أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بقلم عبد المجيد طعام - قصة قصيرة / هناك خطأ ما..














المزيد.....

قصة قصيرة / هناك خطأ ما..


بقلم عبد المجيد طعام

الحوار المتمدن-العدد: 5233 - 2016 / 7 / 24 - 15:27
المحور: الادب والفن
    


إهداء إلى كل موتانا الذين لم نحفظ كرامتهم...
عبر الطائرة و على وجه السرعة ، عاد معاذ كريستيان مع أبيه إلى أرض الوطن لحضور مراسيم دفن جده الحاج علي . بعد الظهر و قرص الشمس مشتعل يلسع الرؤوس انطلق موكب الجنازة في اتجاه مقبرة المدينة . وجد معاذ كريستيان صعوبة في تتبع مسار الجمع بين القبور المبعثرة و الغبار المتطاير و الأعشاب العشوائية و الأشواك المتحفزة لوخز كل من يمر بالقرب منها و زادت حدة الصعوبة عندما - و دون سابق إنذار- انفض الجمع من حول جثمان الحاج علي إثر ظهور ثعبان ضخم و هو يزحف نحو قبره. تعالت الأصوات و التعويذات و داس الجمع الغفير الأموات و الأحياء... خوف و هلع و تساؤلات كثيرة جالت في أذهان أولائك الذين حضروا الجنازة ، و أحس ابن الحاج علي بحرج كبير و قال في نفسه :" لا شك أن أبي سيتعذب كثيرا في قبره ...".
بعد قتل الثعبان استعجل الجمع إنهاء مراسيم الدفن وسط الغبار و ضجيج الأطفال و المتسولين الذين تفننوا في استعراض عاهاتهم الجسدية للظفر بصدقات هزيلة ...لم يتعود معاذ كريستيان الذي اجتمعت في دمائه الأصول الفرنسية و المغربية على هذا المشهد المرعب، ارتسمت على وجهه علامات استياء و استغراب و بقدر ما كان مطمئنا على مصير جده الفرنسي جوزيف الذي حضر مراسيم دفنه قبل أشهر مضت بقدر ما عاش قلقا و خوفا على مصير جده المغربي الحاج على ...هناك في فرنسا دفن جده جوزيف بمقبرة تبعث على الطمأنينة و السكينة ، أشجار وارفة الظلال ، أزهار و ورود تزين الممرات أرضية معشوشبة تجعل الإنسان يتقبل الموت بقلب مطمئن.. قال معاذ كريستيان بصوت لم يسمعه إلا هو :" هناك يموت الإنسان و لا ينتقص أي شيء من كرامته.."
حاول معاذ كريستيان أن يتخلص من المكان قبل الآخرين ..غادر المقبرة وهو يحمل قلقه ، مخاوفه ، تساؤلاته و إحساسه المتعاظم بمأساة الموت .. داخل السيارة قال لأبيه :"هل تسمح يا أبي أن أطرح عليك سؤالا.. ؟ " أومأ الأب بالقبول فقال له :" لماذا يا أبي دفن جدي في هذه المقبرة المخيفة ؟؟" على الفور رد الأب:" إنها مقبرة المسلمين .. في عقيدنا ..المقبرة ما هي إلا مرحلة ..هي مجرد قنطرة سيعبرها جدك ليجد نفسه في الجنة... "
لم يكن الرد شافيا فزادت وطأة الأسئلة القلقة ومارست ثقلها العنيف و شعر معاذ كريستيان بألم يعتصر أحشاءه و لم يستطع التخلص من مشهد الثعبان و هو يزحف نحو قبر جده ،لازال يرعبه و لازالت تعويذات الجمع تشككه في مصير جده فقال لأبيه :" أحقا توجد الجنة خلف هذا الثعبان الضخم و الغبار و المتسولين الذين تفننوا في استعراض عاهاتهم .. ؟؟؟"
حاول الأب أن يكون حاسما ليضع حدا للتساؤلات المحرجة فقال :" مقبرتنا يا معاذ أرادها المسلمون أن تكون على هذا الشكل ليشعر الأحياء منهم بأهوال القبور فيتحفزون أكثر لعمل الخير في دنياهم من أجل الدخول إلى الجنة .." مرة أخرى لم يقتنع معاذ كريستيان برد أبيه فقال على الفور :" .. جدي جوزيف كان رجلا طيبا و دفن بمقبرة جميلة .. و جدي الحاج على كان رجلا مِؤمنا و طيبا و دفن في مقبرة لا تحفظ الحد الأدنى من كرامة الإنسان.. لماذا ... ؟؟؟" أحس الأب بنوع من الحرج و في آخر محاولة لوضع حد للأسئلة المحرجة قال لمعاذ كريستيان بنبرة عنيفة :" جدك جوزيف لم يكن مسلما و طبيعي أن يدفن في مقبرة غير المسلمين....هؤلاء متشبثون بالدنيا و لا يهتمون بالجنة....بل هناك منهم من لا يؤمن بوجودها ...هؤلاء يريدون أن يجعلوا مقابرهم صورة تعكس حياتهم الجميلة المنظمة ... هل فهمت ألآن الفرق بين جدك الحاج علي و جدك جوزيف.. ؟؟؟"
معادلة صعبة لم يفهمها معاذ كريستيان و بنبرة فيها الكثير من القلق و الحيرة رد على أبيه :" أنا لا أفهم..جدي الحاج علي.. الرجل المسلم الطيب يدفن مع الثعابين و العقارب و الغبار و الأزبال ليدخل الجنة ...و جدي جوزيف.. الرجل غير المسلم الطيب يدفن وسط الورود و ألأزهار ليدخل جهنم...لم أفهم ..لاشك أن هناك خطأ ما ..أين هو ..لا أعرف ... أنت أيضا يا أبي حتما لا تعرف... أظن أن جدي الحاج على بحاجة إلى دعواتنا أكثر من جدي جوزيف...."
انتهت 14/70/ 2016






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة / حياة بنكهة الشّعْر و البطاطس


المزيد.....




- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بقلم عبد المجيد طعام - قصة قصيرة / هناك خطأ ما..