فلسفة الثواب والعقاب عند خالق الكون سبحانه وتعالي

عبد العزيز فرج عزو

الحوار المتمدن-العدد: 5218 - 2016 / 7 / 9 - 05:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

كتب البخاري في صحيحة بباب من اكتوى أو كوى غيره بالحديث رقم 5377 [....فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألف بغير حساب...].
أتدركون ماذا يقول هذا الكتاب العجل الذي تتعبدون الله به ؟.
• إنه يقول بأن هناك عذابا بالنار للمسلمين [وغيرهم طبعا] قبل الدخول إلى الجنة.
• إنه يقول بأن عدد من يدخلون الجنة بغير حساب معروف ومحدد ومحصور.
• إنه يقول بأنكم ستدخلون النار لأن باقي ذلك الحديث أن رجلا اسمه عكاشة بن محصن قال للنبي [ادعو الله لي أن أكون منهم فقال له النبي أنت منهم فقام رجل آخر فقال وأنا يا رسول الله فقال النبي له سبقك بها عكاشة].
وهكذا فإن الكتاب العجل يقول لكم بأن الأماكن محدودة لدخول الجنة بغير عذاب أما باقي الأمة والأمم فسيتعذبون لأن إله البخاري يتلذذ بذلك العذاب، وهو عذاب متنوع فمن عذاب القبر إلى عذاب جهنم وبينهما رعب الصراط المزعوم وما قبلهما ضمّة القبر واختلاف الأضلاع والثعبان الشجاع الأقرع ومرزبات الحديد وغير ذلك من المزاعم.
أما ربنا إله القرءان والتوراة والإنجيل والكون كله فإنه يغفر أولا بأول ويعذر أولا بأول ويدخل الناس في رحمة الحساب:
• فالحسنة بعشر أمثالها ويضاعف لمن يشاء، والسيئة بواحدة فقط.
• ويتوب الله على من تاب ويبدل سيئاته حسنات.
• ويغفر لمن استغفر.
• ويمحو سيئاتك بالصلاة فيقول سبحانه: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }هود114.
• بل يغفر لمن لا يستغفر ، وأعيدها لناظريكم ألف مرة بأن الله يغفر لمن لا يستغفر لا يستغفر لمجرد أنه كان يجتنب الكبائر أو ارتكبها ثم تاب عنها، بل ويدخله مدخلا كريما، وتدبر في ذلك قول ربنا تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً }النساء31.
• والله يغفر لمن يؤنبه ضميره على ارتكابه المعاصي العمديه، يغفر له لأنه أدرى بضميره الذي يلومه ويؤنبه:[ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ{1} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ{2}.
لذلك فإن دخول الجنة بغير حساب مضمون لكل من زادت حسناته على سيئاته
• وببرك لوالديك فإن الله يحسب لك سائر أعمالك على أفضل عمل لك، يعني يحسب صلواتك على أفضل صلاة أنت صليتها، ويحتسب لك صومك على حساب أفضل يوم أنت صمت فيه وهكذا، وذلك من قوله تعالى:
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{15} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ{16}.
وموضوع احتساب أعلى أجر ليس مقصورا على بر الوالدين بل هو أيضا لمن آمن وعمل صالحا لقوله تعالى:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97.
• وهناك ثواب الصابرين في البأساء والضراء فإنهم يدخلون الجنة بغير حساب، لأن الصبر ثوابه الجنة لقوله تعالى: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }الزمر10 .
وهناك الميزان الذي توزن به أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية حتما ...ومن خفّت موازينه فهو في النار حتما ولن يرى الجنة أبدا مهما كان من الموحدين لأنه إن كان من الموحدين عمليا ما ثقلت سيئاته على حسناته.
فبعد ذلك ومع كل هذه المليارات على مر العصور والأجيال كيف سيكون الداخلين إلى الجنة بغير عذاب سبعين ألفا فقط؟.
كل ذلك يؤكد أن تفعيلك لفرائض الشعائر كفيل بدخولك الجنة، أما من ضل وعصى بينما يقول لا إله إلا الله فلن تنفعه مليار لا إله إلا الله.
ولا يقولن قائل متفلسف بلا عقل، بأن هذا اختصاص الله، فالله يختص بمصيرك لكنه وضع القواعد العامة وأعلنها وصارت معروفة.
فمثلا من قتل مؤمنا من أصحاب لا إله إلا الله متعمدا فسيدخل النار بصرف النظر عن حسنات ذلك القاتل مهما بلغت الحسنات....وسيكون من الذين نستجير الله من مصيرهم بكل صلاة قائلين [غير المغضوب عليهم]... وسيكون ملعونا وسيخلد بالنار{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93.
فهذه نصوص أساسية للثواب والعقاب .
لذلك يقول تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }الأنعام158.
فكل من لم ينفعه إيمانه في اكتساب الحسنات فهو من المخلدين في النار ويدلل على ذلك قوله تعالى [أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً] فليس الأمر إيمان بلا عمل، ولا الانضمام إلى فئة لتدخل الجنة وليس هناك دخول للنار ثم بعدها جنة لأنه حين الوفاة إما أن تبشرك الملائكة وإما أن تنذرك وذلك لقوله تعالى :
{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30}.
فلن يعذب الله نفسا بشرها بالجنة، كما لن ينعّم نفس بشرها بالنار لقوله تعالى:
{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ{37} قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ{38}.
فلن ينفعك إيمان بلا عمل ولن ينفعك كفر، ولن ينفعك أن تعلقها برقبة من تسميهم علماء. فالأمر أمر ميزان توزن به الأعمال برحمة وقواعد بينها الرب تبارك وتعالى للجميع بلا وساطة من علماء ولا أولياء.
-------------
من كنوز مقالات المستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي أمده الله بالصحة والعافية وهو رجل من أهل العلم والتنوير والتجديد في مصر والعالم العربي

#عبد_العزيز_فرج_عزو (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل