أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرة مباركي - نقد















المزيد.....

نقد


خيرة مباركي

الحوار المتمدن-العدد: 5225 - 2016 / 7 / 16 - 00:59
المحور: الادب والفن
    


نقد
قراءة في قصيدة
بين شعريّة الحلم وانفعال الرّؤيا في قصيدة "اهجع يا صغير" للشاعر العراقي رياض الدليمي
قراءة للناقدة والتشكيلية التونسية خيرة مباركي

منذ الإطلالة الأولى لهذا الكيان النصّي يطالعنا خطابا متميّزا متفرّدا بما ينطوي عليه من خصوصيّات حددت شعريّته وأدرجته ضمن سياق إنشائي مختلف. ولعل منطلقنا لدراسة هذه الشّعريّة جملة الثنائيات التي أقيم عليها النسيج النصي : أولها ثنائية العنوان والمتن .. فأمّا العنوان فقد ورد جملتين الأولى جملة أمر والثانية جملة نداء لتتحدد من خلال التّركيب طبيعة الخطاب الذي يقوم على جملة من الأركان أولها المخاطب المتكلم الذي يتراءى فيه صوت الأم ثم المخاطب المتلقي للخطاب وهو الطفل الصغير .. أما موضوعه فهو ما يخبر عنه المتن الشّعري بكل ما حضر فيه من أساليب وأفانين مثلت جماعا فنّيا للتعبير عن مقاصد الشاعر .. وقد أقيم بدوره على ثنائية أخرى تتحدد بالأصوات الناطقة في المتن فينطلق صوت ال"أنا" متوسّلا بالسّرد آلية للخطاب وهو سرد مجمل استرجاعي تطرح من خلاله الذّاكرة مخزونها تنبع من الماضي في شكل ومضات تتصل بلحظة من لحظات الطّفولة البعيدة وما يتصل فيها بالمهد والولادة .. لعلّه اختيار واع لهذه اللحظة حين ينقل الزمن الواقعي إلى نمط آخر مجهول يعود إليه الحدث بعد جولة تيه. وكأننا به يعود إلى السيرة الأولى يستحضرها منصهرة في تاريخ الأمومة والمهد ، موسومة بالحركية والرغبة في الانعتاق كأنّها أصداء رجع ناي بعيد .. فيخترق بذلك التّخييلي المادّة الواقعيّة وتتمازج المكوّنات حتى لا حدود لهما ، فتتشكّل صورة الماضي من هواجس الحاضر وخيالاته وهذا ما ندركه في بقية النسيج النّصّي .. بهذا نقف إزاء الصّوت الثاني وهو صوت الأم الذي يتحول معه الخطاب من الإخبار إلى الإنشاء ومن التّقرير إلى الانفعال.. وهو ما يضعنا إزاء خطاب تأثيري مباشر قام أساسا على جملة من الأساليب الإنشائية التي أحدثت نغما فنّيّا حمّل السّياق الشعري سمات الأغنية . ولكنّها ليست ككلّ أغنية هي ترنيمة مختلفة تحمل عمقا فنّيّا وتعبيريّا موسوما بنزعة عقليّة تعليميّة تلوّنه بتلاوين الحجج والإقناع .. وهذا جعل من هذه الرّسالة أثرا فنّيّا وشّاها بشعريّة لطيفة رغم ما تنطوي عليه من انفعال .. لعلّنا بذلك نقف إزاء ثنائيّة أخرى : إنّها ثنائيّة الواقع والمتخيّل وثنائيّة الحلم والرّؤيا .. فيستحيل صوت الأم صوتا آخر ندركه في أعماقنا .. إنّه صوت الضمير الحيّ والمصلحة العليا أو لنقل صوت "الأنا الأعلى" القيمي الذي يستيقظ من سباته العميق .. ويتحول معه المنطوق بتلك القيم التي يفتقدها الشاعر في واقع يتوضأ بالدم وتراق على جوانبه الفتن .. هذا الواقع الذي تتجسد بعض ملامحه من خلال صورة المخاطب الذي يظهر غالبا في صورة الطفل :
إنّك تتعبني أيّها الوليد السّاهر
يا طفلي الذي لم يستكن
كل شيء فيك ثائر ..
وهنا تتراءى لنا صورة مخصوصة للطفولة .. تجاوزت كونها رمزا لبداية العالم .. والفردوس المفقود الذي يرنو إليه الرّومنطيقي .. إلى معنى مخالف تماما يصبح فيه رمزا للقلق الوجودي والثورة .. تبرز في أعماقه صورة نيتشويّة بملامح الثورة والفعل والرغبة في النّهوض .. أو لعلّه القلق الوجودي والعبث الذي يجافي المنطق ويضارع الرّيح في طغيانها وانطلاقتها :
إنّك تصفع الكرى بالصّراخ
وتركع النّهار لغفوتك
ولكنّه يعود به إلى ملحمة الخلق الأولى و سرّ الوجود .. فيؤكد على وضاعة المنشأ وهو بهذا يذكّرنا بوعّاظ الزهديات .. رغبة منه في إنشاء سقف من المثل والقيم يدعو إليها على لسان الأم :
ألم تكن من صلصال وطين ؟
أنا نفحات روحك
وشهدي عجينك ..
اهجع يا صغير
كي أسقيك من ظمأ
بهذا يستحيل الخطاب حجة تاريخية ومنطقية في الآن نفسه يؤكد على متانة الصّلة بين عملية الخلق وأصل القيم .. ولعله ضرب من التّأمل يقيمه الشاعر في هذا الوجود ليؤكد من خلاله تبرّمه من حقيقة ما يجري ويحدث .. وذلك إنّما هو بسبب علّيّة منطقيّة مردها أصل الانسان الذي جبل على الوضاعة .. وهنا دعوة ضمنيّة إلى التّواضع .. ثم يتحول الخطاب في نسق تصاعدي لتتحوّل معه علاقة المخاطب (بفتح الطاء) نحو آفاق ميتافيزيقيّة :
أتراك ترضع أحلاما ؟
تتنهّد رؤى
لتتبدّى فيه علاقة الصّبيّ بالأحلام والرؤى ..و لعل الصّبي هنا صورة للشّاعر باعتباره حلقة الوصل بين الذات والعالم .. وقد اقترنت هذه الصّورة باستفهام إنكاري تبطن نظرة مغايرة للشاعر كما عهدناها عند الرّومنطيقيّين .. إنّها دعوة صريحة إلى ضرورة تحمّل الرّسالة مسؤوليّته في هذا الواقع .. من هنا ندرك انفتاح المعنى على معاناة الواقع حين يحاصر الوطن .. إنّها ثنائيّة جديدة بين أعطاف الخطاب هي ثنائيّة الظاهر والباطن .. فالظاهر خطاب ولكنّ الباطن لوعة وشجن .. فما تظهره الأم أكثر من نصح وإرشاد وأكثر من حبّ .. إنّه حبّ يستوعب الذّات والميتافيزيقا .. يتابع الوجود الفردي في مختلف علاقاته الاجتماعيّة والفرديّة والماورائيّة .. إنّه خطاب إنشائيّ انفعاليّ يستوعب النّغمة الثّائرة في صوت الأم التي تتجاوز صورتها الظاهرة : صورة الحب والأمومة والنصّح والإرشاد إلى صورة مخالفة رامزة . فتغدو بذلك رمزا للثورة والحلوليّة .. لعلها صورة الوطن إذا ما سلّمنا بالعلاقة الجدلية بين الأم والأرض : الأم الحالّة في الأرض بما تتسم به من فعل إخصاب وتجدّد والأرض الحالّة في الأم باعتبارها متطبّعة بطبائعها .. وتتسع حركة ال" أنت " لتقترن برموز اسطوريّة مهمة ألفناها في الشعر الحديث ولكن يتحاوز بها الصورة الكلاسيكيّة إلى صورة ينشئها إنشاء ليخلق من الأسطورة أساطير ومن المدلول رموزا ..
ما بالك أيّها الصّغير ؟
تصرخ وكأنّك تقاتل جلجامش
تصرخ لتلين عشتاروت
وتخضعها لجبروتك
تقدّم نحو انكيدو وترميه في الفرات
ليستحمّ من غبار الحروب
بهذه الرّموز الأسطوريّة تتحوّل وجهة الصّراع .. لم تعد عشتار وجلجامش وانكيدو رموز خير وحب وجمال بل أصبحوا أطراف صراع وعنف وموت .. وكأننا بالشّاعر يقيم صورة جديدة للأسطورة فعشتار قد نزلت إلى العالم السّفلي لإنقاذ عشيقها تموز فتدخل الأرض التي تحكمها أختها " أرسخيكال" إلهة الظلام والكآبة والموت .. لعل الشاعر قد عدل عن صورة عشتار ويستعيرها صورة للمخاطب وهو من يحارب الجمال والحب ... بذلك يعدل عن المألوف في طريقة تطويع الأسطورة وتوظيفها .. وهنا تتراءى لنا صورة الإنسان المذنب ولكنّها تعبّر عن التوق الأثير لدى الإنسان في تحقيق فكرة المساواة .. بهذا فالخطاب يمارس فعل البعث والإحياء . وهو في الأساس من خصائص عشتار .. لقد أولى الشاعر أهمية كبرى لهندسة القصيدة التي أقامها على أساس جملة من الثنائيّات بنى من خلالها عالما شعريّا أثّثه من التّراث تارة ومن الحديث طورا جمع فيه بين الرمز والأسطورة .. وبين الحلم والرّؤيا حاول من خلاله أن يولّف من مكونات النّص عالما ماضيا يمتدّ بدلالاته المتنوّعة إلى الحاضر الذي أقام في سياقه الخطاب .. بهذا فقد أقيم النّص على بعدين متحقّقين في ذات الوقت : بعد الماضي الذي يتحرك فيه النّسيج الكلّي المكوّن للنص والبعد الدلالي للزمن الحاضر الذي يختزل معاناة الشاعر ..

النص:
كنت طفلا مشاكسا في المهد
اركل الأحزمة والأغطية
أتشبث بالوسادة
لاستجمع قواي
أمي تبحلق بي
بدهشة
ما هذا الطفل الذي لا ينام ؟
لم اعدْ اعرف منامه وإفاقته
انك تتعبني أيها الوليد الساهر
يا طفلي الذي لم يستكن
كل شي فيك ثائر..
انك تصفع الكرى بالصراخ
وتُركع النهار لغفوتك
الم تكن من صلصال وطين؟
أنا نفحات روحكَ
وشهدي عجينك ..
اهجعْ يا صغير
كي أسقيك من ظمأ
أتترك جيدي ؟
وتمسكُ تلابيب الليل
أتُراكَ ترضعُ أحلاماً؟
.. تتنهدُ رؤى
ما بالك أيها الصغير؟
تصرخ وكأنك تقاتل جلجامش
تصرخ لتلين عشتاروت
وتخضعها لجبروتك ..
تُقدمُ نحو انكيدو وترميه في الفرات
ليستحم من غبار الحروب
.. تنفض عنه شقاق السنين
.. تحرس مملكتك كجندي مقهور
ألا يقترب من جيدي أحد
.. ترسم حدودها بأنفاسك..
أنا أعلنتُ الحدَّ على ضفائري
ألا يلمسها جان
أو قائد مكسور في حرب..
اعتقني من جنونك أيها الولد
كفاك
لا تقترب من النهر المقدس
تعال
أعلمك المشي على النهر
والزحف على الشواطئ
نيران ثوراتك بلا حد..
اخمد أيها اللهب
تعال تفيّء في بساتين العنب
واشرب من حليب التين
غادر المهد..
استرح ... ياااا ... بشر ؟
فك اسر تلابيبي
حل جيدي من مَسكَ
لا تعبث بضفائري ... هي ذخائر عفتي
وبياض أيامي ..
أَمنْ عشبة تشبع صيامك ؟
الجم أحلام المهد
.. امضِ لغابات الأرز
.. أشعلْ النيران فيها
.. اطرد جانك
.. سامر جيوشك
تعلم يا طفلي فن الحرب
من لم يستطع أن يدير رحاها
داسته الجيّاد
ولن يذوق كاس رمادي
وبات بلا مجد .



#خيرة_مباركي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرمز الأنثوي بين الجسد والميتافيزيقا .. قصيدة «لك المآذن ول ...


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرة مباركي - نقد