أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزف قزي - هذه قصّتي مع الموت والحياة















المزيد.....

هذه قصّتي مع الموت والحياة


جوزف قزي

الحوار المتمدن-العدد: 5227 - 2016 / 7 / 18 - 14:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


1- سرّ الموت والحياة:
نأتي الحياة دون أن نعرف من سرّها الاّ بعض ظواهر نموّها وتطوّرها، ونرحل عنها دون أن نعرف عن سرّ الرحيل الاّ ظواهر جثّة تنحلّ وتفنى. نجهل ما به تقوم الحياة، كما نجهل إلام سيؤدي بنا الموت. والذي نعلمه بالتأكيد هو انّ الحياة تبقى سائرة دائماً نحو الموت.
الموت هو الفصل الأخير من فصول الحياة. انّه منها وهي له. لولاها لما كان. ومع كونه كمالها وتمامها، فهو أيضاً عدوها الأكبر. بل هو يلاشيها، ويقفل عليها الى الأبد. بعد الموت لن يبقى للأحياء مع الراحلين، ولو هم من أعزّ الراحلين، أيّة صلة. انّه حالة فناء تام. هذا، على الأقل، ما يبدو لنا.
2- الموت كلّ لكلّ الإنسان:
يموت الإنسان حقاً. ويفنى كلّه. ولا يستثتنى منه جزء أو عنصر الاّ بعض الذكر يعقبه النسيان. الموت كامل لكامل الانسان. لا يبور منه جزء ويخلد آخر. الإنسان، عند الموت، لا يتجزأ. بل الموت يحلّه ويفنيه. في الموت ليس جزء يخون آخر. ولا جزء يفتخر، عند الفناء، على جزء آخر. أعني: ليس في الإنسان «نفس» منيعة على الموت، عصيّة، مستعصية، تتباهى على «الجسد». الإنسان كلّ في كلّ: يولد كلّه. ينمو كلّه. ويتطوّر كلّه. ثمّ ينتهي كلّه. كلّه يخضع لسنّة الحياة والموت.
ليس في الإنسان ما يخصّ «الجسد» مستقلاً عمّا يخصّ «النفس». العقل والعاطفة والهوى والإرادة والذاكرة والحريّة والحبّ... كلّها لكلّ الإنسان. وكذلك النوم والأكل والشرب والتعب والجوع والجنس والشهوات السميا والدنيا.. كلّها لكلّ الإنسان.
نستنتج ممّا نقول: لن يكون في الإنسان عند الموت انفصال لجزء عن جزء، أي ليس الموت انفصالاً للنفس عن الجسد. يفنى هذا وتخلّد تلك. يبقـى هذا تحت مطامير التراب مرعى للآكلات، وترحل تلك، سعيدة أو شقيّة، الى حيث لا يعلم أحد.
انّ تجزئة الإنسان الى عنصري النفس والجسد ليست من تعاليم الوحي في شيء. ولا يقولنّ أحد بأنّ الكتاب المقدّس يستعمل اللفظتين، ويستنتج بأنّ ذلك من تعاليم السماء! فللنصوص معانٍ عديدة الاّ الإقرار بتجزئة الإنسان الى نفس وجسد. وفي مثل هذه التجزئة وجدت الفلسفة راحتها في تفسير تناقضات الحياة. أمّا الوحي فقد وجد راحته في ارجاع التناقضات الى مبدأي الخير والشرّ في الوجود.
3- ... والقيامة: لمن تكون؟
إنّ ايمان المسيحيين بالقيامة والخلود لا يستند أبداً إلى وجود نفسٍ خالدةٍ بذاتها. بل هو يستند الى قيامة الربّ وعمل روح الله في الإنسان. أعني: انّ الله نفسه، هو الذي، بحسب قول بولس، «يحيي أيضاً أجسادكم المائتة بروحه الساكن فيكم» (رو11/8).
هذا يعني أنّ «قيامة المؤمن المسيحي مرتبطةٌ ارتباطاً عضوياً جوهرياً بقيامة المسيح» (تعليق على رو 11/8). الروح اذاً هو مبدأ حياةٍ أبدية. لا عنصر في الإنسان خالد سميّ النفس (رو 9/6، غل 20/2، فل 21/1). النفس مبدأ طبيعي من طبيعة الانسان، تحتاج هي أيضاً، الى روحٍ فائق الطبيعة لكي تحظى بالحياة الأبدية.
ونقول أيضاً: انّ قيامة الربّ هي الحجّة والبرهان على قيامتنا وخلودنا. ولولا قيامة الربّ لما كان لنا قيامة، حتى ولو كان في حنايا أعضائنا الف نفسٍ ونفس. فكلّ أملٍ لنا بحياةٍ بعد الموت منوطٌ بقيامة الربّ وبعمل روحه فينا. وليس في جبلّة الإنسان شيء يجعله قادراً على البقاء والخلود. فهو يخلص لانّ الرب يخلّصه، وهو يقوم لانّ الربّ يقيمه. وهو يخلد لانّ الربّ يخلده. وكلام بولس واضح: قيامة الأموات نتيجة حتميّة لقيامة الربّ. فمن ينكر قيامة الأموات ينكر قيامة الربّ (انظر 1 قور 12/15-21).
فنحن نقوم بـ «قوّة من قام». قال بولس: «انّ الله الذي أقام الرب سيقيمنا نحن أيضاً بقدرته» (1 قور 14/6). وقال: «سنكون أحياء معه بقدرة الله» (2 قور 4/13).. قيامة الانسان اذاً انّما تكون بقدرة الله، وليس بقدرة نفسٍ خالدة. والقيامة رهن قيامة الربّ. والصلة بين القيامتين جوهر لا عرض.
4- القيامة. ما هي؟
في عالم يتطوّر باستمرار، يحقّ للمذهلات وحدها أن تكون حقيقة. وما عداها من أمور عاديّة فهو عرضة للنسيان أو للاهمال. قيامة الرب وحدها هي المذهل في هذا التّاريخ. وحدها كانت موضوع البشارة الأولى. ومن أجلها انطلق الرّسل في العالم يحملون اليه الجديد المدهش. وبسببها تحمّلوا الاضطهاد والمضايق والشدائد والموت. وبسببها وجدت المسيحيّة نفسها غريبةً في العالم وعن العالم. ولولاها لكانت ديناً كسائر الأديان التي تدعو الى الخير والاصلاح والتّعاليم الرفيعة على مستوى عادي مألوف، لا مدهش فيها ولا مذهلات.
ومدهش المسيحيّة في هذا الكون قيامة الربّ، والتي بها كانت قيامة الأموات. كان المدهش في انتصار الموت على الحياة، فأصبح، بعد قيامة الرب، انتصار الحياة على الموت. والربّ الذي قام، كان قد مات ثمّ قام بسبب حبّه العظيم للعالم. ممّا يعني انّ القيامة هي انتصار الحبّ على الموت. «والحبّ قويّ كالموت» (نشيد 6/8). «ومن لا يحب يمكث في الموت» (1 يو 14/3)، بل من يحب ينتقل من الموت الى الحياة. لكأنّ القيامة والحبّ والحياة هنّ مدهشات هذا العالم المفتدى.
5- هذه القيامة. كيف تكون؟
«كيف سقوم الأموات؟ وفي أي جسد يعودون؟« (1 قور 35/15). لم يشهد العالم جسداً غير فانٍ. بل انّ الجسد يفسد وينحلّ، وتتحوّل موادّه إلى أجساد أخرى، ولا يعود له أيّ كيان. ويؤكّد ذلك بولس: «انّ اللحم والدم لا يستطيعان أن يرثا ملكوت الله، ولا الفساد أن يرث عدم الفساد» (1 قور 50/15).
ولكن مثل هذه الاستحالة الطبيعيّة لن تقف حائلاً دون «قوّة الله» في إقامة الأموات. ولبولس على ذلك أدلّة:
أوّلها قوله: انّه بسبب قيامة الربّ تكون قيامة الأموات. فكما الربّ قام بغير فساد، كذلك يقوم الأموات بغير فساد: يزرع الكائن بفساد ويقوم بلا فساد. يزرع بهوان ويقوم بمجد. يزرع بضعف ويقوم بقوّة. يزرع جسد حيوانيّ ويقوم جسد روحانيّ» (1 قور 42/15-44). فعلى مثل قيامة الربّ اذا تكون قيامة الأموات.
وثمّة دليل آخر على كيفيّة القيامة، وهو من واقع الحياة: ثثمثّل قيامة الأموات بنتاج حبّة الحنطة. فحبّة الحنطة، ان لم تمت، لا يقوم منها حبّات. وان ماتت كليّاً. لا يقوم منها أيضاً حبّات. فحياة الحبّات رهمن موت الحبّة الأم التي تتحوّل من نوع وجود الى نوعٍِ وجودٍ آخر. والحبّات ليست هي الحبّة الأمّ. وليست هي أيضاً بدون الحبّة الأم. ليست هي بدون موت الحبّة الأمّ، ولا هي بموت الحبّة الأم. ليست هي مثلها، ولا هي مغايرة عنها... انّها وجود آخر تماماً، لكنّه يستند الى الوجود الأوّل تماماً... هكذا تكون القيامة: من موت الحياة الطبيعيّة الى حياة روحانيّة جديدة: «يا جاهل! انّ ما تزرعه أنت، اذا لم يمت فلا يحيا» (صيغة المجهول)، وانّ ما تزرعه لست تزرع الجسم الذي سيكون» (1 قور 36/15-37). فالحياة الثانية هي نتاج الحياة الأولى: «بما انّه يوجد جسد طبيعي فانّه يوجد جسد روحاني أيضاً». ولكن هي غيرها، وان كانت منها.
غير انّ الحياة الطبيعيّة لا تحمل في جوهرها قوّة التحوّل هذا: فحبّة الحنطة ان لم يتهيأ لها الماء والتراب والمناخ وسائر أنواع الاغذية، لا يمكنها، بذاتها، أن تنتج. هكذا نقول: روح الله هو صانع هذا التحوّل. الربّ هو الذي «يبدّل جسدنا... بما له من قدرة. يغيّر جسد ضَعَتنا، فيجعله على صورة جسد مجده، بعمل قدرته» (فل 21/3). و«ذلك الذي أقام الربّ يسوع سيقيمنا نحن أيضاً مع يسوع» (2 قور 14/4). «الله أقام الربّ وسيقيمنا بقوّته» (1 قور 14/6).
6- ولكن، من يقوم؟
كلّنا نقوم، بالربّ ومعه وفيه، الى الحياة. ولا حياة الاّ به ومعه وفيه. وما هو خارج عنه عدم. فالله «إله الأحياء لا اله الأموات» (متى 32/22//). ومن كان غير مؤمن بالرب فهو «غريب عن حياة الله» (أف 18/4)، بل غريب عن طبيعة الله (أنظر 2 بط 4/1). وبقدر ما نكون متّحدين بالرب بقدر ذلك «تبتلع الحياة ما يموت» (2 قور 4/5)... لكأنّ كل ما هو خارج الله لا حياة له.
يوسّع يوحنّا هذه الفكرة، ويردّدها: الله هو نفسه الحياة الأبدية. والحياة الابدية هي ابنه. وقد منحنا ايّاها بابنه: «من له الابن له الحياة». ومن ليس له الابن ليست له الحياة» (1 يو 12/5). من يؤمن بالابن تكون له الحياة. ومن لا يؤمن بالابن لا حياة له. من يؤمن بالابن ينال به الحياة الابدية» (يو 15/3). «من يؤمن بالابن فله الحياة الأبدية ومن لم يؤمن بالابن لا يرى الحياة الأبدية» (36/3). والحياة الابدية هي أن يعرفوك (3/17). «ومن ير الآب ويؤمن تكن له حياة أبدية. وأنا أقيمه في اليوم الآخر» (40/6) الخ...
واضح الكلام: انّ الحياة هي يسوع وحده. وهي للذين يؤمنون به. والذين لا يؤمنون به لا حياة أبدية لهم. معنى ذلك: لن تكون حياة الاّ للمؤمنين دون الكفرة، لأنّ القيامة هي قيامة الى الحياة في الله، لا بعيداً عنه. ولكأنّ من لا يحيا مع الله لا حياة له أبداً. الله هو الحياة. والخلود للذين يحيون به.
ولكن من هم الأبرار الذين يحيون ويَخلدون؟ ومن هم الأشرار الذين لا يحيون وبالتالي لا يخلدون؟ أين هم؟ والى أين يصيرون؟
7- الى أين نقوم؟
اذا كانت المحبّة هي القيامة، وهي الانتصار على الموت، وأقوى منه، فهذا يعني انّ الذي يحبّ أكثر ينعم بسعادة أكبر. والذي يحبّ أقل يسعد أقلّ. والتدرّج في المحبّة، من الأكثر الى الأقلّ، حاصل بسبب وعي الانسان الروحي، وقربه أو بعده، ممّن يحبّ، وتضحياته، وخدماته، وجدّيته... هذا التدرّج هو المعبّر عنه في الانجيل بـ «المنازل»: «في بيت أبي منازل كثيرة» (يو 2/14).
يوحنا، الذي كان أشدّ الرسل حساسيّة على المحبّة وشعوراً بها، هو الذي تكلّم على هذه «المنازل» المتدرّجة في ملكوت الأب. فالحياة الابدية على ما يبدو، هي عيش هذه المحبّة. والمحبّة على قول بولس، هي الباقية في الملكوت بعد زوال الفضائل كلّها (1 قور 13/13).
لهذا نقول: انّ ما نسميّه «سماء» أو «مطهراً» و «جهنّماً» ليس سوى «منازل» تتدرّج فيها المحبّة من حالة القربى من الله حتى الاشتعال الى حالة البعد رويداً رويداً حتى آخر «منزل» حيث النور باهت. والوجود صامت، والحبّ فاتر، والسعادة على حسب مقدرة قابليها.
هؤلاء «المقرّبون» هم الذين يسمّيهم الكتاب «أبراراً»، يتمتّعون بسعادة الدنوّ من الله. والبعيدون، الذين يسمّيهم «أشراراً» باهتون في حبّهم بقدر بعدهم. هؤلاء وأولئك يمجّدون الله حيث هم، ويسعدون بقدر استطاعتهم.
شأن هؤلاء وأولئك كشأن بنين في بيتهم الوالدي، حيث كلّ منهم يسعد بمحبّة والديهم بحسب وعيه وقربه ومسلكه... ونحن مع الله، أسمّانا التقليد الكتابي «أبراراً» أو «أشراراً»، نسعد في «منازلنا» بحسب قربنا أو بعدنا عن مصدر النور والبهاء.
انّ كلمتي «أبرار وأشرار» قد لا تعنيان فصلاً قاطعاً بين القائمين من الموت وكذلك كلمتا «سماء وحهنّم» قد لا تعنيان فصلاً جازماً بين مكانين مغلقين بعضهما على بعض. وكذلك كلمتا «خلاص وهلاك» قد لا تعنيان أيضاً فصلاً حاسماً بين حالين مستقلّتين تمام الاستقلال بعضهما عن بعض. الكلّ يتداخل في الكلّ ويتدرّج بتدرّج اشعاعات النّور التي تبتعد رويداً رويداً عن مصدرها وبهائها. والجالسون في «منازل الظلام» لا يزالون ينعمون ببعض الأشعّة، والاّ لكان في الكون مكان لا يخصّ الله، ولا يخضع لسلطانه، فهؤلاء «الباهتون» هم أيضاً يسبّحون الله ويسعدون.
8- ... واليوم الأخير؟
يصعب علينا تصوّر نهاية العالم، كيف ستكون؟ ومتى؟ هل سيكون ذلك اليوم، كما يصوّره الأدب الرؤيوي، كلصٍّ يأتي بغتة؟ وفي ساعة لا يعلمها أحد؟ هل تزول فيه صورة العالم (1 قور 31/7)، تزول الأرض والسماء. تظلم الشمس وتتساقط النّجوم، وتزلزل الأرض، وتقوم أمّة على أمّة، وتحدث مجاعات وأوبئة، ويظهر المسيح الدّجال؟؟؟
لا شيء يؤكّد لنا ذلك. وما في الانجيل منها أسلوب رؤيوي أبوكالبتي، قال به اليهود والنصارى المتأثّرون بهم والمسلمون الآخذون عن الاثنين معاً.
يُرجّح أن يكون اليوم الأخير يوم تجديد شامل (رسل 21/3) لا يوم خراب المعمورة وتدميرها. وذلك لأنّ العالم كلّه، والخليقة بأسرها، تجددا بالتجسّد، ونعما بالفداء والخلاص والمصالحة مع الله بسبب دم ابنه الزكيّ. وقد لا يخرّب الله ما خلق إن كان باستطاعته إعادة البناء وتجديد كلّ شيء:
«انّ الخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلّي أبناء الله... انّها هي أيضاً ستعتق من عبوديّة الفساد لتشارك أبناء الله حرّيتهم ومجدهم» (رو18/8-25). فمن خلال جسد الانسان الممجّد يتمجّد الكون كلّه... المسيحي يقول حتّى بتحرير المادّة نفسها، لا كما يقول الفلاسفة بتحرير الروح من المادة، اذ الخلاص يشمل الخليقة الماديّة والانسانيّة والملائكيّة كلّها (انظر 1 قور 20/1، أف 10/1، 2 بط 13/3، رؤ 1/21-5، 2 قور 17/5).
تعلن المسيحيّة انّه «سيكون للخليقة الماديّة نصيب في مجد الانسان بعد الفداء كما كان لها نصيب في عقابه بعد الخطيئة» (تعليق على رو 18/8)، وانّ العالم الماديّ ستشمله «المصالحة مع الله في المسيح» (2 قور 18/5-20)، وان الأرواح المعادية لله ستسير في موكب المسيح المنتصر (1 قور 15/2)، وبواسطة المسيح شاء الله» أن يصالح كلّ موجود، سواء في الأرض وفي السماوات» (قول 20/1، انظر أف 11/1، 10/4).
9- الدينونة. خاصّة أم عامّة؟
كلّ انسان، عند أجله، يحاسبه الربّ على أعماله. الذين انفتحوا على المحبّة يهبهم القربى، والذين انغلقوا عليها يعاملهم بحسب محبّته وبحسب فتورهم معاً. انّها الدينونة الخاصّة التي فيها ينال الإنسان جزاء أعمال حياته.
أمّا ما يسمّى بالدينونة العامّة فهي تلك التي تنهي مسيرة الشرّ في الكون، وقد تحصل في ما يسمّى باليوم الأخير، الذي فيه تصبح «صورة هذا العالم في زوال» (1 قور 31/7). وفيه تتمخّض الخليقة بألم وأنين، منتظرة تلك الولادة الجديدة لله، حيث يصبح الله الكلّ في الكلّ (1 قور 28/15). وفيه يحصل التكامل بين الخليقة والانسان: «انّ الخليقة لتتوّقع وتنتظر اعلان أبناء الله، لأنّ الخليقة أخضعت للباطل، لا طوعاً.. وهي نفسها ستحرّر من عبودية الفساد... وهي تئنّ وتتمخّض» (رو 18/8-35).
انّ العالم الماديّ مخلوقٌ من أجل الإنسان، فمن الطبيعي أن يشارك الانسان في مصيره. فكما لعن بسبب خطيئة الإنسان، فهو يمجّد بسبب الإنسان المخلّص. «من خلال جسد الانسان الممجد يتمجّد الكون كلّه» (تعليق على رو 19/8). بهذا تكون «القيامة العامّة». أي عندما يصبح كلّ شيء في الله، وعندما يقضى على الشرّ قضاء تامّاً، وعندما يتلاشى الموت نهائياً، وعندما يتمّ التجديد الشامل (رسل 21/3)، ونسمع الله يقول: «هاءنذا أجعل كلّ شيء جديداً» (رؤيا 5/21).
***
10- المبدأ والمعاد:
هو الربّ يسوع، ابن الآب القدّوس، الأوّل والأخير، الألف والياء، البداية والنهاية، المبدأ والمعاد. به ومن أجله كان كل شيء. وبه ومن أجله ينتهي كلّ شيء. انّه «مبدأ» الخليقة «ومعادها». هو «سماء» للذين يربحونه. وهو «جهنّم» للذين انغلقوا على محبّته. وهو «مطهر» لمن شاء أن ينقّيهم أكثر. وهو «دينونة» لمن رام أن يمتحنهم. وهو «قيامة» للقائمين، بل «بكر القائمين». وهو «حياة» لمن آمنوا به. به ومن أجله «يموت» كلّ حيّ. وبه ومن أجله «يحيا» كل كائن. انّه هو «خلاص» العالم و«مجده» و«سعادته».
كلّ ما في الكون خاضع لسلطانه وداخل في ملكه. ولا شيء يمكنه أن يبقى خارج هذا السلطان وهذا الملكوت. وذلك لئلا يكون للشرّ أيضاً مع الله نصيب. فالسماء منزل من منازل الله، وكذلك جهنّم، فهي حال الفاترين الباهتين في محبّتهم. والحالّون فيها لا يبرحون يؤدّون لله مجداً دائماً، والله بهم أيضاً ينال تسبيحاً، اذ هم يسبّحون بقدر ما يستطيعون.



#جوزف_قزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس الاسلام دينا ولا دولة


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزف قزي - هذه قصّتي مع الموت والحياة