شباط/فبراير 1937.
 
(11) «لوبوتي ماروكان»، 31 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(12) «لوبوتي ماروكان»، 21 شباط/فبراير 1937.
 
(13) «لوبوتي ماروكان»، 23 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(14) «لوبوتي ماروكان»، 30 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(15) « ماروك سوسياليست»، 21 و27 شباط/فبراير 1937 و«كلارتي»، 20 شباط/فبراير 1937.
 
(16) «لوبوتي ماروكان»، فاتح شباط/فبراير 1937.
 
(17) «لوبوتي ماروكان»، فاتح شباط/فبراير 1937.
 
(18) «لوبوتي ماروكان»، 5 شباط/فبراير 1937.
 
(19) «لوبوتي ماروكان»، 8 شباط/فبراير 1937.
 
(20)«طرافاي»، فاتح شباط/فبراير 1937.
 
(21)«ماروك سوسياليست»، 23 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(22)وحاولوا أيضا إنشاء منظمات نقابية في القنيطرة وفاس، بقطاعي التغذية والنقل، بل حاولوا تأسيس اتحاد وطني للنقابات، قُدِّم نظامه الاساسي للجنيرال نوكًيس عند مروره بفاس، إلاّ أنه سيُرفض فيما بعد بقليل (كانون الثاني/يناير 1937). وأمام رفض السلطات، وقف الأمر عند هذا الحد، راجع: عبد اللطيف المنوني «النقابية العمالية بالمغرب»، الدار البيضاء، دار النشر المغربية (1979) ص 36؛ حسب علال الفاسي: «تاريخ المغرب منذ الحرب العالمية الأولى»، طنجة، 1955.
 
(23)تقرير فصلي لمنطقة فاس (كانون الثاني/يناير-آذار/مارس 1937)، مديرية الشؤون السياسية، الرباط؛ الشؤون الخارجية، باريس.
 
(24)انعقد مؤتمر الفيديرالية المغربية للفرع الفرنسي للأممية العمالية في 13 كانون الأول/ديسمبر 1936.
 
(25)ر.هوفير: «الاقتصاد المغربي»، مصدر مذكور سابقا، ص 53.
 
(26)بلغت في 30 حزيران/يونيو 1937. المبالغ المُجَمَّعة من طرف مختلف تنظيمات لجنة المساعدة المتبادلة الارقام التالية:
 
التكتل: 350000 فرنك.
 
اللجنة المركزية: 302000 فرنك.
 
الغرفة التجارية: 582000 فرنك.
 
النقابات المسيحية: 1000 فرنك.
 
بلغت هذه المبالغ حوالي منتصف تموز/يوليو: 427000 ف. بالنسبة للتكتل، و29000 ف. بالنسبة للكونفديرالية الفرنسية للشغيلة المسيحيين. «لوبوتي ماروكان»، عدد 5 و8 تموز/يوليو 1937.
 
(27)«أفنير دجي راي»، أيار/مايو 1937 و«طرافاي»، 5 أيار/مايو 1938.
 
(28)يقدر بريدوم Prudhommeعدد المنقَّبين المغاربة بـ 100 من 400 في نقابة السككيين بالدار البيضاء. فيما يعتقد ش.دوبوي بأنهم كانوا يشكلون حوالي ربع العدد الاجمالي في نقابات البريديين. وتتحدث «ماروك سوسياليست» و«لوبوتي ماروكان» عن عدة مئات من المنقبين الجدد في قطاع البناء بفاس في كانون الثاني/يناير 1937. وكتب المراقب المدني للقنيطرة بأن النقابات المحلية استقبلت واستمرت «تستقبل المغاربة وتمنحهم بطاقات «ك.ع.ش.»». وتهمت القامة في حزيران/يونيو 1938 نقابة خريبكَة باستقطاب 3000 مغربي، وهذا رقم مبالغ فيه بدون شك، لأن عدد المنقَّبين كان، حسب كولونا Colonna، كاتب النقابة في 1938، يصل إلى حوالي 500 بخريبكَة و75 باليوسفية، بينما كان منعدما في آسفي والدار البيضاء والرباط.
 
(29)كان بعضهم، مثل عمر عبد الجليل، يدافع عن عدم استطاعة الشغيلة الأجانب احتلال مناصب المسؤولية ضمن حركة نقابية مغربية (شهادتا هيفرنو ودريش).
 
(30)ومن جهة أخرى توافدت الانخراطات في مراحل المد. وفي ظروف اتسمت بالتسرع، اعطيت إيصالات مؤقتة لم تكن في بعض التعاضديات مسواة قانونيا ولم تتحول إلى بطاقات كونفديرالية.
 
(31)ا.بنايون: «فرصة اعطاء الحق النقابي للأهالي المغاربة»، «طرافَاي»، عدد: 3، 15 أيلول/سبتمبر 1937، يعتبر أ.بنايون في الجزء الأول من مقاله بأن الحق النقابي الناقص الذي تم الحصول عليه إجراء بعمق الهوة بين الأوربيين والمغاربة: «كان من الأفضل ألا يعطاهم أي شيء».
 
(32)«من أجل منح الحريات الديمقراطية الأولية: حرية الصحافة المسلمة»، «كلارتي»، عدد 2، 26 كانون الأول/ديسمبر 1936.
 
(33)«من أجل إصلاح عدالة المخزن»، «كلارتي»، عدد 4.
 
(34)«من أجل جبهة شعبية مغربية» و«برنامج الاصلاحات المغربية والشيوعيون»، «كلارتي»، عددي: 21 و22، 8 و15 أيار/مايو 1937.
 
(35)ب. شينيو: «المسألة المغربية»، تقرير قدمه أمام مؤتمر مرسيليا (تموز/يوليو 1937)، مطبعة لابور  Labor، باريس.
 
(36)تقرير يحمل رقم 1976، قدمه الجنيرال نوكَيس لوزارة الشؤون الخارجية، باريس، 1937، ص ص 26-27. تحدث كَابرييل بيري G.Péri في سلسلة من المقالات صدرت في جريدة «لومانيتي» من 10 تشرين الأول/أكتوبر، عن ردود الافعال والتعليقات إزاء هذه الأحداث. تعرضت خلاصات بيري إلى الاختزال والتشويه من طرف ج.كريماديل J.Crémadeills، في مصدره السابق الذكر، وعلى إثره، من طرف ش.أ.جوليان، «الامبريالية...»، مصدر سبق ذكره. الهامش الموجود في 184.
 
(37)أورانج: «لو سُمع كلامنا»، «طرافاي» عدد: 5، 15 تشرين الثاني 1937.
 
(38)روبير دولافينييت: «القلاقل الشمال-افريقية»، «افريقيا الفرنسية»، تشرين الأول/أكتوبر 1937، ص ص 453 وما يليها. حسب هذا الكاتب، اتخذت الكونفديرالية العامة للشغيلة التونسية -التي أعيد تأسيسها في 12 حزيران/يونيو- بلقاسم كَناوي ككاتب لها يوم 27 حزيران/يونيو.
 
إحالات الفصل 11
 
(1)في تقريره الأدبي والمالية أمام المؤتمر الكونفديرالي المنعقد بباريس في 14-17 تشرين الثاني/نوفمبر 1938، قدم المكتب الكونفديرالي الاقرام التالية عن المغرب:
1935 : 3000
1936 : 5000
1937 : 11000
أيار/مايو 1938: 15000
 
(2)تقرير فارديل Fardel، «طرافَاي»، عدد: 11، فاتح شباط/فبراير 1938.
 
 (3)مساعد كاتب الدولة في الشؤون الخارجية، خلف بيير فَيينو P.Viennot بعد سقوط حكومة بلوم في 1937.
 
(4)«أفَونير دي راي»، آذار/مارس 1938.
 
(5)تقليص وحذف الاقتطاعات، تطبيقا لظهيري 27 كانون الثاني/يناير و6 تموز/يوليو 1937. تعويض مؤقت بـ 100 ألف. للمستخدمين الذين يتقاضون أقل من 30000 ف. سنويا وذلك من فاتح نيسان/أبريل 1937، ونفس الشيء بالنسبة للمجندين والاعوان. وتم أيضا رفع التعويض الخاص المؤقت والزيادة بنسبة 12.5% والتعويض عن النقل؛ ورفع ملموس لتعويضات العائلية الخاصة بالأطفال؛ ومساعدة للمستخدمين الذين يتابع أطفالهم دروسا بأقسام التقنية.
 
(6)وإدارة الاشغال العمومية، وهي السلطة الوصية.
 
(7)أنظر «طرافَاي»، عدد 15 كانون الأول/ديسمبر 1937، مشروع تعديل النظام الأساسي لمستخدمي المكتب، المعدني 18 تموز/يوليو 1937.
 
(8)«ماروك سوسياليست»، عدد 23 كانون الثاني/يناير 1937.
 
(9)«لوبوتي ماروكان»، أعداد، 2 و3 و7 و8 تموز/يوليو 1937.
 
(10)«لوبوتي ماروكان»، عدد 13 تموز/يوليو 1937.
 
(11)«لوبوتي ماروكان»، عدد 16 تموز/يوليو 1937.
 
(12)«لوبوتي ماروكان»، عدد 25 تموز/يوليو 1937.
 
(13)«طرافَاي»، عدد 15 آب/أغسطس 1937.
 
(14)« طرافَاي»، عدد 5، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1937.
 
(15)الزيادات كانت كالتالي: سيتقاضى مستخدم عازب يبلغ 20 سنة وقضى سنوات في الشغل 900 ف. عوض 500؛ فيما سينتقل أجر مستخدم أب لأربعة أطفال واشتغل مدة 8 سنوات من 1320 ف. إلى 2000 ف. الأجر الأساس: المتمرنون والمستخدمون الأحداث، من 300 إلى 700 ف. حسب السن والجنس. ما فوق 22 سنة: عمال الشحن والمستخدمون الكتاب: 835 ف. بالنسبة للنساء و1000 ف. بالنسبة للرجال؛ المختزل الضارب على الآلة الكاتبة 600، 900 و1000 ف؛ مساعد محاسب: 920 للنساء و1100 ف. للرجال.
 
تتغير الأجور الأساس، المُعدة بناء على الوضعية في فاتح كانون الثاني/يناير 1936، مؤشر المواد 13 المأخوذ به هو 330، بشكل تلقائي وكل ثلاثة أشهر وفقا لكلفة المعيشة. إنه إذن إدراج للسلم المتحرك. «طرفَاي» نفس العدد السابق.
 
(17)«طرافَاي»، عدد 15 كانون الثاني/يناير 1938.
 
(18)حول طرد الشغيلة الفرنسيين وتفضيل الأجانب، راجع تصريحات كوسط Coste، من التعدين بالدار البيضاء، أمام اللجنة الادارية بتاريخ 12 حزيران/يونيو 1937، «طرافَاي»، العدد 1 وكذا تدخل كَورياس Gorrias في المجلس الحكومي، في كتاب ر.كَاليسو السابق الذكر، ص 191.
 
(19)كان الأوربيون يتقاضون في مناجم أحولي 25 إلى 35 ف. في اليوم. تضاف إليها التعويضات عن غلاء المعيشة، 5 ف. في اليوم، وعن المردودية، من 5 إلى 8 ف. في اليوم؛ وعن العائلة: 1.25 ف. لكل طفل. أما المغاربة فكانوا يتقاضون من 4.5 إلى 7.5 ف. في اليوم، يضاف إليها تعويض يومي عن المردودية يبلغ 1.25 ف. يمنح شريطة انعدام تغيب خلال الأسبوعين؛ «طرافَاي»، عدد: 33، 5 أيلول/سبتمبر 1937.
 
(20)حسب دوريل، في مقاله «استفزاز أرباب العمل في مناجم أحولي»، «طرافَاي»، عدد 5 نيسان/أبيرل 1938. هذا المقال مصحوب بدراسة أخرى تحمل عنوان «منجميو أحولي، هؤلاء هم أسيادكم. المغرب في قبضة المالية الدولية»، حيث نجد تشريحا لتكوين مجلس إدارة شركة بَينارويا Pennaroya.
 
(21)تعرضت ثلاثة من تقارير مؤتمر شباط/فبراير 1938 لهذه الدراسات التي نُشرت في عدد خاص من جريدة «طرافَاي»، عدد: 11، فاتح شباط/فبراير 1938.
 
(22)مناقشات ومتمنيات كانون الأول/يناير 1937، «طرافَاي»، عدد: 1 وعدد شباط/فبراير 1938 وعدد 5 آذار/مارس 1938.
 
(23)مذكرة قُدمت للوزير أ.سارو A.Saraut، يوم 18 شباط/فبراير 1938، «طرافَاي» عدد 5 آذار/مارس 1938.
 
(24)5 ف. في تخوم درعة؛ 5.20 ف في مناطق الدار البيضاء وفاس ومكناس ووجدة والرباط والقنيطرة وتازة. ظهير ومرسوم 26 تشرين الأول/أكتوبر 1937.
 
(25)قسمت المنطقة الفرنسية إلى خمس دوائر، مراكزها الرئيسية هي: 1) فاس (مفتش واحد) ووجدة (مراقب واحد)؛ 2)المغرب شمال الرباط (مفتش واحد ومراقب واحد)؛ 3-4)الدار البيضاء-المغرب الأوسط والأطلس (مفتشان اثنان ومراقبان اثنان)؛ 5)المغرب الجنوبي (مفتش واحد). «الجريدة الرسمية»، عدد 4 شباط/فبراير 1938.
 
(26)«طرافَاي»، عدد 20 آذار/مارس 1938.
 
(27)«طرافَاي»، عدد 15 نيسان/أبريل 1938.
 
(28)نشرت «الجريدة الرسمية» في عدد 6 أيار/مايو 1938 ظهير 6 آذار/مارس الذي يرغم كل مشغل على منح عماله بطاقة تعريف وتسبيقا عن مصاريفه.
 
(29)راجع تقرير دوريل «طرافَاي»، عدد فاتح شباط/فبراير 1938.
 
احالات الفصل 12
 
(1)في تشرين الثاني/نوفمبر 1966، احتج خلال تجمع عام لجمعيته، ضد منع جمعية شمال افريقيا المسلمين من عقد مؤتمرها السنوي بفاس. وفي 1935، قدم صحبة تلاميذ قدماء آخرين تمثيليات مسرحية تبرز أمجاد التاريخ المغربي؛ هذا حسب ر.ريزيت «الأحزاب السياسية المغربية»، ص ص .37 و81، وفي 1936 استمر في نشاطه كممثل ومدير على رأس الفرقة المسرحية لفاس صحبة صديقه عبد الواحد الشاوي.
 
(2)منطقة فاس: نشرة المعلومات، عدد 23 تموز/يوليو 1936 والتقرير الفصلي المذكور سابقا، كانون الثاني/يناير-آذار/مارس 1937.
 
(3)المهدي لمنيعي: «جرائم الفاشية بالمغرب»، فاس، المطبعة الجديدة، تشرين الأول/أكتوبر 1937. ونشر م. لمنيعي مقالين بالفرنسية مع ترجمتها إلى العربية، الأول لِـ ف.دوبار، ينتقد وطنيي المنطقة الفرانكوية، والثاني «لِصديقه البارز» عمر بن عبد الجليل يؤكد على مناهضة الفاشية من طرف وطنيي المنطقة الفرنسية، الذين يرغبون في تحقيق مشروعهم للإصلاحات «الموضوع في إطار الحماية». فقام المهدي لمنيعي بتقديم وتلخيص مقال عمر بن عبد الجليل والتعليق عليه بل وذهب أبعد منه في خلاصاته. وساهم أيضا من حين لآخر في تحرير جريدة باللغة العربية يُديرها عبد الواحد الشاوي، تدعى «إذاعة المغرب». وتشير إليه، بدون ذكر اسمه، ولكن بشكل واضح، على أنه هو الذي قام بترجمة التقرير الذي قدمه بَ.شينيو في مؤتمر مرسيلية والصادر في كراسة بعنوان: «المسألة المغربية» (تقرير نوكَيس إلى الشؤون الخارجية، باريس بتاريخ 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1937، ص. 29)
 
(4)شهادة ش.دوبوي
 
(5)لقد تحقق تحويل تنظيم منطقة الجزائر للحزب الشيوعي إلى الحزب الشيوعي الجزائري، المزمع إنجازه منذ 1929، في مؤتمر تشرين الأول/أكتوبر 1936 عقب حملة تعريبية قادها جان شانترون J.Chaintro المدعو بارتيل Barthel.
 
 
(6)«كلارتي»، 15 أيار/مايو 1937
 
(7) «كلارتي»، عدد 10، 20 شباط/فبراير 1937
 
(8)«كلارتي»، عدد 12، 6 آذار/مارس 1937
 
(9)شهادات ش.دوبوي وموريس رويي وفرنان شاسيو F.Chassiot
 
(10)هنري لوزيراي، نائب برلماني عن باريس، نائب-رئيس لجنة المستعمرات في مجلس النواب.
 
(11)شهادة جرمان عياش.
 
(12)شهادات رويي ودريش ودوبوي
 
(13) كانت «ليسبَورا» تطبع 15000 نسخة، تباع كلها (تصريح رويي). ومن جهة أخرى، حصلت لوائح الشيوعيين في انتخابات الهيئة الثالثة في أيار/مايو 1938، قدموا إليها، مدعومين من طرف «ليسبوار» إلى الدور الأول مرشحين في خمس دوائر، حصلت على 15000 صوت. وهذان العددان اللذان يتطابقان يعطيان فكرة عن نفوذهم. وفي مكناس، انتُخب دوريل في الدور الثاني. انظر «ليسبوار»، أعداد 1 و14 و28 أيار/مايو 1938.
 
(14)«الخطر الشيوعي»، «ليسبوار»، فاتح أيار/مايو 1938.
 
(15)«البرافَدا»، 8 و14 أيار/مايو 1928.
 
(16)حول الشيوعية في المغرب، راجع أ. عياش «شيوعيو المغرب والمغاربة، 1936-1939» صدر في «دفاتر الحركة الاجتماعية»، باريس، عدد: 3، 1978، ص ص 159-172.
 
(17)«ماروك سوسياليست»، عدد 18 حزيران/يونيو 1938.
 
(18)يمكن اعتبار أن ضمن 20000 منخرط هناك 5000 مغربي.
 
(19)حسب فرانسوا ماتيي (محادثاتنا في 1975) فقد كان في المغرب سنة 1938 حوالي 20000 ماسوني موزعين على الشرق-الكبير (1000 عضو، 15 محفلا مجمعة في هيئتين، على رأسهما مجلس فلسفي) والمحفل الكبير (500 عضو و8 محافل) والمحفل المختلط للحق الانساني 60 عضوا) ومحافل الشرق-الكبير لإسبانيا (400 إلى 500 عضو). كانت هذه التنظيمات تتكون من أعضاء من مختلف الأوساط الاجتماعية، وتضم فرنسيين وفرنسيي الجزائر، واليهود والمسلمين وغيرهم، خاصة في وجدة وفاس. لم تكن أية مناقشة بين هذين الاتجاهات الثلاثة، بل كانوا يعقدون كل سنة اجتماعات مشتركة. منذ 1925، شكلت القضايا النقابية موضوعات للتفكير. وكان للماسونيين مناصب المسؤولية في فيديرالية الموظفين (5 ن ضمن 11 في المكتب سنة 1938) وكذا في فيديرالية الشرطة (المحفل الكبير) وفي السكك الحديدية (شابان) وفي الفوسفاط (ليليندري).
 
(20)ينتمي فرانسوا ماتييي، المولود في فاتح آذار/مارس 1902 في فَيسكوفَاتو (كورسيكا العليا)، إلى عائلة من صغار الفلاحين المالكين لأرضهم. بعد تردده على المدرسة الابتدائية، عاد إلى الحقل. انخرط في الحزب الاشتراكي سنة 1924. وفي 1925 اجتاز مباراة الجمارك الشريفية وذهب إلى المغرب. وفي 1932 أصبح محققا في الجمارك. ابتدأ نشاطه النقابي سنة 1927.
 
(21)ألبير هيفيرنو الذي وُلد في لافابريك La Fabrique (فَيين-العُليا) قرب أورادور-سير-كَلان- Oradour-sur-Glande، بتاريخ 4 آب/أغسطس 1907، هو ابن لخباز قروي صغير مفلس قُتل في فَيردان سنة 1916. تردد هذا الفلاح الصغير المنعدم المورد على مدرسة القرية، ثم دخل إلى المدرسة الابتدائية العليا في سان-جونيان Saint-Junien، ثم إلى مدرسة المعلمين في ليموج (1923-1936). وبصفته معلماً، عُين في فاتح تشرين الأول/أكتوبر 1938 في المغرب. وفي 1931، أصبح، بدون أن تكون له أية تجربة نقابية، عضوا في مكتب فرع المغرب للمعلمين، ثم كاتبا عاما مساعدا لاتحاد النقابات (1932). أُعد هذا الهامش بناء على مذكرة كتبها كجواب على أسئلتي، بعنوان: «نصف قرن من الذكريات، 1907-1963، من طرف ابن فلاح من جافَيرداJaverdat   
 
(22)كان أندري شابان، المولود في 6 أيلول/سبتمبر 1936، ينتمي إلى محفل «رونيسانس آنفا لوميار» في الرباط. أقيل من منصبه، ثم سجن في أبودنيب بالجنوب المغربي من 24 أيلول/سبتمبر 1940 إلى 3 أيار/مايو 1941. وعمل على إعادة تأسيس فيديرالية السككيين وتأسيس الاتحاد سنة 1943. إلا أنه تخلى عن منصبه في السكك الحديدية ليتفرغ للعمل الصحفي وانشأ جريدة «ماروك دومان» (المغرب غدا).
 
في ما يخص الماسونية بالمغرب، راجع دراسات جورج أودو G.Odo الصادرة في «النشرة الداخلية للجنة التاريخ لمحفل الشرق-الكبير لفرنسا» وخاصة ج-7، ص ص 1 وما يليها؛ وج. 9، ص ص 36 وما يليها، راجع أيضا مقالة: «المغرب» الموجودة في: دانييل ليكَو D.Ligou: «المعجم العالمي للماسونية»، ص ص. 834-836.
 
(23)«طرافَاي»، 15 آب/أغسطس وفاتح أيلول/سبتمبر 1938.
 
(24)المرتبة 56 إذا ما عتمدنا على رقم 15000 عضو المقدم في التقرير الكونفديرالي، والمرتبة 42 إذا ما كان العدد 20000 عضو.
 
===========================
الباب الرابع
 
الانحسار. حزيران/يونيو 1938. حزيران/يونيو 1940
 
في هذه الفترة التي ازدهرت فيها الحركة النقابية اتخذ نوكيس، الإضرابات كمبرر لاتخاذ قرار يُذكِّر بأن تنقيب المغاربة، الممنوح حسب القانون، لن يسمح به.
 
وكانت النهاية البرلمانية للجبهة الشعبية في فرنسا، وتشكيل حكومة يمين-وسطية مع دالاديي وجورج بوني ومانديل وبَول رينو، يُؤمنان له الدعم الحكومي.
 
وكان في ذات الآن يلبي متمنيات المستوطنين وأرباب العمل الذين تبنوا تصوراته الخاصة حول تنظيم العمال الأهليين في التعاضديات.
 
13. ظهير 24 يونيو 1938: إيقاف الحركة
 
• هجومات جديدة ضد النقابات
 
إن رؤساء الشركات هم الذين قاموا بها بدعم من بعض راديكاليي المغرب، الذين يرتبطون بهم.
 
وكان أرباب العمل الأوربيين قد قدموا عدة أدلة على مناوأتهم للتنظيمات الكونفديرالية التي كانت تسعى إلى استقطاب المغاربة وتقديم مطالبهم والدفاع عنهم. إنها، في نظر أرباب العمل، تقوم بعمل سياسي. وكانت الغاية من الطرد الكثيف للعمال الأوربيين خلال الحملات المطلبية أو خلال الإضرابات، هي التأثير على النقابات أو تفكيكيها وذلك بجعل سيرها مستحيلا لافتقارها إلى شغيلة فرنسيين تكوِّن بهم مكاتبها. وخلال النزاعات، كان المشغِّلون يرفضون استقبال مسؤولي الاتحاد المحلي واتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، لمناقشتها أو لحلها.
 
وفي اللجن الثلاثية حيث كانت تُناقش في مصلحة الشغل، مشاريع القوانين الاجتماعية، كان ممثلو الغرفة النقابية للمقاولين أو ممثلو اللجنة المركزية لرجال الصناعة، يرفضون الجلوس على نفس المائدة مع مسؤولي اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، لأنهم ينازعونهم في تمثيليتهم للعمال، واشتدت الهجمة بشكل خاص ابتداء من أيار/مايو 1938.
 
وقد قام فَالابريكَ Valabrègue، الكاتب الشاب للفيديرالية في صحافة الحزب الراديكالي الذي كان ينتمي إليه السيد ماس Mas، أحد المتحكمين في الصحافة بالمغرب وخصم النقابة الكبير (إذ نجح في القضاء على نقابة شركته بإنشائه لمنظمة تضامنية وبطرده للمناوئين لها)، قام بشكل خاص، عبر تصريحات رنانة بالتنديد بالنقابة بالمغرب وباقتراح التعاضدية كشكل للتنظيم العمالي للمغاربة. وفي مؤتمر بياريتز Bierritz للحزب الراديكالي (تشرين الأول/أكتوبر 1937)، اعتبر ك. ع. ش. مسؤولة بقسط هام عن الإضرابات التي وقعت في المغرب، «رأينا النقابية الفرنسية تقوم بدور المدافع عن جماهير الأهليين: وهذا أمر خطير، لأن النقابية الفرنسية ملائمة لمواقعها لها تجربة طويلة وتتعامل في فرنسا مع جماهير متطورة، أما في المغرب، فإنها تأخذ وجهة أخرى، لأنها تمس بصفة عامة جماهير الأهليين الذين ما زالوا «بدائيين» (1). بعد بضعة أشهر أصبحت لهجة تدخله، أمام كاتب الدولة المساعد في الشؤون الخارجية، ف. دوتيسان  F. De tessan (2)، الذي جاء إلى المغرب للاستعلام، عنيفة ومتهمة: «إن المسؤول عن بؤس عمال المغرب هي النقابية، التي تؤدي بالمغرب إلى هلاكه. مبرزة نفسها كقائد للشغيلة المغاربة.» وبعد تأكيده أن المغاربة ينضمون أكثر فأكثر إلى النقابات وأن الحكومة تتغاضى عن ذلك، يضيف حانقا: «هذا الواقع لا يمكن له أن يستمر... يتعين على حكومة الإقامة أن تحدد بدون تأخر نمط سير التنظيم التعاضدي ومجلس الوصاية المكيف حسب متطلبات سكان البلاد في 1938.» (3).
 
وأخيرا، في 5 تموز/يوليوز 1938، ذهب الأمر بفَالابريك، خلال اجتماع لجنة مقلَّصة للحزب الراديكالي بباريس، «إلى البحث عن الوسائل لانتزاع الشغيلة الأهليين من نفوذ ك.ع.ش. الفرنسية المضر في نظره» (4).
 
وقد كان المناضلون الذين حضروا هذا المجلس الصغير محظوظين بسماعهم لعرض، مقدم بالتأكيد بمهارة، حول ضرورة تنظيم الرعايا المغاربة في «تعاضديات» «غير كونفديرالية» طبعا. هل كان فَالابريكَ على علم بالقرار المقيمي المتخذ في 24 حزيران/يونيو والذي لم يتم الإعلان عنه إذ ذاك؟ أم إنه عبر عن أفكار كانت رائجة في أوساط الإقامة وأرباب العمل؟
 
كان موقف الإقامة إلى هذا الحين أكثر اعتدالا. إذ سمحت وشجعت التنظيم النقابي للأوربيين الموظفين والتقنيين والعمال والمستخدمين، لأنه هيكل ضروري للنظام الاستعماري. واستعملته لوضع لبنات التشريع الاجتماعي الذي لم يُطبق إلاَّ بقدر ما كانت للتنظيم النقابي قوة كافية لفرضه، كما تغاضت عن تنقيب المغاربة من طرف مناضلي ك.ع.ش. قابلة بأن يكونوا الناطقين باسمهم والمدافعين عنهم، وذلك لاعتبارها بأنهم قادرون على لَجْم الجماهير العمالية المغربية وتشجيع الإصلاحية الرسمية.
 
لكن باعتقالها لقادة الحركة الوطنية، لم تكن الإقامة مرتاحة لِدور التكوين والتدريب الذي قام به المناضلون النقابيون لفائدة المغاربة.
 
وكان الوضع يقلقها بخاصة في الأرياف، حيث غالبا ما كان مئات العمال المغاربة وعمال أوربيون مجتمعين في الأوراش وفي المناجم، وكانت للأوربيين امتيازات، إلا أنهم تجرأوا على تقديم مطالبهم ومطالب رفاقهم في العمل؛ حصل هذا مثلا في مناجم أحولي وجبل سلغف. وفي الفوسفاط، كان لبعض الشخصيات مثل لياندري أو كولونا نفوذ كبير على آلاف المنجميين.
 
هكذا، ففي الوقت نفسه الذي كان يؤكد فيه موريز Morise لهيفيرنو بأن لاتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب الحق في تقديم مطالب المغاربة، أرسل دورية الى سلطات المراقبة يطالبها بإعطائه تقارير عن تنقيب المغاربة وبالعناية بالشكايات التي سيقدمونها، وضمان الدفاع عنها باتفاق مع مفتشية الشغل والحيلولة بهذا دون توجيههم الى النقابات (5).
 
وقد تعرفنا على جوابين، الأول لرئيس منطقة وجدة الذي يحكي عن نزاعه مع مفتش الشغل المحلي (6)، والثاني، أكثر شمولية ودلالة، للمراقب المدني رئيس منطقة القنيطرة، إذ كتب هذا الأخير: «يمكن لكم أن تتأكدوا بأن هذه المنطقة كانت دائما ومازالت متمسكة بإعطاء العمال المغاربة الدلائل على عنايتها بكل ما له صلة بمصالحهم التي بإمكانهم أن يوكلوها الى النقابات المحلية. الأمر الذي لم يمنع هذه الأخيرة من الاستمرار في استقطاب المغاربة ومنحهم بطاقات ك.ع.ش. وأعتقد أنني سأكون جد صريح إذا ما أعلنت، من جهة ثانية، أن توافد الأهليين على بورصة الشغل بشكل متكرر، ولو أنهم لا يجدون دائما من يتكلم العربية، هو المأخذ الوحيد الذي استُغل في منطقتنا ضد نشاط النقابات» (7).
 
إلا أنه بإمكاننا أن نتأكد من أن نتأكد من أن علاقة متسامحة بهذا القدر أو ذاك كانت تعد استثناء، إذ أن معظم رؤساء المناطق والمراقبين المدنيين وضباط الشؤون الأهلية، ولا سيما في المناطق العسكرية، أعطوا صورة مقلقة عن نفوذ النقابات على العمال «الأهليين».
 
• إضراب قطاع التأثيث بالدار البيضاء (3-16 حزيران/يونيو 1938)
 
هنا اندلعت إضرابات في حزيران/يونيو 1938 بالدار البيضاء، ثم في المراكز الفوسفاطية بلوي جانتي (اليوسفية) وخريبكة.
 
في الدار البيضاء، كان مستخدمو صناعة التأثيث، التي تتزعمها شركتا سيدوتي  Sidoti ولوكال Legal، حانقين على عدم احترام التشريع الاجتماعي وعلى تكاثر عمليات التسريح (8).
 
وللحصول على بعض الضمانات، قدم سيلفيستر Sylvestre، كاتب نقابة البناء والخشب مشروع اتفاقية جماعية الى الغرفة التجارية يوم 25 أيار/مايو، وبعث عبر البريد نسخة منه إلى جميع أرباب العمل. وطلب منهم تقديم الجواب.
 
كان رد بعض الشركات هو طرد «حوالي أربعين عاملا من ضمنهم عشرة أوربيين تقريبا» خلال الثمانية أيام التي تلت توصلهم بالمشروع، وتذرعت بقلة الشغل؛ وهو دليل غير جدي «لأنها ما فتئت أن بعثت إلى مفتشية الشغل طلبات حول الساعات الاضافية».
 
لم تؤد المساعي التي قام بها هيفيرنو (اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب) وهيمبير Humbert   (الاتحاد المحلي) وسيلفيستر لدى السلطات الجهوية إلى أية نتيجة. ويوم الجمعة 3 حزيران/يونيو، وهو اليوم الذي كان على العمال المطرودين أن يغادروا فيه شركتهم، شن 650 عاملا من ضمن 850 اضرابا تضامنا معهم في شركات التأثيث الخمس عشر الرئيسية. أربع مائة من المضربين كانوا مغاربة. ووقع احتلال محلات العمل التي لم تفرغ الى بعد الظهيرة بقرار قضائي. وبسرعة عاد العديد من الأوربيين الى الشغل. ورفض أرباب العمل، بتعنت، أية مناقشة. واستغلت اللجنة المركزية لرجال الصناعة هذه القضية – وهي التي نصحتهم برفض التفاوض – لتصرح للسلطات بأنها لن يمكن لها «أن تقبل أن تدعي نقابات، تمارس نشاطا سياسيا مكشوفا وتقوم بدعاية غير شرعية في صفوف السكان المغاربة، أنها تمثل لا العمال الأوربيين الذين لم يمنحوها أي تفويض، ولا الأهليين» (9).
 
واستقبل الكاتب العام لاتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، يوم الأربعاء 15 حزيران/يونيو من طرف مندوب الاقامة العامة، سلمه تقريرا عن مواقف أرباب العمل، وعن الخروقات المتعددة للتشريع الاجتماعي، وطالب بمراقبة تطبيقه بصرامة وإصدار الظهير حول الاتفاقيات الجماعية بصورة سريعة، وهذا ما تم التعهد به من جديد، وعلى ضوء هذا الوعد استؤنف العمل يوم الخميس 16 حزيران/يونيو. وفي الواقع فشل الاضراب كليا وتم طرد حوالي ثلاثين عاملا (10).
 
غير أن حدثا خطيرا وقع خلال لقاء الأمس، حيث جاء هيفيرنو لوحده، بشكل غير حذر، فاستغل ذلك موريز ووبخه بصدد تنقيب المغاربة، مذكرا إياه بأن هؤلاء ليس لهم الحق في النقابة، ورغم ذلك، تستقطب ك.ع.ش. العديد منهم لاسيما في المكتب الشريف للفوسفاط حيث يوجد 3000 منهم؛ وبأن المقيم العام غير راض على ذلك ويعارض منح الحق النقابي للأهالي. وقال له إذا كنت ترغب أن يصدر ظهير يمنع الحق النقابي على الأهالي مصحوبا بعقوبات، فما عليك إلا أن تستمر في تنقيب الأهالي (11).
 
 لم يتم مبكرا إخبار المنقبين بهذا الانذار (رغم أن عدد «طرفَاي» الصادر بتاريخ 15 حزيران/يونيو لم يتم إغلاقه لأن رواية إضراب قطاع التأثيث الموجودة به تذكر المساعي المبذولة لدى مندوب الاقامة العامة)؛ وقرر هيفيرنو ومكتب اتحاد النقابات الكونفدرالية للمغرب استدعاء اللجنة الادارية يوم الأحد 19 حزيران/يونيو لإخبارها بذلك.
 
إلا أن الاضراب اندلع صباح يوم السبت 18 حزيران/يونيو، في المراكز الفوسفاطية مما فاجأ على حد سواء الاقامة العامة واتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب. وكان هذا الاضراب إشارة لبدء القمع.
 
• إضراب الفوسفاط:
 
-الأسباب
 
رغم الانتصارات المحرزة، وربما بسببها، أصبحت العلاقات حقا فيما بين النقابات وإدارة المكتب الشريف للفوسفاط (م.ش.ف) متردية أكثر فأكثر، إذ ظل المناضلون يشتكون دائما من المضايقات في توزيع مراكز الشغل، ومن التنقيط المتحيز الذي يعطل ترقيتهم. ولم يكن بإمكانهم أن يقبلوا بالابتزازات التي كان العمال المغاربة عرضة لها، في شغلهم أو في التجمعات السكنية التي يقطنون بها، من طرف «العرفاء» أو رؤساء القرى (12). ولم تكن الشكايات  المقدمة بهذا الصدد تقبل بدعوى أنها «تمس بسلطة الرؤساء» وكان هناك أيضا غلاء المعيشة.
 
الأمر الذي أدى بالمكتب الفيدرالي منذ شهر أيار/مايو 1938 إلى تحديد مجموعة أخرى من المطالب من ضمنها رفع عام للأجور والتعويضات يأخذ بالاعتبار تدهور قيمة العملة منذ 1936.
 
 وكانت مطالب أخرى تستهدف التعويضات العائلية والاجازات السنوية وترسيم المستخدمين (13).
 
قدم البرنامج المطلبي يوم 7 حزيران/يونيو، أربعة أيام بعد صدور النظام الأساسي للمستخدمين الذي تم التفاوض بشأنه في آذار/مارس-نيسان/أبريل، بالجريدة الرسمية. وأمام صمت المكتب الشريف للفوسفاط، طالب المكتب الفيديرالي يوم 16 حزيران/يونيو ببدء المفاوضات في 25 حزيران/يونيو على أكثر تقدير؛ وإلا فإنه يهدد باستعادة حرية تصرفه، إلا أنه بعد يومين اندلعت الحركة الاضرابية. لماذا؟
 
لم تظهر الأسباب مباشرة بوضوح، كان الأمر يتطلب انتظار بضعة أسابيع، بل وبضعة أشهر، للنظر بوضوح أكبر، ولمعرفة تسلسل الأحداث بنوع من الدقة وظهرت جوانب من الحقيقة، عقب بعض المقالات والمناقشات (14).
 
انطلقت الحركة من لوي جانتي، حيث كان للمناضلين هناك اتجاه أكثر راديكالية من اتجاه خريبكَة. فإضافة إلى نفوذ «اليسار الثوري» ذي النزعة التروتسكية، هناك نفوذ جورج فَالوا (G. Valois)  الذي كان له أتباع في هذه القرية المغربية (15)، يمثل الاتجاه الأول، بيكييار (Béguillard) من مجموعة فاس، الذي جاء إلى آسفي كسككي ومنها كان يسعى إلى التأثير على لوي جانتي. فيما يجتمع الاتجاه الثاني حول فونطانيو (Fontanieu) وهو عامل منجمي قديم ومن قراء «نوفيل آج» (العهد الجديد). فيما كان جان مارسيل جورج كاتب النقابة والمندوب لدى الهيئة الثالثة، يعتمد على الاتجاهين ويذكر أحيانا في ذات الوقت جورج فَالوا ومارسو بيفير (16).
 
وفي اليوسفية كما في خريبكة، كان الشغيلة المغاربة مغتاظين من الابتزازات اليومية التي كانوا يتعرضون لها من طرف «الرؤساء الأوربيين والعرفاء ورؤساء القرى الأهليين، الذين لم يكن لبعضهم من تأهيل سوى سوابق من خمس إلى عشر سنوات من السجن». (فونطانيو). وقد رفضت الادارة المحلية وسلطات المراقبة المدنية التدخل بعد أن تم إخبارها بما يجري هناك عدة مرات، وفي رسالة أرسلت بتاريخ 22 أيار/مايو للمراقب رئيس منطقة آسفي، تم تعداد «التهديدات والمعاكسات والابتزازات المالية التي كان يتعرض لها جزء من المستخدمين الأهليين... من طرف بعض الرؤساء الأوربيين والعريف محمد، وإن المشتكين، الذين أرهبتهم التهديدات بالانتقام... ولم يجرؤوا على الكشف عن أنفسهم شخصيا بدون ضمانات مسبقة، ارتأوا كحل وحيد: الاحتجاج الجماعي. وهذا ما نريد تفاديه». وظلت هذه الرسالة بدون جواب.
 
 وفي يوم الجمعة 17 حزيران/يونيو، تم توقيف عاملين عن العمل وهدِّدا بالسجن، على إثر شكاية تقدم بها رئيس القرية، وقرر كافة رفاقهما شن إضراب عن العمل إذا لم تلغ العقوبة، وينقل رئيس القرية المغربي. وألح مسؤولو النقابة، الذين أقلقهم هذا الوضع، على مدير المنجم لكي يتخذ الاجراءات الضرورية لتهدئة النفوس. إلا أنه لم يتحرك، هل كان يرغب في المجابهة وفي «المعركة»؟ لقد كانوا متأكدين من ذلك. وخشية أن تقع أعمال العنف والقمع الدموي و«لتفادي واقعة مثلاوي جديدة»- ومثلاوي قرية فوسفاطية بالجنوب التونسي، حيث أطلق الجيش الرصاص يوم 4 آذار/مارس 1937 على العمال الذين خاضوا إضرابا مطلبيا، فقتل منهم 14 وجرح 30 – قرر المسؤولون النقابيون أن يأخذوا قيادة الحركة، فطالبوا الأهالي بأن يبقوا في منازلهم. وخلال تجمع عام عقد مساء 17 حزيران/يونيو، واعتبارا لخطورة الوضعية التي لا تسمح بانتظار الأجل المحدد، صوت المنقبون الأوربيون على الاضراب للدفاع عن العمال الأهليين وللحصول على «حل سريع» للمطالب المطروحة على الادارة. وبعد علمها بخبر الاضراب، تضامنت خريبكة مع لوي جانتي (ليوسفية)».
 
-الأحداث:
 
جرت كل الأمور بطريقة مماثلة كما حصل في حزيران/يونيو 1936، إلا أن نهايتها كانت مختلفة.
 
وفي ليلة 17-18 حزيران/يونيو، احتل المستخدمون الأوربيون الورشات، والمرائب والمكاتب والمحطات الكهربائية وقطعوا التيار الكهربائي مما جعل العمل مستحيلا فتوافدت قوت الشرطة الهائلة، والدركيون والحرس المتنقل. والزواويون وقوات اللفيف الأجنبي، على المركزين مجبرين المضربين على إخلاء محلات العمل. وأخبروهم بأن أي تجمع ستتم تفرقته بالقوة. وسبق للمسؤولين النقابيين أن أجروا يوم السبت اتصالات مع المراقب المدني لواد زم ومع رئيس منطقة الدار البيضاء ومع الاقامة العامة. وبعد حصولهم على وعد باستقبال وفدهم في الرباط أعطوا الأمر بإفراغ أماكن العمل وباستئناف العمل يوم الاثنين 20 حزيران/يونيو.
 
لقد أبعد الشغيلة الأهليون بعناية، ومع ذلك كانوا محط مناورات تهديدية أولتها النقابات على أنها استفزازات مقصودة.
 
بعد الظهر اعتقل المهندس والقائد خمسة عشر عاملا مغربي منقبا، في بوجنيبة، وهو حي بخريبكَة، فاحتج رفاقهم على ذلك، وفي المساء جاء القناصون السينغاليون وهاجموهم. ووقعت اعتقالات أخرى، بينما كان الغضب يتصاعد. ورغم توصله بأمر إطلاق سراح المعتقلين، انتظر رئيس المنطقة منتصف الليل ليسرح جزءا فقط من العمال المعتقلين.
 
وقد استغلت الاقامة بصورة مباشرة انطلاق الحركة الاضرابية قبل أوانها وبدون إخبار اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، إذ أكّد بلاغ صدر في الصحافة يوم الأحد 19 حزيران/يونيو   (17) على الامتيازات التي يتمتع بها المستخدمون الأوربيون والمغاربة (18)؛ وعلى أن المطالب الجديدة المقدمة مبالغ فيها؛ وعلى الطابع «المباغث» للإضراب: إذ أن الانذار المقدم يوم 16 حزيران/يونيو لا ينتهي إلا يوم 25.
 
«تم خوض الاضراب، صباح يوم 18 حزيران/يونيو بدون انتظار هذا الأجل.. ولذلك فلا يمكن للحكومة أن تظل غير مبالية بالمخاطر المتمثلة في انقطاع التيار الكهربائي في دهاليز المناجم المحتلة من طرف العمال».
 
وبعد تحدثه عن المثال المؤسف الذي تعطيه مثل هذه الممارسات «للأهالي»، يضيف البلاغ قائلا: «وتم التصريح عدة مرات لممثلي مستخدمي المكتب الشريف للفوسفاط، بعبارات ملحة وارتسامية، بأن هذه الاحتلالات لن يسمح بها وسوف تمنع».
 
نتيجة لذلك، تم رفض أية مفاوضات، واتخذت إجراءات لحماية حرية الشغل، وفتحت تحقيقات بغاية اتخاذ عقبات ومتابعات  قضائية؛ «وسيتعرض المستخدمون أو العمال الذين سوف لن يتقدموا لعملهم يوم الثلاثاء 21 حزيران/يونيو في الوقت المعتاد، إلى الطرد».
 
وبعد مفاجأتها بهذا البلاغ المقيمي أوضحت نقابة خريبكَة في اليوم التالي «أن المستخدمين الأهليين امتنعوا عن المساهمة في احتلال مقرات العمل، منتظرين في هدوء مزيدا من المعلومات، وبأنها أعطت الأمر بنفسها بإفراغ محلات العمل، منذ توصلها بوعد استقبال وفد عنها من طرف الاقامة العامة، وأضافت «أن موقفها لا يأتي بدافع الحصول على زيادة عامة في الأجور، بل بضرورة الحصول من الادارة العامة بأن تأخذ بالاعتبار قيمة المستخدم الحقيقية في التنقيط خارج الاعتبارات السياسية والنقابية، إذ أن محاباتها موجهة لغير النقابيين». وسيكون على الادارة أن تتخلى أيضا عن الترقيات خارج اللجنة المختصة بذلك وعن مناوأتها لتنامي نفوذ المندوبين لدى حفظ الصحة (19).
 
لم يقل أي شيء عن أسباب حركة الاضراب في لوي جانتي (اليوسفية) التي لم يشر إليها بلاغ الاقامة العامة. إذ وجب انتظار المقال الصادر في «ليسبوار»، عدد 8 تموز/يوليوز ثم مقالين آخرين عن نقابة لوي جانتي صدرا في «طرافاي» في عددي 15 تموز/يوليوز وفاتح آب/أغسطس، لكي يخبر جزئيا المنقبون والعاطفون.
 
وقد خلق هذا الاضراب المفاجئ اضطرابا في صفوف مكتب اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، الذي لم يكن يعلم آنذاك دوافعه ومظاهره. إذ كان لا يزال تحت تأثير الملاحظات التهديدية التي قدمها موريز لهيفيرنو يوم 15 حزيران/يونيو.
 
 وقد كانت اللجنة الادارية التي استدعيت للتعرف على تهديد الاقامة العامة، توجد يوم اجتماعها بتاريخ 19 حزيران/يونيو، في وضعية متفاقمة نتيجة أحداث الأمس، ونظرا لتيقنها من أن ميزان القوى ليس في صالحها، نهجت اللجنة سياسة تراجعية، وقدمت تنازلات أملا منها في تفادي أسوء الاحتمالات أي صدور الظهير المعلن عنه، فقررت إذن أن توقف مؤقتا الدعاية والاستقطابات في أوساط الأهالي، وقد أخبرت الاقامة بذلك في 21 حزيران/يونيو   (20)؛ وجرت محادثات لحين 22 حزيران/يونيو أعطت انطباعا بأن التهديدات لن تدخل حيز التنفيذ (21).
 
ودائما، ولإعطاء ضمانات عن حسن نيتهم ولتفادي العاصفة وجه هيفيرنو – الذي «علم بالرفض القاطع للمقيم العام لمناقشة الفرع الفرنسي للمسائل الأهلية وخاصة الحق النقابي» - وجه نصيحة لمندوبي الهيئة الثالثة الذين جاءوا لاستشارته «بألا يلحوا على تسجيل مسألة الحق النقابي للأهالي ضمن جدول الأعمال، التي أتوا بتفويض للمطالبة بها» إذ بالإمكان التعرض لها [أي هذه المسألة] بسهولة – وذلك- حين ستتم مناقشة الاتفاقيات الجماعية» (22).
 
وفي 23 حزيران/يونيو استقبل موريز وفدا عن مستخدمي الفوسفاط بصحبة هيفيرنو. كان اللقاء صعبا و«شاقا» وقدم هيفيرنو، الذي تمكن أخيرا من فهم ذلك، عرضا حول تطور الأحداث التي أدت إلى الاضراب، ثم عرض المندوبون مطالبهم، الدي رفضت جملة، لأنها «تؤدي إلى الزيادة في المصاريف» وذلك طبقا «لقرار الحكومة الفرنسية الرامي إلى تحسين رواتب الموظفين». إلا أنهم حصلوا على طرد رئيس قرية لوي جانتي (اليوسفية) وعلى إدارة الاحياء الأهلية مباشرة من طرف السلطة المراقبة. إذ أخبر نوكَيس – لم يكونوا يعلمون بذلك طبعا- رغبة منه في القضاء على التجاوزات التي تولد الاضرابات، أخبر المدير العام المكتب الشريف للفوسفاط والمدير العام للشؤون السياسية اللذين اجتمع معهما في مكتبه يوم 21 حزيران/يونيو، بأنه يرغب في أن يكف المكتب الشريف للفوسفاط عن لعب أي دور فيتدبير القرى وأن يكتفي بدوره كمشغل وألا يؤثر على حياة العمال اليومية (23).
 
وخلال هذا اللقاء لم يقدم موريز أية إشارة حول قضية تنقيب المغاربة. ومع ذلك كانت الاقامة قد اتخذت قرارها فيما كانت النصوص محررة وجاهزة. وتم التوقيع عليها يوم 24 حزيران/يونيو، وتم الحفاظ على سرية هذا القرار. وخلال الجلسة الصيفية لمجلس الحكومة التي انعقدت في 28 و29 230 حزيران/يونيو، لم تقل أية كلمة عن ذلك وحسب أسلوب كلاسيكي تم انتظار الصيف.
 
• ظهير 24 يونيو 1938:
 
-فرحة اليمين:
 
يوم 8 تموز/يوليوز ذهب هيفيرنو إلى فرنسا، وفي 16 تموز/يوليوز ركب الجنيرال نوكَيس باخرة «جنة». ونفس العدد من «لوبوتي ماروكان» الذي أعلن عن ذهابه، أخبر بانعقاد اجتماع بطلب من المقيم العام بالكتابة العامة للحماية تم خلاله التفكير «في الاجراءات المختلفة التي من شأنها أن تلبي مطامح الشبيبة المسلمة المتعلمة» (24).
 
وفي 19 تموز/يوليوز حصل المشتركون على «الجريدة الرسمية» المؤرخة بـ 15 تموز/يوليوز، حيث نشر ظهير 24 حزيران/يونيو، ولتمريره سبقته أو صاحبته ظهائر اجتماعية –هكذا رفع ظهير 23 حزيران/يونيو الصادر في عدد 24 حزيران/يونيو من «الجريدة الرسمية»، الأجر الأدنى اليومي من 5.50 إلى 6 ف. في المنطقة الأولى، إنها مجرد صدقة سنتحدث عنها لاحقا، وتضمن عدد 15 تموز/يوليوز نصا يمنع إنشاء مدن صفيح جديدة بهدف تشجيع إنشاء أحياء أهلية جديدة، ونصا ثانيا حول الاتفاقيات الجماعية وهو مجرد إعادة للقانون الفرنسي لسنة 1928 الذي يترك حرية التفاوض حول الاتفاقيات للطرفين إذا ما اتفقا ولا يجعلها إلزامية كما فرضها في فرنسا قانون 1936.
 
أما ظهير 24 حزيران/يونيو، فإنه ظهير قصير وواضح، إذ يعتبر جلالة السلطان الشريف، الذي وضع في المقدمة، «أن أخطر السلبيات ستترتب عن ترك رعايانا عرضة لإغراءات تجعلهم يخرجون عن سلطة مخزننا بارتكابهم مخالفات لقوانين واضحة مثل التي تنظم الجمعيات والنقابات»، لذا قرر أن عقوبة بالحبس لمدة تتراوح من خمسة أيام إلى ثلاثة أشهر وغرامية مالية من 5 إلى 300 ف» ستلحق بكل مغربي انخرط في نقابة ما (المادة 1) أو بأي شخص يعمل على انخراطه فيها (المادة 2).
 
واعتبرت «لافريك فرانسيز» أن الظهير تكملة عادية وضرورية لظهير 24 كانون الأول/ديسمبر 1936 الذي يؤسس النقابية الأوربية بالمغرب.
 
وفي الدار البيضاء أصدرت «لوبوتي ماروكان» بضعة أيام فيما بعد، النص في إحدى صفحاتها الداخلية بدون تعليق (25). فيما لم تذكر «لابريس ماروكان» في عددها ليوم 20 تموز/يوليوز إلا المادة الثانية وضيفة: «لا يمكن لنا إلا أن نحيي الروح التي كانت وراء إصدار الظهير وعلينا الآن أن نطبقه. ماذا ستكون ردود أفعال الحكومة إزاء موظفيها المشغِّلين العديدين؟
 
يجب أن يكون القانون قابلا للتطبيق على الجميع وفي جميع الحالات... «ونأمل أن يبدأ التطهير منذ الآن، لذا لا نطرح اليوم أي سؤال» (26) أيد أرباب العمل ذلك وفرحوا له، وإذا ما صدقنا شابان «فقد احتفل مدير وشركات ومقاولون ورؤساء مصالح، في جو مرح بالصدور المتزامن لظهيري 24 حزيران/يونيو 13 تموز/يوليوز» (27).
 
فيما كانت اللجنة المركزية لرجال الصناعة أكثر اعتدالا في تقريرها الأدبي لشهر تشرين الثاني/نوفمبر المذكور عدة مرات من قبل (28) إلا أنها كانت واضحة: «في 24 حزيران/يونيو الأخير، صدر، عقب إضراب الفوسفاطيين في خريبكَة الذي أعطى الفرصة للحكومة بنهج أسلوب الصرامة ذي النتائج الايجابية السريعة، صدر ظهير جديد لتكميل التشريع الخاص بالجمعيات وبالنقابات المهنية، ومن الآن فصاعدا، فهناك عقوبات مرتقبة لأي خرق لنصوص القانون... بهذا تسعى الحماية جاهدة إلى إخراج السكان المغاربة من تأثيرات الممارسات غير الشرعية.»
 
ثم جاء النشيد الموجه إلى المقيم العام، الذي ردده السيد كروز Croze رئيس الغرفة التجارية للدار البيضاء في نهاية المجلس الحكومي لشهر كانون الأول/ديسمبر 1938. وهو يشيد بـ«الرئيس الذي يسهر على مصيرنا اليوم، الرئيس الذي حقق وحده الاجماع حوله، ويمكن لي أن أقول هذا ما دمت مغربيا قديما» (29).
 
وبدون تماطل، بينت السلطات الجهوية بمراكش الاتجاه الذي يمكن أن يتخذه تنظيم الشغيلة المغاربة.
 
إذ في 28 تموز/يوليوز أنشأت بحضور الباشا الكَلاوي، «تعاضدية مغربية للحافلات ولمقاولات النقل بمراكش» وقدم الباشا ورئيس المصالح البلدية «عرضا للحاضرين [بينا فيه] كل العناية التي توليها لهم حكومة الحماية، فإذا كان ظهير 24 كانون الأول/ديسمبر 1936 يمنع على المغاربة الانضمام إلى النقابات المهنية، فتبقى لهؤلاء العمال إمكانية التجمع في إطار تعاضديات للدفاع عن مصالحهم. و«بإدراكهم لأهمية هذه التعاضدية التي ستمكنهم من إشعار سلطة المخزن بحاجياتهم المحتملة، عين الحاضرون مندوبين عنهم.. ومن بين المرشحين المتقدمين تم الاحتفاظ بعدة أعضاء الأمر الذي سمح بتشكيل التعاضدية» (30). وعبرت «لافوا فرانسيز» عن ارتياحها لوجود «الشغيلة مجمعين... تحت مراقبة السلطات وهي الوصية عليهم، إلا أنها طالبت بالسهر على إبعاد كل سياسة عن الجمعيات الجديدة».
 
-غضب النقابات
 
مقابل ابتهاج أرباب العمل ونشاط السلطات، كان الاندهاش والاستنكار هما ما طبع رد الفعل النقابي. فالظهير لم يكن منتظرا. كما أن التنازلات التي تمت والمفاوضات التي تلت إلى حين 22 حزيران/يونيو، كانت تسمح بالتفاؤل باستمرار الواقع الموجود (31).
 
وصدر عدد فاتح آب/أغسطس من «طرافَاي»، المخصص كليا لهذه القضية، يحمل بحروف حمراء بارزة على امتداد الصفحة عنوان: عمل قمعي وتحته بالأسود: الحماية ضد ك.ع.ش
.
فجاء المقال الافتتاحي الموقع من طرف اتحاد النقابات الكونفديرالية والمحرَّر من طرف أورانج، منفعلا وعنيفا، وندد بهذا «العمل الماكر» وشهَّر بالتدليس الكامن وراء تعطيل محسوب قصد اعاقة تامة لأي مسعى مباشر للتنظيمات الكونفديرالية لدى المقيم العام المسؤول المبائر.
 
وأدانت كل من اللجنة الادارية المجتمعة في 24 تموز/يوليو والمؤتمر الاستثنائي المنعقد في 14 آب/أغسطس، أدانا بصراحة الظهيرين الصادرين في 15 تموز/يوليو. إذ تم رفض الأول، الخاص بالاتفاقيات الجماعية، وهو «عمل رائع للاختصاصي إيفاَن مارتان»، على أساس أنه غير مفيد وغير قابل للتطبيق. أما الثاني، وهو «ظهير غير مقبول» ويجعل من النقابة امتيازا عرقيا، فقد اعتبر بأنه «قرار قمعي» موجه ضد ك.ع.ش. التي يُراد تكسير عملها والقضاء على الثقة التي تحظى بها في صفوف الشغيلة المغاربة.
 
وتضيف اللجنة الادارية باختصار في جدول أعمالها، بأن هؤلاء الشغيلة الذين لُفظوا من النقابات التي جاءوا يبحثون فيها عن «الحماية»، سيتوجهون بالتأكيد «نحو التنظيمات الوطنية»، وبهذا ستتحمل السلطات وحدها مسؤولية الاضطرابات التي يمكن أن تترتب عن ذلك.
 
وفي النهاية قررت الهيئات توجيه نداء الى كافة تنظيمات ك.ع.ش.، بفرنسا وافريقيا الشمالية، والى كافة جماعات «التجمع الشعبي» للحصول على إلغاء الظهيرين.
 
 
14-الأزمـة
 
من المؤكد أن مناضلي اليوسفية قد تعرضوا، خلال المناقشات، الى انتقادات شديدة من طرف اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب – وإن لم تشر إليها التقارير- وذلك بسبب دخولهم بطريقة اعتبرها المكتب متسرعة ولا مسؤولة في حركة إضرابية ذات نتائج وخيمة على كافة الشغيلة.
 
• الانتقادات الموجهة إلى مكتب اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب.
 
وعند العودة، تعرض المكتب وكاتبه العام الى انتقادات حادة. إذ تمت مؤاخذته على التنازلات التي قدمها، وهي بمثابة استسلام حقيقي بدون جدوى؛ وكذا على سلبية موقفه في حين كانت نوايا الإقامة العامة معروفة؛ وعلى سحب المطالبة بالحق النقابي.
 
 وفي اجتماع اللجنة الادارية يوم 24 تموز/يوليو، أكد المندوبون بالخصوص على العمل المطروح القيام به، بعدما نددوا بقرارات الاقامة. فيما دعا ليونيتي الى «الحذر والى الشرعية بدون أي اصطدام»، أما ماتييي فأكد على «أن الحكومة لم تقدم أي وعد»، وفيما بعد تم التصويت بالإجماع على جدول الأعمال المقدم من طرف أورانج وليونيتي (1).
 
وفي المؤتمر الاستثنائي المنعقد في 14 آب/أغسطس، جاءت أشد الانتقادات على لسان أورانج وبيكيار وفونطانيو (2).
 
أعلن أورانج، حسب التقرير، بأنه بناء على تفويض إلزامي للنقابات التي يمثلها، ينتقد العمل الذي تم قبل صدور الظهير ويطالب بتوضيحات حول لقاء تم مع السلطات العمومية وحول مسألة متعلقة بالهيئة الثالثة. وزعم أن أخطاء قد ارتكبت، لأنه كان من المفروض اتخاذ اجراءات لمنع صدور الظهير، بعد ما عُلم بأن هناك تهديدا بهذا الشأن.
 
 وقد فكر نفس التفكير فونطانيو، الذي وضع المؤتمر «تحت الرئاسة الشرفية للرفاق الأهليين لـ م.ش.ف. الذين طُردوا أو نُفوا على إثر الاضراب»؛ فيما تأسف بيكيار لغياب هيفيرنو ولضعف المجهودات المبذولة لفائدة المنجميين، وارتأى، هو ومجموعته من المندوبين، أشكالا أخرى للاحتجاج ضد ظهير 24 حزيران/يونيو.
 
وكانت مداخلات مناضلين آخرين أقل قسوة. إذ أيدت نقابة م.ش.ف. لخريبكة على لسان كولونا وفيديرالية الموظفين مع ماتييي وليونيتي وبينيير Pugnères  وكانيفنك Canivenc، المبادرات التي اتخذها بهذا الصدد مكتب اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب، فيما تساءل شابان، من السككيين، عما إذا لم يكن من الواجب «الاحتجاج بطريقة أخرى» عندما صدر الظهير الاول حول الحق النقابي، أما كَاسطون ديلو  G. Delos، من نقابة المساعدين فقد عمق هذا التحليل. «إنه يعتقد أن الإجراء القمعي الذي اتخذ ناتج عن ثلاثة أمور:
 
أ- تغيير في السياسة المتبعة؛
 
ب- عمل ضد العمل النقابي من طرف الرجعية والحزب الراديكالي؛
 
ج- أخطاء بعض الرفاق».
 
واتفق معظم المندوبين –رغم تصميمهم على خوض الاضراب العام «إذا تطلبت الظروف ذلك»- مع أورانج «لئلا يُدفع الأهليون الى حركات طائشة». «علينا نحن أن نناضل من أجلهم؛ ومن واجبنا أن نزود الأهليين بغذاء الجسم والروح».
 
في غياب هيفيرنو، الذي بقي في فرنسا بإذن من اللجنة الادارية بتاريخ 24 تموز/يوليو، قام ش. هيمبير Ch. Humbert بالرد على هذه الانتقادات باسم مكتب الاتحاد، فأكد بأن «أقصى ما يمكن فعله هو الذي أُنجز بدون استسلام ولا ضعف، وأعطى توضيحات بشأن العلاقات مع السلطات العمومية» وحول سحب مسألة الحق النقابي من جدول أعمال مجلس الحكومة حيث كانت ستثار من طرف مندوبي الهيئة الثالثة، وذلك «لعدم ملاءمة الفرصة». وختم كلامه مؤكدا على ضرورة الاستمرار في النضال بدون انقطاع من أجل إلغاء ظهير «غير عادل ولا شرعي وخطير»، وضد «الاستغلال الشنيع الذي يخضع إليه الأهليون»، و«علينا مع ذلك ألاّ نسقط في لعبة الاقامة وخصومنا». ثم تم التصويت بالإجماع لصالح ملتمس حول الحق النقابي للأهليين.
 
وخلف التصورات المختلفة بل والمنافسات الشخصية التي نلمسها، كشفت هذه النقاشات عن حركة نقابية ممزَّقة وحائرة تجاه قضية تنقيب المغاربة هذه، التي اعتقدت أنها ستحلها بسرعة.
 
ولم ينته النقاش مع ذلك حول هذه النقطة، إذ أثيرت من جديد عند عودة هيفيرنو من عطلته. فقد تضخمت الشائعات حول موقفه خلال الأزمة. ذلك أن مندوبين لدى الهيئة الثالثة، دافعوا عن أنفسهم بصدد عدم طرحهم لقضية الحق النقابي خلال آخر جلسة، بقولهم أن هيفيرنو هو الذي طلب منهم ألاَّ يفعلوا ذلك، فيما ذهب آخرون أبعد من هذا زاعمين بأنه كان على علم بقرب صدور الظهير وبأنه لم يعارض ذلك، ويبدو أن هذه الاشاعات انطلقت من مكاتب الاقامة.
 
وخلال الدفاع عن نفسه اتخذ هيفيرنو موقفا تهجميا. انعقد اجتماع في بورصة الشغل بالدار البيضاء في 16 تشرين الأول/أكتوبر لتعيين ممثليْن اثنين عن اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب لدى المؤتمر الوطني لـ ك.ع.ش. كانت خلاله أربع وثلاثون نقابة ممثّلة فاغتنم هيفيرنو فرصة وجود أعضاء اللجنة الادارية والعديد من كتاب النقابات لـ «تصحيح بعض المغالطات» ولينصف نفسه «بالبرهان القاطع» من بعض الاتهامات، وصرح بأنه لن يقبل أبدا الحملات التي تأتي من «الحكومة...، ومن مسؤولي التنظيمات النقابية أو منتخبي الهيئة الثالثة...، وسنطالبهم بالحساب» (3).
 
وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر، تم بالرباط لقاء لمدة ساعتين مع مجموعة من المنتخبين الاشتراكيين لدى الهيئة الثالثة، أزال بسرعة سوء التفاهم الحاصل (4).
 
إلا أن هيفيرنو خاطب أحدهم، وهو «مناضل نقابي»، «قد يكون، حسب شهادات دقيقة... قدم اتهامات خطيرة تجاهي، من مثل أنني تخليت عن النضال من أجل منح الحق النقابي للأهليين وذلك للسماح للإقامة العامة بإصدار ظهير 24 حزيران/يونيو بدون أية مخاطر، وبأنني أعربت علنيا عن فرحتي بقرب صدور ظهير «سيقهر» بعض الرفاق ذوي الحماس المفرط. وهي اتهامات خطيرة لا سيما وأنها روجت بشكل واسع ليس في المغرب وحده بل وفي الجزائر وحتى في فرنسا» (5).
 
وقد أنكر المندوب المعني الذي لم يرد اسمه –ويتعلق الامر بمارسيل جورج، كاتب نقابة ومنتخب عن لوي جانتي –أنه أدلى بمثل هذه التصريحات، وسجلت أقواله في محضر الجلسة.
 
ومع ذلك لم يتوقف الجدال، إذ سيتعرض هيفيرنو لانتقادات داخل نقابته بنفسها، ولن يجدد المعلمون ثقتهم فيه إلا في مؤتمر عيد ميلاد المسيح (6).
 
• الحركة ضد الظهيـر
 
لقد طرح المؤتمر الاستثنائي المنعقد في 14 آب/أغسطس مع ذلك على الحركة النقابية مهمة محددة تتجلى في القيام بحملة واسعة ضد ظهير 14 حزيران/يونيو
.
لم تتخذ هذه الحملة مباشرة الحجم المبتغى لأن معظم المناضلين كانوا في إجازة. وسرعان ما انشغلت الأذهان بمخاطر الحرب التي كانت المطالب الهتليرية حول «السوديت» تطرحها على أوربا والعالم. وبعد إزاحة الخطر مؤقتا على إثر الاستسلام الفرنسي –الانجليزي في ميونيخ، استرجع المناضلون نشاطهم، ورفعوا احتجاجات شديدة اللهجة (خلال اجتماعات نقابية) ضد سياسة التمييز التي تنهجها الاقامة، وضد منع الشغيلة المغاربة من الالتحاق برفاقهم الأوربيين في النقابات للدفاع عن أنفسهم لأنهم مستغلون بشكل بشع، وهو منع لا يحتمل لا سيما وأننا نعرف من الآن بأنه سينادى عليهم في حالة نشوب الحرب للدفاع عن فرنسا (7).
 
وتم التصويت على ملتمسات بالدار البيضاء (16 أيلول/سبتمبر) وتازة (8 تشرين الأول/أكتوبر) ومن طرف اللجنة الوطنية لـِ ك.ع.ش. المجتمعة في 10 و 11 تشرين الأول/أكتوبر، مؤتمر اتحاد شبكات الرباط (25-26 تشرين الأول/أكتوبر) ومؤتمر الفيديرالية العامة للتعليم ومؤتمر ك.ع.ش.، المنعقد في نانت (14 تشرين الأول/أكتوبر –فاتح تشرين الثاني/نوفمبر) ومؤتمر مجموعات موظفي المغرب (كانون الأول/ديسمبر 1938).
 
ومع ذلك كان للتصريحات البليغة وغير المجدية التي أُدلي بها –كيف يكمن  تصور شيء مغاير في هذه المرحلة التي كان فيها الإعداد للحزب- الفضل في التعريف باستياء الشغيلة الأوربيين وبعزمهم على الاستمرار في الدفاع عن رفاقهم المغاربة؛ وإن حجم الصدى الذي خلفته احتجاجاتهم في عالم الشغل لا يمكن إلا أن يكون له تأثير معين.
 
ورغم تصلبها الرافض، اضطرت الاقامة في بعض الحالات إلى أن تأخذ هذا بالاعتبار.
 
ولم تقم بأي تمديد للتجربة التي بدأت في مراكش. ولا نتوفر على أية معلومات حول مآل تعاضدية النقل المنشأة في 28 تموز/يوليو.
 
وفي 6 تشرين الأول/أكتوبر، أجاب نوكَيس، وفدا عن اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، جاء ليجدد احتجاجه على ظهير 24 حزيران/يونيو، أجاب قائلا بأنه «كان دائما يعارض الاعتراف بالحق النقابي للأهالي، ويبدو له دخولهم الى تنظيماتنا بالآلاف أمرا خطيرا في الظروف الحالية وبأن السلطان متفق تماما مع رأيه، قال هذا مع «اعترافه بأن النقابات المغربية لم تقم بأية قلاقل سياسية... وفيما بعد، حين سيصبح المغاربة أكثر تطورا وحين ستتضح الوضعية الدولية، سنرى ماذا سنعمل» (8).
 
ورد الوفد قائلا... «اننا عازمون على الاستمرار في الدفاع عن رفاقنا مهما تكن المخاطر التي ستعترضنا. إن مثلنا الاعلى يفترض ذلك» (9).
 
وعشرين يوما فيما بعد، في 26 تشرين الأول/أكتوبر، أدلى المقيم بنفس الرأي أمام وفد عن السككيين يقوده  بيير سيمار P. Semard، كاتب الفيديرالية الوطنية، الذي جاء ليترأس المؤتمر التأسيسي لاتحاد الشبكات. إذ أعرب عن رفضه القاطع لإلغاء ظهير 24 حزيران/يونيو: فهو يفضل التخلي عن مسؤولياته على الاضطرار الى إلغاء هذا الظهير. لكنه يوافق على اعتبار ك.ع.ش. وحدها المؤهلة للدفاع عن مطالب الأهليين.
 
وخلال اللقاء لم يفت الوفد ابراز «الأجور الهزيلة» للشغيلة المغاربة الذين رفض لهم الحق النقابي وكذا المخاطر الكامنة وراء مشاريع تنظيم الشغيلة الأهليين في مجموعات مستقلة عن ك.ع.ش. (10).
 
• مؤتمر فاس (3-4 آذار/مارس 1939).
 
كانت مرحلة تهيئ المؤتمر التأسيسي المنعقد في 3 و 4 آذار/مارس، فرصة بالنسبة للكاتب العام لاتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب للتذكير في التقرير الأدبي المرسل إلى المنظمات النقابية (11) بما كانت عليه قوة الاتحاد وسلطته المتعاظمة خلال سنة 1938 وبأهم مطالبه وعلى رأسها الاعتراف بالحق النقابي للمغاربة، ورفع الأجر الأدنى والاتفاقيات الجماعية، والمعلومات المغلوطة التي أدت بالإقامة الى إصدار ظهير 24 حزيران/يونيو. وأعاد هيفيرنو إذ ذاك ذكر الحجة التي سبق له أن بلورها لأول مرة في المذكرة التي بعثها إلى وزارة الشؤون الخارجية بتاريخ 9 آب/أغسطس 1938؛ ومفادها أن عدد الأهليين المنخرطين في النقابات كان محدودا. فكتب في تقريره: «كانت الاقامة العامة قلقة منذ عدة شهور من تزايد منخرطينا الذي أُوِّلَ خطأ من طرف أرباب العمل والسلطات الجهوية ومن بعض الاحزاب السياسية التي كان أعضاء بعضها في السلطة (الاشارة هنا الى الحزب الراديكالي) الى دخول كثيف للشغيلة الأهليين في نقاباتنا. لذا اتُّخِذت اضرابات حزيران/يونيو كمبرر لإصدار ظهير 24 حزيران/يونيو 1938 في الظروف التي نعرفها.
 
«والحقيقة، أن تنظيماتنا تضم بالخصوص الشغيلة الأوربيين فيما تضم أقواها حصرا الفرنسيين، ولم نكن بحاجة لا الى خرق ظهير 24 كانون الأول/ديسمبر 1936 ولا الى تحصيل اكتتابات للتعبير عن تضامننا مع الشغيلة الاهليين.
 
«هكذا، رغم الهجومات ورغم ضغوطات أرباب العمل التي جعلت الاستقطاب صعبا في بعض التعاضديات (البناء، المعادن، النقل)، ظلت التنظيمات الكونفيديرالية سليمة، وظلت تعد وحدها وأكثر من أي وقت مضى، ذات تمثيلية فعلية للطبقة العاملة بالمغرب».
 
وخلال عرضه أشار هيفيرنو الى أن سنة 1938 شهدت إنشاء خمس نقابات عمالية وانخراط ستة تنظيمات في الفيديرالية المغربية للموظفين وزيادة 15000 طابع بالمقارنة مع 1937. وحسب حسابات الخزينة، يتراوح عدد المنخرطين في ك.ع.ش. بالمغرب بين 14000 و15000 وهذا «تكذيب قاطع للذين كانوا يأملون، بتأكيدهم أن نقاباتنا مكونة أساسا من الأهليين، بأنهم كسروا حركتنا في تموز/يوليو الماضي».
 
 إلا أن الرواية المقدمة عن النشاط المبذول والنتائج المحصلة والعقبات التي كانت تعترض هذا النشاط، لم ترفع التحفظات، فكان اليوم الاول من مؤتمر فاس، 3 آذار/مارس، المخصص لمناقشة التقرير الأدبي، يوما صاخبا.
 
واتى الهجوم المتفق عليه، مرة أخرى، من بيكيار ودعمه في ذلك مناضلو الاتحادين المحليين لفاس وتازة. بحكم انتمائهم الى اليسار البيفيري السابق، الذي أصبح الحزب الاشتراكي العمالي الفلاحي (PSOP)، فقد وجدوا في قضية الظهير سلاحا ضد القيادة الحالية لاتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب التي اعتبرت مفرطة في الوفاء للاتجاه «الانتهازي والبورجوازي» لـ ك.ع.ش.
 
وذكر أورانج بدوره هذه الانتقادات كلها ولاحظ بشكل عارض أن كل مندوبي الهيئة الثالثة الذين هاجموا هيفيرنو «قد خانتهم شجاعتهم». فيما صرح بريدوم  Prudhomme، باسم سككيي الدار البيضاء بأن العمل الذي أنجز ضد الظهير ولفائدة تحسين شروط عيش البروليتاريا الاهلية لم يكن كافيا.
 
وبدا وضع المكتب في لحظة معينة حرجا.  إلا أنه استقام على إثر مداخلات دولو    Delos ومسؤولي نقابات الفوسفاط، المجمعين هذه المرة على نفس الموقف على إثر تغيير مكتب لوي جانتي الذي أصبح كاتبه هو ماتيو Matéos، ويبدو أن دولو يرغب – كما فعل في مؤتمر 15 آب/أغسطس– في اتخاذ موقف فوق الصراع، بصدد تقييم عمل ودور كاتب اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، فهو يعتقد أن هيفيرنو ارتكب أخطاء، إلا أن الايجابيات تغلب إجمالا في نظره على السلبيات.
 
وجاء لياندري وكولونا وماتيو ليقدموا دعمهم للمكتب ولكاتبه العام. لقد قام، في نظرهم، اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب دائما بواجبه تجاه «الاهالي»؛ ولا يمكن تحميله مسؤولية صدور الظهير، لقد صدر جزء من النميمة التي أشيعت حول هيفيرنو عن لوي جانتي «إلا أنه بعد التوضيحات المقدمة، اعترف رفاق هذا المركز بخطئهم».
 
واغتنم كولونا هذه الفرصة لتصفية بعض الحسابات. فندد بـ «ديماغوجيي «العهد الجديد»، أي الرفاق الذين لا يصلحون إلا للانتقاد ولا وجود لهم في الممارسة العملية، ولأولئك الذين يسعون جاهدين إلى التسرب إلى تنظيمات الفوسفاط؛ ولم يقدم هو بدوره أية أسماء، إلا أنه كان يقصد بيكيار وفونطانيو.
 
وأخذ هيفيرنو الكلمة للرد على الانتقادات التي وجهت إليه «لم يجد نفسه على انفراد مع موريز إلا مرة واحدة، وقد أدى ثمنا غاليا لذلك» حدث هذا في 15 حزيران/يونيو، وقد استغل موريز هذه الوضعية للإدلاء بتهديداته، فهيفيرنو متفق، بناء على هذا، على أن كافة المساعي  يجب أن تتم بواسطة وفد معين. وكان لإضراب لوي جانتي (اليوسفية) يوم 18 حزيران/يونيو الذي شهد مساهمة كبير للأهالي، «نتائج سيئة»، «كنا متيقنين بعد هذا بأن الاقامة ستتخذ إجراءات من شأنها منع كافة الاضرابات. واعتقدت اللجنة الادارية المجتمعة في 20 حزيران/يونيو (كذا! يجب قراءة في 19 حزيران/يونيو) بأننا لسنا أقوياء بما يكفي لمجابهة الحكومة ومواجهتها بالقوة؛ فكان علينا اذن أن نؤجل ذلك». «أما فيما يخص مسألة الحق النقابي للأهليين، فإنه لم يطالب بطرحها ضمن جدول الأعمال خشية أن يتخذ المقيم العام قرارا لا رجعة فيه» (12).
 
بعد هذه التوضيحات، تمت المصادقة على التقرير الأدبي بـ 181 صوت ضد 19، ثم أعيد انتخاب المكتب بالإجماع، باستثناء 11 تفويضا من فيديرالية البريد.
 
بهذا، انتهى النقاش الطويل الذي أحدث طيلة سبعة شهور اضطرابا في صفوف الاتحاد وتنظيماته، وهدد انسجام الحركة النقابية.
 
وخصص المؤتمر فيما بعد أشغاله لتدارس مسألة رفع أجور الأهالي؛ وتحسين سير مجالس العمال وأرباب العمل؛ وتنظيم الاقتصاد المغربي، وتكوين المناضلين نقابيا واقتصاديا في معاهد الشغل. وكانت هذه النقط موضوع تقارير واسعة ومفصلة، وصودق عليها بالإجماع.
 
وقد تتبعت الجريدة الشيوعية «ليسبوار» بعناية الأحداث التي طبعت الحياة النقابية منذ حزيران/يونيو 1938، الوضعية في مناجم الفوسفاط، سبب الاضرابات وتطوراتها، ظهير 24 حزيران/يونيو كوسيلة «لإخضاع الشغيلة الأهليين» الذين سينظمون أنفسهم بطريقة أو بأخرى مع الأوربيين وإلا فضدهم. إن دوريل هو الذي قدم التقرير عن مؤتمر فاس، وأبدى ارتياحه لكون المندوبين تمكنوا، بعد انتهاء النزاعات الشخصية، من التفرغ لما هو أساسي، أي النضال من أجل تحسين شروط العيش والاحراز على الحق النقابي لـ «الأهالي».
 
• جوهو بالمغرب (9 – 16 آذار/مارس 1939).
كان من المفروض أن يترأس جوهو مؤتمر فاس، فقد فجر نبأ مجيء «المشاغب» غضب صحافة اليمين، التي طالبت بمنعه من الدخول إلى المغرب (13).
 
والواقع، أن جوهو لم يتمكن من حضور هذا المؤتمر، بسبب ظرف طارئ، فلم يأت إلا بعد أربعة أيام عن انتهاء المؤتمر، وفي اليوم التالي، أي 10 آذار/مارس، استُقْبِل، صحبة هيفيرنو، من طرف الجنرال نوكيس في الرباط، وقدم له مطالب المنظمَات المغربية ولا سيما مطلب الحق النقابي الذي عرضه بشكل مطول.
 
كتب هيفيرنو في تقريره ما يلي: «مع اعترافه بأن المسألة تستوجب حلا إن عاجلا أو آجلا، صرح المقيم العام بأن معارضة السلطات والوضعية الدولية لا يسمحان له بالتراجع عن موقفه الذي أكده غير ما مرة.
 
«إلا أنه لاحظ بأنه لم يهمل بناء على هذا مصير الشغيلة، بل اهتم به، فذكر الجهود المبذولة... لأجل تعزيز هيئة مفتشي الشغل وتطبيق القوانين الاجتماعية التي تطالب بها المنظمات النقابية في المغرب.
 
«لقد أخذنا دائما بالاعتبار اقتراحاتكم؛ قال هذا متوجها للكاتب العام لاتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب» (14).
 
وكدليل على التقدير الذي يكنه لـ ك.ع.ش. ولكاتبها العام، استدعى الجنرال نوكيس جوهو الى مأدبة طعام. وقد قبل هذا الأخير الدعوة وجاء صحبة زوجته وهيفيرنو (15).
 
• الحياة النقابية بعد حزيران/يونيو 1938
 
لكن كيف كان الأمر في الواقع؟ لم تكن تخامر المسؤولين النقابيين أية أوهام. فقد كانوا يدركون أن التغيرات السياسية في باريس تشجع تصلب الإقامة. إن خطابات دالاديي حول استعادة النظام والعودة إلى الشغل (16)، وخطابات بول رينو ضد أسبوع الأحَدَيْن (17)، والخروقات التي مست أسبوع الأربعين ساعة والاتفاقيات الجماعية، والقَمع العنيف الذي مورس ضد مضربي 30 تشرين الثاني/نوفمبر، كل هذه العوامل لم تترك مجالا للشك حول الاتجاهات الجديدة للحكومة الفرنسية.
 
لم يمتثل اتحاد النقابات لنداء الإضراب العام الذي وجهته ك.ع.ش. ليوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر؛ ذلك أن المكتب الكونفديرالي لم يطالبه بذلك. إذ اعتبرت لجنته الإدارية أن الشغيلة المغاربة لا يتمتعون بالامتيازات الاجتماعية التي يناضل الشغيلة الفرنسيون للحفاظ عليها، مع أنها أكدت لهم تضامنها معهم. وقد اعتبرت بالخصوص أن الحركة النقابية بالمغرب الضعيفة مقدما، ستتعرض للتفكك، وأن المغاربة إذا قاموا بهذا الإضراب سيُقمعون بدون رحمة. بهذا، لم يعد أي جدوى لإجراءات الاستدعاءات المهيئة وللتدابير التي ارتقبتها السلطات للاعتقال أو الطرد (18).
 
-صلابة الفيديراليات الكبرى.
 
رغم هذا المناخ الرجعي، استمرت الحياة النقابية.
 
إذ ظلت التنظيمات الكبرى: فيديرالية مجموعات الموظفين، وشغيلة الدولة وفيديرالية البريد، واتحاد الشبكات، واتحاد نقابات الإنارة والقوى المحركة، تحافظ إجمالا على منخرطيها، وتسير بشكل منتظم، وتعقد جلساتها وتقوم بعملها الدعائي وبالدفاع عن مصالح من يمثلهم. ولم تقبل أي واحدة منها الخضوع لقرار الاقامة، فحافظت كلها على منخرطيها المغاربة
.
قام المعلمون بذلك صراحة، ونفس الشيء فعله السككيون. وقد كتب شابان يقول: «بالنسبة لنا، لم يتغير أي شيء، وسنقدم للشغيلة المغاربة... دعمنا بدون أي تحفظ كما كنا نفعل في الماضي. ووعيا منا بالدور الذي يجب علينا أن نلعبه، سنظل، في إطار ميثاقنا النقابي، قادتهم والمدافعين عنهم» (19). وقال برودوم خلال التجمع العام لسككيي الدار البيضاء (17 شباط/فبراير 1939) بأنه، «إذا كان منح بطاقة نقابية للأهالي ممنوعا، فالظهير لا يمنع جمعهم في أي مكان لإعطائهم تربية نقابية» (20).
 
فظل نفوذ الفيديراليات والاتحادات مصونا، وكانت اللوائح التي تقدمها تفوز دائما بأغلبية ساحقة.
 
هكذا، أحرز مرشحو ك.ع.ش. في الشركة المغربية لتوزيع الماء والكهرباء (SMD) وفي الطاقة الكهربائية للمغرب وفي الشركة الشريفة للطاقة، على كافة الأصوات المعبر عنها تقريبا في انتخابات 25 نيسان/أبريل و 5 أيار/مايو 1939 (21). واستغرب اتحادهم لكون مدير الأشغال العمومية لا زال يبحث «عن ممثلين مؤهلين» للتفاوض مع الكهربائيين. وفي 15 نيسان/أبريل أصدر الاتحاد العدد الأول من نشرته بعنوان «إكليراج إي فورص» (إنارة وقوة).
 
فيما استمر اتحاد الشبكات في المضي إلى الأمام. فكانت أعداد منخرطيه في 1939، المنخفضة عن أعداد حزيران/يونيو 1938، تتجاوز أعداد كانون الثاني/يناير 1938، 1377 بطاقة مقابل 1304. وأصبحت تضم 8 نقابات عوض 7. النقابة الأخيرة، هي نقابة مراكش، وقد تأسست في 24 تموز/يوليو 1938 (22).
 
وقدم مؤتمره التأسيسي المنعقد في 22 و23 تشرين الأول/أكتوبر 1983 في الدار البيضاء برئاسة بيير سيمار وكرابيي، النتائج المحصلة منذ 1936. وبعد تحديده للمطالب المباشرة، تفرغ لقضايا الأهالي ولقضية الحرب والسلم (23).
 
«وإن المسألة المهمة المتعلقة بالحق النقابي وبأجر الأهالي» التي يوردها بول دوريل، قد نوقشت «بحماس ملتهب أدهش رفاق المتروبول». ولم يفت بعض المؤتمرين أن يشيروا إلى أن ظهير 24 حزيران/يونيو 1938، وهو ضربة لحقت ب ك.ع.ش.، قد يسمح بالتأثير على شروط الشغيلة الأوربيين، نظرا لتشجيعه استغلال وبؤس الشغيلة الأهليين، ولذلك «فالدفاع عن رفاقنا الأهليين، هو في نفس الوقت دفاع عن أنفسنا».
 
أما الدفاع عن السلم، فكان يتطلب نضالا مستميتا ضد الفاشية، و«دعم الديمقراطيات المهددة مباشرة بهدف ضمان أمن جماعي... وضغط الجماهير وتنظيماتها النقابية من أجل عقد مؤتمر عالمي للدول بغاية إيجاد حلول لكافة المشاكل المتعلقة بالحفاظ على السلم» (24).
 
وقام بيير سيمار، صحبة كرابيي وشابان، بجولة عبر المغرب وخطبَ في كل من مراكش والدار البيضاء والقنيطرة والرباط ومكناس وفاس ووجدة. وبعد أن ذكَّر بالسياسة اللاإجتماعية لحكومة دالاديي وبالمطالب المغربية وبنتائج لقاء السككيين مع نوكَيس (25)، بين ضرورة تكوين المناضلين بالنسبة للحركة النقابية المغربية وتدعيم نفسها بإزاحة «أي انتقاد منهجي ضد هذا التيار أو ذاك». ثم عاد لأحداث السياسة الخارجية «التي تهم كثيرا ك.ع.ش. لأنها تعيد النظر في وضعية الشغيلة». وقال بأن النضال من أجل السلام يمر عبر النضال  ضد الفاشية. ثم ختم قائلا: «يقول البعض أنهم يفضلون الخضوع على الحرب، غير أنهم ينسون أن الخضوع مرتبط بالحرب» (26).
 
ولم ينخفض نشاط السككيين خلال سنة 1938.
 
وخلال الانتخابات الجزئية التي تمت في فاتح أيار/مايو بالدار البيضاء، فازت ك.ع.ش. بأكثر من 80% من الأصوات مقابل حوالي 20% لفائدة الكونفديرالية الفرنسية للشغيلة المسيحيين والنقابة المهنية. فكتبت نشرة «لافَونير دي راي» ما يلي: «هذان التنظيمان ليسا في الواقع سوى فرعين للحزب الاجتماعي الفرنسي ويحظيان بدعم أرباب العمل» (27). وبعد مجيئه من باريس، قام كرابيي بجولات دعائية جديدة لإخبار السككيين بخطورة الوضع المترتب عن «الأساليب الفاشية للحكومة الفرنسية «الديمقراطية» المزعومة». وأكد في الختام على ضرورة تعزيز اتحاد المنظمات العمالية لإنقاذ المكتسبات الاجتماعية المحصلة سنة 1936 (28).
 
كان لهذه الاجتماعات نجاح كبير وأدت إلى انخراطات جديدة.
 
وسار هذا العمل الدعائي بموازاة مع تطور العمل المطلبي ومع الانشغال بتوطيد الارتباط بمنظمات السككيين الأخرى لشمال إفريقيا وبتشجيع التجمع الأوسع لشغيلة النقل.
 
وفي 25 أيار/مايو ذهب وفد إلى الإقامة للدفاع عن شروط عيش الأهالي.
 
وفي 11 تموز/يوليو، قرر المكتب «أن يضع على رأس جدول أعمال اللجنة الإدارية، دراسة وبلورة ملف مطلبي يتعلق حصرا بالمستخدمين الأهليين. ولن نتفاجأ إذا وجدنا على رأس القائمة رفع الأجور الدنيا» (29).
 
وأخيرا، هيأت اللجنة الإدارية بعناية ندوة سككيي شمال إفريقيا برئاسة كرابيي (4 حزيران/يونيو 1939) وساهمت فيها. وإضافة إلى المطالب المشتركة لمستخدمي البلدان الثلاثة والرفع العام للأجور الذي يتصدرها، «لاحظت [الندوة في مقررها] أن الشغيلة الأهليين المغاربة، هم وحدهم من ضمن شغيلة شمال إفريقيا، الذين لا زالوا محرومين من الحق النقابي... وباتفاق مع الفيديرالية الوطنية...، فإنها تلح على الإقامة العامة وعلى الحكومة الفرنسية لكي تشمل مقتضيات ظهير 24 كانون الأول/ديسمبر 1936 كافة المأجورين بدون استثناء».
 
وبموازاة هذا، قامت اللجنة الإدارية بنشاط كبير بغية تشجيع التنسيق ضمن صفوف النقل بالمغرب، والتنديد بانعدام انسجام السياسة الحكومية، وتبيان ايجابيات التأميم كما حدده المخطط الكونفديرالي.
 
وشجعت ودعمت بقوة الاتحاد المغربي لمستخدمي وعمال وسائل النقل الذي كان يسعى إلى تجميع مأجوري النقل عبر الطرق والذي تزايدت قواه بشكل حاسم على إثر الانخراط الكثيف لمستخدمي المكتب المركزي للنقل (BCT) والانخراط الأكثر بطئاً للسائقين. وكان أوجين فورنيي، الكاتب العام للاتحاد المغربي لوسائل النقل، يأمل في استقطاب حوالي ألف منخرط  (30).
 
أما في الـ م.ش.ف. فقد كانت الحصيلة أقل إيجابية. طبعا، إن التغييرات التي أقدمت عليها الاقامة، على إثر إضراب 18 حزيران/يونيو، والخاصة بإدارة «القرى»، كانت بمثابة نوع من التحرر بالنسبة للمنجميين المغاربة. غير أن المكتب أقدم على طرد كثيف للعمال. بهذا تم التخلي عن أي عمل تنقيبي. «ومع ذلك، حافظ الأهليون على ثقتهم واستمروا في النضال» (31). ومهما يكن من أمر، فإن القادة النقابيون أصبحوا معرضين أكثر من أي وقت مضى إلى شراسة المديرين، نظرا لافتقادهم لدعم قاعدتهم الجماهيرية.
 
وقد تم الحديث في المؤتمر الثالث الأساسي لفيديرالية نقابات الـ م.ش.ف. (31 كانون الثاني/يناير – فاتح شباط/فبراير 1939) عن كل هذه الأحداث، كما تم التصويت على مقررات بصدد: رفع الأجور، تطبيق القانون الفرنسي حول الأمراض المهنية على المغرب، توسيع سلطات المندوبين، بلورة جدول للترتيب والأهلية وإخبار المستخدمين به للحيلولة دون المحسوبية. وفق كل هذا، طالب «بإلغاء ظهير 24 حزيران/يونيو 1938 وبالحق النقابي للعمال المغاربة»؛ ويضيف باختصار «يجب على الطبقة العاملة المغربية أن تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد الاستغلال الذي تتعرض إليه؛ إنها لم تنضم قط إلى حركات غير مهنية، ولا يمكن دعوتها للدفاع عن الحريات إلاَّ إذا كانت تتمتع هي ذاتها بهذه الحريات».
 
وأعيد انتخاب المكتب الفيديرالي الذي لم يكن حسب العرف سوى مكتب نقابة خريبكَة الذي يضم لياندري وكولونا وبيرنار. وظلت النقابات مستمرة في نشاطها، تواجه نفس المشاكل، بدون القدرة على إشهار سلاح الإضراب لتكسير مقاول المديرين، كما فعلت في الماضي (32).
 
-تفتت نقابات القطاع الخاص.
 
في القطاع الخاص، كان وجود المنظمات بذاته قد وضع موضع تساؤل. لم يحصل هذا في قطاعي الأبناك والتجارة اللذين تشملهما الاتفاقيات الجماعية، وتسير الأمور فيهما بدون اهتزازات كثيرة. إذ كان بإمكان المأجورين الفرنسيين والأجانب والمغاربة – وكان معظم هؤلاء يهوداً – أن يستمروا في الانخراط في النقابات. ولم يكن الأمر كذلك في الصناعة والتعدين والخشب والبناء، حيث كانت توجد أكبر أعداد الشغيلة. فكانت ضغوطات أرباب العمل قوية. ونظرا لتهديدهم بالطرد، كان الأجانب يخافون. فيما كان المغاربة يختفون. ولم يكن ضرورياً أن يتم التذرع ضدهم بمقتضيات ظهير 24 حزيران/يونيو التي تستوجب مثولهم أمام المحاكم الفرنسية. وتتوفر السلطات على وسائل استعجالية. إذ بإمكانها أن تحيلهم على محكمة الباشا التي تحكم عليهم بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، مما يضع حدا لأية رغبة حقيقية أو مفترضة للانخراط في النقابة.
 
وإن انخفاض عدد المنخرطين في اتحاد النقابات بعد حزيران/يونيو 1938 راجع أساسا لتفتت نقابات القطاع الخاص.
 
فكان إذن على مناضلي الاتحادات المحلية واتحاد النقابات أن يضاعفوا جهودهم للدفاع عن هؤلاء الشغيلة، وذلك كضرورة قصوى.
 
فنددوا في نشراتهم النقابية أو بواسطة وفودهم لدى مختلف السلطات بالتجاوزات وبخروقات القانون الاجتماعي (33)، وببؤس البعض الناتج عن الأرباح التي راكمها آخرون، معمرون كبار وشركات مغربية كبيرة، والتي حُللت ونشرت حساباتها الختامية.
 
وكانت بورصات الشغل بالدار البيضاء والرباط والقنيطرة ومكناس ووجدة، تستقبل الشغيلة المغاربة، وتسجل شكاويهم، وتنذر مفتشية الشغل وأحيانا تنذر المراقبين المدنيين.
 
هذه الحملات لم تكن بدون تأثير إذ أدت بالإقامة إلى نشر بعض النصوص وإلى اتخاذ بعض الإجراءات التي كان قد اقترحها اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب.
 
وفي بداية 1939، أصبحت هيئة مفتشية الشغل تضم 13 فردا عوض 9، بعدما تدعمت بالمفتشين المساعدين. وفي منتصف السنة أُنشئت مجالس العمال وأرباب العمل في القنيطرة ومكناس اللتين لم تكونا تتوفران عليها. وخُفضت النفقات التي كانت تحصل عليها المحاكم عند رفع الدعوى الخاصة بنزاعات الشغل، إلى 10 فرنكات عوض 30 (ظهير فاتح نيسان/أبريل 1939)، لأن بعض العمال كانوا يتخلون عن رفع دعوى ضد مشغليهم، لافتقارهم إلى المال الكافي.
 
وتقرر بأن المهلة – الإجازة لن يمكن لها أن تكون أقل من تلك التي وضعتها الأعراف، وبأن عُقد الشغل التي يمكنها أن تناقض ذلك سوف لن تكون لها أية قيمة (ظهير 25 أيلول/سبتمبر 1939، «الجريدة الرسمية»، عدد 2 كانون الأول/ديسمبر). وأخيرا جعل مرسوم 15 شباط/فبراير 1939 أسبوع الـ 48 ساعة قابلا للتطبيق في ورشات الحلفاء، حيث كانت مدة الشغل تصل إلى 15 - 16 ساعة في اليوم، وكانت تتقاضى النساء 4 ف، والرجال 6.50  (34). كانت هذه هي التجديدات التشريعية منذ ظهير 24 حزيران/يونيو 1938. ولم يتم الحصول على أي شيء فيما يخص المطالب الرئيسية. إذ رغم تجديد وتقديم المطامح بشكل مستمر، لم يتغير موقف الإقامة، وظل الشغيلة المغاربة وحدهم ضمن شغيلة إفريقيا  الشمالية محرومين من الحق النقابي ومعرضين لعقوبات في حالة قيامهم بخروقات بهذا الصدد. ولم يتم تغيير أي شيء في النص حول الاتفاقيات الجماعية الذي ظل بدون أية قيمة.
 
وقد وعد الجنيرال نوكيس بأنه سيصدر نصا ينظم أداء الأجور، رغم معارضة أرباب العمل إن اقتضى الحال. ودارت مناقشات طويلة حول المشروع المُعد بهذا الصدد من طرف مصالح الشغل. كان هذا المشروع يلزم رؤساء المقاولات بإبلاغ مفتشية الشغل بأيام وأوقات أداء الأجور، وبطرق تأديتها، وبضرورة عدم تمديد هذا الأداء بعد نصف ساعة على توقيت العمل. إلاَ أنه لم يصدر أي نص بهذا الصدد. كما أنه لم تتم الزيادة في الأجور وفي الرواتب.
 
إذ فيما يخص الرواتب في المصالح العمومية والمصالح  ذات الامتياز كانت حكومة الحماية تنتظر، تبعا لقاعدة أصبحت ثابتة، مبادرات المتروبول وتطبقها أو تكيفها على مهلها. هكذا تم في آذار/مارس ونيسان/أبريل 1939 منح زيادة طفيفة (5%) لا علاقة لها بكلفة العيش، فيما أعطي فرنك واحد في اليوم كتعويض للمأجورين المغاربة المستخدمين في المصالح العمومية.
 
أما رفع الأجر الأدنى المطبق على الأهليين فقد ظل دائما مطلوبا. وقد ضاعف كل من هيفيرنو ودوريل وشابان الدراسات معتمدين على الأبحاث الميدانية الصادرة في «المجلة الاقتصادية» حول الإحصائيات وتطور مؤشرات كلفة المعيشة. وخلصت دراساتهم إلى القول بأن الشغيلة المغاربة يمكن لهم بالكاد أن يوفروا قوتهم وبأن العديد منهم مهدد بالبؤس الفيزيولوجي، نظرا للمستوى الحالي للأجور الدنيا التي لا تحترم في العديد من الحالات.
 
-انتقام أرباب العمل:
 
هذه التعثرات ناتجة عن مقاومة أرباب العمل، الذين كانت الظرفية السياسية تساعدهم.
 
فقد أكد الناطقون باسم الغرف التجارية لدى المجلس الحكومي بأنه لم يعد من الضروري إصدار تشريعات حول الأجر الأدنى مادام الوضع الاقتصادي إيجابيا: «إن الأجر الأدنى يمثل لحسن الحظ بالنسبة لمعظم المشغِّلين مستوى أدنى حقيقيا وليس مستوى أقصى. إننا نهيء زيادة في الأجور ستأتي إذا ما تطلب مستوى المعيشة ذلك...» (35).
 
ولم تجتمع اللجن المِنطقية للأجور منذ حزيران/يونيو 1938. إذ كان رأي المقيم مماثلاً لرأي الناطقين باسم أرباب العمل. ففي جلسة لمجلس الحكومة عقدت في حزيران/يونيو 1939، صرح: «في جميع المدن رُفعت الأجور بدون أن يُؤخذ بالاعتبار الأجر الأدنى. فإنشاء الأجر الأدنى ليس ضروريا إلاّ في مرحلة البطالة... وإذا ما سقطنا في مرحلة صعبة يكون فيها الشغل قليلا، يمكن لنا أن نتدارس من جديد المسألة، لكن باتباع منهج تصاعدي بطريقة حذرة» (36).
 
أما فيما يخص النص الذي اقترحته مصلحة الشغل حول أداء الأجور، فإنه اصطدم برفض الغرف التجارية (باستثناء غرفة مراكش) وغرفة نقابة المقاولين واللجنة المركزية لرجال الصناعة. ولم تسفر الرسائل واللقاءات مع هذه الهيئات عن أية نتيجة. والدلائل التي كانت تقدمها تقول بأن المشغِّل لا يمكن أن يكون ملزما بتقنين مفروض، بدون أن ينجم عن ذلك تعثر كبير في نشاطه. إذ غالبا ما كانت الظروف تفرض عليه تسديد أجور عماله في أوقات مختلفة، فتدخل مفتشي الشغل سيمس سمعته وسيؤثر على علاقاته مع مأجوريه؛ وفي نهاية الأمر كانت الأجور تؤدى بشكل منتظم ما عدا في بعض الحالات النادرة (37).
 
وظل التشريع حول مدة العمل غير محترم. ففي أيار/مايو 1939، لم تصدر في بعض القطاعات – مثل تجارة المواد الغذائية، المخابز، الفنادق، المطاعم، تصبير اللحم والخضر والسمك – المراسيم التطبيقية لظهير 1936 الخاص بأسبوع الـ 48 ساعة.
 
وفي القطاعات التي صدرت فيها تلك المراسيم، كانت تخرق بسهولة كبيرة، رغم تدخل الاتحادات المحلية، ومفتشية الشغل وسلطات المراقبة. فكانت عدة عناصر تبرر كافة الخروقات، مثل المسك الردئ لسجلات الأجور إذا ما وجدت، ولبطاقات العمل، ونظام النقض المستمر.
 
ومع صدور دورية الإقامة في 27 نيسان/أبريل 1939 (38) التي تجعل مرسوم –قانون دالاديي حول الستين ساعة قابلا للتطبيق في المغرب، وجدت ممارسات أرباب العمل تسهيلات أكثر. إذ في المقاولات «التي تشتغل بصفة مباشرة أو غير مباشرة لفائدة الدفاع الوطني» حُددت مدة الشغل «مؤقتا» بستين ساعة في الأسبوع. وأضافت الدورية بأن الساعات الخمس الأولى سوف لن تحظى بالزيادة. هكذا، يلاحظ هيفيرنو أنه «باسم نضال الديمقراطية ضد الفاشية، أضحت الامتيازات التي حصلت عليها الطبقة العاملة سنة 1936 تتقلص يوما بعد يوم؛ ... وإذا كان المغرب يتبع المتروبول بعد مدة معينة فيما يخص المنجزات الإيجابية للشغيلة، فإنه على عكس ذلك يتبعها فورا حين يتعلق الأمر بتراجعات اجتماعية» (39).
 
واعتبر أرباب العمل، على العكس، هذا المرسوم جد إيجابي. إذ يجب «تعويض اليد العاملة التي تذهب [إلى الحرب] بتمديد وقت العمل». وسمح لهم بعدم تطبيق أهم جزء في التشريع الصادر منذ 1936. وقد لاحظ ذلك رئيس مصلحة الشغل وأشار إليه في مذكرة بعثها بتاريخ فاتح حزيران/يونيو إلى الإقامة العامة، قال فيها «أود إبداء ملاحظة عامة: منذ صدور مراسيم – القوانين التي تزيد في مدة العمل بفرنسا، ومنذ صدور الدورية التي أعلن فيها المقيم العام أنه بإمكان الصناعات التي تشتغل لفائدة الدفاع الوطني أن تحصل على زيادات في مدة العمل تصل إلى ساعتين في اليوم، منذ ذلك الوقت ورجال الصناعة والتجارة في المغرب يأملون بأن ساعة الردة الاجتماعية ستدق وسيتمكنون من التحرر كليا من التشريع الحمائي للشغيلة. والمحادثات التي أجريتها لم تترك لدي أية أوهام بهذا الصدد...» (40).
 
 
 
 
15- الحرب . أيلول/سبتمبر 1939- حزيران/يونيو 1940
 
 
• الوضع قبيل الحرب العالمية الثانية
 
عند هذه النهاية لشهر تموز/يوليو 1939، كان وضع نقابات «ك.ع.ش.» في المغرب متأثرا بمناوءة السلطات العمومية لها. إذ رغم العلاقات اللبقة التي كانت لديها مع ممثلي الفيديراليات أو الاتحادات، كانت مصالح الإقامة تشير إلى أن الوقت غير ملائم لطرح المطالب. وأصبحت تتجه أكثر نحو أرباب العمل الذين يتحكمون في الانتاج. وكان هذا التطور يوازي التطور الحاصل في نفس الوقت في فرنسا.
 
ليست لدينا معلومات دقيقة، ولم يكن بإمكان أمناء صناديق المنظمات النقابية بأنفسهم أن يقدموها، لأن حركات بيع الطوابع للسنة المنصرمة لا يبدأ ضبطها إلا في بداية السنة الموالية على أساس عدد  المنخرطين.
 
غير أن بورصات الشغل كانت تشهد تقلصا في توافد العمال عليها. واستمرت أعداد المنخرطين في نقابات القطاع الخاص في التقلص بشكل كبير، ماعدا بالنسبة للمستخدمين وفي قطاع النقل الطرقي، بحوالي 700 منخرط.
 
وكما رأينا ذلك سابقا، فإن الاتحادات والفيديراليات الكبرى في القطاعات العمومية ذات الامتياز استطاعت الصمود دائما: وذلك بالنسبة للموظفين (أزيد من 4000 منخرط) (1)؛وشغيلة الدولة (1700)؛ والمستخدمين المدنيين بالقوات الجوية والبرية والبحرية (400) والبريديين (أزيد من 1000)؛ والسككيين (1300)؛ والفوسفاطيين (450)؛ كما في الحافلات (100)؛ والشحن والافراغ (100). وبهذا كان الاتحاد يسترجع بنيته الاولى مع السيطرة المطلقة للقطاع العمومي (بحوالي 60%) يتبعه القطاع ذو الامتياز (ما يزيد على 20%) والقطاع الخاص (بأقل من 20%).
 
وبدون أن نغرق في مناقشات حول الأرقام، ورغم التراجع الملحوظ بالنسبة للرقم الأقصى المسجل في أيار/مايو 1938؛ فإن عدد المنخرطين النقابيين (ما بين 10000 و 12000) كان على الأقل ضعف الأعداد التي كانت منخرطة قبل إضرابات حزيران/يونيو 1936، ببنيات نقابية أكثر متانة وتنوعا.
 
ومع ذلك، ورغم عدم الجدوى، فقد استمرت الحركة المطلبية بطريقة عنيفة، كما تدل على ذلك مقالات الأعداد الأخيرة من «طرافاي» و«أفنير دي راي»، وكذا مداخلات فرانسوا، ودوريل أوريفستيك أمام مجلس الحكومة الداعية إلى مراجعة الظهير الخاص بالاتفاقيات الجماعية وإلى ضرورة استكمال التشريع الخاص بأداء الأجور. وخلال هذه المداخلات أثيرت مشكلة الحق النقابي للمغاربة.
 
إلا أن مأساة الشعب الاسباني استأثرت بانتباه المناضلين خلال هذه الشهور الأخيرة، أكثر، ربما مما كان عليه الأمر خلال السنتين الماضيتين. إذ أنهم تتبعوها وعايشوها عن قرب الآن حيث بدأت مرحلة القمع. وقد كثف اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب جهوده، صحبة الاشتراكيين والشيوعيين، لاستقبال الأطفال واللاجئين، وافتتح اكتتابات، وتدخل لدى الاقامة لكي يحصل الشغيلة على رخصة لمزاولة مهنتهم وضمان عيشهم، إذا ما عُرض عليهم شغل. وقد تطلب هذا العمل التضامني مبادرات وتضحيات.
 
• اتحاد النقابات في زمن الحرب
 
اندلعت الحرب يوم 3 أيلول/سبتمبر 1939. وتمت تعبئة المناضلين وأغلبهم شباب – كان سنهم يقل عن 35 عاما – منذ 25 آب/أغسطس عن طريق نداء فردي. واعتقل بعض الشيوعيين، ثم أفرج عنهم بسرعة وأرجعوا إلى وحداتهم. وأجريت بعض عمليات التفتيش. يوم 6 أيلول/سبتمبر صدر الظهير الذي يأمر بحل المنظمات الشيوعية وحجز ممتلكاتها (2). وظل العديد من النقابيين من بين الذين تم استدعاؤهم مستقرين في المغرب إلى أن تحققت الهدنة، فيما ذهب آخرون في بداية تشرين الأول/أكتوبر إلى الجبهة الفرنسية. ولم يفلت إذن من الاستدعاء إلا المسنون وامرأة واحدة، هي السيدة فيييي  Vieilly، أمينة مال فيديرالية الموظفين، والكاتبة العامة المساعدة لنقابة المعلمين والمعبَّئِين المدنيين.
 
وبينما توقفت عن الصدور كل من «طرافاي» و«ماروك سوسياليست» و«ليسبوار»، استمرت «جورنال دي فونكسيونير»، التي لم يُعبأ كاتبها العام، و«لافونير دي راي».
 
وبذل الذين بقوا في المغرب قصارى جهدهم لإنعاش ما يمكن إنعاشه وتحملوا مسؤولية منظماتهم ثم مسؤوليات الاتحادات المحلية ومسؤولية اتحاد النقابات.
 
وبعد ذهاب هيفيرنو و ش. هيمبير، تكلفت السيدة فيييي بمصلحة بورصة العمل وبالدفاع عن الجمهوريين الاسبانيين اللاجئين.
 
وكثف اتحاد الشبكات الذي ظلت نقابته مصونة، تدخلاته لدى مديريات السكك الحديدية المغربية وخط طنجة – فاس للدفاع عن الأجور وعن شروط عمل المستخدمين، ومن أجل التضامن مع المعبئين وعائلاتهم. إلا أن همه الأول كان المساعدة على انتعاش الحياة النقابية في البلاد. وطالبت لجنته الادارية في فاتح تشرين الأول/سبتمبر، من السككيين أن يزودوا الاتحادات المحلية التي فقدت مسؤوليها من جراء الحرب؛ بمسؤولين آخرين. وقرر مكتب الاتحاد أن يساعد على إعادة نشاط اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب.
 
وتم استدعاء لجنة إدارية للاتحاد لهذا الغرض واجتمعت في الدار البيضاء يوم 15 تشرين الأول/أكتوبر وتشكل على إثر ذلك «مكتب حربي» ضم ماتيي، من الموظفين، ككاتب عام، وبريدوم، سككي، وفيرو Ferreau، من شغيلة الدولة، ككاتبين مساعدين؛ وكارو Carreau، من الانارة، كأمين للصندوق – وقد كان ضمن المكتب القديم، وبهذا يضمن الاستمرارية – والسيدة فيييي، معلمة، كأمينة مساعدة للصندوق.
 
وتم التصويت على مقرر يؤكد على الارتباط بـ «ك.ع.ش».
 
إلا أنهم، على عكس ما حصل في فرنسا تحت ضغط بيلان Belin وأصدقائه، لم يهتموا بالبحث عن المناضلين الذين رفضوا إدانة الاتفاقية الالمانية-السوفياتية الموقعة في 25 آب/أغسطس 1939 (3)، بهدف طردهم.
 
عمليا، أصبحت كافة الأعمال المطلبية مستحيلة. إذ كانت الحكومة والمديريات وأرباب العمل يتذرعون بقضايا الحرب والدفاع الوطني لرفض جميع الملاحظات. ومادام جزء هام من المستخدمين في كافة القطاعات قد تمت تعبئته، أوقفت جميع الترقيات وجُمدت الرواتب، غير أن الموظفين ومستخدمي الشركات ذات الامتياز تمكنوا من جعل الترقيات المقررة قبل الاعلان عن الحرب، سارية المفعول. ولم تعد تطرح القضايا الخاصة بالشغيلة المغاربة. إذ استغرقت عمليات التضامن لفائدة الرفاق المعبئين، وإسعاف العائلات الأكثر عوزا معظم مجهودات المنظمات النقابية والاتحادات المحلية واتحاد النقابات الكونفيديرالية بالمغرب.
 
وقد لعب السككيون دورا هاما في تشكيل وسير اللجن المحلية: «ك.ع.ش. تضامن الحرب». في كانون الثاني/يناير 1940، كانت هذه اللجن في الدار البيضاء والرباط ووجدة وتازة ومكناس.
 
غير أن بعض المناضلين كانوا يزعجون الادارة بحماسهم في التدخلات والعمل. مثل حالة السيدة كاترين فيييي التي كانت تتكفل بقيادة نقابة المعلمين منذ التعبئة العسكرية، وشكلت مكتبا مؤقتا وأصدرت نشرة في أواخر كانون الأول/ديسمبر 1939 عبرت من خلالها عن آلامها كامرأة أمام الحرب. وقد أعربت لزملائها، المعلمين والأساتذة، ولمدير التعليم العمومي، على ضرورة حصول أعضاء التعليم بمصلحة المساعدين على التعبئة المدنية كما وقع في فرنسا. كما أنها دافعت على المدرسين الشباب الإضافيين وأعربت عن قلقها إزاء تكوينهم البيدغوجي. وكان عملها أوسع من هذا، إذ استمرت في الاهتمام باللاجئين الاسبانيين وبنزل الشباب وبملجأ اليتامى العلماني.
 
هكذا كان يسير اتحاد النقابات الكونفدرالية للمغرب حتى جاء خبر الاستسلام.
 
 
احالات الباب الرابع
 
احالات الفصل 13
 
(1)في «لا فَيجي ماروكان»، عدد 31 تشرين الأول/أكتوبر 1937، مذكور في عدد 5 من «طرافَاي».
 
(2)كان ف. دوتيسان عضوا في لجنة تسيير مجلة «مغرب» سنة 1932، منذ هذا التاريخ، نغيرت تصوراته.
 
(3)«ماروك سوسياليست» (م. س.)، عدد 19 شباط/فبراير 1938.
 
(4)في مقال أورانج «النزعة المناهضة للنقابية»، حسب التقرير الصادر في «طرافَاي»، عدد 5 تموز/يوليو 1938.
 
(5)رسالة دورية ، رقم: 157، الكتابة العامة للحماية، يوم 31 آذار/مارس 1938.
 
(6)رسالة بتارخ 21 نيسان/أبريل 1938: أرشيف الشغل، ملف «النقابات».
 
(7)رسالة بتاريخ 6 نيسان/أبريل 1938 أرشيف الشغل، ملف «النقابات».
 
(8)«إضراب قطاع التأثيث بالدار البيضاء»، «طرافَاي» عدد 17، بتاريخ 15 حزيران/يونيو 1938؛ «درس إضراب»، «ليسبوار»، عدد 7، بتاريخ 23 تموز/يوليو 1938.
(9)لجنة رجال الصناعة بالمغرب، تقرير مذكور، «النشرة الاقتصادية للمغرب» عدد 23، كانون الثاني/يناير 1939.
 
 (10)«ليسبوار» عدد 7، مقال مذكور سابقا.
 
 
(11)اعتمادا على التصريح الذي أدلى به هيفيرنو في مؤتمر فاس، جلسة 4 آذار/مارس 1939.
 
(12)كانت الأحياء الأهلية في المراكز المنجمية تُدعى «قرى»، وكانت ملكا للمكتب الشريف للفوسفاط الذي كان يؤجر محلات السكن ويديرها ويراقبها عن طريق «رئيس القرية» التابع لمكتب الترجمة.
 
(13)فيما يخص المطالب، راجع المقال الدقيق لكولونا Colonna وبينواBénoît: «نقابة مغربية كبيرة: الفوسفاط»، «ليسبوار»، 14 أيار/مايو 1938.
 
(14)تمت إعادة ترتيب عرض الأحداث بتحليل المقالات التالية: فونطانيو Fontanieu: «تدقيق بصدد إضراب الفوسفاط»، «طرافَاي»، عدد 18، 15 تموز/يوليو 1938؛ عن المكتب النقابي للوي جانتي، «طرافاي»، عدد 19، فاتح آب/أغسطس، تصريح هيفيرنو أمام مؤتمر فاس، «طرافاي»، فاتح نيسان/أبريل 1939.
 
(15)يفسر ج. فَالو في كتابه «العهد الجديد» هذه التطورات نظرا لعدائه لسلطة الأثرياء، ارتأى كوسيلة لمحاربتها على التوالي الفوضوية (1905) ثم التحالف بين الأمير والشعب (1912) وأخيرا النقابية (1919). وبدا له بأن العالم دخل بفعل التحولات العلمية والتقنية، الى «عهد جديد» يفتح مرحلة الاشتراكية. لا دور لفوريي وبرودون وماركس أو جوريس في ذلك. وكان يحلم بجمهورية نقابية سيؤسسها المناضلون العمال.
 
(16)مدااخلة مارسيل جورج في مؤتمر شباط/فبراير 1939 حول السلم والحرب - الجلسة الثالثة؛ «طرافَاي»، عدد: 13، 20 آذار/مارس 1938.
 
(17)«لوبوني ماروكان»، 19 حزيران/يونيو 1938.
 
 
(18)«لن تقبل الحكومة أن يعرقَل الانتاج الفوسفاطي دوريا بسبب مستخدمين أوربيين تتمتع كافة فئاتهم بامتيازات ملموسة (رواتب – تعويضات عائلية – علاج طبي وصيدلي – تعويضات عن غلاء المعيشة والسكنى معطاة من طرف المكتب الشريف للفوسفاط؛ وفر؛ مكافآت؛ مخيمات للعطل). ويحظى المستخدمون الأهليون بدورهم بوضعية تفوق وضعية باقي مقاولات المغرب» «لوبوني ماروكان»، 19 حزيران/يونيو. (ب.م.)
 
(19)ب.م. 20 حزيرانيونيو 1938.
 
(20)نجد في مقال «عملية ماكرة»، «طرافَاي»، عدد فاتح آب/أغسطس 1938 ما يلي: «اتُّخذ نص (الظهير) ثلاثة أيام بعد إخبار كاتب ك.ع.ش. بالمغرب لحكومة الحماية بقرار اللجنة الادارية».
 
(21)«طرافَاي»، فاتح آب/أغسطس 1938؛ الفقرة الثالثة من «جدول الأعمال» الذي صوتت عليه اللجنة الادارية لاتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب، يوم 24 تموز/يوليو 1936.
 
 
(22)تصريحات هيفيرنو يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 1938 خلال اجتماع مندوبي الهيئة الثالثة، «طرافَاي» عدد 26.
 
(23)في ي 24 حزيران/يونيو، بدأت عملية التخلي المجاني عن القرى لفائدة مصلحة الأملاك، هذا بناء على رسالة موجهة من مدير م.ش.ف. الى مدير الشؤون السياسية بتاريخ 30 تموز/يوليو 1938.
 
 
(24)«ولوج المغاربة الى الوظائف العمومية»، «بوتي ماروكان» (ب. م.) 17 تموز/يوليو 1938.
 
(25)«ب. م.»، 21 تموز/تموز 1938.
 
 
(26)بحروف بارزة في النص.
 
 
(27)«أفَونير دي راي»، 31 مكرر، 10 شباط/فبراير.
 
 
(28)«النشرة الاقتصادية» (ن. إ.) كانون الثاني/يناير 1939.
 
 
(29)مذكور في كتاب ر .كَاليسو، السابق الذكر، ص، 206.
 
 
(30)بلاغ نشر في «ب. م.»، 18 آب/أغسطس 1936.
 
 (31)حسب مقالات وجدول أعمال اللجنة الادارية المنشورة في «طرافَاي»، عدد 19، فاتح آب/أغسطس 1938. أخذ المؤتمر المنعقد في 14 غشت، بجدول الأعمال هذا كليا واستكمله.
 
احالات الفصل 14
 
(1)«طرافَاي»، فاتح آب/أغسطس 1938.
 
(2)«طرافَاي»، 15 آب/أغسطس 1938.
 
(3)«طرفَاي»، عدد 24، 15 تشرين الأول/أكتوبر 1938، «تقرير عن اجتماع 16 تشرين الأول/أكتوبر». خضع منصبا المندوبين لدجى المؤتمر للتصويت: حصل هيفيرنو على 103 أصوات من ضمن 107؛ وأورانج على 39؛ ثم شابان على 30، وماتييي على 25 وسانطاريلي على 17.
 
(4)أنظر أعلاه ص 259.
 
(5)«توضيح بصدد الحق النقابي للأهالي»، «طرافَاي»، عدد 26، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1938.
 
(6)«لماذا تمت مهاجمتي»، «طرافَاي»، عدد 35، فاتح نيسان/أبريل 1939.
 
(7)«بصدد الحق النقابي للأهالي»، مقال مُهدَى إلى الجنيرال نوكَيس من طرف روبير ريفستيك  R.Reifteck، «طرافَاي»، عدد 24، 15 تشرين الأول/أكتوبر 1939.
 
(8)بدون أن نتوفر حاليا على مزيد من التفاصيل، فقد قال أدريان تيكسيي مندوب الشؤون الاجتماعية في «اللجنة الفرنسية للتحرير» عن ظهير 24 حزيران/يونيو 1938، الذي تعرف عليه في جنيف وباريس: «أقل ما يمكن أن يقال، أنه ليس من المؤكد أن يكون الظهير ناتجاً عن مبادرة تلقائية من السلطان.» موجود ضمن رسالة لتكسيي إلى مندوب الشؤون الخارجية، ماسيكَلي، 22 أيلول/سبتمبر 1943، الجزائر العاصمة. أرشيف الشغل، الرباط.
 
 
(9)«طرافَاي»، 15 تشرين الأول/أكتوبر 1938.
 
(10)بناء على تقارير التجمعات التي عقدها بيير سيمار P.Semard وكرابيي Crapier في مختلف مدن المغرب والمنشورة في «ليسبوار»، عدد 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1938.
 
(11)«طرافَاي»، عدد 31، فاتح شباط/فبراير 1939.
 
(12)«طرافَاي»، فاتح نيسان/أبريل 1939.
 
(13)أ.ه. «جولة جوهو»، «طرافَاي»، عدد 34، 15 آذار/مارس 1939.
 
(14)«إلى الاقامة العامة»، «طرافَاي»، عدد 34، قام جوهو فيما بعد بجولة من الندوات عرض خلالها مخطط الـ ك.ع.ش. الاقتصادي. عقدت الاجتماعات في الرباط (1800 مستمعه) وتازة (300 إلى 400) وفاس (نفس العدد) ومكناس (600) والدار البيضاء (ما يزيد على 2000). ثم في خريبكَة والجديدة ومراكش. لم يتمكن المغاربة، في غالب الاحيان، من الحضور في هذه الاجتماعات.
 
(15)شهادات ماتييي وهيفيرنو وج.هيتان G.Hutin.
 
(16)تصريح وزاري بتاريخ 25 نيسان/أبريل 1938.
 
(17)12 تشرين الثاني/نوفمبر. كان خطاب بول رينو هذا هو السبب في اتخاذ قرار بالأضراب عن العمل يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر، نظرا للسخط الذي فجره.
 
(18)هفيرنو، «بعد الاضراب العام»، «طرافَاي»، عدد 28، 15 كانون الثاني/ديسمبر 1938.
 
(19)«أفونير دي راي»، آب/أغسطس 1938.
 
(20)«أفونير دي راي»، عدد 30، شباط/فبراير-آذار/مارس 1939.
 
(21)«طرافَاي»، 15 أيار/مايو 1939.
 
(22)«أفونير دي راي»، عدد 23، تموز/يوليو 1938.
 
(23)فيما يخص هذا المؤتمر والقضايا التي نوقشت فيه، راجع: «أفونير دي راي» عدد 25، أيلول/سبتمبر 1938، حيث نشر التقرير الأدبي للمكتب و«التقرير حول المطالب ومهام المستقبل» بقلم ب.دوريل؛ وكذا مقال ج.مارشال: «انطباعات حول المؤتمر»، «أفوَنير دي راي»، عدد 28، تشرين الثاني-كانون الأول/ديسمبر 1938.
 
(24)مأخوذ من المقرر العام المنشور في «أفونير دي راي»، عدد 28، 15 تشرين الثاني 1938.
 
(25أنظر أعلاه ص 270.
 
(26)قدمت «ليسبوار»، عدد تشرين الثاني/نوفمبر 1938، تقريرا عن جولة ب.سيمار.
 
(27)«أفونير دي راي»، أيار/مايو 1939.
 
(28)«أفونير دي راي»، حزيران/يونيو 1939 و«طرافَاي»، حزيران/يونيو 1939.
 
(29)«أفونير دي راي»، تموز/يوليو وآب/أغسطس 1939.
 
(30)أ.فورنيي: «نعم لِعمل مشترك»، «أفونير دي راي»، تموز/يوليو 1939، و«أخبار الطريق»، «أفونير دي راي»، آب/أغسطس 1939.
 
(31)يوجد في «طرافَاي» عدد فاتح نيسان/أبريل 1939، تقرير عن مؤتمر فاس وتصريحات لياندري. بلغ عدد بطاقات الانتداب الممنوحة لكل نقابة في المؤتمر الفيديرالي ما يلي: الدار البيضاء: 2؛ آسفي: 2؛ اليوسفية: 4؛ خريبكَة: 7. بعد المؤتمر، قام هيفيرنو ولياندري وكولونا وبيرنار بجولة عبر آسفي واليوسفية قدموا خلالها توضيحات؛ «طرافَاي»، عدد 33.
 
(32)أنظر أعلاه ص. (مقابل ص. 215).
 
(33)تم خرق التشريع حول الاجازة المؤدى عنها، بطرق مختلفة: هيفيرنو «من أجل تطبيق القوانين الاجتماعية. الاجازة المؤدى عنها»، «طرافَاي» عدد 33، فاتح آذار/مارس 1939. وكذا القوانين الخاصة بالغرامات، التي تخصم في بعض المقاولات جزءا هاما من الأجر المكتسب: هيفيرنو، «طرافَاي»، عدد 36.
 
(34)«طرافَاي»، عدد 30-31، فاتح و15 شباط/فبراير 1939.
 
(35)تصريح بيتي Beteille. من الغرفة التجارية للقنيطرة أمام مجلس الحكومة. مذكور من طرف ر.كَاليسو، في المرجع الذي سبق ذكره، ص. 175.
 
(36)ر.كَاليسو، مرجع سابق الذكر، ص. 176.
 
(37)نفس المصدر السابق، ص ص. 176-178.
 
(38)«الجريدة الرسمية»، 5 أيار/مايو 1939.
 
(39)«طرافَاي»، عدد 37، 15 أيار/مايو 1937.
 
(40)مذكور من طرف ر.كَاليسو، مصدر مذكور، ص. 181.
 
 
احالات الفصل 15
 
(1)تدعمت فيديرالية مجموعات الموظفين في آذار/مارس 1939 بانضمام فيديرالية الشرطة الشريفة إليها. وقد قررت هذا الانضمام في مؤتمرها الثالث.
 
(2)فيما يخص هذه القضايا كلها، راجع الأعداد الاخيرة من «طرافَاي»، وبالأخص عدد 15 آب/أغسطس 1939.
 
آخر عدد من «طرافَاي صدر في 15 آب/أغسطس 1939، وآخر عدد من «ماروك سوسياليست» صدر في 29 تموز/يوليو وهو العدد 213؛ وآخر عدد من «ليسبوار» صدر في 12 آب/أغسطس وهو العدد 34.
 
(3)في 25 آب/أغسطس 1939، وقعت حكومتا ألمانيا والاتحاد السوفياتي معاهدة عدم اعتداء. وقد اعتبرت حكومة دالاديي هذا الانقلاب في الرأي خيانة، فأمرت بحل التنظيمات الشيوعية وباعتقال مناضليها. ولازال النقاش جد حاد إلى يومنا بين المؤرخين الذين يحاولون فهم دوافع الموقف السوفياتي وبين الذين يُدينون هذا الموقف. ويبدو أن السبب الرئيسي للموقف السوفياتي يرجع إلى ضعف ثقة الاتحاد السوفياتي بالقوى الغربية، منذ خرقها لالتزاماتها، في ميونيخ في ايلول/سبتمبر 1938، ومصادقتها على تقسيم هتلر لتشيكوسلوفاكيا. وفيما يخص تفاصيل المفاوضات الانجليزية-الفرنسية-السوفياتية (آذار/مارس-آب/أغسطس 1939) والسوفياتية-الهتلرية، راجع ج.-ب.ديروزيل J.B.Duroselle- «التاريخ الديبلوماسي من 1919 إلى يومنا» المنشورات الجامعية الفرنسية PUF، الطبعة الثامنة، 1981، ص ص. 244-245 و248-252.
 
وقرر المكتب الكونفديرالي يوم 17 أيلول/سبتمبر، ثم اللجنة الادارية يوم 27 أيلول/سبتمبر، بالأغلبية، طرد المناضلين الشيوعيين.
===============================
الباب الخامس
 
زمن الضغط 1940-1942
  
زمن الضغط 1940-1942
 
بعد شهر ونصف من قيام الجيوش الألمانية بهجومها على الجبهة الغربية، كان الانهيار والاستسلام (22 حزيران/يونيو 1940). والتزم نوكَيس، بعد شيء من التردد بأوامر الماريشال بيتان، وظلت نداءات دوكَول وتشرشل بدون صدى. إذ اختار نوكَيس، صحبة المقيم على تونس وحاكم الجزائر، الامتثال لحكومة فَيشي.
 
16-قمع الحركة النقابية وتفكيكها
 
.قوانين الاستثناء والعزل والاعتقالات
 
لم يتغير أي شيء بالنسبة للمغاربة الخاضعين لوصاية زعمائهم التقليديين ولسلطات المراقبة المدنية والعسكرية. ونظرا لوثوقه من صداقة العاهل الشريف، استمر نوكَيس في سياسته الأبوية العطوفة وسعى إلى تلبية رغبات النخب الشابة.
 
إلا أنه سرعان ما طبق قوانين فَيشي الاستثنائية على الجالية الفرنسية بالمغرب. مما مكنه من ضرب كل الذين تجرؤوا في فترة حكم الجبهة الشعبية على المس بالنظام الأخلاقي والاجتماعي السائد (1). فطال ذلك على التوالي الشيوعيين والعاطفين عليهم، والنقابيين والماسونيين (2) واليهود (3). وقد أدجى النقابيون أغلى ثمن. ذلك أنهم راكموا ثغرات عدة. ألم يتجرأ الشيوعيين أو الاشتراكيون، وأحيانا الاشتراكيون والماسونيون في نفس الوقت، على الدفع بتنقيب المغاربة، وعلى قيادة إضرابات وزعزعة إحدى مرتكزات النظام الكولونيالي، ألا وهي سلطة أرباب العمل؟
 
لقد سبق البعض إلى معسكرات الاعتقال، وآخرون إلى السجن، والذين تعرضوا لأقل أدى أصيبوا في شغلهم: إذ أحيلوا على التقاعد، وعزلوا (4) وأنزلوا من رتبهم، ونقّلوا.
 
وجاءت قرارات الاعتقال عبر موجات متتالية ووفقا لنفس السيناريو. إذ كانت الشرطة تستدعي «المعنيين» وتجمّعهم في مراكزها، ثم ترسلهم إلى المعسكرات.
 
كانت مكناس مسرحا للعمليات الأولى. وبما أنها مركز سككي هام، فقد كانت تضم مجموعة مهمة من السككين، الشيوعيين والنقابيين، الذين احتُفظ بهم في التعبئة المدنية. وقد اعتقل هؤلاء في النصف الأول من شهر حزيران/يونيو 1940. وفي النصف الثاني من هذا الشهر اعتقل جزء آخر أكثر أهمية، ضم الديمقراطيين في الدار البيضاء ومراكش ومكناس وفاس وخريبكَة. وبعد عدة تنقيلات –السجن العسكري لوهران، سجن جناين بورزكَ، جنوب وهران، ومعسكر بوعنان (2 تشرين الأول/أكتوبر)- أرسلوا إلى بودنيب في تخوم الصحراء.
 
ووصلت مجموعتان من المشكوك فيهم على دفعتين، في كانون الأول/ديسمبر 1940 وخلال الفصل الأول من 1941 مما رفع عدد المعتقلين إلى 80. ويبدو من خلال آرائهم ومهنهم أن الإقامة تتبع أهدافا ثلاثة: قمع أولائك الذين تعتبرهم «دعاة ثوريين» وتفكيك الحركة النقابية، ودفع الذين لا تعتقلهم إلى الحذر. كان السككيون يشكلون ثلث المعتقلين، ثم يتبعهم المدرسون والبريديون ومستخدمو الفوسفاط والمالية والسجل العقاري. فيما يتكون الثلث الأخير من المحاسبين والحلاقين والممرضين والمهندسين والحرفيين وصغار أرباب العمل. وتم إطلاق سراح بعضهم في أيار/مايو وكانون الأول/ديسمبر 1941 وتلا ذلك طرد جزء منهم من المغرب.
 
.بقاء بعض المنظمات المهنية
 
هل كان مسموحا للنقابات المؤسسة بشكل قانوني أن تزاول نشاطها أم لا؟ بعد مرحلة سادها التردد، وبعد استشارة سلطات فَيشي، ذكّرت الإقامة أنه إذا كانت الجمعيات المهنية للموظفين ممنوعة ويجب حلها (قانون 5 تشرين الأول/أكتوبر 1940)، فالأمر يختلف بالنسبة للنقابات العمالية العمالية أو نقابات الحربية والبحرية والجماعات المحلية أو المصالح ذات الامتياز «شريطة أن ينحصر [نشاطها] في أهدافها مهنية صرفة». وأقرت أيضا بحرية الدخول إلى بورصات الشغل.
 
وفي فاس، كان كاتب الاتحاد المحلي دارتيكَناف Dartiguenanve  هو الذي أثار المشكل في كانون الثاني/يناير 1941، مرغما بذلك مديرية الشؤون السياسية والمصالح المقيمية على الاستعلام واتخاذ موقف (5). .في الدار البيضاء ظلت بورصة الشغل الواقعة في شارع باستور تحت تصرف الشغيلة: وبعد ترخيص مسبق عقدت بها اجتماعات نقابات الإنارة والقوى المحركة يوم 24 تموز/يوليو، والسككيين يوم 29 آب/غشت. والبحرية في 3 آب/أغسطس، ومستخدمي التجارة والأبناك. فيما كان يتمتع تجمع مستخدمي وعمال الشحن والإفراغ بترخيص دائم من لدن المنطقة المدنية، وكان يعقد اجتماعاته كالعادة في مستودع للشحن. وقد حضر هذه الاجتماعات مفتشو الشرطة وقدموا تقارير حولها. كان الحديث خلالها يدور حول إعادة تقويم الأجور. ومطالب مهنية، وإعانة الرفاق المحبوسين (السككيين) وأسرى الحرب (الإنارة)؛ وأحيانا عينت مكاتب مؤقتة (6).
 
وكان بعض المناضلين يدعون –عن قناعة أو بحساب تكتيكي؟- إلى «التوجه حسب تعليمات الحكومة»، أو يوزعون جريدة أصدقاء بلان Belin: «أوطرافَاي» (إلى العمل) (7). فيما استغل آخرون، سيرفَان Sirvent في الحربية وخاصة أندري لوروا من عمال البحرية، الإطار النقابي لمضاعفة العمل المطلبي الخاص بالأجور والرتب، ولمضاعفة العمل السياسي الرامي إلى توعية الشغيلة الذين لم يفهموا معنى الأحداث، وإلى التنديد بالقمع العنصري، والكشف عن المتعاطفين، وإصدار أو توزيع المناشير. ومنذ آب/أغسطس 1940 تمكن أ.لوروا من الدخول في اتصال مع ليون سلطان عن طريق صاحب نزل وإيميل فَييران E.Vierin.
 
وبما أن اجتماعات حزيران/يونيو 1941 هذه كانت تتم في معظمها تحت رئاسة عضو قديم في مكتب اتحاد النقابات الكونفديرالية، أمين المال العام، كارو Carreau، الذي كان يتصرف ككاتب عام، فإنه يمكن الاعتقاد أن الأمر يتعلق هنا بمجهود لإعادة تأسيس الاتحاد. وهذا ما يؤكده تصريح طونيا أمام المؤتمر الذي أعاد تأسيس اتحاد النقابات بتاريخ 13 حزيران/يونيو 1943: «إن الوظائف التي تقلدناها، بوتي وكارو وأنا شخصيا، لم يخولها لنا مؤتمر ولا حتى اللجنة الإدارية، بل خولها لنا فقط رفاق تحدوهم مثلنا الرغبة في الحفاظ على وجود اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب بأي ثمن».
 
هل عُقدت اجتماعات نقابية أخرى لم نجد أي اثر عنها؟ هذا أمر جد محتمل. ومهما يكن مكن أمر، فإنه يبدو أن كل ذلك كان جد محدود، إلا أنه كان مفيدا لمصلحة الشغل المنشغلة بالحفاظ على علاقة معينة مع العالم العمالي. هذا ما كتبه بول لانكر P.Lancre، الذي أصبح رئيس مصلحة الشغل بعد ذهاب مانكَو Mangot، حول الوضعية النقابية بالمغرب في نيسان/أبريل 1941، ثم في كانون الأول/ديسمبر 1942، غداة الإنزال العسكري الأمريكي:
 
«... بعد التعبئة، قُلّص النشاط النقابي العمالي بشكل كبير، خاص من طرف المجموعات المنخرطة في ك.ع.ش. ومنذ توقيع الهدنة، أبانت النقابات المسيحية وحدها عن حيوية معينة، فيما يمكن اعتبار نقابات ك.ع.ش. غير موجودة عمليا. وقد نتج ذلك عن وضع القادة، حتى الذين عبروا صراحة عن مناوءتهم للشيوعية، إما في معسكرات الاعتقال أو تحت الإقامة الإجبارية أو في وضعية يحددها ظهيرا 29 آب/أغسطس و20 تشرين الثاني/نوفمبر 1940، أو تم نقيلهم.. وذلك فيما يخص الموظفين الذين كان دورهم أقل أهمية أو كان نشاطهم متقلصا في النقابات» (8).
 
وفي مذكرته المؤرخة بفاتح كانون الأول/ديسمبر 1942، يضيف قائلا: «في الواقع، إن النقابات التي لم تحل في 1941 توقفت عمليا عن النشاط: إذ أنها لا تحصل على الاشتراكات، وقادة النقابات المسيحية بالدار البيضاء، وبعض ممثلي النقابات المنخرطة في ك.ع.ش. سنة 1939 بنفس المدينة، هم وحدهم الذين أظهروا نوعا من النشاط». هذه الإشارات يؤكدها في تقرير تقدم به سنة 1945 حيث تحدث عن الاتصالات التي حافظ عليها مع أعضاء مكتب اتحاد النقابات الكونفديرالية للمغرب الذين ظلوا في الدار البيضاء سنة 1942.
 
وقد سمحت له هذه الاتصالات أن يلمس إلحاح الشغيلة على رجوع رفاقهم المعتقلين. وفي 4 تموز/يوليو 1942، أُرسلت «مذكرة بصدد إجراءات العفو في حق المناضلين النقابيين الموضوعين تحت الإقامة الإجبارية في بودنيب»، إلى الكاتب العام للحماية عن طريق مدير الأشغال العمومية والإنتاج الصناعي والشغل. ويقول في تلك المذكرة: «هذا القرار بالعفو سوف لن يُستقبل بشكل ايجابي فحسب من طرف أوساط العمال والمستخدمين بالدار البيضاء، بل إنه مرغوب فيه بشدة من قِبل هذه الأوساط، إذ أن خيبة أمل قوية عمتهم حين لم يتمتع أي مناضل بقرار العفو بمناسبة عيد الشغل الأخير». وتمت الإشارة إلى حالتين خاصيتين، الأولى تتعلق بمونيي Monnier من نقابة الفوسفاط الذي طُرح التساؤل عن سبب اعتقاله، والثانية تتعلق ببيلي Pellé، وهو وظف في مصلحة الأملاك، يقاسي من فتق خطير «ناتج عن الشغل الإجباري».
     
وتلا ذلك تبادل للمذكرات بين الكاتب العام للحماية ومدير الديوان المدني للمقيم العام (11 تموز/يوليو 1942) ومدير الإنتاج الصناعي والشغل... وأخبر الكاتب العام للحماية، مدير الإنتاج الصناعي، عن طريق مذكرة «خاصة ومهمة» بتاريخ 30 تموز/يوليو 1942، بأن الاجتماع سيعقد يوم 7 آب/أغسطس لمناقشة الموضوع وتقديم «مقترحات مبرّرة» إلى مقيم العام. غير أن مديرة الشؤون السياسية، أخبرت يوم 7 آب/أغسطس الكاتب العام للحماية ومدير الإنتاج الصناعي بأن الطلب المقدم قد دُرس بدونهما وتم رفضه في 18 تموز/يوليو. وتكشف هذه الطريقة الوقحة عن جبروت مديرية الشؤون السياسية ومديرها سيكو Sicot (9).
 
لماذا البحث عن مراعاة أوساط وأشخاص يعتقد بأنهم حُطموا وأُرغموا على الخضوع؟ لقد تخلصت هيئة الموظفين من جميع عناصرها الخطيرة، ومنعت وحلت مجموعاتها التي كانت تشكل هيكل النقابية بالمغرب. وتم تعويض هؤلاء الموظفين بعناصر من مقاتلي اللفيف الفرنسي المخلصين للنظام؛ وزود هذا اللفيف الإدارة أيضا بالعناصر الضرورية لسير المصالح الاقتصادية للتموين والتوزيع المتعددة، التي أنشئت منذ توقيع الهدنة.
 
 
 
 
 
 
 
.17-جبروت أرباب العمل
إن قبول نوكَيس للهدنة واعترافه بنظام فَيشي، قد ضمنا في المغرب انتصار كافة قوى اليمين التي كانت مجمّعة ضمن «اللفيف الفرنسي للمحاربين» و«مصلحة النظام اللفيفي الفرنسي للمحاربين»، كما ضمنها انتصار أرباب العمل الذين تلقوا بحفاوة التصريحات الأولى للماريشال (1).
 
.الولاء المتحمس لنظام فَيشي
 
دون تأخير طالب هنري كروز، رئيس الغرفة التجارية للدار البيضاء منذ 18 تموز/يوليو 1940 بإصلاح مجلس الحكومة؛ وذلك بإلغاء الأحزاب السياسية وإدماج الممثلين المؤهلين للتجمعات المهنية، وتطهير الإدارة العليا، وإلغاء نقابات الموظفين، والدفاع عن العائلة وعن الروح الوطنية. وقد تضمن هذا البرنامج، الذي لقي تأييدا من طرف كافة الغرف التجارية والصناعية والفلاحية، رغبة صارمة في عدم تكرار أحداث سنوات 1936 و1937 و1938. وخلال هذا الصيف، استقبل هنري كروز من طرف الماريشال بيتان في فَيشي. وعند عودته إلى المغرب، أعرب لزملائه عن إعجابه بـ«الوضوح التام» و«الهدوء والرصانة الثابتين» اللذين «يسير [رئيس الدولة] بهما السياسة الجديدة لفرنسا. يمكن تحديد هذه السياسة مثاليا بالعودة إلى القيم الفرنسية العليا: التربية والعائلة والوطن، وفعليا بالعودة إلى العمل المنهجي... وهذه المفاهيم مألوفة لدينا» (2).
 
ومع مرور الأسابيع والشهور، وبقدر ما اتضحت من وراء الكلمات الممارسة الاقتصادية والاجتماعية للنظام الجديد المتجه نحو الفئوية، وجبروت أرباب العمل ووضع الشغيلة تحت الوصاية، كان الحماس يتنامى. فكانت الغرف التجارية تبعث في كافة المناسبات برقيات «إجلال» و«ولاء» للماريشال وتجدد «ثقتها» في الجنيرال نوكَيس.
 
الواقع أن الأمور كانت تسير وفقا لرغبتها. إذ أصبح أرباب العمل عمليا أسياد الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فالمجموعات الاقتصادية التي أنشأها ظهير 8 كانون الأول/ديسمبر في كل فرع من فروع الصناعة والتجارة كانت تعد برامج الاستيراد والتصدير، وتدبر القطاع التابع لها. وكان يترأسها قادة الغرف التجارية أو قادة اللجنة المركزية لرجال الصناعة. وكان موقف هذه اللجنة هو السائد دائما في مختلف الهيئات التي كانت تعمل أو التي تم إنشاؤها كما أن رئيسها كان مستشار الإقامة الكتوم والمسموع، وفضلا عن هذا، استفاد الاستيطان، خلال سنتي 1941 و1942، من ازدهار لم يعرفه منذ مدة طويلة.
 
.الإثراء
 
أمنت شروط مناخية ايجابية محاصيل وافرة، رغم اهتلاك الآلات، في ضيعات الحبوب الكبيرة وفي حقول الكروم والفواكه وفي استغلاليات الخضراوات. فارتفعت الأسعار، وتم تسديد الديون الأخيرة ووضعت ودائع هامة في الأبناك.
 
وأصيبت الأنشطة الصناعية والتجارية بدورها بالحمى. فالتيارات المعتادة للاستيراد والتصدير تغيرت رأسا على عقب بسبب الحرب دون شك. انخفض نشاط البناء والأشغال العمومية الكبرى إن لم يكن قد توقف، بسبب قلة المواد. وأقفلت بعض المناجم أبوباها أو خفضت نشاطها لعدم تمكنها من التصدير، ما عدا منجم جرادة الذي يستخرج منه الفحم. غير أن صناعات تعويضية برزت لتسد النقص الحاصل في مواد الاستهلاك الواسع التي كانت تستورد سابقا. وهكذا أنشئت أو تطورت صناعات النسيج (إنتاج الأنسجة الصوفية، والملابس الجاهزة) والتغذية (سمك، لحم، مربى، مصبرات، زيت) والكيمياء (مصانع الصابون) والجلد (مدابغ، مصانع أحدية). وإلى جانب العديد من المعامل الصغيرة التي استخدمت آلات مستعملة، أنشئت بعض المقاولات الكبرى، مثل لوسيور-افريقيا، أو مصانع النسيج: غزل ونسيج المغرب  (فلتيما)، شركة التنسيل والغزل والنسيج وتجهيز الأقمشة (سيفيتا)- التي أسسها الإخوان سيلفَيستر دو فَلانس- بمكناس. وقد حظيت التعاضديات الحرفية في الأحياء القديمة هي أيضا بإقبال مهم على منتوجاتها.
 
وتضاعف عدد المؤسسات التجارية للقيام بالمبادلات داخل البلاد ومع فرنسا التي كان من اللازم تموينها، وتموين ألمانيا الهتليرية عبرها.
 
ومما يدل أكثر من غيره على هذا الازدهار في الأنشطة الاقتصادية هو مبلغ الرساميل المستثمرة في الشركات خلال هاتين السنتين؛ فقد وصل إلى حوالي 22 مليار فرنك لسنة 1955، أكثر من نصفه وظف في الصناعة (3). وهذه الرساميل فرت من فرنسا أو أتت من ادخار محلي تضخم ببيع منتوجات لفرنسا المحتلة. وقد أعطى توافد اللاجئين هو أيضا دفعة للازدهار الاقتصادي. فأعداد الجالية الأوربية التي كانت تصل إلى 219000 شخص، انتقلت حسب الإحصائيات إلى 250000 سنة 1940، وإلى 275000 سنة 1941 وإلى حوالي 300000 سنة 1942 (4).
 
.المغاربة
 
كان محتما على المغاربة أن يتأثروا بنتائج هذه الظروف السياسية والاقتصادية الجديدة.
 
فقد ارتفع عددهم، الذي بلغ ربما حوالي 7 ملايين، واشتد التوافد على مدن الشمال خلال سنتي الأزمة، 1937 و1938. وكانت الدار البيضاء تضم حوالي 250000 مغربي من ضمن 400000 نسمة. وكانت السلطات المكلفة بإدارتهم تسعى –مع المحافظة على الصرامة- إلى استعادة الهيبة المفقودة نتيجة الهزيمة [أمام ألمانيا الهتليرية]. فكانت القيود أقل أعباء، لأن السلطات أعطت لنفسها مهمة محاباة الحلفاء (الميثاق الأطلسي) ودعاية قوى المحور، وكانت للشرطة الاستعمارية انشغالات أخرى أيضا، لاسيما البحث عن المشتبه فيهم وعن المقاومين ومتابعتهم. وقد تابع الجنرال نوكَيس في المغرب سياسة الإغراء والمحاباة.
 
وشجع توالي المحاصيل الزراعية الجيدة منذ 1939 أغراضه كثيرا. فمحاصيل 1941 و1942 التي بلغت 35 و31 مليون قنطار على التوالي، بالنسبة للمغاربة وحدهم، كانت ذات وفرة استثنائية، وحصل نفس الشيء بالنسبة لمحصول القطاني والفواكه. وكانت الماشية كثيرة. وتوفرت التغذية الكافية لسكان البوادي الذين باعوا فائض محاصيلهم الزراعية وماشيتهم. واستأنفوا شراءاتهم من التجار وحرفيي المدن الذين كانت قد استنزفتهم الأزمة. وبدأ كبار التجار تصريف مخزوناتهم بأثمان مرتفعة؛ تقلّصت حدة الغضب والمطالبات في جميع الأوساط.
 
أما شغيلة المدن والقرى، فهناك عدة عوامل أثرت على شروطهم وسلوكهم.
 
إن تطور كافة أنشطة الاستعمار في الاستغلاليات القروية، وفي المقاولات الحضرية، وبموازاة ذلك، تراجع المكننة بسبب عدم توفر الآلات الضرورية، أدى إلى تضاعف الطلب على اليد العاملة. غير أن المحاصيل الجيدة في البادية وصعوبات المعيشة في المدن، حيث تضاعفت الأسعار مرتين سنة 1941 وثلاث مرات سنة 1942 بالقياس لسنة 1939، قلصا من حجم الهجرات القروية. وكان العديد من الشغيلة المستقرين في المدن قد جذبتهم الحرف الصغيرة التي يفوق مدخلها مدخول العمل المأجور. وترتب عن هذا توتر في سوق العمل، الذي ذكّر في بعض تجلياته مرحلة 1928-1929، لاسيما في موسم الصيف حيث كان رجال الصناعة والمستوطنون الزراعيون يتنافسون فيما بينهم.
 
.الإجراءات التشريعية والواقع.
 
لقد أقلقت هذه الوضعية أرباب العمل والإقامة (5)، فرغم أن كابوس النقابات قد اختفى، إلا أن جبهة أرباب العمل لم تكن متراصة، بل أضعفها تنافس المصالح أو اختلاف التقييمات، لاسيما بين اللجنة المركزية لرجال الصناعة الممثلة لكبار أرباب العمل والتي تميل إلى سياسة اجتماعية متفتحة أكثر، والغرف التجارية، حيث يعارض صغار ومتوسطو أرباب العمل كل ما من شأنه أن يرفع تحملاتهم الأجرية. وقد ساعدت هذه الاختلافات الإقامة على تمرير بعض الإجراءات التي كانت تعتبرها ضرورية.
 
في نيسان/أبريل 1941، تم ضبط لوائح الأجور، وتم تحديد دقيق لفئات الشغيلة- كان المغاربة والأوربيون منفصلين بوضوح- وتم تثبيت الحدين الأدنى والأقصى للأجور في كافة فروع النشاط الصناعي والتجاري.
 
كان الهدف المنشود يتضمن ثلاثة جوانب: الحيلولة دون انهيار الأجور الدنيا؛ تفادي ارتفاعها السريع جدا في الفترات التي تقل فيها اليد العاملة المختصة؛ وأيضا تفادي الإغراءات بترك العمل. وكان الظهير يُلزم المشغّلين بمسك لوائح الأجور ومنح شهادة للعمل تتضمن إشارة إلى الأجر الأخير الذي حصل عليه كل شغيل غادر عمله، وعدم تشغيل عامل لا يملك تلك الشهادة، لأن الأجر المؤدى في الشغل الجديد، يجب أن لا يتجاوز الأجر القديم طيلة ستة أشهر، وإذا لم يحترم المشغلون مقتضيات هذا الظهير فإنهم سيتعرضون لعقوبات.
 
ومُنحت امتيازات لتشجيع المأجورين الأوفياء: مكافآت الأقدمية، حصص من المواد المقنّنة، إنشاء مطاعم، توزيع ملابس الشغل.
 
وتتدخل الحكومة أيضا في موسم الحصاد «للحيلولة دون إخلاء المعامل والورشات ودون منح أجور جد مرتفعة، لأن المستوطنين الزراعيين الأوربيين أو الأهليين لن يترددوا في دفعها، نظرا لرغبتهم في تشغيل اليد العاملة الضرورية لهم بأي ثمن» هكذا، حدد مرسوم، في نيسان/أبريل 1942، أقصى أجر يومي للعامل الزراعي في 16 فرنكا مع توفير الطعام وفي 20 فرنكا بدونه (6). يوسع هذا المرسوم إذن تطبيق أجر العامل اليدوي الصناعي على القطاع الفلاحي. وقد حدد هذا الأجر في فرنكين اثنين للساعة مقابل 1.75 ف. سنة قبل ذلك، وهو أجر هزيل لا يضمن للعامل –إذا ما اضطر إلى الاكتفاء به- حتى قوة شرائية مساوية للقوة الضعيفة جدا التي كانت له سنة 1938.
 
ولم تبد الغرف التجارية ارتياحها إزاء مقتضيات ظهير 12 نيسان/ابريل 1941 الذي يحدد سلم الأجور ويشجع على مراقبتها، وينص على عقوبات. غير أن هذه المقتضيات لم تزعجها كثيرا، إذ لم يتردد أرباب المقاولات، بدافع مصالحهم، في ممارسة الإغراء والمزايدة أو تكسير الأجور حين تكون الظروف مواتية. كما أنهم، بمبرر ندرة اليد العاملة كانوا لا يحترمون مدة العمل الأسبوعي المحددة بـ 48  ساعة. إذ كانت «حصص الساعات الإضافية تمنح لهم بكل حرية». وفي عدة مقاولات انتقلت مدة العمل الأسبوعي، منذ 1941، إلى 54 بل إلى 60 ساعة. «وكانت الإجازات السنوية المؤدى عنها تستبدل، إذا ما احتسبت، بتعويضات مقابلة (7).
 
وعلى عكس ذلك، قبلت الغرف التجارية في نيسان/أبريل 1942، تحت ضغط اللجنة المركزية لرجال الصناعة، إنشاء «صندوق للمساعدة الاجتماعية»، تموله اشتراكات المشغلين، والذي يدفع أجرا إضافيا عائليا للمأجورين «غير المغاربة أو من شابههم»، هذا الإجراء، بتخفيف للعبء العائلي الذي يتحمله العامل الأوربي، سيلغي في نظر اللجنة المركزية لرجال الصناعة، الزيادة في الأجر الأساس التي ستشمل لا محالة الشغيلة المغاربة، وهؤلاء يشكلون القسط الأكبر من اليد العاملة. وتم دفع الأجر الإضافي ابتداء من فاتح أيار/مايو 1942، وأضيفت إليه بالنسبة للمأجورين الفرنسيين وكما هو الشأن بالنسبة لباقي أعضاء الجالية الفرنسية، امتيازات عدة: تعويض عن الأجر الوحيد، مكافأة عن الولادة ابتداء من فاتح تشرين الأول/أكتوبر 1942 (8).
 
هكذا حافظت السياسة المقيمة وسياسة أرباب العمل بعناية على التمييز بين المغاربة والأوربيين. فالمغاربة كانوا أكثر عددا، وبالتالي كان من اللازم الحفاظ على أجورهم في أدنى حد ممكن كيفما كان مستوى الأسعار.
 
غير أن الإقامة، المهتمة بهدوء وطمأنينة «محمييها» عملت، بواسطة تدخل مفتشي الشغل والسلطات المحلية، على الحد من التجاوزات حين تكون صارخة وتولد بعض الاضطرابات، فيما عمل كبار أرباب العمل، سعيا منهم إلى الحفاظ على مستخدميهم الأوربيين وتثبيت نواة مستقرة وذات خبرة من الشغيلة المغاربة، على احترام بنود اللائحة وعلى توزيع الكميات الإضافية من المواد الغذائية ومن المنتوجات المقننة عوض تمريرها إلى السوق السوداء كما كان يفعل العديد من رؤساء المقاولات.
 
.فاتح أيار/مايو 1942: عيد الشغل وعيد سان-فيليب
 
في ظل هذا المناخ، لم تعد قضايا تنظيم الشغيلة هي الشغل الشاغل للإقامة ولغرف أرباب العمل. فبعد 1936، كان الأمر يتعلق قبل كل شيء بمنع تنقيب المغاربة والدعوة إلى العودة إلى تلك المؤسسة التقليدية القديمة المدعاة التعاضدية، في حين أن حكومة فيشي، بعد أن تركت النقابات تقوم بنشاطها آملة كسب تأييدها للنظام الجديد، أصدرت في تشرين الأول/أكتوبر 1941 ميثاق العمل الذي يضبط النظام التعاضدي وفقا للنماذج البرتغالية والايطالية. فتم إذن توسيع نظام التعاضدية ليشمل الأوربيين بينما كان في الأصل مقررا للمغاربة وحدهم. وصادقت الإقامة على ذلك وصفقت له غرف أرباب العمل. لكن لم يسرع أحد في تنفيذه، إذ ماذا سيفيد مباشرة نظام من هذا القبيل؟ مادام أرباب العمل أقوياء والعمال مقهورين، والنزاعات بين الرأسمال والعمل غير محتملة؟
 
ويبرز هذا الارتياح بجلاء في الكلمة التي ألقاها السيد ساهوك Sahuc مدير الشركة المغربية للسكر في معمله يوم فاتح أيار/مايو 1942، فقد تم اختيار شركته للاحتفال الرسمي بعيد الشغل وفي نفس الوقت أذيع خطاب الماريشال في جميع مصانع الدار البيضاء ليسمعه العمال المجتمعون. وقد حضرت هذه المناسبة السلطات الجهوية وممثلو كل من أرباب العمل والعمال، إضافة إلى عمال المقاولة المغاربة والأوربيين. وبعد تعبيره عن شكره للشرف الذي أنيط به، وإشارته إلى أن «أول كيس للسكر الخام أفرغ في مصاهرنا» في نفس اليوم 10 سنوات من قبل، أضاف المدير قائلا: «لقد شاءت العناية الإلهية أن يكون فاتح أيار/مايو أيضا يوم سان-فيليب. وهكذا ستضمون إلى عيد الشغل الماريشال فيليب بيتان، رئيس الدولة الفرنسية، أول عامل في فرنسا وفي الإمبراطورية، الذي أعاد بناء بلادنا تحت شعار: العمل-العائلة-الوطن.
 
«هذا ما نحتفل به اليوم. في نفس الوقت الذي نحتفل فيه بالوئام الاجتماعي الذي نعرفه جيدا أنتم وأنا، لأنه يوجد منذ زمان كقاعدة لعلاقتنا.
 
«منذ بضع سنوات، حاول بعض المحرضين المحترفين سعيا وراء أهداف مُشينة، أن يزرعوا البلبلة في الأذهان. وألقيت هنا بالذات كلمات مفعمة بالحقد إزاء الرؤساء. غير أن هذه المرحلة المحزنة قد ولّت».
 
وتمت ترجمة كل من خطاب المارشال وكلمة ساهوك إلى العربية كدليل على الرغبة في التأثير على الشغيلة المغاربة. ما هي سيرورة الفكر العمالي المغربي خلال هذه المرحلة المتسمة باضمحلال الحركة النقابية؟ من الصعب الإجابة عن السؤال. غير أنه من المؤكد أن ذكريات النضالات الكبرى المشتركة والفعالية النقابية لازالت حية في أذهان الأنوية المستقرة في المدن والعناصر المشتتة.
 
من المؤكد أن تأثير نقابات ك.ع.ش. كان هاما بعد 1936، وأن الشغيلة المغاربة كانوا يعتبرونها المدافع الفعال والنزيه عنهم لدرجة أن المئات منهم انخرطوا فيها. ومع تقلص أنشطة المناجم والأشغال العمومية، ضعفت التمركزات العمالية الشديدة البأس والمرعبة. فيما كانت اليد العاملة المتوفرة، تحصل بدون عناء كبير على الأجور الدنيا القانونية، لأنها كانت مطلوبة من طرف الأنشطة الفلاحية والصناعية والحرفية، لأنها لم تكن كافية نسبيا مقارنة مع الطلب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18.المقاومات
 
ومع ذلك لم يكن الجميع راضيا على حالة، تغمر مطامح الأوساط الاستعمارية التي تنزع، بحكم أفكارها المسبقة أو مصالحها، إلى النظام التعاضدي وإلى عبادة الزعيم.
 
فلم يتخل الوطنيون المغاربة عن آمالهم، إلا أنهم ظلوا صامتين ويلاحظون في انتظار اتخاذ موقف معين. واتخذ عاهلهم نفس الموقف.
 
وكانت الجالية الفرنسية والأجنبية التي ضخمتها الهجرة، تشهد ذهابا وإيابا متواصلا من الرجال والنساء ومن الجنود المعبئين أو المقبلين على التسريح. وكانت مكائد مختلفة الدلالات تحاك سواء سرا ضد المراقبة العسكرية للجن الهدنة الألمانية والايطالية، لكن بوفاء تام لنظام بيتان، أو بوضوح ضد الاستسلام وضد نظام فيشي.
 
وقام بعض المطارَدين بالاستعلام وربطوا علاقات في الدار البيضاء مع مستخبرين بريطانيين وأمريكيين وعن طريقهم مع لندن وفرنسا الحرة، وبذلوا مجهودات استقطابية لفائدة فرنسا الحرة (بمساعدة فرنسيي المغرب)، واستقبلوا المبعوثين المكلفين بربط الاتصالات وضمنوا انتقالهم إلى الجزائر. وكانوا بواسطة أجهزة الإرسال، يخبرون الانجليز الموجودين في جبل طارق بتحركات البواخر الألمانية (1).
 
وسجل الفرنسيون اللبيراليون –اليهود والماسونيون المطرودون والنقابيون المنقَّلون والاشتراكيون والشيوعيون الذين لم يعتقلوا- تحفظهم باستثناء بعض الأفراد الذين انقلبوا إلى صفوف اللفيف الفرنسي للمحاربين أو آخرين، من أتباع بيلين Belin–الذي أصبح كاتب الدولة في الشغل وفي الشؤون الاجتماعية بحكومة فيشي- الذين كانوا يأملون في المساعدة على إنشاء حركة نقابية «مطهّرة».
 
و كما في فرنسا، بدأ الناس هنا يستمعون إلى إذاعة لندن التي كان الناطق باسم فرنسا الحرة يدلي عبرها بتصريحاته. ثم بعد جس متبادل للنبض واستطلاع متبادل اقترب الناس فيما بينهم في المقاولة والمهنة وفيما بين الجيران أو الرفاق القدامى. فجاءت العمليات متعددة، ومبعثرة، معتمدة بشكل واسع على المبادرة الشخصية.
 
كانت الشرطة ساهرة على سير الأمور، وأُحكمت مراقبة صارمة على مستوطنين زراعيين صغار اشتراكيين في تادلة، كَاسطون بلانو وأوجين بومار ومارسيل لمورو -«الفرسان الثلاثة» كما كان يدعوهم جيرانهم- الذين بحكم أقدميتهم وعلاقاتهم الوطيدة مع فلاحي السهل ومع رُحل الأطلس المتوسط أصبحوا أشخاصا مشبوهين. وخضع كَاسطون ديلماس- معلم تم طرده وإلزامه بالإقامة الجبرية- لنفس المراقبة. وتم الإنزال العسكري الأمريكي، الذي تم في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1942، ثم اعتقالهم وحجزهم مباشرة.
 
وتم اعتقال بعض الماسونيين من أمثال، ماتييي وبالوانتوناشي Paoloantonacci وفيالا Viala، بتهمة «المس بالأمن الداخلي والخارجي للدولة»، ونقّلوا إلى كليرمون-فيران Clermont-Ferrand، ثم أطلق سراحهم بعدم المتابعة (نيسان/أبريل 1941). وحُكم على شيوعيين، جان بونس J.Pons (المتهم بإهانة كرامة الماريشال في رسائله) والايطالي لييوناردوا تابون L.Tabone (لمحاولته إعادة تأسيس خلية) بالسجن لمدة ثلاث سنوات بالنسبة لأول، ولمدة ست سنوات بالنسبة للثاني، والاثنان هلكا من جراء ظروف اعتقالهما الصعبة أو على إثر سوء معاملة الشرطة لهما. وفي نفس الظروف توفي فيلكس كَيدج F.Guedj، نقيب المحامين بالدار البيضاء سابقا، الذي احتجز بسبب تسهيله ذهاب ابنه ماكس إلى طنجة ولندن (2).
 
ومع مرور الشهور، أخذ العمل يتناسق، غير أن مجموعات الدار البيضاء، التي كانت تعمل باتفاق مع المخابرات الأمريكية والانجليزية، فُككت على إثر سلسلة من الاعتقالات في نيسان/أبريل 1942. في حين أن الشيوعيين وآخرين معهم تمكنوا من بلورة أشكال تنظيمية أولية دون أن يثيروا انتباه الشرطة.
 
وفي تموز/يوليو وآب/أغسطس 1940، غداة تسريح الجنود، تم الإقدام على الخطوات الأولى في الدار البيضاء مع بعض المحامين والأساتذة والمعلمين والمستخدمين والعمال والاسبانيين والايطاليين، الذين كان معظمهم يتعارفون فيما بينهم. ولم يكن الأمر بنفس أندري لوروا وروبير فور، أن يدخل بمهارة فائقة ضمن مجموعة الدار البيضاء.
 
وعند نهاية كانون الأول/ديسمبر 1940 انغلقت الهياكل، إذ تشكلت مجموعات تضم ثلاث أو أربع خلايا تحركها لجنة قيادية كانت تمدها عن طريق قنوات مختلفة بالأخبار وببعض المناشير لتوزعها. كانت هذه الهيئة تضم ليون سلطان واثنين أو ثلاثة من رفاقه (3) وكانت لها علاقات وطيدة مع الشيوعيين الاسبانيين والايطاليين المناهضين للفاشية، وذلك عن طريق هنري راموس وإيميل فَييران. وكانت بعض الأنوية الشيوعية توجد أيضا في الرباط ومكناس ووجدة.
 
وكان الاهتمام منكبا على الأخبار الواردة من الخارج –فدخول الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في الحرب أحيى الآمال من جديد- وعلى مجريات العمليات العسكرية وكذا على تحليل الوضعية في البلاد.
 
فاعتُبر النضال ضد الفاشية، والعمل على هزم قوى المحور (ألمانيا، ايطاليا واليابان) كأول هدف يجب تحقيقه. إلا أن ليون سلطان ورفاقه لم ينسوا أنهم يوجدون في بلد يطمح سكانه إلى الاستقلال وبأن أحد أهداف الحرب التي صرح بها الحلفاء في الميثاق الأطلسي هي إعادة حقوق السيادة «للشعوب التي حرمت منها بالعنف» (المادة 5). واعتقدوا بأن الوقت حان للذهاب أبعد مما ذهبوا إليه خلال السنوات التي سبقت الحرب. وتحدد هدفهم في جعل حزبهم حزبا مغربيا عليه أن يطرح مطلب الاستقلال.
 
وخلال سنة 1942، وبموازاة مجيء شيوعيين آخرين أو عاطفين، وبالخصوص أساتذة، من فرنسا تم التعرف على نداءات الحزب الفرنسي إلى خلق تجمعات كبرى. فتنوعت الاتصالات إذ ذاك، وبدأ تشكيل مجموعات «التحرير» الخاصة بالنشاط العملي، في الدار البيضاء. وتم ربط اتصالات حتى مع بعض ضباط المقاومة.
 
وبدأت لجنة مركزية في الاشتغال، وفي أيلول/سبتمبر، عقدت أول اجتماع لها برئاسة ليون سلطان، اتخذت خلاله قرارا مزدوجا؛ مضاعفة الجهود من أجل إنشاء حركة واسعة للمقاومة ستدعى «جبهة التحرير»؛ والدخول في حملة دعائية وتوضيحية إزاء المغاربة. وذلك بتبيان أن المغرب عكس ما يدعيه وطنيو المنطقة الاسبانية، لا ينتظر أي شيء من ألمانيا النازية، وعليه عكس ذلك أن يتحالف مع معسكر الحرية الأكثر قابلية لتشجيع مطامحه الوطنية. وتقرر أيضا تكثيف الجهود تجاه بعض التجمعات الأخرى بغية تأسيس جبهة للمقاومة. ومع بداية تشرين الثاني/نوفمبر كانت دراسة المشروع جد متقدمة، حين حدث الإنزال العسكري الأمريكي.
 
بدأ الهجوم في صباح يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1942، دون إخبار مجموعات «التحرير» بذلك، خلال ليلة 7-8 تشرين الثاني، لم يتمكن بعض المتمردين بقيادة الجنيرال بيتوار Bethouart من القبض على المقيم العام الذي أعطى الأمر بالمقاومة. ونتجت عن ذلك أعمال تخريبية وسقط موتى. وقرر نوكَيس الذي اضطر إلى اللجوء إلى مكناس بدون السلطان الذي رفض مصاحبته، قرر بعد أربعة أيام وقف القتال. وفي ليلة 9 تشرين الثاني/نوفمبر، عقد بالدار البيضاء الاجتماع الذي تم تحضيره بضعة أيام من قبل، بالرغم من المراقبة الصارمة التي كانت مصلحة النظام اللفيفي تقوم بها. فتم تأسيس «جبهة التحرير» وتعيين مكتب مؤقت بقيادة بول أورانج P.Aurange.
 
وبعد الإنزال العسكري الأمريكي، تمثلت المهمة الأساسية بالنسبة للفرنسيين الذين ناهضوا النظام القائم، في إنهاء الغموض الذي عملت السلطات العسكرية الأمريكية على الحفاظ عليه في المغرب والجزائر، سعيا منها إلى إعطاء دفعة قوية لمجهودها الحربي ضد القوات الألمانية-الايطالية. وقد ترك الحلفاء –الذين تم انتظارهم كمحررين- جهاز فَيشي قائما بذاته.
 
وبما أن الاحتجاجات كانت جد قوية، فقد كان من اللازم في شهر كانون الأول/ديسمبر إفراغ معسكر الاعتقال ببودنيب الذي تميز المحتجزون فيه بالصمود. فالتحقوا بأهلهم وأصدقائهم ومجموعاتهم السياسية.
 
هكذا أتى الشيوعيون ليدعموا حزبهم الذي ضاعف من عمله التنظيمي. وحدّدت اللجنة المركزية الثانية في اجتماعها المنعقد في 26 أو 27 كانون الأول/ديسمبر، مهام الحزب الشيوعي المغربي. وبضعة أيام بعد ذلك، أصدرت جريدة «الوطن» في عددها الأول مقالا يطالب فيه الحزب باستقلال المغرب (4).
 
وكان ثلثا المعتقلين الذين أطلق سراحهم نقابيين. فعملوا صحبة النقابيين الذين لم يعتقلوا على إحياء التنظيمات النقابية التي حافظت على بعض ملامح هياكلها، وكان على الجميع أن يبذلوا مجهودات جبارة ويتغلبوا على عدة مقاومات لإعادة الروابط فيما بين تلك الهياكل. وفي 13 حزيران/يونيو 1943، أعيد تأسيس اتحاد النقابات الكونفيديرالية للمغرب (ك.ع.ش.) في مؤتمر الدار البيضاء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
خاتمة
 
 
تلك هي جذور الحركة النقابية بالمغرب وتطوراتها وتقلباتها خلال ربع القرن الذي تلا الحرب العالمية الأولى.
 
بغض النظر عن التجمعات الودادية التي استمرت في الوجود وعن بعض النقابات المسيحية التي ظهرت بشكل متأخر، فإن هذه المعطيات تخص الاتحاد الجهوي لـ«ك.ع.ش» الفرنسية. وهون اتحاد فريد من نوعه لكونه نشأ في بلد مستعمر، يستوطنه عدد هام من الأوربيين، ووجد نفسه في احتكاك مع شعب وشغيلة مقهورين.
 
وكانت المشاكل التي برزت ذات مستويات عدة. فهل ستكون للعلاقات بين شغيلة مختلفين قوميا وظروفا، طبيعة مماثلة للعلاقات التي فرضها الغزو بين المسيطرين والمسيطَر عليهم؟ أو أنها ستتخذ طابعا آخر؟ وفي هذا المضمار ما هي ردود أفعال المجموعات المتواجدة: الشغيلة والمناضلون الفرنسيون؛ الشغيلة المغاربة والوطنيون الشباب، أرباب العمل والإقامة؟
 
لقد احتل مستخدمو المصالح العمومية والمعلمون والجمركيون والبريديون وشغيلة الدولة المتشبعون بإيديولوجية ذات نزعة اشتراكية وإصلاحية المكانة الأولى في تلك الحركة البطيئة أحيانا والمتقلبة أو المأساوية أحيانا أخرى. باعتبارهم مؤسسين للحركة النقابية، فقد استمروا بدعامة السككيين وعناصر أخرى، في تنشيطها بعد 1936، حيث اتخذت بوضوح أكثر طابع حركة عمالية.
 
وفي الأصل، أنيطت بـ«الوداديات» و«المجموعات المهنية» المؤسَّسة، مهمة الدفاع عن مصالح شغيلة القطاع العمومي، وبشكل ثانوي الدفاع عن مصالح المأجورين الأوربيين الذين لا يحميهم أي شيء في هذه الدولة المحمية التي فُتحت حديثا للأنشطة العصرية والخاضعة للسلطة العسكرية.
 
وبعد تأسيس الاتحاد الجهوي، يوم 22 حزيران/يونيو 1930، دفع المشروع والدينامية النقابية بالمناضلين إلى تقديم مطالب كافة الشغيلة بدون تمييز.
 
ودفعتهم أحداث 1934 و1935 إلى المضي إلى الأمام. إذ تميزت هتان السنتان بحركة مزدوجة: تكثيف الوطنيين الشباب لنشاط التعريف ببرنامجهم للإصلاحات، ووعي الليبراليين الفرنسيين بوجود حركة وطنية في المغرب وبالخطر الذي يهدد الحريات من جراء تصرفات اليمين في فرنسا. وبدأت أعداد المنخرطين في الفروع الاشتراكية وفي النقابات تتنامى من جديد. وفي وسط جيل الجبهة الشعبية هذا تكون أولئك الذين سيؤسسون، بعد تشرين الأول/سبتمبر 1936، الحزب الشيوعي.
 
وقد أعرب الاشتراكيون الثوريون والاشتراكيون الأورتذوكسيون –بنوع من التحفظ- الشيوعيون، حين كان بإمكانهم أن يعبروا عن آرائهم باستقلال، أعربوا عن اتفاقهم مع برنامج الإصلاحات المُقدَّم من طرف الوطنيين الذين لم يذهبوا حينئذ أبعد من ذلك.
 
أما النقابيون، سواء كانوا اشتراكيين أو شيوعيين، فقد بدأوا يعتبرون أن استقطاب الشغيلة المغاربة –الذين بحكم التقارب الطبقي لا يمكنهم إلا الارتباط برفاقهم الأجانب- سيدعم وزن وفعالية التنظيمات العمالية، فتكثف النشاط إذ ذاك لتلبية المطالب المادية، وكذا لانتزاع الحق النقابي للجميع.
 
إن القطيعة التي حصلت في العلاقة التقليدية بين القوى الاجتماعية والسياسية في فرنسا سنة 1936 والتي تجلت في انتصار الجبهة الشعبية وانعكاساتها على المغرب، واندلاع إضرابات حزيران/يونيو 1936 وإضرابات سنة 1937 بفعل تقليد عفوي، مكنت من تلبية مطالب طرحت منذ 1931 وكانت ترفض بعناد.
 
فمنح الحق النقابي للأوربيين (كانون الأول/ديسمبر 1936) ولكنه منع على المغاربة. وكان يختفي خلف المبررات المقدَمة –قلة النضج وايجابيات التعاضدية العتيقة- التخوف من أن يأخذ الشغيلة المغاربة بيدهم الدفاع عن مصالحهم وينخرطوا في النضال الوطني. ولقد كانت أمثلة سوريا ولبنان ومصر وتونس، حيث كانت الحركة العمالية تحت تأثير أحزاب شيوعية أو بورجوازية صغرى، تبعث على القلق. ولم يكن مثال الجزائر مطمئنا أكثر: إذ كان المناضلون العمال المكوَّنون في النقابات الثورية أو الإصلاحية، يتواجدون فيما بعد ضمن اتحادات جهوية موحدة من جديد بغية حلب آلاف الشغيلة إلى ك.دع.ش. مختلطة.
 
وقبل المناضلون الفرنسيون المستقرون بالمغرب تقليص الحق النقابي وهم مقتنعون بقدرتهم على إزالة هذا التقليص إلا أنهم كانوا يجهلون قوة معارضي هذا المشروع الذين، بحكم هيمنتهم على الإقامة، استطاعوا كسب وزراء الجبهة الشعبية. ولقد تعرفنا على خطورة الأزمة التي أحدثها في صفوف الحركة النقابية ظهير 24 حزيران/يونيو 1938، الذي اتُّخذ لمنع أي تنقيب للمغاربة.
 
لكن ما هو واقع الشغيلة المغاربة؟ ما هو واقع أولئك الذين اندمجوا في القطاعات العصرية للإنتاج والتبادل؟
 
 لقد ارتفع عددهم مع توسع وتنوع أنشطة الاستعمار في الزراعة والصناعة والتجارة والإدارة؛ إذ انتقل من بضعة آلاف سنة 1919 إلى حوالي 200 ألف سنة 1939. بعضهم كانوا حرفيين تعرضوا للإفلاس. ومعظمهم أتوا من كتلة غير متمايزة ومتقلبة من القرويين المستئصلي الجذور الذين لم يقطعوا كال الأواصر مع وسطهم الأصلي، إما لأنهم يعودون إليه دوريا وإما لأنهم يجدون فيه ما يأويهم وما يسد رمقهم في أوقات العوز.
 
غير أنه ظهر خلال الدراسة أن مجموعة من الشغيلة تشكلت في مقاولات المدينة وفي الأوراش والمناجم، تحت تأثير الاستغلال المعاش والمحسوس، وبفعل المثال النقابي؛ وكانت هذه المجموعة قادرة على التشاور والعمل، وتمثل نواة لتبلور طبقة عاملة في طور التشكل.
 
وخلال النضالات، برزت شخصيات قوية؛ وفرض «محرضون» أنفسهم بفضل خطبهم، منددين بالظلم وداعين إلى العمل، وكانوا ينتمون إلى النقابة أو متعاطفين معها. إلا ان حملات القمع كانت تحصدهم مباشرة. وكان يوجد ربما من بين هؤلاء، خاصة في الفوسفاط، شغيلة عادوا من فرنسا، متعودون على العمل النقابي، وهم مناضلون مجهولون لحد الساعة، لكن ستظهر أسماؤهم في بعض خفايا أرشيفات الشرطة في فرنسا أو المغرب.
 
هل تضاعف هذا الوعي الطبقي الناشئ بصحوة للوعي الوطني عند البعض؟ وهل أقيمت علاقة بين شكلي الاضطهاد؛ العمالي والوطني؟ تصعب الإجابة عن هذين السؤالين.
 
ومن البديهي مع ذلك أن شغيلة من الأوساط التقليدية بمكناس وفاس والرباط ومراكش، ساهموا بدافع الغضب والتمرد ضد الأجنبي في مظاهرات ضد اعتقال الوطنيين الشباب في أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 1937.
 
وكان الشغيلة القرويو الأصل، المشتتون عبر الأوراش والمناجم أو المجمعون في مدن الصفيح البيضاوية، حساسين بالخصوص إزاء المظالم والاهانات والاضطهادات الممارسة عليهم في المقاولة سواء كانت من فعل رب المعمل أو المدير أو رئيس العمال الأوربي أو من فعل وكلائهم المغاربة: «العريف»، المشغِّل ورئيس الفرقة؛ ورئيس «القرية» في المنجم، ورؤساء القبائل والدواوير. وعلى العكس من ذلك، كانوا يقدرون الدعم الذي يتلقونه من رفقائهم الأوربيين الذين كانوا يساندون مطالبهم ويساعدونهم في نضالاتهم ويتدخلون لدى السلطات القوية. وفي ظل هذه الظروف، نفهم انجذاب الشغيلة المغاربة نحو نقابات ك.ع.ش. التي أعيد تأسيسها غداة تحرير شمال افريقيا [من نظام فيشي].
 
إن كل ذلك معقد بطبيعة الحال وغير محدد بشكل جيد، وهو بذلك على شاكلة واقع وعقلية العمال خلال سنوات 1936-1938. ويتطلب هذا الوضع سنوات أخرى من التنظيم والنضال لكي تتضح أكثر كافة الأمور ولكي يرتبط الوعي الطبقي بالوعي الوطني؛ إذ ذاك ستحتل الطبقة العاملة المكانة الأولى في النضال من أجل الاستقلال.
 
وتجدر الإشارة إلى أن المثقفين الوطنيين الشباب قلّما انخرطوا في العمل النقابي. وليس السبب في ذلك أن هذا العمل تركهم غير مبالين، إذ أنهم طالبوا في «برنامج الإصلاحات» بالحرية النقابية ضمن الحريات الأساسية. وعبروا عن تعاطفهم وتضامنهم مع الشغيلة خلال إضرابات حزيران/يونيو 1936 والفصل الأول من 1937، وربما عملوا على اندلاع بعض الإضرابات في فاس وحاولوا تأسيس بعض النقابات السرية.
 
غير أنه لا يبدو أنهم تعدوا هذا الحد، أي أنهم تمكنوا من المساعدة على تنظيم الشغيلة والتعبير عن مطالبهم وتوفير من يعوض أولئك «المحرضين» الذين كان القمع يحصدهم.
 
فبحكم أصلهم الاجتماعي وتكوينهم، واعتبارا منهم أيضا أن موقعهم لا يوجد ضمن حركة أجنبية في نظرهم، اتجه الوطنيون –مرتكزين على الجماهير الشعبية بالأحياء التقليدية- نحو العمل السياسي الذي كانوا يعتبرونه أساسيا، تاركين للشغيلة الفرنسيين مجال العمل النقابي.
 
وقد استغل هؤلاء الأخيرون جو التسامح الذي تلا مجيء الجبهة الشعبية إلى السلطة في فرنسا لتطوير التنظيم النقابي واستقطاب المغاربة وإنشاء هياكل وتقاليد نضالية وانتزاع لبنات تشريع اجتماعي: حوادث الشغل، محاكم الشغل، ثماني ساعات عمل في اليوم، الأجر الأدنى، الإجازة المؤدى عنها، مفتشية الشغل.
 
إنها مجهودات مفيدة، لم تزلها مضايقات مرحلة فيشي، وستساعد على انطلاقة جديدة للحياة النقابية سنة 1943.
 
وسيستميت إذ ذاك أرباب العمل والإقامة العامة في رفض الحق النقابي وفي الحنين إلى نظام التعاضدية. وسيعمل الشيوعيون، الذين عوضوا تدريجيا الاشتراكيين في قيادة اتحاد النقابات، على «مغربة» الحركة النقابية –فيما سينتظر القادة الوطنيون سنة 1948 ليسمحوا لمنخرطيهم- تحت ضغط قواعدهم- بالالتحاق بتنظيمات ك.ع.ش. وتعميق طابعها المغربي والوطني.
 
 
احالات الباب الخامس
 
إحالات الفصل 16
 
1)ظهير 29 آب/أغسطس 1940 الذي «يحدد الشروط التي تمكن من عزل الموظفين وأعوان الدولة الفرنسية».
 
2)ظهير آب/أغسطس 1940 الذي يطبق بموجبه على المغرب قانون 13 آب/أغسطس الخاص بمنع المنظمات السرية.
 
3)ظهير 31 تشرين الأول/أكتوبر الخاص بالنظام الأساسي لليهود.
 
4)قائمة الموظفين والسككيين ومستخدمي المكتب الشريف للفوسفاط الذين تم عزلهم من مناصبهم ابتداء من 20 كانون الأول/ديسمبر 1940. لا نجد البريديين ضمنها ويتعلق الأمر بنقابيين وماسونيين. «الجريدة الرسمية» بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 1940، ص 1198.
 
5)دورية الوزير وكاتب الدولة في الداخلية، بيروتون بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 1940، ودورية الوزير وكاتب الدولة في الإنتاج الصناعي، بيلان Belin، بتاريخ 14 شباط/فبراير 1941، المتعلقة بهذه القضايا، وقد سلمها نوكَيس يوم 22 آذار/مارس 1941 لكافة سلطات الحماية لتطبقها؛ أرشيف الشغل، الرباط.
 
6)رسائل بتاريخ 25 تموز/يوليو، 3 تشرين الأول/أكتوبر و17 تشرين الأول/أكتوبر 1941، في ملف «النقابات»، أرشيف الشغل، الرباط.
 
7)«أوطرافاي» (إلى العمل)، أسبوعية شعبية نقابية. مديرها: لويس بيرتان، شامبيري.
 
8)بول لانكر P.Lancre: «مذكرة خاصة بالعلاقات بين الرأسمال والعمل في المغرب»، نيسان/أبريل 1941؛ في ملف «النقابات» أرشيف الشغل، الرباط.
 
9)كافة هذه الوثائق موجودة ضمن ملف «النقابات»، أرشيف الشغل، الرباط.
 
 
إحالات الفصل 17
 
 
1)راجع ر.كَاليسيو، المصدر السابق، ص ص. 252 وما يليها.
 
2)نفس المرجع السابق. ص 255.
 
3)أ.عياش: «حركات الرساميل في الشركات بالمغرب (12-1955). مظاهرها الجغرافية»، «نشرة جمعية الجغرافيين الفرنسيين»، عدد 275، 1958، ص ص 17 وما يليها.
 
4)«جداول المغرب الاقتصادية؛ 1915-1959»، الرباط، 1960. ص 24.
 
5)حُررت هذه الفقرة في خطوطها العريضة بناء على المعلومات التي أدلى بها الجنيرال نوكَيس يوم فاتح كانون الأول/ديسمبر 1942 إلى الأميرال المساعد فينار Fénard، الكاتب العام للاقتصاد لدى القيادة العليا لافريقيا الفرنسية بالجزائر العاصمة: «تقرير حول وضعية اليد العاملة في المنطقة الفرنسية من المغرب بتاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1942»؛ وملف «النقابات» في «أرشيفات الشغل»، الرباط. تم تحرير هذا التقرير من طرف بول لانكر P.Lancre من مصلحة الشغل.
 
6)التقرير المذكور، الذي أرسله نوكَيس إلى فينار
 
7)نفس المرجع السابق.
 
8)نفس المرجع السابق.
 
9)«لوبوتي ماروكان»، عدد 2 أيار/مايو 1942.
 
إحالات الفصل 18
 
1)شهادة ألبير القوبي الذي أحرز على وسام تنويهي للمقاومة.
 
2)تم التنويه بفيليكس كَيدج سنة 1949 بمنحه الوسام الوطني. التحق ماكس كَيدج –محام وضابط صف ضمن المشاة- بالقوات الجوية الفرنسية الحرة في أيلول/سبتمبر 1940 واشتغل في القوات الجوية الملكية (RAF) حيث أصبح قائد فرقة وتوفي يوم 15 كانون الثاني/يناير 1945 على رأس مجموعة من الفرق الجوية التي كان يقودها. وتعتبره القوات الجوية الفرنسية والبريطانية «بطلا أصيلا» (حسب مارسيل مارزاك: «ماكس كَيدج، البطل الفرنسي رقم 1 في الحرب الجوية (1935-1945)، الدار البيضاء 1951؛ وبيير كلوسترمان: «نيران السماء»، باريس، 1951؛ ص ص 199-231».)
 
وقعت في المغرب اعتقالات وإدانات أخرى، إذ حكم على رايمون كروزو، كاتب مساعد لاتحاد نقابات المغرب بستة أشهر سجنا؛ وعلى الشيوعيين كابازا Capazza وكوبوس Gobos بخمس سنوات سجنا؛ وعلى الدكتور موييز عياش من وجدة –الذي أخبره زبناء قدماء- بأربعة شهور سجنا مع تشطيب اسمه من قائمة الضباط الاحتياطيين ومن قائمة لواء الشرف.
 
3)كان إلى جانبه كل من ميشال مازيلا وهنري راموس وX، وكذا ممثل عن الشيوعيين الاسبان.
 
4)توجد مقتطفات من هذا المقال ضمن كتاب «أ.عياش: المغرب والاستعمار» السابق الذكر، ص 345.
===============================
مذكرة توثيقية
 
.المراجع الأساسية
 
-حول فرنسا
 
-«تاريخ الشعب الفرنسي» الجزء 5: «مائة سنة من الفكر الجمهوري 1875-1950»، وبالخصوص فرانسوا بيداريدا F.Bédarida، الكتاب الثاني (1914-1931) وأنطوان بروست A.Prost، الكتاب الثالث (1931-1947)، باريس، «نوفَيل ليبريري دو فرانس»، 1967 ص 608 خرائط ومخططات.
 
-ج.فريشمان G.Frischemann: «تاريخ فيديرالية ك.ع.ش. للبريد مساهمة في تاريخ انتزاع الحق النقابي في الوظيفة العمومية»، باريس، المنشورات الاجتماعية، 1969، 582 ص.
 
-ج-لوفران G.Le Franc، «النقابية في عهد الجمهورية الثالثة»، باريس، بايو Payot  1967، 486 ص.
 
-أ.سوفي A.Sauvy، «التاريخ الاقتصادي لفرنسا بين الحربين»، الجزء  I 1919-1930 والجزء  II 1931-1939، باريس، فايار Fayard، 1965 و1967، 565 و627 ص.
 
-حول افريقيا الشمالية والمغرب
 
-ألبير عياش A.Ayache: «المغرب والاستعمار» (مدخل ج.دريش) باريس المنشورات الاجتماعية. 1956. 368 ص، ثلاث خرائط. (مترجم إلى العربية. دار الخطابي-الدار البيضاء 1984).
 
-ج.بيرك J.Berque «المغرب بين الحربين» باريس، لوسوي Le Seuil، الطبعة الأولى 1962 ص 496.
 
-ر.كَليسو R.Galissot: «أرباب العمل الأوربيون بالمغرب، 1931-1942، الرباط، المنشورات التقنية الشمال افريقية، 1964 ص 283، خرائط ورسوم.
 
-ش.أ.جوليان Ch.A.Julien: «افريقيا الشمالية تسير» باريس، جوليار Julliard الطبعة الأولى 1953 والطبعة الثانية 1972، ص 438. وتكمل بيبليوغرافيا نقدية غنية الطبعة الثانية التي هي بمثابة اتمام وتجديد للنص المكتوب سنة 1953، ويشمل الجزء البيبليوغرافي الخاص بالمغرب 5 صفحات (من 389 إلى 394).
 
-حول تشكل وتاريخ الطبقات العمالية في المستعمرات
 والدول شبه المستعمرة والقضايا التي تطرحها.
 
-ج.شنسو J.Chesneux: «آسيا الشرقية في القرنين 19 و20»، باريس، المنشورات الجامعية الفرنسية، الطبعة الثانية 1937، بالخصوص الجزء الثالث، الفصلان 2 و3 المخصصان للتشكيلات الاجتماعية (ص ص 285-299) والحياة السياسية (ص ص 300-336).
 
-ج.دروز J.Droz (تحت إدارة) «التاريخ العام للاشتراكية»، الجزء 3، «من 1918 إلى 1945»، الباب الثالث: «الاشتراكية في المجال العربي» باريس المنشورات الجامعية الفرنسية، 19



#ألبير_عياش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- في منع الطبقة العاملة من قيادة الثورة. / التيتي الحبيب
- الحركة النقابية للشغيلة في تونس وتلازم البعدين الوطني والاجت ... / خميس بن محمد عرفاوي
- الاتحاد العام التونسي للشغل والشراكة في بناء الدولة الوطنية: ... / عائشة عباش
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من مطالب الحركة العمالية / سعيد العليمى
- الحركة العمالية والنقابية في اليمن خلال 80 عاماً.. التحولات ... / عيبان محمد السامعي
- الحركه النقابيه العربيه :افاق وتحديات / باسم عثمان
- سلطة العمال في ظل الأزمة الرأسمالية / داريو أزيليني
- إيديولوجية الحركة العمالية في مواجهة التحريفية / محسين الشهباني
- الحركة النقابية في افريقيا وميثاقها / كريبسو ديالو
- قراءة في واقع الحركة النقابية البحرينية / إبراهيم القصاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي - ألبير عياش - الحركة النقابية في المغرب: الجزء الأول: 1919-1942