أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حياة ربيع - ما لم يحلم به المستوطنون...فلسطينيون يتبرعون لهم بالوطن - رداٌ على وثيقة -صرخة وطنية ونداء من الاعماق لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية على كامل التراب الوطني-















المزيد.....


ما لم يحلم به المستوطنون...فلسطينيون يتبرعون لهم بالوطن - رداٌ على وثيقة -صرخة وطنية ونداء من الاعماق لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية على كامل التراب الوطني-


حياة ربيع

الحوار المتمدن-العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 04:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دار جدل ونقد شديدين في الاونة الاخيرة حول وثيقة مُعنوَنة بـِ "صرخة وطنية ونداء من الأعماق" تزعم انها تتحدث باسم "لفيف من شخصيات وكوادر الحركة الفلسطينية الراهنة" وتُقدم، في العنوان مشروعا "لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية على كامل التراب الوطني" مؤرخة بـِ شباط 2016. أما في المحتوى فتطالب نصَّاً ان تكون هذه الدولة مشتركة مع المستوطنين اليهود. وتقوم سيدة فلسطينية باسم أمل وهدان بتسويق لهذه الوثيقة ومشروعها في مؤتمرات للمقاومة كما حصل في دمشق وبيروت وتوزيعها من خلال صفحات التواصل الاجتماعي.
احدثت هذه "الصرخة" غضب واستياء كبيرين في أوساط من فهمها وفهم ابعادها من المناضلين والمثقفين والمفكرين والاحرار المهتمين بالشأن المقاوم الممانع والمتصدي للكيان الغاصب، اضافة، قامت السيدة الفلسطينية حاملة راية الصرخة بالإدعاء قانونياً على المناضل الدكتور عادل سمارة لممانعته المستمرة لكل مشاريع التطبيع الظاهرمنها والباطن بتهمة القدح والذم (كيف يمكن وماذا يعني أن تسوقها المذكورة ثم تتملص من القراءة النقدية لمحتواها؟!) لذلك يتوجب على كل فلسطيني وعروبي ان يفهم حقيقة هذه الوثيقة وان يحدد موقفه منها ومن المشروع الذي تدعوا اليه وهذا يقتضي تفكيكها وتحليلها لجعل ذلك في متناول فهم الجميع.
عند اول قراءة لهذه الوثيقة يجد القارئ نفسه امام اُسلوب كتابي مرهق ومبهم وغير واضح حيث تستعمل الوثيقة نمطا خاصا معينا في الخطاب وآلية ومصطلحات مشبعة بمفاهيم مُغلّفة وغير مطروقة ولا مألوفة فيجد نفسة متسائلا عمَّ تتحدث وما هو المقصود بهذه المصطلحات المبطنة الفضفاضة ذات التغليف والتركيبة الخاصة الواضحة فقط لمن يدركها او يبحث عنها أو يجيد القراءة في ما هو خلف الكلمة أي محمولها/حمولتها ومعناها. كما يتضح استغلال مفردات وتجويفها واستبدال معانيها ومضامينها باخرى ملتوية تخدم هدف الوثيقة. اسلوبها المنفر الممل الغير صريح قد يدفع القارئ للتوقف وعدم الاستمرار الا ان مسؤوليته تحتم عليه التغلب على التعقيدات. أما اسلوبها الغير شفاف فيسبب الضياع في كثير من مفاهيمها المتناقضة مما يضطر القارىء لإعادة قرائتها من جديد عدة مرات بل والاستمرار في ذلك لربط بعضها ببعض, فهي من التداخل والإلتواء بحيث تتطلب مجهودا ذهنيا كبيرا لفكفكتها ولفرز تداخلاتها قبل التمكن من رؤية تماسكها ذهنياً.
لافت جداً أن تتحدث الوثيقة باسم "اللفيف" مثل "نعلن ونرى ونؤكد..." موحية بذلك انها تتحدث بتفويض وتخويل من وعن الشعب الفلسطيني. لكنها حين قًدمت في دمشق لم تحتوي على أي إسم من اللفيف! وهذا تناقض قاتل قلما تنبه له أحدا، ولكن تم لاحقاً وضع مجموعة من الأسماء أي اللفيف، فإذا بكثير منهم لا علم له منها بشيىء!
تذكرني الوثيقة شخصياً بأسلوب "عزمي بشارة" عندما كان يتحدث من شواطيء "جزيرته" حينها كنت اجد نفسي متسائلة عن الذي يحاول قوله هذا الرجل ولماذا التعقيد فيما يريد قوله. واكاد اجزم يقيناً انه هو ومشروعه من يقف خلفها ان لم يكن هو ذاته من صاغها. ولا ادري لماذا يتحرج لفيف "الكوادر الفلسطينية الراهنة" المنسوبة اليه الوثيقة من الظهور في العلن كل باسمه.
يخبرنا اللفيف في البداية ان هذه الوثيقة هي نسخة مُحدّثة من اخرى صدرت قبل ثمان أعوام وقد "نفذت طبعتها". ولا ندري كيف تنفذ الطبعات في زمن التوزيع المجاني اللامحدود على الانترنت، كذلك لا ندري لماذا هذا "اللفيف" بحاجة لإعادة طرحها بعد ثمان سنوات وما كان سبب اخراسها في المرة الاولى. وهل تم تداولها سراً حينها، حيث لم يسمع بها أياً من المهتمين؟ أم أنها لم تُكتب ابدا قبل ثمان سنوات؟ وربما كُتبت ولكن سقف العمل الوطني والقومي كان أعلى منه اليوم، بمعنى أن هذا السقف حالياً يقارب في هبوطه الانطباق على الأرض؟
تتكون الوثيقة التي تم توزيعها الكترونيا من ثلاثة محاور في ٣---٤--- صفحة. الاول هو عبارة عن ١---٧--- صفحة توطئة وتمهيداً لما ستطرحه بعد ذلك من "صرخة" في خمس صفحات وهو مشروع "لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية". تأتي بعد ذلك ١---٣--- عشر صفحة لإتمام الحبكة وتسويق المشروع.
الصرخة هي عبارة عن دعوة وقحة خبيثة مشبعة بكل معاني الاستسلام والذل لتصفية للقضية الفلسطينية تحت غطاء "ديمقراطي تقدمي" يدعوا للتعايش مع المستعمر المغتصب لفلسطين في ظل دولة مواطنة مزعومة. ويبدو التناقض واضحا جليا في عرض هذا المشروع. كما يبدو ايضاً ان هذة الصرخة المزعومة هي مجرد غطاء لأمر قد دٌبِّر على صعيد وساحة اكبر، وما هذه الوثيقة الا من باب "سد الذرائع" أي "ان الفلسطينين بانفسهم قد طالبوا بما نحن عليه عازمون".
مشروع الصرخة هو مشروع دولة المواطنة الواحدة "دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية" التي يخططون لاقامتها على ارض فلسطين التاريخية بشرط تفكيك الكيان الغاصب الذي هو سبب التناحر الجماعي والنفي المتبادل. وفيها بحسب اللفيف سيحق للمستوطنين المحتلين القدامى والجدد العيش تماماً كما يحق لسكانها الاصليين والذين ستعاد لهم ولاحفادهم حقوقهم الشرعية من ارض وممتلكات. "وان وضعاً كهذا سوف يساعد شعبنا [الفلسطيني] على نيله لجميع حقوقه المتساوية مع حقوق كل من يقيم على كامل تراب فلسطين الانتدابية الموحدة". ويسهب اللفيف في توصيفات وخيالات رومانسية خلابة لهذه الدولة محاولا اقناع الضحية بقبول جلادة على طريقة تعالوا ننسى ونصير حبايب. ويبدو ان اللفيف قد اعد عدته لتدوير الزوايا وتذليل العقبات في وجه تسويق او الادق تغليف مشروعه وخاصة وبداية عقبة العلاقة بين الضحية والجلاد والثانية عقبة ألارض المغتصبة والمتنازع عليها (علماً بان الارض هنا هي العامل المحدِّد/الثابت مقارنة مع العامل المتحرك وهو العلاقات).
والسؤال المهم هو كيف استطاع هذا اللفيف التوصل الى هذه “الصرخة” ومن حقاً يقف خلف المشروع؟ هل طلب منهم احد ذلك مثلا، أم انها مجرد تطوع لوجه الله والعيش المشترك؟ هل كان تشاور بين "اللفيف" وبين "سكان فلسطين الجدد" او تبادل افكار او استشارات نحو مشروع العيش المشترك الموعود؟ وماذا عن الكيان المنوي تفكيكه هل هو موافق وجاهز لتفكيك بنية نفسه؟ وما الذي سيستفيده الكيان من تفكيك نفسه (هنا تفكيك وليس تدمير)؟ وهذا ما يقود الى السؤال التالي وهو ماهية آلية هذا التفكيك المنشود ومن الذي سيشرف عليها؟ هل هو المجتمع الدولي المستفيد من هذا الكيان باعتراف اللفيف؟ اومثلاً الكمبرادور العربي فاتح الاسواق للكيان ؟ او ربما لجنة منبثقة عن المؤسسات الدولية باشراف هيئة الأمم المتحدة ؟ ومن ذا الذي سيكون عريفاً على مراقبة الكيان ومعاقبته كم يخبرنا اللفيف ان اخل بشروط العيش المشترك المزعوم؟ هذا حقا مثير للحنق والسخرية في آن واحد.... ليس اكثر من استخفاف بالعقول وكذبة لا تصدق.
من تناقضات اللفيف الواضحة خلال صرخته انه يتحدث عن وحشية العدو المحتل واستحالة اقامة سلام تحت ظل كيانه ثم يستغبي القاريء ويلف ويدور ليعرض على الفلسطيني مشروع عيش مشترك ودولة مواطنة مع هذا المحتل الوحشي المغتصب الذي لم تتوقف دمويته ولا وحشيته لمجرد لمحة منذ نشأته. ومن اجل ايجاد تخريجة لهذا يزعم اللفيف انه يجب الفصل بين اليهودية من جهة كديانة وبين المستوطنين والسكان الجدد وتجمعاتهم السكانية من جهة اخرى وبين ذلك كله وبين الكيان وبنيته ووظيفته للإمبريالية الهيمنية ثم يختصر ذلك كله في الكم والكيف. فيقول اللفيف ان المشكلة هي في وجود الكيان المغتصب وتبعات وجوده وبنيته التي هي وكل افرازاته قائمة بوجود الكيان ونتيجة لها. فبحسب اللفيف ان "الكيان" هو من اوصل سكان فلسطين الاصليين والمستوطنين وشعوب المحيط الإقليمي الى التناحر والتدمير المتبادل والانتحار الجماعي! "فالحل الجذري [بحسب كلمات اللفيف] يكمن في تفكيك تلك البنية المغلقة واستبدالها ببنية منفتحة اكثر تقدماً وإنسانية وعديمة الدور الوظيفي لصالح الإمبريالية " .
فالمستوطنين بحد ذاتهم ايضا هم ضحية الكيان لذلك يجب ازالة الكيان لكي يتمكن كل السكان على ارض فلسطين التاريخية من العيش بسلام ووئام في دولة مواطنة للجميع يتساوى فيها الضحية بالجلاد المغتصب ولا ادري كيف يدخل هذا في العقل. اليس الكيان قائم على اليهودية (بغض النظر عن برائتها منه) اوليست شرطاً "للهجرة" ولإغتصاب الارض والحقوق وطرد اهلها؟ كيف ممكن فصل الكيان والمحتل عن بعض؟ اهو مجرد نادي تنتهي العضوية له؟ اليس هو آلة الاغتصاب وهو ذاته المحتل؟ وعلى اي مبدأ سيبقى المحتل ان تم خُرافياً "تفكيك" الكيان ومن اي شرعية سيستمد المحتل وجوده ان فقد كيانه؟ وهل حقا بالإمكان ان يتوقف عن وظيفته للإمبريالية وللقييمين عليه وكانها وظيفة سيقدم الكيان استقالته منها؟ وكيف ستنتهي طفيليته على الخارج الذي يعيش منه وريدياً وعلى الداخل الذي يستغله؟ وهل ان هذه الإمبريالية الموظفة للكيان حتى في انتخاباتها الرئاسية تتباه وتتسابق لاسترضائه، ستقبل هذه الإستقالة؟
كيف يتصور اللفيف اعادة الحقوق المغصوبة لاهلها وهي الارض التي يجثم عليها الكيان وتبعاته؟ فليشرح لنا اللفيف أُحجية تنظيره لإعادة المهجرين قسراً واحفادهم واعادة أرضهم المغصوبة لهم (وهي كل فلسطين) مع الإصرار على بقاء المستوطنين و "السكان الجدد" فيها الذي بزعم اللفيف يحق لهم البقاء على قيد الحياة عليها؟ هل مثلاً سيتم توسعة رقعة الارض او استحداث ارض جديدة في "فلسطين التاريخية"؟ هل ستتمدد الارض استجابة لصرخة اللفيف؟
حقاً خرافة تفكيك الكيان هذه مثيرة لاقصى درجات السخرية ولن تنطلي على طفل من اطفال فلسطين فكيف على اهلها من ذوي العقول البالغين او مفكري مناضليها الاشاوس؟ ما هذه الصرخة الا خدعة لن تتجاوز اسطرها المكتوبة اوقل هي فقاعة لتمرير مشروع تصفية القضية الفلسطينية. وإلا حسناً، فليثبت لنا اللفيف حسن النوايا وليشرع الكيان في تفكيك نفسه اولا والاستقالة من وظيفته الهيمنية والطفيلية و يعيد المهجرين قسراً واحفادهم وحقوقهم المشروعة الى ما هو آخره من الشطحات الإستسلامية ليثبت حسن النوايا فكما يخبرنا اللفيف في صرخته ان الكيان لا يفي بوعوده ولا بمعاهداته. لكن كيف سيلتزم ما يتبقى بعد تفكيك الكيان بالتزامات تجاه دولة اليوتوبيا المزعومة؟ لماذا يكون حل الدولتين خدعة ولا يكون كذلك حل صرخة اللفيف؟ وهنا ياتي العرض الاكثر استخفافاً بالعقول وهو برنامج عقاب الكيان اذا لم يتفكك.
ومن تناقضات صرخة اللفيف ايضا انه يرى حتمية الإندثار للسكان الاصليين تحت اي احتلال وانه لا يمكن استعادة الحقوق الشرعية المغتصبة فهذا بزعمهم "وهم وعقلية متحجرة وثابتة" وان تجارب وتاريخ الاستيطان الإحلالي الذي يرونه في فلسطين تجري حسب هذه الحتمية اللهم الا اذا تم تفكيك بنية الكيان التي ستؤدي الى ذلك في حالة بقائها. اما اذا تم التفكيك الأسطوري فسينعم السكان الاصليين باستعادة حقوقهم المسلوبة والعودة الى دولة المواطنة والعيش المشترك الموعود. لا يخوض اللفيف في 1948 ولا 1967 حيث يبقى بعيدا عن التفاصيل التي ستعريه وتعري مخططه وتواجهه باسئلة لا يريد إثارتها ولا يملك لها جوابا...
ومن اهانات اللفيف لشعب فلسطين فانه يرى تضحيات اهلها "الاصليين" وعذاباتهم وتشريدهم على مراحل ومجازرهم مخيمات لجوئهم واعتقالاتهم وسجنهم وكل معاناتهم وتشريدهم في اصقاع المعمورة وتضحيات دمائهم انها مجرد "كم قديم ومتعفن من مخلفات حقبة استعمارية يجب رميها في مزبلة التاريخ والاستعداد لمستقبل مشرق في دولة المواطنة مع من لا يزال يتسبب في آلامهم. فبحسب اللفيف سيكون الـ "مستقبل مشرق يثريه تلاقح خصوصيات جماعاته المتعايشة جنباً الى جنب بعد ان كانت متنافية تناحرياً يحل بعضها محل بعض." يعني بكبسة زر تعالوا ننسى ونتلاقح جنباً الى جنب!
ومن متناقضات اللفيف في تنظيره للكم والكيف حيث الكم هو علاقة الانسان بالارض بينما الكيف هو علاقة الانسان بالانسان فانه يتوجب على جميع سكان فلسطين عدم الاهتمام بالعلاقة الكمية المرتبطة بالارض, وبالتالي التخلص من عقبة حقوق الارض وهذا تناقض للفيف في إدعائه ان الحقوق الشرعية والممتلكات ستعود لأصحابها ولاحفادهم. لان الارض مع اهميتها ليست الاولوية الاساسية بقدر الإهتمام بالعلاقات الانسانية. وهكذا يعمل اللفيف على تذليل عقبة الضحية والجلاد عن طريق اعطاء الاولوية لعلاقاتهم ببعضهم البعض والانصراف للعيش المشترك بالتساوي (مظلوم وظالم) بعيداً عن اي تمييز ولهذا فاللفيف يرى "ان المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود مهاجرين مستوطنين من جهة وسكان أصليين (فلسطينيين) على أرضها التاريخية من جهة اخرى، بل في نوع العلاقة التي اقامها كيان المستوطنين -المنعزل- مع شعبنا". وعليه يؤكد اللفيف "ان التغيير الذي نريد تحقيقه على ارض فلسطين التاريخية لا يمس وجود الناس عليها، بل يمس العلاقات القائمة الغير انسانية بينهم." فبحسب اللفيف: "ومن هنا وعلى ضوء فهمنا هذا ننطلق نحو تحديد المضمون الحقيقي لشعار تحرير فلسطين، الذي لا يعني في أية حال من الأحوال تحريرها من وجود المستوطنين المهاجرين المقيمين فيها، بل تحريرها من نمط العلاقات الإستعمارية الإثنية الإحلالية التي أقامها هؤلاء المستوطنين مع شعبنا الفلسطيني، وتحريرها من دور كيانهم الوظيفي على محيطنا الإقليمي."
ما يسلم به اللفيف هو احقية وجود "المستوطنين" و"السكان الجدد" والغزاة المتعاقبين على ارض فلسطين التاريخية تماماً كأحقية اهلها الأصليين, وانه من حقهم "البقاء على قيد الحياة" فيها وعليها. مستغفلاً لعدم شرعية وجودهم هذا من الاساس وانه لن يسقط بالتقادم. ولكن بما ان اللفيف في صرخته يقر ببطلان مزاعم المستعمر المحتل الدينية والتاريخية وانه لا أمن له في ظل كيان عدواني سبب له متاعب وتناحر ويجب تفكيكه، وان هناك مقاومة شرسة متصاعدة لشعب تاريخي، وانه يجب أعادة كل الحقوق لهذا الشعب سواء كان من مهجرين واحفادهم (الكيف) واراضيهم وممتلكاتهم، وان ارض فلسطين التاريخية لن تزداد بالتمدد. وطالما ان اللفيف يقول ان "حل المشاكل يتطلب ازالة اسباب نشوئها" فلماذا لا يعود هذا المحتل واحفاده الى الارض التي جاء منها ولا يزال يحمل جنسيتها؟ اليس هذا هو اسهل الحلول واكثرها بديهية وعملية على الإطلاق؟! قد يقول البعض إن هذا ترانسفير في القرن الواحد والعشرين. بل هو إعادة تجليس طرد الشعب الأصلاني في وطنه. إن تجربة تدمير وتهجير الملايين من سوريا والعراق، تبين أن بوسع العالم الذي فرض هذا الكيان إعادة احتواء ابنائه الذين تم تهجيرهم او استجلابهم إلى فلسطين، وهم من أكثر من مئة قومية. بإمكان هذا العالم استعادتهم بهدوء وليس بالعنف الوحشي الذي طرد شعب فلسطين ويطرد الملايين من العرب العراقيين والسوريين. لا بل إن استجلاب مليون روسي إلى فلسطين المحتلة بهدوء ونعومة يؤكد مثلا، إمكانية استعادة يهود بافاريا لموطنهم الأصلي هناك ولا داع للحديث عن المستوطنين الفرنسيين في الجزائر.
والمتدبر جيداً لمشروع صرخة اللفيف التخاذلي المستسلم يرى انه لا تزال هناك عقبتان في وجه المشروع لا بد من ازالتهما: المقاومة التي لم تتوقف على مدى قرن ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولذلك يجب على اللفيف ان يعالج هاتين العقبتين.
بالنسبة للإنتفاضة فيشيد اللفيف بتصاعد "انتفاضة الشبيبة" ومقاومتها واستبسالها في وجه الكيان الغاصب المحتل الهمجي الوحشي, لكن يصفها اللفيف بكل صفاقة انها "حباً في غريزة البقاء" (حيث هناك فرق كبير بين غريزة البقاء والحق المشروع، بين اشتراك الإنسان والحيوان في حب البقاء وبين تميز الإنسان بوعيه لإنسانيته وأهم مكوناتها الوطن، الحيوان يرى الوطن مكانا يمكن التنقل منه بحثا عن غيره، بينما الإنسان يراه وطناً. ثم كيف تصف الصرخة ان الفلسطيني يناضل لأجل بقائه ثم يتعايش مع من يشطب وجوده! هل الأمر بكل هذا التسطيح؟), فيشيد بها وبتضحياتها وبطولاتها ولا يراها جزء من "التناحر" بل من الملاحظ جداً ان اللفيف لا يصفها مباشرة بـِ "الكم القديم المتعفن الذي يجب ان يلقى في مزبلة التاريخ في سبيل التعايش المشترك". لكن يبدو ان كل هذا الاستثناء هو بسبب اختيارها "للتموضع بخلاف القيادة الفلسطينية" حيث هي بلا قيادة ويجب اقتناصها واحتوائها وتجيير"كفاحها الضاري" لمصلحة "المولود الجديد" ويكون اللفيف بذلك قد تخلص منها كعقبة في طريق مشروعه.
العقبة الثانية هي منظمة التحرير الفلسطينية. فيكيل لفيف الصرخة لها الاتهامات (بغض النظر عن صحتها) وتحديداً لما تحمله من خدعة "مشروع حل الدولتين المسخ" ويرى فيها "عبئا" على الشعب الفلسطيني وانها قد فقدت أهليتها وشرعيتها وانتفى جودها ولم تعد مؤهلة لدورها لانها تخلت عن مسؤولياتها التحررية. وانها تهرول لاهثة خلف وعود كاذبة. لكن لماذا يكون حل الدولتين خدعة ولا يكون كذلك حل صرخة اللفيف؟ وكيف سيختلف الحال عن وعود هذه الصرخة عن غيره من وعود ومالذي سيجعل هذا المستعمر يتعايش ويتلاقح مع ضحيته الآن؟ الا ان اتهامات اللفيف للمنظمة هي من باب حق يراد به باطل. فوجود منظمة التحرير بكل سيئاتها وان كان وجودها رمزياً او في ظل "حل دولتين" فانه سيقف عائقاً امام مشروع استسلام الصارخين ومذكراً ان هناك "قضية فلسطينية" يجب تصفيتها لحساب مولود اللفيف الجديد، دولة المواطنة والديمقراطية المزعومة. لذلك ولمصلحة اللفيف يجب ازالة المنظمة من الطريق بداية بسحب صلاحياتها وان كان معنوياً، اوالسماح ببقائها "فقط في حال اجراء اصلاحات داخلية عليها تمكنها من الانخراط في ‘الكفاح والنضال والمقاومة‘ " من اجل هدف اللفيف الإنساني السامي لدولة المواطنة والعيش المشترك. وهكذا ينوي اللفيف ازالة العقبتان من طريق صرخة استسلامه.
اما فلسطين قبلة المسلمين الاولى وبوصلة مقاومتهم وممانعتهم وكل حر ابي وشريف في هذا العالم فيصفها اللفيف بانها بؤرة توسع استيطاني وتوتر اقليمي ودولي يجب التخلص منها وانشاء دولة المساواة بين الضحية والجلاد والانتقال بها الى مستقبل العيش المشترك المشرق والمزدهر مع بقية شعوب المنطقة (المستسلمة طبعاً), اي انها اصبحت عبئا يجب التخلص منه بالانتقال من الوهم والعقلية المتحجرة والماضي الثابت الكمي الى الجديد الواعد المتحرك الكيفي علماً بان اللفيف (استمراراً في تناقضاته) يتهم الكيان ذاته المزمع تفكيكه انه هو البؤرة المسببة للتوتر الاقليمي والعالمي!
وتتماهى هذه الصرخة مع تطبيع دول الخليج العربي وبقية العالم العربي المتخاذل ودور جامعة الدول العربية فاللفيف يصرخ مطالباَ بالعيش المشترك باسم كل الشعوب العربية تزامناً مع الانهيارات التطبيعية الساحقة على الساحة العربية وتهاويها في حضن الكيان. فكيف إذاً سيفكك الكيان نفسه في لحظات حميمة كهذه؟ بينما في نفس الوقت ينتقد اللفيف بشدة معاهدات التطبيع العربي مع الكيان وفتح اسواق الكمبرادور العربي له. كيف يعلل اللفيف هذا التناقض وهذا الانتقاد؟ الا يصب هذا التطبيع في مصلحة اللفيف ومشروعه؟ أوقد يكون ذلك من باب تبطين مشروع الصرخة لتسويقه. ولم يغفل اللفيف التحذير المستترمن ايران وسعيها لامتلاك اسلحة دمار شامل لتقابل به اسلحة الكيان حيث استعمل اللفيف ايران هنا كمحفز للكيان الغاصب لانهاء التوتر الإقليمي والدولي القائم بسبب القضية الفلسطينية.

والملفت ان اللفيف يستعمل لتوصيف مشروع "دولة الديمقراطية التقدمية" مفردات "المولود" و"الولادة" و"الحمل في الاحشاء" والتي تستحضر مولود كونداليسا رايس لشرق اوسط جديد اجهضه لها رجال حزب الله في جنوب لبنان في تموز 2006. (نفس المفردات التي استعملها ذكورعلماء القنابل النووية حين صناعتها).
وبما ان اللفيف يرى أنه "مع نشوء وتعاظم قوة المقاومات الشعبية داخل فلسطين ومحيطها وتطور قوة بعض الدول الإقليمية المتحررة ، أخذ ميزان القوة يفقد رجحانه لصالح العدو شيئاً فشيئاً إلى أن وصل إلى وضع الميلان لصالح قوى التحرر والانعتاق من الهيمنة ، حيث تأكد ذلك خلال حروب الكيان العدوانية المتكررة على لبنان وغزة ابتداء بعام 2006 وما بعدها. ونتيجة لذلك نشأ في منطقتنا ما يعرف ب (جبهة المقاومة والممانعة) "، فإن هذا المشروع في باطنه يحمل خشبة خلاص للكيان مقابل انجازات المقاومة والممانعة منذ 2000 وما بعد بعد والإصطفافات الحالية ففي الوقت الذي يجد الكيان نفسه خائف هلع مذعورعلى خزانات خليج حيفا وغوش دان وهي ترزح تحت مرمى صواريخ حزب الله ياتي اللفيف مطالباً بالعيش المشترك معه. أما ذكر الصرخة واشادتها بسوريا وممانعتها ومقاومتها ودور حزب الله وايران فما هو الا من باب اعطاء حلاوة من طرف اللسان (sugar coating) لتسويق وتمرير الصرخة في محافل ومؤتمرات المقاومة. كما كانت مفارقة دعوة حاملة الصرخة وزميلها إلى مؤتمري دعم المقاومة في دمشق (18-3-2016) وبيروت (15-7-2016).
وعود على ذي بدء, فقد يكون سبب حاجة "اللفيف" لإعادة طرح صرخته بعد ثمان سنوات من اخراسها في المرة الاولى هو لان الاوضاع الاستسلامية الإقليمية الآن مواتية لاستقبال هذا التنازل من جهة ومن جهة اخرى هي الحاجة لانقاذ الكيان الغاصب في ظل تعاظم جبهة ممانعة ومقاومة بدأ العدو امامها بالتآكل وخسران الكفة، بحسب رؤية لفيف الصرخة.




#حياة_ربيع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مبنى قديم تجمّد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرو ...
- خبير يشرح كيف حدثت كارثة جسر بالتيمور بجهاز محاكاة من داخل س ...
- بيان من الخارجية السعودية ردا على تدابير محكمة العدل الدولية ...
- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حياة ربيع - ما لم يحلم به المستوطنون...فلسطينيون يتبرعون لهم بالوطن - رداٌ على وثيقة -صرخة وطنية ونداء من الاعماق لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية على كامل التراب الوطني-